اَلْفَصْلُ ٱلْحَادِي وَٱلْعِشْرُونَ
حَارَبَ ٱلْخَوْفَ وَٱلشَّكَّ
١-٣ مَاذَا شَهِدَ بُطْرُسُ خِلَالَ يَوْمٍ زَاخِرٍ بِٱلْأَحْدَاثِ، وَأَيُّ لَيْلَةٍ عَصِيبَةٍ مَرَّتْ عَلَيْهِ؟
رَاحَ بُطْرُسُ يُجَذِّفُ بِكُلِّ مَا أُوتِيَ مِنْ قُوَّةٍ وَعَيْنَاهُ تُحَدِّقَانِ فِي ٱلْعَتَمَةِ. أَتُرَاهُ يَلْمَحُ وَمِيضًا خَافِتًا فِي ٱلْأُفُقِ ٱلْبَعِيدِ شَرْقًا؟ هَلْ بَزَغَ ٱلْفَجْرُ أَخِيرًا؟ سَاعَاتٌ طَوِيلَةٌ مَضَتْ وَهُوَ يُصَارِعُ بَحْرَ ٱلْجَلِيلِ ٱلْهَائِجَ. عَضَلَاتُ ظَهْرِهِ وَكَتِفَيْهِ تُؤْلِمُهُ أَلَمًا شَدِيدًا، ٱلرِّيَاحُ ٱلْهَوْجَاءُ تَعْبَثُ بِشَعْرِهِ، وَمَوْجَةٌ تِلْوَ ٱلْأُخْرَى تَلْطِمُ مُقَدِّمَةَ ٱلْمَرْكَبِ فَتَتَكَسَّرُ وَتُبَلِّلُ بُطْرُسَ بِرَذَاذِهَا ٱلْبَارِدِ.
٢ فِي وَقْتٍ سَابِقٍ مِنْ ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ، رَأَى بُطْرُسُ وَرِفَاقُهُ مُعَلِّمَهُمْ يَسُوعَ يُطْعِمُ جُمُوعًا جَائِعَةً تُعَدُّ بِٱلْآلَافِ بِمُجَرَّدِ خَمْسَةِ أَرْغِفَةٍ وَسَمَكَتَيْنِ. فَمَا كَانَ مِنَ ٱلنَّاسِ إِلَّا أَنْ أَرَادُوا تَنْصِيبَهُ مَلِكًا، لٰكِنَّهُ رَفَضَ ٱلِٱنْهِمَاكَ فِي ٱلسِّيَاسَةِ. وَصَمَّمَ أَيْضًا عَلَى مُسَاعَدَةِ أَتْبَاعِهِ أَنْ يَتَجَنَّبُوا مَطَامِحَ كَهٰذِهِ. وَبَعْدَمَا تَمَلَّصَ مِنَ ٱلْجُمُوعِ، أَلْزَمَ تَلَامِيذَهُ أَنْ يَصْعَدُوا إِلَى ٱلْمَرْكَبِ وَيَسْبِقُوهُ إِلَى ٱلشَّاطِئِ ٱلْمُقَابِلِ، فِي حِينِ مَضَى هُوَ مُنْفَرِدًا إِلَى ٱلْجَبَلِ لِيُصَلِّيَ إِلَى أَبِيهِ. — مر ٦:٣٥-٤٥؛ اقرأ يوحنا ٦:١٤-١٧.
٣ حِينَ ٱنْطَلَقَ ٱلتَّلَامِيذُ، كَانَ ٱلْقَمَرُ ٱلَّذِي أَوْشَكَ أَنْ يَكْتَمِلَ يُزَيِّنُ كَبِدَ ٱلسَّمَاءِ. أَمَّا ٱلْآنَ فَهَا هُوَ يَنْحَدِرُ رُوَيْدًا رُوَيْدًا إِلَى مَبِيتِهِ خَلْفَ ٱلْأُفُقِ ٱلْغَرْبِيِّ. وَلٰكِنْ رَغْمَ مُرُورِ هٰذَا ٱلْوَقْتِ ٱلطَّوِيلِ، لَمْ يَقْطَعْ بُطْرُسُ وَٱلْبَاقُونَ سِوَى بِضْعَةِ كِيلُومِتْرَاتٍ. وَوَسْطَ جَلَبَةِ ٱلرِّيَاحِ ٱلزَّائِرَةِ وَٱلْأَمْوَاجِ ٱلْهَادِرَةِ، بِٱلْكَادِ ٱسْتَطَاعُوا أَنْ يَتَبَادَلُوا أَطْرَافَ ٱلْحَدِيثِ وَكُلٌّ مِنْهُمْ مُنْكَبٌّ عَلَى ٱلتَّجْذِيفِ. فِي تِلْكَ ٱلْأَثْنَاءِ، كَانَ بُطْرُسُ عَلَى ٱلْأَرْجَحِ مُسْتَرْسِلًا فِي تَأَمُّلَاتِهِ وَخَوَاطِرِهِ.
تَعَلَّمَ بُطْرُسُ دُرُوسًا عَدِيدَةً مِنْ يَسُوعَ فِي غُضُونِ سَنَتَيْنِ، وَلٰكِنْ كَانَ أَمَامَهُ شَوْطٌ طَوِيلٌ بَعْدُ
٤ لِمَ بُطْرُسُ قُدْوَةٌ رَائِعَةٌ لَنَا ٱلْيَوْمَ؟
٤ كَثِيرَةٌ هِيَ ٱلْأَفْكَارُ ٱلَّتِي جَالَتْ فِي رَأْسِ بُطْرُسَ. فَقَبْلَ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ حَفَلَتَا بَٱلْأَحْدَاثِ ٱلْمُهِمَّةِ، ٱلْتَقَى يَسُوعَ ٱلنَّاصِرِيَّ لِأَوَّلِ مَرَّةٍ. وَمَعَ أَنَّهُ تَعَلَّمَ مِنْهُ دُرُوسًا عَدِيدَةً، كَانَ أَمَامَهُ شَوْطٌ طَوِيلٌ بَعْدُ. إِلَّا أَنَّهُ أَظْهَرَ ٱسْتِعْدَادًا لِمُصَارَعَةِ عَقَبَاتٍ مِثْلِ ٱلشَّكِّ وَٱلْخَوْفِ وَٱلتَّغَلُّبِ عَلَيْهَا، وَهُوَ بِذٰلِكَ قُدْوَةٌ رَائِعَةٌ لَنَا ٱلْيَوْمَ. فَلْنَرَ ٱلْآنَ مَا حَدَثَ مَعَهُ.
«وَجَدْنَا ٱلْمَسِيَّا»
٥، ٦ أَيُّ حَيَاةٍ عَاشَهَا بُطْرُسُ؟
٥ لَمْ يَنْسَ بُطْرُسُ قَطُّ يَوْمَ لِقَائِهِ بِيَسُوعَ. فَقَدْ أَتَاهُ أَخُوهُ أَنْدَرَاوُسُ بِبُشْرَى رَائِعَةٍ قَائِلًا: «وَجَدْنَا ٱلْمَسِيَّا». وَهَاتَانِ ٱلْكَلِمَتَانِ غَيَّرَتَا مَجْرَى حَيَاتِهِ تَغْيِيرًا جَذْرِيًّا. — يو ١:٤١.
٦ عَاشَ بُطْرُسُ فِي كَفَرْنَاحُومَ، مَدِينَةٍ عَلَى ٱلضِّفَّةِ ٱلشَّمَالِيَّةِ لِبُحَيْرَةٍ عَذْبَةٍ تُدْعَى بَحْرَ ٱلْجَلِيلِ. وَقَدْ تَشَارَكَ هُوَ وَأَنْدَرَاوُسُ مَعَ يَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا، ٱبْنَيْ زَبَدِي، فِي مِهْنَةِ صَيْدِ ٱلسَّمَكِ. وَكَانَ مُتَزَوِّجًا وَيَأْوِي حَمَاتَهُ وَأَخَاهُ أَنْدَرَاوُسَ فِي بَيْتِهِ. إِنَّ إِعَالَةَ عَائِلَةٍ كَهٰذِهِ بِصَيْدِ ٱلسَّمَكِ ٱسْتَلْزَمَتْ حَتْمًا كَدًّا مُسْتَمِرًّا وَطَاقَةً كَبِيرَةً وَمَهَارَةً فِي ٱلْعَمَلِ. تَخَيَّلِ ٱللَّيَالِيَ ٱلطَّوِيلَةَ ٱلَّتِي سَهِرَهَا ٱلصَّيَّادُونَ كَادِحِينَ يُلْقُونَ شِبَاكَهُمْ بَيْنَ مَرْكَبَيْنِ ثُمَّ يَسْحَبُونَ مَا عَلِقَ فِي طَيَّاتِهَا مِنْ سَمَكٍ. وَتَصَوَّرْ أَيْضًا عَمَلَهُمُ ٱلْمُضْنِي نَهَارًا وَهُمْ يَفْرِزُونَ ٱلسَّمَكَ وَيَبِيعُونَهُ وَيُصْلِحُونَ ٱلشِّبَاكَ وَيُنَظِّفُونَهَا.
٧ مَاذَا سَمِعَ بُطْرُسُ عَنْ يَسُوعَ، وَلِمَ كَانَ هٰذَا ٱلْخَبَرُ مُفْرِحًا؟
٧ يُخْبِرُنَا ٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ أَنَّ أَنْدَرَاوُسَ كَانَ مِنْ تَلَامِيذِ يُوحَنَّا ٱلْمَعْمَدَانِ. وَلَا شَكَّ أَنَّ بُطْرُسَ ٱعْتَادَ أَنْ يُصْغِيَ إِلَى أَخِيهِ بِكُلِّ ٱهْتِمَامٍ وَهُوَ يُخْبِرُهُ بِكَلَامِ يُوحَنَّا. وَذَاتَ يَوْمٍ، فِيمَا كَانَ أَنْدَرَاوُسُ وَاقِفًا مَعَ يُوحَنَّا، رَآهُ يُشِيرُ إِلَى يَسُوعَ ٱلنَّاصِرِيَّ وَيَقُولُ: «هُوَذَا حَمَلُ ٱللّٰهِ!». فَصَارَ مِنْ أَتْبَاعِ يَسُوعَ عَلَى ٱلْفَوْرِ، وَنَقَلَ بِحَمَاسَةٍ إِلَى أَخِيهِ بُطْرُسَ هٰذَا ٱلْخَبَرَ ٱلْمُفْرِحَ: قَدْ جَاءَ ٱلْمَسِيَّا! (يو ١:٣٥-٤١) فَبَعْدَ ٱلتَّمَرُّدِ فِي عَدْنٍ ٱلَّذِي حَدَثَ قَبْلَ نَحْوِ ٠٠٠,٤ سَنَةٍ، وَعَدَ يَهْوَهُ ٱللّٰهُ بِمَجِيءِ شَخْصٍ مُمَيَّزٍ يَمْنَحُ ٱلْبَشَرَ رَجَاءً حَقِيقِيًّا. (تك ٣:١٥) وَٱلْآنَ ٱلْتَقَى أَنْدَرَاوُسُ هٰذَا ٱلْمُخَلِّصَ ٱلَّذِي سَيُنْقِذُ ٱلْعَالَمَ، ٱلْمَسِيَّا نَفْسَهُ! فَأَتَى بِأَخِيهِ بُطْرُسَ ٱلَّذِي تَلَهَّفَ هُوَ ٱلْآخَرُ لِرُؤْيَةِ يَسُوعَ.
٨ مَا مَعْنَى ٱلِٱسْمِ ٱلَّذِي أَطْلَقَهُ يَسُوعُ عَلَى بُطْرُسَ، وَلِمَ يَرَى ٱلْبَعْضُ أَنَّهُ غَيْرُ مُنَاسِبٍ؟
٨ حَتَّى ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ، كَانَ بُطْرُسُ مَعْرُوفًا بِٱلِٱسْمِ سِمْعَانَ. لٰكِنَّ يَسُوعَ نَظَرَ إِلَيْهِ وَقَالَ: «أَنْتَ سِمْعَانُ بْنُ يُوحَنَّا، وَسَتُدْعَى صَفَا (ٱلَّذِي تَرْجَمَتُهُ: بُطْرُسُ)». (يو ١:٤٢) إِنَّ ٱلِٱسْمَ «صَفَا» مَعْنَاهُ «حَجَرٌ» أَوْ «صَخْرٌ». وَكَمَا يَتَّضِحُ، حَمَلَتْ كَلِمَاتُ يَسُوعَ مَغْزًى نَبَوِيًّا. فَقَدْ تَوَسَّمَ فِي بُطْرُسَ صِفَاتٍ شَبِيهَةً بِصِفَاتِ ٱلصَّخْرِ: ثَبَاتًا وَصُمُودًا وَرَكِيزَةً دَاعِمَةً لِأَتْبَاعِ ٱلْمَسِيحِ. وَهَلْ كَانَتْ هٰذِهِ نَظْرَةَ بُطْرُسَ إِلَى نَفْسِهِ؟ لَا يَبْدُو ٱلْأَمْرُ كَذٰلِكَ. حَتَّى إِنَّ عَدَدًا مِنْ قُرَّاءِ ٱلْأَنَاجِيلِ ٱلْيَوْمَ لَا يَرَوْنَ فِيهِ هٰذِهِ ٱلصِّفَاتِ. فَهُوَ فِي نَظَرِ ٱلْبَعْضِ شَخْصِيَّةٌ مُتَقَلْقِلَةٌ مُتَقَلِّبَةٌ وَمُتَرَدِّدَةٌ، بِنَاءً عَلَى مَا يَكْشِفُهُ سِجِلُّ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ.
٩ عَمَّ يَبْحَثُ يَهْوَهُ وَٱبْنُهُ، وَلِمَ بِرَأْيِكَ يَنْبَغِي أَنْ نَثِقَ بِنَظْرَتِهِمَا؟
٩ طَبْعًا، كَانَتْ لَدَى بُطْرُسَ عُيُوبٌ وَضَعَفَاتٌ لَمْ يَغْفُلْ عَنْهَا يَسُوعُ. لٰكِنَّهُ كَأَبِيهِ يَهْوَهَ يَتَطَلَّعُ دَوْمًا إِلَى ٱلنَّاسِ مِنْ مِنْظَارٍ إِيجَابِيٍّ. فَقَدْ رَأَى فِي بُطْرُسَ إِمْكَانَاتٍ كَبِيرَةً لِلْمُسْتَقْبَلِ، وَأَرَادَ مُسَاعَدَتَهُ عَلَى ٱسْتِغْلَالِهَا بِأَفْضَلِ طَرِيقَةٍ مُمْكِنَةٍ. اَلْيَوْمَ أَيْضًا، يُفَتِّشُ يَهْوَهُ وَٱبْنُهُ عَنِ ٱلْحَسَنَاتِ فِي شَخْصِيَّتِنَا. وَمَعَ أَنَّنَا قَدْ نَسْتَخِفُّ بِقُدُرَاتِنَا وَلَا نَرَى ٱلصَّلَاحَ فِي أَنْفُسِنَا، يَلْزَمُ أَنْ نَثِقَ بِنَظْرَتِهِمَا وَنَسْمَحَ لَهُمَا بِتَدْرِيبِنَا وَصَوْغِنَا أُسْوَةً بِبُطْرُسَ. — اقرأ ١ يوحنا ٣:١٩، ٢٠.
«كَفَاكَ خَوْفٌ»
١٠ مَاذَا شَهِدَ بُطْرُسُ عَلَى ٱلْأَرْجَحِ، وَلٰكِنْ مَاذَا فَعَلَ؟
١٠ يُرَجَّحُ أَنَّ بُطْرُسَ رَافَقَ يَسُوعَ فَتْرَةً مِنَ ٱلْوَقْتِ خِلَالَ جَوْلَتِهِ ٱلْكِرَازِيَّةِ ٱلَّتِي تَلَتْ لِقَاءَهُمَا. لِذَا يُحْتَمَلُ أَنَّهُ شَهِدَ عَجِيبَتَهُ ٱلْأُولَى حِينَ حَوَّلَ ٱلْمَاءَ إِلَى خَمْرٍ أَثْنَاءَ وَلِيمَةِ عُرْسٍ فِي قَانَا. وَٱلْأَهَمُّ أَنَّهُ سَمِعَ رِسَالَتَهُ ٱلرَّائِعَةَ عَنْ مَلَكُوتِ ٱللّٰهِ ٱلَّتِي تَمْنَحُ ٱلْأَمَلَ وَٱلرَّجَاءَ. مَعَ ذٰلِكَ، فَارَقَهُ وَعَادَ إِلَى مُزَاوَلَةِ مِهْنَةِ ٱلصَّيْدِ. وَلٰكِنْ عِنْدَمَا ٱلْتَقَاهُ مُجَدَّدًا بَعْدَ أَشْهُرٍ، دَعَاهُ يَسُوعُ هٰذِهِ ٱلْمَرَّةَ إِلَى ٱتِّبَاعِهِ عَلَى ٱلدَّوَامِ.
١١، ١٢ (أ) إِلَى أَيِّ حَدٍّ كَدَّ بُطْرُسُ خِلَالَ إِحْدَى ٱللَّيَالِي؟ (ب) بِمَ فَكَّرَ بُطْرُسُ عَلَى ٱلْأَرْجَحِ وَهُوَ يَسْتَمِعُ إِلَى يَسُوعَ يُعَلِّمُ ٱلْجُمُوعَ؟
١١ كَانَ بُطْرُسُ قَدْ تَعِبَ ٱللَّيْلَ كُلَّهُ فِي ٱلصَّيْدِ وَلَمْ يَتَوَفَّقْ. فَكَمْ مِنْ مَرَّةٍ أَنْزَلَ هُوَ وَٱلصَّيَّادُونَ ٱلشِّبَاكَ وَسَحَبُوهَا فَارِغَةً. وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ ٱسْتَثْمَرَ كُلَّ خِبْرَاتِهِ وَمَهَارَاتِهِ آنَذَاكَ، مُتَنَقِّلًا مِنْ مَوْقِعٍ إِلَى آخَرَ فِي ٱلْبُحَيْرَةِ بَحْثًا عَنْ مَرَاعِي ٱلسَّمَكِ. وَتَمَنَّى بِٱلتَّأْكِيدِ، مَثَلُهُ مَثَلُ صَيَّادِينَ كَثِيرِينَ، لَوْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْبُرَ غَوْرَ ٱلْمِيَاهِ ٱلْمُعْتِمَةِ وَيَجِدَ أَسْرَابَ ٱلسَّمَكِ وَيَجْذِبَهَا إِلَى شِبَاكِهِ. طَبْعًا، كَانَتْ هٰذِهِ ٱلْأَفْكَارُ سَتَزِيدُ مِنِ ٱسْتِيَائِهِ وَتَثَبُّطِهِ. فَهُوَ لَمْ يَصْطَدِ ٱلسَّمَكَ مِنْ بَابِ ٱلْمُتْعَةِ وَٱلتَّسْلِيَةِ، بَلْ لِكَسْبِ لُقْمَةِ ٱلْعَيْشِ. وَٱلْمُؤْسِفُ أَنَّهُ عَادَ أَخِيرًا إِلَى ٱلشَّاطِئِ صِفْرَ ٱلْيَدَيْنِ. وَفِيمَا كَانَ مُنْهَمِكًا فِي تَنْظِيفِ ٱلشِّبَاكِ، دَنَا مِنْهُ يَسُوعُ.
لَمْ يَمَلَّ بُطْرُسُ قَطُّ مِنْ سَمَاعِ يَسُوعَ يُبَشِّرُ بِمَلَكُوتِ ٱللّٰهِ، مِحْوَرِ كِرَازَتِهِ
١٢ فِي تِلْكَ ٱلْمُنَاسَبَةِ، كَانَ ٱلْجَمْعُ مُزْدَحِمًا عَلَى يَسُوعَ يَتَلَهَّفُ لِسَمَاعِ كُلِّ كَلِمَةٍ يَتَفَوَّهُ بِهَا. لِذَا صَعِدَ إِلَى مَرْكَبِ بُطْرُسَ وَسَأَلَهُ أَنْ يَبْتَعِدَ قَلِيلًا عَنِ ٱلْبَرِّ، ثُمَّ شَرَعَ يُعَلِّمُ ٱلْجُمُوعَ ٱلْمُتَعَطِّشَةَ بِصَوْتٍ وَاضِحٍ. وَرَاحَ بُطْرُسُ مِثْلَهُمْ يُصْغِي إِلَيْهِ بِٱنْتِبَاهٍ شَدِيدٍ. فَهُوَ لَمْ يَمَلَّ قَطُّ مِنْ سَمَاعِهِ يُبَشِّرُ بِمَلَكُوتِ ٱللّٰهِ، مِحْوَرِ كِرَازَتِهِ. وَلَعَلَّهُ فَكَّرَ فِي ٱلِٱمْتِيَازِ ٱلْعَظِيمِ ٱلَّذِي سَيَحْظَى بِهِ لَوْ يَتَمَكَّنُ مِنْ مُسَاعَدَةِ ٱلْمَسِيحِ عَلَى نَشْرِ رِسَالَةِ ٱلرَّجَاءِ هٰذِهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ. وَلٰكِنْ مَاذَا فِي طَاقَةِ يَدِهِ أَنْ يَفْعَلَ؟ كَيْفَ لَهُ أَنْ يُعِيلَ عَائِلَتَهُ؟ لَرُبَّمَا ٱسْتَرْجَعَ فِي ذِهْنِهِ لَيْلَتَهُ ٱلطَّوِيلَةَ وَغَيْرَ ٱلْمُثْمِرَةِ ٱلَّتِي قَضَاهَا فِي ٱلْبَحْرِ. — لو ٥:١-٣.
١٣، ١٤ مَا هِيَ ٱلْعَجِيبَةُ ٱلَّتِي صَنَعَهَا يَسُوعُ لِبُطْرُسَ، وَمَاذَا كَانَ رَدُّ فِعْلِهِ؟
١٣ لَمَّا فَرَغَ يَسُوعُ مِنَ ٱلْكَلَامِ، قَالَ لِبُطْرُسَ: «تَقَدَّمْ إِلَى ٱلْعُمْقِ، وَأَلْقُوا شِبَاكَكُمْ لِلصَّيْدِ». لٰكِنَّ ٱلشَّكَّ ٱسْتَوْلَى عَلَى بُطْرُسَ فَأَجَابَ: «يَا مُعَلِّمُ، تَعِبْنَا ٱللَّيْلَ كُلَّهُ وَلَمْ نَأْخُذْ شَيْئًا، وَلٰكِنْ بِنَاءً عَلَى طَلَبِكَ أُنْزِلُ ٱلشِّبَاكَ». كَانَ بُطْرُسُ قَدِ ٱنْتَهَى لِتَوِّهِ مِنْ غَسْلِ ٱلشِّبَاكِ. وَلَا شَكَّ أَنَّ آخِرَ أَمْرٍ أَرَادَ ٱلْقِيَامَ بِهِ هُوَ إِنْزَالُهَا مُجَدَّدًا، وَلَا سِيَّمَا أَنَّ ٱلسَّمَكَ لَا يَقْتَاتُ فِي هٰذَا ٱلْوَقْتِ. مَعَ ذٰلِكَ، أَذْعَنَ وَأَوْمَأَ عَلَى ٱلْأَرْجَحِ إِلَى شُرَكَائِهِ فِي ٱلْمَرْكَبِ ٱلْآخَرِ أَنْ يَتْبَعُوهُ. — لو ٥:٤، ٥.
١٤ وَحِينَ ٱبْتَدَأَ يَسْحَبُ ٱلشِّبَاكَ، شَعَرَ بِثِقْلٍ كَبِيرٍ جِدًّا. فَرَاحَ يَرْفَعُهَا بِكُلِّ قُوَّتِهِ وَهُوَ لَا يُصَدِّقُ مَا يَحْصُلُ. وَمَا لَبِثَ أَنْ رَأَى أَعْدَادًا كَبِيرَةً مِنَ ٱلسَّمَكِ تَتَخَبَّطُ فِي طَيَّاتِهَا. فَأَشَارَ بِٱنْفِعَالٍ وَحَمَاسَةٍ إِلَى شُرَكَائِهِ فِي ٱلْمَرْكَبِ ٱلْآخَرِ أَنْ يَأْتُوا لِلْمُسَاعَدَةِ. وَلٰكِنْ سُرْعَانَ مَا تَبَيَّنَ أَنَّ مَرْكَبًا وَاحِدًا لَا يَكْفِي لِٱحْتِوَاءِ كُلِّ ٱلسَّمَكِ. فَمَلَأُوا ٱلْمَرْكَبَيْنِ كِلَيْهِمَا حَتَّى أَخَذَا فِي ٱلْغَرَقِ، وَلَمْ تَنْفَدْ بَعْدُ ٱلْكَمِّيَّةُ فِي ٱلشِّبَاكِ. وَيَا لَلدَّهْشَةِ ٱلَّتِي غَمَرَتْ بُطْرُسَ! فَقَدْ رَأَى ٱلْمَسِيحَ يَصْنَعُ ٱلْعَجَائِبَ مِنْ قَبْلُ، لٰكِنَّ هٰذِهِ ٱلْعَجِيبَةَ مَسَّتْهُ هُوَ شَخْصِيًّا. فَهٰذَا ٱلرَّجُلُ قَادِرٌ حَتَّى عَلَى إِدْخَالِ ٱلسَّمَكِ إِلَى ٱلشِّبَاكِ! وَإِذِ ٱعْتَرَاهُ ٱلْخَوْفُ، جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَقَالَ لِيَسُوعَ: «اِبْتَعِدْ عَنِّي يَا رَبُّ، لِأَنِّي رَجُلٌ خَاطِئٌ». فَكَيْفَ لَهُ أَنْ يَحْسَبَ نَفْسَهُ جَدِيرًا بِمُرَافَقَةِ مَنْ يَصْنَعُ عَجَائِبَ كَهٰذِهِ بِقُدْرَةٍ إِلٰهِيَّةٍ؟! — اقرأ لوقا ٥:٦-٩.
١٥ كَيْفَ عَلَّمَ يَسُوعُ بُطْرُسَ أَنْ لَا أَسَاسَ لِشُكُوكِهِ وَمَخَاوِفِهِ؟
١٥ عِنْدَئِذٍ قَالَ يَسُوعُ لِبُطْرُسَ بِلُطْفٍ: «كَفَاكَ خَوْفٌ. مِنَ ٱلْآنَ تَصْطَادُ ٱلنَّاسَ أَحْيَاءً». (لو ٥:١٠، ١١) لَمْ يَكُنِ ٱلْوَقْتُ آنَذَاكَ لِيَسْتَسْلِمَ بُطْرُسُ لِلشُّكُوكِ وَٱلْمَخَاوِفِ. فَلَا مُبَرِّرَ لِشَكِّهِ وَقَلَقِهِ حِيَالَ ٱلْمَسَائِلِ ٱلْيَوْمِيَّةِ، كَصَيْدِ ٱلسَّمَكِ لِكَسْبِ ٱلرِّزْقِ، وَلَا أَسَاسَ أَيْضًا لِمَخَاوِفِهِ بِشَأْنِ نَقَائِصِهِ وَشُعُورِهِ بِعَدَمِ ٱلْجَدَارَةِ. فَيَسُوعُ كَانَ سَيَقُومُ بِخِدْمَةٍ عَظِيمَةٍ لَهَا أَبْلَغُ ٱلْأَثَرِ فِي مُسْتَقْبَلِ ٱلْبَشَرِ. وَهُوَ يَخْدُمُ يَهْوَهَ، ٱلْإِلٰهَ ٱلَّذِي «يُكْثِرُ ٱلْغُفْرَانَ». (اش ٥٥:٧) لِذَا مَا مِنْ شَكٍّ أَنَّهُ سَيَهْتَمُّ بِحَاجَاتِ بُطْرُسَ ٱلْجَسَدِيَّةِ وَٱلرُّوحِيَّةِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ. — مت ٦:٣٣.
١٦ كَيْفَ تَجَاوَبَ بُطْرُسُ وَيَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا مَعَ دَعْوَةِ يَسُوعَ، وَلِمَ كَانَ ذٰلِكَ أَفْضَلَ قَرَارٍ يَتَّخِذُونَهُ؟
١٦ لَبَّى بُطْرُسُ دَعْوَةَ يَسُوعَ عَلَى ٱلْفَوْرِ، وَكَذٰلِكَ يَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا. يَذْكُرُ ٱلسِّجِلُّ: «أَعَادُوا ٱلْمَرْكَبَيْنِ إِلَى ٱلْبَرِّ، وَتَرَكُوا كُلَّ شَيْءٍ وَتَبِعُوهُ». (لو ٥:١١) لَقَدْ وَضَعَ بُطْرُسُ ثِقَتَهُ بِيَسُوعَ وَبِٱلَّذِي أَرْسَلَهُ. وَكَانَ ذٰلِكَ أَفْضَلَ قَرَارٍ يَتَّخِذُهُ عَلَى ٱلْإِطْلَاقِ. وَٱلْيَوْمَ، يُعْرِبُ عَنْ ثِقَةٍ مُمَاثِلَةٍ كُلُّ ٱلْمَسِيحِيِّينَ ٱلَّذِينَ يَتَغَلَّبُونَ عَلَى شُكُوكِهِمْ وَمَخَاوِفِهِمْ كَيْ يَخْدُمُوا يَهْوَهَ. فَلْيَكُنْ هٰؤُلَاءِ عَلَى يَقِينٍ أَنَّهُ لَنْ يُخَيِّبَ أَمَلَهُمْ أَبَدًا. — مز ٢٢:٤، ٥.
«لِمَاذَا ٱسْتَسْلَمْتَ لِلشَّكِّ؟»
١٧ أَيَّةُ ذِكْرَيَاتٍ رَسَخَتْ فِي ذِهْنِ بُطْرُسَ بَعْدَ مُضِيِّ سَنَتَيْنِ عَلَى ٱلْتِقَائِهِ بِيَسُوعَ؟
١٧ كَانَتْ قَدْ مَرَّتْ سَنَتَانِ تَقْرِيبًا عَلَى ٱلْتِقَاءِ بُطْرُسَ بِيَسُوعَ حِينَ أَبْحَرَ خِلَالَ تِلْكَ ٱللَّيْلَةِ ٱلْعَاصِفَةِ فِي بَحْرِ ٱلْجَلِيلِ، كَمَا هُوَ مَوْصُوفٌ فِي مُسْتَهَلِّ ٱلْفَصْلِ. طَبْعًا، لَا نَعْرِفُ مَا رَاوَدَ فِكْرَهُ آنَذَاكَ. فَكَثِيرَةٌ هِيَ ٱلذِّكْرَيَاتُ ٱلَّتِي ٱزْدَحَمَتْ فِي رَأْسِهِ. لَقَدْ شَفَى يَسُوعُ حَمَاتَهُ، أَلْقَى ٱلْمَوْعِظَةَ عَلَى ٱلْجَبَلِ، وَأَظْهَرَ مِرَارًا مِنْ خِلَالِ تَعَالِيمِهِ وَعَجَائِبِهِ أَنَّهُ ٱلْمَسِيَّا ٱلْمُخْتَارُ مِنْ يَهْوَهَ. وَمَعَ مُرُورِ ٱلْأَشْهُرِ، لَا بُدَّ أَنَّ نَوْبَاتِ ٱلْخَوْفِ وَٱلشَّكِّ ٱلَّتِي كَانَتْ تَعْتَرِي بُطْرُسَ خَفَّتْ إِلَى حَدٍّ مَا. حَتَّى إِنَّ يَسُوعَ ٱخْتَارَهُ وَاحِدًا مِنْ رُسُلِهِ ٱلِـ ١٢. رَغْمَ ذٰلِكَ كُلِّهِ، لَمْ يَكُنْ قَدِ ٱسْتَأْصَلَ كَامِلًا ٱلْخَوْفَ وَٱلشَّكَّ مِنْ قَلْبِهِ، كَمَا ٱتَّضَحَ لَهُ لَاحِقًا.
١٨، ١٩ (أ) مَاذَا رَأَى بُطْرُسُ عَلَى مِيَاهِ بَحْرِ ٱلْجَلِيلِ؟ (ب) كَيْفَ لَبَّى يَسُوعُ طَلَبَ بُطْرُسَ؟
١٨ فِي ٱلْهَزِيعِ ٱلرَّابِعِ مِنَ ٱللَّيْلِ، أَيْ فِي وَقْتٍ مَا بَيْنَ ٱلثَّالِثَةِ فَجْرًا وَشُرُوقِ ٱلشَّمْسِ، تَوَقَّفَ بُطْرُسُ فَجْأَةً عَنِ ٱلتَّجْذِيفِ وَتَسَمَّرَ فِي مَكَانِهِ. فَقَدْ رَأَى شَيْئًا يَتَحَرَّكُ عَلَى وَجْهِ ٱلْمِيَاهِ ٱلْمُضْطَرِبَةِ. أَهُوَ ٱنْعِكَاسُ ضَوْءِ ٱلْقَمَرِ؟ كَلَّا، فَمَا رَآهُ كَانَ مُنْتَصِبًا وَثَابِتًا؛ إِنَّهُ رَجُلٌ يَمْشِي عَلَى سَطْحِ ٱلْبَحْرِ! وَفِيمَا ٱقْتَرَبَ مِنَ ٱلتَّلَامِيذِ، بَدَا وَكَأَنَّهُ سَيَتَجَاوَزُ مَرْكَبَهُمْ. فَظَنُّوا مِنْ شِدَّةِ خَوْفِهِمْ أَنَّهُ خَيَالٌ، أَوْ رُؤْيَا. ثُمَّ سَمِعُوهُ يَقُولُ لَهُمْ: «تَشَجَّعُوا، هٰذَا أَنَا. لَا تَخَافُوا». عِنْدَئِذٍ أَدْرَكُوا أَنَّهُ يَسُوعُ. — مت ١٤:٢٥-٢٨.
١٩ فَأَجَابَهُ بُطْرُسُ: «يَا رَبُّ، إِنْ تَكُنْ أَنْتَ، فَمُرْنِي أَنْ آتِيَ إِلَيْكَ عَلَى ٱلْمِيَاهِ». إِنَّ رَدَّةَ فِعْلِهِ ٱلْأَوَّلِيَّةَ هٰذِهِ نَمَّتْ عَنِ ٱلشَّجَاعَةِ. فَقَدِ ٱمْتَلَأَ حَمَاسَةً وَأَرَادَ أَنْ يَخْتَبِرَ هٰذِهِ ٱلْعَجِيبَةَ ٱلْفَرِيدَةَ مِنْ نَوْعِهَا رَغْبَةً مِنْهُ فِي تَوْطِيدِ إِيمَانِهِ. لِذَا نَادَاهُ يَسُوعُ بِلُطْفٍ كَيْ يَأْتِيَ نَحْوَهُ. فَنَزَلَ مِنَ ٱلْمَرْكَبِ وَدَاسَ صَفْحَةَ ٱلْمِيَاهِ ٱلْمُتَمَوِّجَةِ. تَخَيَّلْ مَشَاعِرَهُ حِينَ أَحَسَّ بِمَوْطِئٍ جَامِدٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ وَوَقَفَ عَلَى وَجْهِ ٱلْمِيَاهِ، وَتَصَوَّرْ دَهْشَتَهُ وَعَجَبَهُ وَهُوَ يَمْشِي مُتَّجِهًا إِلَى يَسُوعَ! وَلٰكِنْ مَا هِيَ إِلَّا لَحَظَاتٌ حَتَّى أَتَى بِرَدَّةِ فِعْلٍ أُخْرَى. — اقرأ متى ١٤:٢٩.
٢٠ (أ) كَيْفَ خَسِرَ بُطْرُسُ تَرْكِيزَهُ، وَبِأَيِّ نَتِيجَةٍ؟ (ب) مَا هُوَ ٱلدَّرْسُ ٱلَّذِي عَلَّمَهُ يَسُوعُ لِبُطْرُسَ؟
٢٠ وَجَبَ عَلَى بُطْرُسَ أَنْ يُرَكِّزَ بَصَرَهُ وَٱنْتِبَاهَهُ عَلَى يَسُوعَ ٱلَّذِي ٱسْتَخْدَمَ قُدْرَةَ يَهْوَهَ وَمَكَّنَهُ مِنَ ٱلْبَقَاءِ عَائِمًا عَلَى وَجْهِ ٱلْمِيَاهِ وَسْطَ ٱلْأَمْوَاجِ وَٱلرِّيَاحِ. فَيَسُوعُ صَنَعَ هٰذِهِ ٱلْعَجِيبَةَ لِأَنَّ بُطْرُسَ آمَنَ بِهِ. إِلَّا أَنَّ هٰذَا ٱلتِّلْمِيذَ خَسِرَ تَرْكِيزَهُ. نَقْرَأُ: «لَمَّا رَأَى عَاصِفَةَ ٱلرِّيحِ خَافَ». فَحِينَ رَأَى ٱلْأَمْوَاجَ تَلْطِمُ جَوَانِبَ ٱلْمَرْكَبِ وَٱلرِّيحَ تَذْهَبُ بِٱلزَّبَدِ وَٱلرَّذَاذِ، أَصَابَهُ ٱلْهَلَعُ وَٱلِٱرْتِبَاكُ. فَلَعَلَّهُ تَخَيَّلَ نَفْسَهُ يَغُوصُ فِي مِيَاهِ ٱلْبُحَيْرَةِ وَيَغُورُ فِي أَعْمَاقِهَا. وَفِيمَا تَأَجَّجَ ٱلْخَوْفُ فِي قَلْبِهِ، خَبَتْ قُوَّةُ إِيمَانِهِ. فَهٰذَا ٱلرَّجُلُ ٱلَّذِي أَعْطَاهُ يَسُوعُ ٱسْمًا يَعْنِي ٱلصَّخْرَ، مُتَوَسِّمًا فِيهِ ٱلْقُدْرَةَ عَلَى ٱلثَّبَاتِ وَٱلصُّمُودِ، تَزَعْزَعَ إِيمَانُهُ وَرَاحَ يَغْرَقُ مِثْلَمَا يَغْرَقُ ٱلْحَجَرُ ٱلصَّغِيرُ. وَمَعَ أَنَّهُ كَانَ سَبَّاحًا مَاهِرًا، لَمْ يَتَّكِلْ عَلَى مَقْدِرَتِهِ حِينَذَاكَ بَلْ صَرَخَ: «يَا رَبُّ، خَلِّصْنِي!». فَأَمْسَكَ يَسُوعُ بِيَدِهِ لِلْحَالِ وَٱنْتَشَلَهُ. وَفِيمَا هُمَا بَعْدُ عَلَى وَجْهِ ٱلْمِيَاهِ، لَقَّنَهُ دَرْسًا مُهِمًّا حِينَ قَالَ: «يَا قَلِيلَ ٱلْإِيمَانِ، لِمَاذَا ٱسْتَسْلَمْتَ لِلشَّكِّ؟». — مت ١٤:٣٠، ٣١.
٢١ لِمَ ٱلشَّكُّ خَطِيرٌ، وَكَيْفَ نُحَارِبُهُ؟
٢١ ‹اَلِٱسْتِسْلَامُ لِلشَّكِّ›، مَا أَصَحَّ هٰذِهِ ٱلْعِبَارَةَ! فَٱلشَّكُّ هَدَّامٌ مُدَمِّرٌ. وَإِذَا ٱسْتَسْلَمْنَا لَهُ، يَتَأَكَّلُ إِيمَانُنَا شَيْئًا فَشَيْئًا فَنَغْرَقُ رُوحِيًّا. لِذَا يَنْبَغِي أَنْ نُحَارِبَهُ بِكُلِّ قُوَّتِنَا. كَيْفَ؟ بِإِبْقَاءِ تَرْكِيزِنَا فِي ٱلْمَكَانِ ٱلصَّحِيحِ. فَإِنْ أَمْعَنَّا ٱلتَّفْكِيرَ فِي مَا يُخِيفُنَا، يُثَبِّطُنَا، وَيُحَوِّلُنَا عَنْ يَهْوَهَ وَيَسُوعَ، تَقْوَ شُكُوكُنَا. أَمَّا إِذَا رَكَّزْنَا عَلَيْهِمَا، مَا فَعَلَاهُ مِنْ أَجْلِنَا، مَا يُنْجِزَانِ ٱلْآنَ، وَمَا سَيُحَقِّقَانِ فِي ٱلْمُسْتَقْبَلِ، فَنَحْمِي أَنْفُسَنَا مِنَ ٱلشُّكُوكِ ٱلسَّامَّةِ.
٢٢ لِمَ يَحْسُنُ بِنَا ٱلتَّشَبُّهُ بِإِيمَانِ بُطْرُسَ؟
٢٢ عِنْدَمَا صَعِدَ بُطْرُسُ إِلَى ٱلْمَرْكَبِ مَعَ يَسُوعَ، ٱنْحَسَرَتِ ٱلْعَاصِفَةُ وَخَيَّمَ ٱلْهُدُوءُ عَلَى بَحْرِ ٱلْجَلِيلِ. فَهَتَفَ هُوَ وَٱلتَّلَامِيذُ ٱلْآخَرُونَ: «أَنْتَ حَقًّا ٱبْنُ ٱللّٰهِ!». (مت ١٤:٣٣) وَفِيمَا ٱنْبَثَقَ ٱلْفَجْرُ وَأَلْقَى ضَوْءَهُ عَلَى ٱلْبُحَيْرَةِ، لَا شَكَّ أَنَّ قَلْبَهُ ٱمْتَلَأَ فَرَحًا وَٱمْتِنَانًا. فَقَدْ تَعَلَّمَ أَلَّا يَدَعَ ٱلشَّكَّ وَٱلْخَوْفَ يَسْتَحْوِذَانِ عَلَيْهِ. طَبْعًا، كَانَ أَمَامَهُ مِشْوَارٌ طَوِيلٌ بَعْدُ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ ثَابِتًا وَرَاسِخًا كَٱلصَّخْرِ مِثْلَمَا تَوَقَّعَ يَسُوعُ. غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ عَاقِدَ ٱلْعَزْمِ عَلَى مُوَاصَلَةِ ٱلسَّعْيِ وَٱلنُّمُوِّ. فَهَلْ لَدَيْكَ ٱلتَّصْمِيمُ عَيْنُهُ؟ اِسْعَ إِذًا إِلَى ٱلتَّشَبُّهِ بِإِيمَانِ بُطْرُسَ.