اَلْفَصْلُ ٱلثَّانِي
‹سَارَ مَعَ ٱللّٰهِ›
١، ٢ بِأَيِّ مَشْرُوعٍ ٱنْشَغَلَ نُوحٌ وَعَائِلَتُهُ، وَمَا هِيَ بَعْضُ ٱلتَّحَدِّيَاتِ ٱلَّتِي وَاجَهُوهَا؟
تَوَقَّفَ نُوحٌ هُنَيْهَةً يَلْتَقِطُ أَنْفَاسَهُ مِنْ عَنَاءِ ٱلتَّعَبِ، فَجَلَسَ مُنْتَصِبًا وَتَمَطَّطَ قَلِيلًا لِيُرِيحَ عَضَلَاتِهِ ٱلْمُنْهَكَةَ. تَخَيَّلْهُ جَالِسًا عَلَى عَارِضَةٍ خَشَبِيَّةٍ يَتَأَمَّلُ هَيْكَلَ ٱلْفُلْكِ ٱلضَّخْمِ مِنْ فَوْقُ. اَلْجَوُّ يَعْبَقُ بِرَائِحَةِ ٱلْقَارِ ٱلسَّاخِنِ ٱلْحَادَّةِ، وَأَدَوَاتُ ٱلنِّجَارَةِ يَتَرَدَّدُ صَدَاهَا فِي أَرْجَاءِ ٱلْمَكَانِ. مِنْ مَوْقِعِهِ ٱلْمُشْرِفِ، يَرَى نُوحٌ بَنِيهِ مُنْكَبِّينَ عَلَى ٱلْعَمَلِ فِي مُخْتَلِفِ أَجْزَاءِ ٱلْهَيْكَلِ ٱلْخَشَبِيِّ ٱلْهَائِلِ. لَقَدْ مَضَتْ عُقُودٌ وَهُوَ وَزَوْجَتُهُ ٱلْحَبِيبَةُ وَبَنُوهُ وَزَوْجَاتُهُمْ يَكُدُّونَ مَعًا فِي بِنَاءِ ٱلْفُلْكِ. وَرَغْمَ أَنَّهُمْ قَطَعُوا شَوْطًا كَبِيرًا، كَانَ أَمَامَهُمْ مِشْوَارٌ طَوِيلٌ بَعْدُ.
٢ اِعْتَبَرَهُمْ أَهْلُ ٱلْمِنْطَقَةِ عَائِلَةَ مَجَانِينَ. وَكُلَّمَا ٱتَّضَحَتْ مَعَالِمُ ٱلْفُلْكِ زَادَ ضَحِكُهُمْ وَٱسْتِهْزَاؤُهُمْ بِفِكْرَةِ طُوفَانٍ يَغْمُرُ ٱلْأَرْضَ كُلَّهَا. فَهٰذِهِ ٱلْكَارِثَةُ ٱلَّتِي مَا ٱنْفَكَّ نُوحٌ يُنْذِرُهُمْ بِحُدُوثِهَا بَدَتْ لَهُمْ بَعِيدَةَ ٱلِٱحْتِمَالِ جِدًّا، بَلْ مُنَافِيَةً لِلْمَنْطِقِ! فَأَيُّ رَجُلٍ عَاقِلٍ يُضَيِّعُ حَيَاتَهُ — وَحَيَاةَ عَائِلَتِهِ أَيْضًا — فِي مَشْرُوعٍ سَخِيفٍ كَهٰذَا؟! لٰكِنَّ يَهْوَهَ، إِلٰهَ نُوحٍ، رَأَى فِيهِ إِنْسَانًا مُخْتَلِفًا.
٣ بِأَيِّ مَعْنًى سَارَ نُوحٌ مَعَ ٱللّٰهِ؟
٣ يَذْكُرُ ٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ: «سَارَ نُوحٌ مَعَ ٱللّٰهِ». (اقرإ التكوين ٦:٩.) فَهَلْ عَنَى ذٰلِكَ أَنَّ ٱللّٰهَ نَزَلَ وَسَارَ عَلَى ٱلْأَرْضِ، أَوْ أَنَّ نُوحًا صَعِدَ بِطَرِيقَةٍ مَا إِلَى ٱلسَّمَاءِ؟ لَا هٰذَا وَلَا ذَاكَ. لَقَدْ أَطَاعَ نُوحٌ كَلَامَ يَهْوَهَ بِحَذَافِيرِهِ وَأَحَبَّهُ مَحَبَّةً شَدِيدَةً بِحَيْثُ يُمْكِنُ ٱلْقَوْلُ إِنَّهُ سَارَ مَعَهُ مِثْلَمَا يَسِيرُ صَدِيقَانِ حَمِيمَانِ مَعًا. وَبَعْدَ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفَيْ سَنَةٍ، قَالَ عَنْهُ ٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ: «بِٱلْإِيمَانِ نُوحٌ . . . حَكَمَ عَلَى ٱلْعَالَمِ». (عب ١١:٧) فَمَا ٱلْمَقْصُودُ بِهٰذِهِ ٱلْكَلِمَاتِ؟ وَمَاذَا نَتَعَلَّمُ نَحْنُ ٱلْيَوْمَ مِنْ إِيمَانِهِ؟
رَجُلٌ بِلَا لَوْمٍ فِي عَالَمٍ مُلْتَوٍ
٤، ٥ كَيْفَ تَدَهْوَرَ ٱلْعَالَمُ مِنْ سَيِّئٍ إِلَى أَسْوَأَ فِي أَيَّامِ نُوحٍ؟
٤ تَرَعْرَعَ نُوحٌ فِي عَالَمٍ تَدَهْوَرَ مِنْ سَيِّئٍ إِلَى أَسْوَأَ. لَقَدْ كَانَ ٱلْوَضْعُ رَدِيئًا فِي ٱلْأَسَاسِ أَيَّامَ جَدِّ أَبِيهِ أَخْنُوخَ، وَهُوَ أَيْضًا رَجُلٌ بَارٌّ سَارَ مَعَ ٱللّٰهِ وَتَنَبَّأَ بِيَوْمِ دَيْنُونَةٍ آتٍ عَلَى جَمِيعِ ٱلْكَافِرِينَ. لٰكِنَّ ٱلشَّرَّ فِي أَيَّامِ نُوحٍ بَاتَ أَفْظَعَ بِكَثِيرٍ، بِحَيْثُ فَسَدَتِ ٱلْأَرْضُ لِأَنَّهَا ٱمْتَلَأَتْ عُنْفًا. (تك ٥:٢٢؛ ٦:١١؛ يه ١٤، ١٥) فَلِمَ وَصَلَتِ ٱلْأُمُورُ إِلَى هٰذَا ٱلْحَدِّ؟
٥ فِي ٱلْحَيِّزِ غَيْرِ ٱلْمَنْظُورِ، تَوَالَتْ فُصُولُ مَأْسَاةٍ رَهِيبَةٍ بَيْنَ أَبْنَاءِ ٱللّٰهِ ٱلرُّوحَانِيِّينَ، أَيِ ٱلْمَلَائِكَةِ. فَكَانَ أَحَدُهُمْ قَدْ تَمَرَّدَ عَلَى يَهْوَهَ، فَٱفْتَرَى عَلَيْهِ وَأَوْقَعَ آدَمَ وَحَوَّاءَ فِي شَرَكِ ٱلْخَطِيَّةِ وَصَارَ بِٱلتَّالِي ٱلشَّيْطَانَ إِبْلِيسَ. وَفِي أَيَّامِ نُوحٍ، شَرَعَ مَلَائِكَةٌ آخَرُونَ يَتَمَرَّدُونَ عَلَى حُكْمِ يَهْوَهَ ٱلْعَادِلِ. فَتَخَلَّوْا عَنْ مَرْكَزِهِمِ ٱلسَّمَاوِيِّ ٱلْمُعَيَّنِ لَهُمْ مِنَ ٱللّٰهِ وَنَزَلُوا إِلَى ٱلْأَرْضِ مُتَجَسِّدِينَ وَٱتَّخَذُوا لِأَنْفُسِهِمْ زَوْجَاتٍ مِنْ بَنَاتِ ٱلنَّاسِ ٱلْجَمِيلَاتِ. وَقَدْ بَثَّ هٰؤُلَاءِ ٱلْمَلَائِكَةُ ٱلْأَنَانِيُّونَ ٱلْمُتَمَرِّدُونَ ٱلَّذِينَ تَجَبَّرُوا عَلَى يَهْوَهَ رُوحًا سَامَّةً بَيْنَ ٱلْبَشَرِ. — تك ٦:١، ٢؛ يه ٦، ٧.
٦ أَيُّ تَأْثِيرٍ أَحْدَثَهُ ٱلنَّفِيلِيمُ فِي ٱلْعَالَمِ، وَمَاذَا عَزَمَ يَهْوَهُ عَلَى فِعْلِهِ؟
٦ أَضِفْ إِلَى ذٰلِكَ أَنَّ هٰذِهِ ٱلزِّيجَاتِ غَيْرَ ٱلطَّبِيعِيَّةِ بَيْنَ ٱلْمَلَائِكَةِ ٱلْمُتَجَسِّدِينَ وَنِسَاءِ ٱلْأَرْضِ أَثْمَرَتْ ذُرِّيَّةً هَجِينَةً مِنَ ٱلْعَمَالِقَةِ ٱلْجَبَابِرَةِ يَدْعُوهَا ٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ «ٱلنَّفِيلِيمَ»، وَهُوَ ٱسْمٌ يَعْنِي حَرْفِيًّا «ٱلْمُسْقِطِينَ»، أَيْ مَنْ يُسَبِّبُونَ سُقُوطَ غَيْرِهِمْ. وَبِمَا أَنَّهُمْ كَانُوا عُنَفَاءَ شَرِسِينَ يَسْتَقْوُونَ عَلَى ٱلْآخَرِينَ، تَفَاقَمَتِ ٱلشُّرُورُ وَٱلْأَعْمَالُ ٱلْوَحْشِيَّةُ فِي ٱلْعَالَمِ. لَا عَجَبَ إِذًا أَنَّ ٱلْخَالِقَ رَأَى أَنَّ «شَرَّ ٱلْإِنْسَانِ كَثِيرٌ فِي ٱلْأَرْضِ وَكُلَّ مَيْلِ أَفْكَارِ قَلْبِهِ إِنَّمَا هُوَ شِرِّيرٌ كُلَّ يَوْمٍ». فَعَزَمَ عَلَى مَحْوِ ذٰلِكَ ٱلْمُجْتَمَعِ ٱلْأَثِيمِ عَنْ بَكْرَةِ أَبِيهِ وَحَدَّدَ أَيَّامَهُ ٱلْبَاقِيَةَ بِـ ١٢٠ سَنَةً. — اقرإ التكوين ٦:٣-٥.
٧ أَيَّةُ صُعُوبَاتٍ وَاجَهَهَا نُوحٌ وَزَوْجَتُهُ فِي حِمَايَةِ أَبْنَائِهِمَا مِنَ ٱلْمُؤَثِّرَاتِ ٱلْفَاسِدَةِ حَوْلَهُمْ؟
٧ تَخَيَّلْ مَا أَصْعَبَ تَرْبِيَةَ عَائِلَةٍ فِي بِيئَةٍ كَهٰذِهِ! لٰكِنَّ هٰذَا مَا قَامَ بِهِ نُوحٌ. لَقَدِ ٱخْتَارَ زَوْجَةً صَالِحَةً أَنْجَبَتْ لَهُ، بَعْدَمَا بَلَغَ عُمْرُهُ ٥٠٠ سَنَةٍ، ثَلَاثَةَ بَنِينَ هُمْ سَامٌ وَحَامٌ وَيَافَثُ.a وَيَدًا بِيَدٍ تَعَاوَنَا عَلَى حِمَايَةِ أَبْنَائِهِمَا مِنَ ٱلْمُؤَثِّرَاتِ ٱلْفَاسِدَةِ حَوْلَهُمْ. وَبِمَا أَنَّ ٱلصِّبْيَانَ بِطَبْعِهِمْ يُعَظِّمُونَ ٱلْأَبْطَالَ وَٱلْمَشَاهِيرَ وَيُعْجَبُونَ بِهِمْ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ٱلنَّفِيلِيمُ «ٱلْجَبَابِرَةُ . . . ذَوُو ٱلشُّهْرَةِ» قَدْ تَمَتَّعُوا آنَذَاكَ بِشَعْبِيَّةٍ كَبِيرَةٍ بَيْنَ ٱلْأَوْلَادِ. وَفِي حِينِ صَعُبَ عَلَى نُوحٍ وَزَوْجَتِهِ أَنْ يَحْجُبَا عَنْ صِغَارِهِمَا كُلَّ أَخْبَارِ هٰؤُلَاءِ ٱلْعَمَالِقَةِ وَمُغَامَرَاتِهِمْ، كَانَا يَسْتَطِيعَانِ تَعْلِيمَهُمُ ٱلْحَقَائِقَ ٱلْجَذَّابَةَ عَنْ إِلٰهِهِمْ يَهْوَهَ ٱلَّذِي يَكْرَهُ كُلَّ شَرٍّ. وَوَجَبَ عَلَيْهِمَا إِقْنَاعُهُمْ أَنَّ يَهْوَهَ حَزِينٌ لِرُؤْيَةِ ٱلْعُنْفِ وَٱلتَّمَرُّدِ يَتَفَشَّيَانِ بِٱلْأَرْضِ. — تك ٦:٦.
٨ كَيْفَ يُمْكِنُ لِلْوَالِدِينَ ٱلْحُكَمَاءِ ٱلْيَوْمَ أَنْ يَحْذُوا حَذْوَ نُوحٍ وَزَوْجَتِهِ؟
٨ لَا شَكَّ أَنَّ كُلَّ أَبٍ وَأُمٍّ فِي أَيَّامِنَا يَتَفَهَّمَانِ مَا مَرَّ بِهِ نُوحٌ وَزَوْجَتُهُ. فَعَالَمُنَا أَيْضًا مَلْآنٌ عُنْفًا وَتَمَرُّدًا. فَكَمْ نَسْمَعُ عَنْ مُدُنٍ تُهَيْمِنُ عَلَيْهَا عِصَابَاتٌ مِنَ ٱلْمُرَاهِقِينَ ٱلْجَانِحِينَ! حَتَّى ٱلتَّسْلِيَةُ ٱلْمُخَصَّصَةُ لِلْأَوْلَادِ مُشْبَعَةٌ بِهٰذِهِ ٱلرُّوحِ ٱلسَّامَّةِ ٱلَّتِي تَنَالُ إِعْجَابَ كَثِيرِينَ. لٰكِنَّ ٱلْوَالِدِينَ ٱلْحُكَمَاءَ يَبْذُلُونَ كُلَّ مَا فِي وِسْعِهِمْ لِلتَّصَدِّي لِهٰذِهِ ٱلتَّأْثِيرَاتِ، فَيُعَلِّمُونَ أَوْلَادَهُمْ عَنْ إِلٰهِ ٱلسَّلَامِ يَهْوَهَ ٱلَّذِي سَيَضَعُ حَدًّا عَمَّا قَرِيبٍ لِكَافَّةِ أَشْكَالِ ٱلْعُنْفِ. (مز ١١:٥؛ ٣٧:١٠، ١١) وَٱلنَّجَاحُ لَيْسَ مُسْتَحِيلًا! فَقَدْ أَثْمَرَتْ جُهُودُ نُوحٍ وَزَوْجَتِهِ، فَأَوْلَادُهُمَا أَمْسَوْا رِجَالًا صَالِحِينَ وَتَزَوَّجُوا نِسَاءً مُسْتَعِدَّاتٍ مِثْلَهُمْ أَنْ يَضَعْنَ يَهْوَهَ ٱللّٰهَ أَوَّلًا فِي حَيَاتِهِنَّ.
«اِصْنَعْ لَكَ فُلْكًا»
٩، ١٠ (أ) مَا هِيَ ٱلْوَصِيَّةُ ٱلْإِلٰهِيَّةُ ٱلَّتِي غَيَّرَتْ حَيَاةَ نُوحٍ؟ (ب) مَاذَا كَشَفَ يَهْوَهُ لِنُوحٍ عَنْ تَصْمِيمِ ٱلْفُلْكِ وَٱلْقَصْدِ مِنْهُ؟
٩ جَاءَ يَوْمٌ تَغَيَّرَتْ فِيهِ حَيَاةُ نُوحٍ جَذْرِيًّا وَبِصُورَةٍ نِهَائِيَّةٍ. فَقَدْ كَلَّمَ يَهْوَهُ خَادِمَهُ ٱلْمَحْبُوبَ وَأَطْلَعَهُ عَلَى قَصْدِهِ أَنْ يُهْلِكَ ذٰلِكَ ٱلْعَالَمَ. وَأَوْصَاهُ قَائِلًا: «اِصْنَعْ لَكَ فُلْكًا مِنْ خَشَبٍ قَطْرَانِيٍّ». — تك ٦:١٤.
١٠ لَمْ يَكُنِ ٱلْفُلْكُ سَفِينَةً كَمَا يَعْتَقِدُ ٱلْبَعْضُ. فَلَا مُقَدَّمَ لَهُ وَلَا مُؤَخَّرَ وَلَا دَفَّةَ وَلَا مَجَاذِيفَ، وَجَوَانِبُهُ مُسْتَقِيمَةٌ لَيْسَ فِيهَا ٱنْعِطَافٌ. إِنَّهُ مِنْ حَيْثُ ٱلْمَبْدَأُ صُنْدُوقٌ ضَخْمٌ. وَقَدْ حَدَّدَ يَهْوَهُ بِدِقَّةٍ قِيَاسَاتِهِ وَأَعْطَى نُوحًا تَفَاصِيلَ عَنْ تَصْمِيمِهِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَطْلِيَهُ مِنَ ٱلدَّاخِلِ وَٱلْخَارِجِ بِٱلْقَارِ. وَعَنْ سَبَبِ بِنَائِهِ قَالَ يَهْوَهُ: «هَا أَنَا آتٍ بِطُوفَانِ ٱلْمِيَاهِ عَلَى ٱلْأَرْضِ . . . كُلُّ مَا فِي ٱلْأَرْضِ يَمُوتُ». لٰكِنَّهُ أَقَامَ مَعَ نُوحٍ هٰذَا ٱلْعَهْدَ، أَوِ ٱلِٱتِّفَاقَ ٱلرَّسْمِيَّ، قَائِلًا: «تَدْخُلُ ٱلْفُلْكَ أَنْتَ وَبَنُوكَ وَزَوْجَتُكَ وَزَوْجَاتُ بَنِيكَ مَعَكَ». وَأَوْعَزَ إِلَيْهِ أَيْضًا أَنْ يُدْخِلَ مَعَهُ عَيِّنَةً مِنْ كُلِّ أَجْنَاسِ ٱلْحَيَوَانَاتِ. فَمَا كَانَ سَيَنْجُو مِنَ ٱلطُّوفَانِ ٱلْآتِي إِلَّا ٱلَّذِينَ فِي ٱلْفُلْكِ! — تك ٦:١٧-٢٠.
١١، ١٢ أَيُّ مُهِمَّةٍ جَبَّارَةٍ أُوكِلَتْ إِلَى نُوحٍ، وَمَاذَا كَانَتْ رَدَّةُ فِعْلِهِ حِيَالَهَا؟
١١ أُوكِلَتْ إِلَى نُوحٍ مُهِمَّةٌ جَبَّارَةٌ. فَٱلْفُلْكُ فِي غَايَةِ ٱلضَّخَامَةِ: طُولُهُ ١٣٣ م وَعَرْضُهُ ٢٢ م وَٱرْتِفَاعُهُ ١٣ م، عَلَى وَجْهِ ٱلتَّقْرِيبِ. وَلَا تُضَاهِيهِ حَجْمًا أَكْبَرُ ٱلسُّفُنِ ٱلْخَشَبِيَّةِ ٱلَّتِي شَقَّتْ عُبَابَ ٱلْبَحْرِ، حَتَّى ٱلَّتِي بُنِيَتْ فِي ٱلْعُصُورِ ٱلْحَدِيثَةِ. فَهَلْ تَهَرَّبَ نُوحٌ مِنْ هٰذَا ٱلتَّعْيِينِ؟ هَلْ تَذَمَّرَ مِنْ صُعُوبَتِهِ، أَوْ عَدَّلَ ٱلتَّفَاصِيلَ لِيُهَوِّنَ عَلَى نَفْسِهِ؟ يُجِيبُ ٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ: «فَعَلَ نُوحٌ بِحَسَبِ كُلِّ مَا أَمَرَهُ بِهِ ٱللّٰهُ. هٰكَذَا فَعَلَ». — تك ٦:٢٢.
١٢ اِسْتَغْرَقَ بِنَاءُ ٱلْفُلْكِ فَتْرَةً طَوِيلَةً تَرَاوَحَتْ رُبَّمَا بَيْنَ ٤٠ وَ ٥٠ سَنَةً. وَٱسْتَلْزَمَ ٱلْعَمَلُ قَصَّ ٱلْأَشْجَارِ وَنَقْلَ ٱلْجُذُوعِ، ثُمَّ تَقْطِيعَهَا إِلَى رَوَافِدَ وَعَوَارِضَ بِٱلشَّكْلِ ٱلْمَطْلُوبِ وَتَرْكِيبَهَا مَعًا. وَقَدْ تَأَلَّفَ ٱلْفُلْكُ مِنْ ثَلَاثِ طَبَقَاتٍ وَكَانَ فِيهِ حُجُرَاتٌ وَبَابٌ فِي جَانِبِهِ. وَيَظْهَرُ أَنَّ لَهُ نَوَافِذَ فِي ٱلْأَعْلَى عَلَى دَائِرِهِ، وَسَقْفًا مُحَدَّبًا قَلِيلًا عِنْدَ ٱلْوَسَطِ بِٱنْحِدَارٍ بَسِيطٍ مِنَ ٱلْجِهَتَيْنِ لِتَصْرِيفِ ٱلْمِيَاهِ. — تك ٦:١٤-١٦.
١٣ أَيُّ وَجْهٍ آخَرَ لِمُهِمَّةِ نُوحٍ كَانَ رُبَّمَا أَكْثَرَ صُعُوبَةً مِنْ بِنَاءِ ٱلْفُلْكِ، وَمَاذَا كَانَتْ رَدَّةُ فِعْلِ ٱلنَّاسِ؟
١٣ مَعَ مُرُورِ ٱلسِّنِينَ وَٱتِّضَاحِ مَعَالِمِ ٱلْفُلْكِ، لَا بُدَّ أَنَّ نُوحًا فَرِحَ جِدًّا بِنَيْلِ دَعْمِ وَمُؤَازَرَةِ عَائِلَتِهِ. فَمُهِمَّتُهُ شَمَلَتْ وَجْهًا آخَرَ رُبَّمَا كَانَ أَكْثَرَ صُعُوبَةً مِنْ بِنَاءِ ٱلْفُلْكِ نَفْسِهِ. فَٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ يُخْبِرُنَا أَنَّ نُوحًا كَانَ ‹كَارِزًا بِٱلْبِرِّ›. (اقرأ ٢ بطرس ٢:٥.) فَبِشَجَاعَةٍ وَجُرْأَةٍ تَوَلَّى ٱلْقِيَادَةَ فِي تَحْذِيرِ ذٰلِكَ ٱلْمُجْتَمَعِ ٱلشِّرِّيرِ ٱلْكَافِرِ مِنَ ٱلْهَلَاكِ ٱلْآتِي. وَكَيْفَ كَانَ رَدُّ فِعْلِهِمْ؟ ذَكَرَ يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ لَاحِقًا أَنَّ ٱلنَّاسَ آنَذَاكَ «لَمْ يَكْتَرِثُوا»، بَلْ كَانُوا مُنْشَغِلِينَ جِدًّا بِشُؤُونِ ٱلْحَيَاةِ ٱلْيَوْمِيَّةِ — بِٱلْأَكْلِ وَٱلشُّرْبِ وَٱلزَّوَاجِ — لِدَرَجَةِ أَنَّ أَحَدًا لَمْ يَأْبَهْ لِنُوحٍ. (مت ٢٤:٣٧-٣٩) وَلَا شَكَّ أَنَّ كَثِيرِينَ مِنْهُمْ هَزِئُوا بِهِ وَبِعَائِلَتِهِ، وَرُبَّمَا تَعَرَّضَ لَهُ ٱلْبَعْضُ بِٱلتَّهْدِيدِ وَٱلْمُقَاوَمَةِ ٱلْعَنِيفَةِ، وَلَعَلَّهُمْ أَيْضًا حَاوَلُوا تَخْرِيبَ ٱلْفُلْكِ.
١٤ مَاذَا يُمْكِنُ لِلْعَائِلَاتِ ٱلْمَسِيحِيَّةِ ٱلْيَوْمَ أَنْ تَتَعَلَّمَ مِنْ نُوحٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ؟
١٤ غَيْرَ أَنَّ نُوحًا وَأَفْرَادَ عَائِلَتِهِ لَمْ يَسْتَسْلِمُوا قَطُّ. فَرَغْمَ أَنَّهُمْ عَاشُوا وَسْطَ عَالَمٍ ٱعْتَبَرَ مَسْعَاهُمُ ٱلْأَوَّلَ فِي ٱلْحَيَاةِ ضَلَالَةً تَافِهَةً وَغَبِيَّةً، وَاظَبُوا عَلَى إِنْجَازِهِ بِكُلِّ أَمَانَةٍ. وَفِي إِيمَانِهِمْ دُرُوسٌ قَيِّمَةٌ لِلْعَائِلَاتِ ٱلْمَسِيحِيَّةِ ٱلْيَوْمَ. فَنَحْنُ نَعِيشُ فِي أَزْمِنَةٍ يَدْعُوهَا ٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ «ٱلْأَيَّامَ ٱلْأَخِيرَةَ» لِنِظَامِ ٱلْأَشْيَاءِ هٰذَا. (٢ تي ٣:١) وَيَسُوعُ قَالَ إِنَّ أَيَّامَنَا سَتُشْبِهُ ٱلْفَتْرَةَ ٱلَّتِي بَنَى خِلَالَهَا نُوحٌ ٱلْفُلْكَ. لِذَا يَحْسُنُ بِنَا أَنْ نَتَذَكَّرَ نُوحًا كُلَّمَا وَاجَهْنَا ٱللَّامُبَالَاةَ أَوِ ٱلِٱسْتِهْزَاءَ أَوِ ٱلِٱضْطِهَادَ فِي كِرَازَتِنَا بِرِسَالَةِ مَلَكُوتِ ٱللّٰهِ. فَنَحْنُ لَسْنَا أَوَّلَ مَنْ يَمُرُّ بِهٰذِهِ ٱلتَّحَدِّيَاتِ.
«اُدْخُلْ . . . إِلَى ٱلْفُلْكِ»
١٥ مَنْ خَسِرَ نُوحٌ وَهُوَ يُنَاهِزُ ٱلـ ٦٠٠ مِنْ عُمْرِهِ؟
١٥ مَرَّتْ عُقُودٌ وَٱتَّخَذَ ٱلْفُلْكُ تَدْرِيجِيًّا شَكْلَهُ ٱلنِّهَائِيَّ. وَفِيمَا نَاهَزَ نُوحٌ ٱلـ ٦٠٠ مِنْ عُمْرِهِ، خَسِرَ شَخْصَيْنِ عَزِيزَيْنِ عَلَى قَلْبِهِ: أَبَاهُ لَامِكَ،b وَبَعْدَ خَمْسِ سَنَوَاتٍ جَدَّهُ مَتُوشَالَحَ أَبَا لَامِكَ ٱلَّذِي مَاتَ عَنْ ٩٦٩ سَنَةً، وَهُوَ أَطْوَلُ عُمْرٍ عَاشَهُ إِنْسَانٌ فِي سِجِلِّ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ. (تك ٥:٢٧) وَقَدْ عَاصَرَ مَتُوشَالَحُ وَلَامِكُ كِلَاهُمَا ٱلْإِنْسَانَ ٱلْأَوَّلَ آدَمَ.
١٦، ١٧ (أ) أَيَّةُ تَعْلِيمَاتٍ جَدِيدَةٍ تَلَقَّاهَا نُوحٌ فِي سَنَتِهِ ٱلـ ٦٠٠؟ (ب) كَيْفَ يُوصَفُ ٱلْمَنْظَرُ ٱلرَّائِعُ ٱلَّذِي شَهِدَهُ نُوحٌ وَعَائِلَتُهُ؟
١٦ فِي سَنَةِ نُوحٍ ٱلـ ٦٠٠، تَلَقَّى هٰذَا ٱلْأَبُ ٱلْجَلِيلُ تَعْلِيمَاتٍ جَدِيدَةً مِنْ يَهْوَهَ ٱللّٰهِ تَقُولُ: «اُدْخُلْ أَنْتَ وَجَمِيعُ بَيْتِكَ إِلَى ٱلْفُلْكِ». وَأَمَرَهُ أَيْضًا أَنْ يُدْخِلَ إِلَى ٱلْفُلْكِ حَيَوَانَاتٍ مِنْ جَمِيعِ ٱلْأَجْنَاسِ: سَبْعَةً مِنْ كُلِّ بَهِيمَةٍ طَاهِرَةٍ تَصْلُحُ ذَبِيحَةً، وَٱثْنَيْنِ مِنَ ٱلْأَجْنَاسِ ٱلْأُخْرَى. — تك ٧:١-٣.
١٧ كَانَ حَتْمًا مَشْهَدًا لَا يُنْسَى حِينَ تَوَافَدَ إِلَى ذٰلِكَ ٱلصُّنْدُوقِ ٱلضَّخْمِ تَنَوُّعٌ مُذْهِلٌ مِنْ آلَافِ ٱلْحَيَوَانَاتِ ٱلْأَلِيفَةِ وَٱلْوَحْشِيَّةِ بِمُخْتَلِفِ ٱلْأَشْكَالِ وَٱلْأَحْجَامِ: بَعْضُهَا يَمْشِي وَبَعْضُهَا يَطِيرُ، وَٱلْبَعْضُ ٱلْآخَرُ يَزْحَفُ أَوْ يَدِبُّ أَوْ يَتَهَادَى. وَلٰكِنْ لَا دَاعِيَ أَنْ نَتَخَيَّلَ نُوحًا يَتَحَايَلُ عَلَى هٰذِهِ ٱلْحَيَوَانَاتِ ٱلْبَرِّيَّةِ أَوْ يَتَعَارَكُ مَعَهَا أَوْ يُطَارِدُهَا لِيُجْبِرَهَا عَلَى ٱلدُّخُولِ إِلَى ٱلْفُلْكِ. فَٱلرِّوَايَةُ تَقُولُ إِنَّهَا ‹دَخَلَتْ . . . إِلَى نُوحٍ إِلَى ٱلْفُلْكِ›. — تك ٧:٩.
١٨، ١٩ (أ) كَيْفَ يُمْكِنُ ٱلرَّدُّ عَلَى ٱلشُّكُوكِ ٱلَّتِي يُثِيرُهَا ٱلْبَعْضُ حَوْلَ ٱلْأَحْدَاثِ فِي رِوَايَةِ نُوحٍ؟ (ب) كَيْفَ تَتَجَلَّى حِكْمَةُ يَهْوَهَ فِي ٱلطَّرِيقَةِ ٱلَّتِي ٱخْتَارَهَا لِإِنْقَاذِ خَلِيقَتِهِ ٱلْحَيَوَانِيَّةِ؟
١٨ وَلٰكِنْ قَدْ يَسْأَلُ بَعْضُ ٱلْمُشَكِّكِينَ: ‹كَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَحْصُلَ ذٰلِكَ؟ أَيُعْقَلُ أَنْ تَتَعَايَشَ جَمِيعُ هٰذِهِ ٱلْحَيَوَانَاتِ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ ضِمْنَ أَرْبَعَةِ حِيطَانٍ؟›. تَأَمَّلْ فِي هٰذِهِ ٱلْأَفْكَارِ: هَلْ يَصْعُبُ حَقًّا عَلَى خَالِقِ ٱلْكَوْنِ بِأَسْرِهِ ٱلتَّحَكُّمُ بِخَلِيقَتِهِ ٱلْحَيَوَانِيَّةِ وَتَرْوِيضُهَا إِذَا ٱقْتَضَى ٱلْأَمْرُ؟ هَلْ يَسْتَحِيلُ عَلَى يَهْوَهَ ٱللّٰهِ ٱلَّذِي شَقَّ لَاحِقًا ٱلْبَحْرَ ٱلْأَحْمَرَ وَأَوْقَفَ ٱلشَّمْسَ فِي مَكَانِهَا أَنْ يُجْرِيَ كُلَّ ٱلْحَوَادِثِ ٱلْمَذْكُورَةِ فِي رِوَايَةِ نُوحٍ؟ قَطْعًا لَا، فَهُوَ ٱلْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَقَدْ أَتَمَّ فِعْلًا كُلَّ تَفْصِيلٍ وَرَدَ فِي ٱلرِّوَايَةِ!
١٩ طَبْعًا، كَانَ فِي وِسْعِ ٱللّٰهِ إِنْقَاذُ ٱلْحَيَوَانَاتِ بِطَرِيقَةٍ أُخْرَى. لٰكِنَّهُ ٱخْتَارَ بِحِكْمَةٍ طَرِيقَةً تُذَكِّرُنَا بِٱلْمَسْؤُولِيَّةِ ٱلَّتِي ٱئْتَمَنَ ٱلْبَشَرَ عَلَيْهَا مِنَ ٱلْبَدْءِ، وَهِيَ ٱلِٱعْتِنَاءُ بِجَمِيعِ ٱلْكَائِنَاتِ ٱلْحَيَّةِ عَلَى ٱلْأَرْضِ. (تك ١:٢٨) لِذَا يَسْتَخْدِمُ ٱلْوَالِدُونَ ٱلْيَوْمَ قِصَّةَ نُوحٍ لِيُعَلِّمُوا أَوْلَادَهُمْ أَنَّ يَهْوَهَ يَهْتَمُّ بِخَلَائِقِهِ سَوَاءٌ كَانُوا بَشَرًا أَوْ حَيَوَانَاتٍ.
٢٠ بِمَ رُبَّمَا ٱنْشَغَلَ نُوحٌ وَعَائِلَتُهُ خِلَالَ ٱلْأُسْبُوعِ ٱلْأَخِيرِ قَبْلَ ٱلطُّوفَانِ؟
٢٠ أَخْبَرَ يَهْوَهُ نُوحًا أَنَّ ٱلطُّوفَانَ آتٍ بَعْدَ سَبْعَةِ أَيَّامٍ. تَخَيَّلِ ٱللَّحَظَاتِ ٱلْمَحْمُومَةِ ٱلَّتِي عَاشَتْهَا ٱلْعَائِلَةُ آنَذَاكَ. فَعَلَيْهِمْ نَقْلُ أَغْرَاضِهِمْ إِلَى ٱلْفُلْكِ وَتَنْظِيمُ كُلِّ ٱلْحَيَوَانَاتِ فِي مَوَاضِعِهَا وَتَوْضِيبُ طَعَامٍ لَهَا وَلِلْعَائِلَةِ. وَلَرُبَّمَا ٱنْصَبَّ ٱهْتِمَامُ ٱلنِّسَاءِ ٱلْأَرْبَعِ — زَوْجَةِ نُوحٍ وَزَوْجَاتِ سَامٍ وَحَامٍ وَيَافَثَ — عَلَى تَأْمِينِ مَسْكِنٍ مُرِيحٍ فِي ٱلْفُلْكِ.
٢١، ٢٢ (أ) لِمَ لَا نَتَفَاجَأُ بِلَامُبَالَاةِ ٱلنَّاسِ فِي أَيَّامِ نُوحٍ؟ (ب) مَتَى كَفَّ ٱلْمُسْتَهْزِئُونَ بِنُوحٍ وَعَائِلَتِهِ عَنِ ٱسْتِهْزَائِهِمْ؟
٢١ وَمَاذَا عَنِ ٱلنَّاسِ مِنْ حَوْلِ نُوحٍ وَعَائِلَتِهِ؟ ظَلُّوا عَلَى مَوْقِفِهِمْ وَ «لَمْ يَكْتَرِثُوا» رَغْمَ كُلِّ ٱلْأَدِلَّةِ عَلَى أَنَّ يَهْوَهَ يُبَارِكُ نُوحًا وَمَسَاعِيَهُ. فَٱلْحَيَوَانَاتُ كَانَتْ تَتَوَافَدُ إِلَى ٱلْفُلْكِ أَمَامَ عُيُونِهِمْ. لٰكِنَّ لَامُبَالَاتَهُمْ هٰذِهِ لَا تُفَاجِئُنَا. فَٱلْيَوْمَ أَيْضًا لَا يَكْتَرِثُ ٱلنَّاسُ لِلْأَدِلَّةِ ٱلدَّامِغَةِ عَلَى أَنَّنَا نَعِيشُ فِي ٱلْأَيَّامِ ٱلْأَخِيرَةِ لِنِظَامِ ٱلْأَشْيَاءِ ٱلْعَالَمِيِّ هٰذَا. وَكَمَا تَنَبَّأَ ٱلرَّسُولُ بُطْرُسُ، ثَمَّةَ أُنَاسٌ يَسْتَهْزِئُونَ ٱسْتِهْزَاءً وَيَسْخَرُونَ بِٱلَّذِينَ يُصْغُونَ إِلَى تَحْذِيرِ ٱللّٰهِ. (اقرأ ٢ بطرس ٣:٣-٦.) وَلَا بُدَّ أَنَّ نُوحًا وَعَائِلَتَهُ تَعَرَّضُوا لِمِثْلِ هٰذَا ٱلِٱسْتِهْزَاءِ.
٢٢ وَمَتَى صَمَتَ ٱلْمُسْتَهْزِئُونَ؟ تُخْبِرُنَا ٱلرِّوَايَةُ أَنَّهُ مَا إِنْ أَدْخَلَ نُوحٌ عَائِلَتَهُ وَٱلْحَيَوَانَاتِ إِلَى ٱلْفُلْكِ حَتَّى «أَغْلَقَ يَهْوَهُ ٱلْبَابَ عَلَيْهِ». وَلَا شَكَّ أَنَّ هٰذَا ٱلْإِجْرَاءَ ٱلْإِلٰهِيَّ أَسْكَتَ كُلَّ مُسْتَهْزِئٍ شَهِدَ مَا حَصَلَ. وَفِي حَالِ لَمْ تَكُفَّ أَلْسِنَتُهُمْ عَنِ ٱلْكَلَامِ، فَإِنَّ هُطُولَ ٱلْمَطَرِ أَسْكَتَهُمْ لَا مَحَالَةَ! فَقَدِ ٱنْفَتَحَتْ كُوَى ٱلسَّمٰوَاتِ وَظَلَّتْ تُمْطِرُ وَتُمْطِرُ حَتَّى غَمَرَتِ ٱلْمِيَاهُ ٱلْأَرْضَ بِكَامِلِهَا، تَمَامًا كَمَا قَالَ يَهْوَهُ. — تك ٧:١٦-٢١.
٢٣ (أ) كَيْفَ نَعْرِفُ أَنَّ يَهْوَهَ لَمْ يُسَرَّ بِمَوْتِ ٱلْأَشْرَارِ أَيَّامَ نُوحٍ؟ (ب) لِمَ مِنَ ٱلْحِكْمَةِ ٱلِٱقْتِدَاءُ بِإِيمَانِ نُوحٍ ٱلْيَوْمَ؟
٢٣ وَهَلْ سُرَّ يَهْوَهُ بِمَوْتِ هٰؤُلَاءِ ٱلْأَشْرَارِ؟ قَطْعًا لَا! (حز ٣٣:١١) فَقَدْ سَبَقَ وَأَعْطَاهُمْ فُرْصَةً كَافِيَةً وَوَافِيَةً لِيَرْجِعُوا عَنْ طُرُقِهِمْ وَيَفْعَلُوا ٱلصَّوَابَ. وَهَلْ كَانَ ذٰلِكَ مُمْكِنًا؟ إِنَّ مَسْلَكَ حَيَاةِ نُوحٍ أَعْطَى ٱلْجَوَابَ. فَبِٱلسَّيْرِ مَعَ إِلٰهِهِ يَهْوَهَ وَإِطَاعَتِهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ بَرْهَنَ أَنَّ ٱلْخَلَاصَ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِيلًا. وَهٰكَذَا حَكَمَ بِإِيمَانِهِ عَلَى ٱلْعَالَمِ فِي زَمَنِهِ مُظْهِرًا أَنَّ ٱلْأَشْرَارَ كَانَ فِي وِسْعِهِمِ ٱلنَّجَاةُ مِنَ ٱلطُّوفَانِ لَوْ أَبْدَوُا ٱسْتِعْدَادًا لِتَغْيِيرِ نَمَطِ حَيَاتِهِمْ. لَقَدْ حَفِظَ ٱلْإِيمَانُ حَيَاةَ نُوحٍ وَعَائِلَتِهِ. وَإِذَا ٱقْتَدَيْتَ بِإِيمَانِهِ، تَكُونُ أَنْتَ وَأَحِبَّاؤُكَ أَكْبَرَ ٱلرَّابِحِينَ. فَعَلَى غِرَارِ نُوحٍ، يُمْكِنُكَ أَنْ تَسِيرَ مَعَ يَهْوَهَ ٱللّٰهِ كَمَا يَسِيرُ صَدِيقَانِ حَمِيمَانِ مَعًا. وَهٰذِهِ ٱلصَّدَاقَةُ تَدُومُ إِلَى ٱلْأَبَدِ!
a عَاشَ ٱلنَّاسُ فِي تِلْكَ ٱلْأَزْمِنَةِ ٱلْبَاكِرَةِ أَكْثَرَ بِكَثِيرٍ مِمَّا نَعْيشُ نَحْنُ، وَٱلسَّبَبُ كَمَا يَبْدُو هُوَ أَنَّهُمْ كَانُوا أَقْرَبَ مِنَّا إِلَى ٱلْكَمَالِ وَٱلْحَيَوِيَّةِ ٱللَّذَيْنِ خَسِرَهُمَا آدَمُ وَحَوَّاءُ.
b أَطْلَقَ لَامِكُ عَلَى ٱبْنِهِ ٱسْمَ نُوحٍ، ٱلَّذِي يَعْنِي عَلَى ٱلْأَرْجَحِ «رَاحَةً» أَوْ «تَعْزِيَةً»، وَتَنَبَّأَ بِأَنَّهُ سَيُتَمِّمُ مَعْنَى ٱسْمِهِ عِنْدَمَا يُسْهِمُ فِي إِرَاحَةِ ٱلْبَشَرِ مِنْ مَشَقَّةِ أَيْدِيهِمْ بِسَبَبِ ٱلْأَرْضِ ٱلَّتِي لَعَنَهَا يَهْوَهُ. (تك ٥:٢٨، ٢٩) لٰكِنَّهُ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَرَى إِتْمَامَ هٰذِهِ ٱلنُّبُوَّةِ. أَمَّا وَالِدَةُ نُوحٍ وَإِخْوَتُهُ وَأَخَوَاتُهُ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ هَلَكُوا فِي ٱلطُّوفَانِ.