الفصل ١٣
ماذا عن نار جهنَّا؟
١-٤ (أ) عندما تتكلَّم بعض ترجمات الكتاب المقدس عن «نار الهاوية،» من اية كلمة يونانية اصلية يُترجَم التعبير «الهاوية»؟ (ب) ماذا يظهر ان جهنَّا لا يمكن ان تكون مكانا للعذاب الأبدي؟
‹من المسلم به،› قد يقول المرء، ‹ان هَادِس لا تُستعمل ابدا في الكتاب المقدس لتشير الى مكان للعذاب الناري. ولكن ألا يتكلَّم الكتاب المقدس عن «نار الهاوية»؟›
٢ صحيح ان ترجمات عديدة للأسفار اليونانية المسيحية (المدعوة عموما «العهد الجديد») تستعمل التعبير «نار الهاوية» او «نيران الهاوية.» والتعبير اليوناني المنقول الى «هاوية» في هذه الحالة هو غِيِنَّا (جهنَّا). ولكن هل جهنَّا هي اسم مكان للعذاب الناري؟ نعم، يقول معلِّقون كثيرون للعالم المسيحي. ولكنهم يعرفون جيدا ان النفس ليست خالدة. ويعرفون ايضا ان الأسفار المقدسة تُظهر ان الخلود يُمنح مكافأةً فقط للذين يعيِّنهم اللّٰه كمستحقين لنيله، وليس لعنةً على الأشرار ليتعذَّبوا الى الأبد. — رومية ٢:٦، ٧؛ ١ كورنثوس ١٥:٥٣، ٥٤.
٣ ويعترف معلِّقون آخرون للعالم المسيحي بأن جهنَّا ليست مكانا للعذاب الناري الأبدي. يقول تعليق الكتاب المقدس الجديد (الصفحة ٧٧٩): «جهنَّا كانت الصيغة الهلِّينستية لاسم وادي هِنُّوم في اورشليم حيث كانت النيران تبقى مشتعلة باستمرار لاتلاف فضلات المدينة. وهذه صورة مؤثِّرة للهلاك النهائي.»
٤ فما هي حقيقة المسألة؟ ان الطريقة الفضلى لمعرفة ذلك هي ان نفحص ما يقوله الكتاب المقدس نفسه.
٥ كيف يُستعمل التعبير «جهنَّا» في الكتاب المقدس؟
٥ ان التعبير «جهنَّا» موجود اثنتي عشرة مرة في الأسفار اليونانية المسيحية. وقد استعمله التلميذ يعقوب مرة واحدة، ويَظهر احدى عشرة مرة في عبارات تُنسب الى يسوع المسيح وتتعلق بحكم ادانة. تقول هذه الآيات:
«اقول لكم ان كل مَن يغضب على اخيه باطلا يكون مستوجب الحكم. ومَن قال لأخيه رقا يكون مستوجب المجمع. ومَن قال يا احمق [حاكما بذلك على اخيه ومدينا اياه خطأً بأنه عديم القيمة ادبيا] يكون مستوجب نار (جهنَّا).» — متى ٥:٢٢.
«لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد ولكنَّ النفس لا يقدرون ان يقتلوها. بل خافوا بالحري من الذي يقدر ان يهلك النفس والجسد كليهما في (جهنَّا).» — متى ١٠:٢٨.
«أُريكم ممَّن تخافون. خافوا من الذي بعدما يقتل له سلطان ان يلقي في (جهنَّا). نعم اقول لكم من هذا خافوا.» — لوقا ١٢:٥.
«ويل لكم ايها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تطوفون البحر والبر لتكسبوا دخيلا واحدا. ومتى حصل تصنعونه ابنا (لجهنَّا) اكثر منكم مضاعفا. ايها الحيات اولاد الأفاعي كيف تهربون من دينونة (جهنَّا).» — متى ٢٣:١٥، ٣٣.
«إن اعثرتك يدك فاقطعها. خير لك ان تدخل الحياة اقطع من ان تكون لك يدان وتمضي الى (جهنَّا) الى النار التي لا تُطفأ . . .، وإن اعثرتك رجلك فاقطعها. خير لك ان تدخل الحياة اعرج من ان تكون لك رجلان وتُطرح في (جهنَّا) في النار التي لا تُطفأ. . . . وإن اعثرتك عينك فاقلعها. خير لك ان تدخل ملكوت اللّٰه أعور من ان تكون لك عينان وتطرح في (جهنَّا) النار. حيث دودهم لا يموت والنار لا تُطفأ.» — مرقس ٩:٤٣-٤٨؛ انظروا ايضا المقاطع المعبَّر عنها بطريقة مماثلة في متى ٥:٢٩، ٣٠؛ ١٨:٨، ٩.
«فاللسان نار. عالَم الاثم. هكذا جُعِل في اعضائنا اللسان الذي يدنِّس الجسم كله ويضرِم دائرة (الحياة) ويضرَم من (جهنَّا) [اي ان الاستعمال غير اللائق للسان مهلك كجهنَّا؛ ويمكن ان يؤثِّر كثيرا في كامل دورة الحياة التي يأتي اليها الشخص بالولادة حتى انه يمكن ان يؤدي الى استحقاقه دينونة جهنَّا].» — يعقوب ٣:٦.
٦ اية استنتاجات عن الوجود الواعي او الالم بعد الموت يمكننا استخلاصها من الآيات التي تذكر جهنَّا؟
٦ لاحظوا انه، فيما تقرن هذه الآيات النار بجهنَّا، لا تتحدث اية منها عن ايّ وجود واع، ايّ ألم بعد الموت. وبالأحرى، كما يظهر في متى ١٠:٢٨، اوضح يسوع ان اللّٰه يقدر ان «يهلك،» لا الجسد فحسب، بل الشخص بكامله، النفس، في جهنَّا. فما هي طبيعة هذا الهلاك؟ ان فهم ذلك يجري احرازه من فحص ادق لكلمة «جهنَّا.»
جهنَّا — وادي هِنُّوم
٧ كيف كان وادي هِنُّوم يُستعمل في ايام ملكَي يهوذا العديمَي الأمانة آحاز ومنسى؟
٧ على الرغم من ان «جهنَّا» موجودة في الأسفار اليونانية المسيحية، فهي مشتقة من كلمتين عبرانيتين جَي وهينّوم، وتعنيان وادي هِنُّوم. وكان هذا الوادي يقع جنوبي وجنوبي غربي اورشليم. وفي ايام ملكَي يهوذا العديمَي الأمانة آحاز ومنسى خدم وادي هِنُّوم كمكان للشعائر الدينية الوثنية، بما فيها الممارسة البغيضة لتقديم الأولاد قرابين. (٢ أخبار الأيام ٢٨:١، ٣؛ ٣٣:١، ٦؛ ارميا ٧:٣١؛ ١٩:٢، ٦) وفي ما بعد اوقف الملك الصالح يوشيا العبادة الوثنية التي مورست هناك وجعل الوادي غير صالح للاستعمال في العبادة. — ٢ ملوك ٢٣:١٠.
٨ ماذا يدعى وادي هِنُّوم في ارميا ٣١:٤٠، ولماذا؟
٨ ويروي التقليد ان وادي هِنُّوم صار بعد ذلك مكانا للتخلص من النفايات. ويزوِّد الكتاب المقدس تأكيدا لذلك. ففي ارميا ٣١:٤٠، مثلا، يدعى وادي هِنُّوم بوضوح «وادي الجثث والرماد.» وكان هنالك ايضا «باب الدِّمْن،» وهو باب يبدو انه مفتوح الى الطرف الشرقي من وادي هِنُّوم عند اتصاله بوادي قدرون. — نحميا ٣:١٣، ١٤.
٩، ١٠ كيف استُعمل التعبير «جهنَّا» عندما كان يسوع على الأرض؟
٩ أما ان جهنَّا يجب ان ترتبط بالأوجه المهلكة لمُلقى نفايات المدينة فيتفق تماما مع كلمات يسوع المسيح. ففي ما يتعلق بجهنَّا قال: «دودهم لا يموت والنار لا تُطفأ.» (مرقس ٩:٤٨) من الواضح ان كلماته تلمِّح الى واقع ان النيران كانت تشتعل باستمرار في مُلقى نفايات المدينة، وربما كانت تزداد حدَّة باضافة الكبريت. وحيث لا تصل النار، كان الدود يتوالد ويتغذى بما لم تتلفه النار.
١٠ ويجب ان يلاحَظ ايضا ان يسوع، بكلامه عن جهنَّا بهذه الطريقة، لم يُدخل مفهوما غريبا تماما عن الأسفار العبرانية. ففي تلك الأسفار المقدسة الأبكر تظهر صياغة مماثلة تقريبا في الاشارات الى ما سيحدث للفجار.
١١-١٣ كيف توضح اشعياء ٦٦:٢٤ وارميا ١٩:٦، ٧ ان جهنَّا لا يجب ان تُربط بالعذاب الواعي؟
١١ تنبئ اشعياء ٦٦:٢٤ بأن الأشخاص الذين يحظَون برضى اللّٰه «يخرجون ويرون جثث الناس الذين عصوا على [اللّٰه] لأن دودهم لا يموت ونارهم لا تُطفأ. ويكونون رذالة لكل ذي جسد.» من الواضح ان ذلك ليس صورة لعذاب واعٍ وانما لهلاك رهيب. وما يبقى، ليس انفسا واعية او «ارواحا تحرَّرت من الأجساد،» بل «جثث» ميتة. وتُظهر الآية انه، لا البشر، بل الدود الذي عليهم هو الحيّ. ولا ذكر هنا لأية «نفس خالدة.»
١٢ وفي نبوة ارميا يجري ربط وادي هِنُّوم على نحو مماثل بهلاك البشر العديمي الأمانة. «ها ايام تأتي يقول الرب ولا يدعى بعد هذا الموضع توفة ولا وادي ابن هِنُّوم بل وادي القتل. وأنقض مشورة يهوذا وأورشليم في هذا الموضع وأجعلهم يسقطون بالسيف امام اعدائهم وبيد طالبي نفوسهم وأجعل جثثهم أُكلا لطيور السماء ولوحوش الأرض.» — ارميا ١٩:٦، ٧.
١٣ لاحظوا ان اشارة ارميا الى وادي هِنُّوم لا تحتوي على تلميح الى عذاب واعٍ بعد الموت. فالصورة المرسومة هي صورة هلاك تام، اذ تلتهم الطيور والوحوش القمّامة ‹الجثث.›
رمز الى الهلاك
١٤-١٦ (أ) لماذا لا يمكن ان تخدم جهنَّا كرمز الى العذاب الناري الواعي؟ (ب) اي نوع من الهلاك ترمز اليه جهنَّا؟
١٤ اذًا، انسجاما مع دليل الكتاب المقدس، يمكن ان تخدم جهنَّا او وادي هِنُّوم بلياقة كرمز الى الهلاك ولكن ليس الى العذاب الناري الواعي. ويعترف بذلك جوزف إ. كُكْجون، في المجلة الدورية الكاثوليكية كومونْوِيل، قائلا:
«من الواضح ان المكان النهائي للعقاب هو جهنَّا، وادي هِنُّو[م]، الذي كان في وقت من الاوقات مكانا تُقدَّم فيه القرابين البشرية للآلهة الوثنية، لكنه صار في ازمنة الكتاب المقدس مُلقى نفايات المدينة، كومة من الفضلات في ضواحي اورشليم. هنا كانت الرائحة النتنة والدخان والنار مذكِّرا دائما للسكان بما يحدث للأشياء التي خدمت قصدها — لقد أُهلكت.»
١٥ أما ان الهلاك الذي ترمز اليه جهنَّا هو هلاك دائم فيظهر في مكان آخر من الأسفار المقدسة. فالرسول بولس، عندما كتب الى المسيحيين في تسالونيكي، قال ان الذين يسببون لهم المضايقة «سيعاقَبون بـ هلاك ابدي من وجه الرب ومن مجد قوته.» — ٢ تسالونيكي ١:٦-٩.
١٦ وهكذا فإن دليل الكتاب المقدس يجعله واضحا ان الذين يحكم اللّٰه بأنهم لا يستحقون الحياة سيختبرون، لا العذاب الأبدي في نار حرفية، بل ‹الهلاك الابدي.› ولن يُحفظوا احياء في ايّ مكان. لذلك ليست نار جهنَّا سوى رمز الى كون ذلك الهلاك كليا وتاما.
١٧ كيف تكلَّم يسوع عن القادة الدينيين في ايامه؟
١٧ من الجدير بالذكر ان يسوع المسيح عندما خاطب القادة الدينيين في ايامه قال: «ايها الحيات اولاد الأفاعي كيف تهربون من دينونة (جهنَّا).» (متى ٢٣:٣٣) ولماذا ذلك؟ لأن اولئك القادة الدينيين كانوا مرائين. فقد رغبوا في ان يبجَّلوا ويخاطَبوا بألقاب طنَّانة، ولكن لم يكن لديهم ايّ اعتبار للذين كان يجب ان يساعدوهم روحيا. وقد ارهقوا الآخرين بالفرائض التقليدية، وصرفوا النظر عن العدل، الرحمة والأمانة. وكانوا معلِّمين كذبة، واضعين التقاليد البشرية فوق سلطة كلمة اللّٰه. — متى ١٥:٣-٦؛ ٢٣:١-٣٢.
١٨ لماذا لن يكون القادة الدينيون الكذبة للوقت الحاضر افضل حالا من الذين كانوا في ايام يسوع؟
١٨ هل لاحظتم امورا مماثلة بين القادة الدينيين للوقت الحاضر، وخصوصا في العالم المسيحي؟ هل هم افضل حالا من القادة الدينيين لليهودية في ايام خدمة يسوع الأرضية؟ كلا على الاطلاق، لأن القادة الدينيين للعالم المسيحي بعصيان اساءوا تمثيل اللّٰه و «(بشارة) ربنا يسوع.» ولذلك ما داموا مصرّين على تعليم العقائد الباطلة يكونون في خطر المعاقبة بـ «هلاك ابدي.»
١٩، ٢٠ (أ) ماذا يجب ان تساعدنا الحقيقة عن جهنَّا على فعله؟ (ب) ماذا سيحصل للناس الذين يتَّبعون بشكل اعمى التعاليم الدينية الباطلة؟ (ج) كيف يمكن ان يكون ذلك ضمانا معزِّيا لنا؟
١٩ وهكذا، يجب ان تساعدنا الحقيقة عن جهنَّا على تقدير اهمية تجنب الاقتران بالدين الباطل. وكما اظهر يسوع، ليس القادة فقط بل ايضا الذين يدعمون المعلِّمين الدينيين الكذبة هم في خطر. وفي الواقع، تكلَّم يسوع المسيح عن صيرورة دخيل للكتبة والفريسيين ‹ابنا (لجهنَّا) اكثر منهم مضاعفا.› (متى ٢٣:١٥) لذلك فإن الناس الذين يستمرون بشكل اعمى في اتِّباع التعليم الديني الباطل اليوم لا يمكنهم ان يرجوا النجاة من دينونة اللّٰه المضادة.
٢٠ فيما يجعلنا ذلك نفكِّر جدّيا في موقفنا الخاص، يمكن ان يكون ايضا ضمانا معزِّيا لنا. وكيف ذلك؟ لانه يمكننا ان نتيقن ان يهوه اللّٰه لن يترك الخطأ الخطير دون عقاب. فإن لم يُرِد الناس ان يعملوا وفق شرائعه البارَّة وأصرّوا عمدا على مسلك الشر، فلن يَسمح لهم لمدة طويلة بالاستمرار في تعكير سلام الأبرار.
[الخريطة في الصفحة ١١٣]
(اطلب النص في شكله المنسَّق في المطبوعة)
خريطة اورشليم القرن الاول
منطقة الهيكل
وادي هِنُّوم (جهنَّا)