الفصل ٦
الروح التي ترجع الى اللّٰه
١-٣ (أ) كيف يتسبب بعض المعلِّقين على الكتاب المقدس بالتشويش في ما يتعلق بمعنى «النفس» و «الروح»؟ (ب) ماذا يقول علماء آخرون بالكتاب المقدس عن «النفس» و «الروح»؟
لا يجب ان يخامر الشك عقل ايّ باحث مخلص في ان ما يتكلَّم عنه الكتاب المقدس بصفته «النَّفْس» ليس جزءا خالدا من الانسان يستمر في الوجود الواعي بعد الموت. ومع ذلك فعند اظهار الدليل الساحق على الطبيعة الحقيقية للنفس، يعرض بعض الأشخاص حججا اخرى في محاولة لدعم معتقدهم بأن شيئا ما داخل الانسان له وجود مستمر بعد الموت.
٢ واحدى آيات الكتاب المقدس التي كثيرا ما تُستعمل هي الجامعة ١٢:٧، التي تقول: «يرجع التراب الى الأرض كما كان وترجع الروح الى اللّٰه الذي اعطاها.» وفي التعليق الذي له، يكتب اللاهوتي المنهجي الويزلي آدم كلارك في ما يتعلق بهذه الآية: «هنا يصنع الرجل الحكيم تمييزا واضحا جدا بين الجسد والنفس: انهما ليسا الشيء نفسه؛ وليسا كلاهما مادة. فالجسد، الذي هو مادة، يرجع الى التراب، اصله؛ وأما الروح، التي هي غير مادية، فترجع الى اللّٰه.» وعلى نحو مماثل، يقول تعليق كاثوليكي على الأسفار المقدسة: «النفس تعود الى اللّٰه.» وهكذا يدل كلا التعليقين ضمنا على ان النفس والروح هما الشيء عينه.
٣ ولكن من الجدير بالاهتمام ان آخرين من العلماء الكاثوليك والپروتستانت يعرضون رأيا مختلفا تماما. ففي «جدول شرح المصطلحات اللاهوتية للكتاب المقدس» الظاهر في الكتاب المقدس الأميركي الجديد الكاثوليكي (اصدار پ. ج. كندي وأبنائه، نيويورك، ١٩٧٠)، نقرأ: «عندما تُستعمل كلمة ‹روح› في تباين مع كلمة ‹جسد،› . . . لا يكون الهدف تمييز جزء مادي من جزء غير مادي من الانسان . . . فكلمة ‹روح› لا تعني النفس.» وفي الجامعة ١٢:٧ لا تستعمل هذه الترجمة كلمة «الروح،» بل التعبير «نَفَس الحياة.» ويعلِّق الكتاب المقدس للمفسِّر الپروتستانتي في ما يتعلق بكاتب سفر الجامعة: «لا يعني قوهِلِث [الجامعة] ان شخصية الانسان تستمر في الوجود.» فبالنظر الى استنتاجات مختلفة كهذه، هل يمكننا التأكُّد تماما ما هي الروح وبأيّ معنى ترجع الى اللّٰه؟
٤ بحسب الجامعة ١٢:١-٧، على ماذا تعتمد حياة الانسان؟
٤ في الجامعة ١٢:١-٧ يجري وصف آثار الشيخوخة والموت بلغة شعرية. فبعد الموت ينحلُّ الجسد اخيرا ويصير ثانية جزءا من تراب الأرض. أما «الروح» فانها «ترجع . . . الى اللّٰه.» فموت الانسان مرتبط اذًا برجوع الروح الى اللّٰه، مما يبيِّن ان حياة الانسان تعتمد بطريقة ما على تلك الروح.
٥ (أ) ما هما الكلمتان العبرانية واليونانية اللتان تقابلان كلمة روح؟ (ب) ماذا يتَّضح عندما يستعمل التراجمة كلمات غير كلمة «روح» لنقل «رواح» و «پنيوما»؟
٥ ان الكلمة العبرانية المنقولة الى «الروح» او «نَفَس الحياة،» في نص الجامعة ١٢:٧ باللغة الأصلية، هي رواح. واللفظة اليونانية المناظرة هي پنيوما. وبينما تعتمد حياتنا على عملية التنفُّس، فإن الكلمة «نَفَس» (كما ينقل اليها غالبا عدد من التراجمة الكلمتين رواح و پنيوما ) ليست دائما ترجمة بديلة مناسبة لكلمة «روح.» وبالاضافة الى ذلك، فإن كلمتين اخريين عبرانية ويونانية، اي نِشَمه (عبرانية) و پنوِه (يونانية)، هما ايضا منقولتان الى «نَفَس.» (انظروا تكوين ٢:٧، عج، واعمال ١٧:٢٥، عج.) ومع ذلك من الجدير بالذكر انه، في استعمال كلمة «نَفَس» كنقل بديل لكلمة «روح،» يُظهر التراجمة ان لفظتَي اللغة الأصلية تنطبقان على شيء ليست له شخصية ولكنه ضروري لاستمرارية الحياة.
تحديد هوية الروح
٦ اية آيتَين تُظهران ان حياة الانسان تعتمد على الروح؟
٦ أما ان حياة الانسان تعتمد على الروح (رواح او پنيوما ) فهو مبيَّن بوضوح في الكتاب المقدس. نقرأ: «تنزِع [يهوه] ارواحها [رواح ] فتموت والى ترابها تعود.» (مزمور ١٠٤:٢٩) «الجسد بدون روح [پنيوما ] ميت.» (يعقوب ٢:٢٦). فالروح، اذًا، هي التي تحيي الجسد.
٧ كما يظهر في المثل المُعطى، ما هي الروح؟
٧ لكنَّ هذه القوة المحيية ليست مجرد النَّفَس. ولِمَ لا؟ لأن الحياة تبقى في خلايا الجسد فترة وجيزة بعد ان يتوقف التنفّس. لهذا السبب يمكن ان تنجح محاولات الانعاش، ويمكن ايضا ان تُنقل اعضاء الجسد من شخص الى آخر. ولكن يجب القيام بهذه الامور بسرعة. فحالما تزول قوة الحياة من خلايا الجسد، تكون المحاولات لإطالة الحياة باطلة. وكل النَّفَس في العالم لا يستطيع ان يعيد الى الحياة حتى ولا خلية واحدة. وبالنظر اليها في هذا الضوء، فإن «الروح» كما يتَّضح هي قوة حياة غير منظورة، فعَّالة في كل خلية حيَّة من جسد الانسان.
٨ كيف تُظهر التكوين ٧:٢٢ والجامعة ٣:١٩ ان الناس والحيوانات على السواء لهم هذه الروح او قوة الحياة؟
٨ وهل قوة الحياة هذه فعَّالة في الانسان فقط؟ ان ما يُذكر في الكتاب المقدس يمكن ان يساعدنا على التوصل الى استنتاج سليم في هذا الصدد. فعن هلاك الحياة البشرية والحيوانية في طوفان عالمي يخبر الكتاب المقدس: «كل ما في انفه (نَفَس) [نِشَمه ] (قوة) [رواح، روح] حياة من كل ما في اليابسة مات.» (تكوين ٧:٢٢) وفي الجامعة ٣:١٩ يجري اثبات النقطة الأساسية عينها في ما يتعلق بالموت: «ما يحدث لبني البشر يحدث للبهيمة وحادثة واحدة لهم. موت هذا كموت ذاك و (روح) [رواح ] واحدة للكل فليس للانسان مزيَّة على البهيمة.» ووفقا لذلك، لا يمتاز الانسان عن الحيوانات في ما يتعلق بالروح التي تحيي جسده. فالروح او قوة الحياة غير المنظورة عينها مشتركة لديهم.
٩ باستعمال مَثَل الآلة، بماذا يمكن مقارنة الروح؟
٩ والى حد ما، يمكن مقارنة الروح او قوة الحياة الفعَّالة في الحيوانات والانسان على السواء بدفق من الالكترونات او الكهرباء في آلة او جهاز. فيمكن استعمال الكهرباء غير المنظورة لانجاز اعمال مختلفة، حسب نوع الآلة او الجهاز المزوَّد بالطاقة. فيمكن صنع الأفران لانتاج الحرارة، المراوح لانتاج الهواء، اجهزة الكمپيوتر لحلّ المسائل، والأجهزة التلفزيونية لاعادة عرض الصور، الأصوات البشرية والأصوات الأخرى. والقوة غير المنظورة عينها التي تنتج الصوت في احد الأجهزة يمكن ان تنتج الحرارة في آخر، والحسابات الرياضية في آخر. ولكن هل يأخذ التيار الكهربائي في وقت من الاوقات الصفات المميِّزة التي غالبا ما تكون معقَّدة للآلات او الأجهزة التي يعمل او يكون فعَّالا فيها؟ كلا، فهو يبقى كهرباء فقط — مجرد قوة او شكل من الطاقة.
١٠، ١١ (أ) كيف تقارَن قوة حياة الانسان او روحه بتلك التي للحيوانات؟ (ب) ماذا يبيِّن ذلك عن الروح؟
١٠ وعلى نحو مماثل، فإن البشر والحيوانات على السواء لهم «(روح) واحدة،» قوة منشِّطة واحدة. فالروح او قوة الحياة التي تمكِّن الانسان من انجاز وظائف الحياة لا تختلف مطلقا عن الروح التي تمكِّن الحيوانات من ذلك. وهذه الروح لا تحتفظ بالصفات المميِّزة لخلايا الجسد الميت. مثلا، في حالة خلايا الدماغ، لا تحتفظ الروح بالمعلومات المخزونة هناك وتواصل عمليات التفكير بمعزل عن هذه الخلايا. يخبرنا الكتاب المقدس: «تخرج روحه [رواح ] فيعود الى ترابه. في ذلك اليوم نفسه تهلك افكاره.» — مزمور ١٤٦:٤.
١١ وإذ تكون الحالة على هذا النحو، فإن رجوع رواح او الروح الى اللّٰه لا يمكن ان يعني استمرار الوجود الواعي. فالروح لا تواصل عمليات التفكير البشرية. انها قوة حياة فقط لا تملك وجودا واعيا بمعزل عن الجسد.
كيف ترجع الروح الى اللّٰه
١٢، ١٣ كيف يمكن ايضاح الطريقة التي يستعمل بها الكتاب المقدس الكلمة «يرجع» ليظهر انها لا تتطلب ان نفكِّر في انتقال فعلي من مكان الى آخر؟
١٢ اذًا، كيف ترجع هذه القوة او الروح غير المنظورة وغير المجسَّمة الى اللّٰه؟ وهل ترجع الى حضرته الحرفية في السماء؟
١٣ ان الطريقة التي يستعمل بها الكتاب المقدس الكلمة «يرجع» لا تتطلب، في كل حالة، ان نفكِّر في انتقال فعلي من مكان الى آخر. مثلا، قيل للاسرائيليين غير الأمناء: «ارجعوا إليَّ ارجع اليكم قال رب الجنود.» (ملاخي ٣:٧) من الواضح ان هذا لم يعنِ انه كان على الاسرائيليين ان يتركوا الأرض ويأتوا الى حضرة اللّٰه عينها. ولا عنى ان اللّٰه كان سيترك مركزه في السموات ويبدأ بالسكن على الأرض مع الاسرائيليين. وبالأحرى، فإن ‹رجوع› اسرائيل الى يهوه عنى التحوُّل عن مسلك خاطئ والعمل ثانية وفقا لطريق اللّٰه البارَّة. و ‹رجوع› يهوه الى اسرائيل عنى توجيهه انتباها مؤاتيا الى شعبه ثانية. وفي كلتا الحالتين، اشتمل الرجوع على موقف، لا على انتقال حرفي من موقع جغرافي الى آخر.
١٤، ١٥ اذ نستعمل مثل «السلطة،» كيف يمكننا ان نشرح الطريقة التي بها ترجع الروح الى اللّٰه؟
١٤ أما ان رجوع شيء ما لا يتطلب انتقالا فعليا فيمكن ايضاحه بما يحدث في نقل تجارة او ملكية من ادارة طرف الى آخر. مثلا، في بلد معيَّن قد تُنقل ادارة السكك الحديدية من ايدي مؤسسة خاصة الى تلك التي للحكومة. وعندما يجري نقل كهذا، فإن معدّات السكك الحديدية وحتى جميع السجلات قد تبقى حيث هي. انما السلطة عليها هي التي تنتقل الى ايدٍ اخرى.
١٥ وكذلك الأمر في حالة الروح او قوة الحياة. فعند الموت لا حاجة الى حدوث انتقال فعلي من الأرض الى الحيِّز السماوي لكي «ترجع . . . الى اللّٰه.» لكنَّ هبة او عطية الوجود كمخلوق عاقل، كما تمتع بها الشخص الميت ذات مرة، تعود الآن الى اللّٰه. فما يلزم لإحياء الشخص، اي الروح او قوة الحياة، هو في يدَي اللّٰه. — مزمور ٣١:٥؛ لوقا ٢٣:٤٦.
١٦-١٨ باستعمال مثل المتَّهم امام القاضي، بأية طريقة ترجع الروح الى اللّٰه؟
١٦ ويمكن تشبيه الوضع بذاك الذي لمتَّهم يقول للقاضي، ‹حياتي في يدَيك.› فهو يعني ان ما سيحلُّ بحياته متروك للقاضي. فليس للمتَّهم اختيار في المسألة. انها خارجة عن سيطرته.
١٧ وعلى نحو مماثل، في قضية الرجل الميت، لا يسيطر هو على روحه او قوة حياته. فهي ترجع الى اللّٰه بمعنى انه يسيطر على آمال الفرد بحياة مقبلة. ويعود الى اللّٰه امر تقرير ما اذا كان سيردُّ الروح او قوة الحياة الى الراحل.
١٨ ولكن هل يحول ذلك بالضرورة دون كل امكانية للحياة بعد الموت؟ أليس هنالك شيء آخر للتأمل فيه؟
ماذا عن الولادة المتكرِّرة او التجسُّد ثانية؟
١٩، ٢٠ ما هو احد الأسباب لاعتقاد ملايين الأشخاص من مذاهب دينية مختلفة انه كان للبشر وجود قبل حياتهم الحاضرة؟
١٩ ان ملايين الأشخاص من مذاهب دينية مختلفة، سواء دعيت مسيحية او غير مسيحية، يعتقدون انه كان للبشر وجود قبل حياتهم الحاضرة وأنهم سيستمرون في العيش بعد ان يموتوا. وعلى الرغم من ان مفاهيمهم تختلف كثيرا، فهم يشتركون في الاقتناع بأن جزءا ما من الانسان يولد ثانية او يتجسَّد ثانية في جسد آخر.
٢٠ وإذ يعرض حجة لمصلحة الاعتقاد بالولادة المتكرِّرة، يذكر كتيِّب عن البوذية: «نحصل احيانا على اختبارات غريبة لا يمكن شرحها إلّا بالولادة المتكرِّرة. فكم مرة نلتقي اشخاصا لم نلتقِهم من قبل قط ومع ذلك نشعر داخليا بأنهم مألوفون تماما لدينا؟ وكم مرة نزور اماكن ونشعر مع ذلك بالتأثُّر بكوننا نعرف تماما محيطها؟»
٢١-٢٤ (أ) ماذا يعلِّل واقع انه بعد التقاء بعض الاشخاص نشعر احيانا بأننا نعرفهم لوقت طويل؟ (ب) هل المشاعر بشأن كون الأشخاص والأماكن غير المعروفين سابقا مألوفين هي نتاج حياة سابقة ام اختبارات في الحياة الحاضرة؟
٢١ هل اختبرتم في وقت ما امورا كهذه؟ بعد التقاء شخص، هل شعرتم في وقت ما بأنكم تعرفونه لوقت طويل؟ ما هو تعليل اختبار كهذا؟
٢٢ هنالك بين الناس تشابهات كثيرة. وربما، بعد شيء من التفكير، ادركتم انتم انفسكم ان لهذا الشخص ميزات في الشخصية وملامح جسدية شبيهة بتلك التي لنسيب او صديق.
٢٣ وعلى نحو مماثل، ربما سكنتم في مدينة معيَّنة او رأيتم صورا لها. ثم، عند زيارة مدينة اخرى، قد تلاحظون بعض التشابهات بحيث تشعرون بأنكم لستم حقا وسط محيط غريب وغير مألوف.
٢٤ اذًا، ألا يعقل الاستنتاج ان المشاعر بشأن كون الأشخاص والأماكن غير المعروفين سابقا مألوفين ليست هي نتاج حياة سابقة وإنما نتيجة اختبارات في الحياة الحاضرة؟ حقا، اذا كان لجميع الناس فعلا وجود سابق، أفلا يجب ان يكونوا جميعا على علم بذلك؟ اذًا، لماذا ليس لدى الملايين حتى ادنى احساس او تفكير في انهم عاشوا حياة ابكر؟ وبالاضافة الى ذلك، كيف يستطيع الشخص ان يتجنب اغلاط حياته الأبكر اذا كان لا يستطيع حتى ان يتذكَّرها؟ وأية فائدة هنالك لحياة سابقة كهذه؟
٢٥، ٢٦ لماذا لا يمكن شرح عدم وجود ذكريات عن حياة سابقة بفكرة النسيان عمدا؟
٢٥ قد يقدِّم البعض الشرح ان ‹الحياة ستكون عبأً اذا عرف الناس تفاصيل وجودهم السابق.› هكذا عبَّر عن ذلك موهانداس ك. غاندي، قائلا: «انه لطف من الطبيعة ان لا نتذكَّر الولادات السابقة. وأين الفائدة ايضا من معرفتنا بالتفصيل الولادات التي لا تحصى التي اجتزناها؟ ستكون الحياة عبأً اذا حملنا مثل هذا الحِمل الهائل من الذكريات. والرجل الحكيم ينسى عمدا امورا كثيرة، تماما كما ينسى المحامي القضايا وتفاصيلها حالما يجري البتّ فيها.» هذا شرح مثير للاهتمام، ولكن هل يرتكز على اساس متين؟
٢٦ بينما تكون قدرتنا على تذكُّر امور كثيرة اختبرناها محدودة، فعقولنا بالتأكيد ليست فارغة كليا في ما يتعلق بها. فقد ينسى المحامي التفاصيل الدقيقة لبعض القضايا، لكنَّ الخبرة التي ينالها في معالجتها تصير جزءا من ثروة معرفته. وسيكون حقا في وضع غير مؤات الى حد بعيد اذا نسي فعلا كل شيء. ثم، ايضا، ايةٌ منهما تسبب للناس انزعاجا اعظم — الذاكرة الضعيفة ام الذاكرة الجيدة؟ أليس الرجل المسن الذي يتذكَّر جيدا ثروة معرفته وخبرته افضل بكثير من الرجل المسن الذي نسي كل شيء تقريبا؟
٢٧ التأمل في اية اسئلة يساعدنا ان نرى لماذا يكون مؤلما اضطرار المرء ان يتعلَّم ثانية امورا تعلَّمها ذات مرة في حياة سابقة؟
٢٧ حقا، ايّ «لطف» هنالك في اضطرار المرء ان يتعلَّم ثانية امورا تعلَّمها قبل الآن خلال وجود سابق؟ أتعتبرونه ‹لطفا من الطبيعة› اذا كنتم كل عشر سنوات من حياتكم تنسون تقريبا كل ما تعرفونه وتضطرون الى الابتداء بتعلُّم اللغة ثانية وبعد ذلك الى الابتداء ببناء ثروة من المعرفة والخبرة، انما ليجري محوها؟ ألا يكون ذلك مثبِّطا؟ ألا يؤدي الى نكسات مروِّعة؟ فلماذا التخيُّل ان ذلك يحدث كل سبعين او ثمانين سنة؟ أيمكنكم التصور ان الها محبا جعل مثل هذه الولادة المتكرِّرة جزءا من قصده للجنس البشري؟
٢٨، ٢٩ (أ) الاعتقاد بالولادة المتكرِّرة لا يتوافق مع اية وقائع عن عدد السكان البشر والجريمة؟ (ب) اي ثمر انتجه تعليم الولادة المتكرِّرة؟
٢٨ ان كثيرين من الذين يقبلون عقيدة الولادة المتكرِّرة يعتقدون ان اولئك الذين يعيشون حياة رديئة سيولدون ثانية في طبقة ادنى او كحشرات، طيور او وحوش. اذًا، لماذا هنالك انفجار سكاني بشري كبير في وقت تزداد فيه الجريمة والعنف بشكل لم يسبق له مثيل؟ وأيضا، لماذا يستطيع حتى اولئك الذين هم في الطبقة الدنيا ان يبرعوا عندما يُمنحون فرصا للتعليم؟ مثلا، اخبرت تايمز النيويوركية، عدد ٢٦ تشرين الأول ١٩٧٣، ان فتاة في السادسة عشرة من عمرها من طبقة وضيعة كانت ابرع فتاة في المدرسة في كاليپاشيم، الهند. وكانت اذكى من فتاة من الطبقة العليا، البراهمة. فكيف يمكن شرح ذلك؟ أليس صحيحا ان عقيدة الولادة المتكرِّرة او التجسُّد ثانية لا يمكن ان تزوِّد شرحا مرضيا لأمور كهذه؟
٢٩ فكِّروا ايضا في الثمر الذي انتجه تعليم كهذا. ألم يحرم كثيرين من البشر مكانة رفيعة، مرغما اياهم على قبول اعمال وضيعة في ظل احوال عمل رديئة، بإمكانية ضئيلة لتحسين نصيبهم في الحياة بواسطة التعليم؟
هل يعلِّم الكتاب المقدس الولادة المتكرِّرة؟
٣٠، ٣١ اية اشاعات منتشرة على نحو واسع في زمن يسوع سببت اعتقاد الأشخاص اليوم ان الكتاب المقدس يعلِّم الولادة المتكرِّرة؟
٣٠ طبعا، قد يشير بعض الأشخاص الى ان الاستنتاجات المنطقية لا تستبعد بالضرورة امكانية الولادة المتكرِّرة. وقد يكون ردّهم على الحجج الآنفة الذكر: ‹حتى الكتاب المقدس يعلِّم الولادة المتكرِّرة. وهذه هي مجرد واحد من الأشياء الكثيرة التي لا يستطيع البشر شرحها كاملا.›
٣١ بما ان المؤمنين بالولادة المتكرِّرة يلجأون الى الكتاب المقدس في المناقشة، نريد ان نتأمل في ما يقوله. فأيّ دليل للكتاب المقدس هنالك للاعتقاد بالولادة المتكرِّرة؟ يجيب الكتاب ما هي البوذية؟: «للقارئ المسيحي نشير الى ان [عقيدة الولادة المتكرِّرة] موجودة بوضوح في اجزاء مبتورة من تعاليم المسيح كتلك التي لا تزال باقية. تأملوا، مثلا، في الاشاعات المنتشرة على نحو واسع بأنه يوحنا المعمدان، ارميا او ايليا الآتي ثانية (متى ١٦:١٣-١٦). وحتى هيرودس يبدو انه اعتقد انه ‹يوحنا المعمدان المقام من الأموات.›»
٣٢ هل ادَّعى يسوع نفسه انه احد اولئك الأنبياء الذين عاشوا من قبل؟
٣٢ فماذا عن حجج كهذه؟ هل ادَّعى يسوع المسيح نفسه انه يوحنا المعمدان، ارميا او ايليا؟ كلا، فقد صنع هذه الادِّعاءات اشخاص لم يقبلوا يسوع على ما كان عليه حقا، اي المسيّا او المسيح الموعود به. ولم يكن ممكنا ان يكون يسوع يوحنا المعمدان، لأنه عندما كان في الثلاثين من العمر تقريبا، اعتمد الرجل الأصغر سنا، يسوع، من يوحنا، الذي كان اكبر سنا. (متى ٣:١٣-١٧؛ لوقا ٣:٢١-٢٣) وزوَّد الملك هيرودس الاستنتاج المسوق بالعاطفة ان يسوع هو يوحنا المقام من الأموات بسبب مشاعره بالذنب الشديد لإعدامه يوحنا.
٣٣، ٣٤ لمَ لا تثبت متى ١٧:١٢، ١٣ ان يسوع اعتقد ان يوحنا المعمدان هو ايليا المولود ثانية؟
٣٣ ولكن أليست هنالك عبارات مباشرة ليسوع المسيح يُنظر اليها بأنها تدعم الاعتقاد بالولادة المتكرِّرة او التجسُّد ثانية؟ بلى، هنالك واحدة. ففي احدى المناسبات ربط يسوع المسيح يوحنا المعمدان بالنبي العبراني القديم ايليا، قائلا: «ايليا قد جاء ولم يعرفوه بل عملوا به كل ما ارادوا. . . . حينئذ فهم التلاميذ انه قال لهم عن يوحنا المعمدان.» (متى ١٧:١٢، ١٣) فبذكره «ايليا قد جاء،» هل عنى يسوع ان يوحنا المعمدان هو ايليا المولود ثانية؟
٣٤ لا بد من تحديد الجواب عن هذا السؤال على اساس ما يقوله الكتاب المقدس ككل. ان يهودا كثيرين قديما في زمن خدمة يسوع الأرضية اعتقدوا ان ايليا سيعود حرفيا. وأشارت نبوة ملاخي الى الوقت الذي فيه سيرسل يهوه اللّٰه النبي ايليا. (ملاخي ٤:٥) لكنَّ يوحنا المعمدان لم ينظر الى نفسه بأنه ايليا شخصيا او تجسُّد ثانٍ لذلك النبي العبراني. ففي احدى المناسبات سأله بعض اليهود، «ايليا انت.» فأجاب يوحنا: «لست انا.» (يوحنا ١:٢١) ولكن كان قد انبئ بأن يوحنا سيعدّ الطريق امام المسيَّا «بروح ايليا وقوته.» (لوقا ١:١٧) وهكذا، عندما ربط يسوع يوحنا المعمدان بإيليا، كان يُظهر فقط كيف تمَّت النبوة في يوحنا الذي قام بعمل مشابه لعمل ايليا قديما.
٣٥، ٣٦ لمَ لا تُظهر رومية ٩:١١-١٣ ان اختيار اللّٰه كان مؤسسا على ما فعله يعقوب وعيسو في اثناء حياة سبقت ولادتهما لرفقة؟
٣٥ ثمة مقطع آخر من الأسفار المقدسة يلجأ اليه المؤمنون بالتجسُّد ثانية وهو رومية ٩:١١-١٣: «لانه وهما [عيسو ويعقوب] لم يولدا بعد ولا فعلا خيرا او شرا لكي يثبت قصد اللّٰه حسب الاختيار ليس من الأعمال بل من الذي يدعو. قيل لِـ [رفقة] إنَّ الكبير يُستعبد للصغير. كما هو مكتوب [في ملاخي ١:٢، ٣] احببتُ يعقوب وأبغضتُ عيسو.» ألا يُظهر هذا المقطع ان اختيار اللّٰه كان مؤسسا على ما فعله يعقوب وعيسو في اثناء حياة سبقت ولادتهما لرفقة؟
٣٦ لِمَ لا تعيدون قراءته؟ لاحظوا انه يقول بالتحديد ان اختيار اللّٰه صُنع قبل فعل ايّ منهما الخير او الشر. وهكذا فان اختيار اللّٰه لم يعتمد على سجل بأعمال ماضية في حياة ابكر.
٣٧، ٣٨ (أ) على اي اساس استطاع اللّٰه ان يصنع اختيارا قبل ولادة الصبيَّين؟ (ب) كيف برهن مسلك حياة يعقوب وعيسو كليهما ان اللّٰه على صواب في ما يتعلق باختياره؟
٣٧ فعلى ايّ اساس، اذًا، استطاع اللّٰه ان يصنع اختيارا قبل ولادة الصبيَّين؟ يكشف الكتاب المقدس ان اللّٰه قادر على رؤية الجنين، وبالتالي يعرف التركيب الوراثي للبشر قبل الولادة. (مزمور ١٣٩:١٦) وإذ مارس معرفته المسبقة، ادرك اللّٰه ما سيكون عليه الصبيَّان من حيث الاساس في ما يتعلق بالمزاج والشخصية وهكذا استطاع ان يصنع اختيارا للصبيِّ الذي يمكن ان يكون مناسبا اكثر للبركة الأسمى. والسجل الذي صنعه الصبيَّان في الحياة يؤكد حكمة اختيار اللّٰه. فبينما اعرب يعقوب عن اهتمامات روحية وإيمان بمواعيد اللّٰه، اظهر عيسو نزعة مادية وافتقارا الى التقدير للأمور المقدسة. — عبرانيين ١١:٢١؛ ١٢:١٦، ١٧.
٣٨ أما في ما يتعلق باقتباس الرسول بولس من ملاخي عن ‹محبة اللّٰه ليعقوب› و ‹بغضه لعيسو،› فهذا ايضا مرتبط بنظرة يهوه اليهما المؤسسة على تركيبهما الوراثي. واذ سجَّلها ملاخي بعد قرون كثيرة من حياتهما، اكَّدت العبارة ما بيَّنه اللّٰه عن الصبيَّين قبل ولادتهما.
٣٩، ٤٠ لمَ لا تكشف الكلمات الموجودة في يوحنا ٩:٢ انه لا بد ان يكون للرجل وجود سابق؟
٣٩ والسؤال الذي اثاره تلاميذ يسوع هو ايضا مثَل آخر يورده البعض دعما للتجسُّد ثانية. ففي ما يتعلق برجل اعمى منذ الولادة سأل التلاميذ: «مَن اخطأ هذا أم ابواه حتى وُلد اعمى.» (يوحنا ٩:٢) ألا تكشف هذه الكلمات انه لا بد ان يكون للرجل وجود سابق؟
٤٠ كلا! لم يوافق يسوع المسيح على ايّ اقتراح بأن الطفل الذي ينمو في رحم امه اخطأ من ذاته قبل الولادة. قال يسوع: «لا هذا اخطأ ولا ابواه لكن لتظهر اعمال اللّٰه فيه.» (يوحنا ٩:٣) ويعني ذلك ان النقائص والعيوب البشرية كعمى هذا الرجل زوَّدت الفرصة لتصير اعمال اللّٰه ظاهرة في شكل شفاء عجائبي. فلو لم يولد احد في وقت من الأوقات اعمى، لما اتى البشر الى المعرفة ان اللّٰه قادر على منح البصر لشخص وُلد اعمى. ويهوه اللّٰه، بالسماح لعرق بشري خاطئ بأن يأتي الى الوجود، استخدم نقائصهم وعيوبهم ليُظهر ما يستطيع فعله لأجلهم.
٤١-٤٣ (أ) ماذا يبرهن ان الكتاب المقدس لا يعلِّم فكرة الولادة المتكرِّرة؟ (ب) بحسب التكوين ٣:١٩، عوضا عن الولادة المتكرِّرة، اي مستقبل وضعه اللّٰه امام آدم؟
٤١ وهكذا فيما قد تكون هنالك آيات في الكتاب المقدس يظن البعض انها تدعم مفهوم الولادة المتكرِّرة، فإن الفحص الأدقّ يبيِّن خلاف ذلك. وفي الواقع، لا نجد في ايّ مكان في الكتاب المقدس ايّ ذكر للولادة المتكرِّرة او التقمُّص للنفس، الروح او ايّ شيء آخر يبقى حيًّا بعد موت الجسد. وقد حاول البعض ان ‹يحمِّلوا› الأسفار المقدسة فكرة الولادة المتكرِّرة او التجسُّد ثانية. انها ليست عقيدة للكتاب المقدس.
٤٢ يُظهر الكتاب المقدس بوضوح ان الوجود الواعي لا يستمر بواسطة نفس او روح تترك الجسد عند الموت. وعندما حكم اللّٰه على الانسان الأول بالموت بسبب العصيان، لم يضع امامه ايّ امل بالولادة المتكرِّرة او التجسُّد ثانية. قيل لآدم: «بعرق وجهك تأكل خبزا حتى تعود الى الأرض التي أُخذتَ منها. لأنك تراب والى تراب تعود.» (تكوين ٣:١٩) اجل، كان الانسان سيعود الى تراب الأرض العديم الحياة.
٤٣ فهل يجب ان نفهم ان هذه الحياة هي كل ما هنالك؟ ام هل هنالك تدبير لحياة مقبلة متوفرة بطريقة اخرى؟ وهل يمكن ان يجعل هذا التدبير ضروريا ان يساعد الأحياء الأموات، أم ان الأموات هم وراء نطاق اية مساعدة من الأحياء؟
[الصور في الصفحة ٥١]
الروح هي أشبه بالكهرباء، التي تشغِّل اشياء كثيرة لكنها لا تأخذ صفاتها