اَلْفَصْلُ ٱلْخَامِسَ عَشَرَ
اِتَّخَذَتْ مَوْقِفًا إِلَى جَانِبِ شَعْبِ ٱللّٰهِ
١-٣ (أ) لِمَ رُبَّمَا شَعَرَتْ أَسْتِيرُ بِٱلرَّهْبَةِ وَهِيَ تُحَاوِلُ مُقَابَلَةَ زَوْجِهَا؟ (ب) أَيُّ سُؤَالَيْنِ عَنْ أَسْتِيرَ سَنُجِيبُ عَنْهُمَا ٱلْآنَ؟
تُحَاوِلُ أَسْتِيرُ أَنْ تُخَفِّفَ مِنْ خَفَقَانِ قَلْبِهَا وَهِيَ تَقْتَرِبُ مِنْ دَارِ ٱلْقَصْرِ فِي شُوشَنَ. إِنَّهَا قَادِمَةٌ عَلَى خُطْوَةٍ لَيْسَتْ سَهْلَةً أَلْبَتَّةَ. فَكُلُّ مَا يَخُصُّ تِلْكَ ٱلْقَلْعَةَ يُوحِي بِٱلرَّهْبَةِ: اَلنُّقُوشُ ٱلْمُلَوَّنَةُ مِنَ ٱلْآجُرِّ ٱلْمَصْقُولِ لِثِيرَانٍ مُجَنَّحَةٍ وَرُمَاةِ سِهَامٍ وَأُسُودٍ، ٱلْأَعْمِدَةُ ٱلْحَجَرِيَّةُ ٱلْمُحَزَّزَةُ، ٱلتَّمَاثِيلُ ٱلْمَهِيبَةُ، وَٱلْمَوْقِعُ ٱلْمُمَيَّزُ فِي أَعْلَى ٱلسُّهُولِ ٱلْفَسِيحَةِ ٱلْمُجَاوِرَةِ لِجِبَالِ زَغْرُوسَ ٱلَّتِي تُكَلِّلُهَا ٱلثُّلُوجُ وَٱلْمُطِلَّةِ عَلَى مِيَاهِ نَهْرِ كَرْخَةَ ٱلصَّافِيَةِ. أَفَلَا يُوقِعُ ذٰلِكَ ٱلْخَوْفَ فِي نَفْسِ ٱلزَّائِرِ وَيُذَكِّرُهُ بِٱلسُّلْطَةِ ٱلْهَائِلَةِ ٱلَّتِي يَتَمَتَّعُ بِهَا ٱلرَّجُلُ ٱلَّذِي تَنْوِي أَسْتِيرُ مُقَابَلَتَهُ؟! إِنَّهُ يَدْعُو نَفْسَهُ «ٱلْمَلِكَ ٱلْعَظِيمَ»، وَهُوَ أَيْضًا زَوْجُهَا.
٢ نَعَمْ، كَانَ ٱلْمَلِكُ أَحَشْوِيرُوشُ زَوْجَ أَسْتِيرَ. وَلٰكِنْ شَتَّانَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ ٱلزَّوْجِ ٱلَّذِي تَحْلُمُ بِهِ أَيُّ فَتَاةٍ يَهُودِيَّةٍ أَمِينَةٍ!a فَهُوَ لَمْ يَقْتَدِ بِأَشْخَاصٍ أَمْثَالِ إِبْرَاهِيمَ ٱلَّذِي قَبِلَ بِتَوَاضُعٍ إِرْشَادَ ٱللّٰهِ أَنْ يَسْمَعَ لِٱمْرَأَتِهِ سَارَةَ. (تك ٢١:١٢) وَبِٱلْكَادِ عَرَفَ شَيْئًا عَنْ يَهْوَهَ، إِلٰهِ أَسْتِيرَ، أَوْ عَنْ شَرِيعَتِهِ. بِٱلْمُقَابِلِ، كَانَ مُلِمًّا بِٱلشَّرِيعَةِ ٱلْفَارِسِيَّةِ ٱلَّتِي تُحَرِّمُ مَا تُوشِكُ أَسْتِيرُ أَنْ تَفْعَلَهُ ٱلْآنَ. فَقَدْ نَصَّ ٱلْقَانُونُ أَنَّ كُلَّ مَنْ يَظْهَرُ أَمَامَ ٱلْمَلِكِ ٱلْفَارِسِيِّ دُونَ دَعْوَةٍ مِنْهُ يَسْتَوْجِبُ ٱلْمَوْتَ. وَمَعَ أَنَّ ٱلْمَلِكَ لَمْ يَسْتَدْعِ أَسْتِيرَ، ذَهَبَتْ لِمُقَابَلَتِهِ. وَلَعَلَّهَا شَعَرَتْ وَهِيَ تَدْنُو مِنَ ٱلدَّارِ ٱلدَّاخِلِيَّةِ، حَيْثُ تُصْبِحُ عَلَى مَرْأًى مِنَ ٱلْعَرْشِ، أَنَّهَا تَسِيرُ بِرِجْلَيْهَا إِلَى ٱلْمَوْتِ. — اقرأ استير ٤:١١؛ ٥:١.
٣ فَلِمَ خَاطَرَتْ بِحَيَاتِهَا؟ وَمَاذَا نَتَعَلَّمُ مِنْ إِيمَانِ هٰذِهِ ٱلْمَرْأَةِ ٱلْمُمَيَّزَةِ؟ لِنَرَ أَوَّلًا كَيْفَ حَدَثَ أَنْ أَصْبَحَتْ مَلِكَةً فِي فَارِسَ.
خَلْفِيَّةُ أَسْتِيرَ
٤ مَاذَا نَعْرِفُ عَنْ خَلْفِيَّةِ أَسْتِيرَ، وَلِمَ أَصْبَحَتْ تَعِيشُ مَعَ ٱبْنِ عَمِّهَا مُرْدَخَايَ؟
٤ تَيَتَّمَتْ أَسْتِيرُ وَهِيَ بَعْدُ طِفْلَةٌ. وَلَا نَعْلَمُ سِوَى ٱلْقَلِيلِ عَنْ وَالِدَيْهَا ٱللَّذَيْنِ سَمَّيَاهَا هَدَسَّةَ، وَهُوَ ٱسْمٌ عِبْرَانِيٌّ يَعْنِي «ٱلْآسَ»، شُجَيْرَةً جَمِيلَةً أَزْهَارُهَا بَيْضَاءُ ٱللَّوْنِ. وَحِينَ مَاتَ وَالِدَاهَا أَشْفَقَ عَلَيْهَا ٱبْنُ عَمِّهَا، رَجُلٌ لَطِيفٌ ٱسْمُهُ مُرْدَخَايُ كَانَ يَكْبُرُهَا بِكَثِيرٍ. فَأَتَى بِهَا إِلَى بَيْتِهِ وَعَامَلَهَا مُعَامَلَةَ ٱلْأَبِ لِٱبْنَتِهِ. — اس ٢:٥-٧، ١٥.
٥، ٦ (أ) كَيْفَ رَبَّى مُرْدَخَايُ أَسْتِيرَ؟ (ب) كَيْفَ أَمْضَى مُرْدَخَايُ وَأَسْتِيرُ أَيَّامَهُمَا فِي شُوشَنَ؟
٥ كَانَ مُرْدَخَايُ وَأَسْتِيرُ مِنَ ٱلْمَسْبِيِّينَ ٱلْيَهُودِ ٱلَّذِينَ سَكَنُوا فِي ٱلْعَاصِمَةِ ٱلْفَارِسِيَّةِ شُوشَنَ. فَتَعَرَّضَا عَلَى ٱلْأَرْجَحِ لِلِٱزْدِرَاءِ وَٱلتَّحَامُلِ لِأَنَّهُمَا كَانَا يَعْتَنِقَانِ دِينًا آخَرَ وَيَحْرِصَانِ عَلَى ٱتِّبَاعِ ٱلشَّرِيعَةِ. وَلَا بُدَّ أَنَّ عَلَاقَةَ أَسْتِيرَ بِٱبْنِ عَمِّهَا قَوِيَتْ فِيمَا رَاحَ يُعَلِّمُهَا عَنْ يَهْوَهَ، ٱلْإِلٰهِ ٱلرَّحِيمِ ٱلَّذِي سَبَقَ وَأَنْقَذَ شَعْبَهُ مِنَ ٱلْمَصَاعِبِ مَرَّاتٍ عَدِيدَةً وَسَيُنْقِذُهُ مَرَّةً أُخْرَى. (لا ٢٦:٤٤، ٤٥) فَلَا شَكَّ أَنَّ رَابِطًا مَتِينًا قَائِمًا عَلَى ٱلْمَحَبَّةِ وَٱلْوَلَاءِ نَمَا بَيْنَهُمَا.
٦ كَانَ مُرْدَخَايُ كَمَا يَتَّضِحُ رَسْمِيًّا فِي قَلْعَةِ شُوشَنَ، إِذْ جَلَسَ بِٱنْتِظَامٍ عِنْدَ بَوَّابَتِهَا مَعَ آخَرِينَ مِنْ خُدَّامِ ٱلْمَلِكِ. (اس ٢:١٩، ٢١؛ ٣:٣) أَمَّا أَسْتِيرُ فَلَا نَعْلَمُ يَقِينًا كَيْفَ أَمْضَتْ أَيَّامَ صِبَاهَا. إِنَّمَا يُمْكِنُ ٱلْقَوْلُ إِنَّهَا ٱعْتَنَتْ بِٱبْنِ عَمِّهَا وَبِبَيْتِهِ ٱلْوَاقِعِ عَلَى ٱلْأَرْجَحِ فِي حَيٍّ مُتَوَاضِعٍ عَلَى ٱلضَّفَّةِ ٱلثَّانِيَةِ مِنَ ٱلنَّهْرِ مُقَابِلَ ٱلْقَلْعَةِ ٱلْمَلَكِيَّةِ. وَلَعَلَّهَا كَانَتْ تَتَمَتَّعُ بِٱلذَّهَابِ إِلَى ٱلسُّوقِ فِي شُوشَنَ، حَيْثُ عَرَضَ تُجَّارُ ٱلذَّهَبِ وَٱلْفِضَّةِ وَغَيْرُهُمْ بَضَائِعَهُمُ ٱلْجَمِيلَةَ. وَمَا كَانَ لِيَخْطُرَ عَلَى بَالِهَا قَطُّ أَنَّهَا سَتَنْعَمُ يَوْمًا بِرَفَاهِيَّاتٍ كَهٰذِهِ، فَلَمْ تَكُنْ لَدَيْهَا أَدْنَى فِكْرَةٍ عَمَّا يُخَبِّئُهُ لَهَا ٱلْمُسْتَقْبَلُ.
«جَمِيلَةُ ٱلْمَنْظَرِ»
٧ لِمَ خُلِعَتْ وَشْتِي عَنِ ٱلْعَرْشِ، وَمَاذَا حَدَثَ بَعْدَ ذٰلِكَ؟
٧ ذَاتَ يَوْمٍ، حَدَثَتْ بَلْبَلَةٌ فِي بَيْتِ ٱلْمَلِكِ ضَجَّتْ شُوشَنُ عَلَى أَثَرِهَا بِٱلْأَخْبَارِ وَٱلْأَقَاوِيلِ. فَأَثْنَاءَ حَفْلٍ كَبِيرٍ أَغْدَقَ فِيهِ أَحَشْوِيرُوشُ عَلَى ضُيُوفِهِ وَنُبَلَائِهِ مَا لَذَّ وَطَابَ مِنَ ٱلْأَطْعِمَةِ وَٱلْخُمُورِ، قَرَّرَ أَنْ يَسْتَدْعِيَ مَلِكَتَهُ ٱلْجَمِيلَةَ وَشْتِيَ ٱلَّتِي كَانَتْ تَحْتَفِلُ مَعَ ٱلنِّسَاءِ عَلَى حِدَةٍ. غَيْرَ أَنَّهَا رَفَضَتْ طَلَبَهُ، فَشَعَرَ بِإِهَانَةٍ كَبِيرَةٍ وَغَضَبٍ شَدِيدٍ وَسَأَلَ مُشِيرِيهِ أَيَّ عِقَابٍ تَسْتَحِقُّهُ. فَكَانَتِ ٱلنَّتِيجَةُ أَنْ خُلِعَتْ عَنِ ٱلْعَرْشِ. عِنْدَئِذٍ، ٱنْطَلَقَ خُدَّامُ ٱلْمَلِكِ يَبْحَثُونَ فِي كُلِّ أَرْجَاءِ ٱلْإِمْبَرَاطُورِيَّةِ عَنْ فَتَيَاتٍ عَذَارَى حَسْنَاوَاتٍ لِتُنْتَقَى مِنْهُنَّ مَلِكَةٌ جَدِيدَةٌ. — اس ١:١–٢:٤.
٨ (أ) لِمَ رُبَّمَا شَعَرَ مُرْدَخَايُ بِٱلْقَلَقِ وَهُوَ يَرَى أَسْتِيرَ تَكْبُرُ؟ (ب) كَيْفَ نَتَبَنَّى نَظْرَةَ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ ٱلْمُتَّزِنَةَ إِلَى ٱلْجَمَالِ ٱلْخَارِجِيِّ؟ (اُنْظُرْ أَيْضًا ٱلْأَمْثَال ٣١:٣٠.)
٨ لَا بُدَّ أَنَّ مُرْدَخَايَ كَانَ يَنْظُرُ بِإِعْزَازٍ إِلَى أَسْتِيرَ وَهِيَ تَكْبُرُ، شَاعِرًا بِفَخْرٍ مَمْزُوجٍ بِٱلْقَلَقِ وَهُوَ يَرَى ٱبْنَةَ عَمِّهِ ٱلصَّغِيرَةَ تَنْضَجُ وَتَغْدُو شَابَّةً رَائِعَةَ ٱلْجَمَالِ. نَقْرَأُ: «كَانَتِ ٱلْفَتَاةُ حَسَنَةَ ٱلشَّكْلِ وَجَمِيلَةَ ٱلْمَنْظَرِ». (اس ٢:٧) إِنَّ ٱلْكِتَابَ ٱلْمُقَدَّسَ يَتَبَنَّى نَظْرَةً مُتَّزِنَةً إِلَى ٱلْجَمَالِ ٱلْخَارِجِيِّ، فَهُوَ مَسَرَّةٌ لِلْعَيْنِ. وَلٰكِنْ حِينَ لَا يَكُونُ مَصْحُوبًا بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلتَّوَاضُعِ، يُوَلِّدُ فِي ٱلْقَلْبِ ٱلْغُرُورَ وَٱلْكِبْرِيَاءَ وَصِفَاتٍ قَبِيحَةً أُخْرَى. (اقرإ الامثال ١١:٢٢.) فَهَلْ تَرَى صِحَّةَ هٰذِهِ ٱلْحَقِيقَةِ؟ وَفِي حَالَةِ أَسْتِيرَ، هَلْ عَادَ عَلَيْهَا جَمَالُهَا بِٱلنَّفْعِ أَمْ بِٱلضَّرَرِ؟ اَلْوَقْتُ وَحْدَهُ كَفِيلٌ بِإِعْطَاءِ ٱلْجَوَابِ.
٩ (أ) مَاذَا حَدَثَ حِينَ لَفَتَتْ أَسْتِيرُ أَنْظَارَ خُدَّامِ ٱلْمَلِكِ، وَلِمَ كَانَ ٱفْتِرَاقُهَا عَنْ مُرْدَخَايَ صَعْبًا؟ (ب) لِمَ سَمَحَ مُرْدَخَايُ لِأَسْتِيرَ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِشَخْصٍ وَثَنِيٍّ؟ (اُشْمُلِ ٱلْإِطَارَ.)
٩ لَفَتَتْ أَسْتِيرُ أَنْظَارَ خُدَّامِ ٱلْمَلِكِ. فَضَمُّوهَا إِلَى ٱلْفَتَيَاتِ ٱلْأُخْرَيَاتِ ٱللَّوَاتِي جَمَعُوهُنَّ، وَأَخَذُوهَا مِنْ مُرْدَخَايَ إِلَى ٱلْقَصْرِ ٱلْكَبِيرِ عِبْرِ ٱلنَّهْرِ. (اس ٢:٨) لَا شَكَّ أَنَّ لَحْظَةَ فِرَاقِهِمَا كَانَتْ مُؤَثِّرَةً جِدًّا، فَقَدْ جَمَعَتْ بَيْنَهُمَا عَلَاقَةُ ٱلْأَبِ بِٱبْنَتِهِ. هٰذَا وَإِنَّ مُرْدَخَايَ مَا كَانَ لِيُحَبِّذَ أَنْ تَقْتَرِنَ أَسْتِيرُ بِرَجُلٍ غَيْرِ مُؤْمِنٍ، حَتَّى لَوْ كَانَ مَلِكًا. لٰكِنَّ ٱلْأَمْرَ خَرَجَ عَنْ سَيْطَرَتِهِ.b أَمَّا أَسْتِيرُ فَلَا بُدَّ أَنَّهَا أَصْغَتْ بِكُلِّ ٱنْتِبَاهٍ لِلنَّصَائِحِ ٱلَّتِي أَسْدَاهَا إِلَيْهَا ٱبْنُ عَمِّهَا قَبْلَ أَنْ تُغَادِرَ ٱلْبَيْتَ. وَفِي ٱلطَّرِيقِ إِلَى قَلْعَةِ شُوشَنَ، جَالَتْ فِي رَأْسِهَا تَسَاؤُلَاتٌ كَثِيرَةٌ. تُرَى أَيُّ حَيَاةٍ تَنْتَظِرُهَا هُنَاكَ؟
نَالَتْ حُظْوَةً «فِي عَيْنَيْ كُلِّ مَنْ رَآهَا»
١٠، ١١ (أ) كَيْفَ كَانَ يُمْكِنُ لِأَسْتِيرَ أَنْ تَتَأَثَّرَ بِبِيئَتِهَا ٱلْجَدِيدَةِ؟ (ب) كَيْفَ أَظْهَرَ مُرْدَخَايُ ٱهْتِمَامَهُ بِسَلَامَةِ أَسْتِيرَ؟
١٠ وَجَدَتْ أَسْتِيرُ نَفْسَهَا تَدْخُلُ عَالَمًا جَدِيدًا غَرِيبًا لَا عَهْدَ لَهَا بِهِ. فَهِيَ كَانَتْ بَيْنَ «فَتَيَاتٍ كَثِيرَاتٍ» جُمِعْنَ مِنْ كُلِّ أَنْحَاءِ ٱلْإِمْبَرَاطُورِيَّةِ ٱلْفَارِسِيَّةِ، وَلِكُلِّ فَتَاةٍ عَلَى ٱلْأَرْجَحِ لُغَتُهَا وَعَادَاتُهَا وَأَفْكَارُهَا. وَقَدْ عُهِدَ بِهِنَّ إِلَى مُوَظَّفٍ ٱسْمُهُ هَيْجَايُ، وَخَضَعْنَ طَوَالَ سَنَةٍ لِعِنَايَةٍ تَجْمِيلِيَّةٍ مُكَثَّفَةٍ تَضَمَّنَتْ تَدْلِيكَهُنَّ بِزُيُوتٍ عَطِرَةٍ. (اس ٢:٨، ١٢) فِي جَوٍّ كَهٰذَا، كَانَ مِنَ ٱلسَّهْلِ أَنْ تُصْبِحَ هٰؤُلَاءِ ٱلْفَتَيَاتُ مَهْوُوسَاتٍ بِمَظْهَرِهِنَّ ٱلْخَارِجِيِّ، وَأَنْ يَنْمُوَ فِي قُلُوبِهِنَّ ٱلْغُرُورُ وَحُبُّ ٱلْمُنَافَسَةِ. فَهَلْ تَأَثَّرَتْ أَسْتِيرُ بِذٰلِكَ؟
١١ مَا مِنْ أَحَدٍ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يَقْلَقَ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ مُرْدَخَايَ. فَٱلرِّوَايَةُ تَقُولُ إِنَّهُ ٱعْتَادَ يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ أَنْ يَتَمَشَّى أَمَامَ بَيْتِ ٱلنِّسَاءِ، مُقْتَرِبًا مِنْهُ قَدْرَ ٱلْإِمْكَانِ لِيَسْتَعْلِمَ عَنْ سَلَامَتِهَا. (اس ٢:١١) وَلَا بُدَّ أَنَّ وَجْهَهُ كَانَ يُشِعُّ فَرَحًا وَٱعْتِزَازًا بِهَا كُلَّمَا سَرَّبَ إِلَيْهِ، رُبَّمَا خَدَمٌ مُتَعَاوِنُونَ فِي ٱلْبَيْتِ، نُتَفًا مِنَ ٱلْمَعْلُومَاتِ عَنْهَا. وَمَا ٱلسَّبَبُ؟
١٢، ١٣ (أ) أَيُّ أَثَرٍ تَرَكَتْهُ أَسْتِيرُ فِي مَنْ حَوْلَهَا؟ (ب) لِمَ سُرَّ مُرْدَخَايُ حِينَ عَرَفَ أَنَّ أَسْتِيرَ لَمْ تُفْصِحْ عَنْ أَصْلِهَا ٱلْيَهُودِيِّ؟
١٢ أُعْجِبَ هَيْجَايُ بِأَسْتِيرَ أَشَدَّ ٱلْإِعْجَابِ حَتَّى إِنَّهُ أَظْهَرَ نَحْوَهَا لُطْفًا حُبِّيًّا كَبِيرًا، فَوَضَعَ فِي خِدْمَتِهَا سَبْعَ فَتَيَاتٍ وَأَعْطَاهَا أَفْضَلَ مَكَانٍ فِي بَيْتِ ٱلنِّسَاءِ. تَقُولُ ٱلرِّوَايَةُ أَيْضًا: «كَانَتْ أَسْتِيرُ تَنَالُ حُظْوَةً فِي عَيْنَيْ كُلِّ مَنْ رَآهَا». (اس ٢:٩، ١٥) فَهَلْ تَرَكَتْ هٰذَا ٱلْأَثَرَ ٱلرَّائِعَ فِي كُلِّ مَنْ حَوْلَهَا بِسَبَبِ جَمَالِهَا فَقَطْ؟ كَلَّا. فَثَمَّةَ مَزَايَا أُخْرَى كَثِيرَةٌ تَحَلَّتْ بِهَا.
١٣ عَلَى سَبِيلِ ٱلْمِثَالِ يَذْكُرُ ٱلسِّجِلُّ: «لَمْ تُخْبِرْ أَسْتِيرُ عَنْ شَعْبِهَا وَأَنْسِبَائِهَا، لِأَنَّ مُرْدَخَايَ أَوْصَاهَا أَلَّا تُخْبِرَ». (اس ٢:١٠) فَهُوَ كَانَ قَدْ طَلَبَ مِنْهَا أَلَّا تُفْصِحَ عَنْ أَصْلِهَا ٱلْيَهُودِيِّ، ذٰلِكَ لِأَنَّهُ لَمَسَ دُونَ شَكٍّ تَحَامُلًا كَبِيرًا عَلَى شَعْبِهِ ضِمْنَ ٱلْأُسْرَةِ ٱلْمَالِكَةِ. فَكَمْ سُرَّ حِينَ عَلِمَ أَنَّهَا لَا تَزَالُ تُعْرِبُ عَنِ ٱلْحِكْمَةِ وَٱلطَّاعَةِ رَغْمَ غِيَابِهَا عَنْ نَظَرِهِ!
١٤ كَيْفَ يُمْكِنُ لِلْمُرَاهِقِينَ ٱلْيَوْمَ ٱلِٱقْتِدَاءُ بِمِثَالِ أَسْتِيرَ؟
١٤ عَلَى نَحْوٍ مُمَاثِلٍ، يُمْكِنُ لِلْمُرَاهِقِينَ ٱلْيَوْمَ أَنْ يُدْخِلُوا ٱلسَّعَادَةَ إِلَى قَلْبِ وَالِدِيهِمْ أَوِ ٱلْأَوْصِيَاءِ عَلَيْهِمْ. فَحِينَ لَا يَكُونُونَ عَلَى مَرْأًى مِنْهُمْ، فِي وِسْعِهِمْ أَنْ يُقَاوِمُوا ٱلتَّأْثِيرَاتِ ٱلسَّيِّئَةَ وَيَلْتَصِقُوا بِٱلْمَقَايِيسِ ٱلَّتِي يَعْرِفُونَ أَنَّهَا صَائِبَةٌ، حَتَّى لَوْ كَانُوا مُحَاطِينَ بِأَشْخَاصٍ سَطْحِيِّينَ أَوْ فَاسِدِينَ أَدَبِيًّا أَوْ عُنَفَاءَ. وَبِفِعْلِهِمْ ذٰلِكَ عَلَى غِرَارِ أَسْتِيرَ، يُفَرِّحُونَ قَلْبَ أَبِيهِمِ ٱلسَّمَاوِيِّ يَهْوَهَ. — اقرإ الامثال ٢٧:١١.
١٥، ١٦ (أ) كَيْفَ فَازَتْ أَسْتِيرُ بِحُبِّ ٱلْمَلِكِ؟ (ب) لِمَ يُرَجَّحُ أَنَّ ٱلتَّغْيِيرَاتِ فِي حَيَاةِ أَسْتِيرَ كَانَتْ صَعْبَةً عَلَيْهَا؟
١٥ لَمَّا حَانَ ٱلْوَقْتُ لِتَمْثُلَ أَسْتِيرُ أَمَامَ ٱلْمَلِكِ، سُمِحَ لَهَا أَنْ تَخْتَارَ مَا يُعْوِزُهَا بَعْدُ مِنْ لَوَازِمَ، رُبَّمَا لِتَزِيدَ مِنْ تَأَنُّقِهَا وَجَمَالِهَا. لٰكِنَّهَا أَعْرَبَتْ عَنِ ٱلِٱحْتِشَامِ فَلَمْ تَطْلُبْ إِلَّا مَا قَالَ عَنْهُ هَيْجَايُ. (اس ٢:١٥) فَقَدْ أَدْرَكَتْ عَلَى ٱلْأَرْجَحِ أَنَّهَا لَنْ تَرْبَحَ قَلْبَ ٱلْمَلِكِ بِٱلْجَمَالِ وَحْدَهُ، بَلْ أَيْضًا بِٱلرُّوحِ ٱلْمُتَوَاضِعَةِ وَٱلْمُحْتَشِمَةِ ٱلَّتِي لَا بُدَّ أَنَّهَا كَانَتْ عُمْلَةً نَادِرَةً جِدًّا فِي ذٰلِكَ ٱلْبَلَاطِ. فَهَلْ أَصَابَتْ فِي تَفْكِيرِهَا؟
١٦ تُجِيبُ ٱلرِّوَايَةُ: «أَحَبَّ ٱلْمَلِكُ أَسْتِيرَ أَكْثَرَ مِنْ سَائِرِ ٱلنِّسَاءِ، فَنَالَتْ حُظْوَةً وَلُطْفًا حُبِّيًّا أَمَامَهُ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ ٱلْعَذَارَى. فَوَضَعَ ٱلْعِمَامَةَ ٱلْمَلَكِيَّةَ عَلَى رَأْسِهَا وَجَعَلَهَا مَلِكَةً مَكَانَ وَشْتِي». (اس ٢:١٧) كَمْ صَعُبَ دُونَ شَكٍّ عَلَى أَسْتِيرَ، هِيَ ٱلْفَتَاةُ ٱلْيَهُودِيَّةُ ٱلْمُتَوَاضِعَةُ، أَنْ تَتَكَيَّفَ مَعَ هٰذَا ٱلتَّغْيِيرِ ٱلْجَذْرِيِّ فِي حَيَاتِهَا! إِنَّهَا ٱلْآنَ ٱلْمَلِكَةُ ٱلْجَدِيدَةُ، زَوْجَةُ أَعْظَمِ حَاكِمٍ فِي ذٰلِكَ ٱلزَّمَانِ! فَهَلِ ٱنْتَشَى قَلْبُهَا مِنْ مَجْدِ هٰذَا ٱلْمَنْصِبِ وَٱمْتَلَأَ كِبْرِيَاءً؟ كَلَّا عَلَى ٱلْإِطْلَاقِ.
١٧ (أ) مَاذَا يُبَيِّنُ أَنَّ أَسْتِيرَ ظَلَّتْ مُطِيعَةً لِمُرَبِّيهَا مُرْدَخَايَ؟ (ب) لِمَ مِثَالُ أَسْتِيرَ مُهِمٌّ لَنَا ٱلْيَوْمَ؟
١٧ لَقَدْ ظَلَّتْ أَسْتِيرُ مُطِيعَةً لِمُرَبِّيهَا مُرْدَخَايَ وَأَبْقَتْ صِلَتَهَا بِٱلشَّعْبِ ٱلْيَهُودِيِّ طَيَّ ٱلْكِتْمَانِ. عِلَاوَةً عَلَى ذٰلِكَ، حِينَ كَشَفَ مُرْدَخَايُ مُؤَامَرَةً تَرْمِي إِلَى ٱغْتِيَالِ أَحَشْوِيرُوشَ وَأَرَادَ إِبْلَاغَهُ بِذٰلِكَ، أَطَاعَتْهُ عَلَى ٱلْفَوْرِ وَنَقَلَتْ تَحْذِيرَهُ إِلَى ٱلْمَلِكِ، فَأُحْبِطَتِ ٱلْمَكِيدَةُ وَعُوقِبَ ٱلْمُجْرِمَانِ. (اس ٢:٢٠-٢٣) فِعْلًا، ٱسْتَمَرَّتْ أَسْتِيرُ تُعْرِبُ عَنِ ٱلْإِيمَانِ بِإِلٰهِهَا مِنْ خِلَالِ تَحَلِّيهَا بِٱلتَّوَاضُعِ وَٱلطَّاعَةِ. فَمَا أَحْوَجَنَا ٱلْيَوْمَ إِلَى مِثَالِهَا ٱلْجَيِّدِ، نَحْنُ ٱلْعَائِشِينَ فِي زَمَنٍ أَصْبَحَ فِيهِ ٱلتَّمَرُّدُ هُوَ ٱلْقَاعِدَةَ وَٱلطَّاعَةُ هِيَ ٱلِٱسْتِثْنَاءَ! لٰكِنَّ ٱلَّذِينَ يَمْتَلِكُونَ إِيمَانًا أَصِيلًا يُقِيمُونَ وَزْنًا كَبِيرًا لِلطَّاعَةِ مِثْلَ أَسْتِيرَ.
إِيمَانُ أَسْتِيرَ يُوضَعُ عَلَى ٱلْمِحَكِّ
١٨ (أ) لِمَ رَفَضَ مُرْدَخَايُ ٱلِٱنْحِنَاءَ لِهَامَانَ؟ (اُنْظُرْ أَيْضًا ٱلْحَاشِيَةَ.) (ب) كَيْفَ يَقْتَدِي رِجَالُ وَنِسَاءُ ٱلْإِيمَانِ ٱلْيَوْمَ بِمِثَالِ مُرْدَخَايَ؟
١٨ حَظِيَ رَجُلٌ ٱسْمُهُ هَامَانُ بِمَرْكَزٍ مَرْمُوقٍ فِي ٱلْبَلَاطِ ٱلْمَلَكِيِّ. فَقَدْ عَيَّنَهُ أَحَشْوِيرُوشُ كَبِيرَ ٱلْوُزَرَاءِ، فَأَصْبَحَ مُشِيرَهُ ٱلْأَوَّلَ وَٱلرَّجُلَ ٱلثَّانِي فِي ٱلْإِمْبَرَاطُورِيَّةِ. حَتَّى إِنَّ ٱلْمَلِكَ أَصْدَرَ مَرْسُومًا يَأْمُرُ كُلَّ مَنْ يَرَى هَامَانَ بِٱلسُّجُودِ لَهُ. (اس ٣:١-٤) سَبَّبَ هٰذَا ٱلْقَانُونُ مُشْكِلَةً لِمُرْدَخَايَ ٱلَّذِي يَعْرِفُ أَنَّ عَلَيْهِ إِطَاعَةَ ٱلْمَلِكِ، وَلٰكِنْ لَيْسَ عَلَى حِسَابِ ٱحْتِرَامِ ٱللّٰهِ. هٰذَا وَإِنَّ هَامَانَ كَانَ أَجَاجِيًّا، مَا يَعْنِي حَسْبَمَا يَتَّضِحُ أَنَّهُ مُتَحَدِّرٌ مِنْ أَجَاجَ مَلِكِ عَمَالِيقَ ٱلَّذِي قُتِلَ عَلَى يَدِ نَبِيِّ ٱللّٰهِ صَمُوئِيلَ. (١ صم ١٥:٣٣) وَٱلْعَمَالِيقِيُّونَ كَانُوا أَشْرَارًا جِدًّا بِحَيْثُ أَصْبَحُوا أَعْدَاءً لِيَهْوَهَ وَإِسْرَائِيلَ. لِذَا أَدَانَهُمُ ٱللّٰهُ كَشَعْبٍ وَحَكَمَ عَلَيْهِمْ بِٱلْفَنَاءِ.c (تث ٢٥:١٩) فَهَلْ يُعْقَلُ أَنْ يَخُرَّ يَهُودِيٌّ أَمِينٌ لِعَمَالِيقِيٍّ؟ طَبْعًا لَا. وَهٰذَا مَا لَمْ يَفْعَلْهُ مُرْدَخَايُ ٱلَّذِي بَقِيَ ثَابِتًا عَلَى مَوْقِفِهِ. وَعَلَى غِرَارِهِ، لَا يَزَالُ رِجَالُ وَنِسَاءُ ٱلْإِيمَانِ حَتَّى يَوْمِنَا هٰذَا يُجَازِفُونَ بِحَيَاتِهِمْ تَمَسُّكًا مِنْهُمْ بِٱلْمَبْدَإِ ٱلْقَائِلِ: «يَنْبَغِي أَنْ يُطَاعَ ٱللّٰهُ حَاكِمًا لَا ٱلنَّاسُ». — اع ٥:٢٩.
١٩ مَاذَا صَمَّمَ هَامَانُ أَنْ يَفْعَلَ، وَكَيْفَ نَجَحَ فِي إِقْنَاعِ ٱلْمَلِكِ؟
١٩ اِمْتَلَأَ هَامَانُ سُخْطًا عَلَى مُرْدَخَايَ. لٰكِنَّ قَتْلَهُ هُوَ وَحْدَهُ مَا كَانَ لِيَشْفِيَ غَلِيلَهُ. فَقَدْ أَرَادَ أَنْ يُبِيدَ ٱلْيَهُودَ عَنْ بَكْرَةِ أَبِيهِمْ، وَنَجَحَ فِي إِقْنَاعِ ٱلْمَلِكِ بِذٰلِكَ مُشَوِّهًا صُورَتَهُمْ أَمَامَهُ. فَدُونَ ذِكْرِهِمْ بِٱلِٱسْمِ، أَوْحَى أَنَّهُمْ عَدِيمُو ٱلْأَهَمِّيَّةِ، شَعْبٌ «مُتَبَدِّدٌ وَمُتَفَرِّقٌ بَيْنَ ٱلشُّعُوبِ». وَتَمَادَى فِي ٱلِٱفْتِرَاءِ عَلَيْهِمْ مُدَّعِيًا أَنَّهُمْ لَا يُطِيعُونَ قَوَانِينَ ٱلْمَلِكِ، فَوَضَعَهُمْ بِٱلتَّالِي فِي مَصَافِّ ٱلْمُتَمَرِّدِينَ ٱلْخَطِرِينَ. ثُمَّ عَرَضَ أَنْ يَضَعَ فِي خِزَانَةِ ٱلْمَلِكِ مَبْلَغًا طَائِلًا مِنَ ٱلْمَالِ لِتَغْطِيَةِ نَفَقَاتِ إِبَادَتِهِمْ فِي كُلِّ ٱلْإِمْبَرَاطُورِيَّةِ.d فَمَا كَانَ مِنْ أَحَشْوِيرُوشَ إِلَّا أَنْ أَعْطَاهُ خَاتَمَهُ كَيْ يَخْتِمَ بِهِ أَيَّ أَمْرٍ يَنْوِي إِصْدَارَهُ. — اس ٣:٥-١٠.
٢٠، ٢١ (أ) مَاذَا كَانَ وَقْعُ مَرْسُومِ هَامَانَ عَلَى ٱلْيَهُودِ فِي أَنْحَاءِ ٱلْإِمْبَرَاطُورِيَّةِ ٱلْفَارِسِيَّةِ، بِمَنْ فِيهِمْ مُرْدَخَايُ؟ (ب) مَاذَا ٱلْتَمَسَ مُرْدَخَايُ مِنْ أَسْتِيرَ؟
٢٠ وَسُرْعَانَ مَا ٱنْطَلَقَ ٱلسُّعَاةُ عَلَى صَهْوَةِ خُيُولِهِمْ إِلَى كُلِّ زَاوِيَةٍ فِي ٱلْإِمْبَرَاطُورِيَّةِ ٱلشَّاسِعَةِ لِيُسَلِّمُوا ٱلرَّسَائِلَ ٱلَّتِي تَضَمَّنَتْ حُكْمَ ٱلْمَوْتِ عَلَى ٱلْيَهُودِ. تَخَيَّلْ وَقْعَ هٰذَا ٱلْإِعْلَانِ حِينَ بَلَغَ أُورُشَلِيمَ ٱلْبَعِيدَةَ، حَيْثُ كَانَتْ بَقِيَّةٌ مِنَ ٱلْيَهُودِ ٱلْعَائِدِينَ مِنَ ٱلسَّبْيِ ٱلْبَابِلِيِّ تُكَافِحُ لِإِعَادَةِ بِنَاءِ مَدِينَةٍ مَا زَالَتْ دُونَ سُورٍ يَحْمِيهَا. لَرُبَّمَا فَكَّرَ مُرْدَخَايُ فِيهِمْ حِينَ سَمِعَ ٱلْأَخْبَارَ ٱلْمُرِيعَةَ، وَكَذٰلِكَ فِي أَصْدِقَائِهِ وَأَقْرِبَائِهِ ٱلْمُقِيمِينَ فِي شُوشَنَ. وَمِنْ شِدَّةِ ٱضْطِرَابِهِ وَحُزْنِهِ، مَزَّقَ ثِيَابَهُ وَلَبِسَ مِسْحًا وَوَضَعَ عَلَى رَأْسِهِ رَمَادًا، ثُمَّ رَاحَ يَصْرُخُ صُرَاخًا عَظِيمًا فِي وَسَطِ ٱلْمَدِينَةِ. أَمَّا هَامَانُ فَجَلَسَ يَشْرَبُ مَعَ ٱلْمَلِكِ غَيْرَ آبِهٍ بِٱلْأَسَى ٱلَّذِي غَمَرَ قُلُوبَ ٱلْيَهُودِ وَأَصْدِقَائِهِمْ فِي شُوشَنَ. — اقرأ استير ٣:١٢–٤:١.
٢١ أَدْرَكَ مُرْدَخَايُ أَنَّ عَلَيْهِ ٱتِّخَاذَ إِجْرَاءٍ مَا. وَلٰكِنْ مَاذَا عَسَاهُ يَفْعَلُ؟ حِينَ سَمِعَتْ أَسْتِيرُ بِحُزْنِهِ، أَرْسَلَتْ إِلَيْهِ ثِيَابًا لِيَلْبَسَهَا وَيَنْزِعَ عَنْهُ ٱلْمِسْحَ، غَيْرَ أَنَّهُ رَفَضَ أَنْ يَتَعَزَّى. لَعَلَّ مُرْدَخَايَ كَانَ يَقْضِي أَيَّامًا وَلَيَالِيَ يَتَسَاءَلُ لِمَ سَمَحَ إِلٰهُهُ يَهْوَهُ أَنْ تُؤْخَذَ مِنْهُ أَسْتِيرُ ٱلْعَزِيزَةُ وَتُصْبِحَ زَوْجَةَ حَاكِمٍ وَثَنِيٍّ. وَلٰكِنْ يَبْدُو أَنَّ ٱلسَّبَبَ بَدَأَ يَنْجَلِي ٱلْآنَ. لِذَا بَعَثَ إِلَى ٱلْمَلِكَةِ يَلْتَمِسُ مِنْهَا أَنْ تَتَوَسَّطَ عِنْدَ ٱلْمَلِكِ «مِنْ أَجْلِ شَعْبِهَا». — اس ٤:٤-٨.
٢٢ لِمَ خَافَتْ أَسْتِيرُ مِنَ ٱلْمُثُولِ أَمَامَ زَوْجِهَا ٱلْمَلِكِ؟ (اُنْظُرْ أَيْضًا ٱلْحَاشِيَةَ.)
٢٢ لَا بُدَّ أَنَّ قَلْبَ أَسْتِيرَ رَجَفَ بَيْنَ ضُلُوعِهَا عِنْدَمَا سَمِعَتْ طَلَبَ مُرْدَخَايَ. كَانَ هٰذَا ٱلْمَوْقِفُ أَهَمَّ ٱمْتِحَانٍ لِإِيمَانِهَا. وَقَدْ عَبَّرَتْ عَنْ خَوْفِهَا ٱلشَّدِيدِ بِصَرَاحَةٍ فِي جَوَابِهَا لِمُرْدَخَايَ. فَذَكَّرَتْهُ بِقَانُونِ ٱلْمَلِكِ ٱلَّذِي يَحْكُمُ بِٱلْمَوْتِ عَلَى كُلِّ مَنْ يَدْخُلُ إِلَى حَضْرَتِهِ دُونَ ٱسْتِدْعَاءٍ، إِلَّا إِذَا مَدَّ لَهُ صَوْلَجَانَهُ ٱلذَّهَبِيَّ. فَهَلْ لَدَيْهَا أَسَاسٌ لِتَتَوَقَّعَ ٱلرَّحْمَةَ مِنَ ٱلْمَلِكِ، وَلَا سِيَّمَا بَعْدَ ٱلْمَصِيرِ ٱلَّذِي لَاقَتْهُ ٱلْمَلِكَةُ وَشْتِي حِينَ رَفَضَتِ ٱلْمُثُولَ أَمَامَهُ؟ فَضْلًا عَنْ ذٰلِكَ، أَخْبَرَتْ أَسْتِيرُ مُرْدَخَايَ أَنَّ زَوْجَهَا لَمْ يَسْتَدْعِهَا مُنْذُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا. وَهٰذَا ٱلْإِهْمَالُ أَثَارَ فِي رَأْسِهَا هَوَاجِسَ كَثِيرَةً. فَمَاذَا يَمْنَعُ أَنْ تَكُونَ قَدْ خَسِرَتْ حُظْوَتَهَا لَدَى هٰذَا ٱلْمَلِكِ ٱلْمُتَقَلِّبِ ٱلْمِزَاجِ؟e — اس ٤:٩-١١.
٢٣ (أ) مَاذَا قَالَ مُرْدَخَايُ لِأَسْتِيرَ كَيْ يُشَدِّدَ إِيمَانَهَا؟ (ب) لِمَ مِثَالُ مُرْدَخَايَ جَدِيرٌ بِٱلِٱقْتِدَاءِ؟
٢٣ أَجَابَ مُرْدَخَايُ أَسْتِيرَ بِحَزْمٍ لِيُشَدِّدَ إِيمَانَهَا. فَأَكَّدَ لَهَا أَنَّ خَلَاصَ ٱلْيَهُودِ سَيَأْتِي مِنْ مَصْدَرٍ آخَرَ إِنْ لَمْ تَتَّخِذْ قَرَارَهَا وَتَتَصَرَّفْ. وَحَذَّرَهَا أَلَّا تَتَوَقَّعَ ٱلنَّجَاةَ بِحَيَاتِهَا مَتَى بَدَأَ ٱلِٱضْطِهَادُ يَتَفَاقَمُ. لَقَدْ بَرْهَنَ مُرْدَخَايُ عَنْ إِيمَانِهِ ٱلرَّاسِخِ بِيَهْوَهَ ٱلَّذِي مَا كَانَ لِيَسْمَحَ أَبَدًا أَنْ يَفْنَى شَعْبُهُ أَوْ تَسْقُطَ وُعُودُهُ دُونَ إِتْمَامٍ. (يش ٢٣:١٤) بَعْدَ ذٰلِكَ، سَأَلَ مُرْدَخَايُ أَسْتِيرَ: «مَنْ يَدْرِي إِنْ كُنْتِ لِمِثْلِ هٰذَا ٱلْوَقْتِ قَدْ بَلَغْتِ مَقَامَ ٱلْمُلْكِ؟». (اس ٤:١٢-١٤) أَوَلَيْسَ مِثَالُهُ جَدِيرًا بِٱلِٱقْتِدَاءِ؟ لَقَدْ وَثِقَ بِإِلٰهِهِ يَهْوَهَ ثِقَةً مُطْلَقَةً. فَمَاذَا عَنَّا؟ — ام ٣:٥، ٦.
إِيمَانٌ يَتَحَدَّى ٱلْمَوْتَ
٢٤ كَيْفَ أَعْرَبَتْ أَسْتِيرُ عَنِ ٱلْإِيمَانِ وَٱلشَّجَاعَةِ؟
٢٤ آنَ ٱلْأَوَانُ أَنْ تَحْسِمَ أَسْتِيرُ أَمْرَهَا. فَطَلَبَتْ مِنْ مُرْدَخَايَ أَنْ يَدْعُوَ أَبْنَاءَ شَعْبِهَا إِلَى ٱلصَّوْمِ مَعَهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَٱخْتَتَمَتْ رِسَالَتَهَا بِعِبَارَةٍ صَغِيرَةٍ يَتَرَدَّدُ صَدَاهَا حَتَّى هٰذَا ٱلْيَوْمِ لِمَا تُجَسِّدُهُ مِنْ إِيمَانٍ وَشَجَاعَةٍ: «إِنْ هَلَكْتُ، هَلَكْتُ». (اس ٤:١٥-١٧) لَا بُدَّ أَنَّ أَسْتِيرَ لَمْ تُصَلِّ فِي حَيَاتِهَا بِقَدْرِ مَا صَلَّتْ فِي تِلْكَ ٱلْأَيَّامِ ٱلثَّلَاثَةِ. وَأَخِيرًا، أَتَتِ ٱلسَّاعَةُ. فَٱرْتَدَتْ أَفْضَلَ حُلَلِهَا ٱلْمَلَكِيَّةِ، وَفَعَلَتْ كُلَّ مَا يَلْزَمُ لِتَرُوقَ فِي عَيْنَيِ ٱلْمَلِكِ، ثُمَّ ذَهَبَتْ لِمُقَابَلَتِهِ.
٢٥ مَاذَا حَدَثَ فِيمَا تَوَجَّهَتْ أَسْتِيرُ إِلَى قَصْرِ ٱلْمَلِكِ؟
٢٥ تَوَجَّهَتْ أَسْتِيرُ إِلَى بَلَاطِ ٱلْمَلِكِ حَسْبَمَا قَرَأْنَا فِي بِدَايَةِ ٱلْفَصْلِ. مَنْ يَدْرِي كَمْ هَاجِسًا دَارَ فِي رَأْسِهَا وَكَمْ صَلَاةً حَارَّةً رَفَعَتْ إِلَى إِلٰهِهَا؟! وَحِينَ وَصَلَتْ إِلَى ٱلدَّارِ ٱلدَّاخِلِيَّةِ حَيْثُ ٱلْمَلِكُ جَالِسٌ عَلَى عَرْشِهِ، رُبَّمَا حَاوَلَتْ أَنْ تَقْرَأَ تَعَابِيرَ وَجْهِهِ، هٰذَا ٱلْوَجْهِ ٱلْفَارِسِيِّ ذِي خُصَلِ ٱلشَّعْرِ ٱلْمُجَعَّدَةِ ٱلْمُتَنَاسِقَةِ وَٱللِّحْيَةِ ٱلْمُرَبَّعَةِ ٱلشَّكْلِ. وَلَوْ طَالَ ٱنْتِظَارُهَا، لَبَدَتْ لَهَا كُلُّ لَحْظَةٍ دَهْرًا مِنَ ٱلزَّمَانِ. غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ تَمْضِ هُنَيْهَةٌ حَتَّى وَقَعَ نَظَرُ زَوْجِهَا عَلَيْهَا. فَبَانَتْ عَلَيْهِ ٱلدَّهْشَةُ دُونَ شَكٍّ، وَلٰكِنْ سُرْعَانَ مَا لَانَتْ مَلَامِحُهُ وَمَدَّ لَهَا صَوْلَجَانَهُ ٱلذَّهَبِيَّ. — اس ٥:١، ٢.
٢٦ لِمَ يَحْتَاجُ ٱلْمَسِيحِيُّونَ ٱلْحَقِيقِيُّونَ إِلَى شَجَاعَةِ أَسْتِيرَ، وَمَاذَا كَانَ يَنْتَظِرُهَا؟
٢٦ لَقَدْ نَجَحَتْ أَسْتِيرُ فِي مَسْعَاهَا. فَهَا هُوَ ٱلْمَلِكُ يُعِيرُهَا أُذُنًا صَاغِيَةً. نَعَمِ، ٱتَّخَذَتْ هٰذِهِ ٱلشَّابَّةُ مَوْقِفًا إِلَى جَانِبِ إِلٰهِهَا وَشَعْبِهَا، رَاسِمَةً بِذٰلِكَ مِثَالًا رَائِعًا فِي ٱلْإِيمَانِ لِكُلِّ خُدَّامِ ٱللّٰهِ حَتَّى يَوْمِنَا ٱلْحَاضِرِ. وَٱلْمَسِيحِيُّونَ ٱلْحَقِيقِيُّونَ يُقَدِّرُونَ أَمْثِلَةً كَهٰذِهِ. فَيَسُوعُ قَالَ إِنَّ ٱلسِّمَةَ ٱلَّتِي سَتُمَيِّزُ أَتْبَاعَهُ هِيَ مَحَبَّةُ ٱلتَّضْحِيَةِ بِٱلذَّاتِ. (اقرأ يوحنا ١٣:٣٤، ٣٥.) وَغَالِبًا مَا يَتَطَلَّبُ إِظْهَارُ هٰذِهِ ٱلْمَحَبَّةِ ٱلِٱتِّصَافَ بِٱلشَّجَاعَةِ مِثْلَ أَسْتِيرَ. لٰكِنَّ ٱلْخُطْوَةَ ٱلْجَرِيئَةَ ٱلَّتِي ٱتَّخَذَتْهَا فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ لَمْ تَكُنْ إِلَّا ٱلْبِدَايَةَ. فَكَيْفَ عَسَاهَا تُقْنِعُ ٱلْمَلِكَ أَنَّ مُشِيرَهُ ٱلْمُفَضَّلَ هَامَانَ لَيْسَ سِوَى رَجُلٍ شِرِّيرٍ يُدَبِّرُ ٱلْمَكَايِدَ؟ وَكَيْفَ لَهَا أَنْ تُنْقِذَ شَعْبَهَا؟ سَنُجِيبُ عَنْ هٰذَيْنِ ٱلسُّؤَالَيْنِ فِي ٱلْفَصْلِ ٱلتَّالِي.
a يُعْتَقَدُ عُمُومًا أَنَّ أَحَشْوِيرُوشَ هُوَ زَرَكْسِيسُ ٱلْأَوَّلُ ٱلَّذِي حَكَمَ ٱلْإِمْبَرَاطُورِيَّةَ ٱلْفَارِسِيَّةَ فِي أَوَائِلِ ٱلْقَرْنِ ٱلْخَامِسِ قَبْلَ ٱلْمِيلَادِ.
b اُنْظُرِ ٱلْإِطَارَ «أَسْئِلَةٌ عَنْ أَسْتِيرَ» فِي ٱلْفَصْلِ ١٦.
c رُبَّمَا كَانَ هَامَانُ بَيْنَ آخِرِ ٱلْمُتَبَقِّينَ مِنْ شَعْبِ عَمَالِيقَ. فَفِي أَيَّامِ ٱلْمَلِكِ حَزَقِيَّا، قُضِيَ عَلَى «بَاقِي» مَنْ نَجَا مِنْهُمْ. — ١ اخ ٤:٤٣.
d عَرَضَ هَامَانُ عَلَى ٱلْمَلِكِ ٠٠٠,١٠ وَزْنَةٍ مِنَ ٱلْفِضَّةِ، مَا يُعَادِلُ ٱلْيَوْمَ مِئَاتِ مَلَايِينِ ٱلدُّولَارَاتِ. وَإِذَا كَانَ أَحَشْوِيرُوشُ هُوَ نَفْسُهُ زَرَكْسِيسَ ٱلْأَوَّلَ، فَمِنَ ٱلْمُحْتَمَلِ أَنَّ هٰذَا ٱلْمَبْلَغَ أَغْرَاهُ بِقُبُولِ عَرْضِ هَامَانَ. فَهُوَ كَانَ يَحْتَاجُ إِلَى ثَرْوَةٍ طَائِلَةٍ فِي حَرْبِهِ ٱلطَّوِيلَةِ ضِدَّ ٱلْيُونَانِ ٱلَّتِي ٱنْتَهَتْ بِخَسَارَتِهِ.
e عُرِفَ زَرَكْسِيسُ ٱلْأَوَّلُ بِطَبْعِهِ ٱلْمِزَاجِيِّ ٱلْعَنِيفِ. وَقَدْ أَوْرَدَ ٱلْمُؤَرِّخُ ٱلْيُونَانِيُّ هِيرُودُوتُسُ أَمْثِلَةً عَلَى ذٰلِكَ مِنَ ٱلْحَرْبِ ٱلَّتِي خَاضَهَا ضِدَّ ٱلْيُونَانِ. فَهُوَ أَمَرَ بِبِنَاءِ جِسْرٍ عَائِمٍ مِنَ ٱلسُّفُنِ عِنْدَ مَضِيقِ هَلِّيسْبُونْتَ. وَلٰكِنْ حِينَ هَبَّتْ عَاصِفَةٌ وَحَطَّمَتِ ٱلْجِسْرَ، حَكَمَ بِقَطْعِ رُؤُوسِ ٱلْمُهَنْدِسِينَ. حَتَّى إِنَّهُ طَلَبَ مِنْ رِجَالِهِ «مُعَاقَبَةَ» ٱلْمَضِيقِ بِضَرْبِ مِيَاهِهِ بِٱلسَّوْطِ، وَفِي ٱلْوَقْتِ نَفْسِهِ تِلَاوَةَ إِعْلَانٍ مُهِينٍ بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ. وَفِي ٱلْحَمْلَةِ عَيْنِهَا، تَوَسَّلَ إِلَيْهِ رَجُلٌ غَنِيٌّ أَنْ يُعْفِيَ ٱبْنَهُ مِنَ ٱلِٱلْتِحَاقِ بِٱلْجَيْشِ، فَمَا كَانَ مِنْ هٰذَا ٱلطَّاغِيَةِ إِلَّا أَنْ شَطَرَ ٱلِٱبْنَ إِلَى نِصْفَيْنِ وَعَرَضَ جُثَّتَهُ عِبْرَةً لِلْآخَرِينَ.