اَلْفَصْلُ ٱلثَّالِثَ عَشَرَ
أَخَذَ عِبْرَةً مِنْ أَخْطَائِهِ
١، ٢ (أ) مَاذَا سَبَّبَ يُونَانُ لِنَفْسِهِ وَلِلطَّاقِمِ وَهُمْ عَلَى مَتْنِ ٱلسَّفِينَةِ؟ (ب) كَيْفَ تُفِيدُنَا قِصَّةُ يُونَانَ؟
تَمَنَّى يُونَانُ لَوْ يُسْكِتُ ٱلْأَصْوَاتَ ٱلْمُرْعِبَةَ. فَٱلرِّيَاحُ ٱلْهَوْجَاءُ تَعْصِفُ بِٱلْحِبَالِ وَٱلْأَشْرِعَةِ، وَٱلْأَمْوَاجُ ٱلْعِمْلَاقَةُ تَتَقَاذَفُ ٱلسَّفِينَةَ ٱلَّتِي أَخَذَتْ أَلْوَاحُهَا تَصِرُّ صَرِيرًا حَادًّا. لٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلْأَصْوَاتِ رُعْبًا هِيَ صَرَخَاتُ ٱلرُّبَّانِ وَٱلْبَحَّارَةِ ٱلَّذِينَ نَالَ مِنْهُمُ ٱلتَّعَبُ وَٱلْإِعْيَاءُ وَهُمْ يُحَاوِلُونَ إِبْقَاءَ ٱلسَّفِينَةِ عَائِمَةً. لَقَدْ عَلِمَ يُونَانُ أَنَّهُمْ عَلَى وَشْكِ أَنْ يَلْقَوْا حَتْفَهُمْ غَرَقًا، وَكُلُّ ذٰلِكَ بِسَبَبِهِ هُوَ.
٢ وَلٰكِنْ مَا ٱلَّذِي أَوْقَعَهُ فِي هٰذِهِ ٱلْوَرْطَةِ؟ اِرْتَكَبَ يُونَانُ خَطَأً خَطِيرًا فِي نَظَرِ يَهْوَهَ إِلٰهِهِ. فَمَا هُوَ هٰذَا ٱلْخَطَأُ؟ وَهَلْ فَاتَ ٱلْأَوَانُ لِإِصْلَاحِ عَلَاقَتِهِ بِٱللّٰهِ؟ إِنَّ نَيْلَ ٱلْأَجْوِبَةِ عَنْ هٰذِهِ ٱلْأَسْئِلَةِ يُعَلِّمُنَا ٱلْكَثِيرَ. مَثَلًا، تُبَيِّنُ لَنَا قِصَّةُ يُونَانَ أَنَّ ٱلَّذِينَ يَمْتَلِكُونَ إِيمَانًا أَصِيلًا لَيْسُوا بِمَنْأًى عَنِ ٱقْتِرَافِ ٱلْأَخْطَاءِ، وَأَنَّ بِٱسْتِطَاعَتِهِمِ ٱلرُّجُوعَ عَنْهَا وَتَصْحِيحَهَا.
نَبِيٌّ مِنَ ٱلْجَلِيلِ
٣-٥ (أ) مَاذَا يَتَذَكَّرُ كَثِيرُونَ حِينَ يُفَكِّرُونَ فِي يُونَانَ؟ (ب) مَاذَا نَعْرِفُ عَنْ خَلْفِيَّةِ يُونَانَ؟ (اُنْظُرْ أَيْضًا ٱلْحَاشِيَةَ.) (ج) لِمَ لَمْ تَكُنْ خِدْمَةُ يُونَانَ سَهْلَةً أَوْ مُمْتِعَةً؟
٣ عِنْدَمَا يَتَبَادَرُ يُونَانُ إِلَى ذِهْنِ كَثِيرِينَ، غَالِبًا مَا يَتَذَكَّرُونَ سَلْبِيَّاتِهِ، كَعِصْيَانِهِ عَلَى ٱللّٰهِ أَوْ مَوْقِفِهِ ٱلْعَنِيدِ. وَلٰكِنْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُجَمَّدَ يُونَانُ فِي هٰذَا ٱلْقَالَبِ. فَيَهْوَهُ ٱللّٰهُ ٱخْتَارَهُ نَبِيًّا لَهُ. وَلَوْ لَمْ يَكُنْ أَمِينًا وَبَارًّا لَمَا عَهِدَ إِلَيْهِ بِهٰذِهِ ٱلْمَسْؤُولِيَّةِ ٱلثَّقِيلَةِ.
رَغْمَ عِنَادِ يُونَانَ وَعِصْيَانِهِ عَلَى ٱللّٰهِ، تَحَلَّى بِٱلْكَثِيرِ مِنَ ٱلصِّفَاتِ ٱلرَّائِعَةِ
٤ يُخْبِرُنَا ٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ ٱلْقَلِيلَ عَنْ خَلْفِيَّةِ هٰذَا ٱلنَّبِيِّ. (اقرأ ٢ ملوك ١٤:٢٥.) فَهُوَ مِنْ جَتَّ حَافِرَ ٱلَّتِي لَا تَبْعُدُ سِوَى أَرْبَعَةِ كِيلُومِتْرَاتٍ عَنِ ٱلنَّاصِرَةِ، ٱلْمَدِينَةِ ٱلَّتِي تَرَبَّى فِيهَا يَسُوعُ بَعْدَ نَحْوِ ثَمَانِيَةِ قُرُونٍ.a وَقَدْ خَدَمَ نَبِيًّا خِلَالَ حُكْمِ ٱلْمَلِكِ يَرُبْعَامَ ٱلثَّانِي عَلَى مَمْلَكَةِ إِسْرَائِيلَ ذَاتِ ٱلْعَشَرَةِ أَسْبَاطٍ. كَانَ إِيلِيَّا آنَذَاكَ قَدْ مَاتَ مُنْذُ وَقْتٍ طَوِيلٍ، وَخَلَفُهُ أَلِيشَعُ مَاتَ أَيْضًا خِلَالَ حُكْمِ وَالِدِ يَرُبْعَامَ. وَمَعَ أَنَّ يَهْوَهَ ٱسْتَخْدَمَ إِيلِيَّا وَأَلِيشَعَ لِلْقَضَاءِ عَلَى عِبَادَةِ ٱلْبَعْلِ، عَادَ ٱلْإِسْرَائِيلِيُّونَ وَشَرَدُوا عَمْدًا عَنِ ٱلطَّرِيقِ ٱلصَّحِيحِ. فَهُمْ كَانُوا آنَذَاكَ تَحْتَ قِيَادَةِ مَلِكٍ «فَعَلَ مَا هُوَ شَرٌّ فِي عَيْنَيْ يَهْوَهَ». (٢ مل ١٤:٢٤) إِذًا، لَمْ تَكُنْ خِدْمَةُ يُونَانَ سَهْلَةً أَوْ مُمْتِعَةً. رَغْمَ ذٰلِكَ، تَمَّمَهَا بِأَمَانَةٍ.
٥ وَلٰكِنْ فِي يَوْمٍ مِنَ ٱلْأَيَّامِ، تَغَيَّرَتْ حَيَاتُهُ تَغَيُّرًا جَذْرِيًّا. فَقَدْ أَعْطَاهُ يَهْوَهُ تَعْيِينًا شَعَرَ أَنَّهُ صَعْبٌ لِلْغَايَةِ. فَمَاذَا كَانَ هٰذَا ٱلتَّعْيِينُ ٱلْإِلٰهِيُّ؟
«قُمِ ٱذْهَبْ إِلَى نِينَوَى»
٦ أَيُّ تَعْيِينٍ أَوْكَلَهُ يَهْوَهُ إِلَى يُونَانَ، وَلِمَ بَدَا صَعْبًا؟
٦ أَمَرَ يَهْوَهُ يُونَانَ: «قُمِ ٱذْهَبْ إِلَى نِينَوَى ٱلْمَدِينَةِ ٱلْعَظِيمَةِ، وَنَادِ عَلَيْهَا بِأَنَّ شَرَّهُمْ قَدْ صَعِدَ أَمَامِي». (يون ١:٢) كَانَ مِنَ ٱلطَّبِيعِيِّ أَنْ يَسْتَوْلِيَ ٱلْخَوْفُ عَلَى يُونَانَ حِينَ أُوكِلَتْ إِلَيْهِ هٰذِهِ ٱلْمُهِمَّةُ. فَنِينَوَى تَبْعُدُ نَحْوَ ٨٠٠ كلم شَرْقًا، وَٱلْوُصُولُ إِلَيْهَا يَسْتَلْزِمُ حَوَالَيْ شَهْرٍ سَيْرًا عَلَى ٱلْأَقْدَامِ. إِلَّا أَنَّ مَشَقَّاتِ هٰذِهِ ٱلرِّحْلَةِ ٱلطَّوِيلَةِ ٱعْتُبِرَتْ كَلَا شَيْءٍ مُقَارَنَةً بِٱلْآتِي ٱلْأَعْظَمِ. فَفِي تِلْكَ ٱلْمَدِينَةِ، وَجَبَ عَلَى يُونَانَ أَنْ يُعْلِنَ أَحْكَامَ يَهْوَهَ ضِدَّ ٱلْأَشُّورِيِّينَ ٱلَّذِينَ ذَاعَ صِيتُهُمْ كَشَعْبٍ عَنِيفٍ بَلْ مُتَوَحِّشٍ. فَإِذَا كَانَ ٱلنَّبِيُّ بِٱلْكَادِ لَقِيَ تَجَاوُبًا بَيْنَ شَعْبِ ٱللّٰهِ أَنْفُسِهِمْ، فَكَمْ بِٱلْحَرِيِّ بَيْنَ هٰؤُلَاءِ ٱلْوَثَنِيِّينَ؟! كَيْفَ لَهُ أَنْ يُتَمِّمَ تَعْيِينَهُ وَحِيدًا فِي نِينَوَى ٱلشَّاسِعَةِ ٱلَّتِي دُعِيَتْ لَاحِقًا «مَدِينَةَ ٱلدِّمَاءِ»؟ — نا ٣:١، ٧.
٧، ٨ (أ) إِلَى أَيِّ حَدٍّ كَانَ يُونَانُ مُصَمِّمًا عَلَى ٱلتَّمَلُّصِ مِنْ تَعْيِينِهِ؟ (ب) لِمَ لَا يَنْبَغِي أَنْ نَعْتَبِرَ يُونَانَ جَبَانًا؟
٧ يُرَجَّحُ أَنَّ هٰذِهِ ٱلْهَوَاجِسَ جَالَتْ فِي خَاطِرِ يُونَانَ. صَحِيحٌ أَنَّنَا لَا نَسْتَطِيعُ ٱلْجَزْمَ فِي ذٰلِكَ، لٰكِنَّ ٱلْأَكِيدَ هُوَ أَنَّهُ لَاذَ بِٱلْفِرَارِ. فَيَهْوَهُ طَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَذْهَبَ شَرْقًا، فِي حِينِ تَوَجَّهَ هُوَ غَرْبًا إِلَى أَقْصَى حَدٍّ مُمْكِنٍ. فَقَدْ نَزَلَ إِلَى مَرْفَإِ يَافَا حَيْثُ وَجَدَ سَفِينَةً مُبْحِرَةً إِلَى مِنْطَقَةِ تَرْشِيشَ ٱلَّتِي يَظُنُّ بَعْضُ ٱلْعُلَمَاءِ أَنَّهَا كَانَتْ فِي إِسْبَانِيَا. وَإِذَا صَحَّ ظَنُّهُمْ، فَهٰذَا يَعْنِي أَنَّ ٱلنَّبِيَّ نَوَى ٱلِٱبْتِعَادَ عَنْ نِينَوَى مَسَافَةَ ٥٠٠,٣ كلم تَقْرِيبًا. وَقَدْ تَسْتَغْرِقُ رِحْلَةٌ كَهٰذِهِ إِلَى ٱلطَّرَفِ ٱلْآخَرِ مِنَ ٱلْبَحْرِ ٱلْكَبِيرِ سَنَةً تَقْرِيبًا! فَيُونَانُ لَمْ يُمَانِعِ ٱلسَّفَرَ كُلَّ هٰذِهِ ٱلْفَتْرَةِ مَا دَامَ سَيَتَمَلَّصُ مِنْ تَعْيِينِهِ. — اقرأ يونان ١:٣.
٨ فَهَلْ نَسْتَنْتِجُ أَنَّهُ شَخْصٌ جَبَانٌ؟ لَا يَجِبُ أَنْ نَتَسَرَّعَ فِي ٱلْحُكْمِ عَلَيْهِ. فَكَمَا سَنَرَى، بَرْهَنَ يُونَانُ لَاحِقًا عَنْ شَجَاعَةٍ ٱسْتِثْنَائِيَّةٍ. لٰكِنَّهُ فِي ٱلنِّهَايَةِ إِنْسَانٌ نَاقِصٌ تَصَارَعَ مَعَ ضَعَفَاتٍ وَعُيُوبٍ كَثِيرَةٍ، شَأْنُهُ فِي ذٰلِكَ شَأْنُنَا جَمِيعًا. (مز ٥١:٥) فَمَنْ مِنَّا لَمْ تُسَاوِرْهُ يَوْمًا مَشَاعِرُ ٱلْخَوْفِ وَٱلْقَلَقِ؟!
٩ كَيْفَ نَشْعُرُ أَحْيَانًا بِشَأْنِ مَا يَطْلُبُهُ ٱللّٰهُ مِنَّا، وَأَيُّ حَقِيقَةٍ مُهِمَّةٍ يَلْزَمُ أَنْ نَتَذَكَّرَهَا حِينَذَاكَ؟
٩ فِي بَعْضِ ٱلْأَوْقَاتِ، نَخَالُ أَنَّ مَا يَطْلُبُهُ ٱللّٰهُ مِنَّا صَعْبٌ بَلْ مُسْتَحِيلٌ أَيْضًا. فَقَدْ نَشْعُرُ مَثَلًا أَنَّ عَمَلَ ٱلْكِرَازَةِ بِبِشَارَةِ ٱلْمَلَكُوتِ ٱلْمُلْقَى عَلَى عَاتِقِنَا كَمَسِيحِيِّينَ شَاقٌّ وَمُرْعِبٌ. (مت ٢٤:١٤) وَهٰذَا لِأَنَّنَا نَنْسَى أَحْيَانًا حَقِيقَةً مُهِمَّةً تَفَوَّهَ بِهَا يَسُوعُ: «كُلُّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ عِنْدَ ٱللّٰهِ». (مر ١٠:٢٧) وَحِينَ نَمُرُّ بِأَوْقَاتٍ كَهٰذِهِ، نَتَفَهَّمُ يُونَانَ وَنُشَاطِرُهُ مَشَاعِرَهُ. وَلٰكِنْ أَيَّةُ عَوَاقِبَ نَجَمَتْ عَنْ هُرُوبِهِ؟
يَهْوَهُ يُؤَدِّبُ نَبِيَّهُ ٱلْعَاصِيَ
١٠، ١١ (أ) مَاذَا رُبَّمَا ٱعْتَقَدَ يُونَانُ فِيمَا أَبْحَرَتِ ٱلسَّفِينَةُ مِنَ ٱلْمَرْفَإِ؟ (ب) أَيُّ خَطَرٍ دَاهَمَ ٱلسَّفِينَةَ وَطَاقِمَهَا؟
١٠ تَخَيَّلْ يُونَانَ وَقَدِ ٱتَّخَذَ لِنَفْسِهِ مَكَانًا فِي ٱلسَّفِينَةِ، عَلَى ٱلْأَرْجَحِ سَفِينَةِ شَحْنٍ فِينِيقِيَّةٍ، وَأَخَذَ يُرَاقِبُ ٱلرُّبَّانَ وَطَاقِمَهُ يَرُوحُونَ وَيَجِيئُونَ ٱسْتِعْدَادًا لِلْإِقْلَاعِ مِنَ ٱلْمَرْفَإِ. وَفِيمَا تَوَارَى ٱلشَّاطِئُ تَدْرِيجِيًّا عَنِ ٱلْأَنْظَارِ، رُبَّمَا ٱعْتَقَدَ أَنَّهُ نَجَا مِنَ ٱلْخَطَرِ ٱلَّذِي أَوْقَعَ ٱلرُّعْبَ فِي نَفْسِهِ. وَلٰكِنْ عَلَى حِينِ غِرَّةٍ، تَبَدَّلَ ٱلطَّقْسُ.
١١ فَقَدْ هَبَّتْ رِيَاحٌ عَاتِيَةٌ ٱضْطَرَبَ لَهَا ٱلْبَحْرُ وَهَاجَ، وَتَعَالَتْ أَمْوَاجٌ هَادِرَةٌ لَا تَقْوَى حَتَّى ٱلسُّفُنُ ٱلْحَدِيثَةُ عَلَى مُغَالَبَتِهَا. وَسُرْعَانَ مَا بَدَتِ ٱلسَّفِينَةُ ٱلْخَشَبِيَّةُ صَغِيرَةً ضَعِيفَةً وَسْطَ ٱلْأَمْوَاجِ ٱلشَّاهِقَةِ وَعَلَى وَشْكِ أَنْ تَتَهَشَّمَ وَتَضِيعَ فِي قَعْرِ ٱلْبَحْرِ. فَهَلْ أَدْرَكَ يُونَانُ فِي تِلْكَ ٱللَّحْظَةِ مَا كَتَبَهُ لَاحِقًا أَنَّ ‹يَهْوَهَ هُوَ ٱلَّذِي أَرْسَلَ رِيحًا عَاتِيَةً عَلَى ٱلْبَحْرِ›؟ لَا نَعْرِفُ ٱلْجَوَابَ. إِلَّا أَنَّهُ سَمِعَ ٱلْبَحَّارَةَ يَسْتَغِيثُونَ كُلُّ وَاحِدٍ بِإِلٰهِهِ، وَعَلِمَ أَنَّ صَلَوَاتِهِمْ تَذْهَبُ أَدْرَاجَ ٱلرِّيَاحِ. (لا ١٩:٤) يَقُولُ يُونَانُ فِي رِوَايَتِهِ إِنَّ ‹ٱلسَّفِينَةَ كَادَتْ تَتَحَطَّمُ›. (يون ١:٤) وَلٰكِنْ مَاذَا عَسَاهُ يَفْعَلُ؟ أَيُعْقَلُ أَنْ يَسْتَنْجِدَ بِٱلْإِلٰهِ ٱلَّذِي هَرَبَ مِنْ وَجْهِهِ؟
١٢ (أ) لِمَ لَا يَنْبَغِي أَنْ نَتَسَرَّعَ وَنَلُومَ يُونَانَ عَلَى ٱسْتِغْرَاقِهِ فِي ٱلنَّوْمِ خِلَالَ ٱلْعَاصِفَةِ؟ (اُنْظُرْ أَيْضًا ٱلْحَاشِيَةَ.) (ب) كَيْفَ كَشَفَ يَهْوَهُ سَبَبَ ٱلْبَلِيَّةِ؟
١٢ شَعَرَ يُونَانُ أَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ تَقْدِيمِ أَيِّ مُسَاعَدَةٍ، فَنَزَلَ إِلَى جَوْفِ ٱلسَّفِينَةِ وَوَجَدَ مَكَانًا يَضْطَجِعُ فِيهِ، ثُمَّ ٱسْتَغْرَقَ فِي نَوْمٍ عَمِيقٍ.b وَلٰكِنْ حِينَ وَجَدَهُ ٱلرُّبَّانُ، أَيْقَظَهُ وَحَثَّهُ أَنْ يُصَلِّيَ إِلَى إِلٰهِهِ كَٱلْبَاقِينَ. وَبِمَا أَنَّ ٱلْبَحَّارَةَ كَانُوا مُقْتَنِعِينَ أَنَّ قُوَّةً خَارِقَةً لِلطَّبِيعَةِ وَرَاءَ ٱلْعَاصِفَةِ، رَاحُوا يُلْقُونَ قُرَعًا لِيَعْرِفُوا بِسَبَبِ مَنْ أَصَابَتْهُمْ هٰذِهِ ٱلْبَلِيَّةُ. وَلَا شَكَّ أَنَّ يُونَانَ مَاتَ ذُعْرًا فِيمَا ٱتَّضَحَتْ بَرَاءَةُ ٱلْبَحَّارَةِ ٱلْوَاحِدِ تِلْوَ ٱلْآخَرِ. وَسُرْعَانَ مَا بَانَتِ ٱلْحَقِيقَةُ. فَٱلشَّخْصُ ٱلَّذِي أَثَارَ يَهْوَهُ ٱلْعَاصِفَةَ بِسَبَبِهِ وَأَوْقَعَ عَلَيْهِ ٱلْقُرْعَةَ لَمْ يَكُنْ سِوَى يُونَانَ. — اقرأ يونان ١:٥-٧.
١٣ (أ) بِمَاذَا ٱعْتَرَفَ يُونَانُ لِلْبَحَّارَةِ؟ (ب) أَيُّ أَمْرٍ حَثَّ يُونَانُ ٱلْبَحَّارَةَ عَلَى فِعْلِهِ، وَلِمَاذَا؟
١٣ عِنْدَئِذٍ، بَاحَ يُونَانُ بِٱلْحَقِيقَةِ كَامِلَةً. فَقَالَ لِلْبَحَّارَةِ إِنَّهُ يَخْدُمُ يَهْوَهَ ٱلْإِلٰهَ ٱلْقَادِرَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. لٰكِنَّهُ هَرَبَ مِنْ أَمَامِهِ وَأَثَارَ غَضَبَهُ، فَأَوْقَعَهُمْ جَمِيعًا فِي هٰذَا ٱلْمَأْزِقِ ٱلْخَطِرِ. فَذَهِلَ ٱلرِّجَالُ مِنْ كَلَامِهِ وَرَأَى يُونَانُ ٱلذُّعْرَ فِي عُيُونِهِمْ. ثُمَّ سَأَلُوهُ مَاذَا يَفْعَلُونَ بِهِ لِيُنْقِذُوا ٱلسَّفِينَةَ وَيَنْجُوا بِحَيَاتِهِمْ. فَبِمَ أَجَابَ؟ لَرُبَّمَا ٱرْتَعَشَ خَوْفًا حِينَ تَخَيَّلَ نَفْسَهُ يَغْرَقُ فِي ذٰلِكَ ٱلْبَحْرِ ٱلْبَارِدِ ٱلْهَائِجِ. وَلٰكِنْ كَيْفَ يُطَاوِعُهُ قَلْبُهُ أَنْ يَتَسَبَّبَ بِمَوْتِ كُلِّ هٰؤُلَاءِ ٱلرِّجَالِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى إِنْقَاذِهِمْ؟! لِذٰلِكَ حَثَّهُمْ قَائِلًا: «اِحْمِلُونِي وَٱطْرَحُونِي فِي ٱلْبَحْرِ فَيَسْكُنَ ٱلْبَحْرُ عَنْكُمْ، لِأَنِّي عَالِمٌ أَنَّهُ بِسَبَبِي حَلَّتْ بِكُمْ هٰذِهِ ٱلْعَاصِفَةُ ٱلْهَوْجَاءُ». — يون ١:١٢.
١٤، ١٥ (أ) كَيْفَ نَقْتَدِي بِٱلْإِيمَانِ ٱلْبَارِزِ ٱلَّذِي أَعْرَبَ عَنْهُ يُونَانُ؟ (ب) مَاذَا كَانَ رَدُّ فِعْلِ ٱلْبَحَّارَةِ حِيَالَ طَلَبِ يُونَانَ؟
١٤ أَيُعْقَلُ أَنْ يَتَفَوَّهَ رَجُلٌ جَبَانٌ بِهٰذَا ٱلْكَلَامِ؟ طَبْعًا لَا. وَلَا بُدَّ أَنَّ يَهْوَهَ سُرَّ بِرُوحِ ٱلشَّجَاعَةِ وَٱلتَّضْحِيَةِ بِٱلذَّاتِ ٱلَّتِي أَعْرَبَ عَنْهَا يُونَانُ فِي تِلْكَ ٱللَّحْظَةِ ٱلْعَصِيبَةِ. فَقَدْ تَجَلَّى إِيمَانُهُ بِشَكْلٍ لَمْ يَسْبِقْ لَهُ مَثِيلٌ. وَٱلْيَوْمَ، فِي وُسْعِنَا ٱلِٱقْتِدَاءُ بِهِ بِوَضْعِ خَيْرِ ٱلْآخَرِينَ أَوَّلًا. (يو ١٣:٣٤، ٣٥) فَهَلْ نُعْطِي مِنْ أَنْفُسِنَا لِلْغَيْرِ حِينَ نَرَاهُمْ بِحَاجَةٍ إِلَى مُسَاعَدَةٍ جَسَدِيَّةٍ أَوْ مَادِّيَّةٍ أَوْ عَاطِفِيَّةٍ أَوْ رُوحِيَّةٍ؟ كَمْ نُفَرِّحُ قَلْبَ يَهْوَهَ حِينَ نَتَحَلَّى بِهٰذِهِ ٱلرُّوحِ!
١٥ وَلَعَلَّ ٱلْبَحَّارَةَ أَيْضًا تَأَثَّرُوا بِمَوْقِفِ يُونَانَ. فَهُمْ لَمْ يَرْمُوهُ عَلَى ٱلْفَوْرِ، بَلْ فَعَلُوا كُلَّ مَا فِي وُسْعِهِمْ لِيَشُقُّوا طَرِيقَهُمْ عَبْرَ ٱلْعَاصِفَةِ، إِنَّمَا ذَهَبَتْ جُهُودُهُمْ سُدًى. فَقَدِ ٱزْدَادَ ٱلْبَحْرُ هِيَاجًا بِحَيْثُ لَمْ يَرَوْا مَفَرًّا مِنْ إِلْقَاءِ يُونَانَ. فَصَرَخُوا إِلَى يَهْوَهَ إِلٰهِهِ لِيَرْحَمَهُمْ، ثُمَّ حَمَلُوهُ وَطَرَحُوهُ فِي ٱلْبَحْرِ. — يون ١:١٣-١٥.
يَهْوَهُ يَرْحَمُ يُونَانَ وَيُنْقِذُهُ
١٦، ١٧ مَاذَا حَدَثَ لِيُونَانَ حِينَ طُرِحَ مِنْ عَلَى ٱلسَّفِينَةِ؟ (اُنْظُرْ أَيْضًا ٱلصُّورَتَيْنِ.)
١٦ هَوَى يُونَانُ فِي ٱلْبَحْرِ ٱلثَّائِرِ يُغَالِبُ ٱلْأَمْوَاجَ وَٱلْأَمْوَاجُ تَغْلِبُهُ، يَطْفُو تَارَةً وَيَغُوصُ أُخْرَى فِيمَا ٱلسَّفِينَةُ تَغِيبُ عَنْ نَاظِرَيْهِ بِسُرْعَةٍ وَسْطَ ٱلرَّغْوَةِ وَٱلرَّذَاذِ. لٰكِنَّ ٱلْأَمْوَاجَ ٱلضَّخْمَةَ غَمَرَتْهُ أَخِيرًا، فَرَاحَ يَغْرَقُ وَيَغْرَقُ فَاقِدًا أَيَّ أَمَلٍ بِٱلنَّجَاةِ.
١٧ وَصَفَ يُونَانُ لَاحِقًا كَيْفَ شَعَرَ فِي تِلْكَ ٱللَّحَظَاتِ. فَقَدْ تَوَالَتْ فِي ذِهْنِهِ صُوَرٌ بَارِزَةٌ فِي شَرِيطِ حَيَاتِهِ. فَتَحَسَّرَ لِأَنَّهُ لَنْ يَتَفَرَّسَ ثَانِيَةً فِي هَيْكَلِ يَهْوَهَ ٱلْجَمِيلِ بِأُورُشَلِيمَ. وَأَحَسَّ بِنَفْسِهِ يَغُوصُ فِي أَعْمَاقِ ٱلْبَحْرِ إِلَى أَسَافِلِ ٱلْجِبَالِ حَيْثُ ٱلْتَفَّتِ ٱلْأَعْشَابُ حَوْلَ رَأْسِهِ. فَبَدَا أَنَّهُ ذَاهِبٌ إِلَى مَثْوَاهُ ٱلْأَخِيرِ. — اقرأ يونان ٢:٢-٦.
١٨، ١٩ مَاذَا حَدَثَ لِيُونَانَ فِي أَعْمَاقِ ٱلْبَحْرِ، مَا نَوْعُ ٱلْكَائِنِ ٱلْبَحْرِيِّ ٱلْوَارِدِ فِي ٱلرِّوَايَةِ، وَمَنْ كَانَ وَرَاءَ مَا حَصَلَ؟ (اُنْظُرْ أَيْضًا ٱلْحَاشِيَةَ.)
١٨ وَلٰكِنْ فَجْأَةً، لَمَحَ يُونَانُ كَائِنًا ضَخْمًا دَاكِنَ ٱللَّوْنِ يَقْتَرِبُ مِنْهُ أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ. وَإِذَا بِهِ يَفْتَحُ فَمَهُ ٱلْكَبِيرَ، يَبْتَلِعُ ٱلنَّبِيَّ، وَيَدْفَعُهُ إِلَى جَوْفِهِ.
١٩ شَعَرَ يُونَانُ أَنْ لَا مَهْرَبَ مِنَ ٱلْمَوْتِ ٱلْآنَ. لٰكِنَّهُ مَا لَبِثَ أَنْ أَدْرَكَ أَمْرًا غَرِيبًا؛ إِنَّهُ حَيٌّ لَمْ يُسْحَقْ أَوْ يُمَزَّقْ أَوْ يُخْنَقْ. فَهُوَ لَا يَزَالُ يَنْبِضُ بِٱلْحَيَاةِ رَغْمَ أَنَّهُ قَابِعٌ فِي مَكَانٍ يُفْتَرَضُ أَنْ يَكُونَ قَبْرَهُ. وَشَيْئًا فَشَيْئًا، غَمَرَهُ شُعُورٌ بِٱلرَّهْبَةِ وَٱلْمَهَابَةِ. فَلَا أَحَدَ سِوَى إِلٰهِهِ يَهْوَهَ ‹أَعَدَّ تِلْكَ ٱلسَّمَكَةَ ٱلْعَظِيمَةَ لِتَبْتَلِعَهُ›.c — يون ١:١٧.
٢٠ مَاذَا تَكْشِفُ لَنَا ٱلصَّلَاةُ ٱلَّتِي قَدَّمَهَا يُونَانُ مِنْ جَوْفِ ٱلسَّمَكَةِ؟
٢٠ مَرَّتِ ٱلدَّقَائِقُ وَتَوَالَتِ ٱلسَّاعَاتُ. وَهُنَاكَ، فِي تِلْكَ ٱلظُّلْمَةِ ٱلْحَالِكَةِ ٱلَّتِي لَمْ يَرَ يُونَانُ مِثْلَهَا قَطُّ، ٱسْتَجْمَعَ أَفْكَارَهُ وَصَلَّى إِلَى يَهْوَهَ ٱللّٰهِ. وَهٰذِهِ ٱلصَّلَاةُ ٱلْمُدَوَّنَةُ بِكَامِلِهَا فِي ٱلْإِصْحَاحِ ٱلثَّانِي مِنْ سِفْرِهِ تُعَلِّمُنَا ٱلْكَثِيرَ. فَهِيَ تُظْهِرُ مَعْرِفَتَهُ ٱلْوَاسِعَةَ بِٱلْأَسْفَارِ ٱلْمُقَدَّسَةِ لِأَنَّهُ غَالِبًا مَا أَشَارَ إِلَى سِفْرِ ٱلْمَزَامِيرِ. وَتُبْرِزُ أَيْضًا مِيزَةً رَائِعَةً ٱتَّصَفَ بِهَا: اَلِٱمْتِنَانَ. فَقَدِ ٱخْتَتَمَ صَلَاتَهُ قَائِلًا: «أَمَّا أَنَا فَبِصَوْتِ ٱلشُّكْرِ أَذْبَحُ لَكَ. وَمَا نَذَرْتُهُ أُوفِي بِهِ. لِيَهْوَهَ ٱلْخَلَاصُ». — يون ٢:٩.
٢١ مَاذَا أَدْرَكَ يُونَانُ بِشَأْنِ قُدْرَةِ يَهْوَهَ عَلَى ٱلْإِنْقَاذِ، وَأَيُّ حَقِيقَةٍ مُهِمَّةٍ يَحْسُنُ بِنَا أَنْ نَتَذَكَّرَهَا؟
٢١ تَعَلَّمَ يُونَانُ، فِي مَكَانٍ يَكَادُ يَكُونُ ٱلْأَسْوَأَ، — «فِي جَوْفِ ٱلسَّمَكَةِ» — أَنَّ يَهْوَهَ قَادِرٌ عَلَى إِنْقَاذِ مَنْ يَشَاءُ فِي أَيِّ مَكَانٍ أَوْ زَمَانٍ. فَيَهْوَهُ وَجَدَ خَادِمَهُ ٱلْمُضْطَرِبَ حَتَّى فِي جَوْفِ ٱلسَّمَكَةِ وَخَلَّصَهُ. (يون ١:١٧) وَمَنْ غَيْرُهُ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُبْقِيَهُ حَيًّا مُعَافًى فِي جَوْفِ سَمَكَةٍ عَظِيمَةٍ طَوَالَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَثَلَاثِ لَيَالٍ؟ لِذٰلِكَ يَحْسُنُ بِنَا ٱلْيَوْمَ أَلَّا نَنْسَى أَنَّ ‹بِيَدِ يَهْوَهَ نَسَمَتَنَا›. (دا ٥:٢٣) فَلَهُ ٱلْفَضْلُ فِي كُلِّ نَفَسٍ نَتَنَسَّمُهُ؛ إِنَّهُ وَاهِبُ حَيَاتِنَا. فَهَلْ نَحْنُ مُمْتَنُّونَ لَهُ؟ أَوَلَسْنَا إِذًا نَدِينُ لَهُ بِطَاعَتِنَا؟
٢٢، ٢٣ (أ) كَيْفَ وُضِعَ يُونَانُ تَحْتَ ٱلِٱمْتِحَانِ لِيَتَبَيَّنَ هَلْ هُوَ شَاكِرٌ أَمْ لَا؟ (ب) مَاذَا نَتَعَلَّمُ مِنْ يُونَانَ حِينَ نَرْتَكِبُ ٱلْأَغْلَاطَ؟
٢٢ وَهَلْ تَعَلَّمَ يُونَانُ أَنْ يُظْهِرَ ٱمْتِنَانَهُ لِيَهْوَهَ بِٱلْإِعْرَابِ عَنِ ٱلطَّاعَةِ؟ أَجَلْ. بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَثَلَاثِ لَيَالٍ، أَوْصَلَتْهُ ٱلسَّمَكَةُ إِلَى ٱلشَّاطِئِ ‹وَقَذَفَتْهُ إِلَى ٱلْيَابِسَةِ›. (يون ٢:١٠) فَيَهْوَهُ، رَغْمَ كُلِّ مَا فَعَلَهُ ٱلنَّبِيُّ، لَمْ يُكَلِّفْهُ حَتَّى عَنَاءَ ٱلسِّبَاحَةِ إِلَى ٱلشَّاطِئِ! طَبْعًا، وَجَبَ عَلَيْهِ ٱلْآنَ أَنْ يَجِدَ طَرِيقَهُ إِلَى نِينَوَى. فَهَلْ فَعَلَ ذٰلِكَ وَأَظْهَرَ أَنَّهُ شَاكِرٌ؟ لَمْ يَمْضِ وَقْتٌ طَوِيلٌ حَتَّى وُضِعَ تَحْتَ ٱلِٱمْتِحَانِ. تَذْكُرُ يُونَان ٣:١، ٢: «كَانَتْ كَلِمَةُ يَهْوَهَ إِلَى يُونَانَ ثَانِيَةً، قَائِلًا: ‹قُمِ ٱذْهَبْ إِلَى نِينَوَى ٱلْمَدِينَةِ ٱلْعَظِيمَةِ، وَنَادِ لَهَا ٱلْمُنَادَاةَ ٱلَّتِي أُكَلِّمُكَ بِهَا›». فَكَيْفَ تَصَرَّفَ ٱلنَّبِيُّ؟
٢٣ لَمْ يَتَرَدَّدْ وَلَوْ لَحْظَةً. تُتَابِعُ ٱلرِّوَايَةُ: «قَامَ يُونَانُ وَذَهَبَ إِلَى نِينَوَى بِحَسَبِ كَلِمَةِ يَهْوَهَ». (يون ٣:٣) نَعَمْ، لَقَدْ أَطَاعَ أَمْرَ إِلٰهِهِ. فَمِنَ ٱلْوَاضِحِ أَنَّهُ تَعَلَّمَ مِنْ أَخْطَائِهِ. فَهَلْ نَسْعَى إِلَى ٱلتَّمَثُّلِ بِإِيمَانِهِ فِي هٰذَا ٱلْمَجَالِ أَيْضًا؟ نَحْنُ جَمِيعُنَا خُطَاةٌ وَنَرْتَكِبُ ٱلْأَغْلَاطَ. (رو ٣:٢٣) وَلٰكِنْ هَلْ نَسْتَسْلِمُ، أَمْ نَتَعَلَّمُ مِنْ أَخْطَائِنَا وَنَعُودُ إِلَى خِدْمَةِ ٱللّٰهِ بِقَلْبٍ طَائِعٍ؟
٢٤، ٢٥ (أ) أَيُّ مُكَافَأَةٍ نَالَهَا يُونَانُ خِلَالَ حَيَاتِهِ؟ (ب) مَاذَا يَنْتَظِرُ يُونَانَ فِي ٱلْمُسْتَقْبَلِ؟
٢٤ هَلْ كَافَأَ يَهْوَهُ يُونَانَ عَلَى طَاعَتِهِ؟ بِٱلتَّأْكِيدِ. فَعَلَى مَا يَبْدُو، عَلِمَ ٱلنَّبِيُّ أَنَّ ٱلْبَحَّارَةَ نَجَوْا بِحَيَاتِهِمْ. فَقَدْ هَدَأَتِ ٱلْعَاصِفَةُ مُبَاشَرَةً بَعْدَمَا ضَحَّى بِنَفْسِهِ، وَ ‹خَافَ ٱلْبَحَّارَةُ مِنْ يَهْوَهَ خَوْفًا عَظِيمًا› وَقَرَّبُوا ذَبِيحَةً لَهُ هُوَ لَا لآِلِهَتِهِمِ ٱلْبَاطِلَةِ. — يون ١:١٥، ١٦.
٢٥ وَلٰكِنْ كَانَتْ بِٱنْتِظَارِ يُونَانَ مُكَافَآتٌ أَعْظَمُ فِي ٱلْمُسْتَقْبَلِ. فَيَسُوعُ تَحَدَّثَ عَنِ ٱلْمُدَّةِ ٱلَّتِي قَضَاهَا يُونَانُ فِي بَطْنِ ٱلسَّمَكَةِ ٱلضَّخْمَةِ كَإِشَارَةٍ نَبَوِيَّةٍ إِلَى ٱلْمُدَّةِ ٱلَّتِي سَيُمْضِيهَا هُوَ فِي ٱلْقَبْرِ، أَوْ شِيُولَ. (اقرأ متى ١٢: ٣٨-٤٠.) فَكَمْ سَيَبْتَهِجُ ٱلنَّبِيُّ بِهٰذِهِ ٱلْبَرَكَةِ عِنْدَمَا يُقَامُ إِلَى ٱلْحَيَاةِ عَلَى ٱلْأَرْضِ! (يو ٥:٢٨، ٢٩) أَنْتَ أَيْضًا يَرْغَبُ يَهْوَهُ فِي مُبَارَكَتِكَ. فَهَلْ تَتَعَلَّمُ مِنْ أَخْطَائِكَ وَتُعْرِبُ عَنِ ٱلطَّاعَةِ وَرُوحِ ٱلتَّضْحِيَةِ بِٱلذَّاتِ، تَمَثُّلًا بِيُونَانَ؟
a جَدِيرٌ بِٱلذِّكْرِ أَنْ يَكُونَ أَصْلُ يُونَانَ مِنْ مَدِينَةٍ فِي ٱلْجَلِيلِ. فَحِينَ أَشَارَ ٱلْفَرِّيسِيُّونَ إِلَى يَسُوعَ، قَالُوا لِنِيقُودِيمُوسَ بِتَعَجْرُفٍ: «اِبْحَثْ وَٱنْظُرْ أَنَّهُ لَا يَقُومُ نَبِيٌّ مِنَ ٱلْجَلِيلِ». (يو ٧:٥٢) وَتَعْلِيقًا عَلَى هٰذِهِ ٱلْكَلِمَاتِ، يَعْتَقِدُ مُتَرْجِمُونَ وَبَاحِثُونَ عَدِيدُونَ أَنَّ ٱلْفَرِّيسِيِّينَ جَزَمُوا بِٱلْمُطْلَقِ أَنْ مَا مِنْ نَبِيٍّ قَامَ أَوْ سَيَقُومُ مِنْ مِنْطَقَةِ ٱلْجَلِيلِ ٱلْوَضِيعَةِ. وَفِي هٰذِهِ ٱلْحَالِ، كَانَ هٰؤُلَاءِ يَتَجَاهَلُونَ ٱلتَّارِيخَ وَٱلنُّبُوَّةَ أَيْضًا. — اش ٩:١، ٢.
b تُبْرِزُ ٱلتَّرْجَمَةُ اَلسَّبْعِينِيَّةُ كَمْ كَانَ نَوْمُ يُونَانَ عَمِيقًا بِٱلْقَوْلِ إِنَّهُ صَارَ يَشْخِرُ. وَلٰكِنْ عِوَضَ أَنْ نَعْتَبِرَ نَوْمَهُ دَلَالَةً عَلَى عَدَمِ ٱكْتِرَاثِهِ بِمَا كَانَ يَحْدُثُ، لِنَتَذَكَّرْ أَنَّ ٱلنُّعَاسَ ٱلشَّدِيدَ يَتَسَلَّطُ أَحْيَانًا عَلَى ٱلشَّخْصِ ٱلَّذِي تَكُونُ مَعْنَوِيَّاتُهُ فِي ٱلْحَضِيضِ. مَثَلًا، خِلَالَ ٱلسَّاعَاتِ ٱلْمُضْنِيَةِ ٱلَّتِي قَضَاهَا يَسُوعُ فِي بُسْتَانِ جَتْسِيمَانِي، يَذْكُرُ ٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ أَنَّ بُطْرُسَ وَيَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا كَانُوا «غَافِينَ مِنَ ٱلْحُزْنِ». — لو ٢٢:٤٥.
c حِينَ تُرْجِمَتِ ٱلْكَلِمَةُ ٱلْعِبْرَانِيَّةُ «سَمَكَةٌ» إِلَى ٱلْيُونَانِيَّةِ، نُقِلَتْ إِلَى «تِنِّينٍ» أَوْ «سَمَكَةٍ ضَخْمَةٍ». وَمَعَ أَنَّهُ مَا مِنْ طَرِيقَةٍ لِنَعْرِفَ بِدِقَّةٍ نَوْعَ ٱلْكَائِنِ ٱلْبَحْرِيِّ ٱلَّذِي ٱبْتَلَعَ يُونَانَ، لُوحِظَ أَنَّ فِي ٱلْبَحْرِ ٱلْأَبْيَضِ ٱلْمُتَوَسِّطِ أَسْمَاكَ قِرْشٍ قَادِرَةً لِضَخَامَتِهَا عَلَى ٱبْتِلَاعِ إِنْسَانٍ بِأَكْمَلِهِ. وَيُوجَدُ فِي أَمَاكِنَ أُخْرَى أَسْمَاكُ قِرْشٍ أَكْبَرُ حَجْمًا، مِثْلُ ٱلْقِرْشِ ٱلْحُوتِيِّ ٱلَّذِي قَدْ يَصِلُ طُولُهُ إِلَى ١٥ م أَوْ يَزِيدُ!