-
ارضنا المتلَفة — الاعتداءات تضرب مناطق كثيرةاستيقظ! ١٩٩٣ | كانون الثاني (يناير) ٢٢
-
-
ارضنا المتلَفة — الاعتداءات تضرب مناطق كثيرة
في حزيران السنة الماضية، عُقدت قمة الارض حول البيئة في ريو دي جانيرو، البرازيل. وتزامنًا معها، نشرت الهند اليوم، في ذلك الشهر عينه، مقالة افتتاحية بقلم مساعد رئيس تحريرها راج تشنْڠاپا. وكانت بعنوان «الارض الجريح.» وقد رسمت فقراتها الافتتاحية صورة حية:
«في السنة ١٩٧١ عندما طار إدڠار ميتشل الى القمر على متن اپولو ١٤، دفعته لمحته الاولى للارض من الفضاء الى التعبير عن بهجته. ‹انها تبدو كجوهرة زرقاء وبيضاء متلألئة . . . مزيَّنة بحُجُب من البياض تدور ببطء . . . مثل لؤلؤة صغيرة في بحر اسود كثيف من الغموض،› هذه هي المشاعر الفيَّاضة التي ارسلها لاسلكيا الى هيوستن.
«ولو أُرسل ميتشل من جديد الى الفضاء، بعد احدى وعشرين سنة، وهذه المرة بنظارات خصوصية تسمح له برؤية غازات غلاف الارض الجوي غير المرئية، لاستقبله منظر مختلف جدا. فسيرى ثقوبا عملاقة في حُجُب الاوزون الواقية فوق القارة القطبية الجنوبية واميركا الشمالية. وبدلا من جوهرة زرقاء وبيضاء متلألئة سيرى ارضا متَّسخة لا بريق لها ممتلئة سحبا قاتمة دوّارة من ثاني اكسيدَي الكربون والكبريت.
«ولو اخرج ميتشل كاميرته والتقط صورا لغطاء الارض من الغابات وقارنها بالتي التقطها في السنة ١٩٧١، لَصعقه مقدار تقلُّصه. ولو فتح تلسكوپه الخصوصي لمساعدته على فحص القَذَر في مياه الارض، لَرأى شُرُطا من السم تجتاز مساحات الارض الواسعة وكُتَلا قاتمةً من القار تغطي جزءا كبيرا من قاع المحيط. ولَعاد وأرسل لاسلكيا، ‹هيوستن، ماذا تُرانا فعلنا؟›
«وفي الواقع، لسنا بحاجة الى الانطلاق ٠٠٠,٣٦ كلم [٠٠٠,٢٢ ميل] في الفضاء لنعرف ماذا فعلنا. فاليوم يمكننا ان نشرب، نتنشق، نشم ونرى التلوُّث. ففي غضون ١٠٠ سنة، وخصوصا في الـ ٣٠ سنة الماضية، اوصلت الكائنات البشرية الارضَ الى شفير الكارثة. وبقذف كمية مفرطة من الغازات التي تحصر الحرارة في الجو نُحدث تغييرات مناخية موهِنة. والغازات التي تُستعمل في براداتنا ومكيفات هوائنا هي الآن مسؤولة عن استنفاد طبقة الاوزون الواقية، مما يعرِّضنا لسرطان الجلد ويغيِّر بِنى المورِّثات في الحيوانات الاصغر. وفي هذه الاثناء افسدنا مساحات شاسعة من الارض، دمرنا غابات بنِسَب انتحارية، ألقينا اطنانا من السم في الانهر دون تمييز ودفقنا مواد كيميائية سامة في بحارنا.
«والآن اكثر من ايّ شيء آخر يأتي تهديد البشرية من تدمير بيئة الارض. ويلزم عمل عالمي الابعاد لايقاف المحرقة.»
وبعد تعداد المشاكل الكثيرة المتعلقة بالبيئة والتي ينبغي للامم ان تركِّز على حلِّها، يختم راج تشنْڠاپا مقالته الافتتاحية بهذه الكلمات: «كل هذا يجب ان يُنجز دون تأخير. لأن التهديد لم يعد تهديدا لمستقبل اولادكم. انه الآن. وهو هنا.»
لذلك يتجمَّع اطباء الارض. تُعقد المؤتمرات، تُقدَّم العلاجات، ولكنهم عاجزون عن ان يتفقوا. انهم يتجادلون. ‹ليست مريضة حقا،› يقول البعض. ‹انها على فراش الموت!› يصرخ آخرون. وتتزايد الخطابات المنمَّقة، تتكاثر العلاجات، يماطل الاطباء، فيما تتدهور صحة المريض. ولا يُصنع ايّ شيء. فهم بحاجة الى القيام بدراسات اضافية. ويكتبون وصفات طبية بأدوية لا تُركَّب ابدا. ويا للأسف، فالكثير جدا من هذا هو مجرد وسيلةِ اعاقةٍ للسماح للتلويث بأن يستمر وللأرباح بأن تتراكم. فلا يحصل المريض ابدا على الدواء، تزداد اسقامه، تشتد الازمة، ويستمر إتلاف الارض.
ان الارض والحياة عليها معقدتان جدا، محبوكتان معا حبكًا يصعب حلُّه. وقد جرت الاشارة الى ملايين المخلوقات الحية المرتبط احدها بالآخر بأنها شبكة الحياة. اقطعوا خيطا فتتفكك الشبكة. أَسقطوا قطعة دومينو واحدة فتقع عشرات القطع الاخرى. وهذا ما يوضحه قطْعُ غابة مطيرة مدارية.
بواسطة التخليق الضوئي تأخذ الغابة المطيرة ثاني اكسيد الكربون من الهواء وتعيد الاكسجين اليه. تشرب كميات هائلة من مياه المطر لكنها لا تستعمل إلا القليل جدا في صنع طعامها. فالكمية العظمى منها تعود في دورتها الى الجو كبخار ماء. وهناك تشكِّل سُحبَ مطرٍ جديدة من اجل سقوط امطار اضافي وضروري للغابة المطيرة ولملايين النباتات والحيوانات الحية التي تغذِّيها تحت ظُلَّتها الخضراء.
ثم تُقطع الغابة المطيرة. فيبقى ثاني اكسيد الكربون في الجو كغطاء فيحبس حرارة الشمس. قليل من الاكسجين يضاف الى الجو لفائدة الحيوانات. وقليل من المطر يعود في دورة من اجل سقوط امطار اضافي. وأيّ مطر يسقط يندفع على وجه الارض في سيول، حاملا معه التربة الفوقية الضرورية لنمو النباتات من جديد. فتتوحل المجاري المائية والبحيرات، فيموت السمك. ويُحمل الطَّمْي الى المحيطات ويغطي الشعابَ الاستوائية، فتموت. وتختفي ملايين النباتات والحيوانات التي ازدهرت ذات مرة تحت الظُّلَّة الخضراء، وتقل الامطار الغزيرة التي روت الارض في ما مضى، وتبدأ عملية التصحُّر الطويلة والبطيئة. واذكروا ان الصحراء الكبرى في افريقيا كانت خضراء في ما مضى، أما اليوم فإن هذا الامتداد الرملي الاكبر على الارض يزحف نحو اجزاء من اوروپا.
في قمة الارض، استعملت الولايات المتحدة وبلدان غنية اخرى الضغطَ في محاولة لحمل البرازيل وبلدان نامية اخرى على ايقاف قطْع غاباتها المطيرة. «تشير الولايات المتحدة،» وفقا لرسالة اخبارية للـ نيويورك تايمز، «ان الغابات، وخصوصا الغابات المدارية، تُدمَّر بنسبة تنذر بالخطر في العالم النامي وأن الكوكب برمَّته سيكون الخاسر. وتشير ان الغابات هي مقتنى عالمي قيِّم يساعد على ضبط المناخ بامتصاص ثاني اكسيد الكربون الذي يحصر الحرارة وهي مخزن لعدد كبير من الانواع الحية في العالم.»
وسرعان ما اتى الاتّهام بالرياء من الامم النامية. فهي، وفقا لِـ ذا نيويورك تايمز، «تمتعض مما تعتبره محاولة لانتقاص سيادتها من قِبل البلدان التي قطعت منذ زمن طويل اشجارها الخاصة من اجل الربح ولكنها الآن تريد ان تُلقي الحمل الرئيسي لحفظ الغابة العالمية على البلدان التي تجاهد من اجل البقاء الاقتصادي.» وعبَّرت دبلوماسية ماليزية عن ذلك بصراحة: «نحن طبعا لن نبقي غاباتنا محفوظة من اجل اولئك الذين دمروا غاباتهم الخاصة والذين يحاولون الآن الادعاء ان غاباتنا هي جزء من ميراث الجنس البشري.» ففي الشمال الغربي الپاسيفيكي، بقي للولايات المتحدة ١٠ في المئة فقط من غاباتها المطيرة العذراء، وهي لا تزال تُقطع، في حين تريد من البرازيل، التي لا تزال تملك ٩٠ في المئة من غاباتها الامازونية، ان توقف كل قطْع.
ان الذين يكرزون للآخرين، ‹لا تدمروا غاباتكم،› في حين يدمرون غاباتهم الخاصة، يذكِّرون بأولئك الموصوفين في رومية ٢:٢١-٢٣: «فأنت اذًا الذي تعلِّم غيرك ألست تعلِّم نفسك. الذي تكرز ان لا يُسرق أتسرق. الذي تقول ان لا يُزنى أتزني. الذي تستكره الاوثان أتسرق الهياكل. الذي تفتخر بالناموس أبتعدِّي الناموس تهين اللّٰه.» او بصيغة بيئية، ‹انت الذي تكرز، «احفظ غاباتك،» أتقطع غاباتك الخاصة؟›
ان الاهتمامات بشأن الدفء العالمي ترتبط على نحو وثيق بتدمير الغابات. فالديناميكيات الكيميائية والحرارية معقدة، ولكنَّ الاهتمام يتركَّز بشكل اولي على مادة كيميائية واحدة في الجو، ثاني اكسيد الكربون. فهو عامل مهم في تسخين الارض. وقد اخبر باحثون من مركز بيرد للابحاث القطبية السنة الماضية ان «جميع الانهار الجليدية الجبلية المتوسطة والقليلة الارتفاع تذوب وتتراجع الآن — وبعضها بسرعة لا يُستهان بها — وأن السجل الجليدي الذي تحويه هذه الانهار الجليدية يُظهر ان الـ ٥٠ سنة الاخيرة كانت ادفأ بكثير من ايّ فترة ٥٠ سنة اخرى» مسجَّلة. فالقليل جدا من ثاني اكسيد الكربون يمكن ان يعني طقسا ابرد؛ والكثير جدا يمكن ان يعني ذوبان القلانس الثلجية والانهار الجليدية القطبية وغَمْر المدن الساحلية.
وفي ما يتعلق بثاني اكسيد الكربون قالت الهند اليوم:
«قد يشكل مجرد جزء ضئيل من غازات الغلاف الجوي: ٠٣,. في المئة من المجموع. ولكن دون ثاني اكسيد الكربون، يكون كوكبنا باردا كالقمر. فبحصر الحرارة التي تشع من سطح الارض، يضبط درجات الحرارة العالمية لتكون ١٥ درجة مئوية داعمة للحياة. ولكن اذا زادت كمِّيته، يمكن ان تتحول الارض الى حمَّام بخاري عملاق.
«واذا كانت معلومات محطات مراقبة الطقس العالمية شيئا يُعتمد عليه، فمن الملحّ فعل شيء تجاه الامر. لقد شهدت الثمانينات ستة من احرِّ الاصياف السبعة منذ بدأ تسجيل المعلومات عن الطقس قبل نحو ١٥٠ سنة. والمتَّهم الظاهر: زيادة ٢٦ في المئة لثاني اكسيد الكربون في الغلاف الجوي على المستوى الذي سبق الثورة الصناعية.»
ويُعتقد ان المصدر هو ٨,١ بليون طن من ثاني اكسيد الكربون يُقذف سنويا بحرق الوقود الاحفوري. والمعاهدة التي كانت مرجوَّة لممارسة رقابة اكثر على انبعاثات ثاني اكسيد الكربون لُطِّفت في قمة الارض الاخيرة بحيث، كما قيل، «رفعت حرارة» علماء المناخ هناك. واحتدَّ احدهم الى حد القول: «لا يمكننا ان نستمر في العمل كما لو ان شيئا لم يحدث. فهو واقع لا يقبل الجدل ان الحساب المصرفي العالمي للغازات قد فقد توازنه. ويجب فعل شيء ما، وإلّا فسيكون لدينا قريبا ملايين اللاجئين البيئيين.» وكان يشير الى اولئك الذين سيهربون من مواطنهم المغمورة بالماء.
وثمة مسألة ملحة اخرى تتعلق بما يسمى ثقوبا تظهر في طبقة الاوزون التي تحمي الارض من الاشعة فوق البنفسجية المسبِّبة السرطان. والمتَّهم الرئيسي هو الـ CFC (مركَّبات كلورو فلور الكربون). فهي تُستعمل في التبريد، تكييف الهواء، والمذيبات المنظِّفة وكعميلات ارغاء blowing agents في صنع اللدائن الممدَّدة plastic foams. ولا تزال تُقذف في بعض البلدان بواسطة رَشاش المراذيذ. وعندما تبلغ الغلاف الطبقي stratosphere، تحلّها اشعة الشمس فوق البنفسجية، فيُطلَق الكلور الحُرّ free chlorine، ويمكن لكل ذرَّة منه ان تدمر على الاقل ٠٠٠,١٠٠ جزيء من الاوزون. والثقوب، مناطق بمستويات منخفضة من الاوزون على نحو بالغ، تُخلَّف في طبقة الاوزون، في القارة القطبية الجنوبية وفي المناطق الشمالية على السواء، مما يعني ان مزيدا من الاشعة فوق البنفسجية يبلغ الارض.
تقتل هذه الاشعة العوالقَ النباتية phytoplankton والعوالقَ القشرية krill، وهما اساس سلسلة المحيط الغذائية. وتحدث الطفرات mutations في جزيئات الـ DNA التي تحتوي على الكود الوراثي genetic code للحياة. فتتأثر المحاصيل. وتسبب الاشعة سدود العين وسرطانات الجلد في البشر. وعندما وجد باحثو الـ NASA تركيزات عالية من اول اكسيد الكلور فوق المناطق الشمالية للولايات المتحدة، كندا، اوروپا، وروسيا، قال احد الباحثين: «يجب تنبيه الجميع الى الخطر في ذلك. فالامر اسوأ بكثير مما كنا نتصور.» وأخبر لستر براون، رئيس معهد مراقبة العالم: «يقدِّر العلماء ان الاستنفاد المتسارع لطبقة الاوزون في نصف الكرة الشمالي سيسبِّب ٠٠٠,٢٠٠ وفاة اضافية في الولايات المتحدة وحدها من سرطان الجلد خلال الـ ٥٠ سنة المقبلة. وعلى نطاق عالمي، فإن حياة الملايين في خطر.»
والتنوُّع الحيوي، ابقاء اكبر عدد ممكن من النباتات والحيوانات عاملا في مواطنه الطبيعية، هو اهتمام شائع آخر. فقد نشرت مجلة ديسكوڤر مقتطفا من الكتاب الجديد تنوُّع الحياة، لعالِم الاحياء ادوارد أُ. ويلسون، الذي فيه سجَّل انقراض آلاف انواع الطيور، السمك، والحشرات، بالاضافة الى انواع يُصرف النظر عنها عادةً بصفتها غير مهمة: «ان الكثير من الانواع المتلاشية هو فطور جذرية mycorrhizal fungi، اشكال تكافلية symbiotic تعزز امتصاص المواد المغذِّية بواسطة اجهزة جذور النباتات. وطالما تساءل علماء البيئة عما يمكن ان يحدث لأنظمة الاراضي البيئية اذا أُزيلت هذه الفطور، وهذا ما سنكتشفه سريعا.»
وفي ذلك الكتاب طرح ويلسون ايضا هذا السؤال عن اهمية انقاذ الانواع وأجاب عنه:
«وأيّ فرق يصنعه انقراض بعض الانواع، وحتى اختفاء نصف الانواع كلها على الارض؟ دعوني أعدِّد الطرائق. ستُفقد مصادر جديدة للمعرفة العلمية. ستُدمَّر ثروة احيائية واسعة محتملة. والادوية، المحاصيل، العقاقير الصيدلانية، الخشب، الالياف، عجينة الورق، النبات المجدِّد التربة، بدائل النفط، وغيرها من المنتجات وأسباب الراحة التي لم تتوافر حتى الآن لن ترى النور ابدا. لقد أَلِف بعض الناس نبذ ما يكون صغيرا وغير معروف، الحشرات والاعشاب الضارة، ناسين أن عثة غير معروفة من اميركا اللاتينية انقذت مراعي اوستراليا من النمو المفرط للصبَّير، أن نبات العِناقية الوردية rosy periwinkle زوَّد العلاج لداء هدجكِن Hodgkin’s disease وابيضاض الدم اللمفاوي عند الاطفال، أن لحاء الطقسوس yew الپاسيفيكي يمنح الامل لضحايا سرطان المبيض والثدي، أن مادة كيميائية من لعاب العَلَق تذيب جلطات الدم في اثناء العمليات الجراحية، وهكذا دواليك ضمن قائمة صارت طويلة وشهيرة بالرغم من الطبيعة الادنى للبحث المنصبِّ الى ذلك.
«وبالاستغراق في تفكير حالم بذاكرة مفقودة يكون من السهل ايضا التغاضي عن الخدمات التي تزوِّدها الانظمة البيئية للبشرية. فهي تجعل التربة خصبة وتخلق الهواء عينه الذي نتنشقه. وبدون اسباب الراحة هذه سيكون الوجود الباقي للجنس البشري رديئا وقصيرا.»
وكما يقول المثل — الذي صار مبتذلا بسبب التكرار ولكنه يُستعمل لانه يلائم الوصف تماما — ان ما سبق ذكره هو ‹فقط الجزء الظاهر من الجبل الجليدي.› فمتى سينتهي إتلاف الارض؟ ومَن سينهيه؟ تعطي المقالة التالية الجواب.
[النبذة في الصفحة ٤]
الصحراء الكبرى في افريقيا كانت خضراء في ما مضى
[النبذة في الصفحة ٥]
‹انت الذي تكرز، «احفظ غاباتك،» أتقطع غاباتك الخاصة؟›
[النبذة في الصفحة ٥]
القليل جدا من ثاني اكسيد الكربون — طقس ابرد
الكثير جدا منه — أنهار جليدية تذوب
[النبذة في الصفحة ٦]
«ايّ فرق يصنعه انقراض بعض الانواع؟»
[النبذة في الصفحة ٦]
بدون هذه العضويات الدقيقة، سيكون وجود الجنس البشري قصيرا ورديئا
[الصورتان في الصفحة ٧]
غابة الامازون المطيرة، بكل جمالها الاصلي
غابة مطيرة اخرى، بعد ان اتلفها الانسان
[مصدر الصور]
Abril Imagens/João Ramid
F4/R. Azoury/Sipa
[الصورة في الصفحة ٨]
نفاية كيميائية سامة تلوِّث الهواء، الماء، والتربة
[مصدر الصورة]
Feig/Sipa
-
-
انقاذ الارض قريباستيقظ! ١٩٩٣ | كانون الثاني (يناير) ٢٢
-
-
انقاذ الارض قريب
ستيڤن م. وولف، رئيس مجلس ادارة الخطوط الجوية المتحدة والمسؤول التنفيذي الاول، قال في مقالة افتتاحية: «سواء كان المرء من انصار المحافظة على الموارد الطبيعية او لا، فما لا يمكن انكاره هو ان الشبح الذي يرفرف فوق الحياة البرية والبراري المعرَّضة للخطر يلقي ظلالا على كل الارض — وفي النهاية، يهدِّد وجود جميع الانواع، بما فيها الجنس البشري. وكما قيل، ‹نحن لم نحبك شبكة الحياة؛ نحن مجرد خيط فيها. وكل ما نفعله بالشبكة انما نفعله بأنفسنا.›» وكان محقا في ما قاله.
وقال ايضا في مقالته الافتتاحية: «نحن السبب. ونحن الحل الوحيد.» في هذا كان نصف محق فقط. فنحن السبب؛ ولسنا الحل. فنحن لا نبدي اية علامات تدلُّ اننا نصير كذلك. صحيح انه قد أُحرز تقدُّم، ولكنه ضئيل اذا اخذنا بعين الاعتبار الضرر المستمر في كل الارض.
في السنة الماضية كتب آل ڠور الارض في الميزان — علم البيئة والروح البشرية. انه كتاب يحذر من الازمة البيئية المتزايدة على نطاق عالمي، وفيه ذكر هذه العبارة ذات المغزى: «كلما بحثتُ بعمق اكثر عن جذور الازمة البيئية العالمية، اقتنعت اكثر بأنها دليل خارجي على ازمة داخلية هي، بسبب عدم وجود كلمة افضل، روحية.»
انها فعلا ازمة ذات طبيعة روحية. انها انحلال للروح البشرية. انها استعداد للتضحية بجمال الارض الطبيعي وثرواتها، بحياة الآلاف من الانواع النباتية والحيوانية، وحتى بصحة الناس وحياتهم. وعلاوة على ذلك، انها عدم اعتبار تام للاولاد والحفداء الذين سيلزمهم ان يواجهوا الارض المخرَّبة التي خُلِّفت. انها ايضا عدم اعتبار بغيض وقاسٍ للذي خلق الارض وصمَّمها كموطن للجنس البشري.
تعيِّن اشعياء ٤٥:١٨ هوية يهوه بصفته «خالق السموات هو اللّٰه. مصوِّر الارض وصانعها. هو قررها. لم يخلقها باطلا. للسكن صوَّرها.» وفي البدء وَضَع الانسان على الارض ليحفظها: «اخذ الرب الاله آدم ووضعه في جنة عدن ليعملها ويحفظها.» (تكوين ٢:١٥) ومع انه خُلق كاملا، تخلَّى آدم عن الكمال ليتَّبع هواه. تخلَّى عن واجبه ان ‹يحفظ الارض.›
ويستمر هذا الفشل الى يومنا، والتخريب الحالي للارض قد اصبح شديد الهول. «اللّٰه صنع الانسان مستقيما. أما هم فطلبوا اختراعات كثيرة.» (جامعة ٧:٢٩) «لقد تصرفوا بشكل مخرِّب من تلقاء انفسهم؛ انهم ليسوا اولاده، والعيب هو عيبهم. جيل متعوج وملتو!» (تثنية ٣٢:٥، عج) ومع ذلك، ستبقى الارض للسكن، ولكن ليس من قِبل جيل متعوج وملتو. فقد قال صاحب المزمور انه في وقت اللّٰه المعيَّن، ‹الصديقون فقط يرثونها.› — مزمور ٣٧:٢٩.
اهتمام يهوه بالارض
عندما اكمل يهوه خلقه للارض، «رأى . . . كل ما عمله فإذا هو حسن جدا.» وأراد ان يبقى كذلك. وكان قد غرس جنة جميلة في عدن ووضع الانسان آدم هناك ليحفظها. والنباتات التي نمت هناك لم تكن لاستعمال الانسان وحده. قال اللّٰه: «لكل حيوان الارض وكل طير السماء وكل دبابة على الارض فيها نفس حية اعطيت كل عشب اخضر طعاما.» — تكوين ١:٣٠، ٣١.
والناموس الموسوي، عندما أُعطي في وقت لاحق لاسرائيل، صنع تدبيرا لحفظ الارض. كل سنة سابعة كانت «للارض سبت عطلة.» وما نما من تلقاء ذاته خلال تلك الفترة لم يكن ليُحصد بل كان سيُجعل متوافرا للفقراء وبهائمهم وللحيوان الذي في ارضهم. — لاويين ٢٥:٤-٧.
ظهر اهتمام يهوه بحفظ الانواع عندما جعل ازواجا من الحيوانات الحية تدخل الفلك وقت الطوفان ايام نوح. وظهر هذا الاهتمام ايضا في عهد الناموس. مثلا، ان الثور الذي يدرس الحب بالدوس لم يكن ليُكَمّ. فكان له الحق في اكل بعض الحب. والثور لم يكن ليُقرَن بحمار للحراثة. فكان ذلك سيصير امرا جائرا بالنسبة الى الحيوان الاصغر والاضعف. ودابة التحميل التي للجار كان يجب ان تُساعَد اذا وُجدت في مأزق، حتى لو كان صاحبها عدوا للمرء، وحتى لو عنى ذلك القيام بعمل في السبت. (خروج ٢٣:٤، ٥؛ تثنية ٢٢:١، ٢، ١٠؛ ٢٥:٤؛ لوقا ١٤:٥) وكان من الممكن اخذ البيض او الفراخ من عش طائر، ولكن ليس الطائر الام. فكان يجب ان تُترك لاستمرار الانواع. وقال يسوع انه بالرغم من القيمة الزهيدة للعصافير، ‹فواحد منها لا يسقط على الارض بدون معرفة اللّٰه.› — متى ١٠:٢٩؛ تثنية ٢٢:٦، ٧.
قال المرنم الملهم: «السموات سموات للرب. أما الارض فأعطاها لبني آدم.» (مزمور ١١٥:١٦) وقال يسوع في متى ٥:٥: «طوبى للودعاء. لانهم يرثون الارض.» فهل تعتقدون ان هذا الميراث من اللّٰه سيكون ارضا ملوثة؟ اذا كنتم تملكون بيتا جميلا وكنتم ستتركونه لاولادكم، فهل تسمحون للمستأجرين الذين يلحقون الضرر بالمنزل والارض حوله بأن يبقوا فيه؟ أفلا تطردونهم وتقومون بالتصليحات قبل تركه لاولادكم؟
هذا ما فعله يهوه قبل ان يُدخل الاسرائيليين الى الارض التي وعدهم بها. فكان الكنعانيون قد لوَّثوا الارض بفسادهم الادبي الفاحش، ولهذا السبب طردهم يهوه. وفي الوقت نفسه، حذَّر الاسرائيليين انهم اذا لوَّثوا الارض كما فعل الكنعانيون، فسيُطردون هم ايضا. والرواية مسجَّلة في لاويين ١٨:٢٤-٢٨:
«بكل هذه [سفاح القربى، السدومية، البهيمية، ذنب سفك الدم] لا تتنجسوا لانه بكل هذه قد تنجس الشعوب الذين انا طاردهم من امامكم فتنجست الارض. فأجتزي ذنبها منها فتقذف الارض سكانها. لكن تحفظون انتم فرائضي وأحكامي ولا تعملون شيئا من جميع هذه الرَّجَسات لا الوطني ولا الغريب النازل في وسطكم. لان جميع هذه الرَّجَسات قد عملها اهل الارض الذين قبلكم فتنجست الارض. فلا تقذفكم الارض بتنجيسكم اياها كما قذفت الشعوب التي قبلكم.»
لكنَّ اسرائيل لوَّثت الارض بارتكاب اعمال الفساد الادبي الفاحشة عينها التي ارتكبها الكنعانيون. واذ صدق في كلامه، طرد يهوه اسرائيل بإرسال البابليين ليأخذوهم اسرى الى بابل. وقبل ان يحدث ذلك بزمن طويل، وجَّه نبي يهوه اشعياء التحذير الى الاسرائيليين: «هوذا الرب يخلي الارض ويفرغها ويقلب وجهها ويبدِّد سكانها. والارض تدنست تحت سكانها لأنهم تعدوا الشرائع غيَّروا الفريضة نكثوا العهد الابدي. لذلك لعنة اكلت الارض وعوقب الساكنون فيها. لذلك (قلَّ عدد) سكان الارض وبقي اناس قلائل.» — اشعياء ٢٤:١، ٥، ٦.
الهلاك للذين يهلكون الارض
واليوم نحن في وضع مشابه. فالكتب، المجلات، الصحف، التلفزيون، افلام الڤيديو، ووسائل الاعلام تعكس عموما مجتمعا منحرفا جنسيا، وحشيا بعنف، وفاسدا سياسيا. والشركات التجارية الجشعة تلوِّث البيئة بشكل لاأخلاقي، حتى انها ترسل المنتجات المحظورة في اممها الغنية، لأنها تشكل خطرا على الصحة، الى البلدان النامية حيث لا تكون اجراءات وقائية كهذه سارية المفعول. والمسيحيون يجري تحذيرهم من مسلك كهذا:
«فأقول هذا وأشهد في الرب ان لا تسلكوا في ما بعد كما يسلك سائر الامم ايضا ببطل ذهنهم اذ هم مظلمو الفكر ومتجنبون عن حياة اللّٰه لسبب الجهل الذي فيهم بسبب غلاظة قلوبهم. الذين اذ هم قد فقدوا الحس اسلموا نفوسهم للدعارة ليعملوا كل نجاسة في الطمع.» — افسس ٤:١٧-١٩؛ ٢ تيموثاوس ٣:١-٥.
الروح البشرية والبيئة كلتاهما ملوَّثتان. والارض لها انظمتها الداخلية للضبط والتوازن. ولسبب سقوط الانسان في الخطية، اصبح الضمير البشري، ضابطه الداخلي الخاص، فاسدا، الامر الذي يؤدي الى تلوُّث الارض باستمرار. والآن، اللّٰه وحده قادر على ضبط الانسان. واللّٰه وحده قادر على انقاذ الارض. وفي الرؤيا ١١:١٨ عندنا التأكيد انه سيفعل ذلك، اذ يعد يهوه اللّٰه ‹بإهلاك الذين كانوا يهلكون الارض.›
-