الفصل ١٧
«حَاجَّهُمْ مَنْطِقِيًّا مِنَ ٱلْأَسْفَارِ ٱلْمُقَدَّسَةِ»
أَسَاسُ ٱلتَّعْلِيمِ ٱلْفَعَّالِ وَمِثَالُ أَهْلِ بِيرِيَةَ ٱلْحَسَنُ
مُؤَسَّسٌ عَلَى ٱلْأَعْمَال ١٧:١-١٥
١، ٢ مَنْ يُسَافِرُ مِنْ فِيلِبِّي إِلَى تَسَالُونِيكِي، وَأَيُّ تَسَاؤُلَاتٍ رُبَّمَا تَخْطُرُ عَلَى بَالِهِمْ؟
يَخُوضُ ٱلرِّجَالُ ٱلثَّلَاثَةُ، بُولُسُ وَسِيلَا وَتِيمُوثَاوُسُ، غِمَارَ سَفْرَةٍ جَدِيدَةٍ. يَسِيرُونَ عَلَى طَرِيقٍ رُومَانِيَّةٍ مُتْقَنَةٍ تَمْتَدُّ مَعَ ٱمْتِدَادِ ٱلْجِبَالِ ٱلْوَعِرَةِ. تَتَنَاهَى إِلَى مَسَامِعِهِمْ أَصْوَاتُ ٱلدَّوَالِيبِ مُقَرْقِعَةً عَلَى ٱلْحِجَارَةِ ٱلْمُتَرَاصِفَةِ، نَهِيقُ ٱلْحَمِيرِ تَنُوءُ بِأَثْقَالِهَا، وَجَلَبَةُ ٱلْمُسَافِرِينَ عَلَى أَجْنَاسِهِمْ مِنْ جُنُودٍ وَتُجَّارٍ وَحِرَفِيِّينَ. رِحْلَتُهُمْ طَوِيلَةٌ. هِيَ أَكْثَرُ مِنْ ١٣٠ كلم تَفْصِلُ بَيْنَ فِيلِبِّي وَتَسَالُونِيكِي. فَيَتَقَدَّمُونَ بِشِقِّ ٱلنَّفْسِ، وَلَا سِيَّمَا بُولُسُ وَسِيلَا ٱللَّذَانِ ذَاقَا طَعْمَ عِصِيِّ فِيلِبِّي. فَكَيْفَ لِلسَّفَرِ أَنْ يَهُونَ عَلَيْهِمَا وَجِرَاحَاتُهُمَا لَمْ تَلْتَئِمْ بَعْدُ؟! — اع ١٦:٢٢، ٢٣.
٢ لَا بُدَّ أَنَّ ٱلْأَحَادِيثَ ٱلْمُشَجِّعَةَ تَشْغَلُهُمَا عَنِ ٱلتَّفْكِيرِ فِي ٱلطَّرِيقِ ٱلطَّوِيلَةِ أَمَامَهُمَا. فَهَلْ يُنْسَى ٱلسَّجَّانُ ٱلَّذِي ٱعْتَنَقَ ٱلْحَقَّ هُوَ وَأَهْلُ بَيْتِهِ فِي فِيلِبِّي؟! لَا شَكَّ أَنَّ هٰذِهِ ٱلذِّكْرَى لَا تَزَالُ حَيَّةً فِي أَذْهَانِ ٱلْمُسَافِرِينَ ٱلثَّلَاثَةِ، فَتُشَدِّدُ عَزْمَهُمْ أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ عَلَى ٱلْمُنَادَاةِ بِكَلِمَةِ ٱللّٰهِ. وَلٰكِنْ إِذْ تَلُوحُ مَدِينَةُ تَسَالُونِيكِي ٱلسَّاحِلِيَّةُ فِي ٱلْأُفُقِ ٱلْبَعِيدِ، لَعَلَّهُمْ يَتَسَاءَلُونَ فِي قُلُوبِهِمْ: ‹تُرَى كَيْفَ يُعَامِلُنَا ٱلْيَهُودُ هُنَاكَ؟ هَلْ يُهَاجِمُونَنَا أَوْ يَضْرِبُونَنَا كَمَا أَهْلُ فِيلِبِّي؟›.
٣ كَيْفَ يُفِيدُنَا مِثَالُ بُولُسَ فِي ٱسْتِجْمَاعِ ٱلْجُرْأَةِ ٱللَّازِمَةِ لِلْكِرَازَةِ؟
٣ كَشَفَ لَنَا بُولُسُ عَنْ مَشَاعِرِهِ فِي رِسَالَةٍ كَتَبَهَا لَاحِقًا إِلَى مَسِيحِيِّي تَسَالُونِيكِي. ذَكَرَ: «بَعْدَمَا تَأَلَّمْنَا أَوَّلًا وَلَقِينَا ٱلْإِهَانَةَ وَٱلْإِسَاءَةَ فِي فِيلِبِّي (كَمَا تَعْرِفُونَ)، ٱسْتَجْمَعْنَا ٱلْجُرْأَةَ بِإِلٰهِنَا لِنُكَلِّمَكُمْ بِبِشَارَةِ ٱللّٰهِ بِجِهَادٍ كَثِيرٍ». (١ تس ٢:٢) تَدُلُّ هٰذِهِ ٱلْكَلِمَاتُ أَنَّ ٱلرَّسُولَ كَانَ مُتَوَجِّسًا نَوْعًا مَا مِنْ دُخُولِ ٱلْمَدِينَةِ، لَا سِيَّمَا بَعْدَ مَا حَدَثَ فِي فِيلِبِّي. فَهَلْ سَبَقَ أَنْ مَرَرْتَ بِحَالَةٍ مُمَاثِلَةٍ؟ هَلْ شَعَرْتَ أَحْيَانًا أَنَّكَ تُجَاهِدُ لِتُنَادِيَ بِٱلْبِشَارَةِ؟ بُولُسُ مِنْ جِهَتِهِ ٱتَّكَلَ عَلَى يَهْوَهَ لِيُقَوِّيَهُ وَيُسَاعِدَهُ عَلَى ٱسْتِجْمَاعِ ٱلْجُرْأَةِ. وَإِذَا تَفَحَّصْتَ تَجْرِبَتَهُ، يُمْكِنُكَ أَنْتَ أَيْضًا أَنْ تَحْذُوَ حَذْوَهُ فَتَخْتَبِرُ ٱلْمُسَاعَدَةَ ٱلْإِلٰهِيَّةَ. — ١ كو ٤:١٦.
«حَاجَّهُمْ مَنْطِقِيًّا مِنَ ٱلْأَسْفَارِ ٱلْمُقَدَّسَةِ» (اعمال ١٧:١-٣)
٤ لِمَ يُرَجَّحُ أَنَّ إِقَامَةَ بُولُسَ فِي تَسَالُونِيكِي دَامَتْ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَسَابِيعَ؟
٤ تُخْبِرُنَا ٱلرِّوَايَةُ أَنَّ بُولُسَ كَرَزَ فِي ٱلْمَجْمَعِ ثَلَاثَةَ سُبُوتٍ أَثْنَاءَ إِقَامَتِهِ فِي تَسَالُونِيكِي. فَهَلْ يَعْنِي ذٰلِكَ أَنَّ زِيَارَتَهُ دَامَتْ ثَلَاثَةَ أَسَابِيعَ فَقَطْ؟ لَيْسَ بِٱلضَّرُورَةِ. فَنَحْنُ لَا نَعْرِفُ كَمِ ٱنْقَضَى مِنَ ٱلْوَقْتِ بَيْنَ وُصُولِهِ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ وَذَهَابِهِ إِلَى ٱلْمَجْمَعِ لِأَوَّلِ مَرَّةٍ. أَضِفْ إِلَى ذٰلِكَ أَنَّ رِسَالَتَيْهِ إِلَى أَهْلِ تَسَالُونِيكِي تَكْشِفَانِ أَنَّهُ عَمِلَ هُوَ وَرَفِيقَاهُ لِإِعَالَةِ أَنْفُسِهِمْ أَثْنَاءَ إِقَامَتِهِمْ فِي ٱلْمَدِينَةِ. (١ تس ٢:٩؛ ٢ تس ٣:٧، ٨) وَفِي تِلْكَ ٱلْمُدَّةِ أَيْضًا، ٱسْتَلَمَ بُولُسُ مَرَّتَيْنِ مَعُونَةً مِنَ ٱلْإِخْوَةِ فِي فِيلِبِّي. (في ٤:١٦) لِذَا مِنَ ٱلْمُرَجَّحِ أَنَّهُ مَكَثَ هُنَاكَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَسَابِيعَ.
٥ كَيْفَ سَعَى بُولُسُ إِلَى جَذْبِ ٱنْتِبَاهِ ٱلنَّاسِ؟
٥ بَعْدَمَا ٱسْتَجْمَعَ ٱلرَّسُولُ ٱلْجُرْأَةَ لِلْكِرَازَةِ، تَحَدَّثَ إِلَى ٱلْحُضُورِ فِي ٱلْمَجْمَعِ. وَحَسَبَ عَادَتِهِ، «حَاجَّهُمْ مَنْطِقِيًّا مِنَ ٱلْأَسْفَارِ ٱلْمُقَدَّسَةِ . . . شَارِحًا وَمُبَرْهِنًا بِشَوَاهِدَ أَنَّ ٱلْمَسِيحَ كَانَ يَجِبُ أَنْ يَتَأَلَّمَ وَيَقُومَ مِنَ ٱلْأَمْوَاتِ، وَقَائِلًا: ‹هٰذَا هُوَ ٱلْمَسِيحُ، إِنَّهُ يَسُوعُ ٱلَّذِي أَنَا أُنَادِي لَكُمْ بِهِ›». (اع ١٧:٢، ٣) لَاحِظْ أَنَّ بُولُسَ لَمْ يَهْدِفْ إِلَى تَهْيِيجِ مَشَاعِرِ سَامِعِيهِ، بَلْ عَمَدَ إِلَى مُخَاطَبَةِ عُقُولِهِمْ. فَقَدْ عَرَفَ أَنَّهُمْ مُطَّلِعُونَ عَلَى ٱلْأَسْفَارِ ٱلْمُقَدَّسَةِ وَيُكِنُّونَ لَهَا ٱلِٱحْتِرَامَ، لٰكِنَّهُمْ لَا يَفْهَمُونَهَا كَامِلًا. لِذٰلِكَ حَاجَّهُمْ مَنْطِقِيًّا شَارِحًا وَمُبَرْهِنًا مِنْ هٰذِهِ ٱلْأَسْفَارِ أَنَّ يَسُوعَ ٱلنَّاصِرِيَّ هُوَ ٱلْمَسِيَّا أَوِ ٱلْمَسِيحُ ٱلْمَوْعُودُ بِهِ.
٦ كَيْفَ حَاجَّ يَسُوعُ مَنْطِقِيًّا مِنَ ٱلْأَسْفَارِ ٱلْمُقَدَّسَةِ، وَبِأَيِّ نَتِيجَةٍ؟
٦ اِتَّبَعَ بُولُسُ مِثَالَ ٱلْمَسِيحِ ٱلَّذِي ٱعْتَمَدَ ٱلْأَسْفَارَ ٱلْمُقَدَّسَةَ أَسَاسًا لِتَعْلِيمِهِ. عَلَى سَبِيلِ ٱلْمِثَالِ، أَخْبَرَ يَسُوعُ أَتْبَاعَهُ خِلَالَ خِدْمَتِهِ ٱلْعَلَنِيَّةِ أَنَّ ٱلْأَسْفَارَ ٱلْمُقَدَّسَةَ تُنْبِئُ بِمُعَانَاةِ ٱبْنِ ٱلْإِنْسَانِ وَمَوْتِهِ وَقِيَامَتِهِ. (مت ١٦:٢١) وَلَا شَكَّ أَنَّ مُجَرَّدَ ظُهُورِهِ عَلَى تَلَامِيذِهِ بَعْدَ قِيَامَتِهِ كَانَ كَافِيًا لِيُبَرْهِنَ صِدْقَ كَلِمَاتِهِ. غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عِنْدَ هٰذَا ٱلْحَدِّ. فَٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ يُطْلِعُنَا أَنَّهُ ظَهَرَ لِٱثْنَيْنِ مِنْ تَلَامِيذِهِ «وَفَسَّرَ لَهُمَا، مُبْتَدِئًا مِنْ مُوسَى وَكُلِّ ٱلْأَنْبِيَاءِ، مَا يَخْتَصُّ بِهِ فِي ٱلْأَسْفَارِ ٱلْمُقَدَّسَةِ كُلِّهَا». وَمِنَ ٱلْوَاضِحِ أَنَّهُ تَرَكَ أَبْلَغَ ٱلْأَثَرِ فِيهِمَا. فَقَدْ قَالَا: «أَلَمْ تَكُنْ قُلُوبُنَا مُتَّقِدَةً إِذْ كَانَ يُكَلِّمُنَا فِي ٱلطَّرِيقِ وَيَشْرَحُ لَنَا ٱلْأَسْفَارَ ٱلْمُقَدَّسَةَ؟». — لو ٢٤:١٣، ٢٧، ٣٢.
٧ مَا أَهَمِّيَّةُ ٱلِٱسْتِنَادِ إِلَى ٱلْأَسْفَارِ ٱلْمُقَدَّسَةِ فِي تَعْلِيمِنَا؟
٧ تَحْمِلُ كَلِمَةُ ٱللّٰهِ فِي طَيَّاتِهَا رِسَالَةً فَعَّالَةً. (عب ٤:١٢) لِذٰلِكَ نَبْنِي نَحْنُ ٱلْمَسِيحِيِّينَ ٱلْيَوْمَ تَعَالِيمَنَا عَلَيْهَا أُسْوَةً بِيَسُوعَ وَبُولُسَ وَبَاقِي ٱلرُّسُلِ. فَنَحْنُ نُحَاجُّ ٱلنَّاسَ مَنْطِقِيًّا، شَارِحِينَ لَهُمُ ٱلْأَسْفَارَ ٱلْمُقَدَّسَةَ وَمُبَرْهِنِينَ تَعَالِيمَنَا بِقِرَاءَةِ ٱلْآيَاتِ مُبَاشَرَةً مِنَ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ. فَفِي ٱلنِّهَايَةِ إِنَّ ٱلرِّسَالَةَ ٱلَّتِي نَحْمِلُهَا لَيْسَتْ مِنَّا، بَلْ مِنَ ٱللّٰهِ. وَحِينَ نَفْتَحُ ٱلْكِتَابَ ٱلْمُقَدَّسَ مِرَارًا، نُسَاعِدُ سَامِعِينَا عَلَى ٱلتَّمْيِيزِ أَنَّنَا نُنَادِي بِتَعَالِيمَ إِلٰهِيَّةٍ، لَا بِأَفْكَارِنَا ٱلْخَاصَّةِ. وَلْنُبْقِ فِي بَالِنَا أَيْضًا أَنَّ ٱلرِّسَالَةَ ٱلَّتِي نَكْرِزُ بِهَا جَدِيرَةٌ بِٱلثِّقَةِ مِئَةً فِي ٱلْمِئَةِ لِأَنَّ لَهَا أَسَاسًا مَتِينًا مِنْ كَلِمَةِ ٱللّٰهِ. وَهٰكَذَا نَتَشَجَّعُ عَلَى ٱلْمُنَادَاةِ بِٱلْبِشَارَةِ بِجُرْأَةٍ مِثْلَمَا فَعَلَ بُولُسُ.
«صَارَ بَعْضٌ مِنْهُمْ مُؤْمِنِينَ» (اعمال ١٧:٤-٩)
٨-١٠ (أ) أَيُّ أَثَرٍ تَرَكَتْهُ ٱلْبِشَارَةُ فِي أَهْلِ تَسَالُونِيكِي؟ (ب) لِمَ غَارَ بَعْضُ ٱلْيَهُودِ مِنْ بُولُسَ؟ (ج) مَاذَا فَعَلَ ٱلْمُقَاوِمُونَ ٱلْيَهُودُ؟
٨ سَبَقَ لِبُولُسَ أَنْ لَمَسَ صِحَّةَ كَلِمَاتِ يَسُوعَ ٱلتَّالِيَةِ: «لَيْسَ عَبْدٌ أَعْظَمَ مِنْ سَيِّدِهِ. إِنْ كَانُوا قَدِ ٱضْطَهَدُونِي فَسَيَضْطَهِدُونَكُمْ أَيْضًا، وَإِنْ كَانُوا قَدْ حَفِظُوا كَلِمَتِي فَسَيَحْفَظُونَ كَلِمَتَكُمْ أَيْضًا». (يو ١٥:٢٠) وَمَدِينَةُ تَسَالُونِيكِي لَا تَشِذُّ عَنْ هٰذِهِ ٱلْقَاعِدَةِ. فَقَدِ ٱنْقَسَمَ مُسْتَمِعُو بُولُسَ إِلَى فَرِيقَيْنِ. فَمِنْهُمْ مَنْ حَفِظُوا ٱلْكَلِمَةَ بِرَغْبَةٍ شَدِيدَةٍ؛ وَمِنْهُمْ مَنْ قَاوَمُوهَا. يَصِفُ لُوقَا ٱلْفَرِيقَ ٱلْأَوَّلَ قَائِلًا: «صَارَ بَعْضٌ مِنَ [ٱلْيَهُودِ] مُؤْمِنِينَ [مَسِيحِيِّينَ] وَٱنْضَمُّوا إِلَى بُولُسَ وَسِيلَا، وَكَذٰلِكَ جُمْهُورٌ كَثِيرٌ مِنَ ٱلْيُونَانِيِّينَ ٱلْعَابِدِينَ ٱللّٰهَ وَعَدَدٌ غَيْرُ قَلِيلٍ مِنَ ٱلنِّسَاءِ ٱلْأَعْيَانِ». (اع ١٧:٤) وَلَا رَيْبَ أَنَّ هٰؤُلَاءِ ٱلتَّلَامِيذَ ٱلْجُدُدَ فَرِحُوا لِأَنَّهُمْ نَالُوا ٱلْمُسَاعَدَةَ عَلَى فَهْمِ ٱلْأَسْفَارِ ٱلْمُقَدَّسَةِ.
٩ فِي ٱلْمَقْلَبِ ٱلْآخَرِ، ٱغْتَاظَ بَعْضُ ٱلْيَهُودِ مِنْ بُولُسَ وَصَرُّوا بِأَسْنَانِهِمْ عَلَيْهِ. فَقَدْ غَارُوا مِنْهُ لِأَنَّهُ ٱسْتَمَالَ قُلُوبَ «جُمْهُورٍ كَثِيرٍ مِنَ ٱلْيُونَانِيِّينَ». فَهُمْ كَانُوا يَصُبُّونَ جُهُودَهُمْ عَلَى تَهْوِيدِ ٱلْيُونَانِيِّينَ ٱلْأُمَمِيِّينَ، وَرَاحُوا يُعَلِّمُونَهُمُ ٱلْأَسْفَارَ ٱلْعِبْرَانِيَّةَ. فَبَاتُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِمْ نَظْرَةً تَمَلُّكِيَّةً. وَإِذَا بِبُولُسَ «يَسْرِقُ» مِنْهُمْ هٰؤُلَاءِ ٱلْيُونَانِيِّينَ وَفِي عُقْرِ دَارِهِمْ أَيْضًا!
١٠ فَمَاذَا فَعَلَ ٱلْمُقَاوِمُونَ ٱلْيَهُودُ؟ يَكْشِفُ لُوقَا رَدَّةَ فِعْلِهِمْ، قَائِلًا: «وَغَارَ ٱلْيَهُودُ، فَٱتَّخَذُوا رِجَالًا أَشْرَارًا بَطَّالِينَ مِنْ سَاحَةِ ٱلسُّوقِ، وَأَلَّفُوا جَمْعًا مِنَ ٱلرَّعَاعِ، وَأَثَارُوا ٱلشَّغَبَ فِي ٱلْمَدِينَةِ. ثُمَّ هَجَمُوا عَلَى بَيْتِ يَاسُونَ وَطَلَبُوا إِحْضَارَهُمَا [بُولُسَ وَسِيلَا] إِلَى ٱلْحَشْدِ ٱلْهَائِجِ. وَلَمَّا لَمْ يَجِدُوهُمَا جَرُّوا يَاسُونَ وَبَعْضَ ٱلْإِخْوَةِ إِلَى حُكَّامِ ٱلْمَدِينَةِ، صَارِخِينَ: ‹إِنَّ هٰؤُلَاءِ ٱلَّذِينَ قَلَبُوا ٱلْمَسْكُونَةَ هُمْ حَاضِرُونَ هُنَا أَيْضًا، وَقَدْ أَضَافَهُمْ يَاسُونُ. وَهٰؤُلَاءِ كُلُّهُمْ يَعْمَلُونَ ضِدَّ مَرَاسِيمِ قَيْصَرَ، قَائِلِينَ إِنَّهُ يُوجَدُ مَلِكٌ آخَرُ هُوَ يَسُوعُ›». (اع ١٧:٥-٧) فَكَيْفَ أَثَّرَ جَمْعُ ٱلرَّعَاعِ هٰذَا فِي بُولُسَ وَمَنْ مَعَهُ؟
١١ بِمَ ٱتُّهِمَ بُولُسُ وَمَنْ مَعَهُ، وَإِلَى أَيِّ مَرْسُومٍ رُبَّمَا لَمَّحَ ٱلْمُتَّهِمُونَ؟ (اُنْظُرِ ٱلْحَاشِيَةَ.)
١١ تَخَيَّلْ هُجُومَ ٱلرَّعَاعِ ٱلْبَشِعَ عَلَى بَيْتِ يَاسُونَ. نَهْرٌ عَنِيفٌ هَائِجٌ يَجْتَاحُ كُلَّ مَا يَقِفُ فِي طَرِيقِهِ. هٰكَذَا هُمُ ٱلرَّعَاعُ، وَهٰكَذَا ٱخْتَارَ ٱلْيَهُودُ ٱلتَّخَلُّصَ مِنْ بُولُسَ وَسِيلَا! ثُمَّ بَعْدَ أَنْ «أَثَارُوا ٱلشَّغَبَ» فِي ٱلْمَدِينَةِ، حَاوَلُوا إِقْنَاعَ ٱلْحُكَّامِ بِخُطُورَةِ جُرْمِ ٱلرَّسُولِ وَمَنْ مَعَهُ. فَٱتَّهَمُوهُمْ أَوَّلًا بِأَنَّهُمْ «قَلَبُوا ٱلْمَسْكُونَةَ» مَعَ أَنَّهُمْ لَيْسُوا مَنْ أَغْرَقَ ٱلْمَدِينَةَ فِي ٱلْفَوْضَى. أَمَّا ٱلتُّهْمَةُ ٱلثَّانِيَةُ فَكَانَتْ أَخْطَرَ بِكَثِيرٍ. فَقَدْ زَعَمُوا أَنَّهُمْ يُنَادُونَ بِمَلِكٍ آخَرَ هُوَ يَسُوعُ، مُنْتَهِكِينَ بِذٰلِكَ مَرَاسِيمَ ٱلْإِمْبَرَاطُورِ.a
١٢ مَا مَدَى خُطُورَةِ وَضْعِ ٱلْمَسِيحِيِّينَ فِي تَسَالُونِيكِي؟
١٢ تَذَكَّرْ أَنَّ ٱلْقَادَةَ ٱلدِّينِيِّينَ وَجَّهُوا تُهْمَةً مُمَاثِلَةً إِلَى يَسُوعَ. فَقَدْ قَالُوا لِلْحَاكِمِ بِيلَاطُسَ: «وَجَدْنَا هٰذَا يُفْسِدُ أُمَّتَنَا . . . وَيَقُولُ إِنَّهُ هُوَ مَسِيحٌ مَلِكٌ». (لو ٢٣:٢) فَحَكَمَ عَلَيْهِ بِيلَاطُسُ بِٱلْمَوْتِ، إِذْ رُبَّمَا خَافَ أَنْ يَظُنَّ ٱلْإِمْبَرَاطُورُ أَنَّهُ غَضَّ ٱلطَّرْفَ عَنْ خِيَانَةٍ عُظْمَى. وَٱلْمَسِيحِيُّونَ فِي تَسَالُونِيكِي لَمْ يَكُونُوا أَفْضَلَ حَالًا مِنْ مُعَلِّمِهِمْ. يَذْكُرُ أَحَدُ ٱلْمَرَاجِعِ: «أَحْدَقَ بِهِمْ خَطَرٌ عَظِيمٌ جِدًّا. ‹فَمُجَرَّدُ ٱلتَّلْمِيحِ إِلَى خِيَانَةِ ٱلْأَبَاطِرَةِ أَوْدَى فِي أَغْلَبِ ٱلْأَحْيَانِ بِحَيَاةِ ٱلْمُتَّهَمِينَ›». فَهَلْ يُؤَدِّي هٰذَا ٱلْهُجُومُ ٱلضَّارِي ٱلْغَرَضَ مِنْهُ وَيَقْضِي عَلَى ٱلْمَسِيحِيِّينَ؟
١٣، ١٤ (أ) لِمَ فَشِلَ ٱلرَّعَاعُ فِي هُجُومِهِمْ؟ (ب) كَيْفَ تَصَرَّفَ بُولُسُ بِحَذَرٍ عَمَلًا بِمَشُورَةِ ٱلْمَسِيحِ، وَكَيْفَ نَقْتَدِي بِمِثَالِهِ؟
١٣ فَشِلَ ٱلرَّعَاعُ فِي وَضْعِ حَدٍّ لِعَمَلِ ٱلْكِرَازَةِ فِي تَسَالُونِيكِي. لِمَاذَا؟ مِنْ جِهَةٍ، لَمْ يَعْثُرُوا عَلَى بُولُسَ وَسِيلَا. وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، لَمْ يَقْتَنِعْ حُكَّامُ ٱلْمَدِينَةِ بِصِحَّةِ ٱلتُّهْمَتَيْنِ عَلَى مَا يَبْدُو. لِذٰلِكَ طَلَبُوا «كَفَالَةً» ثُمَّ أَطْلَقُوا سَرَاحَ يَاسُونَ وَسَائِرِ ٱلْإِخْوَةِ ٱلَّذِينَ ٱقْتِيدُوا إِلَيْهِمْ. (اع ١٧:٨، ٩) فِي هٰذِهِ ٱلْحَادِثَةِ، عَمِلَ ٱلرَّسُولُ بِمَشُورَةِ يَسُوعَ أَنْ يَكُونَ ٱلْمَسِيحِيُّونَ «حَذِرِينَ كَٱلْحَيَّاتِ، وَأَبْرِيَاءَ كَٱلْحَمَامِ»، فَتَفَادَى بِحِكْمَةٍ ٱلْخَطَرَ لِيُوَاصِلَ ٱلْبِشَارَةَ فِي مَنَاطِقَ أُخْرَى. (مت ١٠:١٦) مِنَ ٱلْوَاضِحِ إِذًا أَنَّهُ رَسَمَ خَطًّا فَاصِلًا بَيْنَ ٱلْجُرْأَةِ وَٱلتَّهَوُّرِ. فَكَيْفَ يَقْتَدِي ٱلْمَسِيحِيُّونَ ٱلْيَوْمَ بِمِثَالِهِ؟
١٤ غَالِبًا مَا يُهَيِّجُ رِجَالُ دِينِ ٱلْعَالَمِ ٱلْمَسِيحِيِّ ٱلرَّعَاعَ ضِدَّ شُهُودِ يَهْوَهَ. وَهُمْ أَيْضًا يَلْعَبُونَ بِعُقُولِ ٱلْحُكَّامِ مُحَرِّضِينَهُمْ عَلَى ٱلشُّهُودِ بِتُهْمَةِ إِثَارَةِ ٱلْفِتَنِ وَٱلْخِيَانَةِ. وَعَلَى غِرَارِ ٱلْمُقَاوِمِينَ فِي ٱلْقَرْنِ ٱلْأَوَّلِ، تَغْلِي ٱلْغَيْرَةُ فِي قُلُوبِهِمْ. وَلٰكِنْ تَحْتَ أَيِّ ظَرْفٍ كَانَ، لَا يُعَرِّضُ ٱلْمَسِيحِيُّونَ ٱلْحَقِيقِيُّونَ أَنْفُسَهُمْ لِلْخَطَرِ عَمْدًا. لِذٰلِكَ نَتَجَنَّبُ قَدْرَ ٱلْإِمْكَانِ مُوَاجَهَةَ مَنْ يَفْقِدُونَ أَعْصَابَهُمْ وَيَتَصَرَّفُونَ بِغَيْرِ عَقْلَانِيَّةٍ. وَنَسْعَى إِلَى مُوَاصَلَةِ عَمَلِنَا بِسَلَامٍ، فَنَخْتَارُ رُبَّمَا ٱلْعَوْدَةَ فِي وَقْتٍ لَاحِقٍ حِينَ يَهْدَأُ ٱلْجَوُّ.
«كَانَ هٰؤُلَاءِ أَشْرَفَ خُلُقًا» (اعمال ١٧:١٠-١٥)
١٥ كَيْفَ تَجَاوَبَ أَهْلُ بِيرِيَةَ مَعَ ٱلْبِشَارَةِ؟
١٥ حِرْصًا عَلَى سَلَامَةِ بُولُسَ وَسِيلَا، أَرْسَلَهُمَا ٱلْإِخْوَةُ إِلَى بِيرِيَةَ ٱلَّتِي تَبْعُدُ ٦٥ كلم تَقْرِيبًا. وَعِنْدَ وُصُولِهِمَا، ذَهَبَ بُولُسُ إِلَى ٱلْمَجْمَعِ وَخَاطَبَ ٱلْحَاضِرِينَ هُنَاكَ. وَكَمْ سَرَّهُ دُونَ شَكٍّ أَنْ يَخْطُبَ فِي حُضُورٍ مُتَعَطِّشٍ لِلْحَقِّ! فَقَدْ ذَكَرَ لُوقَا أَنَّ يَهُودَ بِيرِيَةَ كَانُوا «أَشْرَفَ خُلُقًا مِنَ ٱلَّذِينَ فِي تَسَالُونِيكِي، لِأَنَّهُمْ قَبِلُوا ٱلْكَلِمَةَ بِرَغْبَةٍ شَدِيدَةٍ، فَاحِصِينَ بِٱعْتِنَاءٍ ٱلْأَسْفَارَ ٱلْمُقَدَّسَةَ يَوْمِيًّا هَلْ هٰذِهِ ٱلْأُمُورُ هٰكَذَا». (اع ١٧:١٠، ١١) وَلٰكِنْ هَلْ تَحُطُّ كَلِمَاتُهُ هٰذِهِ مِنْ شَأْنِ يَهُودِ تَسَالُونِيكِي ٱلَّذِينَ ٱعْتَنَقُوا ٱلْحَقَّ؟ إِطْلَاقًا! فَقَدْ رَاسَلَهُمْ بُولُسُ فِي وَقْتٍ لَاحِقٍ، قَائِلًا: «نَحْنُ أَيْضًا نَشْكُرُ ٱللّٰهَ بِلَا ٱنْقِطَاعٍ، لِأَنَّكُمْ لَمَّا تَسَلَّمْتُمْ كَلِمَةَ ٱللّٰهِ ٱلَّتِي سَمِعْتُمُوهَا مِنَّا، قَبِلْتُمُوهَا لَا كَكَلِمَةِ أُنَاسٍ، بَلْ كَمَا هِيَ حَقًّا كَكَلِمَةِ ٱللّٰهِ ٱلَّتِي تَعْمَلُ أَيْضًا فِيكُمْ أَنْتُمُ ٱلْمُؤْمِنِينَ». (١ تس ٢:١٣) فَلِمَ ٱلْقَوْلُ إِذًا إِنَّ يَهُودَ بِيرِيَةَ كَانُوا «أَشْرَفَ خُلُقًا»؟
١٦ لِمَ ٱسْتَحَقَّ أَهْلُ بِيرِيَةَ ٱلْمَدْحَ مِنْ لُوقَا؟
١٦ رَغْمَ أَنَّ أَهْلَ بِيرِيَةَ كَانُوا يَسْمَعُونَ مَعْلُومَاتٍ جَدِيدَةً، لَمْ يَرْتَابُوا فِيهَا وَلَا بَالَغُوا فِي ٱنْتِقَادِهَا. لٰكِنَّهُمْ فِي ٱلْوَقْتِ نَفْسِهِ لَمْ يُقَابِلُوهَا بِسَذَاجَةٍ. فَقَدْ أَصْغَوْا أَوَّلًا بِٱنْتِبَاهٍ إِلَى بُولُسَ، ثُمَّ تَحَقَّقُوا مِمَّا تَعَلَّمُوهُ بِٱلرُّجُوعِ إِلَى ٱلْأَسْفَارِ ٱلْمُقَدَّسَةِ ٱلَّتِي شَرَحَهَا لَهُمْ. أَضِفْ إِلَى ذٰلِكَ أَنَّهُمُ ٱجْتَهَدُوا فِي دَرْسِ كَلِمَةِ ٱللّٰهِ كُلَّ يَوْمٍ، لَا يَوْمَ ٱلسَّبْتِ فَقَطْ. وَقَدِ ٱتَّخَذُوا كُلَّ هٰذِهِ ٱلْخُطُوَاتِ «بِرَغْبَةٍ شَدِيدَةٍ» بَاذِلِينَ غَايَةَ جُهْدِهِمْ فِي ٱلتَّنْقِيبِ عَنِ ٱلْحَقَائِقِ ٱلْمُخَبَّأَةِ فِي ٱلْأَسْفَارِ ٱلْمُقَدَّسَةِ عَلَى ضَوْءِ مَا تَعَلَّمُوهُ حَدِيثًا. وَفَوْقَ هٰذَا كُلِّهِ تَحَلَّوْا بِٱلتَّوَاضُعِ ٱللَّازِمِ لِصُنْعِ ٱلتَّغْيِيرَاتِ، «فَصَارَ كَثِيرُونَ مِنْهُمْ مُؤْمِنِينَ». (اع ١٧:١٢) فَهَلْ مِنْ عَجَبٍ أَنْ يُشِيدَ لُوقَا بِذِكْرِهِمْ؟!
١٧ لِمَ مِثَالُ أَهْلِ بِيرِيَةَ جَدِيرٌ بِٱلِٱقْتِدَاءِ، وَكَيْفَ نُوَاصِلَ ٱلتَّمَثُّلَ بِهِمْ بِصَرْفِ ٱلنَّظَرِ عَنْ عَدَدِ ٱلسِّنِينَ ٱلَّتِي قَضَيْنَاهَا فِي ٱلْحَقِّ؟
١٧ لَمْ يَعْرِفْ أَهْلُ بِيرِيَةَ أَنَّ تَجَاوُبَهُمْ مَعَ ٱلْبِشَارَةِ سَيُحْفَظُ فِي كَلِمَةِ ٱللّٰهِ وَيَتَرَدَّدُ صَدَاهُ حَتَّى يَوْمِنَا هٰذَا. غَيْرَ أَنَّهُمْ حَقَّقُوا آمَالَ بُولُسَ وَفَعَلُوا بِٱلضَّبْطِ مَا يَطْلُبُهُ يَهْوَهُ ٱللّٰهُ. وَبِشَكْلٍ مُمَاثِلٍ، نُشَجِّعُ نَحْنُ أَيْضًا ٱلنَّاسَ عَلَى تَفَحُّصِ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ بِدِقَّةٍ، فَيُبْنَى إِيمَانُهُمْ بِشَكْلٍ مَتِينٍ عَلَيْهِ. وَلٰكِنْ هَلِ ٱلِٱقْتِدَاءُ بِأَهْلِ بِيرِيَةَ ضَرُورِيٌّ فَقَطْ لِمَنْ يَدْرُسُونَ ٱلْحَقَّ؟ قَطْعًا لَا! بَلْ عَلَى ٱلْعَكْسِ، تَتَضَاعَفُ بِمُرُورِ ٱلْوَقْتِ حَاجَتُنَا أَنْ نَتَعَلَّمَ مِنْ يَهْوَهَ بِرَغْبَةٍ شَدِيدَةٍ وَنُطَبِّقَ مَا نَتَعَلَّمُهُ دُونَمَا تَأْخِيرٍ. وَهٰكَذَا نُتِيحُ لِأَنْفُسِنَا ٱلْفُرْصَةَ أَنْ يَصُوغَنَا يَهْوَهُ وَيُدَرِّبَنَا وَفْقَ مَشِيئَتِهِ. (اش ٦٤:٨) فَنَظَلُّ نَافِعِينَ لِأَبِينَا ٱلسَّمَاوِيِّ وَمَرْضِيِّينَ جِدًّا أَمَامَهُ.
١٨، ١٩ (أ) لِمَ غَادَرَ بُولُسُ بِيرِيَةَ، وَكَيْفَ أَعْرَبَ عَنْ مُثَابَرَةٍ جَدِيرَةٍ بِٱلِٱقْتِدَاءِ؟ (ب) أَيْنَ كَرَزَ بُولُسُ تَالِيًا، وَمِمَّنْ تَأَلَّفَ حُضُورُهُ؟
١٨ لَمْ يُطِلْ بُولُسُ ٱلْمُكُوثَ فِي بِيرِيَةَ. نَقْرَأُ: «حِينَ عَلِمَ ٱلْيَهُودُ ٱلَّذِينَ مِنْ تَسَالُونِيكِي أَنَّ بُولُسَ يُنَادِي بِكَلِمَةِ ٱللّٰهِ فِي بِيرِيَةَ أَيْضًا، جَاءُوا إِلَى هُنَاكَ لِيُحَرِّضُوا ٱلْحُشُودَ وَيُهِيجُوهُمْ. حِينَئِذٍ أَرْسَلَ ٱلْإِخْوَةُ بُولُسَ حَالًا لِيَذْهَبَ إِلَى ٱلْبَحْرِ، أَمَّا سِيلَا وَتِيمُوثَاوُسُ فَبَقِيَا هُنَاكَ. وَٱلَّذِينَ رَافَقُوا بُولُسَ أَتَوْا بِهِ إِلَى أَثِينَا، ثُمَّ رَحَلُوا بَعْدَمَا أَخَذُوا وَصِيَّةً إِلَى سِيلَا وَتِيمُوثَاوُسَ بِأَنْ يَأْتِيَا إِلَيْهِ بِأَسْرَعِ مَا يُمْكِنُ». (اع ١٧:١٣-١٥) لَمْ يَكْتَفِ يَهُودُ تَسَالُونِيكِي بِطَرْدِ بُولُسَ مِنْ مَدِينَتِهِمْ، بَلْ سَافَرُوا إِلَى بِيرِيَةَ وَحَاوَلُوا أَنْ يُعِيدُوا ٱلْكَرَّةَ هُنَاكَ أَيْضًا. حَقًّا، عِنَادٌ مَا بَعْدَهُ عِنَادٌ! لٰكِنَّ جُهُودَهُمْ كُلَّهَا ذَهَبَتْ هَبَاءً. فَقَدْ عَرَفَ بُولُسُ أَنَّ مُقَاطَعَتَهُ شَاسِعَةٌ، فَٱنْتَقَلَ بِكُلِّ بَسَاطَةٍ لِلْكِرَازَةِ فِي بُقْعَةٍ أُخْرَى. وَفِي ذٰلِكَ مِثَالٌ لَنَا. فَلْنَعْقِدِ ٱلْعَزْمَ عَلَى إِحْبَاطِ أَيِّ مَسْعًى يَهْدِفُ إِلَى إِيقَافِ عَمَلِ ٱلْكِرَازَةِ!
١٩ لَا شَكَّ أَنَّ بُولُسَ تَعَلَّمَ ٱلْكَثِيرَ عَنْ أَهَمِّيَّةِ ٱلْكِرَازَةِ بِجُرْأَةٍ وَٱلْمُحَاجَّةِ مَنْطِقِيًّا مِنَ ٱلْأَسْفَارِ ٱلْمُقَدَّسَةِ بَعْدَمَا أَدَّى شَهَادَةً كَامِلَةً لِيَهُودِ تَسَالُونِيكِي وَبِيرِيَةَ. وَنَحْنُ بِدَوْرِنَا ٱسْتَقَيْنَا دُرُوسًا قَيِّمَةً مِنْ تَفَحُّصِ هٰذِهِ ٱلْحَوَادِثِ. لٰكِنَّ ٱلرَّسُولَ كَانَ سَيُوَاجِهُ فِي مُقَاطَعَتِهِ ٱلتَّالِيَةِ حُضُورًا مُخْتَلِفًا كُلِّيًّا، أَلَا وَهُوَ أُمَمِيُّو أَثِينَا. فَمَاذَا جَرَى فِي تِلْكَ ٱلْمَدِينَةِ؟ هٰذَا مَا يُنَاقِشُهُ ٱلْفَصْلُ ٱلتَّالِي.
a وَفْقًا لِأَحَدِ ٱلْعُلَمَاءِ، كَانَ هُنَاكَ فِي تِلْكَ ٱلْفَتْرَةِ مَرْسُومٌ أَصْدَرَهُ قَيْصَرُ يَمْنَعُ ٱلتَّنَبُّؤَ «بِقِيَامِ مَمْلَكَةٍ جَدِيدَةٍ أَوْ مَلِكٍ جَدِيدٍ، وَخُصُوصًا فِي حَالِ قِيلَ إِنَّ هٰذَا ٱلْمَلِكَ سَيُحَاسِبُ ٱلْإِمْبَرَاطُورَ ٱلْحَالِيَّ أَوْ يَحِلُّ مَحَلَّهُ». وَمِنَ ٱلْمُرَجَّحِ أَنَّ أَعْدَاءَ بُولُسَ شَوَّهُوا رِسَالَتَهُ وَصَوَّرُوهَا عَلَى أَنَّهَا ٱنْتِهَاكٌ لِهٰذَا ٱلْمَرْسُومِ. اُنْظُرِ ٱلْإِطَارَ «اَلْقَيَاصِرَةُ فِي حِقْبَةِ أَعْمَالِ ٱلرُّسُلِ».