الفصل السادس عشر
رسالة امل للاسرى الحزانى
١ صفوا حالة اليهود الاسرى في بابل.
كانت فترةً حالكة من تاريخ يهوذا. فقد كان شعب عهد اللّٰه يذوي في بابل بعدما أُجبروا على مغادرة ارضهم مسبيِّين. صحيح انهم أُعطوا قدرا من الحرية ليهتموا بشؤونهم اليومية. (ارميا ٢٩:٤-٧) حتى ان البعض احترفوا مهنًا او انخرطوا في اعمال تجارية.a (نحميا ٣:٨، ٣١، ٣٢) لكنَّ الحياة لم تكن سهلة بالنسبة الى الاسرى اليهود. فقد كانوا في عبودية، عبودية حرفية وروحية على السواء. فلنرَ كيف.
٢، ٣ كيف اثَّر السبي في عبادة اليهود ليهوه؟
٢ عندما دمرت الجيوش البابلية اورشليم سنة ٦٠٧ قم، لم يقضوا على امة وحسب، بل وجَّهوا ضربة قاسية ايضا الى العبادة الحقة. فقد أفرغوا هيكل يهوه من محتوياته ودمروه، وشلّوا ترتيب الكهنوت بأسر بعض ابناء سبط لاوي وقتل آخرين. وبعدم وجود بيت للعبادة ومذبح وكهنوت منظم، استحال على اليهود ان يقدموا ذبائح للاله الحقيقي كما امرت الشريعة.
٣ كان بإمكان اليهود الامناء ان يحافظوا على هويتهم الدينية بممارسة الختان واتِّباع الشريعة الى الحد الممكن. مثلا، كان بإمكانهم الامتناع عن الاطعمة المحرمة وحفظ السبت. ولكنهم بذلك كانوا يعرِّضون انفسهم لهزء آسريهم، لأن البابليين اعتبروا الشعائر اليهودية سخيفة. ويمكن ان تُرى حالة الحزن التي عاشها المسبيون في كلمات صاحب المزمور التالية: «على انهار بابل هناك جلسنا. بكينا ايضا عندما تذكرنا صهيون. على الصفصاف في وسطها علَّقنا اعوادنا. لأنه هناك سألَنا الذين سبونا كلام ترنيمة ومعذِّبونا [«والساخرون منا»، عج] سألونا فرحا قائلين رنِّموا لنا من ترنيمات صهيون». — مزمور ١٣٧:١-٣.
٤ لماذا لا جدوى من ان يعتمد اليهود على الامم الاخرى لينقذوهم، ولكن الى مَن يمكن ان يلتفتوا لنيل المساعدة؟
٤ فإلى مَن يمكن ان يلتفت الاسرى اليهود طلبا للتعزية؟ من اين سيأتي خلاصهم؟ ليس طبعا من اية من الامم المحيطة! فكلها وقفت عاجزة امام الجيوش البابلية، وكثير منها كان معاديا لليهود. لكنَّ الوضع ليس ميؤوسا منه. فيهوه، الذي تمرَّدوا عليه حين كانوا شعبا حرًّا، وجَّه اليهم برحمة دعوة مشجعة مع انهم كانوا مسبيين.
«هلموا الى المياه»
٥ ما هو معنى الكلمات «هلموا الى المياه»؟
٥ بواسطة اشعيا، يتكلم يهوه نبويا الى الاسرى اليهود في بابل: «ايها العطاش جميعا هلموا الى المياه والذي ليس له فضة تعالوا اشتروا وكلوا هلموا اشتروا بلا فضة وبلا ثمن خمرا ولبنا». (اشعياء ٥٥:١) هذه الكلمات غنية بالرموز. تأملوا مثلا في الدعوة: «هلموا الى المياه». ان الحياة بدون ماء مستحيلة. فبدون هذا السائل الثمين، لا يعيش البشر اكثر من اسبوع. لذلك كان ملائما ان يستخدم يهوه الماء كاستعارة ليعبِّر عن التأثير الذي سيكون لكلماته في الاسرى اليهود. فرسالته ستنعشهم كماء بارد في يوم حار. وسترفعهم من حالة يأسهم، اذ تروي عطشهم الى الحق والبر. وستفجِّر في انفسهم امل التحرُّر من الاسر. ولكن، لكي يستفيد الاسرى اليهود، عليهم ان يَنْهَلوا من رسالة اللّٰه وينتبهوا لها ويعملوا بحسب ما تأمر به.
٦ كيف سيستفيد اليهود اذا اشتروا «خمرا ولبنا»؟
٦ ان يهوه يقدِّم ايضا «خمرا ولبنا». يقوِّي اللبن (الحليب) الاجسام الفتية ويساعد الاولاد على النمو. وبشكل مماثل، ستقوِّي كلمات يهوه شعبه روحيا وتمكِّنهم من توطيد علاقتهم به. وماذا عن الخمر؟ غالبا ما يُستخدم الخمر في الاحتفالات. ويرتبط في الكتاب المقدس بالازدهار والفرح. (مزمور ١٠٤:١٥) وعندما يقول يهوه لشعبه ان ‹يشتروا خمرا›، يؤكد لهم ان الرجوع من كل القلب الى العبادة الحقة لن يجعلهم ‹الا فرحين›. — تثنية ١٦:١٥؛ مزمور ١٩:٨؛ امثال ١٠:٢٢.
٧ لماذا رأفة يهوه حيال المسبيين لافتة للنظر، وماذا يعلِّمنا ذلك عنه؟
٧ ما ارحم يهوه حين يعرض انعاشا روحيا كهذا على اليهود المسبيين! وتصير رأفته لافتة اكثر للنظر حين نتذكر تاريخ اليهود المتسم بالعصيان والتمرد. لا تعني مبادرة يهوه انهم يستحقون رضاه. لكنَّ المرنم الملهم داود كتب قبل قرون: «الرب رحيم ورؤوف طويل الروح وكثير الرحمة. لا يحاكم الى الابد ولا يحقد الى الدهر». (مزمور ١٠٣:٨، ٩) فيهوه لا يقطع علاقته بشعبه، بل يقوم بالخطوة الاولى نحو المصالحة. انه فعلا اله «يُسر بالرأفة». — ميخا ٧:١٨.
ثقة في غير محلها
٨ بمَن وثق كثيرون من اليهود، ورغم ايّ تحذير؟
٨ حتى هذا الوقت ليس عند يهود كثيرين ملء الثقة بأن يهوه سيجلب الخلاص. فقبل سقوط اورشليم، مثلا، اعتمد حكامها على دعم الامم القوية، ممارسين الزنا، اذا جاز التعبير، مع مصر وبابل على السواء. (حزقيال ١٦:٢٦-٢٩؛ ٢٣:١٤) لذلك كان ارميا محقا حين حذرهم قائلا: «ملعون الرجل الذي يتكل على الانسان ويجعل البشر ذراعه وعن الرب يحيد قلبه». (ارميا ١٧:٥) ولكن هذا تماما ما فعله شعب اللّٰه!
٩ كيف ربما يزِن يهود كثيرون «فضة لغير خبز»؟
٩ وها هم الآن مستعبَدون لإحدى الامم التي اتكلوا عليها. فهل تعلَّموا درسا من ذلك؟ ربما لم يتعلم كثيرون، لأن يهوه يسأل: «لماذا تزِنون فضة لغير خبز وتعبكم لغير شبع». (اشعياء ٥٥:٢ أ) اذا كان اليهود الاسرى يتكلون على احد غير يهوه، فهم «يزِنون فضة لغير خبز». فمن المؤكد ان بابل لن تطلق سراحهم لأن سياستها لا تجيز عودة الاسرى الى ارضهم. نعم، ليس لدى بابل، بنزعتها الاستعمارية والتجارية وعبادتها الباطلة، ما تقدِّمه لليهود المسبيين.
١٠ (أ) كيف سيكافئ يهوه اليهود المسبيين اذا استمعوا له؟ (ب) ايّ عهد كان يهوه قد قطعه مع داود؟
١٠ يناشد يهوه شعبه: «استمعوا لي استماعا وكلوا الطيِّب ولتتلذذ بالدسم انفسكم. اميلوا آذانكم وهلموا اليَّ. اسمعوا فتحيا انفسكم وأقطع لكم عهدا ابديا مراحم داود الصادقة». (اشعياء ٥٥:٢ب، ٣) فيهوه، الذي يتكلم اليهم الآن نبويا من خلال اشعيا، هو الامل الوحيد لهؤلاء الذين يعانون سوء تغذية روحيا. وحياتهم تعتمد على استماعهم لرسالة اللّٰه، لأنه يقول ان ‹انفسهم تحيا› اذا سمعوا. ولكن ما هو ‹العهد الابدي› الذي سيقطعه يهوه مع الذين يتجاوبون مع كلامه؟ يتعلق هذا العهد بـ «مراحم داود الصادقة». وقبل قرون، وعد يهوه داود ان كرسيه سيصير «ثابتا الى الابد». (٢ صموئيل ٧:١٦) وهكذا يرتبط ‹العهد الابدي› المذكور هنا بالحكم.
وارث دائم لمملكة ابدية
١١ لماذا ربما يبدو اتمام وعد اللّٰه لداود مستحيلا في اعين المسبيين في بابل؟
١١ لا يُنكر ان فكرة تسلُّم فرد من سلالة داود زمام الحكم ربما تبدو مستحيلة في اعين اليهود المسبيين. فقد خسروا ارضهم، حتى انهم خسروا هويتهم كأمة! ولكنّ هذا امر وقتي. فيهوه لم ينسَ عهده مع داود. وقصْد اللّٰه بشأن مملكة ابدية من سلالة داود سينجح دون شك، مهما بدا الامر مستحيلا عند البشر. ولكن كيف ومتى؟ في سنة ٥٣٧ قم، يطلق يهوه شعبه من الاسر البابلي ويردّهم الى ارضهم. فهل يؤدي ذلك الى تأسيس مملكة ابدية؟ كلا، لأنهم يبقون خاضعين لإمبراطورية وثنية اخرى: مادي وفارس. و «الازمنة المعينة» لحكم الامم لم تنتهِ بعد. (لوقا ٢١:٢٤) وبعدم وجود ملك في اسرائيل، سيبقى وعد يهوه لداود غير متمَّم طوال قرون.
١٢ اية خطوة قام بها يهوه لإتمام عهد الملكوت الذي قطعه مع داود؟
١٢ بعد اكثر من ٥٠٠ سنة من اطلاق اسرائيل من الاسر البابلي، قام يهوه بخطوة كبيرة نحو اتمام عهد الملكوت عندما نقل حياة ابنه البكر، اول اعماله الخلقية، من المجد السماوي الى رحم العذراء اليهودية مريم. (كولوسي ١:١٥-١٧) قال ملاك يهوه لمريم وهو يخبرها بذلك: «هذا يكون عظيما ويدعى ابن العلي؛ ويعطيه يهوه اللّٰه عرش داود أبيه، ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد، ولا يكون لمملكته نهاية». (لوقا ١:٣٢، ٣٣) لذلك وُلد يسوع في سلالة داود الملكية وورث الحق في الحكم. وعند تتويجه ملكا، كان سيحكم «الى الابد». (اشعياء ٩:٧؛ دانيال ٧:١٤) وبهذه الطريقة فُتح الطريق الآن ليتم وعد يهوه، الذي قُطع قبل قرون، بإعطاء الملك داود وارثا دائما.
‹آمر للشعوب›
١٣ كيف كان يسوع «شاهدا للشعوب» خلال خدمته وبعد صعوده على السواء؟
١٣ ماذا سيفعل هذا الملك المستقبلي؟ يقول يهوه: «هاءنذا جعلته للشعوب شاهدا للشعوب قائدا وآمرا». (اشعيا ٥٥:٤، يج) عندما كبر يسوع، صار ممثِّل يهوه على الارض، شاهد اللّٰه للامم. صحيح ان خدمته خلال حياته البشرية كانت موجَّهة الى «خراف بيت اسرائيل الضائعة»، ولكن قُبيل صعوده الى السماء قال لأتباعه: «اذهبوا وتلمذوا أناسا من جميع الأمم . . . وها أنا معكم كل الأيام إلى اختتام نظام الأشياء». (متى ١٠:٥، ٦؛ ١٥:٢٤؛ ٢٨:١٩، ٢٠) وهكذا، في الوقت المعين، وصلت رسالة الملكوت الى غير اليهود، وشارك بعضهم في اتمام العهد الذي قُطع مع داود. (اعمال ١٣:٤٦) وبهذه الطريقة بقي يسوع، حتى بعد موته وقيامته وصعوده الى السماء، ‹شاهد يهوه للشعوب›.
١٤، ١٥ (أ) كيف برهن يسوع انه ‹قائد وآمر›؟ (ب) ماذا كان رجاء أتباع يسوع في القرن الاول؟
١٤ لزم ان يكون يسوع ايضا «قائدا وآمرا». وطبقا لهذا الوصف النبوي، قبِل يسوع، عندما كان على الارض، كل مسؤوليات رئاسته وأخَذ القيادة، جاذبا جموعا ضخمة ومعلِّما اياهم كلام الحق ومشيرا الى فوائد اتِّباع رئاسته. (متى ٤:٢٤؛ ٧:٢٨، ٢٩؛ ١١:٥) ودرَّب تلاميذه جيدا، معدًّا اياهم للحملة الكرازية التي تنتظرهم. (لوقا ١٠:١-١٢؛ اعمال ١:٨؛ كولوسي ١:٢٣) وفي ثلاث سنوات ونصف فقط، وضع يسوع الاساس لجماعة موحَّدة عالمية مؤلفة من آلاف الاعضاء من مختلف العروق! ولا احد غير ‹القائد والآمر› الحقيقي قادر على انجاز هذه المهمة الضخمة.b
١٥ ان الذين انضموا الى الجماعة المسيحية في القرن الاول كانوا ممسوحين بروح اللّٰه القدس، وكان رجاؤهم ان يحكموا مع يسوع في ملكوته السماوي. (كشف ١٤:١) لكنَّ نبوة اشعيا تمتد الى ما بعد ايام المسيحية الباكرة. فالادلة تُظهر ان يسوع المسيح لم يبدأ حكمه كملك ملكوت اللّٰه حتى سنة ١٩١٤. وبُعيد ذلك نشأت حالة بين المسيحيين الممسوحين على الارض كانت لها تناظرات كثيرة مع ما حدث لليهود المسبيين في القرن السادس قبل الميلاد. حتى انه يمكن القول ان ما حدث لهؤلاء المسيحيين يشكّل اتماما اعظم لنبوة اشعيا.
الاسر والاطلاق العصريان
١٦ اية شدَّة تلت تتويج يسوع سنة ١٩١٤؟
١٦ اتَّسم تتويج يسوع ملكا سنة ١٩١٤ بشدَّة عالمية لم يسبق لها مثيل. ولماذا؟ لأن يسوع، عندما ملكَ، طرد الشيطان والمخلوقات الروحانية الشريرة الاخرى من السماء. وعندما حُصرت تحركات الشيطان في الارض، بدأ يشن حربا على القديسين الباقين، بقية المسيحيين الممسوحين. (كشف ١٢:٧-١٢، ١٧) وأتت الذروة سنة ١٩١٨ عندما توقف العمل الكرازي العلني كاملا تقريبا وسُجن مسؤولون في جمعية برج المراقبة بتهمة باطلة هي التحريض على الفتنة. وبهذه الطريقة أُخذ خدام يهوه العصريون الى اسر روحي، الامر الذي يذكّر بالاسر الحرفي لليهود القدماء. وكان سيف التعيير مُصلَتا عليهم.
١٧ كيف تغيَّرت حالة الممسوحين سنة ١٩١٩، وكيف تقوَّوا آنذاك؟
١٧ لكنَّ حالة الاسر التي عاشها خدام اللّٰه الممسوحون لم تدم طويلا. ففي ٢٦ آذار (مارس) ١٩١٩، أُطلق سراح المسؤولين المسجونين، وبعد ذلك أُسقطت كل التهم الموجَّهة اليهم. وسكب يهوه روحه القدس على شعبه المحرَّر، مقوِّيا اياهم للعمل الذي ينتظرهم. فتجاوبوا بفرح مع الدعوة ان يأخذوا «ماء الحياة مجانا». (كشف ٢٢:١٧) لقد اشتروا «بلا فضة وبلا ثمن خمرا ولبنا»، وتقوَّوا روحيا استعدادا لتوسُّع مستقبلي رائع، توسُّع لم تتوقَّعه البقية الممسوحة.
جمع كثير يركض الى ممسوحي اللّٰه
١٨ من ايّ فريقين يتألف تلاميذ يسوع المسيح، وماذا يشكِّلان اليوم؟
١٨ يملك تلاميذ يسوع واحدا من هذين الرجاءين. اولا، جرى تجميع ‹قطيع صغير› من ٠٠٠,١٤٤ شخص — مسيحيين ممسوحين من خلفيات يهودية وأممية هم «اسرائيل اللّٰه»، ولهؤلاء رجاء الحكم مع يسوع في ملكوته السماوي. (لوقا ١٢:٣٢؛ غلاطية ٦:١٦؛ كشف ١٤:١) ثانيا، ظهر في الايام الاخيرة «جمع كثير» من ‹الخراف الاخر›. ويملك هؤلاء رجاء العيش الى الابد على ارض فردوسية. وقبل اندلاع الضيق العظيم، يشارك هذا الجمع — الذي لم يحدَّد عدد افراده مسبقا — القطيع الصغير في خدمته، ويشكِّل الفريقان كلاهما «رعية واحدة» تحت إمرة «راعٍ واحد». — كشف ٧:٩، ١٠؛ يوحنا ١٠:١٦.
١٩ كيف تجاوبت «امة»، لم يسبق لإسرائيل اللّٰه ان عرفها، مع دعوة هذه الامة الروحية؟
١٩ يمكن تبيُّن تجميع هذا الجمع الكثير في الكلمات التالية لنبوة اشعيا: «ها امة لا تعرفها تدعوها وأمة لم تعرفك تركض اليك من اجل الرب الهك وقدوس اسرائيل لأنه قد مجَّدك». (اشعياء ٥٥:٥) في السنوات التي تلت اطلاقهم من الاسر الروحي، لم تفهم البقية الممسوحة في البداية ان يهوه سيستخدمهم قبل هرمجدون لدعوة «امة» كبيرة الى عبادته. ولكن، على مر الوقت، بدأ كثيرون من مستقيمي القلوب، ممَّن لم يكن رجاؤهم سماويا، يعاشرون الممسوحين ويخدمون يهوه بنفس غيرة الممسوحين. فقد لاحظ هؤلاء الوافدون الجدد الحالة المجيدة لشعب اللّٰه، وأدركوا ان يهوه معهم. (زكريا ٨:٢٣) وفي ثلاثينات القرن العشرين، فهمت البقية الهوية الحقيقية لهذا الفريق الذي كانت اعداد افراده تتزايد في وسطهم. فأدركوا ان عمل تجميع عظيما يكمن امامهم. وكان الجمع الكثير «يركض» ليقترن بشعب عهد اللّٰه، وذلك لسبب وجيه.
٢٠ (أ) لماذا من الملح في ايامنا ان ‹نطلب يهوه›، وكيف يجري ذلك؟ (ب) كيف سيتجاوب يهوه مع الذين يطلبونه؟
٢٠ في ايام اشعيا خرجت الدعوة: «اطلبوا الرب ما دام يوجد ادعوه وهو قريب». (اشعياء ٥٥:٦) تصحُّ هذه الكلمات في ايامنا، سواء بالنسبة الى الذين يؤلفون اسرائيل اللّٰه او بالنسبة الى الجمع الكثير المتزايد عدده. لكنَّ بركة يهوه ليست غير مشروطة، ولا يبسط دعوته الى ما لا نهاية. فالآن هو الوقت لطلب رضى اللّٰه. لأنه عندما يحين الوقت المعين لدينونة يهوه، سيكون الاوان قد فات. لذلك يقول اشعيا: «ليترك الشرير طريقه ورجل الاثم افكاره وليتب [«وليرجع»، يج] الى الرب فيرحمه وإلى الهنا لأنه يكثر الغفران». — اشعياء ٥٥:٧.
٢١ كيف خانت امة اسرائيل عهد آبائهم؟
٢١ تدل عبارة ‹ليرجع الى الرب› ضمنا ان الاشخاص الذين يلزم ان يتوبوا كانت عندهم علاقة باللّٰه. وتذكِّرنا العبارة بأن اوجها عديدة من هذا الجزء من نبوة اشعيا لها انطباق اولي على الاسرى اليهود في بابل. فقبل قرون، اعلن آباء هؤلاء الاسرى تصميمَهم على اطاعة يهوه حين قالوا: «حاشا لنا ان نترك الرب لنعبد آلهة اخرى». (يشوع ٢٤:١٦) ويُظهر التاريخ ان ما قالوا عنه «حاشا» فعلوه — وأكثر من مرة! وبسبب عدم ايمان شعب اللّٰه صاروا مسبيين في بابل.
٢٢ لماذا يقول يهوه ان افكاره وطرقه اعلى من افكار الانسان وطرقه؟
٢٢ وماذا سيحدث اذا تابوا؟ يعد يهوه بواسطة اشعيا انه سوف «يكثر الغفران». ويضيف: «لأن افكاري ليست افكاركم ولا طرقكم طرقي يقول الرب. لأنه كما علت السموات عن الارض هكذا علت طرقي عن طرقكم وأفكاري عن افكاركم». (اشعياء ٥٥:٨، ٩) يهوه كامل، وأفكاره وطرقه عالية ولا يمكن بلوغها. حتى رحمته اعلى من ان يرجو البشر بلوغها. فكروا في هذا: عندما نغفر لأخينا الانسان، ففي هذه الحالة يغفر خاطئ لخاطئ مثله. ونعرف اننا عاجلا او آجلا سنحتاج الى ان يغفر لنا انسان آخر. (متى ٦:١٢) أما يهوه، مع انه لا يحتاج ابدا الى ان يُغفر له، فيَغفر و «يكثر» الغفران! انه فعلا اله فائق اللطف الحبي. ويهوه، برحمته، يفتح كوى السموات، مغدقا وابلا من البركات على الذين يرجعون اليه من كل قلوبهم. — ملاخي ٣:١٠.
بركات تنتظر الراجعين الى يهوه
٢٣ كيف يوضح يهوه عدم وجود ادنى شك في اتمام كلمته؟
٢٣ يعد يهوه شعبه: «كما ينزل المطر والثلج من السماء ولا يرجعان الى هناك بل يرويان الارض ويجعلانها تلد وتنبت وتعطي زرعا للزارع وخبزا للآكل هكذا تكون كلمتي التي تخرج من فمي. لا ترجع اليَّ فارغة بل تعمل ما سررتُ به وتنجح في ما ارسلتُها له». (اشعياء ٥٥:١٠، ١١) كل ما يقوله يهوه سيتمّ لا محالة. فكما ان المطر والثلج المتساقطَين من السماء ينجزان قصدهما، اذ يرويان الارض ويجعلانها تثمر، كذلك كلمة يهوه التي تخرج من فمه يُعتمد عليها كل الاعتماد. فما يعد به سوف يتم دون ادنى شك. — عدد ٢٣:١٩.
٢٤، ٢٥ اية بركات تنتظر المسبيين اليهود الذين يطيعون رسالة يهوه بواسطة اشعيا؟
٢٤ وهكذا اذا اصغى اليهود الى الكلمات النبوية الموجَّهة اليهم بواسطة اشعيا، فسينالون دون شك الخلاص الذي يعد به يهوه. ونتيجةً لذلك سيختبرون فرحا عظيما. يذكر يهوه: «لأنكم بفرح تخرجون وبسلام تُحضَرون. الجبال والآكام تُشيد امامكم ترنُّما وكل شجر الحقل تصفق بالايادي. عوضا عن الشوك ينبت سرو وعوضا عن القَرِيس يطلع آس. ويكون للرب اسما علامة ابدية لا تنقطع.». — اشعياء ٥٥:١٢، ١٣.
٢٥ في سنة ٥٣٧ قم، يخرج اليهود المسبيون فعلا من بابل بفرح. (مزمور ١٢٦:١، ٢) وعندما يصلون الى اورشليم، يجدون ارضا يكثر فيها الشوك والقَرِيس، اذ ان الارض بقيت مقفرة عشرات السنين. ولكن بإمكان شعب اللّٰه العائد ان يساهم الآن في تغيير الوضع الى الاحسن! فالاشجار السامقة، كالسرو والآس، ستحل محل الشوك والقَرِيس. وتَظهر بركة يهوه على الفور اذ يخدمه شعبه ‹بترنم›. فكما لو ان الارض نفسها فرحت.
٢٦ اية حالة يُنعَم بها على شعب اللّٰه اليوم؟
٢٦ في سنة ١٩١٩ تحرَّرت بقية المسيحيين الممسوحين من الاسر الروحي. (اشعياء ٦٦:٨) وهم الآن يخدمون اللّٰه، مع الجمع الكثير من الخراف الاخر، بفرح في فردوس روحي. وبما ان التأثير البابلي لا يلطخ عبادتهم، فهُم في مركز حظوة، وصار ذلك ليهوه ‹اسما›، او جعله معروفا. فازدهارهم الروحي يمجِّد اسمه ويرفِّعه بصفته اله النبوة الصادقة. وما انجزه يهوه من اجلهم يؤكد ألوهيته، وهو دليل على التزامه بكلامه وعلى رحمته نحو التائبين. فليفرح جميع الذين يستمرون في ‹شراء الخمر واللبن بلا فضة وبلا ثمن› بخدمتهم له الى الابد!
[الحاشيتان]
a وُجدت اسماء يهودية عديدة في السجلات التجارية البابلية القديمة.
b لا يزال يسوع يشرف على عمل التلمذة. (كشف ١٤:١٤-١٦) واليوم، يعتبر الرجال والنساء المسيحيون يسوع رأس الجماعة. (١ كورنثوس ١١:٣) وفي وقت اللّٰه المعين، سيلعب يسوع دوره ‹كقائد وآمر› بطريقة اخرى، حين يقود المعركة الحاسمة ضد اعداء اللّٰه في حرب هرمجدون. — كشف ١٩:١٩-٢١.
[الصورة في الصفحة ٢٣٤]
يدعى اليهود العطاش روحيا «الى المياه» وإلى ‹شراء خمر ولبن›
[الصورة في الصفحة ٢٣٩]
اظهر يسوع انه ‹قائد وآمر› الشعوب
[الصور في الصفحتين ٢٤٤ و ٢٤٥]
«ليترك الشرير طريقه»