اَلْفَصْلُ ٱلْأَوَّلُ
«يَتَكَلَّمُ بَعْدُ، مَعَ أَنَّهُ مَاتَ»
١ كَيْفَ مُنِعَ آدَمُ وَحَوَّاءُ وَذُرِّيَّتُهُمَا مِنْ دُخُولِ جَنَّةِ عَدْنٍ، وَمَاذَا كَانَ جُلُّ مَا يَتَمَنَّاهُ هَابِيلُ؟
أَخَذَ هَابِيلُ يُرَاقِبُ قَطِيعَهُ يَرْعَى بِسَلَامٍ عَلَى سَفْحِ ٱلتَّلِّ. وَلَعَلَّهُ شَخَصَ بِبَصَرِهِ بَعِيدًا مُحَاوِلًا أَنْ يَلْمَحَ وَمِيضًا بَاهِتًا. يَعْرِفُ هَابِيلُ أَنَّ هٰذَا ٱلْوَمِيضَ مُنْبَعِثٌ مِنْ سَيْفٍ مُلْتَهِبٍ يَتَقَلَّبُ عَلَى ٱلدَّوَامِ قَاطِعًا ٱلطَّرِيقَ إِلَى جَنَّةِ عَدْنٍ. فَوَالِدَاهُ عَاشَا فِي هٰذَا ٱلْفِرْدَوْسِ ذَاتَ يَوْمٍ، وَلٰكِنْ مَا عَادَ يَحِقُّ لَهُمَا أَوْ لِذُرِّيَّتِهِمَا أَنْ يَطَأُوا عَتَبَتَهُ. تَخَيَّلْ نَسِيمَ ٱلْمَسَاءِ ٱلْعَلِيلَ يَعْبَثُ بِشَعْرِ هَابِيلَ وَهُوَ يَرْفَعُ عَيْنَيْهِ إِلَى ٱلْعَلَاءِ مُتَفَكِّرًا فِي ٱللّٰهِ وَمُتَسَائِلًا: ‹تُرَى هَلْ تُرْدَمُ يَوْمًا ٱلْهُوَّةُ بَيْنَ ٱلْخَالِقِ وَٱلْبَشَرِ؟›. كَانَ ذٰلِكَ جُلَّ مَا يَتَمَنَّاهُ.
٢-٤ كَيْفَ يَتَكَلَّمُ هَابِيلُ مَعَنَا ٱلْيَوْمَ؟
٢ هَلْ فِي وِسْعِ هَابِيلَ ٱلَّذِي غَيَّبَهُ ٱلْمَوْتُ مُنْذُ أَمَدٍ بَعِيدٍ أَنْ يَتَكَلَّمَ مَعَنَا ٱلْيَوْمَ؟ قَدْ تَعْتَبِرُ هٰذِهِ ٱلْفِكْرَةَ مِنْ رَابِعِ ٱلْمُسْتَحِيلَاتِ. فَٱبْنُ آدَمَ ٱلثَّانِي هٰذَا مَاتَ مُنْذُ ٦٠ قَرْنًا تَقْرِيبًا وَبَلِيَتْ عِظَامُهُ فِي قَدِيمِ ٱلزَّمَانِ. وَٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ يُعَلِّمُنَا أَنَّ ٱلْأَمْوَاتَ «لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا». (جا ٩:٥، ١٠) أَضِفْ إِلَى ذٰلِكَ أَنَّ ٱلْأَسْفَارَ ٱلْمُقَدَّسَةَ لَا تُورِدُ كَلِمَةً وَاحِدَةً عَلَى لِسَانِهِ. فَكَيْفَ لَهُ أَنْ يُكَلِّمَنَا؟
٣ أُوحِيَ إِلَى ٱلرَّسُولِ بُولُسَ أَنْ يَكْتُبَ: «بِهِ يَتَكَلَّمُ [هَابِيلُ] بَعْدُ، مَعَ أَنَّهُ مَاتَ». (اقرإ العبرانيين ١١:٤.) فَبِمَ يَتَكَلَّمُ هَابِيلُ؟ نَقْرَأُ فِي بِدَايَةِ ٱلْعَدَدِ ٤ أَنَّهُ يَتَكَلَّمُ بِٱلْإِيمَانِ. فَهُوَ أَوَّلُ إِنْسَانٍ عَلَى ٱلْإِطْلَاقِ نَمَّى هٰذِهِ ٱلصِّفَةَ ٱلرَّائِعَةَ. وَكَانَ إِيمَانُهُ مِنَ ٱلْقُوَّةِ بِمَكَانٍ بِحَيْثُ لَا يَزَالُ نَافِعًا لَنَا حَتَّى هٰذَا ٱلْيَوْمِ. وَحِينَ نَتَعَلَّمُ مِنْ مِثَالِهِ وَنَسْعَى إِلَى ٱلِٱقْتِدَاءِ بِهِ، يَتَكَلَّمُ مَعَنَا، إِذَا جَازَ ٱلتَّعْبِيرُ، وَيُسَاعِدُنَا عَلَى تَقْوِيَةِ إِيمَانِنَا.
٤ وَلٰكِنْ كَيْفَ عَسَانَا نَتَعَلَّمُ عَنْ هَابِيلَ وَإِيمَانِهِ فِيمَا ٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ لَا يَذْكُرُ عَنْهُ سِوَى ٱلشَّيْءِ ٱلْيَسِيرِ؟ لِنَرَ مَعًا.
يُولَدُ عِنْدَ «تَأْسِيسِ ٱلْعَالَمِ»
٥ مَا مَعْنَى عِبَارَةِ يَسُوعَ ٱلَّتِي قَرَنَ فِيهَا «تَأْسِيسَ ٱلْعَالَمِ» بِهَابِيلَ؟ (اُنْظُرْ أَيْضًا ٱلْحَاشِيَةَ.)
٥ أَبْصَرَ هَابِيلُ ٱلنُّورَ وَٱلْبَشَرِيَّةُ لَا تَزَالُ فِي مَهْدِهَا. فَفِي وَقْتٍ لَاحِقٍ، رَبَطَ يَسُوعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ «تَأْسِيسِ ٱلْعَالَمِ». (اقرأ لوقا ١١:٥٠، ٥١.) وَكَمَا يَتَّضِحُ، قَصَدَ ٱلْعَالَمَ ٱلْمُؤَلَّفَ مِنْ بَشَرٍ قَدْ يَنَالُونَ فُرْصَةَ ٱلِٱفْتِدَاءِ وَٱلتَّحَرُّرِ مِنَ ٱلْخَطِيَّةِ. فَفِي حِينِ أَنَّ هَابِيلَ هُوَ رَابِعُ إِنْسَانٍ مَشَى عَلَى ٱلْأَرْضِ، كَانَ عَلَى مَا يَظْهَرُ أَوَّلَ مَنْ رَآهُ ٱللّٰهُ مُسْتَحِقًّا ٱلْفِدَاءَ.a مِنْ هُنَا، يَبْدُو جَلِيًّا أَنَّ هَابِيلَ لَمْ يَتَرَعْرَعْ وَسْطَ ظُرُوفٍ مِثَالِيَّةٍ.
٦ مَاذَا يُمْكِنُ ٱلْقَوْلُ عَنْ وَالِدَيْ هَابِيلَ؟
٦ مَعَ أَنَّ ٱلْبَشَرِيَّةَ كَانَتْ فِي طَوْرِ ٱلطُّفُولَةِ، خَيَّمَتْ عَلَيْهَا سَحَابَةٌ مِنَ ٱلْحُزْنِ وَٱلتَّعَاسَةِ. فَوَالِدَا هَابِيلَ، آدَمُ وَحَوَّاءُ، ٱللَّذَانِ تَمَتَّعَا عَلَى ٱلْأَرْجَحِ بِٱلْجَمَالِ وَٱلنَّشَاطِ وَٱلْقُوَّةِ، ٱرْتَكَبَا عَمْدًا غَلْطَةً فَظِيعَةً. فَقَدْ كَانَا يَحْظَيَانِ بِٱلْكَمَالِ وَبِرَجَاءِ ٱلْعَيْشِ إِلَى ٱلْأَبَدِ، غَيْرَ أَنَّهُمَا تَمَرَّدَا عَلَى يَهْوَهَ ٱللّٰهِ وَطُرِدَا مِنْ مَوْطِنِهِمَا ٱلْفِرْدَوْسِيِّ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ. فَهُمَا أَعْطَيَا ٱلْأَوْلَوِيَّةَ لِرَغَبَاتِهِمَا، حَتَّى إِنَّهُمَا دَاسَا عَلَى حَاجَاتِ ذُرِّيَّتِهِمَا، فَخَسِرَا ٱلْكَمَالَ وَضَاعَ ٱلْأَمَلُ بِٱلْحَيَاةِ ٱلْأَبَدِيَّةِ. — تك ٢:١٥–٣:٢٤.
٧، ٨ أَيَّةُ كَلِمَاتٍ تَفَوَّهَتْ بِهَا حَوَّاءُ حِينَ وَلَدَتْ قَايِينَ، وَمَاذَا رُبَّمَا خَطَرَ عَلَى بَالِهَا؟
٧ مَا إِنْ طُرِحَ آدَمُ وَحَوَّاءُ خَارِجَ ٱلْجَنَّةِ حَتَّى بَدَأَتْ حَيَاةُ ٱلتَّعَبِ وَٱلشَّقَاءِ. مَعَ ذٰلِكَ، عِنْدَمَا وُلِدَ طِفْلُهُمَا ٱلْأَوَّلُ قَايِينُ، ٱسْمٌ مَعْنَاهُ «ٱلَّذِي أُنْجِبَ»، هَتَفَتْ حَوَّاءُ قَائِلَةً: «رُزِقْتُ رَجُلًا بِعَوْنِ يَهْوَهَ». فَلَرُبَّمَا خَطَرَ عَلَى بَالِهَا ٱلْوَعْدُ ٱلَّذِي قَطَعَهُ يَهْوَهُ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ، مُنْبِئًا عَنِ ٱمْرَأَةٍ سَتُنْجِبُ ‹نَسْلًا›، أَوْ ذُرِّيَّةً، يَقْضِي يَوْمًا مَا عَلَى ٱلْكَائِنِ ٱلشِّرِّيرِ ٱلَّذِي أَضَلَّهَا هِيَ وَآدَمَ. (تك ٣:١٥؛ ٤:١) فَهَلْ ظَنَّتْ حَوَّاءُ أَنَّهَا هِيَ ٱلْمَرْأَةُ ٱلْمُنْبَأُ بِهَا وَأَنَّ قَايِينَ هُوَ ‹ٱلنَّسْلُ› ٱلْمَوْعُودُ بِهِ؟
٨ إِذَا دَارَتْ هٰذِهِ ٱلْفِكْرَةُ فِي خَلَدِهَا، فَكَمْ كَانَتْ مُخْطِئَةً! وَفِي حَالِ زَرَعَتْ هِيَ وَآدَمُ هٰذِهِ ٱلْأَفْكَارَ فِي رَأْسِ قَايِينَ وَهُوَ يَكْبُرُ، فَلَا بُدَّ أَنَّهُمَا عَزَّزَا صِفَةَ ٱلْكِبْرِيَاءِ فِي شَخْصِيَّتِهِ. بَعْدَ فَتْرَةٍ مِنَ ٱلْوَقْتِ، أَنْجَبَتْ حَوَّاءُ ٱبْنًا ثَانِيًا. لٰكِنَّنَا لَا نَقْرَأُ عَنْهُ كَلِمَاتٍ تَنِمُّ عَنِ ٱلْإِثَارَةِ وَٱلْفَرَحِ كَٱلَّتِي قِيلَتْ فِي قَايِينَ. فَقَدْ دَعَيَاهُ هَابِيلَ ٱلَّذِي رُبَّمَا يَعْنِي «نَفْخَةً» أَوْ «بَاطِلًا». (تك ٤:٢) فَهَلْ يَدُلُّ ٱخْتِيَارُهُمَا لِهٰذَا ٱلِٱسْمِ أَنَّهُمَا لَمْ يُعَلِّقَا آمَالًا كَبِيرَةً عَلَى هَابِيلَ كَمَا عَلَى أَخِيهِ قَايِينَ؟ رُبَّمَا، لٰكِنَّنَا لَا نَعْلَمُ ذٰلِكَ يَقِينًا.
٩ مَاذَا يُمْكِنُ لِلْوَالِدِينَ ٱلْيَوْمَ أَنْ يَتَعَلَّمُوا مِنْ أَبَوَيْنَا ٱلْأَوَّلَيْنِ؟
٩ يُمْكِنُ لِلْوَالِدِينَ ٱلْيَوْمَ أَنْ يَتَعَلَّمُوا ٱلْكَثِيرَ مِنْ أَبَوَيْنَا ٱلْأَوَّلَيْنِ. فَلْيَسْأَلْ كُلٌّ مِنْهُمْ نَفْسَهُ: ‹هَلْ أُغَذِّي بِأَقْوَالِي وَتَصَرُّفَاتِي كِبْرِيَاءَ أَوْلَادِي وَمَطَامِحَهُمْ وَمُيُولَهُمُ ٱلْأَنَانِيَّةَ، أَمْ إِنِّي أُعَلِّمُهُمْ أَنْ يُحِبُّوا يَهْوَهَ وَيَبْنُوا صَدَاقَةً مَعَهُ؟›. مِنَ ٱلْمُحْزِنِ أَنَّ ٱلْأَبَوَيْنِ ٱلْأَوَّلَيْنِ لَمْ يَنْهَضَا بِمَسْؤُولِيَّتِهِمَا كَمَا يَجِبُ. لٰكِنَّ هٰذَا لَا يَعْنِي أَنَّ ذُرِّيَّتَهُمَا وَصَلَتْ إِلَى طَرِيقٍ مَسْدُودٍ.
كَيْفَ نَمَّى هَابِيلُ ٱلْإِيمَانَ؟
١٠، ١١ بِمَ ٱشْتَغَلَ كُلٌّ مِنْ قَايِينَ وَهَابِيلَ، وَأَيُّ صِفَةٍ نَمَّاهَا هَابِيلُ؟
١٠ فِيمَا كَبُرَ قَايِينُ وَهَابِيلُ، يَظْهَرُ أَنَّ آدَمَ دَرَّبَهُمَا عَلَى تَأْدِيَةِ ٱلْأَعْمَالِ ٱللَّازِمَةِ لِإِعَالَةِ ٱلْعَائِلَةِ. فَٱشْتَغَلَ قَايِينُ بِٱلزِّرَاعَةِ، فِي حِينِ عَمِلَ هَابِيلُ رَاعِيَ غَنَمٍ.
١١ غَيْرَ أَنَّ هَابِيلَ تَمَيَّزَ بِأَمْرٍ مُهِمٍّ لِلْغَايَةِ. فَعَلَى مَرِّ ٱلسِّنِينَ، نَمَّى صِفَةً رَائِعَةً كَتَبَ عَنْهَا بُولُسُ لَاحِقًا: اَلْإِيمَانَ. وَلٰكِنْ كَيْفَ بَنَى إِيمَانَهُ بِيَهْوَهَ، هُوَ ٱلَّذِي ٱفْتَقَرَ إِلَى مِثَالٍ بَشَرِيٍّ يَحْتَذِي بِهِ؟ لِنَتَفَحَّصْ ثَلَاثَ رَكَائِزَ يُرَجَّحُ أَنَّ إِيمَانَهُ تَأَسَّسَ عَلَيْهَا.
١٢، ١٣ كَيْفَ سَاهَمَتْ خَلِيقَةُ يَهْوَهَ فِي تَرْسِيخِ إِيمَانِ هَابِيلَ؟
١٢ خَلِيقَةُ يَهْوَهَ. مَعَ أَنَّ يَهْوَهَ لَعَنَ ٱلْأَرْضَ فَصَارَتْ تُنْبِتُ شَوْكًا وَحَسَكًا يُعَرْقِلُ عَمَلَ ٱلزِّرَاعَةِ، ظَلَّتْ تُغْدِقُ عَلَى عَائِلَةِ هَابِيلَ ٱلطَّعَامَ ٱلدَّاعِمَ لِحَيَاتِهَا. أَضِفْ إِلَى ذٰلِكَ أَنَّ ٱللّٰهَ لَمْ يَلْعَنِ ٱلْحَيَوَانَاتِ مِنْ بَهَائِمَ وَطُيُورٍ وَأَسْمَاكٍ وَغَيْرِهَا، وَلَا لَعَنَ ٱلْجِبَالَ وَٱلْبُحَيْرَاتِ وَٱلْأَنْهَارَ وَٱلْبِحَارَ، وَلَا ٱلسَّمَاءَ وَٱلْغُيُومَ وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ. فَأَيْنَمَا كَانَ هَابِيلُ يُجِيلُ بَصَرَهُ، رَأَى ٱلْبَرَاهِينَ عَلَى غِنَى مَحَبَّةِ وَحِكْمَةِ وَصَلَاحِ يَهْوَهَ ٱلَّذِي خَلَقَ كُلَّ ٱلْأَشْيَاءِ. (اقرأ روما ١:٢٠.) وَلَا شَكَّ أَنَّ تَأَمُّلَهُ بِعَيْنِ ٱلتَّقْدِيرِ فِي مَصْنُوعَاتِ خَالِقِهِ سَاهَمَ فِي تَرْسِيخِ إِيمَانِهِ.
١٣ مِنَ ٱلْمُؤَكَّدِ أَيْضًا أَنَّ هَابِيلَ صَرَفَ ٱلْوَقْتَ يُفَكِّرُ فِي حَاجَتِهِ إِلَى إِلٰهِهِ يَهْوَهَ. تَخَيَّلْ كَيْفَ كَانَ يُعْنَى بِقَطِيعِهِ. فَٱلرَّاعِي قَدِيمًا ٱعْتَادَ أَنْ يَمْشِيَ مَسَافَاتٍ طَوِيلَةً وَهُوَ يَقُودُ غَنَمَهُ ٱلطَّيِّعَةَ عَبْرَ ٱلتِّلَالِ وَٱلْوِدْيَانِ وَٱلْأَنْهَارِ بَاحِثًا لَهَا عَنْ مَرَاعٍ خَصِيبَةٍ وَمِيَاهٍ مُنْعِشَةٍ وَمَرَابِضَ آمِنَةٍ. فَمِنْ بَيْنِ مَخْلُوقَاتِ ٱللّٰهِ جَمْعَاءَ، تَبْدُو ٱلْخِرَافُ أَكْثَرَهَا ضَعْفًا، وَكَأَنَّهَا خُلِقَتْ بِحَاجَةٍ إِلَى إِرْشَادِ وَحِمَايَةِ ٱلْإِنْسَانِ. فَهَلْ أَحَسَّ هَابِيلُ هُوَ أَيْضًا بِٱلْحَاجَةِ إِلَى إِرْشَادِ وَحِمَايَةِ وَٱهْتِمَامِ إِلٰهِهِ ٱلَّذِي يَفُوقُ مُطْلَقَ إِنْسَانٍ فِي ٱلْحِكْمَةِ وَٱلْقُوَّةِ؟ لَا رَيْبَ أَنَّهُ أَفْضَى بِأَفْكَارٍ كَهٰذِهِ إِلَى يَهْوَهَ فِي ٱلصَّلَاةِ، فَظَلَّ يَنْمُو فِي ٱلْإِيمَانِ.
١٤، ١٥ أَيَّةُ حَقَائِقَ تَتَعَلَّقُ بِنُبُوَّاتِ يَهْوَهَ تَأَمَّلَ فِيهَا هَابِيلُ؟
١٤ نُبُوَّاتُ يَهْوَهَ. أَغْلَبُ ٱلظَّنِّ أَنَّ آدَمَ وَحَوَّاءَ قَصَّا عَلَى ٱبْنَيْهِمَا ٱلْأَحْدَاثَ ٱلَّتِي أَدَّتْ إِلَى طَرْدِهِمَا مِنْ جَنَّةِ عَدْنٍ. فَكَانَتْ لَدَى هَابِيلَ حَقَائِقُ كَثِيرَةٌ لِيَتَأَمَّلَ فِيهَا.
١٥ مَثَلًا، قَالَ يَهْوَهُ إِنَّ ٱلْأَرْضَ سَتُلْعَنُ جَرَّاءَ خَطِيَّةِ آدَمَ وَحَوَّاءَ. وَقَدْ رَأَى هَابِيلُ بِوُضُوحٍ كَيْفَ تَمَّمَ ٱلشَّوْكُ وَٱلْحَسَكُ هٰذِهِ ٱلْكَلِمَاتِ. أَنْبَأَ يَهْوَهُ كَذٰلِكَ أَنَّ حَوَّاءَ سَتُعَانِي مَشَقَّةً خِلَالَ ٱلْحَمْلِ وَٱلْوِلَادَةِ. وَفِيمَا رَأَى هَابِيلُ أُمَّهُ تَتَأَلَّمُ وَتَتَعَذَّبُ وَهِيَ تُنْجِبُ، تَبَرْهَنَتْ لَهُ دُونَ شَكٍّ صِحَّةُ هٰذِهِ ٱلنُّبُوَّةِ. كَمَا أَنْبَأَ يَهْوَهُ أَنَّ حَوَّاءَ سَتَشْعُرُ بِحَاجَةٍ غَيْرِ سَوِيَّةٍ إِلَى حُبِّ وَٱهْتِمَامِ آدَمَ ٱلَّذِي كَانَ بِدَوْرِهِ سَيَتَسَلَّطُ عَلَيْهَا، وَهِيَ حَقِيقَةٌ مُؤْسِفَةٌ شَهِدَهَا هَابِيلُ بِأُمِّ عَيْنَيْهِ. وَبِتَحَقُّقِ كُلِّ هٰذِهِ ٱلنُّبُوَّاتِ، أَدْرَكَ أَنَّ كَلِمَةَ يَهْوَهَ جَدِيرَةٌ تَمَامًا بِٱلثَّقَةِ. وَهٰكَذَا، ٱمْتَلَكَ أَسْبَابًا وَجِيهَةً دَفَعَتْهُ إِلَى ٱلْإِيمَانِ بِوَعْدِهِ عَنْ «نَسْلٍ»، أَوْ ذُرِّيَّةٍ، سَيُصَوِّبُ يَوْمًا مَا ٱلْأَخْطَاءَ ٱلَّتِي نَبَتَتْ فِي عَدْنٍ. — تك ٣:١٥-١٩.
١٦، ١٧ مَاذَا رُبَّمَا تَعَلَّمَ هَابِيلُ مِنَ ٱلْكَرُوبِيمِ؟
١٦ خُدَّامُ يَهْوَهَ. صَحِيحٌ أَنَّهُ مَا مِنْ أَحَدٍ ضِمْنَ عَائِلَةِ هَابِيلَ رَسَمَ لَهُ مِثَالًا حَسَنًا، إِلَّا أَنَّ ٱلْبَشَرَ مَا كَانُوا ٱلْمَخْلُوقَاتِ ٱلذَّكِيَّةَ ٱلْوَحِيدَةَ عَلَى ٱلْأَرْضِ آنَذَاكَ. فَعِنْدَمَا طُرِدَ آدَمُ وَحَوَّاءُ مِنَ ٱلْجَنَّةِ، حَرَصَ يَهْوَهُ أَلَّا يَدْخُلَا هُمَا أَوْ ذُرِّيَّتُهُمَا هٰذَا ٱلْفِرْدَوْسَ ٱلْأَرْضِيَّ. وَلِحِرَاسَةِ مَدْخَلِهِ، أَقَامَ ٱلْكَرُوبِيمَ، مَلَائِكَةً رَفِيعَةَ ٱلْمُسْتَوَى، فَضْلًا عَنْ لَهِيبِ سَيْفٍ مُتَقَلِّبٍ عَلَى ٱلدَّوَامِ. — اقرإ التكوين ٣:٢٤.
١٧ تَخَيَّلْ مَا أَحَسَّ بِهِ هَابِيلُ وَهُوَ يُرَاقِبُ هٰؤُلَاءِ ٱلْكَرُوبِيمَ فِي صِبَاهُ. فَٱلْأَجْسَادُ ٱلْبَشَرِيَّةُ ٱلَّتِي ٱتَّخَذُوهَا أَوْحَتْ حَتْمًا بِقُوَّةٍ هَائِلَةٍ. وَ ‹ٱلسَّيْفُ› ٱلْمُشْتَعِلُ وَٱلْمُتَقَلِّبُ عَلَى مَدَارِ ٱلسَّاعَةِ أَوْقَعَ أَيْضًا ٱلرَّهْبَةَ فِي ٱلنَّفْسِ. وَلٰكِنْ هَلْ حَدَثَ أَنْ سَئِمَ ٱلْكَرُوبِيمُ عَمَلَهُمْ وَتَخَلَّوْا عَنِ ٱلْمُهِمَّةِ ٱلْمُوكَلَةِ إِلَيْهِمْ؟ كَلَّا عَلَى ٱلْإِطْلَاقِ. فَٱلْأَيَّامُ وَٱلسِّنُونَ وَٱلْعُقُودُ تَوَالَتْ وَهٰذِهِ ٱلْمَخْلُوقَاتُ ٱلذَّكِيَّةُ ٱلْجَبَّارَةُ تُلَازِمُ مَكَانَهَا. وَهٰكَذَا تَعَلَّمَ هَابِيلُ أَنَّ هُنَاكَ مَنْ يَخْدُمُ يَهْوَهَ بِإِخْلَاصٍ وَٱسْتِقَامَةٍ. فَقَدِ ٱسْتَطَاعَ أَنْ يَرَى فِي هٰؤُلَاءِ ٱلْكَرُوبِيمِ وَلَاءً وَطَاعَةً لِيَهْوَهَ لَمْ يَلْمُسْهُمَا فِي عَائِلَتِهِ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ هٰذَا ٱلْمِثَالَ ٱلْمَلَائِكِيَّ وَطَّدَ إِيمَانَهُ.
١٨ أَيَّةُ أَسْبَابٍ عَدِيدَةٍ لَدَيْنَا تَحْفِزُنَا عَلَى تَثْبِيتِ إِيمَانِنَا ٱلْيَوْمَ؟
١٨ فِعْلًا، ٱزْدَادَ إِيمَانُ هَابِيلَ قُوَّةً بِتَأَمُّلِهِ فِي كُلِّ مَا كَشَفَهُ يَهْوَهُ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ خِلَالِ خَلِيقَتِهِ، نُبُوَّاتِهِ، وَأَمْثِلَةِ خُدَّامِهِ ٱلْمَلَائِكِيِّينَ. أَفَلَا نَتَعَلَّمُ ٱلْكَثِيرَ مِنْ مِثَالِهِ؟ أَلَا يَطْمَئِنُّ ٱلشُّبَّانُ وَٱلشَّابَّاتُ خُصُوصًا حِينَ يَعْرِفُونَ أَنَّ بِمَقْدُورِهِمْ تَنْمِيَةَ إِيمَانٍ أَصِيلٍ بِيَهْوَهَ ٱللّٰهِ، بِصَرْفِ ٱلنَّظَرِ عَنْ مَوْقِفِ أَفْرَادِ عَائِلَتِهِمْ؟ لِنَتَذَكَّرْ دَوْمًا أَنَّ لَدَيْنَا أَسْبَابًا عَدِيدَةً تَحْفِزُنَا عَلَى تَثْبِيتِ إِيمَانِنَا ٱلْيَوْمَ. فَرَوَائِعُ ٱلْخَلِيقَةِ تُحِيطُ بِنَا، ٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ بِكَامِلِهِ فِي مُتَنَاوَلِ يَدِنَا، وَأَشْخَاصٌ كَثِيرُونَ هُمْ أَمْثِلَةٌ لَنَا فِي ٱلْإِيمَانِ.
مَا ٱلسِّرُّ فِي ذَبِيحَةِ هَابِيلَ؟
١٩ أَيُّ حَقِيقَةٍ مُهِمَّةٍ لِلْغَايَةِ أَدْرَكَهَا هَابِيلُ مَعَ مُرُورِ ٱلْوَقْتِ؟
١٩ فِيمَا نَمَا إِيمَانُ هَابِيلَ بِيَهْوَهَ، رَغِبَ أَنْ يُتَرْجِمَ إِيمَانَهُ هٰذَا إِلَى أَعْمَالٍ. وَلٰكِنْ مَاذَا فِي طَاقَةِ ٱلْإِنْسَانِ أَنْ يُقَدِّمَ لِخَالِقِ ٱلْكَوْنِ بِأَسْرِهِ؟ فَٱللّٰهُ لَا تُعْوِزُهُ أَيَّةُ عَطِيَّةٍ أَوْ مُسَاعَدَةٍ مِنَ ٱلْبَشَرِ. غَيْرَ أَنَّ هَابِيلَ أَدْرَكَ مَعَ مُرُورِ ٱلْوَقْتِ حَقِيقَةً مُهِمَّةً لِلْغَايَةِ: فِي وِسْعِهِ أَنْ يَحْظَى بِرِضَى أَبِيهِ ٱلْمُحِبِّ شَرْطَ أَنْ يُقَدِّمَ لَهُ أَفْضَلَ مَا عِنْدَهُ بِدَافِعٍ صَائِبٍ.
٢٠، ٢١ مَاذَا قَرَّبَ كُلٌّ مِنْ قَايِينَ وَهَابِيلَ لِيَهْوَهَ، وَكَيْفَ كَانَ رَدُّ فِعْلِهِ؟
٢٠ قَرَّرَ هَابِيلُ أَنْ يُقَدِّمَ قُرْبَانًا مِنْ قَطِيعِهِ. فَٱخْتَارَ أَبْكَارَ ٱلْغَنَمِ، أَيْ أَحْسَنَهَا، وَمَا بَدَا لَهُ أَفْضَلَ أَجْزَاءِ ٱلذَّبِيحَةِ. قَايِينُ أَيْضًا رَغِبَ فِي نَيْلِ بَرَكَةِ ٱللّٰهِ وَٱسْتِحْسَانِهِ، فَهَيَّأَ قُرْبَانًا مِنْ جَنَى زَرْعِهِ. لٰكِنَّ دَافِعَهُ كَانَ مُخْتَلِفًا. وَبَانَ هٰذَا ٱلِٱخْتِلَافُ حِينَ قَدَّمَ هُوَ وَأَخُوهُ قُرْبَانَيْهِمَا.
٢١ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ ٱبْنَيْ آدَمَ كِلَيْهِمَا ٱسْتَخْدَمَا مَذْبَحًا وَنَارًا عِنْدَ تَقْرِيبِ تَقْدِمَتَيْهِمَا، وَلَعَلَّهُمَا قَامَا بِهٰذِهِ ٱلْخُطْوَةِ عَلَى مَرْأًى مِنَ ٱلْكَرُوبِيمِ ٱلَّذِينَ كَانُوا مُمَثِّلِي يَهْوَهَ ٱلْوَحِيدِينَ عَلَى ٱلْأَرْضِ آنَذَاكَ. فَمَاذَا كَانَ رَدُّ فِعْلِ يَهْوَهَ؟ نَقْرَأُ: «نَظَرَ يَهْوَهُ بِٱسْتِحْسَانٍ إِلَى هَابِيلَ وَقُرْبَانِهِ». (تك ٤:٤) إِلَّا أَنَّ ٱلْكِتَابَ ٱلْمُقَدَّسَ لَا يَذْكُرُ كَيْفَ بَيَّنَ ٱللّٰهُ ٱسْتِحْسَانَهُ.
٢٢، ٢٣ لِمَ نَظَرَ يَهْوَهُ بِٱسْتِحْسَانٍ إِلَى تَقْدِمَةِ هَابِيلَ؟
٢٢ وَلٰكِنْ لِمَ خَصَّ ٱللّٰهُ هَابِيلَ بِرِضَاهُ؟ هَلْ كَانَ ٱلسَّبَبُ هُوَ ٱلتَّقْدِمَةَ بِحَدِّ ذَاتِهَا؟ فَهَابِيلُ قَرَّبَ حَيَوَانَاتٍ حَيَّةً وَسَفَكَ دَمَهَا ٱلثَّمِينَ ٱلَّذِي يُمَثِّلُ حَيَاتَهَا. فَهَلْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَدْرَكَ كَمْ قَيِّمَةٌ هِيَ ذَبِيحَتُهُ؟ بَعْدَ قُرُونٍ مِنْ زَمَنِ هَابِيلَ، أَوْصَى ٱللّٰهُ بِتَقْدِيمِ حَمَلٍ لَا شَائِبَةَ فِيهِ رَمْزًا إِلَى ذَبِيحَةِ ٱبْنِهِ ٱلْكَامِلِ، «حَمَلِ ٱللّٰهِ»، ٱلَّذِي كَانَ دَمُهُ ٱلْبَرِيءُ سَيُسْفَكُ مِنْ أَجْلِ ٱلْبَشَرِ. (يو ١:٢٩؛ خر ١٢:٥-٧) وَلٰكِنْ لَا بُدَّ أَنَّ هَابِيلَ لَمْ يَعْرِفْ أَوْ يَفْهَمْ آنَذَاكَ مُعْظَمَ هٰذِهِ ٱلْحَقَائِقِ.
٢٣ عَلَى أَيَّةِ حَالٍ، ٱلْأَمْرُ ٱلْيَقِينُ أَنَّ هَابِيلَ قَرَّبَ أَفْضَلَ مَا عِنْدَهُ. وَيَهْوَهُ لَمْ يَنْظُرْ بِٱسْتِحْسَانٍ إِلَى تَقْدِمَتِهِ فَحَسْبُ، بَلْ إِلَيْهِ هُوَ أَيْضًا. فَقَدْ فَعَلَ مَا فَعَلَ لِأَنَّهُ أَحَبَّ يَهْوَهَ وَآمَنَ بِهِ إِيمَانًا أَصِيلًا.
٢٤ (أ) لِمَ لَمْ يَكُنِ ٱلْعَيْبُ فِي تَقْدِمَةِ قَايِينَ بِحَدِّ ذَاتِهَا؟ (ب) كَيْفَ يُشْبِهُ قَايِينُ ٱلْكَثِيرِينَ فِي أَيَّامِنَا؟
٢٤ بِٱلْمُقَابِلِ، «لَمْ يَنْظُرْ [يَهْوَهُ] بِٱسْتِحْسَانٍ إِلَى قَايِينَ وَقُرْبَانِهِ». (تك ٤:٥) وَلَيْسَ ٱلسَّبَبُ أَنَّ قُرْبَانَهُ كَانَ مَعِيبًا، فَشَرِيعَةُ ٱللّٰهِ سَمَحَتْ لَاحِقًا بِتَقْرِيبِ تَقْدِمَةٍ مِنْ غَلَّةِ ٱلْأَرْضِ. (لا ٦:١٤، ١٥) لٰكِنَّ ٱلْكِتَابَ ٱلْمُقَدَّسَ يَقُولُ إِنَّ «أَعْمَالَهُ كَانَتْ شِرِّيرَةً». (اقرأ ١ يوحنا ٣:١٢.) فَعَلَى غِرَارِ ٱلْكَثِيرِينَ فِي أَيَّامِنَا، ظَنَّ كَمَا يَظْهَرُ أَنْ لَا ضَيْرَ فِي عِبَادَةِ ٱللّٰهِ عِبَادَةً شَكْلِيَّةً. وَسُرْعَانَ مَا بَيَّنَتْ تَصَرُّفَاتُهُ أَنَّهُ لَا يُحِبُّ يَهْوَهَ وَلَا يُؤْمِنُ بِهِ إِيمَانًا حَقِيقِيًّا.
٢٥، ٢٦ أَيُّ تَحْذِيرٍ أَعْطَاهُ يَهْوَهُ لِقَايِينَ، وَهَلْ أَصْغَى إِلَى كَلَامِ إِلٰهِهِ؟
٢٥ وَهَلْ سَعَى قَايِينُ إِلَى ٱلِٱتِّعَاظِ بِمِثَالِ هَابِيلَ حِينَ رَأَى أَنَّهُ لَمْ يَفُزْ بِرِضَى يَهْوَهَ؟ كَلَّا، بَلِ ٱمْتَلَأَ حِقْدًا عَلَى أَخِيهِ. وَقَدْ مَيَّزَ يَهْوَهُ ٱلْمَشَاعِرَ ٱلَّتِي ٱخْتَلَجَتْ فِي قَلْبِهِ، فَحَاوَلَ أَنْ يُحَاجَّهُ بِصَبْرٍ وَحَذَّرَهُ لِئَلَّا يُودِيَ بِهِ مَسْلَكُهُ هٰذَا إِلَى ٱرْتِكَابِ خَطِيَّةٍ جَسِيمَةٍ. وَعَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ ‹يُرْفَعَ›، أَيْ أَنْ يَنْعَمَ بِرِضَاهُ، شَرِيطَةَ أَنْ يُغَيِّرَ طُرُقَهُ. — تك ٤:٦، ٧.
٢٦ لٰكِنَّ قَايِينَ ضَرَبَ بِتَحْذِيرِ ٱللّٰهِ عَرْضَ ٱلْحَائِطِ. فَقَدْ طَلَبَ مِنْ أَخِيهِ ٱلْأَصْغَرِ ذِي ٱلنِّيَّةِ ٱلْحَسَنَةِ أَنْ يُرَافِقَهُ إِلَى ٱلْحَقْلِ. وَهُنَاكَ، قَامَ عَلَيْهِ وَأَرْدَاهُ قَتِيلًا. (تك ٤:٨) وَعَلَيْهِ، يُمْكِنُ ٱلْقَوْلُ إِنَّ هَابِيلَ أَصْبَحَ أَوَّلَ شَهِيدٍ، أَيْ أَوَّلَ ضَحِيَّةٍ لِلِٱضْطِهَادِ ٱلدِّينِيِّ. وَلٰكِنْ هَلْ طُوِيَتْ صَفْحَةُ هٰذَا ٱلرَّجُلِ ٱلْأَمِينِ؟
٢٧ (أ) لِمَ نَحْنُ وَاثِقُونَ أَنَّ هَابِيلَ سَيَقُومُ مِنَ ٱلْأَمْوَاتِ؟ (ب) مَاذَا عَلَيْنَا أَنْ نَفْعَلَ لِنُلَاقِيَ هَابِيلَ يَوْمًا مِنَ ٱلْأَيَّامِ؟
٢٧ لَقَدْ صَرَخَ دَمُ هَابِيلَ مَجَازِيًّا إِلَى يَهْوَهَ طَالِبًا ٱلثَّأْرَ، أَيْ إِقَامَةَ ٱلْعَدْلِ. وَبِٱلْفِعْلِ، أَقَامَ ٱللّٰهُ ٱلْعَدْلَ مُنْزِلًا ٱلْعِقَابَ بِقَايِينَ ٱلشِّرِّيرِ عَلَى جَرِيمَتِهِ. (تك ٤:٩-١٢) لٰكِنَّ ٱلْأَهَمَّ أَنَّ هَابِيلَ يَتَكَلَّمُ مَعَنَا ٱلْيَوْمَ، إِذَا جَازَ ٱلتَّعْبِيرُ، مِنْ خِلَالِ إِيمَانِهِ ٱلْمِثَالِيِّ. فَمَعَ أَنَّ حَيَاتَهُ كَانَتْ قَصِيرَةً، رُبَّمَا ١٠٠ سَنَةٍ تَقْرِيبًا، مُقَارَنَةً بِحَيَاةِ ٱلنَّاسِ فِي تِلْكَ ٱلْحِقْبَةِ، فَقَدِ ٱسْتَغَلَّهَا أَحْسَنَ ٱسْتِغْلَالٍ فِي خِدْمَةِ يَهْوَهَ. وَهُوَ مَاتَ عَالِمًا أَنَّهُ يَحْظَى بِمَحَبَّةِ وَرِضَى أَبِيهِ ٱلسَّمَاوِيِّ. (عب ١١:٤) لِذَا نَحْنُ وَاثِقُونَ أَنَّهُ مَحْفُوظٌ فِي ذَاكِرَةِ يَهْوَهَ غَيْرِ ٱلْمَحْدُودَةِ بِٱنْتِظَارِ أَنْ يَقُومَ إِلَى ٱلْحَيَاةِ عَلَى أَرْضٍ فِرْدَوْسِيَّةٍ. (يو ٥:٢٨، ٢٩) فَهَلْ تَوَدُّ مُلَاقَاتَهُ هُنَاكَ؟ صَمِّمْ إِذًا أَنْ تُصْغِيَ إِلَيْهِ وَتَقْتَدِيَ بِإِيمَانِهِ ٱلرَّائِعِ.
a تَتَضَمَّنُ عِبَارَةُ «تَأْسِيسِ ٱلْعَالَمِ» فِكْرَةَ «ٱلْبَذْرِ»، إِشَارَةً إِلَى إِنْجَابِ ٱلذُّرِّيَّةِ ٱلْبَشَرِيَّةِ ٱلْبَاكِرَةِ. وَلٰكِنْ لِمَ قَرَنَ يَسُوعُ «تَأْسِيسَ ٱلْعَالَمِ» بِهَابِيلَ لَا بِقَايِينَ ٱلَّذِي كَانَ بِدَايَةَ هٰذِهِ ٱلذُّرِّيَّةِ؟ لِأَنَّ قَرَارَاتِ قَايِينَ وَتَصَرُّفَاتِهِ ٱعْتُبِرَتْ تَمَرُّدًا عَمْدِيًّا عَلَى يَهْوَهَ ٱللّٰهِ. لِذَا مِنَ ٱلْمَنْطِقِيِّ ٱلِٱسْتِنْتَاجُ أَنَّهُ لَا يَسْتَأْهِلُ ٱلْقِيَامَةَ وَٱلْفِدَاءَ، شَأْنُهُ فِي ذٰلِكَ شَأْنُ وَالِدَيْهِ.