الجماعة
مجموعة اشخاص يجتمعون لغاية معينة او نشاط معين. تُستخدم في الكتاب المقدس عدة كلمات عبرانية ويونانية بمعنى جماعة. وإحدى تلك الكلمات الشائعة في الاسفار العبرانية هي عيداه. وهي تُشتق من الجذر ياعاد الذي يعني «عيَّن»، وبالتالي تشير الى مجموعة اجتمعت نتيجة تعيين موعد. (قارن ٢ صم ٢٠:٥؛ مي ٦:٩.) وغالبا ما يرتبط استعمال عيداه بالاسرائيليين، فترد في عبارات مثل «الجماعة» (لا ٨:٤، ٥؛ قض ٢١:١٠)، «جماعة اسرائيل» (خر ١٢:٣؛ عد ٣٢:٤؛ ١ مل ٨:٥)، و «جماعة يهوه» (عد ٢٧:١٧).
هناك كلمة عبرانية اخرى تعني «جماعة»، وهي قاهال التي تأتي من جذر يعني «جمعَ؛ اجتمعَ». (خر ٣٥:١؛ لا ٨:٤؛ عد ٢٠:٨؛ تث ٤:١٠) وكثيرا ما تُستعمل عند الاشارة الى تجمُّع منظم، وترد في العبارات التالية: «جماعة اسرائيل» (لا ١٦:١٧؛ يش ٨:٣٥؛ ١ مل ٨:١٤)، «جماعة اللّٰه» (نح ١٣:١)، و«جماعة يهوه» (عد ٢٠:٤؛ تث ٢٣:٢، ٣؛ ١ اخ ٢٨:٨؛ مي ٢:٥). وتُستعمل قاهال لمختلف انواع التجمُّعات. فقد يكون التجمُّع لأهداف دينية (تث ٩:١٠؛ ١٨:١٦؛ ١ مل ٨:٦٥؛ مز ٢٢:٢٥؛ ١٠٧:٣٢)، لمعالجة شؤون مدنية (١ مل ١٢:٣)، وللحرب (١ صم ١٧:٤٧؛ حز ١٦:٤٠). كما يدعى سليمان «الجامعة» (بالعبرانية قوهيليت) في السفر الذي يحمل هذا الاسم. (جا ١:١، ١٢) فقد كان سليمان، بوصفه الملك، يجمع الشعب لعبادة يهوه. وأحد ابرز الامثلة هو جمعه لرعاياه عند تدشين الهيكل الجديد في اورشليم. — ١ مل ٨:١-٥؛ ٢ اخ ٥:٢-٦.
تُستعمل الكلمة اليونانية إِكّلِسيا (المركّبة من إِك اي «من» و كلِسيس اي «دعوة») بالاجمال في الترجمة السبعينية لنقل الكلمة العبرانية قاهال، كما في مزمور ٢٢:٢٢ (٢١:٢٣، سبع). كما تُستخدم هذه الكلمة احيانا مقابل كلمة عيداه، مع ان عيداه تُنقل ايضا الى الكلمة اليونانية سيناغوغي (حرفيا «إحضار معًا»، من سين اي «معًا» و أغو اي «أحضر»).
في الاسفار اليونانية المسيحية تُستعمل كلمة «جماعة» لترجمة الكلمة إِكّلِسيا. وهي تعني مجموعة اشخاص استُدعوا او دُعوا معًا، سواء بطريقة رسمية او غير رسمية. وهي الكلمة المستعملة للحديث عن جماعة اسرائيل في اعمال ٧:٣٨، كما تُستعمل للاشارة الى «المحفل» او الجموع الذين حرّضهم صائغ الفضة ديمتريوس على بولس ورفيقيه في افسس. (اع ١٩:٢٣، ٢٤، ٢٩، ٣٢، ٤١) غير ان الكلمة تُستعمل في اغلب الاحيان للاشارة الى الجماعة المسيحية ككلّ (١ كو ١٢:٢٨)، الى جماعة في مدينة ما مثل اورشليم (اع ٨:١) او انطاكية (اع ١٣:١) او كورنثوس (٢ كو ١:١)، او الى مجموعة محددة من الاشخاص يجتمعون في بيت احد (رو ١٦:٥؛ فل ٢). وعليه، تُستعمل هذه الكلمة بصيغة الجمع للاشارة الى عدد من الجماعات المسيحية او الى «جماعات اللّٰه» بالاجمال. — اع ١٥:٤١؛ ١ كو ١١:١٦.
جماعة اسرائيل: من ايام موسى فصاعدا، استُعملت كلمة «جماعة» للاشارة الى امة اسرائيل. وقد حرص يهوه ان يكون نظام الحكم في الجماعة ثيوقراطيا اي بسلطته هو، لا ديمقراطيا اي بسلطة الشعب. ولهذه الغاية دخلت الامة في عهد الشريعة. (خر ١٩:٣-٩؛ ٢٤:٦-٨) وبما ان موسى كان وسيط ذلك العهد، جاز ان يقال: «أمرَنا موسى بالشريعة، ميراثا لجماعة يعقوب». (تث ٣٣:٤) كان يهوه قاضيهم ومشترعهم وملكهم. (اش ٣٣:٢٢) وهكذا كانت الامة جماعة تخص اللّٰه، ولذا دُعيت «جماعة يهوه». — عد ١٦:٣؛ ١ اخ ٢٨:٨.
ترد احيانا الكلمتان العبرانيتان قاهال و عيداه (المترجمتان الى «جماعة») في نفس السياق. (لا ٤:١٣؛ عد ٢٠:٨، ١٠) حتى ان صيغتَين لهاتين الكلمتين تظهران في العبارة ذاتها في اللغة الاصلية: قِهال عَدات ييسرائيل. وقد تُرجمت الى «جمهور جماعة اسرائيل». (خر ١٢:٦) وفي امة اسرائيل كانت كلمة قاهال تشير الى الجماعة التي تضم الافراد العبرانيين فقط. (عد ١٥:١٥) اما كلمة عيداه، فيبدو انها كانت تشير الى الجماعة التي تشمل الاسرائيليين والاجانب بينهم. (خر ١٢:١٩) فيظهر ان الاجانب المختونين انتموا الى جماعة الاسرائيليين بالمعنى الاوسع للكلمة. — عد ١٥:١٤-١٦.
غير انه كانت هناك استثناءات في الانتماء الى «جماعة يهوه». فلا المخصي ولا «مقطوع العضو التناسلي» كان يدخل فيها. كذلك مُنع الابناء غير الشرعيين وذكور العمونيين وذكور الموآبيين من دخولها «ولو في الجيل العاشر». اما ابناء الادوميين والمصريين، فالذين «يولدون لهم في الجيل الثالث يدخلون في جماعة يهوه». (تث ٢٣:١-٨) كما ان استثناء ابناء الولد غير الشرعي «ولو في الجيل العاشر» هو تأكيد على تحريم الزنا في شريعة يهوه. (خر ٢٠:١٤) ومع ان المشوَّهين في اعضائهم التناسلية استُثنوا من دخول «جماعة يهوه»، كان يمكن لهؤلاء ان يتعزّوا بكلمات اشعيا في اشعيا ٥٦:١-٧. وطبعا، كان يمكن للافراد الذين مُنعوا من دخول «جماعة يهوه» ان يستفيدوا من التدابير والبركات التي يتيحها يهوه لشعوب الامم عموما. — تك ٢٢:١٥-١٨.
كان اعضاء جماعة اسرائيل يُرحمون اذا اخطأوا عن غير قصد. اما الذي يخطئ عن قصد، فكان يُقتل. (عد ١٥:٢٧-٣١) مثلا، كان الشخص يُقطع من الجماعة، اي يُقتل، اذا رفض تطهير نفسه حين يكون نجسا طقسيا، اذا اكل لحما من ذبيحة المشاركة وهو نجس، اذا اكل من شحم التقدمات او تناول دما، او اذا اكل من الامور المقدسة وهو نجس. (عد ١٩:٢٠؛ لا ٧:٢١-٢٧؛ ١٧:١٠، ١٤؛ ٢٢:٣) كما كان الاشخاص يُقتلون اذا عملوا في السبت (خر ٣١:١٤)، اذا اعطوا احدا من اولادهم لمولك، اذا طلبوا مساعدة الوسطاء الروحانيين والمبصّرين، اذا مارسوا بعض انواع الفساد الادبي الجنسي، وإذا لم ‹يذللوا› انفسهم في عيد الكفارة السنوي. — لا ٢٠:١-٦، ١٧، ١٨؛ ٢٣:٢٧-٣٠؛ انظر ايضا خر ٣٠:٣١-٣٣؛ لا ١٧:٣، ٤، ٨، ٩؛ ١٨:٢٩؛ ١٩:٥-٨.
في حين ان جماعة اسرائيل تألفت من افراد، تألفت الامة نفسها من اسباط وعشائر وبيوت. ويُرى هذا التقسيم التنظيمي مما حدث في قضية عخان. ففي هذه القضية تقدَّم اسرائيل سبطا سبطا في البداية، ثم عشيرة عشيرة، ثم بيتا بيتا، وفي الآخِر رجلا رجلا، الى ان اختير عخان المذنب. — يش ٧:١٠-١٩.
غالبا ما وُجد في إسرائيل رؤساء يمثلون الشعب وينوبون عنهم. (عز ١٠:١٤) لذا تولى «زعماء الاسباط» تقريب التقدمات بعد الانتهاء من نصب خيمة الاجتماع. (عد ٧:١-١١) ومثَّل الكهنة واللاويون و «رؤوس الشعب» الاسرائيليين عند التصديق بختمهم على ‹ميثاق الامانة› في ايام نحميا. (نح ٩:٣٨–١٠:٢٧) وخلال تنقل الاسرائيليين في الصحراء، كان هناك ‹زعماء للجماعة يُدعَون الى الاجتماع، رجال ذوو شهرة›. وقد انضم ٢٥٠ منهم الى قورح وداثان وأبيرام وأون واجتمعوا على موسى وهارون. (عد ١٦:١-٣) كما اختار موسى، بموجب امر من اللّٰه، ٧٠ من شيوخ اسرائيل ممن كانوا عرفاء ليساعدوه في حَمل «حِمل الشعب»، اذ لم يعد بإمكانه ان يحمله وحده. (عد ١١:١٦، ١٧، ٢٤، ٢٥) وتأتي لاويين ٤:١٥ على ذكر «شيوخ الجماعة». لذا يبدو ان ممثلي الشعب كانوا شيوخ الامة ورؤوسها وقضاتها وعرفاءها. — عد ١:٤، ١٦؛ يش ٢٣:٢؛ ٢٤:١.
كان بوقان من فضة يُستعملان في الصحراء لدعوة الجماعة للاجتماع والارتحال. وكانت الجماعة تأتي الى موسى عند مدخل خيمة الاجتماع اذا نُفخ في البوقين معا. اما اذا نُفخ في بوق واحد، فكان «الزعماء، رؤوس الوف اسرائيل» وحدهم يأتون الى هناك. (عد ١٠:١-٤) وأحيانا كان الملوك يَدعون الى تجمُّعات. (١ مل ٨:٥؛ ٢ اخ ٢٠:٤، ٥) وقد ارسل حزقيا عدائين لدعوة الشعب للمجيء الى اورشليم للاحتفال بالفصح العظيم في ايامه. — ٢ اخ ٣٠:١، ٢، ١٠-١٣.
في فترة لاحقة، نشأ السنهدريم الذي صار يتمتع بسلطة واسعة. والسنهدريم هو هيئة قضائية تألفت من ٧١ عضوا: رئيس الكهنة و ٧٠ شخصا آخر من رجال الامة البارزين، ‹مجلس [«جماعة،» يج] الشيوخ›. — مت ٢٦:٥٩؛ لو ٢٢:٦٦.
خلال اسر اليهود في بابل، او بعد ذلك بوقت قصير، نشأت المجامع التي كانت اماكن عامة يجتمع فيها اليهود. وعلى مر الوقت، بُنيت مجامع في شتى الاماكن. وأحدها كان في الناصرة حيث علّم يسوع. (لو ٤:١٦-٢١) كانت المجامع بمثابة مدارس تجري فيها قراءة وتعليم الاسفار المقدسة. كذلك كانت تُقصد للصلاة وتسبيح اللّٰه. — اع ١٥:٢١؛ انظر «المجمع».
كانت جماعة اسرائيل تشغل مكانة مميزة. فقد ذكّر موسى الشعب قائلا: «لأنك شعب مقدس ليهوه إلهك. إياك قد اختار يهوه إلهك لتكون له شعبا، ملكا خاصا، من بين جميع الشعوب التي على وجه الارض». (تث ٧:٦) لكن الجماعة اليهودية لم تعد جماعة اللّٰه، بل رُفضت لأنها رَفضت ابنه. — اع ٤:٢٤-٢٨؛ ١٣:٢٣-٢٩؛ مت ٢١:٤٣؛ ٢٣:٣٧، ٣٨؛ لو ١٩:٤١-٤٤.
جماعة اللّٰه المسيحية: قبل رفض الامة اليهودية وخسارة مكانتها كجماعة للّٰه، قال يسوع عن نفسه انه «الصخر» الذي عليه سيبني ما دعاه «جماعتي». (مت ١٦:١٨) وهذا ما فهمه الرسول بطرس الذي كان يسوع يكلمه آنذاك. فقد قال لاحقا عن يسوع انه ‹الحجر› الرمزي الذي رفضه الناس ولكنه ‹مختار وكريم عند اللّٰه›. وقال انه ‹حجر الزاوية الاساسي›، ومن يؤمن به لن يخيب ابدا. (١ بط ٢:٤-٦؛ مز ١١٨:٢٢؛ اش ٢٨:١٦) كذلك كان بولس جازما في اعتبار يسوع المسيح الاساس الذي تُبنى عليه الجماعة المسيحية. (اف ٢:١٩-٢٢؛ ١ كو ٣:١١) وبما ان الجماعة هي ليهوه، لا عجب ان يشار اليها بعبارة «جماعة اللّٰه». — اع ٢٠:٢٨؛ غل ١:١٣.
وليس المسيح مؤسس الجماعة (باليونانية إِكّلِسيا) المسيحية فحسب، بل هو ايضا رأسها. ولذا يذكر بولس: «أخضع [اللّٰه] ايضا كل شيء تحت قدميه، وجعله رأسا فوق كل شيء للجماعة، التي هي جسده، ملء الذي يملأ تماما كل شيء في الكل». — اف ١:٢٢، ٢٣؛ انظر ايضا كو ١:١٨.
حلت جماعة اللّٰه المسيحية محل جماعة اسرائيل في يوم الخمسين سنة ٣٣ بم، عندما سُكب الروح القدس على أتباع يسوع في اورشليم. وكان الاعضاء المحتملون الاولون لهذه الجماعة قد اختيروا بُعيد معمودية يسوع عند بداية خدمته الارضية. (اع ٢:١-٤؛ يو ١:٣٥-٤٣) ومن بين تلاميذه الاوائل، اختار يسوع ١٢ رسولا. (لو ٦:١٢-١٦) وفي وقت لاحق اختار شاول الطرسوسي الذي صار ‹رسولا للامم›. (اع ٩:١-١٩؛ رو ١١:١٣) والرسل الـ ١٢ الامناء للخروف يسوع المسيح، من بينهم متياس الذي حل محل يهوذا، يؤلفون الاساسات الثانوية للجماعة المسيحية. — اع ١:٢٣-٢٦؛ رؤ ٢١:١، ٢، ١٤.
يقال عن هذه الجماعة انها «جماعة الابكار المسجلين في السموات». وهم يخضعون لرئاسة المسيح ويبلغ عددهم ٠٠٠,١٤٤. (عب ١٢:٢٣؛ رؤ ٧:٤) هؤلاء المدعوُّون «اشتُروا من بين الناس» ليؤدوا عملا مهما على الارض، على ان يصيروا لاحقا مع المسيح في السماء كعروس له. ومثلما كانت هناك شروط للانتماء الى جماعة اللّٰه العبرانية، كذلك توجد شروط للانتماء الى «جماعة اللّٰه» المسيحية. فأفراد هذه الجماعة هم متبتّلون روحيا، ويتبعون الخروف يسوع المسيح اينما ذهب، ‹ولا يوجد في افواههم باطل، وهم بلا شائبة›. — رؤ ١٤:١-٥.
يهوه هو من يختار اعضاء جماعة اللّٰه المسيحية. (رو ٨:٣٠؛ ٢ تس ٢:١٣) وقد دُعي اعضاؤها الاولون من الجماعة اليهودية المرفوضة التي لم تقبل بابن اللّٰه مسيّا لهم. ولكن ابتداءً بكرنيليوس في عام ٣٦ بم، صار اعضاء الجماعة المسيحية يُدعَون ايضا من الامم. وهذا ما دفع بولس ليقول: «ليس هناك يهودي ولا يوناني، وليس هناك عبد ولا حر، وليس هناك ذكر ولا انثى؛ لأنكم جميعا واحد في اتحاد بالمسيح يسوع». (غل ٣:٢٨؛ اع ١٠:٣٤، ٣٥؛ رو ١٠:١٢؛ اف ٢:١١-١٦) وفي حين ان عهد الشريعة، الذي كان موسى وسيطه وسارت عليه جماعة اسرائيل، قد تمَّمه المسيح وأزاله يهوه اللّٰه من الطريق (مت ٥:١٧؛ ٢ كو ٣:١٤؛ كو ٢:١٣، ١٤)، ينعم اعضاء جماعة اللّٰه المسيحية بفوائد العهد الجديد، العهد الذي وسيطه هو موسى الاعظم، يسوع المسيح. (مت ٢٦:٢٨؛ عب ١٢:٢٢-٢٤؛ اع ٣:١٩-٢٣) وفي حين ان الكهنة والملوك في اسرائيل كانوا يُعيَّنون بمسحهم بزيت (خر ٣٠:٢٢-٣٠؛ ٢ مل ٩:٦)، فإن من يختارهم اللّٰه ليكونوا اعضاء في الجماعة المسيحية يُعيَّنون بمسحهم بالروح القدس (٢ كو ١:٢١، ٢٢؛ ١ يو ٢:٢٠) ويتبنّاهم يهوه اللّٰه ابناء له. — اف ١:٥.
كانت الجماعة العبرانية مؤلفة بالاجمال من اسرائيليين طبيعيين. والذين يؤلفون جماعة اللّٰه المسيحية المختارة هم اسرائيليون روحيون يشكّلون اسباط اسرائيل الروحي. (رؤ ٧:٤-٨) وبما ان اغلبية الاسرائيليين الطبيعيين رفضوا يسوع المسيح، فإنه «ليس جميع المتحدرين من اسرائيل هم حقا ‹اسرائيل›»، اي اسرائيل الروحي. (رو ٩:٦-٩) وقد قال بولس عن جماعة اللّٰه المسيحية المؤلفة من يهود روحيين: «ليس اليهودي من كان في الظاهر يهوديا، ولا الختان ما كان في الظاهر في اللحم. بل اليهودي هو من كان في الباطن يهوديا، وختانه هو ختان القلب بالروح». — رو ٢:٢٨، ٢٩.
عندما تأتي الاسفار اليونانية المسيحية على ذكر كلمة «جماعة» بالمعنى العام، فالمقصود هو اجمالا الاعضاء الـ ٠٠٠،١٤٤ فيها، اي أتباع المسيح المختارون دون ان يُحسب يسوع بينهم. (اف ٥:٣٢؛ عب ١٢:٢٣، ٢٤) لكن الوحي الإلهي طبّق كلمات داود المسجلة في مزمور ٢٢:٢٢ على يسوع المسيح في عبرانيين ٢:١٢، وهذا يدل على ان كلمة «جماعة» يمكن ان تشمل ايضا رأسها، يسوع المسيح. فقد ذكر كاتب سفر العبرانيين، مقتبسا جزئيا من كلمات داود: «المقدَّس والمقدَّسون جميعهم من واحد، ولهذا السبب لا يخجل بأن يدعوهم ‹إخوة›، اذ يقول: ‹أعلن اسمك لإخوتي، في وسط الجماعة أسبحك بالترنيم›. (عب ٢:١١، ١٢) فمثلما كان داود عضوا في جماعة اسرائيل التي في وسطها سبّح يهوه، كذلك يمكن اعتبار يسوع المسيح في هذه الحالة فردا في الجماعة الروحية، فيما يُدعى الآخرون فيها ‹اخوته›. (قارن مت ٢٥:٣٩، ٤٠.) لقد كان داود ينتمي الى جماعة يهوه اللّٰه الاسرائيلية؛ وكذلك كان يسوع المسيح عضوا فيها وهو على الارض، وكان يبشّر بين افرادها. وقد صارت بقية من تلك الجماعة جزءا من جماعة يسوع.
التنظيم في الجماعة المسيحية: لم تعمل جماعات اللّٰه المسيحية بشكل مستقل الواحدة عن الاخرى رغم انتشارها في مختلف الاماكن، بل اعترفت كلها بسلطة الهيئة الحاكمة المسيحية في اورشليم. كانت هذه الهيئة الحاكمة تتألف من الرسل ومن شيوخ جماعة اورشليم. ولم تنشأ في اماكن اخرى هيئات منافسة تسعى لتشرف هي على الجماعة. وإلى الهيئة الحاكمة المسيحية الامينة في القرن الاول الميلادي رُفعت قضية الختان للنظر فيها. وعندما اتخذت الهيئة قرارها بتوجيه من الروح القدس، قُبل القرار وصار ملزِما لكل الجماعات المسيحية. وأذعنت تلك الجماعات له طوعا. — اع ١٥:٢٢-٣١.
فقد ارسلت تلك الهيئة المسيحية في اورشليم ممثلين جائلين عنها. وسلّم بولس وآخرون قرار الهيئة الحاكمة، اذ يقول السجل: «وإذ كانوا يجتازون في المدن كانوا يسلّمونهم الاحكام التي قررها الرسل والشيوخ الذين في اورشليم». وأي اثر تركه ذلك؟ «فكانت الجماعات تتشدد في الايمان وتزداد في العدد يوما فيوما». (اع ١٦:٤، ٥) وفي وقت سابق، «لما سمع الرسل في اورشليم ان السامرة قد قبلت كلمة اللّٰه، ارسلوا اليهم بطرس ويوحنا. فنزل هذان وصليا من اجلهم لكي ينالوا روحا قدسا». — اع ٨:١٤، ١٥.
كانت كل جماعة تلتزم بتوجيهات الهيئة الحاكمة المسيحية التي اشرفت على تعيين الشيوخ. (تي ١:١، ٥) وهكذا، بموجب ارشادات الهيئة الحاكمة المسيحية بتوجيه من الروح القدس، كان يتم تعيين الشيوخ والخدام المساعدين في كل جماعة. وكان على الذين يشغلون هذه المسؤوليات المهمة ان يمتلكوا مؤهلات محددة. (١ تي ٣:١-١٣؛ تي ١:٥-٩) والممثلون الجائلون عن الهيئة الحاكمة، مثل بولس، كانوا يتمثلون بالمسيح ورسموا مثالا حسنا يُقتدى به. (١ كو ١١:١؛ في ٤:٩) وليس هم فقط، بل كان على جميع الرعاة الروحيين ان يصيروا «امثلة للرعية» (١ بط ٥:٢، ٣)، وأن يظهروا الاهتمام الصادق بالافراد في الجماعة (١ تس ٢:٥-١٢)، وأن يساعدوا المرضى روحيا. — غل ٦:١؛ يع ٥:١٣-١٦؛ انظر «الخادم»؛ «الشيخ»؛ «الناظر».
مثلما نظّم يهوه جماعة اسرائيل تحت قيادة شيوخ ورؤوس وقضاة وعرفاء (يش ٢٣:٢)، كذلك نظّم عمل الاشراف في الجماعة المسيحية بتعيين شيوخ في مراكز مسؤولية فيها. (اع ١٤:٢٣) ومثلما كان الرجال المسؤولون يمثّلون احيانا كامل جماعة اسرائيل في بعض الامور، كما في المسائل القضائية (تث ١٦:١٨)، كذلك جعل اللّٰه كل جماعة مسيحية تُمثَّل في هذه المسائل برجال مسؤولين عيّنهم الروح القدس في مراكزهم. (اع ٢٠:٢٨؛ ١ كو ٥:١-٥) ولكن في حال نشأت مشاكل بين اعضاء جماعة اللّٰه المسيحية، فإن كلمات يسوع المسيح في متى ١٨:١٥-١٧ (التي قالها قبل رفض يهوه لجماعة اللّٰه اليهودية وهكذا انطبقت في البداية عليها) تُتّخذ اساسا لمعالجة هذه المشاكل.
وضع يهوه اللّٰه الاعضاء في «جسد» المسيح الروحي «كما شاء». وذكر بولس: «وضع اللّٰه في الجماعة مختلف الاعضاء: اولا رسلا، ثانيا انبياء، ثالثا معلمين، ثم قوات، ثم مواهب شفاء، وإعانات، وقدرات على التوجيه، وألسنة مختلفة». فلم يكن الجميع يقومون بنفس الادوار، لكنهم جميعا ضروريون للجماعة المسيحية. (١ كو ١٢:١٢-٣١) وأوضح بولس ان وجود رسل وأنبياء ومبشرين ورعاة ومعلمين في الجماعة المسيحية هو «لأجل إصلاح القديسين، لعمل الخدمة، لبنيان جسد المسيح، الى ان نبلغ جميعنا الى الوحدانية في الايمان وفي معرفة ابن اللّٰه الدقيقة، الى انسان مكتمل النمو، الى قياس قامة ملء المسيح». — اف ٤:١١-١٦.
أعطيت جماعة اسرائيل شرائع من اللّٰه، وقد ادركت بالتجربة انه «ليس بالخبز وحده يحيا الانسان، بل بكل قول يخرج من فم يهوه يحيا الانسان». (تث ٨:١-٣) كذلك عرف يسوع المسيح انه لا يحيا الانسان بالخبز وحده، «بل بكل كلمة تخرج من فم يهوه». (مت ٤:١-٤) لذا اتُّخذت إجراءات لتحصل الجماعة المسيحية على الطعام الروحي الضروري. فقد تحدَّث المسيح نفسه، في معرض نبوته عن حضوره وآخر ايام هذا العالم، عن «عبد» يوزع هذا الطعام على ‹خدم البيت› المسيحيين. وذكر ان «السيد»، عند مجيئه، سيقيم هذا «العبد الامين الفطين» «على جميع ممتلكاته». — مت ٢٤:٣، ٤٥-٤٧.
كانت التجمُّعات لعبادة يهوه والتأمل في شريعته مهمة جدا في جماعة اسرائيل. (تث ٣١:١٢؛ نح ٨:١-٨) كذلك الامر بالنسبة لجماعة اللّٰه المسيحية. فالاجتماعات التي تُعقد لعبادة يهوه ودرس الاسفار المقدسة جزء اساسي من نشاطها حتى ان كاتب سفر العبرانيين ناشد مستلمي رسالته ألا يتركوا اجتماعهم. (عب ١٠:٢٤، ٢٥) كما انه، في المجامع التي نشأت في وقت لاحق من التاريخ اليهودي، كانت تجري قراءة وتعليم الاسفار المقدسة وتقديم الصلوات والتسبيح ليهوه. وهذه الامور انتقلت الى اماكن الاجتماع المسيحية وإنما بدون الشعائر التي أُضيفت لاحقا في المجامع. كذلك لم يكن هناك صف رجال دين في المجامع، بل كان يمكن لأي يهودي ذَكر تقيّ ان يشارك في قراءة الاسفار المقدسة وشرحها. وهكذا ايضا في الجماعة المسيحية الباكرة. فلم يكن فيها تفرقة بين الاكليروس والعلمانيين او اي تقسيم مماثل. وطبعا، لا في الجماعة المسيحية ولا في المجامع كانت النساء يعلّمن او يتسلطن على الرجال. — ١ تي ٢:١١، ١٢.
والتنظيم الجيد في اجتماعات جماعة اللّٰه المسيحية يعكس شخصية يهوه الذي وضع ترتيب الاجتماعات لأتباع المسيح. ‹فاللّٰه ليس إله تشويش، بل إله سلام›. وبفضل هذا التنظيم، كان كل الحاضرين ينالون فوائد روحية كبيرة. — ١ كو ١٤:٢٦-٣٥، ٤٠؛ انظر «الاجتماع»؛ «المحفل المقدس».