-
الجزء ١ — شهود الی اقصی الارضشهود يهوه — منادون بملكوت اللّٰه
-
-
الفصل ٢٢
الجزء ١ — شهود الى اقصى الارض
هذا هو الجزء الاول من خمسة اجزاء في فصل واحد يخبر كيف بلغ نشاط شهود يهوه كل مكان في الارض. والجزء ١، الذي يغطي الحقبة من سبعينات الـ ١٨٠٠ حتى السنة ١٩١٤، هو في الصفحات ٤٠٤ الى ٤٢٢. والمجتمع البشري لم يشفَ قط من الاضطرابات التي سبَّبتها الحرب العالمية الاولى، التي بدأت سنة ١٩١٤. تلك كانت السنة التي طالما اثبت تلاميذ الكتاب المقدس انها تسم نهاية ازمنة الامم.
قبل صعوده الى السماء، فوَّض يسوع المسيح المهمة الى رسله، قائلا: «تكونون لي شهودا . . . الى اقصى الارض.» (اعمال ١:٨) وسبق فأنبأ ايضا بأنه «يُكرز ببشارة الملكوت هذه في كل المسكونة شهادة لجميع الامم.» (متى ٢٤:١٤) وهذا العمل لم يُكمَل في القرن الاول. والجزء الاعظم منه يجري في الازمنة العصرية. وسجل انجازه من سبعينات الـ ١٨٠٠ الى الوقت الحاضر مثير حقا.
مع ان تشارلز تاز رصل صار معروفا بشكل واسع بسبب محاضراته المعلَن عنها جيدا حول الكتاب المقدس، لم يكن اهتمامه بمجرد الحضور الكبير وانما بالناس. وهكذا، بُعيد ابتدائه بنشر برج المراقبة في السنة ١٨٧٩، شرع في رحلة واسعة النطاق لزيارة فرق صغيرة من قرَّاء المجلة كي يناقش معهم الاسفار المقدسة.
حثَّ ت. ت. رصل اولئك الذين آمنوا بوعود كلمة اللّٰه الثمينة ان يكون لهم دور في مشاركة الناس الآخرين في هذه الوعود. والذين تأثرت قلوبهم بعمق بما كانوا يتعلَّمونه اظهروا غيرة حقيقية في فعل ذلك. وللمساعدة في العمل، زُوِّدت مواد مطبوعة. فظهر عدد من النشرات في وقت باكر من السنة ١٨٨١. والمواد فيها جُمعت بعد ذلك مع معلومات اضافية لتشكّل المطبوعة الاكثر شمولا طعام للمسيحيين المفكرين، وأُعدّ ٠٠٠,٢٠٠,١ نسخة منها للتوزيع. فكيف كان ممكنا لفرقة تلاميذ الكتاب المقدس الصغيرة (ربما ١٠٠ في ذلك الوقت) ان توزع كل هذه؟
بلوغ روَّاد الكنائس
أُعطي بعضها للاقرباء والاصدقاء. ووافق عدد من الصحف على ارسال نسخة الى كلٍّ من مشتركيها. (وشُدِّد خصوصا على الصحف الاسبوعية والشهرية لكي تبلغ المطبوعة طعام للمسيحيين المفكرين اناسا كثيرين يسكنون في مناطق ريفية.) ولكنَّ مقدارا كبيرا من التوزيع أُنجز في ايام آحاد متعاقبة عديدة امام الكنائس في الولايات المتحدة وبريطانيا. ولم يكن هنالك ما يكفي من تلاميذ الكتاب المقدس لفعل كل ذلك شخصيا، فاستأجروا آخرين للمساعدة.
ارسل الاخ رصل اثنين من عشرائه، ج. سي. سانْدِرْلِن و ج. ج. بِندر، الى بريطانيا للإشراف على توزيع ٠٠٠,٣٠٠ نسخة هناك. فذهب الاخ سانْدِرْلِن الى لندن، فيما سافر الاخ بِندر شمالا الى أسكتلندا ثم تابع طريقه جنوبا. ومُنحت المدن الاكبر انتباها رئيسيا. وبواسطة اعلانات الصحف، حُدِّدت اماكن رجال مقتدرين، وصُنعت معهم عقود للترتيب من اجل ما يكفي من المساعدين كي يوزعوا حصتهم من النسخ. فجُنِّد نحو ٥٠٠ موزع في لندن وحدها. فجرى العمل بسرعة، في يومَي احد متعاقبين.
في تلك السنة عينها، صُنعت ترتيبات من اجل تلاميذ الكتاب المقدس الذين يستطيعون ان يصرفوا بشكل مطلق نصف وقتهم او اكثر في عمل الرب لكي يصيروا موزعين جائلين للمطبوعات المساعدة على درس الكتاب المقدس. وهؤلاء السابقون للمعروفين اليوم بالفاتحين حقَّقوا انتشارا رائعا حقا للبشارة.
خلال العقد التالي، اعدَّ الاخ رصل تنوُّعا من النشرات التي يمكن استعمالها بسهولة لنشر بعض حقائق الكتاب المقدس البارزة التي جرى تعلُّمها. وكتب ايضا عدة مجلدات من الفجر الالفي (المعروفة لاحقا بـ دروس في الاسفار المقدسة). ثم ابتدأ يقوم برحلات تبشيرية شخصية الى بلدان اخرى.
رصل يسافر الى الخارج
في السنة ١٨٩١ زار كندا، حيث كان قد تولَّد منذ السنة ١٨٨٠ ما يكفي من الاهتمام ليُعقد الآن محفل في تورونتو حضره ٧٠٠. وسافر ايضا الى اوروپا في السنة ١٨٩١ ليرى ما يمكن فعله لتعزيز انتشار الحق هناك. وهذه الرحلة اخذته الى ايرلندا، أسكتلندا، انكلترا، كثير من البلدان في القارة الاوروپية، روسيا (المنطقة المعروفة الآن بمولدوڤا)، والشرق الاوسط.
فماذا استنتج من احتكاكه بالناس في هذه الرحلة؟ «لم نرَ ايّ انفتاح او ميل الى الحق في روسيا . . . ولم نرَ ما يشجعنا على الرجاء بأيّ حصاد في ايطاليا او تركيا او النمسا او المانيا،» ذكر، «لكنَّ النَّروج، السويد، الدنمارك، سويسرا، وخصوصا انكلترا، ايرلندا، وأسكتلندا، هي حقول جاهزة وتنتظر الحصاد. وهذه الحقول يبدو انها تصرخ، تعالوا وساعدونا!» كان ذلك عصرا لا تزال فيه الكنيسة الكاثوليكية تحرّم قراءة الكتاب المقدس، فيما كان كثيرون من الپروتستانت يهجرون كنائسهم، وكان عدد ليس بقليل، اذ خيَّبتهم الكنائس، يرفضون الكتاب المقدس كليا.
ولمساعدة اولئك الناس الذين كانوا جياعا روحيا، بُذلت جهود مكثَّفة بعد رحلة الاخ رصل في السنة ١٨٩١ لترجمة المطبوعات بلغات اوروپا. وصُنعت الترتيبات ايضا لطبع وخزن مؤن المطبوعات في لندن لكي تصير متوافرة للاستعمال بسهولة اكثر في بريطانيا. وتبيَّن حقا ان الحقل البريطاني مستعد للحصاد. فبحلول السنة ١٩٠٠، كانت هنالك تسع جماعات ومجموع من ١٣٨ تلميذا للكتاب المقدس — بينهم بعض موزعي المطبوعات الجائلين الغيورين. وعندما زار الاخ رصل بريطانيا ثانية في السنة ١٩٠٣، اجتمع ألف في ڠلاسكو ليستمعوا اليه يتكلم عن «الآمال والتوقعات الالفية،» حضر ٨٠٠ في لندن، وحضر ٥٠٠ الى ٦٠٠ في البلدات الاخرى.
ومن ناحية اخرى، تأكيدا لملاحظات الاخ رصل، مرَّت ١٧ سنة بعد زيارته قبل ان تتشكل اول جماعة لتلاميذ الكتاب المقدس في ايطاليا، في پينيرولو. وماذا عن تركيا؟ في وقت متأخر من ثمانينات الـ ١٨٠٠، كرز بازِل سْتِفانوڤ في مقدونيا، في ما كان يُدعى آنذاك تركيا الاوروپية. ومع ان البعض بدوا مهتمين، قدَّم بعض الاشخاص الذين ادَّعوا انهم اخوة تقارير كاذبة، مما ادَّى الى سجنه. وليس حتى السنة ١٩٠٩ حدث ان وصلت رسالة من يوناني في سميرنا (الآن إزمير)، تركيا، تذكر ان فريقا هناك يدرس بتقدير مطبوعات برج المراقبة. أما بالنسبة الى النمسا، فقد رجع الاخ رصل نفسه في السنة ١٩١١ ليلقي خطابا في ڤيينا، ولكن لتقاطِع الاجتماع مجموعة من الرعاع. وفي المانيا ايضا، كان التجاوب المتسم بالتقدير بطيء البروز. ولكنَّ الإسكنديناڤيين اظهروا شعورا اقوى بحاجتهم الروحية.
الإسكنديناڤيون يشاركون احدهم الآخر
كان سويديون كثيرون يعيشون في اميركا. وفي السنة ١٨٨٣ توافرت نسخة نموذجية من برج المراقبة مترجمة بالسويدية للتوزيع بينهم. وسرعان ما وجدت هذه طريقها بالبريد الى الاصدقاء والاقرباء في السويد. ولم تكن قد أُنتجت بعدُ اية مطبوعات نَروجية. إلا انه، في السنة ١٨٩٢، السنة التي تلت رحلة الاخ رصل الى اوروپا، رجع كْنوت پايدَرْسن هامر، نَروجي تعلَّم الحق في اميركا، شخصيا الى النَّروج ليشهد لاقربائه.
ثم، في السنة ١٨٩٤، عندما ابتدأ نشر المطبوعات بالدنماركية والنَّروجية، أُرسل سوفوس ڤينتر، شاب دنماركي-اميركي في الـ ٢٥ من العمر، الى الدنمارك مع مخزون للتوزيع. وبحلول الربيع التالي، كان قد وزع ٥٠٠ مجلَّد من الفجر الالفي. وفي غضون وقت قصير، صار قليلون آخرون ممَّن قرأوا هذه المطبوعات يشتركون معه في العمل. ومن المؤسف انه لاحقا لم يعد يدرك قيمة الامتياز الثمين الذي كان لديه؛ لكنَّ آخرين استمروا في جعل النور يضيء.
ولكنَّ ڤينتر، قبل ان يترك الخدمة، قام بشيء من عمل موزعي المطبوعات الجائلين في السويد. وبُعيد ذلك، في بيت احد الاصدقاء في جزيرة ستوركو، رأى اوڠُست لُوندْبورڠ، نقيب شاب في جيش الخلاص، مجلَّدين من الفجر الالفي. فاستعارهما، قرأهما بتوق، استقال من الكنيسة، وابتدأ يخبر الآخرين بما تعلَّمه. وثمة شاب آخر، پ. ج. يوهانسن، تفتَّحت عيناه نتيجة لقراءة نشرة التقطها من على مقعد في منتزه.
واذ ابتدأ الفريق السويدي ينمو، ذهب البعض الى النَّروج لتوزيع مطبوعات الكتاب المقدس. وحتى قبل ذلك، وصلت المطبوعات الى النَّروج بالبريد من اقرباء في اميركا. وبهذه الطريقة حدث ان راسموس بلينتهايم بدأ بخدمة يهوه. وبين آخرين في النَّروج، تلقَّى تيودور سايمونسن، واعظ من «الارسالية الحرَّة،» الحق خلال تلك السنوات الباكرة. وشرع يدحض تعليم نار الهاوية في خطاباته في «الارسالية الحرَّة.» فقفز الحضور على اقدامهم من الاثارة بسبب هذه الانباء الرائعة؛ ولكن عندما عُلم انه يقرأ «الفجر الالفي،» صُرف من الكنيسة. إلا انه داوم على التكلم عن الامور الصالحة التي تعلَّمها. والشاب الآخر الذي تسلَّم بعض المطبوعات كان اندرياس آسِت. وحالما اقتنع بأنه وجد الحق، ترك مزرعة العائلة وباشر عمل موزعي المطبوعات الجائلين. ونظاميا، شقَّ طريقه شمالا، ثم جنوبا بمحاذاة الألسنة البحرية، دون ان يتجاهل ايّ مجتمع سكاني. وفي الشتاء كان يحمل مؤنه — الطعام، اللباس، والمطبوعات — على مزلج يُدفع بالقدم، وكان الناس المضيافون يزوِّدونه بأماكن للنوم. وفي رحلة دامت ثماني سنوات، غطى تقريبا كامل البلد بالبشارة.
وزوجة اوڠُست لُوندْبورڠ، إِبّا، ذهبت من السويد الى فنلندا لتقوم بعمل موزعي المطبوعات الجائلين في السنة ١٩٠٦. وفي الوقت نفسه تقريبا، جلب رجال عائدون من الولايات المتحدة بعض مطبوعات برج المراقبة معهم وشرعوا يخبرون بما كانوا يتعلَّمونه. وهكذا في غضون سنوات قليلة، حصل اميل اوسترمَن، الذي كان يتطلع الى شيء افضل مما تقدِّمه الكنائس، على نظام الدهور الالهي. واشترك فيه مع صديقه كارلو هارتِڤا، الذي كان يبحث ايضا. واذ ادرك هارتِڤا قيمة ما لديهما، ترجمه بالفنلندية، وبمساعدة اوسترمَن في التمويل، رتَّب ان يُنشر. ومعا شرعا يوزعانه. واذ اعربا عن روح التبشير الاصيلة، تحدثا الى الناس في الاماكن العامة، قاما بالزيارات من بيت الى بيت، وألقيا المحاضرات في قاعات استماع كبيرة كانت تمتلئ تماما من الحضور. وفي هلسنكي، بعد تشهير عقائد العالم المسيحي الباطلة، دعا الاخ هارتِڤا الحضور الى استخدام الكتاب المقدس للدفاع عن معتقد خلود النفس، اذا استطاعوا. فتحولت كل الانظار الى رجال الدين الحاضرين. فلم يتكلم احد؛ ولم يقدر احد ان يردَّ على العبارة الواضحة الموجودة في حزقيال ١٨:٤. وقال بعض الحاضرين انهم لن يتمكَّنوا من النوم في تلك الليلة بعد ان سمعوا ذلك.
بستاني متواضع يصير مبشرا في اوروپا
في هذه الاثناء، وبتشجيع من صديق مسنّ من مجدِّدي المعمودية، غادر ادولف وايبر سويسرا الى الولايات المتحدة بحثا عن فهم اكمل للاسفار المقدسة. وهناك، تجاوبا مع احد الاعلانات، صار بستانيا للاخ رصل. وبمساعدة نظام الدهور الالهي (المتوافر آنذاك بالالمانية) والاجتماعات التي كان يديرها الاخ رصل، نال ادولف معرفة الكتاب المقدس التي كان يبحث عنها، واعتمد في السنة ١٨٩٠. لقد ‹استنارت عينا قلبه› حتى انه قدَّر فعلا الفرصة الكبيرة التي انفتحت امامه. (افسس ١:١٨) وبعد الشهادة بغيرة مدة من الوقت في الولايات المتحدة، رجع الى مسقط رأسه ليباشر العمل «في كرم الرب» هناك. وهكذا، بحلول منتصف تسعينات الـ ١٨٠٠، عاد الى سويسرا ليشترك في حق الكتاب المقدس مع اولئك الذين قلوبهم متقبلة.
كان ادولف يحصِّل معيشته كبستاني ومراقب احراج، ولكنَّ اهتمامه الاول كان التبشير. فكان يشهد للذين يعمل معهم، وكذلك للناس في البلدات والقرى السويسرية المجاورة. وكان يعرف عدة لغات، فاستعمل هذه المعرفة ليترجم مطبوعات الجمعية بالفرنسية. وعندما يأتي الشتاء كان يملأ حقيبته التي تُحمل على الظهر بمطبوعات الكتاب المقدس ويمشي الى فرنسا، وأحيانا كان يسافر نحو الشمال الغربي الى بلجيكا وجنوبا الى ايطاليا.
ولبلوغ الناس الذين قد لا يتصل بهم شخصيا، نشر اعلانات في الصحف والمجلات، لافتا الانتباه الى المطبوعات المتوافرة لدرس الكتاب المقدس. فتجاوب ايلي تايرون، في فرنسا الوسطى، مع احد الاعلانات، ميَّز رنة الحق في ما قرأه، وسرعان ما بدأ هو نفسه بنشر الرسالة. وجان باتيست تيلمان، الاب، في بلجيكا، رأى ايضا احد الاعلانات في السنة ١٩٠١ وحصل على مجلَّدين من الفجر الالفي. ويا لبهجة رؤيته حق الكتاب المقدس معروضا بوضوح الى هذا الحد! فكيف يمكن ان يحجم عن إخبار اصدقائه! وبحلول السنة التالية، كان فريق درس يجتمع قانونيا في بيته. وبعد ذلك بوقت قصير صار نشاط هذا الفريق الصغير ينتج ثمرا حتى في شمالي فرنسا. أما الاخ وايبر فبقي على اتصال بهم، قائما دوريا بزيارة الفرق المختلفة التي تطوَّرت، بانيا اياهم روحيا ومانحا اياهم الارشادات حول كيفية الاشتراك في البشارة مع الآخرين.
عندما بلغت البشارة المانيا
بعد وقت قصير من ابتداء ظهور بعض المطبوعات بالالمانية، في منتصف ثمانينات الـ ١٨٠٠، ابتدأ الالمان-الاميركيون الذين قدَّروها يرسلون نسخا الى الاقرباء في مسقط رأسهم. ووزَّعت ممرضة تعمل في مستشفى في هامبورڠ على آخرين في المستشفى نسخا من الفجر الالفي. وفي السنة ١٨٩٦ كان ادولف وايبر، في سويسرا، ينشر اعلانات في الصحف التي تصدر باللغة الالمانية ويرسل النشرات بالبريد الى المانيا. وفي السنة التالية افتُتح في المانيا مستودع مطبوعات لتسهيل توزيع الطبعة الالمانية من برج المراقبة، لكنَّ النتائج كانت بطيئة. إلا انه في السنة ١٩٠٢ انتقلت مرڠريت دايموت، التي تعلَّمت الحق في سويسرا، الى تايلفينڠن، شرقي الغابة السوداء. فساعدت شهادتها الشخصية الغيورة على وضع الاساس لاحدى فرق تلاميذ الكتاب المقدس الباكرة في المانيا. وانتقل سامْويل لوپر، من سويسرا، الى برڠيشز لاند، شمال شرق كولون، لينشر البشارة في تلك المنطقة. وبحلول السنة ١٩٠٤، كانت الاجتماعات تُعقد هناك في ڤيرملسْكيرخِن. وكان بين الحاضرين رجل يبلغ الـ ٨٠ من العمر، ڠوتليپ پَس، الذي كان يبحث عن الحق. وعلى فراش موته، ليس طويلا بعد ابتداء تلك الاجتماعات، امسك پَس بمجلة برج المراقبة وقال: «هذا هو الحق؛ تمسكوا به.»
ازداد تدريجيا عدد المهتمين بحقائق الكتاب المقدس هذه. وعلى الرغم من الكلفة الكبيرة، صُنعت الترتيبات لادراج نسخ نموذجية مجانية من برج المراقبة في الصحف في المانيا. ونُشر تقرير في السنة ١٩٠٥ يقول ان اكثر من ٠٠٠,٥٠٠,١ نسخة من نماذج برج المراقبة هذه قد وُزِّع. فكان ذلك انجازا عظيما بالنسبة الى فريق صغير جدا.
لم يشعر جميع تلاميذ الكتاب المقدس انه ببلوغ الناس القريبين من بيوتهم ينجزون كل ما هو ضروري. فقديما في السنة ١٩٠٧ قام الاخ ايرلر، من المانيا، برحلات الى بوهيميا في ما كان آنذاك النمسا-المجر (لاحقا صارت جزءا من تشيكوسلوڤاكيا). فوزَّع مطبوعات تحذِّر من هرمجدون وتخبر بالبركات التي سينالها الجنس البشري بعد ذلك. وبحلول السنة ١٩١٢ وزَّع شخص آخر من تلاميذ الكتاب المقدس مطبوعات الكتاب المقدس في منطقة مَيْمل، في ما هو الآن ليثوانيا. فتجاوب كثيرون بحماسة مع الرسالة، وتشكَّلت هناك بسرعة عدة فرق كبيرة الى حد ما من تلاميذ الكتاب المقدس. ولكن، عندما علموا ان المسيحيين الحقيقيين يجب ان يكونوا ايضا شهودا، ابتدأت اعدادهم تتضاءل. إلا ان قليلين برهنوا انهم متمثلون حقيقيون بالمسيح، «الشاهد الامين الصادق.» — رؤيا ٣:١٤.
ونيكولاوس فون تورنُو، بارون الماني ذو املاك كثيرة في روسيا، عندما كان في سويسرا نحو السنة ١٩٠٧، تسلَّم احدى نشرات جمعية برج المراقبة. وبعد سنتين ظهر في جماعة برلين، في المانيا، مرتديا افضل لباس لديه ويرافقه خادمه الشخصي. ولزمه بعض الوقت ليقدِّر سبب استئمان اللّٰه شعبا متواضعا كهذا على حقائق لا تقدَّر بثمن، لكنَّ ما قرأه في ١ كورنثوس ١:٢٦-٢٩ كان مساعدا: «انظروا دعوتكم ايها الاخوة أن ليس كثيرون حكماء حسب الجسد ليس كثيرون اقوياء ليس كثيرون شرفاء . . . لكي لا يفتخر كل ذي جسد امامه [اللّٰه].» واذ اقتنع بأنه وجد الحق، باع فون تورنُو املاكه في روسيا ووقف نفسه وموارده لتعزيز مصالح العبادة النقية.
وفي السنة ١٩١١، عندما تزوج الفتى والفتاة الالمانيان، آل هِرْكِنْدِل، طلبت العروس من ابيها مالا، كهدية، لشهر عسل غير اعتيادي. فكانت هي وزوجها يفكِّران في القيام برحلة مضنية تستغرق اشهرا عديدة. وكان شهر عسلهما رحلة كرازية الى روسيا لبلوغ الناس الناطقين بالالمانية هناك. وهكذا بطرائق عديدة اشترك اناس من كل الانواع مع الآخرين في ما تعلَّموه عن قصد اللّٰه الحبي.
النمو في الحقل البريطاني
بعد توزيع كثيف للمطبوعات في بريطانيا في السنة ١٨٨١، رأى بعض روَّاد الكنائس الحاجة الى العمل وفق ما تعلَّموه. وكان توم هارت من إزْلينڠتُن، لندن، احد الذين تأثروا بمشورة برج المراقبة المؤسسة على الاسفار المقدسة، «اخرجوا منها يا شعبي» — اي اخرجوا من كنائس العالم المسيحي البابلية واتَّبعوا تعليم الكتاب المقدس. (رؤيا ١٨:٤) فاستقال من الكنيسة في السنة ١٨٨٤، وتبعه عدد من الآخرين.
وكثيرون ممَّن عاشروا فرق الدرس صاروا مبشرين فعَّالين. فكان البعض يقدِّمون مطبوعات الكتاب المقدس في منتزهات لندن والاماكن الاخرى حيث يطلب الناس الراحة. وكان آخرون يركِّزون على الاماكن التجارية. ولكنَّ الطريقة المعتادة اكثر كانت الزيارات من بيت الى بيت.
كتبت سارة فيرّي، مشتركة في برج المراقبة، الى الاخ رصل تقول انها هي وعدة اصدقاء في ڠلاسكو يرغبون في التطوع للاشتراك في توزيع النشرات. ويا لها من مفاجأة عندما توقفت شاحنة عند بابها تحمل ٠٠٠,٣٠ كراس، لتوزَّع جميعها مجانا! فبدأوا بالعمل. وميني ڠرينليز، مع ابنائها الاحداث الثلاثة، بواسطة عربة خفيفة يجرها حصان للتنقل، جاهدت من اجل توزيع مطبوعات الكتاب المقدس في الريف الأسكتلندي. ولاحقا، اذ سافر ألفرِد ڠرينليز وألكسندر ماڠيلِڤْراي على دراجتين، وزَّعا النشرات في معظم انحاء أسكتلندا. وبدلا من دفع المال الى الآخرين لتوزيع المطبوعات، كان هنالك الآن متطوعون منتذرون ينجزون العمل شخصيا.
قلوبهم دفعتهم
في احد امثاله، قال يسوع ان الناس الذين ‹يسمعون كلمة اللّٰه بقلب جيد صالح› يُثمرون. فالتقدير المخلص لتدابير اللّٰه الحبية يدفعهم الى الاشتراك مع الآخرين في البشارة عن ملكوت اللّٰه. (لوقا ٨:٨، ١١، ١٥) وبصرف النظر عن ظروفهم، يجدون وسيلة لفعل ذلك.
وهكذا من بحَّار ايطالي كان ان مسافرا ارجنتينيا حصل على كمية من الكراس طعام للمسيحيين المفكرين. وفيما هو في المرفإ في الپيرو، كتب المسافر من اجل المزيد، وباهتمام متزايد كتب ثانية، من الارجنتين في السنة ١٨٨٥، الى رئيس تحرير برج المراقبة ليطلب مطبوعات. وفي تلك السنة عينها، اخذ عضو في البحرية البريطانية، كان قد أُرسل مع سريته المدفعية الى سنڠافورة، برج المراقبة معه. فكان مسرورا بما تعلَّمه من المجلة واستخدمها بحرية هناك لاعلان نظرة الكتاب المقدس في ما يتعلق بالمواضيع التي كانت مسألة نقاش عام. وفي السنة ١٩١٠ رست سفينة في المرفإ في كولومبو، سيلان (الآن سْري لانكا)، وعلى متنها امرأتان مسيحيتان كانتا مسافرتين. فاغتنمتا الفرصة لتشهدا للسيد ڤان تْوِست، مدير الشحن في المرفإ. وتحدثتا اليه بحماس عن الامور الجيدة التي تعلَّمتاها من كتاب نظام الدهور الالهي. ونتيجة لذلك، صار السيد ڤان تْوِست تلميذا للكتاب المقدس، وأخذت الكرازة بالبشارة تتقدَّم في سْري لانكا.
وحتى اولئك الذين كانوا غير قادرين على السفر بحثوا عن طرائق لاخبار الناس في البلدان الاخرى بحقائق الكتاب المقدس المبهجة. وكما كُشف برسالة تقدير نُشرت في السنة ١٩٠٥، كان شخص ما في الولايات المتحدة قد ارسل نظام الدهور الالهي الى رجل في سانت توماس، في ما كان آنذاك جزر الهند الغربية الدنماركية. وبعد ان قرأه جثا المتسلِّم وعبَّر عن رغبته المخلصة ان يستخدمه اللّٰه في فعل مشيئته. وفي السنة ١٩١١، اشارت بِلونا فِرْڠَسُن في البرازيل الى حالتها بأنها «برهان ايجابي حي على انه ما من احد ابعد من الوصول اليه» بمياه الحق. فكما يتضح كانت تتسلَّم مطبوعات الجمعية بالبريد منذ السنة ١٨٩٩. وفي وقت ما قبل الحرب العالمية الاولى، وجد مهاجر الماني في پاراڠواي احدى نشرات الجمعية في صندوقه البريدي. فطلب المزيد من المطبوعات وسرعان ما قطع صلاته بكنائس العالم المسيحي. واذ لم يكن هنالك شخص آخر في البلد ليقوم بذلك، قرَّر هو وأخو زوجته ان يعمِّدا احدهما الآخر. حقا، أُعطيت الشهادة في اقصى الارض، وكانت مثمرة.
لكنَّ آخرين من تلاميذ الكتاب المقدس شعروا بالاندفاع الى السفر الى المكان الذي وُلدوا فيه هم او والدوهم كي يخبروا الاصدقاء والاقرباء عن قصد يهوه الرائع وكيفية الاشتراك فيه. وهكذا، في السنة ١٨٩٥، رجع الاخ اولِشْزاينْسكي الى پولندا ومعه البشارة عن «الفدية، الردّ والدعوة العليا»؛ لكنه، للاسف، لم يحتمل في تلك الخدمة. وفي السنة ١٨٩٨ غادر كندا پروفسور سابق، هنڠاري، لينشر رسالة الكتاب المقدس الملحة في موطنه. وفي السنة ١٩٠٥ رجع الى اليونان رجل كان قد صار تلميذا للكتاب المقدس في اميركا لكي يشهد. وفي السنة ١٩١٣ حمل شاب بزور حق الكتاب المقدس من نيويورك عائدا الى موطن عائلته، رام اللّٰه، ليس بعيدا عن اورشليم.
افتتاح منطقة البحر الكاريبي
فيما كان عدد المبشرين ينمو في الولايات المتحدة، كندا، وأوروپا، ابتدأ حق الكتاب المقدس ايضا يترسخ في پاناما، كوستاريكا، ڠِييانا الهولندية (الآن سورينام)، وڠِييانا البريطانية (الآن ڠَيانا). جوزيف بْراثْوايت، الذي كان في ڠِييانا البريطانية عندما جرت مساعدته على فهم قصد اللّٰه، غادر الى باربادوس في السنة ١٩٠٥ ليخصِّص وقته الكامل لتعليمه الناس هناك. لويس فايسي و ه. پ. كلارك، اللذان سمعا البشارة عندما كانا يعملان في كوستاريكا، عادا الى جامايكا في السنة ١٨٩٧ ليخبرا بايمانهما المكتشف حديثا بين شعبهما. وأولئك الذين اعتنقوا الحق هناك كانوا عاملين غيورين. وفي السنة ١٩٠٦ وحدها، وزَّع الفريق في جامايكا نحو ٠٠٠,٢٠٠,١ نشرة ومطبوعة اخرى. وعاد عامل مهاجر آخر، كان قد تعلَّم الحق في پاناما، الى ڠرانادا حاملا رسالة رجاء الكتاب المقدس.
والثورة في المكسيك في ١٩١٠-١٩١١ كانت عاملا آخر في جلب رسالة ملكوت اللّٰه الى الاشخاص الجياع الى الحق. فكثيرون من الناس هربوا شمالا الى الولايات المتحدة. وهناك اتصل بعضهم بتلاميذ الكتاب المقدس، تعلَّموا عن قصد يهوه ان يجلب سلاما دائما للجنس البشري، وأرسلوا مطبوعات الى المكسيك. ولكن، لم تكن هذه المرة الاولى التي تبلغ فيها هذه الرسالة المكسيك. فقديما في السنة ١٨٩٣، نشرت برج المراقبة رسالة من ف. دي پ. ستيڤنسُن، من المكسيك، الذي كان قد قرأ بعض مطبوعات جمعية برج المراقبة وأراد ان يحصل على المزيد لكي يخبر اصدقاءه في المكسيك وأوروپا على السواء.
ولافتتاح المزيد من بلدان البحر الكاريبي امام الكرازة بحق الكتاب المقدس ولتنظيم اجتماعات قانونية للدرس، ارسل الاخ رصل إ. ج. كاوارد الى پاناما في السنة ١٩١١ ثم الى الجزر. كان الاخ كاوارد خطيبا مشدِّدا في كلامه ومؤثرا، وكان الحضور يتدفقون بالمئات تكرارا لكي يسمعوا محاضراته التي تدحض عقيدتي نار الهاوية وخلود النفس البشرية، والتي تخبر ايضا بمستقبل مجيد للارض. وتنقَّل من بلدة الى بلدة، ومن جزيرة الى اخرى — سانت لوسيا، دومينيكا، سانت كيتس، باربادوس، ڠرانادا، وترينيداد — بالغا اكبر عدد ممكن من الناس. وخطب ايضا في ڠِييانا البريطانية. وفيما كان في پاناما التقى و. ر. براون، اخ شاب غيور من جامايكا، الذي خدم لاحقا مع الاخ كاوارد في عدد من جزر البحر الكاريبي. وفي ما بعد، ساعد الاخُ براون على افتتاح حقول اخرى ايضا.
في السنة ١٩١٣، خطب الاخ رصل نفسه في پاناما، كوبا، وجامايكا. وامتلأت قاعتا استماع من اجل محاضرة عامة ألقاها في كينڠزتون، جامايكا، ووجب ايضا منع نحو ٠٠٠,٢ شخص من الدخول لسبب ضيق المكان. وعندما لم يقل الخطيب شيئا عن المال وعندما لم تؤخذ اية لمَّة، لاحظت الصحافة ذلك.
نور الحق يبلغ افريقيا
وافريقيا ايضا اخترقها نور الحق خلال هذه الفترة. فقد كشفت رسالة مرسلة من لَيبيريا في السنة ١٨٨٤ ان قارئا للكتاب المقدس هناك حصل على نسخة من طعام للمسيحيين المفكرين وأراد المزيد لتوزيعه على الآخرين. وبعد ذلك بسنوات قليلة، أُخبر ان رجل دين في لَيبيريا ترك منبره لكي يكون حرا لتعليم حقائق الكتاب المقدس التي كان يتعلَّمها بمساعدة برج المراقبة وأن اجتماعات قانونية يعقدها هناك فريق من تلاميذ الكتاب المقدس.
وأخذ قَس من هولندا في الكنيسة المُصلَحة الهولندية بعض مطبوعات ت. ت. رصل معه عندما أُرسل الى جنوب افريقيا في السنة ١٩٠٢. ومع انه لم يستفد منها بشكل دائم، إلا ان فرانس آيْبِرْسُن و سْتوفِل فُوري، اللذين رأيا المطبوعات في مكتبته، استفادا منها. وبعد سنوات قليلة، تعزَّزت الصفوف في ذلك الجزء من الحقل عندما هاجر اثنان من تلاميذ الكتاب المقدس الغيورين من أسكتلندا الى دوربان، جنوب افريقيا.
من المؤسف انه بين اولئك الذين حصلوا على المطبوعات التي كتبها الاخ رصل ثم علَّموا آخرين شيئا منها، كان هنالك قليلون، مثل جوزيف بوث وإيليوت كَمْوانا، ممَّن ادخلوا افكارهم الخاصة، التي كانت مصمَّمة للتحريض على التغيير الاجتماعي. وبالنسبة الى بعض المراقبين في جنوب افريقيا ونياسالَنْد (لاحقا ملاوي)، مال ذلك الى تشويش هوية تلاميذ الكتاب المقدس الحقيقيين. ومع ذلك كان كثيرون يسمعون ويُظهرون التقدير للرسالة التي لفتت الانتباه الى ملكوت اللّٰه بصفته الحل لمشاكل الجنس البشري.
أما في ما يتعلق بالانتشار الواسع للكرازة في افريقيا، فكان ذلك لا يزال في المستقبل.
الى المشرق وجزر الپاسيفيك
بُعيد توزيع مطبوعات الكتاب المقدس التي اعدَّها ت. ت. رصل في بريطانيا اولا، وصلت ايضا الى المشرق. ففي السنة ١٨٨٣، تسلَّمت الآنسة سي. ب. داونينڠ، مرسلة مشيخية في جِفو (يَنْتاي)، الصين، نسخة من برج المراقبة. فقدَّرت ما تعلَّمته عن الردّ وأعطت المطبوعة لمرسلين آخرين، بمن فيهم هورِس راندِل، المقترن بمجلس الارسالية المعمدانية. ولاحقا اثار اهتمامَه اكثر اعلانٌ عن الفجر الالفي ظهر في تايمز اللندنية، وتبعت ذلك نسختان من الكتاب نفسه — واحدة من الآنسة داونينڠ وأخرى ارسلتها امه في انكلترا. في البداية، صدمه ما قرأه. ولكن حالما اقتنع بأن الثالوث ليس تعليما للكتاب المقدس، استقال من الكنيسة المعمدانية وشرع يخبر المرسلين الآخرين بما تعلَّمه. وفي السنة ١٩٠٠ أَخبر انه ارسل ٣٢٤,٢ رسالة ونحو ٠٠٠,٥ نشرة الى المرسلين في سَيام (تايلند)، الصين، كوريا، واليابان. وفي ذلك الحين كان ان الشهادة أُعطيت بشكل رئيسي لمرسلي العالم المسيحي في المشرق.
خلال فترة الوقت عينها هذه، زُرعت بزور الحق ايضا في اوستراليا ونيوزيلندا. وأول هذه «البزور» التي وصلت الى اوستراليا ربما اخذها الى هناك في السنة ١٨٨٤ او بُعيد ذلك رجل اقترب اليه اولا احد تلاميذ الكتاب المقدس في منتزه في انكلترا. وأتت «بزور» اخرى بالبريد من اصدقاء وأقرباء وراء البحار.
وفي غضون سنوات قليلة بعد تشكُّل الكومُنْولث الاوسترالي في السنة ١٩٠١، صار مئات الاشخاص هناك مشتركين في برج المراقبة. ونتيجة لنشاط اولئك الذين ادركوا امتياز اخبار الآخرين الحق، أُرسلت آلاف النشرات الى الناس الذين كانت اسماؤهم في اللوائح الانتخابية. ووُزِّع المزيد في الشوارع، وقُذفت حُزَم منها عبر نوافذ القطارات الى العمال وساكني الاكواخ المنعزلين في المناطق النائية على طول خطوط السكة الحديدية. وجرى اشعار الناس بالنهاية الوشيكة لازمنة الامم في السنة ١٩١٤. وآرثر وليمز، الاب، تحدث عن ذلك الى جميع الزبائن في متجره في اوستراليا الغربية ودعا المهتمين الى بيته من اجل مناقشات اضافية.
أما مَن وصل الى نيوزيلندا اولا ومعه حق الكتاب المقدس فليس معروفا الآن. ولكن بحلول السنة ١٨٩٨، كان أندرو أندرسون، احد سكان نيوزيلندا، قد قرأ ما يكفي من مطبوعات برج المراقبة ليندفع الى نشر الحق هناك كموزع جائل للمطبوعات. وعزَّز جهوده في السنة ١٩٠٤ موزعون جائلون للمطبوعات آخرون اتوا من اميركا ومن مكتب فرع الجمعية الذي كان قد تأسس في تلك السنة نفسها في اوستراليا. وقبلت السيدة توماس باري، في كنيسة المسيح، ستة مجلَّدات من دروس في الاسفار المقدسة من احد موزعي المطبوعات الجائلين. فقرأها ابنها بيل في السنة ١٩٠٩ في خلال رحلة بالمركب لستة اسابيع الى انكلترا وأدرك صدق ما تحتويه. وبعد سنوات صار ابنه لويد عضوا في الهيئة الحاكمة لشهود يهوه.
وكان بين العاملين الغيورين في تلك الايام الباكرة أد نلسون، الذي، مع انه لم يكن لبقا جدا، خصَّص وقته الكامل طوال ٥٠ سنة لنشر رسالة الملكوت من الطرف الشمالي في نيوزيلندا الى الجنوب. وبعد سنوات قليلة، انضم اليه فرانك ڠروڤ، الذي نمَّى ذاكرته للتعويض عن البصر الضعيف والذي خدم ايضا كفاتح طوال اكثر من ٥٠ سنة حتى موته.
جولة عالمية لتعزيز الكرازة بالبشارة
بُذل جهد كبير اضافي في ١٩١١-١٩١٢ لمساعدة الناس في المشرق. فقد ارسلت جمعية تلاميذ الكتاب المقدس من جميع الامم لجنة من سبعة رجال، برئاسة ت. ت. رصل، لتفحُّص الاحوال هناك مباشرة. وحيثما ذهبوا كانوا يتكلمون عن قصد اللّٰه ان يجلب البركات للجنس البشري بواسطة الملكوت المسيَّاني. وأحيانا كان مستمعوهم قليلي العدد، ولكن في الفيليپين وفي الهند كان هنالك الآلاف. وهم لم يوافقوا على الحملة الشائعة آنذاك في العالم المسيحي لجمع الاموال من اجل هداية العالم. وكان تعليقهم ان معظم جهود مرسلي العالم المسيحي تُبذل لترويج الثقافة الدنيوية. لكنَّ الاخ رصل كان مقتنعا بأن ما يلزم الناس هو «انجيل تدبير اللّٰه الحبي لملكوت المسيَّا القادم.» وبدلا من توقع هداية العالم، فهم تلاميذ الكتاب المقدس من الاسفار المقدسة ان ما كان يجب فعله آنذاك هو تقديم شهادة وأن ذلك كان سيعمل على تجميع «نخبة قليلة من جميع الامم، الشعوب، القبائل والالسنة من اجل العضوية في صف عروس [المسيح] — ليجلسوا معه في عرشه خلال الالف السنة، متعاونين في عمل تحسين حالة الجنس البشري ككل.»a — رؤيا ٥:٩، ١٠؛ ١٤:١-٥.
بعد قضاء وقت في اليابان، الصين، الفيليپين، وأمكنة اخرى، اجتاز اعضاء اللجنة ٠٠٠,٤ ميل (٤٠٠,٦ كلم) اضافي من السفر في الهند. وقديما في السنة ١٨٨٧ قرأ بعض الافراد الساكنين في الهند مطبوعات الجمعية وكتبوا رسائل تعبيرا عن تقديرهم لها. وجرى القيام بشهادة فعَّالة ايضا بين الناس الناطقين بالتاميلية منذ السنة ١٩٠٥ بواسطة شاب كان، كتلميذ في اميركا، قد التقى الاخ رصل وتعلَّم الحق. وهذا الشاب ساعد على تأسيس نحو ٤٠ فريقا لدرس الكتاب المقدس في جنوب الهند. ولكن، بعد ان كرز للآخرين، صار هو نفسه مرفوضا اذ هجر المقاييس المسيحية. — قارنوا ١ كورنثوس ٩:٢٦، ٢٧.
ومن جهة اخرى، وفي الوقت نفسه تقريبا، أُرسل الى أ. ج. جوزيف، من تراڤنكور (كيرالا)، ردا على سؤال بعثه بالبريد الى مجيئي بارز، مجلَّد من دروس في الاسفار المقدسة. هنا وجد اجوبة من الاسفار المقدسة مانحة الاكتفاء عن اسئلته المتعلقة بالثالوث. وسرعان ما خرج هو وآخرون من اعضاء العائلة الى حقول الارزّ ومزارع جوز الهند في جنوب الهند يخبرون بمعتقداتهم المكتشفة حديثا. وبعد زيارة الاخ رصل في السنة ١٩١٢، شرع الاخ جوزيف في الخدمة كامل الوقت. وسافر بالقطار، على عربة يجرها ثور، بالمركب، وسيرا على القدمين لتوزيع مطبوعات الكتاب المقدس. وعندما كان يلقي المحاضرات العامة، غالبا ما كان يقاطعها رجال الدين وأتباعهم. وفي كُندَرا، عندما كان رجل دين «مسيحي» يستخدم أتباعه لمقاطعة اجتماع كهذا ولقذف الاخ جوزيف بالروث، جاء سيد هندوسي ذو نفوذ ليرى ما سبب هذه الضجة. فسأل رجلَ الدين: ‹هل هذا هو المثال الذي رسمه المسيح للمسيحيين ليتبعوه، ام ان ما تفعله هو مثل سلوك الفريسيين في زمن يسوع؟› فانسحب رجل الدين.
وقبل انتهاء الجولة العالمية التي قامت بها لجنة جمعية تلاميذ الكتاب المقدس من جميع الامم طوال اربعة اشهر، رتَّب الاخ رصل ان يكون ر. ر. هوليستر ممثل الجمعية في المشرق وأن يتابع نشر رسالة تدبير اللّٰه الحبي للملكوت المسيَّاني بين الشعوب هناك. فأُعدَّت نشرات خصوصية بعشر لغات، وقام موزعون محليون بتوزيع ملايين منها في كل انحاء الهند، الصين، اليابان، وكوريا. ثم تُرجمت الكتب بأربع من هذه اللغات لتزويد مزيد من الطعام الروحي لاولئك الذين يظهرون الاهتمام. هنا حقل واسع، وبقي الكثير لانجازه. ومع ذلك، فان ما أُنجز حتى ذلك الحين كان مذهلا حقا.
تقديم شهادة مؤثرة
قبل الخراب الذي سبَّبته الحرب العالمية الاولى، قُدِّمت شهادة واسعة حول العالم. فقد قام الاخ رصل برحلات خطابية الى مئات المدن في الولايات المتحدة وكندا، وشرع في رحلات متكررة الى اوروپا، وقدَّم خطابات في پاناما، جامايكا، وكوبا، وكذلك في مدن المشرق الرئيسية. وعشرات الآلاف من الاشخاص استمعوا شخصيا الى محاضراته المثيرة المؤسسة على الكتاب المقدس وكانوا يراقبون فيما كان يجيب علنا من الاسفار المقدسة عن الاسئلة التي يطرحها الاصدقاء والاعداء على السواء. وهكذا أُثير اهتمام كبير، ونشرت آلاف الصحف في اميركا، اوروپا، جنوب افريقيا، وأوستراليا قانونيا مواعظ الاخ رصل. ووزَّع تلاميذ الكتاب المقدس ملايين الكتب، وكذلك مئات الملايين من النشرات والمطبوعات الاخرى بـ ٣٥ لغة.
ومع ان دوره كان بارزا، لم يكن الاخ رصل الشخص الوحيد الذي قام بالكرازة. فآخرون ايضا، اذ كانوا متشتتين حول الكرة الارضية، كانوا يوحِّدون اصواتهم كشهود ليهوه ولابنه، يسوع المسيح. وأولئك الذين شاركوا لم يكونوا جميعا خطباء عامين. فقد اتوا من كل مسالك الحياة، واستخدموا كل وسيلة ملائمة تحت تصرفهم لنشر البشارة.
وفي كانون الثاني ١٩١٤، قبل نهاية ازمنة الامم بأقل من سنة، شُنَّت حملة شهادة مكثَّفة اخرى ايضا. وهذه هي «رواية الخلق المصوَّرة،» التي شدَّدت بطريقة جديدة على قصد اللّٰه للارض. وقد فعلت ذلك بواسطة صور منزلقة ملوَّنة مرسومة باليد بشكل جميل وصور متحركة متزامنة مع الصوت. والصحافة العامة في الولايات المتحدة اخبرت ان حضورا يبلغ مجموعه مئات الآلاف كانوا يشاهدونها اسبوعيا عبر البلد. وبحلول نهاية السنة الاولى، بلغ مجموع الحضور في الولايات المتحدة وكندا ما يقارب الثمانية ملايين. وفي لندن، انكلترا، تدفقت الجموع الى دار الاوپرا وقاعة ألبرت الملكية لمشاهدة هذا العرض المؤلَّف من اربعة اجزاء كل جزء لمدة ساعتين. وفي غضون نصف سنة، كان اكثر من ٠٠٠,٢٢٦,١ في ٩٨ مدينة في الجزر البريطانية قد حضروا. والجموع في المانيا وسويسرا ملأوا القاعات المتوافرة. وشاهدها ايضا حضور كبير في إسكنديناڤيا وجنوب الپاسيفيك.
يا للشهادة العالمية المكثَّفة الرائعة التي قُدِّمت خلال تلك العقود الباكرة من التاريخ الحديث لشهود يهوه! ولكنَّ العمل كان حقا في مجرد البداية.
بضع مئات فقط اشتركوا بنشاط في نشر حق الكتاب المقدس في اوائل ثمانينات الـ ١٨٠٠. وبحلول السنة ١٩١٤، استنادا الى التقارير المتوافرة، كان هنالك نحو ١٠٠,٥ يساهمون في العمل. والآخرون ربما وزَّعوا بين حين وآخر بعض النشرات. وكان العاملون قليلين نسبيا.
وبحلول الجزء الاخير من السنة ١٩١٤، كان فريق المبشرين الصغير هذا قد نشروا، بطرائق متنوعة، مناداتهم بملكوت اللّٰه في ٦٨ بلدا. وعملهم ككارزين ومعلِّمين بكلمة اللّٰه كان مؤسسا بشكل ثابت تماما في ٣٠ بلدا منها.
ملايين الكتب ومئات الملايين من النشرات وُزِّعت قبل انتهاء ازمنة الامم. وبالاضافة الى ذلك، بحلول السنة ١٩١٣، كانت هنالك ٠٠٠,٢ صحيفة تنشر قانونيا المواعظ التي يُعدُّها ت. ت. رصل، وفي السنة ١٩١٤، شاهد حضور يبلغ مجموعه اكثر من ٠٠٠,٠٠٠,٩ شخص في ثلاث قارات «رواية الخلق المصوَّرة.»
حقا، قُدِّمت شهادة مذهلة! ولكن كان هنالك اكثر بكثير سيأتي بعد.
[الحاشية]
a يَظهر تقرير كامل عن هذه الجولة العالمية في برج المراقبة ١٥ نيسان ١٩١٢ (بالانكليزية).
[الخريطة/الصورة في الصفحة ٤٠٥]
ألقى ت. ت. رصل شخصيا محاضرات من الكتاب المقدس في اكثر من ٣٠٠ مدينة (في المناطق المشار اليها بنُقَط) في اميركا الشمالية والبحر الكاريبي — ١٠ او ١٥ مرة في كثير منها.
[الخريطة]
(انظر المطبوعة)
[الخريطة في الصفحة ٤٠٧]
(انظر المطبوعة)
جولات رصل الكرازية في اوروپا، عادةً عن طريق انكلترا
١٨٩١
١٩٠٣
١٩٠٨
١٩٠٩
(مرتين) ١٩١٠
(مرتين) ١٩١١
(مرتين) ١٩١٢
١٩١٣
١٩١٤
[الخريطة/الصورة في الصفحة ٤٠٩]
عندما اقتنع بأنه وجد الحق، وزَّع اندرياس آسِت بغيرة مطبوعات الكتاب المقدس في كل ناحية من النَّروج تقريبا
[الخريطة]
(اطلب النص في شكله المنسَّق في المطبوعة)
النَّروج
الدائرة القطبية الشمالية
[الخريطة/الصورة في الصفحة ٤٠٨]
ادولف وايبر، بستاني متواضع، نشر البشارة من سويسرا الى بلدان اخرى في اوروپا
[الخريطة]
(اطلب النص في شكله المنسَّق في المطبوعة)
بلجيكا
المانيا
سويسرا
ايطاليا
فرنسا
[الخريطة/الصورة في الصفحة ٤١٢]
بِلونا فِرْڠَسُن، في البرازيل — «ما من احد ابعد من الوصول اليه»
[الخريطة]
(اطلب النص في شكله المنسَّق في المطبوعة)
البرازيل
[الخريطة في الصفحة ٤١٥]
(اطلب النص في شكله المنسَّق في المطبوعة)
ألاسكا
كندا
ڠرينلندا
سان پيير و ميكِلون
الولايات المتحدة الاميركية
برمودا
جزر بَهاما
جزر تيرك وكايكس
كوبا
المكسيك
بيليز
جامايكا
هايتي
جمهورية الدومينيكان
پورتو ريكو
جزر كَيْمان
ڠواتيمالا
السلڤادور
هُندوراس
نيكاراڠْوا
كوستاريكا
پاناما
ڤنزويلا
ڠَيانا
سورينام
ڠِييانا الفرنسية
كولومبيا
إكوادور
پيرو
البرازيل
بوليڤيا
پاراڠواي
تشيلي
الارجنتين
اورڠواي
جزر فوكلند
الجزر العذراء الاميركية
الجزر العذراء البريطانية
آنڠويلا
سانت مارتن
سابا
سانت يوستاشِس
سانت كيتس
نيڤِس
آنتيڠوا
مونتْسيرّات
ڠوادلوپ
دومينيكا
مارتينيك
سانت لوسيا
سانت ڤينسَنْت
باربادوس
ڠرانادا
ترينيداد
اروبا
بونير
كوراساو
المحيط الاطلسي
البحر الكاريبي
المحيط الپاسيفيكي
[الخريطة في الصفحتين ٤١٦ و ٤١٧]
(اطلب النص في شكله المنسَّق في المطبوعة)
ڠرينلندا
السويد
ايسلندا
نَروج
جزر فارو
فنلندا
روسيا
استونيا
لاتڤيا
ليثوانيا
بيلوروسيا
اوكرانيا
مولدوڤا
جورجيا
ارمينيا
أذَربَيْجان
تُركُمانستان
اوزبكْسْتان
قازاخستان
تاجيكستان
كيرجيستان
پولندا
المانيا
النَّذَرلند
الدنمارك
بريطانيا
ايرلندا
بلجيكا
لوكسمبورڠ
ليختَنْشْتاين
سويسرا
تشيكوسلوڤاكيا
النمسا
هنڠاريا
رومانيا
يوڠوسلاڤيا
سلوڤينيا
كرواتيا
البوسنة والهَرْسِك
بلغاريا
ألبانيا
ايطاليا
جبل طارق
اسپانيا
الپرتغال
ماديرا
المملكة المغربية
الصحراء الغربية
السنڠال
الجزائر
ليبيا
مصر
لبنان
اسرائيل
قبرص
سوريا
تركيا
العراق
ايران
البحرين
الكويت
الاردن
المملكة العربية السعودية
قطر
اتحاد الامارات العربية
عُمان
اليمن
جيبوتي
الصومال
إثيوپيا
السودان
تشاد
نَيجر
مالي
موريتانيا
ڠامبيا
غينيا-بيساو
سيراليون
لَيبيريا
ساحل العاج
غانا
توڠو
بينين
غينيا الاستوائية
سانت هيلانة
غينيا
بركينا فازو
نَيجيريا
جمهورية افريقيا الوسطى
الكَمَرون
سان توميه
كونڠو
ڠابون
زائير
آنڠولا
زامبيا
ناميبيا
بوتْسْوانا
جنوب افريقيا
ليسوتو
سْوازيلند
موزَمبيق
مدغشقر
ريونيون
موريشيوس
رودريڠس
زمبابوي
مايوت
جزر كومورو
سايشِل
ملاوي
تَنزانيا
بوروندي
رُوَندا
أوغندا
فرنسا
پاكستان
افغانستان
نيپال
بوتان
ميانمار
بنڠلادِش
الهند
سْري لانكا
اليونان
مالطة
تونس
كينيا
المحيط الاطلسي
المحيط الهندي
ألاسكا
مُنڠوليا
جمهورية كوريا الديموقراطية الشعبية
اليابان
جمهورية كوريا
الصين
ماكاو
تايوان
هونڠ كونڠ
لاوُس
تايلند
ڤيَتْنام
كَمبوديا
الفيليپين
بْروناي
ماليزيا
سنڠافورة
إندونيسيا
سايپان
روتا
ڠوام
ياپ
بيلاو
تشووك
پونپاي
كوسراي
جزر مارشال
ناوُورو
پاپوا غينيا الجديدة
اوستراليا
نيوزيلندا
جزيرة نورفوك
كاليدونيا الجديدة
جزر والِس وفوتونا
ڤانواتو
توڤالو
فيجي
كيرَباس
توكيلاو
هاوايي
سامْوا الغربية
سامْوا الاميركية
نييووي
تونڠا
جزر كوك
تاهيتي
جزر سليمان
المحيط الپاسيفيكي
المحيط الهندي
[الخريطة/الصورة في الصفحة ٤٢٠]
أ. ج. جوزيف، من الهند، مع ابنته ڠريسي، الذي خدم كمرسل مدرَّب في جلعاد
[الخريطة]
(اطلب النص في شكله المنسَّق في المطبوعة)
الهند
[الصورة في الصفحة ٤١١]
هِرْمان هِرْكِنْدِل، مع عروسه، قاما برحلة شهر العسل لاشهر عديدة ليكرزا للناس الناطقين بالالمانية في روسيا
[الصور في الصفحة ٤١٣]
موزعو المطبوعات الجائلون في انكلترا وأسكتلندا سعوا الى اعطاء كل شخص فرصة نيل الشهادة؛ وحتى اولادهم ساعدوا في توزيع النشرات
[الصورة في الصفحة ٤١٤]
إ. ج. كاوارد نشر بغيرة حق الكتاب المقدس في منطقة البحر الكاريبي
[الصورة في الصفحة ٤١٨]
فرانك ڠروڤ (اليسار) وأد نلسون (يُشاهَدان هنا مع زوجتيهما) خصَّص كلٌّ منهما اكثر من ٥٠ سنة لنشر رسالة الملكوت كامل الوقت في كل انحاء نيوزيلندا
[الصور في الصفحة ٤٢١]
ت. ت. رصل وستة عشراء قاموا برحلة حول العالم في ١٩١١-١٩١٢ لتعزيز الكرازة بالبشارة
-
-
الجزء ٢ — شهود الی اقصی الارضشهود يهوه — منادون بملكوت اللّٰه
-
-
الفصل ٢٢
الجزء ٢ — شهود الى اقصى الارض
يُغطَّى عمل المناداة بالملكوت من السنة ١٩١٤ حتى السنة ١٩٣٥ في الصفحات ٤٢٣ الى ٤٤٣. وشهود يهوه يشيرون الى السنة ١٩١٤ بصفتها الوقت الذي تُوِّج فيه يسوع المسيح ملكا سماويا بسلطان على الامم. وعندما كان على الارض، سبق يسوع وأنبأ بأن الكرازة العالمية برسالة الملكوت في وجه الاضطهاد الشديد ستكون جزءا من علامة حضوره بسلطة الملكوت. فماذا حدث فعلا خلال السنوات التي تلت ١٩١٤؟
غمرت الحرب العالمية الاولى اوروپا سريعا في السنة ١٩١٤. ثم امتدت لتشمل بلدانا تشكِّل ما يُقدَّر بـ ٩٠ في المئة من سكان العالم. فكيف اثَّرت الحوادث المقترنة بتلك الحرب في النشاط الكرازي لخدام يهوه؟
السنوات المظلمة للحرب العالمية الاولى
خلال سنوات الحرب الباكرة، لم يكن هنالك عائق إلا في المانيا وفرنسا. فالنشرات كانت تُوزَّع بحرية في اماكن كثيرة، وكان هنالك استعمال مستمر لـ ‹الرواية المصوَّرة،› وإن كان ذلك على نطاق محدود اكثر بكثير بعد السنة ١٩١٤. واذ اشتدت حمَّى الحرب، اشاع رجال الدين في جزر الهند الغربية البريطانية ان إ. ج. كاوارد، الذي كان يمثِّل جمعية برج المراقبة، هو جاسوس الماني، ولذلك أُمر بالرحيل. وعندما كان توزيع كتاب السر المنتهي جاريا في السنة ١٩١٧، صارت المقاومة واسعة الانتشار.
كان الناس تواقين الى الحصول على هذا الكتاب. فلزم الجمعية ان تزيد طلبها الاولي في المطابع اكثر من عشرة اضعاف في مجرد اشهر قليلة. ولكنَّ رجال دين العالم المسيحي كانوا ساخطين بسبب تشهير عقائدهم الباطلة. فاستغلوا هستيريا زمن الحرب ليشكوا تلاميذ الكتاب المقدس الى الرسميين الحكوميين. وفي طول الولايات المتحدة وعرضها، تعرَّض لهجوم الرعاع الرجال والنساء المقترنون بتوزيع مطبوعات تلاميذ الكتاب المقدس، وأيضا جرى طليهم بالقار وتغطيتهم بالريش. وفي كندا، فُتِّشت البيوت، والاشخاص الذين توجد لديهم بعض مطبوعات جمعية تلاميذ الكتاب المقدس من جميع الامم كانوا عرضة لغرامة باهظة او للسجن. ولكن اخبر توماس ج. ساليڤان، الذي كان آنذاك في پورت آرثر، اونتاريو، انه في احدى المناسبات عندما كان مسجونا لليلة واحدة، اخذ رجال الشرطة في تلك المدينة الى بيوتهم نسخا من المطبوعات المحظورة لأنفسهم ولأصدقائهم، موزعين بالتالي المخزون المتوافر بكامله — نحو ٥٠٠ او ٦٠٠ نسخة.
والمركز الرئيسي لجمعية برج المراقبة نفسه تعرَّض للهجوم، وحُكم على اعضاء الهيئة الادارية بمدد سجن طويلة. فظهر لاعدائهم ان تلاميذ الكتاب المقدس تلقَّوا ضربة قاضية. وشهادتهم بالطريقة التي جذبت انتباها عاما واسعا توقفت فعليا.
إلا انه حتى تلاميذ الكتاب المقدس المحتجزون في السجن وجدوا فرصا للتحدث الى الرفقاء السجناء عن قصد اللّٰه. وعندما وصل رسميو الجمعية وعشراؤهم الاحمَّاء الى السجن في اتلانتا، جورجيا، مُنعوا في بادئ الامر من الكرازة. ولكنهم كانوا يناقشون الكتاب المقدس في ما بينهم، وكان الآخرون ينجذبون اليهم بسبب سلوكهم، طريقة حياتهم. وبعد اشهر قليلة عيَّنهم نائب آمر السجن لتقديم الارشاد الديني للسجناء الآخرين. وازداد العدد حتى كان نحو ٩٠ يحضرون الصفوف.
والمسيحيون الاولياء الآخرون وجدوا ايضا طرائق للشهادة خلال سنوات الحرب تلك. وكان ذلك يؤدي احيانا الى نشر رسالة الملكوت في بلدان لم تكن البشارة قد كُرز بها بعدُ. وهكذا، في السنة ١٩١٥ ارسل بالبريد احد تلاميذ الكتاب المقدس في نيويورك، وهو كولومبي، الطبعة الاسپانية لـ نظام الدهور الالهي الى رجل في بوڠوتا، كولومبيا. وبعد نحو ستة اشهر، وصل الرد من رامون سَلْڠَر. لقد درس الكتاب بعناية، كان مسرورا به، وأراد ٢٠٠ نسخة لتوزيعها على الآخرين. والاخ ج. ل. ماير، من بروكلين، نيويورك، ارسل بالبريد ايضا نسخا عديدة من شهرية تلاميذ الكتاب المقدس باللغة الاسپانية. وذهب عدد كبير منها الى اسپانيا. وعندما التزم ألفرِد جوزيف، الذي كان آنذاك في باربادوس، عقد عمل في سيراليون، افريقيا الغربية، انتهز الفرص ليشهد هناك عن حقائق الكتاب المقدس التي تعلَّمها مؤخرا.
أما بالنسبة الى موزعي المطبوعات الجائلين، الذين كانت خدمتهم تشمل زيارة البيوت وأماكن العمل، فغالبا ما كانت الحال اصعب. ولكنَّ بعض الذين ذهبوا الى السلڤادور، هُندوراس، وڠواتيمالا كانوا مشغولين هناك في السنة ١٩١٦ بإخبار الناس الحقائق المانحة الحياة. وخلال هذه الفترة قامت فاني ماكينزي، موزعة مطبوعات جائلة بريطانية الجنسية، برحلتين الى المشرق بالمركب، متوقفة في الصين، كوريا، واليابان لتوزيع مطبوعات الكتاب المقدس، وبعد ذلك لاحقت الاهتمام بكتابة الرسائل.
ولكنَّ عدد تلاميذ الكتاب المقدس، استنادا الى السجلات المتوافرة، الذين قدَّموا تقريرا عن اشتراكهم الى حد ما في الكرازة بالبشارة للآخرين خلال السنة ١٩١٨ نقص ٢٠ في المئة حول العالم بالمقارنة مع تقرير السنة ١٩١٤. فبعد المعاملة القاسية التي عانوها خلال سنوات الحرب، هل كانوا سيثابرون على خدمتهم؟
مشحونون حياة متجددة
في ٢٦ آذار ١٩١٩، أُطلق سراح رئيس جمعية برج المراقبة وعشرائه من سجنهم غير العادل. وسرعان ما وُضعت الخطط لدفع المناداة العالمية ببشارة ملكوت اللّٰه الى الامام.
وفي محفل عام في سيدر پوينت، اوهايو، في ايلول من تلك السنة، ألقى ج. ف. رذرفورد، رئيس الجمعية آنذاك، محاضرة تبرز اعلان القدوم المجيد لملكوت اللّٰه المسيَّاني بصفته العمل المهم حقا لخدام يهوه.
ولكنَّ العدد الفعلي للذين شاركوا آنذاك في هذا العمل كان صغيرا. وبعض الذين توقفوا بخوف خلال السنة ١٩١٨ صاروا نشاطى ثانية، وقليلون آخرون انضموا الى صفوفهم. لكنَّ السجلات المتوافرة تظهر انه في السنة ١٩١٩ كان هنالك نحو ٧٠٠,٥ فقط يشهدون بنشاط في ٤٣ بلدا. ومع ذلك تنبأ يسوع: «يُكرز ببشارة الملكوت هذه في كل المسكونة شهادة لجميع الامم.» (متى ٢٤:١٤) فكيف كان يمكن انجاز هذا الامر؟ لم يعرفوا ذلك، ولم يعرفوا ايضا كم من الوقت ستستمر الشهادة. إلا ان الذين كانوا خداما اولياء للّٰه كانوا مستعدين وتواقين الى المضي قُدُما في العمل. وكانوا واثقين بأن يهوه سيوجّه الامور بانسجام مع مشيئته.
واذ كانوا مشحونين غيرة لما رأوه مذكورا في كلمة اللّٰه، مضوا الى العمل. وفي غضون ثلاث سنوات تضاعف ثلاث مرات تقريبا عدد المشتركين في المناداة علنا بملكوت اللّٰه، وفقا للتقارير المتوافرة، وخلال السنة ١٩٢٢ كانوا مشغولين بالكرازة في ١٥ بلدا اكثر مما في السنة ١٩١٩.
موضوع مثير للاهتمام
يا للرسالة المثيرة التي نادوا بها — «ملايين من الاحياء الآن لن يموتوا ابدا!» لقد ألقى الاخ رذرفورد محاضرة حول هذا الموضوع في السنة ١٩١٨. وكانت ايضا عنوانا لكراس مؤلَّف من ١٢٨ صفحة صدر في السنة ١٩٢٠. ومن السنة ١٩٢٠ حتى السنة ١٩٢٥، أُبرز هذا الموضوع نفسه مرة بعد اخرى حول العالم في الاجتماعات العامة في كل المناطق التي كان الخطباء متوافرين فيها وبأكثر من ٣٠ لغة. وبدلا من القول، كما يفعل العالم المسيحي، ان كل الناس الصالحين يذهبون الى السماء، ركَّزت هذه المحاضرة الانتباه على الرجاء المؤسس على الكتاب المقدس بالحياة الابدية على ارض فردوسية للبشر الطائعين. (اشعياء ٤٥:١٨؛ رؤيا ٢١:١-٥) وعبَّرت عن الاقتناع بأن الوقت لتحقيق هذا الرجاء قريب جدا.
جرى استخدام اعلانات الصحف واللوحات الاعلانية لاعلان المحاضرات. فالموضوع كان مثيرا للاهتمام. وفي ٢٦ شباط ١٩٢٢، حضر اكثر من ٠٠٠,٧٠ في ١٢١ موقعا في المانيا وحدها. ولم يكن غير عادي ان يبلغ عدد الحضور في موقع واحد الآلاف. وفي كَيْپ تاون، جنوب افريقيا، مثلا، كان ٠٠٠,٢ حاضرين عندما أُلقيت المحاضرة في دار الاوپرا. وفي قاعة الجامعة في عاصمة النَّروج، لم تمتلئ جميع المقاعد فحسب ولكنَّ كثيرين مُنعوا من الدخول لسبب ضيق المكان حتى وجب تكرار البرنامج بعد ساعة ونصف — وثانية في قاعة مكتظة بالناس.
وفي كلاڠنفورت، النمسا، قال ريخارت هايد لأبيه: «سأذهب لسماع هذا الخطاب مهما قال الناس. اريد ان اعرف ما اذا كان ذلك مجرد خداع ام كان هنالك حق فيه!» لقد تأثر عميقا بما سمعه، وسرعان ما كان هو وأخته، وكذلك والداهما، يخبرون الآخرين عنه.
ولكنَّ رسالة الكتاب المقدس لم تكن فقط للناس الذين يحضرون محاضرة عامة. فالآخرون ايضا كان يلزم ان يصيروا عارفين بها. وليس عامة الشعب فقط بل كان يلزم القادة السياسيين والدينيين ان يسمعوها ايضا. فكيف كان ذلك سيُنجَز؟
توزيع الاعلانات القوية
استُعملت الصفحة المطبوعة لبلوغ ملايين الناس الذين سبق ان عرفوا عن طريق الشائعات فقط تلاميذ الكتاب المقدس والرسالة التي ينادون بها. ومن السنة ١٩٢٢ حتى السنة ١٩٢٨، أُعطيت شهادة فعَّالة بواسطة سبعة اعلانات قوية، قرارات جرى تبنّيها في محافل تلاميذ الكتاب المقدس السنوية. وعدد النسخ المطبوعة من معظم القرارات الافرادية التي وُزِّعت عقب تلك المحافل بلغ ٤٥ الى ٥٠ مليونا — انجاز مذهل حقا لفرقة المنادين بالملكوت الصغيرة التي كانت تخدم آنذاك!
وقرار السنة ١٩٢٢ كان بعنوان «تحدٍّ لقادة العالم» — نعم، تحدٍّ ان يبرِّروا ادّعاءهم القدرة على تحقيق السلام، الازدهار، والسعادة للجنس البشري او، اذا فشلوا في ذلك، ان يعترفوا بأن ملكوت اللّٰه وحده برئاسة مسيحه يمكن ان ينجز هذه الامور. وفي المانيا، أُرسل هذا القرار بالبريد المسجَّل الى القيصر الالماني المنفي، الى الرئيس، والى جميع اعضاء الپرلمان الالماني؛ وذهب نحو اربعة ملايين ونصف مليون نسخة الى عامة الشعب. وفي جنوب افريقيا، قام أدوين سكوت، حاملا المطبوعات في حقيبة على ظهره وبعصا في يده ليردّ عنه الكلاب الشرسة، بتغطية ٦٤ بلدة، موزِّعا شخصيا ٠٠٠,٥٠ نسخة. وبعد ذلك، عندما قام رجال الدين الهولنديون في جنوب افريقيا بزيارة بيوت روَّاد الابرشيات لجمع التبرعات، كان كثيرون من روَّاد الابرشيات يهزّون القرار في وجه رجل دينهم ويقولون: «يجب ان تقرأ هذا ولا تأتي ثانية لتجمع منا المال.»
وفي السنة ١٩٢٤ كشف القرار بعنوان «الاكليريكيون متَّهَمون» تعاليم وممارسات رجال الدين غير المؤسسة على الاسفار المقدسة، شهَّر دورهم خلال الحرب العالمية، وحثَّ الناس على درس الكتاب المقدس ليتعلَّموا شخصيا عن التدابير الرائعة التي صنعها اللّٰه لمباركة الجنس البشري. وفي ايطاليا في ذلك الوقت، كان يُطلَب ممَّن يطبعون ان يضعوا اسمهم على كل ما يطبعونه، وكانوا يُعتبرون مسؤولين عن المحتويات. فأرسل تلميذ الكتاب المقدس الذي يشرف على العمل في ايطاليا نسخة من القرار الى السلطات الحكومية، التي تحققت منه وأذنت على الفور في طباعته وتوزيعه. ووافق ايضا اولئك الذين يطبعون على نشره. فوزَّع الاخوة في ايطاليا ٠٠٠,١٠٠ نسخة. وتأكدوا خصوصا ان يتسلَّم البابا وكلٌّ من الرسميين ذوي المراتب العالية الآخرين في الڤاتيكان نسخة.
وفي فرنسا، احدث توزيع هذا القرار رد فعل شديدا وغالبا عنيفا من رجال الدين. وبدافع اليأس رفع رجل دين في پومرانيا، المانيا، دعوى على الجمعية ومديرها، لكنَّ رجل الدين خسر القضية عندما سمعت المحكمة محتويات القرار بكامله. ولكي يتجنبوا اعاقة عملهم من جهة اولئك الذين لا يريدون ان يعرف الناس الحق، وضع تلاميذ الكتاب المقدس في مقاطعة كْويبك، في كندا، القرارات في البيوت خلال ساعات الصباح الاولى، ابتداء من الساعة ٠٠:٣ صباحا. تلك كانت اوقاتا مثيرة!
اظهار الشكر على الاجوبة التي تمنح الاكتفاء
خلال الحرب العالمية الاولى، طُرد كثيرون من الارمن بلا رحمة من بيوتهم ومن مسقط رأسهم. وقبل ذلك بعقدين فقط، قُتل مئات الآلاف من الارمن، وهرب آخرون طلبا للنجاة من الموت. وقليلون من هذا الشعب قرأوا مطبوعات جمعية برج المراقبة في موطنهم. ولكنَّ كثيرين منهم قُدِّمت لهم الشهادة في البلدان التي سافروا اليها كلاجئين.
وبعد الاختبارات القاسية التي احتملوها، نشأت لدى كثيرين اسئلة جدية تتعلق بسبب سماح اللّٰه بالشر. فكم من الوقت سيستمر ذلك؟ ومتى سينتهي؟ كان بعضهم شاكرين على معرفة الاجوبة التي تمنح الاكتفاء الموجودة في الكتاب المقدس. فنمت بسرعة فرق من تلاميذ الكتاب المقدس الارمن في مدن مختلفة في الشرق الاوسط. وغيرتهم لحق الكتاب المقدس اثَّرت في حياة آخرين. وفي إثيوپيا، الارجنتين، والولايات المتحدة، اعتنق الرفقاء الارمن البشارة وقبلوا بفرح مسؤولية اخبار الآخرين بها. وأحد هؤلاء كان كريكور هاتْساكورتْسْيان، الذي نشر كفاتح منعزل رسالة الملكوت في إثيوپيا في اواسط ثلاثينات الـ ١٩٠٠. وفي احدى المناسبات، عندما اتهمه زورا المقاومون، سنحت له الفرصة ايضا ليشهد للامبراطور، هيلا سيلاسي.
اخْذ الحقائق الثمينة الى مواطنهم
ان الرغبة المتَّقدة في الإخبار بحقائق الكتاب المقدس الحيوية دفعت اناسا كثيرين الى العودة الى مسقط رأسهم لينهمكوا في التبشير. وتجاوبهم كان مماثلا لتجاوب الناس من بلدان عديدة الذين كانوا في اورشليم في السنة ٣٣ بم والذين صاروا مؤمنين عندما دفع الروح القدس الرسل وعشراءهم الى التكلم بألسنة عديدة «بعظائم اللّٰه.» (اعمال ٢:١-١١) وكما حمل اولئك المؤمنون في القرن الاول الحق معهم الى مواطنهم، كذلك فعل هؤلاء التلاميذ العصريون.
والرجال والنساء على السواء الذين تعلَّموا الحق في الخارج عادوا الى ايطاليا. فقد اتوا من اميركا، بلجيكا، وفرنسا ونادوا بغيرة برسالة الملكوت حيثما استقروا. وموزعو المطبوعات الجائلون من كانتون تيتشينو السويسري الناطق بالايطالية انتقلوا ايضا الى ايطاليا ليواصلوا عملهم. ومع ان أعدادهم كانت قليلة، سرعان ما بلغوا تقريبا جميع المدن الرئيسية والكثير من قرى ايطاليا نتيجة لنشاطهم المتحد. وكانوا لا يحصون الساعات التي يصرفونها في هذا العمل. واذ كانوا مقتنعين بأنهم يكرزون بالحقائق التي يريد اللّٰه ان يعرفها الناس، غالبا ما كانوا يعملون من الصباح حتى الليل كي يبلغوا اكبر عدد ممكن من الناس.
واليونان الذين صاروا تلاميذ للكتاب المقدس في ألبانيا المجاورة وبعيدا في اميركا منحوا الانتباه ايضا لموطنهم. فقد ابتهجوا عندما تعلَّموا أن عبادة الايقونات غير مؤسسة على الاسفار المقدسة (خروج ٢٠:٤، ٥؛ ١ يوحنا ٥:٢١)، أن الخطاة لا يُشوَوْن في نار الهاوية (جامعة ٩:٥، ١٠؛ حزقيال ١٨:٤؛ رؤيا ٢١:٨)، وأن ملكوت اللّٰه هو رجاء الجنس البشري الحقيقي والوحيد (دانيال ٢:٤٤؛ متى ٦:٩، ١٠). وكانوا توَّاقين الى اخبار اهل بلدهم بهذه الحقائق — شخصيا او بالبريد. ونتيجة لذلك، ابتدأت فرق من شهود يهوه تنمو في اليونان وفي الجزر اليونانية.
وبعد الحرب العالمية الاولى، انتقل آلاف الاشخاص من پولندا الى فرنسا للعمل في مناجم الفحم. والجماعات الفرنسية لم تتجاهلهم لأنهم يتكلمون لغة مختلفة. فوجدوا طرائق للاشتراك في حقائق الكتاب المقدس مع عمال المناجم هؤلاء وعائلاتهم، وسرعان ما فاق عدد المتجاوبين بشكل مؤاتٍ عدد الشهود الفرنسيين. وعندما وجب، نتيجة لامر حكومي بالرحيل، ان يرجع ٢٨٠ الى پولندا في السنة ١٩٣٥، لم يعمل ذلك إلا على تعزيز نشر رسالة الملكوت هناك. وهكذا، في السنة ١٩٣٥، كان هنالك ٠٩٠,١ مناديا بالملكوت يشتركون في تقديم الشهادة في پولندا.
وتجاوب آخرون مع الدعوات الى مغادرة موطنهم لمباشرة الخدمة في حقول اجنبية.
مبشرون اوروپيون غيورون يساعدون في حقول اجنبية
بتعاون اممي، سمعت دول البلطيق (استونيا، لاتڤيا، وليثوانيا) الحقائق المبهجة عن ملكوت اللّٰه. وخلال عشرينات وثلاثينات الـ ١٩٠٠، قام اخوة وأخوات غيورون من المانيا، انكلترا، الدنمارك، وفنلندا، بشهادة واسعة في هذه المنطقة. فوُضعت مطبوعات كثيرة، وسمع الآلاف محاضرات الكتاب المقدس التي أُلقيت. ومن استونيا وصل البث الاذاعي القانوني لبرامج الكتاب المقدس بلغات عدة حتى الى ما كان آنذاك الاتحاد السوڤياتي.
ومن المانيا باشر عاملون طوعيون خلال عشرينات وثلاثينات الـ ١٩٠٠ التعيينات في اماكن مثل اسپانيا، بلجيكا، بلغاريا، تشيكوسلوڤاكيا، فرنسا، لوكسمبورڠ، النَّذَرلند، النمسا، ويوڠوسلاڤيا. وكان ڤيلي أُنڠْلوب بينهم. وبعد الخدمة مدة من الوقت في بتل ماڠْدَبورڠ، في المانيا، واصل الاعتناء بالتعيينات كمبشر كامل الوقت في فرنسا، الجزائر، اسپانيا، سنڠافورة، ماليزيا، وتايلند.
وعندما خرجت الدعوة من فرنسا طلبا للمساعدة خلال ثلاثينات الـ ١٩٠٠، اعطى موزعو المطبوعات الجائلون من بريطانيا الدليل على انهم يدركون ان التفويض المسيحي للكرازة كان يتطلب التبشير ليس فقط في بلدهم بل ايضا في انحاء اخرى من الارض. (مرقس ١٣:١٠) وجون كوك كان واحدا من العاملين الغيورين الذين استجابوا للدعوة المكدونية. (قارنوا اعمال ١٦:٩، ١٠.) وخلال العقود الستة التي تلت، اعتنى بتعيينات الخدمة في فرنسا، اسپانيا، ايرلندا، الپرتغال، آنڠولا، موزَمبيق، وجنوب افريقيا. وترك اخوه ايريك عمله في بنك باركلي وانضم الى جون في الخدمة كامل الوقت في فرنسا؛ وبعد ذلك خدم هو ايضا في اسپانيا وايرلندا واشترك في العمل الارسالي في روديسيا الجنوبية (الآن زمبابوي) وجنوب افريقيا.
وفي ايار ١٩٢٦، قبِل جورج رايت وأدوين سكينر، في انكلترا، دعوة الى المساعدة في توسيع عمل الملكوت في الهند. وكان تعيينهما كبيرا! فقد شمل كلًّا من افغانستان، بورما (الآن ميانمار)، سيلان (الآن سْري لانكا)، فارس (الآن ايران)، والهند. وعند الوصول الى بومباي، استقبلتهما الامطار الموسمية. ومع ذلك، اذ كانا غير قلقَين بافراط ازاء الراحة الشخصية او وسائل الراحة، سرعان ما سافرا الى انحاء بعيدة من البلد ليجدا تلاميذ للكتاب المقدس معروفين كي يشجعاهم. ووزَّعا ايضا كميات كبيرة من المطبوعات لاثارة الاهتمام بين الآخرين. فأُنجز العمل بقوة. وهكذا، خلال السنة ١٩٢٨، رتَّب الـ ٥٤ مناديا بالملكوت في تراڤنكور (كيرالا)، في جنوبي الهند، ٥٥٠ اجتماعا عاما حضرها نحو ٠٠٠,٤٠ شخص. وفي السنة ١٩٢٩ انتقل الى الهند اربعة فاتحين آخرين من الحقل البريطاني للمساعدة في العمل. وفي السنة ١٩٣١ وصل ثلاثة آخرون من انكلترا الى بومباي. ومرة بعد اخرى وصلوا الى مختلف انحاء هذا البلد الواسع، موزعين المطبوعات ليس فقط بالانكليزية بل ايضا باللغات الهندية.
وفي هذه الاثناء، ماذا كان يحدث في اوروپا الشرقية؟
حصاد روحي
قبل الحرب العالمية الاولى، نُثرت بزور حق الكتاب المقدس في اوروپا الشرقية، فترسَّخ بعضها. ففي السنة ١٩٠٨، رجعت أَندرَشاني بِنِدِك، امرأة هنڠارية متواضعة، الى النمسا-المجر لتخبر الآخرين بالامور الجيدة التي تعلَّمتها. وبعد سنتين، رجع كارولي سابو ويوجِف كِس ايضا الى ذلك البلد وأخذا ينشران حق الكتاب المقدس وخصوصا في المناطق التي صارت معروفة لاحقا برومانيا وتشيكوسلوڤاكيا. وعلى الرغم من المقاومة العنيفة من رجال الدين الغِضاب، تشكلت فرق للدرس، وجرت شهادة واسعة. وانضم اليهم آخرون في اعلان ايمانهم جهرا، وبحلول السنة ١٩٣٥ نمت صفوف المنادين بالملكوت في هنڠاريا الى ٣٤٨.
تضاعف تقريبا حجم رومانيا عندما اعاد المنتصرون تحديد معالم خريطة اوروپا بعد الحرب العالمية الاولى. وأُخبر انه في هذا البلد الموسَّع، سنة ١٩٢٠، كان هنالك نحو ١٥٠ فريقا لتلاميذ الكتاب المقدس، يقترن بها ٧٠٠,١ شخص. وفي السنة التالية، عند الاحتفال بعشاء الرب، تناول ما يقارب الـ ٠٠٠,٢ من رمزَي الذكرى، دالّين على اعترافهم بأنهم اخوة ممسوحون بالروح للمسيح. وهذا العدد ازداد بشكل مثير خلال السنوات الاربع التالية. وفي السنة ١٩٢٥، حضر الذكرى ١٨٥,٤، وكما كانت العادة آنذاك، تناول معظمهم دون شك من الرمزين. ولكنَّ ايمان هؤلاء جميعا كان سيوضع تحت الامتحان. فهل يكونون «حنطة» اصيلة ام مجرد زائفة؟ (متى ١٣:٢٤-٣٠، ٣٦-٤٣) وهل يقومون حقا بعمل الشهادة الذي عيَّنه يسوع لأتباعه؟ هل يثابرون عليه في وجه المقاومة الشديدة؟ وهل يكونون امناء حتى عندما يعرب آخرون عن روح كتلك التي ليهوذا الاسخريوطي؟
يدل تقرير السنة ١٩٣٥ انه لم يكن للجميع نوع الايمان الذي يمكِّنهم من الاحتمال. ففي تلك السنة، كان هنالك ١٨٨,١ فقط ممَّن اشتركوا بعض الشيء في تقديم الشهادة في رومانيا، مع ان اكثر من ضعف هذا العدد كانوا في ذلك الحين يتناولون من رمزَي الذكرى. إلا ان الامناء بقوا مشغولين بخدمة السيد. واشتركوا مع الناس المتواضعين الآخرين في حقائق الكتاب المقدس التي جلبت لقلوبهم فرحا عظيما. واحدى الطرائق البارزة التي فعلوا بها ذلك كانت توزيع المطبوعات. وبين السنتين ١٩٢٤ و ١٩٣٥، وضعوا لدى الاشخاص المهتمين اكثر من ٠٠٠,٨٠٠ كتاب وكراس، بالاضافة الى النشرات.
وماذا عن تشيكوسلوڤاكيا، التي صارت دولة في السنة ١٩١٨ بعد انهيار امبراطورية النمسا-المجر؟ هنا كانت شهادة اقوى ايضا تساهم في الحصاد الروحي. وجرت كرازة ابكر بالهنڠارية، الروسية، الرومانية، والالمانية. ثم، في السنة ١٩٢٢، عاد عدد من تلاميذ الكتاب المقدس من اميركا لتوجيه الانتباه الى السكان الناطقين بالسلوڤاكية، وفي السنة التالية ابتدأ زوجان من المانيا يركِّزان على المقاطعة التشيكية. والمحافل القانونية، مع كونها صغيرة، ساعدت على تشجيع وتوحيد الاخوة. وبعد ان صارت الجماعات منظَّمة بشكل افضل للتبشير من بيت الى بيت سنة ١٩٢٧، صار النمو اكثر وضوحا. وفي السنة ١٩٣٢ أُعطي العمل زخما قويا بواسطة محفل اممي في پراڠ، حضره نحو ٥٠٠,١ من تشيكوسلوڤاكيا والبلدان المجاورة. وبالاضافة الى ذلك، شاهدت جموع كبيرة نسخة مدتها اربع ساعات من «رواية الخلق المصوَّرة» عُرضت من طرف البلد الى الطرف الآخر. وفي فترة عقد فقط، وُزِّع اكثر من ٠٠٠,٧٠٠,٢ نسخة من مطبوعات الكتاب المقدس على مختلف الفرق اللغوية في هذا البلد. كل هذا الغرس، الانماء، والسقي الروحي ساهم في حصاد اشترك فيه ١٩٨,١ مناديا بالملكوت سنة ١٩٣٥.
ويوڠوسلاڤيا (المعروفة اولا بمملكة الصرب، الكرواتيين، والسلوڤينيين) اتت الى الوجود نتيجة لاعادة تحديد معالم خريطة اوروپا بعد الحرب العالمية الاولى. وقديما في السنة ١٩٢٣، أُخبر ان فريقا من تلاميذ الكتاب المقدس كانوا يشهدون في بلڠراد. ولاحقا عُرضت «رواية الخلق المصوَّرة» على جموع كبيرة في كل انحاء البلد. وعندما تعرَّض شهود يهوه للاضطهاد العنيف في المانيا، تعزَّزت الصفوف في يوڠوسلاڤيا بالفاتحين الالمان. ودون اهتمام بالراحة الشخصية، وصلوا الى اقصى انحاء هذا البلد الجبلي ليكرزوا. وآخرون من هؤلاء الفاتحين ذهبوا الى بلغاريا. وبُذلت الجهود ايضا للكرازة بالبشارة في ألبانيا. في كل هذه الاماكن، زُرعت بزور حق الملكوت. وبعض البزور اثمر. ولكن لم يكن ليجري حصاد اكبر في هذه الاماكن إلا بعد سنوات.
والى ابعد جنوبا، في قارة افريقيا، كانت البشارة تنتشر ايضا بواسطة اولئك الذين قدَّروا بعمق امتياز كونهم شهودا للعلي.
نور روحي يضيء في افريقيا الغربية
بعد سبع سنوات تقريبا من ذهاب احد تلاميذ الكتاب المقدس من باربادوس اولا الى افريقيا الغربية بمقتضى عقد عمل، كتب الى مكتب جمعية برج المراقبة في نيويورك ليعلِمهم ان عددا ليس بقليل من الناس كانوا يُظهرون الاهتمام بالكتاب المقدس. وبعد اشهر قليلة، في ١٤ نيسان ١٩٢٣، وتلبية لدعوة الاخ رذرفورد، وصل و. ر. براون، الذي كان يخدم في ترينيداد، الى فريتاون، سيراليون، مع عائلته.
وعلى الفور، صُنعت الترتيبات ليلقي الاخ براون محاضرة في قاعة ويلبِرْفورْس التذكارية. وفي ١٩ نيسان حضر نحو ٥٠٠، بمن فيهم معظم رجال الدين في فريتاون. ويوم الاحد التالي خطب ثانية. وكان موضوعه ذاك الذي غالبا ما استعمله ت. ت. رصل — «الى الهاوية ومنها. مَن هم هناك؟» ومحاضرات الاخ براون كانت مزوَّدة قانونيا باقتباسات من الاسفار المقدسة تكون ظاهرة للحضور بصور منزلقة تُعرض بواسطة فانوس العرض. وفيما كان يتكلم، كان يقول تكرارا: «ليس براون مَن يقول، وانما الكتاب المقدس يقول.» وبسبب ذلك، صار معروفا بـ «بايبل براون.» ونتيجة لعرضه المنطقي المؤسس على الاسفار المقدسة، استقال بعض الاعضاء الكنسيين البارزين وتبنَّوا خدمة يهوه.
وكان يسافر بشكل واسع ليفتتح عمل الملكوت في مناطق اضافية. ولهذه الغاية ألقى محاضرات عديدة من الكتاب المقدس ووزَّع كميات كبيرة من المطبوعات، وشجع الآخرين على فعل الامر نفسه. وتبشيره اخذه الى ساحل الذهب (الآن غانا)، لَيبيريا، ڠامبيا، ونَيجيريا. ومن نَيجيريا حمل آخرون رسالة الملكوت الى بينين (المعروفة آنذاك بـ داهومي) والكَمَرون. وكان الاخ براون يعرف ان العامة لا تكنّ الاحترام لما تدعوه «دين الرجل الابيض،» ولذلك تكلم في قاعة ڠلوڤر التذكارية في لاڠوس عن فشل دين العالم المسيحي. وبعد الاجتماع حصل الحضور المتحمس على ٩٠٠,٣ كتاب لقراءتها وتوزيعها على الآخرين.
عندما ذهب الاخ براون اولا الى افريقيا الغربية، كان عدد قليل فقط من الاشخاص هناك قد سمعوا رسالة الملكوت. وعندما غادر بعد ٢٧ سنة، كان هنالك اكثر من ٠٠٠,١١ شاهد ليهوه نشيط في تلك المنطقة. فالاباطيل الدينية كانت تُفضح؛ والعبادة الحقة كانت تترسَّخ وتنتشر بسرعة.
باتجاه ساحل افريقيا الشرقي
في وقت باكر من القرن الـ ٢٠، كانت بعض مطبوعات ت. ت. رصل قد وُزِّعت في الجزء الجنوبي الشرقي من افريقيا بواسطة افراد تبنَّوا بعض الافكار الواردة في تلك الكتب ولكنهم بعد ذلك مزجوها بفلسفتهم الخاصة. وكانت النتيجة عددا من المدعوَّة حركات برج المراقبة التي لم تكن لها اية علاقة على الاطلاق بشهود يهوه. وبعضها كان ذا توجُّه سياسي، مثيرا الاضطراب بين المواطنين الافريقيين. والسمعة السيئة التي سبَّبتها هذه الفرق لسنوات عديدة شكلت عقبات امام عمل شهود يهوه.
إلا ان عددا من الافريقيين ميَّزوا الفرق بين الحق والباطل. وحمل عاملون متجولون بشارة ملكوت اللّٰه الى البلدان المجاورة واشتركوا فيها مع الناس الذين يتكلمون اللغات الافريقية. والسكان الناطقون بالانكليزية في جنوب شرق افريقيا تلقَّوا الرسالة، على الاغلب، من خلال الاحتكاك بجنوب افريقيا. ولكن في بعض البلدان كانت المقاومة الرسمية القوية، التي يهيِّجها رجال دين العالم المسيحي، تعيق الكرازة من جهة الشهود الاوروپيين بين الفرق اللغوية الافريقية. ومع ذلك انتشر الحق، رغم ان كثيرين من الناس الذين اظهروا الاهتمام برسالة الكتاب المقدس كانوا يحتاجون الى مزيد من العون كي يصنعوا التطبيق العملي السليم لما يتعلَّمونه.
وبعض الرسميين الحكوميين النزهاء لم يقبلوا دون تحقيق التهم الباطلة التي يوجِّهها رجال دين العالم المسيحي ضد الشهود. وصح ذلك في مفوَّض شرطة في نياسالَنْد (الآن ملاوي) تنكَّر وذهب الى اجتماعات الشهود المحليين ليكتشف شخصيا ايّ نوع من الناس هم. فتأثر بشكل مؤاتٍ. وعندما وافقت الحكومة على ان يكون لهم ممثل اوروپي يقيم في البلد، أُرسل الى هناك بيرت مَكْلَكِي ولاحقا اخوه بيل في منتصف ثلاثينات الـ ١٩٠٠. فبقيا على اتصال بالشرطة ومفوَّضي المنطقة لكي يكون لهؤلاء الرسميين فهم واضح لنشاطهما ولئلا يخلطوا بين شهود يهوه وأية حركات تُدعى باطلا برج المراقبة. وفي الوقت نفسه عملا بصبر، الى جانب جْرِشام كْوازيزيرا، شاهد محلي ناضج، لمساعدة المئات الذين ارادوا ان يعاشروا الجماعات على التقدير ان الفساد الادبي الجنسي، اساءة استعمال المشروبات الكحولية، والخرافات لا مكان لها في حياة شهود يهوه. — ١ كورنثوس ٥:٩-١٣؛ ٢ كورنثوس ٧:١؛ رؤيا ٢٢:١٥.
في السنة ١٩٣٠، كان هنالك فقط نحو مئة شاهد ليهوه في افريقيا الجنوبية بكاملها. ولكن كان لديهم تعيين يشمل تقريبا كل افريقيا جنوب خط الاستواء وبعض المقاطعات التي تمتد الى شماله. وتغطية مثل هذا المجال الواسع للمقاطعة برسالة الملكوت تطلَّب فاتحين حقيقيين. وكان فرانك وڠراي سميث هذا النوع من الاشخاص.
لقد ابحرا ٠٠٠,٣ ميل (٨٠٠,٤ كلم) شرقا وشمالا من كَيْپ تاون ثم تابعا بالسيارة طوال اربعة ايام في طرقات وعرة ليصلا الى نَيروبي، كينيا (في افريقيا الشرقية البريطانية). وفي اقل من شهر، وزَّعا ٤٠ صندوقا كرتونيا من مطبوعات الكتاب المقدس. ولكن من المحزن انه، في رحلة العودة، مات فرانك من الملاريا. ورغم ذلك، بعد وقت قصير، ابتدأ روبرت نيزبِت ودايڤيد نورمَن — وهذه المرة بـ ٢٠٠ صندوق كرتوني من المطبوعات — يكرزان في كينيا وأوغندا، وأيضا تنڠانيقا وزَنجبار (كلاهما الآن تَنزانيا)، بالغَين اكبر عدد ممكن من الناس. ونشرت بعثات مماثلة اخرى رسالة الملكوت في جزيرتَي موريشيوس ومدغشقر في المحيط الهندي وفي سانت هيلانة في المحيط الاطلسي. لقد زُرعت بزور الحق، ولكنها لم تنبت وتنمُ حالا في كل مكان.
ومن جنوب افريقيا انتشرت الكرازة بالبشارة ايضا، قديما في السنة ١٩٢٥، في باسوتولَنْد (الآن ليسوتو)، بتشْوانالَنْد (الآن بوتْسْوانا)، وسْوازيلند. وبعد نحو ثماني سنوات، عندما كان الفاتحون يكرزون ثانية في سْوازيلند، رحَّب بهم الملك سوبوزا الثاني ترحيبا ملكيا. وجمع حرسَه الشخصي المؤلَّف من مئة محارب، اصغى الى شهادة كاملة، ثم حصل على كل مطبوعات الجمعية التي كانت لدى الاخوة.
نما عدد شهود يهوه تدريجيا في هذا الجزء من الحقل العالمي. فانضم آخرون الى القليلين الذين افتتحوا العمل في افريقيا في وقت باكر من هذا القرن الـ ٢٠، وبحلول السنة ١٩٣٥ كان هنالك ٤٠٧,١ في قارة افريقيا اخبروا انهم اشتركوا في عمل الشهادة عن ملكوت اللّٰه. وكانت أعداد كبيرة من هؤلاء في جنوب افريقيا ونَيجيريا. والفِرَق الكبيرة الاخرى التي حدَّدت هويتها بصفتها من شهود يهوه كانت موجودة في نياسالَنْد (الآن ملاوي)، روديسيا الشمالية (الآن زامبيا)، وروديسيا الجنوبية (الآن زمبابوي).
وخلال هذه الفترة نفسها وُجِّه الانتباه ايضا الى البلدان الناطقة بالاسپانية والپرتغالية.
تنمية الحقلين الاسپاني والپرتغالي
بينما كانت الحرب العالمية الاولى لا تزال جارية، صدرت برج المراقبة اولا بالاسپانية. وكانت تحمل عنوان مكتب في لوس انجلوس، كاليفورنيا، كان قد أُنشئ لمنح انتباه خصوصي للحقل الناطق بالاسپانية. والاخوة من هذا المكتب قدَّموا الكثير من العون الشخصي للمهتمين في الولايات المتحدة وفي البلدان الى الجنوب على السواء.
خوان مونييز، الذي صار واحدا من خدام يهوه في السنة ١٩١٧، شجعه الاخ رذرفورد سنة ١٩٢٠ ان يترك الولايات المتحدة ويعود الى اسپانيا، بلده الاصلي، لينظِّم عمل الكرازة بالملكوت هناك. ولكنَّ النتائج كانت محدودة، لا لسبب ايّ نقص في الغيرة من جهته، بل لسبب ملاحقة الشرطة له باستمرار؛ ولذلك بعد سنوات قليلة نُقل الى الارجنتين.
وفي البرازيل كان عبَّاد ليهوه قليلون يكرزون من قبل. فكان ثمانية بحَّارة متواضعون قد تعلَّموا الحق عندما كانوا غائبين عن سفينتهم في اجازة في نيويورك. واذ عادوا الى البرازيل في وقت باكر من السنة ١٩٢٠، كانوا مشغولين بإخبار الآخرين رسالة الكتاب المقدس.
جورج يونڠ، كندي، أُرسل الى البرازيل سنة ١٩٢٣. ولا شك انه ساعد على ترويج العمل. واذ ألقى محاضرات عامة عديدة بواسطة مترجمين، اظهر ما يقوله الكتاب المقدس عن حالة الموتى، شهَّر الارواحية بصفتها ابليسية، وأوضح قصد اللّٰه ان يبارك جميع قبائل الارض. ومحاضراته كانت الاكثر اقناعا لأنه كان يعرض احيانا على شاشة آيات الكتاب المقدس التي تجري مناقشتها لكي يتمكن الحضور من رؤيتها بلغتهم الخاصة. وبينما كان في البرازيل، تمكَّنت بِلونا فِرْڠَسُن، من سان پاولو، اخيرا من الاعتماد مع اربعة من اولادها. فقد انتظرت هذه الفرصة ٢٥ سنة. وكان بين الذين اعتنقوا الحق بعض الذين جعلوا انفسهم آنذاك متوافرين للمساعدة في ترجمة المطبوعات بالپرتغالية. وسرعان ما كان هنالك مخزون جيد من المطبوعات بتلك اللغة.
ومن البرازيل ذهب الاخ يونڠ الى الارجنتين سنة ١٩٢٤ ورتَّب لتوزيع مجاني لـ ٠٠٠,٣٠٠ مطبوعة بالاسپانية في ٢٥ بلدة ومدينة رئيسية. وفي تلك السنة نفسها سافر ايضا شخصيا الى تشيلي، پيرو، وبوليڤيا لتوزيع النشرات.
وسرعان ما كان جورج يونڠ في طريقه للاعتناء بتعيين جديد. وهذه المرة كان اسپانيا والپرتغال. وبعد ان عرَّفه السفير البريطاني بالرسميين الحكوميين المحليين، تمكَّن ان يرتِّب ان يخطب الاخ رذرفورد في الحضور في برشلونة ومدريد، وكذلك في عاصمة الپرتغال. وبعد هذه المحاضرات، اعطى مجموع من اكثر من ٣٥٠,٢ شخصا اسماءهم وعناوينهم مع طلبات من اجل معلومات اضافية. وبعد ذلك نُشر الخطاب في احدى الصحف الاسپانية الكبيرة، وفي شكل نشرة أُرسل بالبريد الى الناس في كل انحاء البلد. وظهر ايضا في الصحافة الپرتغالية.
وبهذه الوسائل تجاوزت الرسالة حدود اسپانيا والپرتغال كثيرا. فبحلول نهاية السنة ١٩٢٥، كانت البشارة قد اخترقت جزر الرأس الاخضر (الآن جمهورية الرأس الاخضر)، ماديرا، افريقيا الشرقية الپرتغالية (الآن موزَمبيق)، افريقيا الغربية الپرتغالية (الآن آنڠولا)، والجزر في المحيط الهندي.
وفي السنة التالية صُنعت الترتيبات لطبع القرار القوي «شهادة لحكام العالم» في الصحيفة الاسپانية لا ليبِرتاد. وساعد البث الاذاعي وتوزيع الكتب، والكراريس، والنشرات، وكذلك عروض «رواية الخلق المصوَّرة» على تكثيف الشهادة. وفي السنة ١٩٣٢ تجاوب فاتحون انكليز عديدون مع الدعوة الى المساعدة في هذا الحقل، فغطَّوا نظاميا اجزاء كبيرة من البلد بمطبوعات الكتاب المقدس الى ان ألزمتهم الحرب الاهلية الاسپانية بالمغادرة.
في هذه الاثناء، عند وصوله الى الارجنتين، سرعان ما بدأ الاخ مونييز بالكرازة فيما كان يعيل نفسه باصلاح الساعات. وبالاضافة الى عمله في الارجنتين، منح الانتباه لاورڠواي، پاراڠواي، وتشيلي. وتلبية لطلبه اتى بعض الاخوة من اوروپا ليشهدوا للسكان الناطقين بالالمانية. وبعد سنوات عديدة اخبر كارلوس أُت انهم كانوا يبدأون خدمة يومهم عند الساعة ٠٠:٤ صباحا بوضع النشرات تحت كل باب في المقاطعة. وفي وقت لاحق من اليوم كانوا يعودون ليقدِّموا شهادة اضافية وليعرضوا مزيدا من مطبوعات الكتاب المقدس على اصحاب البيوت المهتمين. ومن بونس إيريس انتشر الذين اشتركوا في الخدمة كامل الوقت في كل انحاء البلد، متَّبعين اولا خطوط السكة الحديدية التي تتشعب مئات الاميال من العاصمة كالاصابع المفتوحة في يدكم، مستعملين بعد ذلك كل وسيلة نقل اخرى امكنهم ايجادها. لقد كان لديهم القليل جدا ماديا واحتملوا الكثير من المشقة، ولكنهم كانوا اغنياء روحيا.
وأحد اولئك العاملين الغيورين في الارجنتين كان نيكولاس أرخيروس، يوناني. وباكرا في السنة ١٩٣٠، عندما حصل على بعض المطبوعات التي اصدرتها جمعية برج المراقبة، اثَّر فيه خصوصا كراس بعنوان Hell (الهاوية)، بعناوين فرعية تسأل «ما هي؟ مَن هم هناك؟ هل يمكنهم ان يخرجوا؟» لقد اذهله ان يجد ان هذا الكراس لا يصوِّر الخطاة يُشوَوْن على مشواة. وكم ادهشه ان يعرف ان نار الهاوية هي كذبة دينية مبتكَرة لاخافة الناس، كما اخافته هو! فابتدأ فورا يخبر بالحق — اولا اليونان؛ ثم، اذ تحسنت اسپانيته، الآخرين. وكان كل شهر يخصِّص بين ٢٠٠ و ٣٠٠ ساعة لاخبار الآخرين بالبشارة. واذ استخدم قدميه وكل وسيلة نقل متوافرة اخرى، نشر حقائق الكتاب المقدس في ١٤ من الـ ٢٢ مقاطعة في الارجنتين. واذ انتقل من مكان الى مكان، نام في اسرَّة عندما كان يقدِّمها له اناس مضيافون، في العراء غالبا، وحتى في حظائر الماشية مع حمار كمنبِّه!
والآخر الذي كانت له روح الفاتح الحقيقي هو ريخارد تروپ، الذي تعلَّم الحق في بونس إيريس. لقد كان تواقا الى اخبار الناس بالبشارة عبر الأنديز، في تشيلي. وفي السنة ١٩٣٠، بعد خمس سنوات من معموديته، وصل الى تشيلي — الشاهد الوحيد في بلد من ٠٠٠,٠٠٠,٤ شخص. في البداية كان لديه الكتاب المقدس فقط ليعمل به، ولكنه ابتدأ يقوم بالزيارات من بيت الى بيت. لم تكن هنالك اجتماعات جماعية ليحضرها، ولذلك ايام الآحاد، في الوقت المعتاد للاجتماع، كان يسير الى جبل سان كريستوبال، يجلس في ظل شجرة، وينهمك في الدرس الشخصي والصلاة. وبعد ان استأجر شقة، ابتدأ يدعو الناس الى الاجتماعات هناك. والشخص الآخر الوحيد الذي اتى الى الاجتماع الاول كان خوان فلورِس، الذي سأل: «والآخرون، متى سيأتون؟» فردّ الاخ تروپ: «سيأتون.» وقد اتوا. ففي اقل من سنة، صار ١٣ شخصا خداما معتمدين ليهوه.
وبعد اربع سنوات، وحَّدت شاهدتان لم تلتقيا من قبل قط جهودهما للكرازة بالبشارة في كولومبيا. وبعد سنة مثمرة هناك، كان على هِلما شوبِر ان تعود الى الولايات المتحدة. أما كاتي پالم فركبت سفينة متوجِّهة الى تشيلي، مستخدمة الـ ١٧ يوما في البحر لتشهد للطاقم والركاب على السواء. وخلال العقد التالي عملت من ابعد مرفإ بحري لتشيلي في الشمال، أريكا، الى ابعد ممتلكاتها في الجنوب، تييرا دَل فووَيڠو. لقد زارت المؤسسات التجارية وشهدت للرسميين الحكوميين. واذ وضعت خُرْجا على كتفيها لحمل المطبوعات، وأخذت اشياء ضرورية مثل حِرام لتنام فيه وصلت الى مخيَّمات التعدين ومزارع الخراف الابعد. لقد كانت حياة فاتح حقيقي. وكان هنالك آخرون اشتركوا في الروح نفسها — البعض من العزّاب، البعض من المتزوجين، الصغار والكبار.
خلال السنة ١٩٣٢، بُذل جهد خصوصي لنشر رسالة الملكوت في بلدان اميركا اللاتينية حيث القليل من الكرازة كان قد جرى حتى ذلك الحين. وفي تلك السنة مُنح كراس الملكوت، رجاء العالم توزيعا غير عادي. وهذا الكراس احتوى على محاضرة كانت قد سُمعت عبر بث اذاعي اممي. والآن وُزِّعت نحو ٠٠٠,٤٠ نسخة من الخطاب في شكل مطبوع في تشيلي، ٠٠٠,٢٥ نسخة في بوليڤيا، ٠٠٠,٢٥ في پيرو، ٠٠٠,١٥ في إكوادور، ٠٠٠,٢٠ في كولومبيا، ٠٠٠,١٠ في سانتو دومينڠو (الآن جمهورية الدومينيكان)، و ٠٠٠,١٠ اخرى في پورتو ريكو. حقا، كان يُنادَى برسالة الملكوت، وبقوة كبيرة.
وبحلول السنة ١٩٣٥، كان هنالك في اميركا الجنوبية نفسها ٢٤٧ فقط ممَّن ضمُّوا اصواتهم للمناداة بأن ملكوت اللّٰه وحده سيجلب السعادة الحقيقية للجنس البشري. ولكن يا للشهادة التي قدَّموها!
بلوغ الناس في المناطق الابعد ايضا
لم يتَّخذ شهود يهوه على الاطلاق النظرة ان مسؤوليتهم امام اللّٰه تتم بمجرد التحدث الى القليلين الذين يحدث ان يكونوا جيرانهم. فقد سعوا الى بلوغ كل فرد بالبشارة.
ان الناس الذين يعيشون في اماكن لم يتمكن الشهود آنذاك من السفر اليها شخصيا كان يمكن بلوغهم بطرائق اخرى. وهكذا في اواخر عشرينات الـ ١٩٠٠، ارسل الشهود في كَيْپ تاون، جنوب افريقيا، بالبريد ٠٠٠,٥٠ كراس الى كل المزارعين، حافظي المنائر، حراس الغابات، والآخرين الذين يسكنون في المناطق المنعزلة. وجرى الحصول ايضا على دليل بريدي حديث لكل جنوب غرب افريقيا (المعروفة الآن بـ ناميبيا)، وأُرسلت بالبريد نسخة من كراس The Peoples Friend (صديق الشعوب) الى كل فرد ظهر اسمه في ذلك الدليل.
وفي السنة ١٩٢٩، جُعل ف. ج. فرانسكي مسؤولا عن المركب الشراعي لجمعية برج المراقبة مورتِن وعُيِّن مع جيمي جيمس لبلوغ الناس في لابرادور وجميع قرى الصيد في نيوفاوندلند. وفي الشتاء سافر الاخ فرانسكي الى الساحل مستخدما فريقا من الكلاب لجرّ المزلج. ولتغطية كلفة مطبوعات الكتاب المقدس التي كان يتركها لديهم، كان سكان الاسكيمو ونيوفاوندلند يعطونه اشياء مثل سِلع جلدية وسمك. وبعد سنوات قليلة، وصل الى عمَّال المناجم، الخشَّابين، صيادي الحيوانات، اصحاب المزارع، والهنود في منطقة كاريبو الوعرة في كولومبيا البريطانية. وفي اثناء سفره كان يصطاد لكي يحصل على اللحم، يلتقط التوت البري، ويخبز خبزه في مقلاة على نار مخيَّم في العراء. ثم، في وقت آخر، استخدم هو ورفيق له قاربا لصيد السَّلمون للتنقل اذ كانا يحملان رسالة الملكوت الى كل جزيرة، خليج، مخيَّم للخشَّابين، منارة، وقرية صغيرة على طول ساحل كندا الغربي. لقد كان واحدا فقط من كثيرين بذلوا جهودا خصوصية لبلوغ الناس الساكنين في مناطق الارض البعيدة.
وابتداء من اواخر عشرينات الـ ١٩٠٠، شق فرانك داي طريقه شمالا عبر قرى ألاسكا، كارزا، موزِّعا المطبوعات، وبائعا النظارات لكي يعتني بحاجاته الجسدية. ومع انه يعرج برجل اصطناعية، غطَّى منطقة تمتد من كِتْشيكَن الى نُوم، مسافة ٢٠٠,١ ميل (٩٠٠,١ كلم) تقريبا. وقديما في السنة ١٨٩٧، حصل عامل منجم ذهب على نسخ من الفجر الالفي وبرج المراقبة عندما كان في كاليفورنيا وكان يصنع الخطط لاخذها معه الى ألاسكا. وفي السنة ١٩١٠ كان القبطان بيمز، ربّان سفينة صيد للحيتان، قد وزَّع مطبوعات في المرافئ التي يتوقف فيها في ألاسكا. لكنَّ النشاط الكرازي ابتدأ يتوسع عندما قام الاخ داي برحلاته الصيفية الى ألاسكا مرة بعد اخرى طوال اكثر من ١٢ سنة.
واذ استخدم شاهدان آخران زورقا مزوَّدا بمحرِّك طوله ٤٠ قدما (١٢ م) يُدعى استير، شقَّا طريقهما نحو الساحل النَّروجي بعيدا في القطب الشمالي. فشهدا في الجزر، عند المنائر، في القرى الساحلية، وبعيدا في الاماكن المنعزلة في الجبال. فرحَّب بهما كثيرون من الناس، وفي غضون سنة تمكَّنا من توزيع ٠٠٠,١٠ الى ٠٠٠,١٥ كتاب وكراس توضح قصد اللّٰه للجنس البشري.
الجزر تسمع تسابيح يهوه
لم تكن تلك الجزر القريبة من شواطئ البر الرئيسي الوحيدة التي أُعطيت الشهادة. ففي وسط المحيط الپاسيفيكي، في وقت باكر من ثلاثينات الـ ١٩٠٠، قضى سيدني شِپرْد سنتين مسافرا بالقارب ليكرز في جزر كوك وتاهيتي. والى ابعد غربا، كان جورج وِنْتون يزور نيو هَبْريديز (الآن ڤانواتو) حاملا البشارة.
وفي الوقت نفسه تقريبا، كان جوزيف دوس سانتوس، پرتغالي-اميركي، يهدف ايضا الى بلوغ المقاطعة غير المخدومة. فشهد اولا في جزر هاوايي الخارجية؛ ثم شرع في جولة كرازية حول الارض. ولكنه عندما وصل الى الفيليپين تلقى رسالة من الاخ رذرفورد يطلب منه ان يبقى هناك ليبني وينظِّم نشاط الكرازة بالملكوت. ففعل ذلك طوال ١٥ سنة.
في هذا الوقت كان فرع الجمعية في اوستراليا يوجِّه الانتباه الى العمل في المحيط الپاسيفيكي الجنوبي وحوله. فقدَّم فاتحان مرسَلان من هناك شهادة واسعة في فيجي في ١٩٣٠-١٩٣١. وتلقَّت سامْوا شهادة في السنة ١٩٣١. وجرى بلوغ كاليدونيا الجديدة سنة ١٩٣٢. وباشر ايضا زوجان فاتحان من اوستراليا الخدمة في الصين سنة ١٩٣٣ وشهدا في ١٣ من مدنها الرئيسية خلال السنوات القليلة التالية.
ادرك الاخوة في اوستراليا انه يمكن انجاز المزيد اذا كان لديهم قارب تحت تصرفهم. وفي الوقت المعيَّن حصلوا على مركب شراعي طوله ٥٢ قدما (١٦ م) سمَّوه حامل النور وابتداء من وقت باكر من السنة ١٩٣٥ استخدموه طوال سنوات عديدة كقاعدة لعمليات فريق من الاخوة الغيورين فيما كانوا يشهدون في جزر الهند الشرقية الهولندية (الآن إندونيسيا)، سنڠافورة، وملايو. ووصول القارب كان دائما يلفت انتباها كثيرا، وهذا غالبا ما كان يمهِّد الطريق للاخوة ليكرزوا ويوزِّعوا مطبوعات كثيرة.
في هذه الاثناء، في الجانب الآخر من الارض، قرَّرت اختان فاتحتان من الدنمارك ان تقوما برحلة عطلة الى جزر فارو في المحيط الاطلسي الشمالي سنة ١٩٣٥. ولكنهما كانتا تفكِّران في اكثر من رحلة سياحية. فقد ذهبتا مجهَّزتين بآلاف المطبوعات، وقد استعملتاها جيدا. واذ تحدَّتا الريح والمطر وعداء رجال الدين، غطَّتا قدر ما استطاعتا من الجزر المسكونة خلال مدة بقائهما.
والى ابعد غربا، باشر جورج ليندَل، ايسلندي-كندي، تعيينا دام مدة اطول بكثير. فبناءً على اقتراح الاخ رذرفورد، انتقل الى ايسلندا ليخدم كفاتح في السنة ١٩٢٩. ويا للاحتمال الذي اظهره! فطوال معظم السنوات الـ ١٨ التالية خدم هناك وحده. فزار البلدات والقرى مرة بعد اخرى. ووُزِّعت عشرات الآلاف من المطبوعات، ولكن في ذلك الوقت لم ينضمَّ اليه ايّ ايسلندي في خدمة يهوه. وباستثناء سنة واحدة، لم يكن هنالك شهود يمكن ان يعاشرهم في ايسلندا حتى السنة ١٩٤٧، حين وصل مرسَلان مدرَّبان في جلعاد.
عندما يمنع الناس ما يوصي به اللّٰه
عند الاشتراك في خدمتهم العامة، لم يكن غير عادي على الاطلاق، وخصوصا من عشرينات الـ ١٩٠٠ الى اربعينات الـ ١٩٠٠، ان يواجه الشهود المقاومة التي يثيرها عادةً رجال الدين المحليون وأحيانا الرسميون الحكوميون.
ففي منطقة ريفية شمالي ڤيينا، النمسا، وجد الشهود انفسهم في مواجهة جمع عدائي من القرويين الذين حرَّضهم الكاهن المحلي، الذي كانت تدعمه شرطة المنطقة. وكان الكهنة مصمِّمين ان لا يكرز شهود يهوه في قراهم. لكنَّ الشهود، اذ كانوا مصمِّمين على اتمام تعيينهم المعطى من اللّٰه، غيَّروا اقترابهم وعادوا في يوم آخر، داخلين القرى بطرائق غير مباشرة.
وبصرف النظر عن التهديدات والطلبات من جهة الناس، ادرك شهود يهوه ان لديهم التزاما امام اللّٰه ان ينادوا بملكوته. فقد اختاروا ان يطيعوا اللّٰه كحاكم اكثر من الناس. (اعمال ٥:٢٩، عج) وحيث حاول الرسميون المحليون حرمان شهود يهوه حريتهم الدينية، اتى الشهود بأعداد اكبر.
بعد توقيفات متكررة في قطاع من باڤاريا، في المانيا، سنة ١٩٢٩، استأجروا قطارين خصوصيين — الاول لينطلق من برلين والآخر من دْرَسْدن. وهذان التقيا معا في رايخِنْباخ، وعند الساعة ٠٠:٢ صباحا دخل القطار الاول منطقة رايڠِنْزْبورڠ بـ ٢٠٠,١ راكب كانوا تواقين الى الاشتراك في تقديم شهادة. كان السفر مكلفا، وكل واحد كان قد دفع اجرة سفره. وعند كل محطة للسكة الحديدية جرى انزال البعض. وكان عدد منهم قد جلبوا دراجات لكي يتمكنوا من بلوغ الريف. فجرت تغطية المنطقة بكاملها في يوم واحد. وعندما رأوا نتائج جهودهم المتحدة، لم يسعهم إلا ان يتذكروا وعد اللّٰه لخدامه: «كل آلة صُوِّرت ضدك لا تنجح.» — اشعياء ٥٤:١٧.
كان الشهود في المانيا غيورين حتى انهم وزَّعوا بين السنتين ١٩١٩ و ١٩٣٣، كما يُقدَّر، على الاقل ٠٠٠,٠٠٠,١٢٥ كتاب، كراس، ومجلة، بالاضافة الى ملايين النشرات. ولكن كانت هنالك نحو ٠٠٠,٠٠٠,١٥ عائلة فقط في المانيا في ذلك الحين. فتلقَّت المانيا خلال تلك الفترة شهادة تامة كتلك المعطاة في ايّ بلد على الارض. وفي هذا الجزء من الارض وُجد احد اكبر الحشود من الاشخاص الذين يقرّون بأنهم أتباع المسيح الممسوحون بالروح. ولكن خلال السنوات التالية، اختبروا ايضا بعض امتحانات الاستقامة الاكثر ارهاقا. — رؤيا ١٤:١٢.
في السنة ١٩٣٣، اشتدت كثيرا المقاومة الرسمية لعمل شهود يهوه في المانيا. ففتَّش الڠستاپو تكرارا بيوت الشهود ومكتب فرع الجمعية. وفُرض الحظر على نشاط الشهود في معظم ولايات المانيا، وأُوقف البعض. وأُحرقت علنا اطنان عديدة من كتبهم المقدسة ومطبوعاتهم المؤسسة على الكتاب المقدس. وفي ١ نيسان ١٩٣٥، صدر قانون قومي يحظر الـ Ernste Bibelforscher (تلاميذ الكتاب المقدس الجدّيين، او شهود يهوه)، وبُذلت جهود نظامية لحرمانهم وسيلة عيشهم. وبدورهم، حوَّل الشهود كل اجتماعاتهم الى فرق صغيرة، رتَّبوا لاعادة انتاج موادهم لدرس الكتاب المقدس في اشكال لا يدركها الڠستاپو بسهولة، وتبنَّوا اساليب كرازية غير لافتة للنظر.
وحتى قبل ذلك، منذ السنة ١٩٢٥، كان الاخوة في ايطاليا يعيشون تحت سلطة دكتاتورية فاشية، وفي السنة ١٩٢٩ وُقِّعت اتفاقية بين الكنيسة الكاثوليكية والدولة الفاشية. فجرت مطاردة المسيحيين الحقيقيين دون رحمة. وكان البعض يجتمعون في حظائر الماشية ومخازن التبن لكي يتجنبوا اعتقالهم. وشهود يهوه في ايطاليا كانوا قليلي العدد جدا في ذلك الحين؛ لكنَّ جهودهم لنشر رسالة الملكوت تعزَّزت سنة ١٩٣٢ عندما عبر ٢٠ شاهدا من سويسرا الى ايطاليا وقاموا بتوزيع سريع جدا لـ ٠٠٠,٣٠٠ نسخة من كراس الملكوت، رجاء العالم.
وفي الشرق الاقصى ايضا كان الضغط يتزايد. فكانت هنالك توقيفات لشهود يهوه في اليابان. وأتلف الرسميون كميات كبيرة من مطبوعاتهم المؤسسة على الكتاب المقدس في سييول (في ما هو الآن جمهورية كوريا) وپيونڠيانڠ (في ما هو الآن جمهورية كوريا الديموقراطية الشعبية).
في وسط هذا الضغط المتعاظم، في السنة ١٩٣٥، احرز شهود يهوه فهما واضحا من الكتاب المقدس لهوية ‹الجمع الكثير› في الرؤيا ٧:٩-١٧. وهذا الفهم فتح لهم الفرصة ليدركوا عملا ملحا وغير متوقع. (اشعياء ٥٥:٥) فلم يعودوا يتمسكون بالنظرة ان كل الذين ليسوا من «القطيع الصغير» من ورثة الملكوت السماوي سيحصلون في وقت ما في المستقبل على فرصة جعل حياتهم على انسجام مع مطالب يهوه. (لوقا ١٢:٣٢) وأدركوا ان الوقت قد حان لتلمذة اناس كهؤلاء الآن بغية نجاتهم الى عالم اللّٰه الجديد. أما كم من الوقت سيستمر تجميع هذا الجمع الكثير من جميع الامم فلم يعرفوا، مع انهم شعروا بأن نهاية النظام الشرير لا بد ان تكون قريبة جدا. وتماما كيف سيُنجز العمل في وجه الاضطهاد الذي كان ينتشر ويصير اقسى، لم يكونوا متأكدين. ولكنهم كانوا على يقين من هذا — بما ان ‹يد يهوه لا تقصر،› فانه سيفتح الطريق امامهم ليتمِّموا مشيئته. — اشعياء ٥٩:١، عج.
في السنة ١٩٣٥، كان شهود يهوه قليلي العدد نسبيا — ١٥٣,٥٦ فقط في كل العالم.
كانوا يكرزون في ١١٥ بلدا خلال تلك السنة؛ ولكن في نصف هذه البلدان تقريبا كان هنالك اقل من عشرة شهود. وفقط بَلَدان كان فيهما ٠٠٠,١٠ شاهد نشيط ليهوه او اكثر (الولايات المتحدة، بـ ٨٠٨,٢٣؛ المانيا، بما يُقدَّر بـ ٠٠٠,١٠ من اصل ٢٦٨,١٩ ممَّن كانوا قادرين على تقديم تقريرهم قبل سنتين). وسبعة بلدان اخرى (اوستراليا، بريطانيا، پولندا، تشيكوسلوڤاكيا، رومانيا، فرنسا، وكندا) قدَّم كلٌّ منها تقريرا بأكثر من ٠٠٠,١ ولكن اقل من ٠٠٠,٦ شاهد. وسجل النشاط في ٢١ بلدا آخر يُظهِر بين ١٠٠ و ٠٠٠,١ شاهد في كلٍّ منها. ومع ذلك، خلال تلك السنة الواحدة، خصَّصت هذه الفرقة الغيورة من الشهود حول العالم ٤٢٤,١٦١,٨ ساعة للمناداة بملكوت اللّٰه بصفته الرجاء الوحيد للجنس البشري.
وبالاضافة الى البلدان التي كانوا مشغولين فيها خلال السنة ١٩٣٥، كانوا قد نشروا البشارة في اماكن اخرى، بحيث جرى بلوغ ١٤٩ بلدا ومجموعة جزر برسالة الملكوت حتى ذلك الحين.
[النبذة في الصفحة ٤٢٣]
رغم الحجز في السجن، وجدوا فرصا للكرازة
[النبذة في الصفحة ٤٢٥]
مستعدون وتواقون الى المضي قُدُما في العمل!
[النبذة في الصفحة ٤٤١]
تحدَّتا الريح، المطر، وعداء رجال الدين
[النبذة في الصفحة ٤٤٢]
قُدِّمت في المانيا شهادة بأبعاد فوق العادة قبل حظر الـ “Ernste Bibelforscher” هناك
[الخريطة/الصورتان في الصفحة ٤٢٤]
فيما العالم متورط في الحرب، كان ر. ر. هوليستر وفاني ماكينزي مشغولَين بأخذ رسالة السلام الى الناس في الصين، كوريا، واليابان
[الخريطة]
(اطلب النص في شكله المنسَّق في المطبوعة)
كوريا
اليابان
الصين
المحيط الپاسيفيكي
[الخريطة في الصفحة ٤٢٩]
(اطلب النص في شكله المنسَّق في المطبوعة)
عندما تعلَّم المهاجرون من البلدان المذكورة في هذه الخريطة عن قصد اللّٰه البديع ان يبارك الجنس البشري، شعروا بالاندفاع الى اخذ هذه الاخبار الى مواطنهم
الاميركتان
↓ ↓
النمسا
بلغاريا
قبرص
تشيكوسلوڤاكيا
الدنمارك
فنلندا
المانيا
اليونان
هنڠاريا
ايطاليا
النَّذَرلند
نَروج
پولندا
الپرتغال
رومانيا
اسپانيا
السويد
سويسرا
تركيا
يوڠوسلاڤيا
[الخريطة في الصفحة ٤٣٣]
(اطلب النص في شكله المنسَّق في المطبوعة)
خلال عشرينات وثلاثينات الـ ١٩٠٠، انتقل مبشرون من المانيا الى بلدان كثيرة لتقديم شهادة
المانيا
↓ ↓
اميركا الجنوبية
افريقيا الشمالية
آسيا
[الخريطة/الصورتان في الصفحة ٤٣٤]
الفاتحون الغيورون مثل فرانك سميث وأخيه ڠراي (الظاهر في الصورة العليا) نشروا البشارة باتجاه ساحل افريقيا الشرقي
[الخريطة]
(اطلب النص في شكله المنسَّق في المطبوعة)
اوغندا
كينيا
تَنزانيا
جنوب افريقيا
[الخريطة/الصورة في الصفحة ٤٣٨]
في كل انحاء جنوب غرب افريقيا (الآن ناميبيا) تسلَّم الناس هذا الكراس بالبريد في السنة ١٩٢٨
[الخريطة]
(اطلب النص في شكله المنسَّق في المطبوعة)
ناميبيا
[الخريطة/الصورتان في الصفحة ٤٤٠]
على متن «حامل النور» نشر الفاتحون الغيورون رسالة الملكوت في جنوب شرق آسيا
[الخريطة]
(اطلب النص في شكله المنسَّق في المطبوعة)
ملايو
بورنيو
سيليبيز
سومطْرة
جاوا
تيمور
غينيا الجديدة
اوستراليا
المحيط الپاسيفيكي
[الصور في الصفحة ٤٢٧]
في بلدان كثيرة جذبت المحاضرة «ملايين من الاحياء الآن لن يموتوا ابدا» أعدادا كبيرة من الحضور
[الصورتان في الصفحة ٤٢٦]
أدوين سكوت، في جنوب افريقيا، وزَّع شخصيا ٠٠٠,٥٠ نسخة من «تحدٍّ لقادة العالم»
[الصورة في الصفحة ٤٢٨]
تجاوبًا مع الدعوة الى مبشرين، خدم ڤيلي أُنڠْلوب في اوروپا، افريقيا، والمشرق
[الصورتان في الصفحة ٤٣١]
بحلول السنة ١٩٩٢، كان لكلٍّ من ايريك كوك وأخيه جون (جالس) اكثر من ٦٠ سنة في الخدمة كامل الوقت، متمتعَين باختبارات مثيرة في اوروپا وافريقيا
[الصورة في الصفحة ٤٣٠]
عندما ذهب الى الهند سنة ١٩٢٦، كان لدى أدوين سكينر تعيين شمل خمسة بلدان؛ وقد ظل يكرز هناك بأمانة طوال ٦٤ سنة
[الصورة في الصفحة ٤٣٢]
ألفرِد وفْرِيدا توتْشِك، اذ كانا مزوَّدَين بضرورات الحياة والمطبوعات للشهادة، خدما كفاتحَين في يوڠوسلاڤيا القديمة
[الصور في الصفحة ٤٣٥]
في كل انحاء افريقيا الغربية اشترك «بايبل براون» بنشاط في تشهير العبادة الباطلة
[الصورة في الصفحة ٤٣٦]
جورج يونڠ اشترك في المناداة الواسعة الانتشار بملكوت اللّٰه في اميركا الجنوبية، اسپانيا، والپرتغال
[الصورة في الصفحة ٤٣٧]
خوان مونييز (الى اليسار)، الذي كان يكرز في اميركا الجنوبية منذ السنة ١٩٢٤، كان حاضرا ليرحِّب بـ ن. ه. نور عندما زار اولا الارجنتين بعد اكثر من ٢٠ سنة
[الصورة في الصفحة ٤٣٩]
نيكولاس أرخيروس نشر حق الكتاب المقدس المحرِّر في ١٤ من مقاطعات الارجنتين
[الصورتان في الصفحة ٤٣٨]
ف. ج. فرانسكي، اذ سافر في البر وبالمركب، سعى الى بلوغ القرى الصغيرة البعيدة بحق الكتاب المقدس
-
-
الجزء ٣ — شهود الی اقصی الارضشهود يهوه — منادون بملكوت اللّٰه
-
-
الفصل ٢٢
الجزء ٣ — شهود الى اقصى الارض
يُنشر تقرير عالمي عن الكرازة برسالة الملكوت من السنة ١٩٣٥ حتى السنة ١٩٤٥ في الصفحات ٤٤٤ الى ٤٦١. ان السنة ١٩٣٥ مهمة الى حد كبير لأنه في ذلك الحين حُدِّدت هوية الجمع الكثير في الرؤيا ٧:٩. وفي ما يتعلق بتجميع هذا الفريق، ابتدأ شهود يهوه يفهمون ان الكتاب المقدس وضع امامهم عملا ذا أبعاد اعظم من ايّ عمل سبقه. فكيف شرعوا فيه عندما صارت الامم متورطة في الحرب العالمية الثانية وفرضت غالبية البلدان حظرا عليهم او على مطبوعاتهم المؤسسة على الكتاب المقدس؟
عندما كان شهود يهوه يقومون بخدمتهم خلال ثلاثينات الـ ١٩٠٠، كان هدفهم ان يبلغوا اكبر عدد ممكن من الناس برسالة الملكوت. واذا ميَّزوا اهتماما استثنائيا، كان بعضهم يبقون معظم الليل يوضحون حقائق الكتاب المقدس ويجيبون عن الاسئلة لاشباع الجياع روحيا. ولكن في اغلب الحالات، كان الشهود يستعملون عروضا موجزة مصمَّمة لاثارة اهتمام اصحاب البيوت، ثم يدَعون مطبوعة او محاضرة عامة من الكتاب المقدس تقوم بالباقي. فعملهم كان عمل إعلام للناس، زارعين بزور حق الملكوت.
جهد مكثَّف لبلوغ اناس كثيرين بالبشارة
أُنجز العمل بشعور الالحاح. على سبيل المثال، قديما في ثلاثينات الـ ١٩٠٠، عندما قرأ أرماندو مِنَتْسي، في كوردوبا، الارجنتين، العرض الواضح لحق الكتاب المقدس في الكراسين الهاوية و اين هم الموتى؟، عمل بشكل حاسم. (مزمور ١٤٥:٢٠؛ جامعة ٩:٥؛ اعمال ٢٤:١٥) واذ اندفع بما تعلَّمه، وأثارته الغيرة التي اظهرها نيكولاس أرخيروس، باع محله لاصلاح السيارات ليقف نفسه للكرازة بالحق كفاتح. ثم في اوائل اربعينات الـ ١٩٠٠، بتشجيع منه، اشترى الشهود في كوردوبا باصا قديما، ركَّبوا اسرَّة، واستخدموا هذه المركبة لاخذ عشرة ناشرين او اكثر في رحلات كرازية تدوم اسبوعا، اسبوعين، او حتى ثلاثة اشهر. وفيما كان يخطَّط لهذه الرحلات، كانت تُتاح لاخوة وأخوات مختلفين من الجماعة فرصة الذهاب. وكان لكل واحد في الفريق عمله المعيَّن — التنظيف، الطبخ، او صيد السمك وصيد الحيوانات من اجل الطعام. فكرز هذا الفريق الغيور من بيت الى بيت في عشر مقاطعات ارجنتينية على الاقل، مغطِّيا المدن والقرى وبالغا المزارع المتفرقة.
ظهرت روح مماثلة في الحقل الاوسترالي. فكثير من الشهادة أُنجز في المدن الساحلية الآهلة بالسكان بكثافة. لكنَّ الشهود هناك سعَوا ايضا الى بلوغ الناس الساكنين في المناطق النائية. وهكذا، في ٣١ آذار ١٩٣٦، لبلوغ الناس في مزارع الغنم والبقر المتفرقة في كل مكان من الريف المنعزل، باشر آرثر ويليس وبيل نيولَنْدز رحلة اخذتهما ما مجموعه ٢٥٠,١٢ ميلا (٧١٠,١٩ كلم). ولم تكن هنالك طرقات في معظم رحلتهما — مجرد مسالك وعرة عبر صحراء لا شجر فيها بحرارتها الثقيلة الوطأة وعواصفها الغبارية القوية. لكنهما واصلا السير بعزم. وحيثما وُجد اهتمام، كانا يشغِّلان محاضرات مسجَّلة من الكتاب المقدس ويتركان المطبوعات. وفي مناسبات اخرى، كان جون إ. (تِد) سيووِل يذهب معهما؛ وبعد ذلك تطوع ليخدم في جنوب شرق آسيا.
كانت المقاطعة التى يشرف عليها فرع الجمعية في اوستراليا تتجاوز كثيرا حدود اوستراليا نفسها. فقد شملت الصين ومجموعات جزر ودُوَلًا تمتد من تاهيتي شرقا الى بورما (الآن ميانمار) غربا، مسافة ٥٠٠,٨ ميل (٧٠٠,١٣ كلم). وكانت ضمن هذه المنطقة اماكن مثل هونڠ كونڠ، الهند الصينية (الآن كمبوديا، لاوُس، وڤيتنام)، جزر الهند الشرقية الهولندية (بما فيها جزر مثل سومَطْرة، جاوا، وبورنيو)، نيوزيلندا، سَيام (الآن تايلند)، وملايو. ولم يكن غير عادي لناظر الفرع، ألكسندر ماڠيلِڤْراي، أسكتلندي، ان يدعو فاتحا شابا غيورا الى مكتبه، يريه خريطة لمقاطعة الفرع، ويسأل: ‹هل تريد ان تكون مرسَلا؟› ثم يسأل، مشيرا الى بقعة أُنجِز فيها القليل او لا شيء من الكرازة: ‹ما رأيك في افتتاح العمل في هذه المقاطعة؟›
في اوائل ثلاثينات الـ ١٩٠٠، كان بعض هؤلاء الفاتحين قد انجزوا الكثير من العمل في جزر الهند الشرقية الهولندية (الآن إندونيسيا) وسنڠافورة. وفي السنة ١٩٣٥، سافر فرانك دِيوَر، نيوزيلندي، مع فريق من هؤلاء الفاتحين على متن حامل النور حتى سنڠافورة. ثم مباشرة قبل ان يتابع المركب سفره الى ساحل ملايو الشمالي الغربي، قال القبطان ايريك إوِينز: «حسنا، فرانك، ها قد وصلنا. لا يمكننا ان نأخذك ابعد من ذلك. انت اخترت الذهاب الى سَيام. فاذهب الآن!» ولكنَّ فرانك كان قد صرف النظر تقريبا عن سَيام. فقد تمتع بخدمته مع الفريق في المركب. والآن ها هو وحده.
توقف في كْوالالومپور الى ان استطاع جمع مال يكفي لبقية الرحلة، ولكن فيما كان هناك وقع له حادث سير — صدمته شاحنة فأوقعته عن دراجته. وبعد ان استردّ عافيته، وبخمسة دولارات فقط في جيبه، ركب القطار متوجِّها من سنڠافورة الى بانكوك. ولكن بايمان بقدرة يهوه على الاعالة، واصل العمل. وكان كلود ڠودمان قد كرز هناك لوقت قصير في السنة ١٩٣١؛ ولكن عندما وصل فرانك في تموز ١٩٣٦، لم يكن هنالك شهود حاضرون ليرحِّبوا به. ولكن خلال السنوات القليلة التالية، اشترك آخرون في العمل — ڤيلي أُنڠْلوب، هانز توماس، وكُرت ڠروبر من المانيا وتِد سيووِل من اوستراليا. فوزَّعوا الكثير من المطبوعات، ولكنَّ غالبيتها كانت بالانكليزية، الصينية، واليابانية.
وعندما أُرسلت رسالة الى مركز الجمعية الرئيسي تقول ان الاخوة يحتاجون الى مطبوعات باللغة التايية ولكن لا يوجد مترجمون، اجاب الاخ رذرفورد: «انا لست في تايلند؛ انتم هناك. آمنوا بيهوه واعملوا بجدّ، وستجدون مترجما.» وهذا ما حدث. فقد اعتنقت الحقَّ جومْجاي إنتاپان، مديرة سابقة لمدرسة البنات المشيخية في شيانڠ ماي، وبحلول السنة ١٩٤١ صارت تترجم مطبوعات الكتاب المقدس بالتايية.
بعد اسبوع من مباشرة فرانك دِيوَر الكرازة في بانكوك، عرَّج فرانك رايس، الذي كان قد افتتح عمل الملكوت في جاوا (الآن جزء من إندونيسيا)، على بانكوك في طريقه الى تعيين جديد في ما كان آنذاك الهند الصينية الفرنسية. وكما فعل في مقاطعته السابقة، كرز للذين يتكلمون الانكليزية فيما كان يتعلَّم اللغة المحلية. وبعد تغطية سايڠون (الآن مدينة هو تشي مِنْهْ)، درَّس اللغة الانكليزية لكي يشتري سيارة قديمة يستعملها لبلوغ الجزء الشمالي من البلد. وكان اهتمامه لا الرفاهية المادية بل مصالح الملكوت. (عبرانيين ١٣:٥) واذ استخدم السيارة التي اشتراها، شهد في البلدات والقرى وفي البيوت المنعزلة في كل الطريق الى هانوي.
دعاية جريئة
لاثارة الاهتمام برسالة الملكوت ولتنبيه الناس الى ضرورة اتخاذ اجراء حاسم، استخدم الشهود في بلدان كثيرة وسائل لافتة للنظر. فابتداء من السنة ١٩٣٦ في ڠلاسكو، أسكتلندا، كان الشهود يعلنون محاضرات المحافل بلبس اللافتات وتوزيع اوراق الدعوة في اماكن التسوق. وبعد سنتين، في السنة ١٩٣٨، في ما يتعلق بمحفل في لندن، انكلترا، أُضيف وجه مؤثر آخر. فقد قاد ناثان ه. نور وألبرت د. شرودر، اللذان خدما معا في وقت لاحق في الهيئة الحاكمة، موكبا من ألف شاهد تقريبا عبر المنطقة التجارية المركزية في لندن. ولبس واحد من كل اثنين لافتة تعلن الخطاب العام «واجهوا الوقائع،» الذي كان ج. ف. رذرفورد سيلقيه في قاعة ألبرت الملكية. والآخرون حملوا لافتات تقول «الدين هو شرك وخدعة.» (في ذلك الحين كانوا يفهمون ان الدين هو كل عبادة غير منسجمة مع كلمة اللّٰه، الكتاب المقدس.) وفي وقت لاحق من الاسبوع، لابطال تأثير ردّ الفعل العدائي عند بعض العامة، حمل بعض الذين في المقدمة لافتات تقول «اخدموا اللّٰه والمسيح الملك.» ولم يكن هذا النشاط سهلا على كثيرين من شهود يهوه، لكنهم اعتبروه طريقة اخرى لخدمة يهوه، امتحانا آخر لولائهم له.
لم يكن الجميع مسرورين بالدعاية الجريئة التي منحها شهود يهوه لرسالتهم. فرجال الدين في اوستراليا ونيوزيلندا كانوا يضغطون على مديري المحطات الاذاعية ليمنعوا كل البرامج الاذاعية التي يرعاها شهود يهوه. وفي نيسان ١٩٣٨، عندما كان الاخ رذرفورد في طريقه الى اوستراليا ليلقي محاضرة اذاعية، اقتنع الرسميون الحكوميون بأن يلغوا ترتيبات صُنعت له لاستخدام قاعة مدينة سيدني والتسهيلات الاذاعية. فاستُؤجر ملعب سيدني الرياضي بسرعة، ونتيجة للدعاية الاعلامية الواسعة التي غطَّت المعارضة لزيارة الاخ رذرفورد، اتى جمهور اكبر ايضا لسماع محاضرته. وفي مناسبات اخرى، عندما كان الشهود يُحرَمون حق استعمال التسهيلات الاذاعية، كانوا يتجاوبون بمنح دعاية مكثَّفة للاجتماعات التي يجري الاستماع فيها الى محاضرات الاخ رذرفورد بواسطة جهاز الفونوڠراف.
كان رجال الدين في بلجيكا يرسلون اولادا ليرموا الشهود بالحجارة، وكان الكهنة يذهبون شخصيا الى البيوت ليجمعوا المطبوعات التي وُزِّعت. ولكنَّ بعض القرويين كانوا يحبون ما يتعلَّمونه من شهود يهوه. وكانوا يقولون غالبا: «أَعطوني بعض كراريسكم؛ وعندما يأتي الكاهن، يمكنني ان اعطيه واحدا لارضائه وأحتفظ بالباقي للقراءة!»
ولكن ادَّت السنوات التالية الى مقاومة اقوى ايضا لشهود يهوه ورسالة الملكوت التي كانوا ينادون بها.
الكرازة في اوروپا في وجه اضطهاد زمن الحرب
لأنهم لم يكونوا ليهجروا ايمانهم ويكفّوا عن الكرازة، سُجن آلاف من شهود يهوه في المانيا، بلجيكا، فرنسا، النَّذَرلند، والنمسا او أُرسلوا الى معسكرات الاعتقال النازية. وهناك كانت المعاملة الوحشية امرا يوميا. وأولئك الذين لم يكونوا في السجن بعدُ كانوا يواصلون خدمتهم بحذر. وغالبا ما كانوا يعملون ومعهم مجرد الكتاب المقدس ويعرضون المطبوعات الاخرى فقط عندما يقومون بالزيارات المكررة للاشخاص المهتمين. ولتفادي الاعتقال، كان الشهود يزورون بيتا واحدا في مبنى سكني ثم ينتقلون ربما الى مبنى آخر، او بعد زيارة بيت واحد فقط كانوا يذهبون الى شارع آخر قبل الاقتراب من بيت آخر. ولكنهم لم يكونوا جبناء قط حيال تقديم شهادة.
في ١٢ كانون الاول ١٩٣٦، بعد اشهر قليلة فقط من اعتقال الڠستاپو آلافا من الشهود والاشخاص المهتمين الآخرين في جهد قومي النطاق لايقاف عملهم، شنَّ الشهود انفسهم حملة. فبسرعة البرق وضعوا عشرات الآلاف من النسخ من قرار مطبوع في العلب البريدية وتحت ابواب الناس في كل انحاء المانيا. وهذه كانت تعترض على المعاملة القاسية التي كان يعانيها اخوتهم وأخواتهم المسيحيون. وفي غضون ساعة واحدة بعد الابتداء بالتوزيع، كانت الشرطة تعمل بسرعة محاولة القبض على الموزِّعين، ولكنها لم تلقِ القبض إلا على نحو اثني عشر في البلد بكامله.
صُعق الرسميون من امكانية القيام بحملة كهذه بعد كل ما فعلته الحكومة النازية لقمع العمل. وعلاوة على ذلك، صاروا خائفين من عامة الشعب. ولماذا؟ لأنه عندما ذهبت الشرطة ورسميون آخرون يرتدون بِزَّات رسمية الى البيوت وسألوا عما اذا تسلَّم السكان منشورة كهذه، نفى ذلك معظم الناس. وفي الواقع، لم تتسلَّم غالبيتهم اية منشورة. فكانت قد سُلِّمت نسخ الى بيتين او ثلاثة فقط في كل مبنى. لكنَّ الشرطة لم تكن تعرف ذلك. فاعتقدت ان نسخة تُركت عند كل باب.
خلال الاشهر التي تلت، نفى الرسميون النازيون بكثير من الضجة التهم الموجَّهة في ذلك القرار المطبوع. ولذلك، في ٢٠ حزيران ١٩٣٧، وزَّع الشهود الذين كانوا لا يزالون احرارا رسالة اخرى، رسالة مفتوحة وافرة في تفصيلها عن الاضطهاد، وثيقة سمَّت الرسميين وذكرت التواريخ والاماكن. فكان الخوف عظيما بين الڠستاپو بسبب هذا التشهير وبسبب قدرة الشهود على تحقيق توزيع كهذا.
والاختبارات العديدة لعائلة كوسِرو، من باد ليپْشْپرينڠ، المانيا، اظهرت هذا التصميم عينه على تقديم شهادة. وثمة مثال يشمل ما حدث بعد ان اعدم الحكم النازي ڤيلْهَلْم كوسِرو علنا في مونْسْتر بسبب رفضه المسايرة على ايمانه. فقد ذهبت فورا والدة ڤيلْهَلْم، هيلدا، الى السجن وطلبت بالحاح الجثة من اجل الدفن. قالت لعائلتها: «سنقدِّم شهادة عظيمة للناس الذين يعرفونه.» وفي المأتم قدَّم والد ڤيلْهَلْم، فرانز، صلاة تعبِّر عن الايمان بتدابير يهوه الحبية. وعند المدفن تكلم اخو ڤيلْهَلْم، كارلْهاينْز، بكلمات تعزية من الكتاب المقدس. ولم يذهب ذلك دون عقاب، ولكن بالنسبة اليهم كان الشيء المهم اكرام يهوه بتقديم شهادة عن اسمه وملكوته.
واذ تفاقمت ضغوط زمن الحرب في النَّذَرلند، عدَّل الشهود هناك بحكمة ترتيبات اجتماعاتهم. فكانت هذه تُعقَد الآن في مجرد فرق من عشرة او اقل في بيوت خاصة. وكانت اماكن الاجتماعات تتغير تكرارا. وكل شاهد كان يحضر فقط مع فريقه الخاص، وما من احد كان يبوح بعنوان مكان الدرس، حتى ولا الى صديق موثوق به. وفي ذلك الوقت من التاريخ، حين كانت مجموعات بكاملها من السكان يُجبَرون على ترك بيوتهم نتيجة للحرب، عرف شهود يهوه ان الناس يحتاجون بالحاح الى رسالة التعزية الموجودة فقط في كلمة اللّٰه، وكانوا يخبرون بها بلا خوف. ولكنَّ رسالة من مكتب الفرع ذكَّرت الاخوة بالحذر الذي اعرب عنه يسوع في مناسبات مختلفة عندما واجهه المقاومون. (متى ١٠:١٦؛ ٢٢:١٥-٢٢) ونتيجة لذلك، عندما يلتقون شخصا يُظهر العداء، كانوا يسجِّلون العنوان بدقة لكي تُتَّخَذ احتياطات خصوصية عند العمل في تلك المقاطعة في المستقبل.
في اليونان اختبر عامة الشعب خلال الاحتلال الالماني شدَّة واسعة النطاق. لكنَّ المعاملة الاقسى التي عاناها شهود يهوه اتت نتيجة لتشويه الحقائق الاثيم من قبل رجال دين الكنيسة الارثوذكسية اليونانية، الذين اصرُّوا ان تَتَّخذ الشرطة والمحاكم اجراء ضدهم. فكان كثيرون من الشهود يُسجَنون او يُطرَدون من بلداتهم ويُرسَلون الى قرى نائية او يُحجَزون في ظروف قاسية في جزر قاحلة. ومع ذلك استمروا في الشهادة. (قارنوا اعمال ٨:١، ٤.) وغالبا ما كان ذلك يُنجَز بالتحدث الى الناس في المنتزهات والحدائق العامة، بالجلوس على المقاعد معهم واخبارهم عن ملكوت اللّٰه. وعندما يوجد اهتمام اصيل، كانت تجري اعارة الشخص مطبوعة مؤسسة على الكتاب المقدس. وهذه المطبوعة كانت تُسترجَع لاحقا وتُستعمَل مرة بعد اخرى. وكثيرون من محبي الحق كانوا يقبلون بشكر المساعدة التي يقدِّمها الشهود وينضمون اليهم ايضا في اخبار الآخرين بالبشارة، مع ان ذلك جلب عليهم اضطهادا مرّا.
وأحد العوامل المهمة في شجاعة ومثابرة الشهود كان بناءهم بالطعام الروحي. ومع ان مخزونات المطبوعات للتوزيع على الآخرين صارت اخيرا مستنفدة تماما في بعض انحاء اوروپا خلال الحرب، رتَّبوا ان يوزِّعوا في ما بينهم مواد مقوية للايمان كانت قد اعدتها الجمعية ليدرسها شهود يهوه في كل العالم. ورغم المخاطرة بحياتهم، اشترك أُوڠست كرافت، پيتر ڠولز، لوتڤيخ سايْرَنِك، تيريز شْرايبِر، وآخرون كثيرون في اعادة انتاج وتوزيع مواد الدرس التي كانت تُهرَّب الى النمسا من ايطاليا، تشيكوسلوڤاكيا، وسويسرا. وفي النَّذَرلند، ساعد حارس سجن لطيف بجلب كتاب مقدس لآرثر وينكْلِر. وعلى الرغم من كل الاحتياطات التي اتخذها العدو، وصلت مياه حق الكتاب المقدس المنعشة من برج المراقبة حتى الى معسكرات الاعتقال الالمانية ووُزِّعت بين الشهود هناك.
لم يوقف الحجز في السجون ومعسكرات الاعتقال شهود يهوه عن الكينونة شهودا. وعندما كان الرسول بولس في السجن في روما كتب: «أَحتمل المشقات حتى القيود . . . لكنَّ كلمة اللّٰه لا تقيَّد.» (٢ تيموثاوس ٢:٩) وصح الامر نفسه في حالة شهود يهوه في اوروپا خلال الحرب العالمية الثانية. فالحراس كانوا يلاحظون سلوكهم؛ البعض كانوا يطرحون الاسئلة، وقليلون صاروا رفقاء مؤمنين، مع ان ذلك عنى خسارة حريتهم. وسجناء كثيرون ممَّن كانوا محتجَزين مع الشهود اتوا من بلدان مثل روسيا، حيث كان قد أُنجز القليل جدا من الكرازة بالبشارة. وبعد الحرب عاد بعض هؤلاء الى موطنهم كشهود ليهوه، تواقين الى نشر رسالة الملكوت هناك.
ان الاضطهاد الوحشي وآثار الحرب الشاملة لم تقدر ان تحول دون التجميع المنبإ به للناس الى بيت يهوه الروحي العظيم للعبادة. (اشعياء ٢:٢-٤) ومن السنة ١٩٣٨ الى السنة ١٩٤٥، اظهرت معظم بلدان اوروپا زيادات كبيرة في عدد المشتركين علنا في عبادة كهذه بالمناداة بملكوت اللّٰه. ففي بريطانيا، سويسرا، فرنسا، وفنلندا، اختبر الشهود زيادات تبلغ ١٠٠ في المئة تقريبا. وفي اليونان، كانت هنالك زيادة سبعة اضعاف تقريبا. وفي النَّذَرلند، اثني عشر ضعفا. ولكن بحلول نهاية السنة ١٩٤٥، لم تكن قد اتت تفاصيل بعدُ من المانيا او رومانيا، ولم تصل إلا تقارير ناقصة من عدد من البلدان الاخرى.
خارج اوروپا خلال سنوات الحرب هذه
وفي المشرق ايضا احدثت الحرب العالمية مشقة قاسية لشهود يهوه. ففي اليابان وكوريا اعتُقلوا وأُخضعوا للضرب والتعذيب لأنهم يؤيدون ملكوت اللّٰه ولا يعبدون الامبراطور الياباني. وأخيرا انقطع كل اتصال لهم بالشهود في البلدان الاخرى. وبالنسبة الى كثيرين منهم، كانت الفرصتان الوحيدتان لتقديم شهادة عندما كانوا يُستنطَقون او عند المثول امام محكمة. وبحلول نهاية الحرب، كانت الخدمة العامة لشهود يهوه في هذه البلدان قد توقفت فعلا.
وعندما بلغت الحرب الفيليپين، أُسيئت معاملة الشهود من كلا الطرفين لأنهم لم يدعموا لا اليابانيين ولا قوات المقاومة. ولتجنب احتجازهم ترك كثيرون من الشهود بيوتهم. ولكنهم اذ كانوا يتنقلون من مكان الى مكان، كانوا يكرزون — معيرين المطبوعات عندما يكون بعضها متوافرا، ومستعملين لاحقا الكتاب المقدس فقط. حتى انهم، عندما تراجعت جبهة القتال، حصلوا على عدة مراكب لنقل فرق كبيرة من الشهود الى الجزر حيث كان القليل او لا شيء من الشهادة قد قُدِّم.
ان ما ادَّى الى حظر مطبوعات شهود يهوه في ايار ١٩٤١ في بورما (الآن ميانمار) لم يكن الغزو الياباني وانما الضغط الذي مارسه رجال الدين الانڠليكانيون، المنهجيون، الروم الكاثوليك، والمعمدانيون الاميركيون على الرسميين في المستعمرة. ورأى شاهدان يعملان في مكتب للاتصالات السلكية برقية نبَّهتهم لما سيأتي، فأخرج الاخوة بسرعة المطبوعات من مستودع الجمعية لتفادي مصادرتها. وبُذلت الجهود بعد ذلك لارسال كثير من المطبوعات برّا الى الصين.
في ذلك الوقت كانت الحكومة الاميركية تنقل بالشاحنات كميات كبيرة من المعدات الحربية على طريق بورما لدعم الحكومة الوطنية الصينية. فحاول الاخوة ان يحصلوا على مكان في احدى هذه الشاحنات ولكن جرى صدّهم. وفشلت ايضا الجهود للحصول على مركبة من سنڠافورة. ولكن عندما اقترب مِيك انْڠل، الذي كان مسؤولا عن مستودع الجمعية في رانڠون (الآن يانڠُن)، من رسمي اميركي برتبة عالية، مُنح الاذن في نقل المطبوعات في شاحنات الجيش.
ولكن بعد ذلك عندما اقترب فْرِد پايتن وهكْتُر اوتْس من الضابط الذي يراقب القافلة الذاهبة الى الصين وطلبا مكانا، كاد يغضب! «ماذا؟» صرخ. «كيف يمكنني ان اعطيكما مكانا ثمينا في شاحناتي من اجل كراريسكم التافهة في حين انني لا املك اطلاقا مكانا للمؤن العسكرية والطبية اللازمة بالحاح التي تبلى هنا في العراء؟» فتوقف فْرِد، مدَّ يده الى محفظته، اراه رسالة الترخيص، وأشار الى انه ستكون مسألة خطيرة جدا اذا تجاهل الامر الذي اعطاه الرسميون في رانڠون. فلم يرتِّب مراقب القافلة لنقل طنَّين من الكتب فقط بل وضع تحت تصرف الاخوين شاحنة صغيرة مع سائق ومؤن. فتوجَّها الى الشمال الشرقي على الطريق الجبلي الخطر الى الصين بحمولتهما الثمينة. وبعد الشهادة في باوشان، واصَلا السفر الى تشونڠ كنڠ (باشين). فوُزِّعت خلال السنة التي قضياها في الصين آلاف المطبوعات التي تخبر عن ملكوت يهوه. وكان بين الآخرين الذين شهدا لهم شخصيا شيانڠ كاي شيك، رئيس الحكومة الوطنية الصينية.
وفي هذه الاثناء، اذ اشتد القصف في بورما، غادر جميع الشهود هناك البلد ما عدا ثلاثة، ومعظمهم الى الهند. وبحكم الضرورة كان نشاط الثلاثة الذين بقوا محدودا. ولكنهم استمروا يشهدون بطريقة غير رسمية، فأثمرت جهودهم بعد الحرب.
وفي اميركا الشمالية ايضا واجهت شهود يهوه عقبات صعبة خلال الحرب. فعنف الرعاع الواسع الانتشار وتطبيق القوانين المحلية المخالف للدستور جلبا ضغطا كبيرا على عمل الكرازة. وسُجن الآلاف بسبب اتخاذ موقفهم كمسيحيين محايدين. إلا ان ذلك لم يُبطئ بخدمة الشهود من بيت الى بيت. وعلاوة على ذلك، ابتداء من شباط ١٩٤٠، صارت مألوفة رؤيتهم في الشوارع في المناطق التجارية يقدِّمون برج المراقبة و التعزية (الآن استيقظ!). وصارت غيرتهم اقوى ايضا. ورغم اختبارهم بعض الاضطهادات الاكثر شدة في تلك الناحية من العالم، صار عدد الشهود في الولايات المتحدة وكندا كلتيهما من السنة ١٩٣٨ الى السنة ١٩٤٥ اكثر من الضعف، وازداد الوقت الذي خصَّصوه لخدمتهم العامة ثلاثة اضعاف.
وفي بلدان كثيرة معروفة بالكومُنْولث البريطاني (في اميركا الشمالية، افريقيا، آسيا، وجزر الكاريبي والپاسيفيك) وُضع إما شهود يهوه او مطبوعاتهم تحت حظر حكومي. وأحد هذه البلدان كان اوستراليا. فالاشعار الرسمي الذي نُشر هناك في ١٧ كانون الثاني ١٩٤١، بأمر من الجنرال الحاكم، جعل اجتماع شهود يهوه للعبادة، توزيع ايٍّ من مطبوعاتهم، او حتى امتلاكها، غير شرعية. وتحت القانون كان ممكنا الاعتراض على الحظر في المحكمة، وهذا ما جرى فعله على الفور. ولكن مرّ اكثر من سنتين قبل ان يعلن حضرة قاضي المحكمة العليا ستارك ان الانظمة التي تأسس عليها الحظر هي «استبدادية، اعتباطية وظالمة.» فرفعت كامل هيئة المحكمة العليا الحظر. وماذا فعل شهود يهوه في هذه الاثناء؟
اقتداء برسل يسوع المسيح، ‹اطاعوا اللّٰه كحاكم اكثر من الناس.› (اعمال ٤:١٩، ٢٠؛ ٥:٢٩) واستمروا في الكرازة. حتى انهم، على الرغم من العقبات العديدة، رتَّبوا لمحفل في منتزه هارْڠْرايڤ، قرب سيدني، في ٢٥-٢٩ كانون الاول ١٩٤١. وعندما رفضت الحكومة تأمين المواصلات بالقطار لبعض المندوبين، جهَّز فريق من اوستراليا الغربية سياراتهم بوحدات منتجة للغاز تعمل بالفحم وبدأوا رحلة عبر البلد استغرقت ١٤ يوما، الامر الذي شمل قضاء اسبوع في عبور سهل نولاربور الصحراوي. فوصلوا بأمان وتمتعوا بالبرنامج مع الستة آلاف مندوب الآخرين. وفي السنة التالية عُقد محفل آخر، ولكن هذه المرة قُسِّم الى ١٥٠ فريقا اصغر في سبع مدن رئيسية عبر البلد، بخطباء يقومون برحلات مكوكية من موقع الى آخر.
واذ كانت الاحوال في اوروپا تتدهور سنة ١٩٣٩، تطوَّع بعض الخدام الفاتحين من شهود يهوه للخدمة في حقول اخرى. (قارنوا متى ١٠:٢٣؛ اعمال ٨:٤.) فأُرسل ثلاثة فاتحين المان من سويسرا الى شَنڠهاي، الصين. وذهب عدد الى اميركا الجنوبية. وبين الذين نُقلوا الى البرازيل كان اوتو اسْتِلْمان، الذي كان يزور ويساعد الجماعات في تشيكوسلوڤاكيا، وأيريخ كاتْنِر، الذي كان يخدم في مكتب جمعية برج المراقبة في پراڠ. وتعيينهما الجديد لم يكن تعيينا سهلا. فقد وجدا في بعض مناطق المزارع ان الشهود ينهضون باكرا ويكرزون حتى الساعة ٠٠:٧ صباحا ثم يقومون بخدمة حقل اضافية حتى وقت متأخر من المساء. ويتذكَّر الاخ كاتْنِر انه اذ كان يتنقل من مكان الى مكان، غالبا ما كان ينام في العراء، مستخدما حقيبة مطبوعاته كوسادة. — قارنوا متى ٨:٢٠.
كان الأخَوان اسْتِلْمان وكاتْنِر كلاهما قد تعرَّضا لملاحقة البوليس السري النازي في اوروپا. فهل حرَّرهما انتقالهما الى البرازيل من الاضطهاد؟ على العكس، فبعد سنة فقط وجدا انفسهما تحت الاقامة الجبرية والحبس المطوَّل بتحريض من رسميين متعاطفين كما يبدو مع النازيين! والمقاومة من رجال الدين الكاثوليك كانت ايضا شائعة، لكنَّ الشهود ثابروا على عملهم المعطى من اللّٰه. فبلغوا بثبات المدن والبلدات في البرازيل حيث لم يكن قد كُرز بعدُ برسالة الملكوت.
ان مراجعة الوضع العالمي تُظهر ان شهود يهوه في غالبية البلدان التي كانوا فيها خلال الحرب العالمية الثانية واجهوا حظرا حكوميا إما على هيئتهم او على مطبوعاتهم. فمع انهم كانوا يكرزون في ١١٧ بلدا في السنة ١٩٣٨، شهدت سنوات الحرب (١٩٣٩-١٩٤٥) حظرا على هيئتهم او مطبوعاتهم، او ترحيلا لخدامهم، في اكثر من ٦٠ من هذه البلدان. وحتى حيث لم يكن هنالك حظر، كانوا يواجهون عنف الرعاع وكانوا يُعتقَلون تكرارا. وعلى الرغم من هذا كله، لم تتوقف الكرازة بالبشارة.
الجمع الكثير يبدأون بالظهور في اميركا اللاتينية
في منتصف سنوات الحرب، في شباط ١٩٤٣، اذ كانت تخطِّط للعمل الواجب انجازه في فترة ما بعد الحرب، افتتحت جمعية برج المراقبة مدرسة جلعاد في ولاية نيويورك لتدريب المرسلين على الخدمة في البلدان الاجنبية. وقبل نهاية السنة، كان ١٢ من هؤلاء المرسلين قد ابتدأوا يخدمون في كوبا. وكان الحقل هناك مثمرا جدا.
قديما في السنة ١٩١٠، كانت بعض بزور حق الكتاب المقدس قد وصلت الى كوبا. وألقى ت. ت. رصل محاضرة هناك في السنة ١٩١٣. وخطب ج. ف. رذرفورد بالراديو في هاڤانا في السنة ١٩٣٢، وأُعيد بث المواد بالاسپانية. لكنَّ النمو كان بطيئا. وكانت هنالك في ذلك الحين امية واسعة الانتشار وكثير من التحامل الديني. والاهتمام الذي ظهر كان في البداية الى حد كبير بين السكان الناطقين بالانكليزية الذين كانوا قد اتوا من جامايكا وأماكن اخرى. وبحلول السنة ١٩٣٦ كان هنالك ٤٠ مناديا بالملكوت فقط في كوبا. ولكن بعد ذلك ابتدأ غرس وسقي بزور حق الملكوت يعطيان مزيدا من الثمر.
في السنة ١٩٣٤ اعتمد الكوبيون الاولون؛ وتبعهم آخرون. وابتداء من السنة ١٩٤٠، عزَّز البث الاذاعي اليومي المقترن بشهادة الشارع الجريئة الخدمة من بيت الى بيت هناك. وحتى قبل ان يصل المرسلون المدرَّبون في جلعاد في السنة ١٩٤٣، كان هنالك ٩٥٠ في كوبا ممَّن اعتنقوا البشارة وكانوا يكرزون بها للآخرين، مع انهم لم يكونوا جميعا يشتركون قانونيا. وخلال السنتين اللتين تبعتا وصول المرسلين، ازدادت الاعداد بسرعة اكبر ايضا. وبحلول السنة ١٩٤٥، بلغ عدد شهود يهوه في كوبا ٨٩٤,١. وبالرغم من ان معظمهم كانوا قد اتوا من دين يعلِّم ان كل مؤيدي الكنيسة الامناء سيذهبون الى السماء، اعتنقت بتوق الغالبية الساحقة لاولئك الذين صاروا شهودا ليهوه رجاء الحياة الابدية على الارض في فردوس مسترد. (تكوين ١:٢٨؛ ٢:١٥؛ مزمور ٣٧:٩، ٢٩؛ رؤيا ٢١:٣، ٤) ومنهم ٤,١ في المئة فقط اقرُّوا بأنهم اخوة ممسوحون بالروح للمسيح.
وبطريقة اخرى ايضا، زوَّد المركز الرئيسي العالمي للجمعية المساعدة لحقل اميركا اللاتينية. ففي وقت باكر من السنة ١٩٤٤ قضى ن. ه. نور، ف. و. فرانز، و. إ. ڤان آمبورڠ، و م. ج. هنشل عشرة ايام في كوبا لتقوية الاخوة هناك روحيا. وفي اثناء ذلك الوقت عُقد محفل في هاڤانا، وذُكرت الترتيبات لتنسيق عمل الكرازة بشكل افضل. وأخذت هذه الرحلة ايضا الاخ نور والاخ هنشل الى ڠواتيمالا، كوستاريكا، والمكسيك لمساعدة شهود يهوه في تلك البلدان.
في السنتين ١٩٤٥ و١٩٤٦، قام ن. ه. نور و ف. و. فرانز بجولات مكَّنتهما من التكلم والعمل مع الشهود في ٢٤ بلدا في المنطقة الممتدة من المكسيك الى الطرف الجنوبي من اميركا الجنوبية وكذلك في البحر الكاريبي. وقضيا شخصيا خمسة شهور في ذلك الجزء من العالم، مزوِّدَين العون والتوجيه الحبيَّين. وفي بعض الاماكن كانا يلتقيان مجموعة صغيرة من الاشخاص المهتمين. ولكي تكون هنالك ترتيبات قانونية للاجتماعات وخدمة الحقل، ساعدا شخصيا في تنظيم الجماعات الاولى في ليما، پيرو، وفي كاراكاس، ڤنزويلا. وحيثما كانت تُعقَد اجتماعات جماعية، كانا يحضرانها وأحيانا كانا يزوِّدان المشورة في كيفية تحسين قيمتها العملية في ما يتعلق بالعمل التبشيري.
وحيثما امكن، كانت تُصنع ترتيبات للخطابات العامة من الكتاب المقدس خلال هذه الزيارات. وكُثِّف الاعلان عن الخطابات من خلال استعمال اللافتات التي يلبسها الشهود ومن خلال اوراق الدعوة التي تُوزَّع في الشوارع. ونتيجة لذلك، سرّ الشهود الـ ٣٩٤ في البرازيل بأن يحضر ٧٦٥ محفلهم في سان پاولو. وفي تشيلي، حيث كان هنالك ٨٣ مناديا بالملكوت، اتى ٣٤٠ لسماع المحاضرة المعلَن عنها خصوصا. وفي كوستاريكا ابتهج الشهود المحليون الـ ٢٥٣ بأن يحضر محفلَيهم ما مجموعه ٨٤٩. لقد كانت هذه مناسبات لرفقة حميمة بين الاخوة.
ولكنَّ الهدف لم يكن مجرد عقد محافل مشهورة. فخلال هذه الجولات شدَّد الممثلون من المركز الرئيسي خصوصا على اهمية القيام بزيارات مكررة للناس المهتمين وادارة دروس بيتية في الكتاب المقدس معهم. فإذا كان الناس سيصيرون تلاميذ حقيقيين، يحتاجون الى الارشاد القانوني من كلمة اللّٰه. ونتيجة لذلك، نما بسرعة عدد الدروس البيتية في الكتاب المقدس في هذا الجزء من العالم.
بينما كان الاخ نور والاخ فرانز يقومان بجولات الخدمة هذه، كان المزيد من المرسلين المدرَّبين في جلعاد يصلون الى تعييناتهم. وبحلول نهاية السنة ١٩٤٤، كان البعض يخدمون في پورتو ريكو، كوستاريكا، والمكسيك. وفي السنة ١٩٤٥، كان مرسلون آخرون يساعدون على جعل عمل الكرازة افضل تنظيما في اورڠواي، باربادوس، پاناما، البرازيل، تشيلي، جامايكا، السلڤادور، ڠواتيمالا، كولومبيا، نيكاراڠْوا، هايتي، وهُندوراس البريطانية (الآن بيليز). وعندما وصل المرسَلان الاولان الى جمهورية الدومينيكان في السنة ١٩٤٥، كانا الشاهدَين الوحيدَين في البلد. وتأثير خدمة المرسلين الاولين جرى الشعور به بسرعة. قال ترينيداد پانْياڠْوا عن المرسلَين الاولَين اللذين أُرسلا الى ڠواتيمالا: «كان ذلك تماما ما نحتاج اليه — معلِّمين لكلمة اللّٰه يساعدوننا على فهم كيفية الشروع في انجاز العمل.»
وهكذا وُضع الاساس للتوسع في هذا الجزء من الحقل العالمي. ففي جزر الكاريبي كان هنالك ٣٩٤,٣ مناديا بالملكوت بحلول نهاية السنة ١٩٤٥. وفي المكسيك كان هنالك ٢٧٦,٣، و ٤٠٤ آخرون كانوا في اميركا الوسطى. وفي اميركا الجنوبية ٠٤٢,١. وبالنسبة الى هذا الجزء من العالم، يمثِّل ذلك زيادة ٣٨٦ في المئة خلال السنوات السبع السابقة، فترة مضطربة جدا من التاريخ البشري. ولكنَّ ذلك كان مجرد البداية. فالنمو بأبعاد كبيرة حقا كان لا يزال في المستقبل! وقد سبق الكتاب المقدس وأنبأ ان ‹جمعا كثيرا . . . من كل الامم والقبائل والشعوب والالسنة› سيُجمَعون كعبَّاد ليهوه قبل الضيقة العظيمة. — رؤيا ٧:٩، ١٠، ١٤.
عندما بدأت الحرب العالمية الثانية سنة ١٩٣٩، كان هنالك ٤٧٥,٧٢ شاهدا ليهوه فقط يكرزون في ١١٥ بلدا (اذا حُسبت وفقا للتقسيمات القومية في وقت باكر من تسعينات الـ ١٩٠٠). وعلى الرغم من الاضطهاد الشديد الذي اختبروه على نطاق عالمي، ازداد عددهم اكثر من الضعف بحلول نهاية الحرب. وهكذا اظهر تقرير السنة ١٩٤٥ ٢٩٩,١٥٦ شاهدا نشيطا في الـ ١٠٧ بلدان التي كان يمكن جمع التقارير عنها. ولكن، بحلول ذلك الوقت، كان هنالك ١٦٣ بلدا جرى بلوغها فعلا برسالة الملكوت.
ان الشهادة المعطاة خلال السنوات من ١٩٣٦ الى ١٩٤٥ كانت مذهلة حقا. فخلال عقد الاضطراب العالمي هذا خصَّص شهود يهوه الغيورون هؤلاء ما مجموعه ٢٨٥,٠٦٩,٢١٢ ساعة للمناداة للعالم بأن ملكوت اللّٰه هو الرجاء الوحيد للجنس البشري. ووزَّعوا ايضا ٥٧٩,٠٥٤,٣٤٣ كتابا، كراسا، ومجلة لمساعدة الناس على فهم اساس الاسفار المقدسة لهذه الثقة. ولمساعدة المهتمين باخلاص، كانوا في السنة ١٩٤٥ يديرون، كمعدل، ٨١٤,١٠٤ درسا بيتيا مجانيا في الكتاب المقدس.
[النبذة في الصفحة ٤٥٥]
مع ان ظروف زمن الحرب اجبرتهم على الهرب، داوموا على الكرازة
[الاطار/الصور في الصفحات ٤٥١-٤٥٣]
رفضوا التوقف عن الشهادة على الرغم من السجن
يظهر هنا مجرد قليلين من الآلاف الذين تألموا بسبب ايمانهم في السجون ومعسكرات الاعتقال خلال الحرب العالمية الثانية
١- أدريان تومپسون، نيوزيلندا. سُجن سنة ١٩٤١ في اوستراليا؛ رُفض طلبه الاعفاء من الخدمة الالزامية عندما حظرت اوستراليا شهود يهوه. وبعد اطلاق سراحه، كناظر جائل، قوَّى الجماعات في خدمتها العامة. خدم كمرسل وأول ناظر جائل في اليابان بعد الحرب؛ استمر يكرز بغيرة حتى موته في السنة ١٩٧٦.
٢- أَلُويْس موزِر، النمسا. في سبعة سجون ومعسكرات اعتقال. ولا يزال شاهدا نشيطا في السنة ١٩٩٢ بعمر ٩٢ سنة.
٣- فرانز ڤولْفارْت، النمسا. اعدام ابيه وأخيه لم يثنِ عزم فرانز. وُضع في معسكر رولْڤالْت في المانيا خمس سنوات. ولا يزال يشهد في السنة ١٩٩٢ بعمر ٧٠ سنة.
٤- توماس جونز، كندا. سُجن سنة ١٩٤٤، ثم وُضع في معسكرَي عمل الزامي. بعد ٣٤ سنة من الخدمة كامل الوقت، عُيِّن سنة ١٩٧٧ عضوا في لجنة الفرع التي تشرف على عمل الكرازة في كل كندا.
٥- مارِيا هومباخ، المانيا. اعتُقلت تكرارا؛ في حبس انفرادي طوال ثلاث سنوات ونصف. وكساعية بريد، خاطرت بحياتها لاخذ مطبوعات الكتاب المقدس الى الرفقاء الشهود. وهي، في السنة ١٩٩٢، عضو امين في عائلة البتل بعمر ٩٠ سنة.
٦- ماكس وكونْرات فرانكي، المانيا. أب وابن، سُجنا كلاهما تكرارا، ولسنوات عديدة. (زوجة كونْرات، ڠيرتْرُوت، كانت ايضا في السجن.) جميعهم بقوا اولياء، خداما غيورين ليهوه، وكونْرات كان في المقدمة لاعادة بناء عمل كرازة الشهود في المانيا ما بعد الحرب.
٧- پرايس هيوز، انكلترا. حُكم عليه بمدتَي سجن في وورمْوود سْكرَبْس، لندن؛ وكان قد سُجن ايضا بسبب ايمانه خلال الحرب العالمية الاولى. وكان في مقدمة عمل الكرازة بالملكوت في بريطانيا حتى موته في السنة ١٩٧٨.
٨- ادولف وإيما أرنولد مع الابنة سيمون، فرنسا. بعدما سُجن ادولف، واصلت إيما وسيمون الشهادة، وأيضا توزيع المطبوعات على الشهود الآخرين. عندما كانت إيما في السجن، احتُجزت في سجن انفرادي بسبب الشهادة باستمرار للسجينات الاخريات. وأُرسلت سيمون الى مدرسة اصلاحية. الجميع بقوا شهودا غيورين.
٩- أرنست وهيلدْڠارت زايْليڠِر، المانيا. قضيا ما مجموعه اكثر من ٤٠ سنة في السجون ومعسكرات الاعتقال بسبب ايمانهما. وحتى في السجن استمرا في اخبار الآخرين بحقائق الكتاب المقدس. وعندما صارا حرَّين خصَّصا وقتهما الكامل للكرازة بالبشارة. مات الاخ زايْليڠِر خادما وليا للّٰه في السنة ١٩٨٥؛ والاخت زايْليڠِر في السنة ١٩٩٢.
١٠- كارل جونسون، الولايات المتحدة. بعد سنتين من المعمودية، سُجن مع مئات الشهود الآخرين في آشلند، كنتاكي. خدم كفاتح وكناظر دائرة؛ لا يزال في السنة ١٩٩٢ يأخذ القيادة في خدمة الحقل كشيخ.
١١- أُوڠست پيترز، المانيا. اذ أُبعد عن زوجته وأولاده الاربعة، سُجن في ١٩٣٦-١٩٣٧، وأيضا في ١٩٣٧-١٩٤٥. وبعد اطلاق سراحه، بدلا من القيام بمقدار اقل من الكرازة، قام بالمزيد، في الخدمة كامل الوقت. وفي السنة ١٩٩٢، بعمر ٩٩ سنة، كان لا يزال يخدم كعضو في عائلة البتل وكان قد رأى عدد شهود يهوه في المانيا ينمو الى ٠٩٥,١٦٣.
١٢- ڠيرتْرُوت أُتْ، المانيا. سُجنت في لودز، پولندا، ثم في معسكر اعتقال أَوشڤيتس؛ وبعد ذلك في ڠروس-روزِن وبرڠِن-بِلزِن في المانيا. بعد الحرب خدمت بغيرة كمرسلة في إندونيسيا، ايران، ولوكسمبورڠ.
١٣- كاتْسْوو مِيُورا، اليابان. بعد سبع سنوات من اعتقاله وسجنه في هيروشيما، دمَّرت القنبلة الذرية التي خرَّبت المدينة قسما كبيرا من السجن الذي كان محبوسا فيه. لكنَّ الاطباء لم يجدوا دليلا على تضرره من الاشعاع. وقد استخدم السنوات الاخيرة من حياته كفاتح.
١٤- مارتن وڠيرتْرُوت پويتسنڠر، المانيا. بعد شهور قليلة من الزواج، اعتُقلا وفُصل احدهما عن الآخر بالقوة طوال تسع سنوات. فأُرسل مارتن الى داخاو وماوتهاوزن؛ وڠيرتْرُوت الى رَڤنْسْبروك. وعلى الرغم من المعاملة الوحشية، لم يتزعزع ايمانهما. وبعد ان أُطلق سراحهما وقفا كل جهودهما لخدمة يهوه. وطوال ٢٩ سنة خدم كناظر جائل في كل انحاء المانيا؛ ثم كعضو في الهيئة الحاكمة حتى موته في السنة ١٩٨٨. وفي السنة ١٩٩٢، كانت ڠيرتْرُوت لا تزال مبشرة غيورة.
١٥- جيزو وماتسو إيشي، اليابان. بعد توزيع مطبوعات الكتاب المقدس في كل انحاء اليابان طوال عقد، سُجنا. ومع ان عمل شهود يهوه في اليابان كان مسحوقا خلال الحرب، شهد الاخ والاخت إيشي ثانية بغيرة بعد الحرب. وبحلول السنة ١٩٩٢، كانت ماتسو إيشي قد شهدت ازدياد عدد الشهود النشاطى في اليابان الى اكثر من ٠٠٠,١٧١.
١٦- ڤيكتور بروك، لوكسمبورڠ. سُجن في بوكنْوُلد، لوبلين، أَوشڤيتس، ورَڤنْسْبروك. وبعمر ٩٠ سنة، لا يزال نشيطا كشيخ من شهود يهوه.
١٧- كارل شورسْتاين، المانيا. ناظر جائل قبل تولي هتلر السلطة. حُبس ثماني سنوات، ثم قتلته وحدات الحماية SS في داخاو سنة ١٩٤٤. وحتى داخل المعسكر، كان يواصل بناء الآخرين روحيا.
١٨- كيم پونڠ نيو، كوريا. حُبست ست سنوات. ولا تزال بعمر ٧٢ سنة تخبر الآخرين عن ملكوت اللّٰه.
١٩- پامفيل ألبو، رومانيا. بعد اساءة معاملته بوحشية، أُرسل الى معسكر عمل الزامي في يوڠوسلاڤيا لسنتين ونصف. وبعد الحرب سُجن مرتين اضافيتين طوال ١٢ سنة اخرى. ولم يتوقف عن التحدث عن قصد اللّٰه. وقبل موته ساعد الآلاف في رومانيا على الخدمة مع هيئة شهود يهوه العالمية.
٢٠- ڤيلْهَلْم شنايدر، پولندا. في معسكرات الاعتقال النازية ١٩٣٩-١٩٤٥. في السجون الشيوعية ١٩٥٠-١٩٥٦، وأيضا ١٩٦٠-١٩٦٤. حتى موته في السنة ١٩٧١، وقف طاقاته دون تزعزع للمناداة بملكوت اللّٰه.
٢١- هارالت وإلزا آبْت، پولندا. خلال الحرب وبعدها، قضى هارالت ١٤ سنة في السجن ومعسكرات الاعتقال بسبب ايمانه لكنه هناك ايضا استمر يكرز. وأُبعدت إلزا عن ابنتها الطفلة ثم احتُجزت في ستة معسكرات في پولندا، المانيا، والنمسا. وعلى الرغم من الحظر ٤٠ سنة على شهود يهوه في پولندا حتى بعد الحرب، بقوا جميعهم خداما غيورين ليهوه.
٢٢- آدم سينڠر، هنڠاريا. خلال ست محاكمات، حُكم عليه بـ ٢٣ سنة، خدم منها ٢/١ ٨ سنوات في السجن ومعسكرات العمل الالزامي. وعندما صار حرًّا، خدم كناظر جائل طوال ما مجموعه ٣٠ سنة. ولا يزال بعمر ٦٩ سنة شيخا وليا في الجماعة.
٢٣- جوزيف دوس سانتوس، الفيليپين. خصَّص ١٢ سنة كمنادٍ كامل الوقت برسالة الملكوت قبل سجنه في السنة ١٩٤٢. اعاد احياء نشاط شهود يهوه في الفيليپين بعد الحرب واستمر شخصيا في خدمة الفتح حتى موته في السنة ١٩٨٣.
٢٤- رودولف سونَل، الولايات المتحدة. سُجن في مِل پوينت، ڤرجينيا الغربية. بعد اطلاق سراحه خصَّص كامل الوقت لنشر معرفة ملكوت اللّٰه — كفاتح، عضو في عائلة البتل، وناظر دائرة. ولا يزال في السنة ١٩٩٢، بعمر ٧٨ سنة، يخدم كفاتح.
٢٥- مارتن ماڠْياروزي، رومانيا. من السجن، ١٩٤٢-١٩٤٤، استمر يعطي التوجيه في ما يتعلق بالكرازة بالبشارة في ترانسيلڤانيا. وعندما أُطلق سراحه سافر بشكل واسع ليشجع الرفقاء الشهود في كرازتهم وكان هو نفسه شاهدا شجاعا. سُجن ثانية في السنة ١٩٥٠، ومات خادما وليا ليهوه في معسكر للعمل الالزامي في السنة ١٩٥٣.
٢٦- ر. آرثر ڤنكْلِر، المانيا والنَّذَرلند. أُرسل اولا الى معسكر اعتقال استِرْوَڠِن؛ داوم على الكرازة في المعسكر. ولاحقا، في النَّذَرلند، ضربه الڠستاپو حتى لم تعد معرفته ممكنة. وأخيرا أُرسل الى زاكسنهاوزن. بقي شاهدا وليا غيورا حتى موته في السنة ١٩٧٢.
٢٧- پاك اوكْخي، كوريا. ثلاث سنوات في سجن سوتايمُن، سييول؛ أُخضعت لتعذيب لا يوصَف. وكانت لا تزال بعمر ٩١ سنة، في السنة ١٩٩٢، تشهد بغيرة كفاتحة خصوصية.
[الخريطة/الصورة في الصفحة ٤٤٧]
ألكسندر ماڠيلِڤْراي، بصفته ناظر فرع اوستراليا، ساعد على التخطيط لرحلات كرازية الى بلدان وجزر كثيرة
[الخريطة]
(اطلب النص في شكله المنسَّق في المطبوعة)
اوستراليا
نيوزيلندا
تاهيتي
تونڠا
فيجي
غينيا الجديدة
جاوا
بورنيو
سومَطْرة
بورما
هونڠ كونڠ
ملايو
سيام
الهند الصينية
الصين
المحيط الپاسيفيكي
اسماء الاماكن هي كما كانت مستعملة خلال ثلاثينات الـ ١٩٠٠
[الخريطة/الصور في الصفحة ٤٦١]
بحلول اواخر السنة ١٩٤٥، كان المرسلون من مدرسة جلعاد قد شرعوا في الخدمة في ١٨ بلدا في هذا الجزء من العالم
تشارلز ولورِن آيزنهاور
كوبا
جون وآدا پاركر
ڠواتيمالا
اميل ڤان دالِن
پورتو ريكو
اولاف اولسُن
كولومبيا
دون بيرت
كوستاريكا
ڠلاديس وِلْسون
السلڤادور
هايزل بَرْفورد
پاناما
لويز سْتابْس
تشيلي
[الخريطة]
(اطلب النص في شكله المنسَّق في المطبوعة)
باربادوس
بيليز
بوليڤيا
البرازيل
تشيلي
كولومبيا
كوستاريكا
كوبا
جمهورية الدومينيكان
السلڤادور
ڠواتيمالا
هايتي
جامايكا
المكسيك
نيكاراڠْوا
پاناما
پورتو ريكو
اورڠواي
[الصورة في الصفحة ٤٤٤]
بعض موزعي المطبوعات الجائلين وزَّعوا صناديق كرتونية كثيرة من المطبوعات؛ وأصحاب البيوت تلقَّوا مواعظ عديدة من الكتاب المقدس في كل كتاب
[الصورة في الصفحة ٤٤٥]
أرماندو مِنَتْسي (الوسط الى الامام) وفريق سعيد سافر معه في رحلة كرازية في «بيت الفاتحين على دواليب» الذي لهم
[الصورة في الصفحة ٤٤٥]
آرثر ويليس، تِد سيووِل، وبيل نيولَنْدز — ثلاثة اخذوا رسالة الملكوت الى الريف النائي الاوسترالي
[الصورة في الصفحة ٤٤٦]
فرانك دِيوَر (الظاهر هنا مع زوجته وابنتيهما) ذهب الى تايلند كفاتح منعزل سنة ١٩٣٦ وكان لا يزال فاتحا خصوصيا في السنة ١٩٩٢
[الصورة في الصفحة ٤٤٦]
جومْجاي إنتاپان استخدمت مقدرتها كمترجمة لبلوغ الناس التايلنديين بالبشارة الموجودة في الكتاب المقدس
[الصورة في الصفحة ٤٤٩]
في المانيا، منح شهود يهوه هذه الرسالة المفتوحة توزيعا عاما واسعا في السنة ١٩٣٧، مع ان عبادتهم كانت تحت حظر حكومي
[الصورة في الصفحة ٤٤٨]
عائلة فرانز وهيلدا كوسِرو — كل واحد منهم شاهد امين ليهوه، مع ان الجميع في العائلة (ما عدا ابنا كان قد مات في حادث) وُضعوا في معسكرات للاعتقال، سجون، او مدارس اصلاحية بسبب ايمانهم
[الصور في الصفحة ٤٥٠]
بعض الذين خاطروا بحياتهم في النمسا والمانيا لنَسخ او توزيع المواد الثمينة لدرس الكتاب المقدس، كتلك الظاهرة في الخلفية
تيريز شْرايبِر
پيتر ڠولز
إلفريدا لور
ألبرت ڤاندْرِس
أُوڠست كرافت
إلزا أُنتِرْدورْفِر
[الصورة في الصفحة ٤٥٤]
شهود في محفل في شَنڠهاي، الصين، سنة ١٩٣٦؛ تسعة من هذا الفريق اعتمدوا في تلك المناسبة
[الصورة في الصفحة ٤٥٦]
على الرغم من حظر عبادتهم، عقد هؤلاء الشهود محفلا في منتزه هارْڠْرايڤ، قرب سيدني، اوستراليا، في السنة ١٩٤١
[الصورة في الصفحة ٤٥٨]
شهود كوبيون في محفل في سيانفواڠوس سنة ١٩٣٩
[الصورة في الصفحة ٤٥٩]
ن. ه. نور (اليسار) في محفل سان پاولو سنة ١٩٤٥، مع أيريخ كاتْنِر كمترجم
-
-
الجزء ٤ — شهود الی اقصی الارضشهود يهوه — منادون بملكوت اللّٰه
-
-
الفصل ٢٢
الجزء ٤ — شهود الى اقصى الارض
بينما كانت الحرب العالمية الثانية لا تزال جارية، كان شهود يهوه يضعون الخطط لنشاط مكثَّف في فترة ما بعد الحرب. والتقرير في الصفحات ٤٦٢ الى ٥٠١ يورد تفاصيل مذهلة لما حدث فعلا من السنة ١٩٤٥ الى السنة ١٩٧٥ فيما كانوا يزدادون في العدد، يبلغون بلدانا عديدة اكثر، وينهمكون في الكرازة والتعليم بكلمة اللّٰه بطريقة اكثر شمولا من ايّ وقت مضى.
معظم جزر الهند الغربية كان قد جرى بلوغها بطريقة ما برسالة الملكوت بحلول السنة ١٩٤٥. ولكنَّ شهادة اكثر شمولا كان يلزم تقديمها. والمرسلون المدرَّبون في مدرسة جلعاد كانوا سيلعبون دورا مهما.
المرسلون يكثِّفون الشهادة في جزر الهند الغربية
بحلول السنة ١٩٦٠ كان هؤلاء المرسلون قد خدموا في ٢٧ جزيرة او مجموعة جزر في البحر الكاريبي. ونصف هذه الاماكن لم تكن فيها جماعات لشهود يهوه عندما وصل المرسلون. وشرع المرسلون في ادارة دروس بيتية في الكتاب المقدس مع الاشخاص المهتمين، ونظَّموا اجتماعات قانونية. وحيث كانت هنالك جماعات من قبل، منحوا الناشرين المحليين تدريبا قيِّما. ونتيجة لذلك، تحسَّنت نوعية الاجتماعات والفعَّالية في الخدمة.
كان تلاميذ الكتاب المقدس الاولون يشهدون في ترينيداد قبل الحرب العالمية الاولى، ولكن عقب وصول المرسلين من جلعاد في السنة ١٩٤٦، مُنحت ادارة الدروس البيتية في الكتاب المقدس مع الاشخاص المهتمين زخما قويا. وفي جامايكا كانت الكرازة بالبشارة ماضية قُدُما طوال نصف قرن تقريبا، وكان هنالك ألف شاهد محلي عند وصول المرسل الاول؛ ولكنهم كانوا مسرورين بنيل المساعدة في بلوغ الناس المثقَّفين اكثر، وخصوصا في منطقة الضاحية حول العاصمة. ومن جهة اخرى، سبق وجرى انجاز الكثير من الشهادة في اروبا في المجتمع الناطق بالانكليزية، ولذلك وجَّه المرسلون الانتباه الى السكان الاصليين. فكل فرد كان يلزم ان يسمع البشارة.
وللتأكد من حصول الناس في كل الجزر في هذه الناحية من الارض على فرصة السماع عن ملكوت اللّٰه، جهَّزت جمعية برج المراقبة سنة ١٩٤٨ المركب الشراعي سيبِيا البالغ طوله ٥٩ قدما (١٨ م) كبيت عائم للمرسلين. وعُيِّن الطاقم لحمل رسالة الملكوت الى كل جزيرة من جزر الهند الغربية حيث لم يكن هنالك احد يقوم بالكرازة بالبشارة. ڠاست ماكي كان الربَّان، وكان معه ستانلي كارتر، رونالد پاركِن، وآرثر وُرْسْلي. فبدأوا بالجزر الخارجية لمجموعة جزر بَهاما، ثم شقوا طريقهم الى الجنوب الشرقي عبر جزر لِيوَرْد وجزر وِنْدْوَرْد. وأيّ تأثير كان لزياراتهم؟ قال لهم رجل اعمال في سانت مارتن: «لم يكن الناس يتكلمون قط عن الكتاب المقدس، ولكن منذ اتيتم الى هنا يتكلم كل واحد عن الكتاب المقدس.» ولاحقا، استُبدلت الـ سيبِيا بمركب اكبر، النور. وحصلت ايضا تغييرات في الطاقم. وفي غضون عقد أُنجز العمل الخصوصي الذي كان يجري باستخدام هذين المركبين، والمنادون بالبشارة الذين يعملون على البر كانوا يواصلونه.
الشهادة اولا في المدن الاكبر
كما صح في جزر الهند الغربية، كذلك ايضا كان هنالك في اميركا الوسطى والجنوبية اناس في مناطق كثيرة سبقوا وحصلوا على بعض مطبوعات جمعية برج المراقبة قبل وصول المرسلين من مدرسة جلعاد. ولكن، لبلوغ كل فرد بالبشارة ولمساعدة المخلصين على الصيرورة تلاميذ حقيقيين، كان التنظيم المحسَّن لازما.
وفي الوقت الذي انتهت فيه الحرب العالمية الثانية في السنة ١٩٤٥، كان هنالك مئات من شهود يهوه في الارجنتين والبرازيل؛ نحو ثلاثة آلاف في المكسيك؛ جماعات قليلة صغيرة جدا في اورڠواي، پاراڠواي، تشيلي، ڠِييانا البريطانية (الآن ڠَيانا)، وڠِييانا الهولندية (الآن سورينام)؛ ومجموعة صغيرة من الناشرين في ڠواتيمالا، ڤنزويلا، وكولومبيا. أما بالنسبة الى إكوادور، بوليڤيا، السلڤادور، نيكاراڠْوا، وهُندوراس، فان نشاط شهود يهوه لم يترسخ على ايّ اساس دائم الى ان وصل المرسلون الذين تدرَّبوا في مدرسة جلعاد.
وجَّه المرسلون في بادئ الامر انتباها خصوصيا الى المراكز السكانية الرئيسية. ومن الجدير بالملاحظة ان الرسول بولس في القرن الاول قام بالكثير من كرازته في المدن على طول طرق السفر الرئيسية في آسيا الصغرى وفي اليونان. وفي كورنثوس، احدى ابرز المدن في اليونان القديمة، خصَّص بولس ١٨ شهرا لتعليم كلمة اللّٰه. (اعمال ١٨:١-١١) وفي افسس، مفترق طرق للسفر والتجارة في العالم القديم، نادى بملكوت اللّٰه طوال اكثر من سنتين. — اعمال ١٩:٨-١٠؛ ٢٠:٣١.
وبطريقة مماثلة، عندما وصل ادْوَرْد ميهالِك وهارولد مورِس، مرسَلان متخرجان من مدرسة جلعاد، الى بوليڤيا سنة ١٩٤٥، لم يفتشا عن موقع بمناخ مؤاتٍ اكثر. وعوضا عن ذلك، منحا الانتباه اولا لـ لا پاز، العاصمة، التي تقع في جبال الأنديز على ارتفاع يبلغ نحو ٠٠٠,١٢ قدم (٧٠٠,٣ م). وهو صراع للقادمين الجدد ان يتسلقوا الشوارع الشديدة الانحدار في هذا الارتفاع؛ فغالبا ما كانت قلوبهم تضرب كالمطرقة. ولكنَّ المرسلَين وجدا اناسا كثيرين مهتمين برسالة الكتاب المقدس. وهناك في العاصمة، لم يكن غير عادي ان يقال لهما: «انا من الروم الكاثوليك الرسوليين، ولكنني لا احب الكهنة.» وفي غضون شهرين فقط، كان المرسَلان يديران ٤١ درسا بيتيا في الكتاب المقدس.
خلال العقد التالي، اذ وصل مرسلون اضافيون ونما عدد الشهود المحليين، مُنح الانتباه لمدن بوليڤية اخرى: كوتشابامبا، أورورو، سانتا كروز، سوكريه، پوتوسي، وتاريخا. وبعد ذلك، امكن توجيه المزيد من الانتباه الى المدن والبلدات الاصغر والمناطق الريفية ايضا.
وبشكل مماثل، بدأ المرسلون في كولومبيا كرازة منظَّمة في العاصمة، بوڠوتا، في السنة ١٩٤٥، وفي المدينة الساحلية بارّانكييا في السنة التالية. وبعد ذلك، وُجِّه الانتباه تدريجيا الى قرطاجَنّة، سانتا مارتا، كالي، وميديلين. وكان يمكن بلوغ اناس اكثر في غضون فترة قصيرة بالعمل في المدن الاكبر اولا. وبمساعدة اولئك الذين تعلَّموا الحق هناك، كانت الرسالة ستُحمل سريعا الى المناطق المجاورة.
وعندما يظهر اهتمام قليل جدا في مدينة ما، كان المرسلون ينتقلون الى اماكن اخرى. وهكذا، في إكوادور، عندما لم تُنتج ثلاث سنوات من العمل في اواسط خمسينات الـ ١٩٠٠ شخصا واحدا لديه الشجاعة ليتخذ موقفا الى جانب الحق في كْوِنْكا الدينية المتعصبة، نُقل كارل داكاو الى ماتشالا، مدينة يسكنها اناس متساهلون منفتحو العقل. ولكن بعد عقد تقريبا أُعطي الناس في كْوِنْكا فرصة اخرى. فوُجدت روح مختلفة، وجرى التغلب على العقبات، وبحلول السنة ١٩٩٢ صار اكثر من ٢٠٠,١ شخص في كْوِنْكا وحولها شهودا ليهوه وكانوا منظَّمين في ٢٥ جماعة!
البحث بصبر عن المشبَّهين بالخراف
كان يلزم كثير من الصبر للتفتيش عن الاشخاص المشبَّهين حقا بالخراف. فلكي يجدوهم في سورينام، كان شهود يهوه يكرزون للإندونيسيين، الصينيين، اللبنانيين، الهنود الاميركيين، اليهود، المتحدرين من مقيمين هولنديين، وقبائل الادغال المؤلَّفة من الزنوج الاصليين، الذين كان اسلافهم عبيدا هاربين. وبينهم وُجد مئات الجياع فعلا الى الحق. والبعض كان يجب ان يتحرروا من التورط العميق في مذهب الروحانية والممارسات الارواحية. وأحد هؤلاء هو پايتو، طبيب ساحر، الذي اصغى الى رسالة الكتاب المقدس ثم رمى اصنامه، تعاويذه، وأدويته السحرية في النهر. (قارنوا تثنية ٧:٢٥؛ ١٨:٩-١٤؛ اعمال ١٩:١٩، ٢٠.) وفي السنة ١٩٧٥ نذر نفسه ليهوه، الاله الحقيقي.
ان عددا كبيرا من سكان الپيرو يسكنون في قرى صغيرة مشتَّتة في جبال الأنديز وفي الادغال المحيطة بمنبع نهر الامازون. فكيف كان يمكن بلوغهم؟ في السنة ١٩٧١ سافرت عائلة من الشهود من الولايات المتحدة الى الپيرو لزيارة ابنها المرسل، جو لايدِخ. وعندما صاروا يدركون العدد الكبير للقرى المنتشرة هنا وهناك في الاودية الجبلية، دفعهم اهتمامهم بهؤلاء الناس الى فعل شيء. فساعدوا في بادئ الامر في تزويد سيارة تُستخدم كبيت، ثم سيارتين اضافيتين، وكذلك دراجات آلية صغيرة للاستعمال في الرحلات الكرازية الواسعة الى هذه المناطق النائية.
وعلى الرغم من الجهد المبذول، ففي اماكن كثيرة بدا ان قليلين جدا فقط يُظهرون اهتماما برسالة الكتاب المقدس. ويمكنكم ان تتصوروا جيدا كيف شعر الفريق المؤلَّف من ستة مرسلين شبان في باركيسيميتو، ڤنزويلا، في اوائل خمسينات الـ ١٩٠٠ عندما لم يروا، بعد سنة كاملة من الكرازة النشيطة، ايّ تقدُّم. ومع ان الناس كانوا وديين تماما، إلا ان معظمهم كانوا منغمسين في الخرافات وكانوا يعتبرون حتى قراءة آية من الكتاب المقدس خطية. وكان اعضاء العائلة او الجيران سرعان ما يثبِّطون ايّ شخص يُظهر الاهتمام. (متى ١٣:١٩-٢١) ولكنَّ المرسلين، اذ كانوا واثقين بأنه لا بد ان يكون هنالك اشخاص مشبَّهون بالخراف في باركيسيميتو وأن يهوه سيجمعهم في وقته المعيَّن، داوموا على الزيارة من بيت الى بيت. ولذلك كم ابتهجت پِني ڠاڤِت ذات يوم عندما اصغت اليها امرأة شائبة ثم قالت:
«آنستي، منذ كنت فتاة صغيرة انتظر ان يأتي احد الى بابي ويوضح الامور التي تخبرينني اياها الآن. فعندما كنت فتاة، كنت انظف بيت الكاهن، وكان يملك في مكتبته كتابا مقدسا. وكنت اعرف ان قراءته محرَّمة علينا، ولكنني كنت فضولية جدا لاعرف السبب، وذات يوم عندما لم يكن احد منتبها، اخذته معي الى البيت وقرأته سرّا. وما قرأته جعلني ادرك ان الكنيسة الكاثوليكية لم تكن تعلِّمنا الحق ولذلك لم تكن الدين الحقيقي. كنت اخاف ان اقول شيئا لاحد، ولكنني كنت متيقنة انه يوما ما سيأتي الذين يعلِّمون الدين الحقيقي الى بلدتنا. وعندما اتى الدين الپروتستانتي، اعتقدت في البداية انه لا بد ان يكونوا هم الاشخاص، لكنني سرعان ما اكتشفت انهم كانوا يعلِّمون الكثير من الاباطيل نفسها التي تعلِّمها الكنيسة الكاثوليكية. والآن، فان ما اخبرتني اياه منذ قليل هو ما قرأته في ذلك الكتاب المقدس قبل سنوات كثيرة.» ووافقتْ بتوق على درس الكتاب المقدس وصارت واحدة من شهود يهوه. وعلى الرغم من المقاومة العائلية، خدمت يهوه بأمانة حتى موتها.
كان يلزم جهد كبير لجمع اشخاص مشبَّهين بالخراف كهؤلاء في جماعات وتدريبهم على الاشتراك في خدمة يهوه. مثلا، في الارجنتين، كان روسِنْدو اوخَيْدا يسافر قانونيا نحو ٤٠ ميلا (٦٠ كلم) من جنرال سان مارتين، تشاكو، ليدير اجتماعا في بيت أليخاندرو سوزُنْيِيُوك، شخص مهتم. وكانت الرحلة تستغرق عادةً عشر ساعات، جزء منها على دراجة، وجزء سيرا على القدمين، خائضين أحيانا في الماء حتى الابطين. وكان يقوم بالرحلة مرة في الشهر طوال خمس سنوات، ماكثا اسبوعا كل مرة ليشهد في المنطقة. فهل كان الامر جديرا بذلك؟ لم يكن لديه شك في ذلك لأن النتيجة كانت جماعة سعيدة من مسبِّحي يهوه.
ترويج التعليم من اجل الحياة
في المكسيك، انجز شهود يهوه عملهم انسجاما مع القوانين التي تضبط الهيئات الثقافية هناك. وهدف الشهود كان اكثر من مجرد عقد اجتماعات تُلقى فيها المحاضرات. فقد ارادوا ان يكون الناس كأهل بيرية في ايام الرسول بولس الذين كانوا قادرين على ‹فحص الكتب باعتناء ليروا هل هذه الامور هكذا.› (اعمال ١٧:١١) وفي المكسيك، كما في بلدان اخرى كثيرة، غالبا ما شمل ذلك تزويد المساعدة الخصوصية للناس الذين لم يتعلَّموا في المدرسة ولكنهم يريدون ان يتمكَّنوا هم انفسهم من قراءة كلمة اللّٰه الملهمة.
ان صفوف تعليم القراءة والكتابة التي ادارها شهود يهوه في المكسيك ساعدت عشرات الآلاف من الناس هناك على تعلم القراءة والكتابة. وهذا العمل تقدِّره وزارة التربية العامة في المكسيك، وفي السنة ١٩٧٤ كتب مدير في المكتب العام لتعليم الراشدين رسالة الى لا تور دِل ڤيخيا دا ماخيكو، جمعية مدنية يستخدمها شهود يهوه، قائلا: «انتهز هذه الفرصة لأهنئكم بحرارة . . . بالمؤسسة الجديرة بالمدح التي توسعها جمعيتكم سنة بعد سنة لفائدة شعبنا.»
فيما يعدّ الناس للحياة الابدية كرعايا لملكوت اللّٰه، فان التعليم الذي يزوِّده الشهود يرفع ايضا مستوى حياتهم العائلية الآن. وبعد ان اجرى قاضٍ في ايل سالتو، ولاية دورانڠو، مراسم الزواج في مناسبات مختلفة لشهود يهوه، ذكر في السنة ١٩٥٢: «نحن ندَّعي اننا وطنيون ومواطنون صالحون ولكنَّ شهود يهوه اخجلونا. انهم مثال لنا لأنهم لا يسمحون بوجود شخص عازب في هيئتهم يعيش زواجا مؤسسا على الاتفاق المتبادل ولم يجعل علاقته شرعية. وأنتم، ايها الكاثوليك، كلكم تقريبا تعيشون حياة فاسدة ادبيا ولم تجعلوا زيجاتكم شرعيا.»
وهذا البرنامج التعليمي يساعد الناس ايضا على تعلُّم العيش معا في سلام، محبة احدهم الآخر بدلا من البغض والقتل. وعندما ابتدأ شاهد يكرز في ڤينادو، ولاية ڠواناخواتو، وجد ان الناس جميعا مسلَّحون بالبنادق والمسدسات. والحزازات ادَّت الى ابادة عائلات. لكنَّ ارشاد الكتاب المقدس احدث تغييرات كبيرة. فبيعت البنادق من اجل شراء كتب مقدسة. وأكثر من ١٥٠ في المنطقة سرعان ما اصبحوا شهودا ليهوه. ومجازيا ‹طبعوا سيوفهم سككا› وابتدأوا يتبعون طرق السلام. — ميخا ٤:٣.
اصغى مكسيكيون خائفون اللّٰه كثيرون الى ما علَّمهم اياه شهود يهوه من كلمة اللّٰه. ونتيجة لذلك، سرعان ما صار الآلاف القليلون من الناشرين في المكسيك عقب الحرب العالمية الثانية ٠٠٠,١٠، ثم ٠٠٠,٢٠، ٠٠٠,٤٠، ٠٠٠,٨٠، وأكثر اذ اظهر الشهود للآخرين كيف يطبقون مشورة كلمة اللّٰه وكيف يعلِّمونها لآخرين ايضا.
الاجتماع معا تحت الشدة
ولكن، اذ كان عدد شهود يهوه يزداد، وجدوا انه في بلد بعد آخر كان يجب التغلب على العقبات الصعبة لعقد محافل من اجل الارشاد المسيحي. ففي الارجنتين وُضعوا تحت الحظر الحكومي في السنة ١٩٥٠. لكنهم، بدافع الطاعة للّٰه، لم يتوقفوا عن الكرازة، ولم يتركوا اجتماعهم معا. وكانت الترتيبات نوعا ما اكثر تعقيدا، لكنَّ المحافل عُقدت.
مثلا، في اواخر السنة ١٩٥٣، زار الاخ نور والاخ هنشل الارجنتين ليخدما محفلا قومي النطاق. فدخل الاخ نور البلد من الغرب، وبدأ الاخ هنشل زياراته في الجنوب. وألقيا خطابات في فرق اجتمعت في مزارع، في بستان فاكهة، في اثناء نزهة عند جدول جبلي، وفي البيوت الخاصة. وغالبا ما كان يجب ان يسافرا مسافات طويلة من فريق الى آخر. واذ وصلا الى بونس إيريس، خدم كلٌّ منهما في البرامج في تسعة مواقع في اليوم الاول، وفي احد عشر بيتا في اليوم التالي. ومعا القيا محاضرات في ٥٦ فريقا، بمجموع حضور من ٥٠٥,٢. لقد كان برنامجا مضنيا، لكنهما كانا سعيدَين بأن يخدما اخوتهما بهذه الطريقة.
وعند اعداد محفل في كولومبيا سنة ١٩٥٥، عقد الشهود اتفاقا لاستخدام قاعة في بارّانكييا. ولكن، تحت ضغط من الاسقف، تدخَّل المحافظ والحاكم، وأُلغي العقد. وبإشعار قبل يوم واحد فقط، غيَّر الاخوة موقع المحفل، مرتبين لعقده في مبنى مكتب فرع الجمعية. ولكن، اذ بدأت فترة المساء الاولى، وصلت الشرطة المسلَّحة ومعها اوامر بفضّ المحفل. فاستمر الاخوة. وأدَّت مناشدة للمحافظ في الصباح التالي الى اعتذار من امين سره، واحتشد ما يقارب الـ ٠٠٠,١ شخص في عقار الجمعية لليوم الاخير من برنامج محفل «الملكوت الظافر» هذا. وهكذا، على الرغم من الظروف التي كانت موجودة آنذاك، تقوَّى الاخوة بالمشورة الروحية اللازمة.
الخدمة حيث الحاجة اعظم
كان الحقل واسعا، والحاجة الى فعلة كانت كبيرة في اميركا اللاتينية، كما كانت الحال في اماكن اخرى كثيرة. وفي السنة ١٩٥٧، في محافل عالمية النطاق، جرى تشجيع الافراد والعائلات الذين هم شهود ليهوه ناضجون على التأمل في الانتقال فعليا الى مناطق حيث الحاجة اعظم للسكن ومواصلة خدمتهم هناك. وبعد ذلك مُنح تشجيع مماثل بطرائق متنوعة. فكانت الدعوة اشبه بالتي قدَّمها اللّٰه للرسول بولس، الذي شاهد في رؤيا رجلا يتوسل اليه: «اعبر الى مكدونية وأعِنَّا.» (اعمال ١٦:٩، ١٠) فماذا كان التجاوب مع الدعوة العصرية؟ قدَّم خدام يهوه انفسهم طوعا. — مزمور ١١٠:٣.
بالنسبة الى عائلة لديها اولاد صغار، يتطلب مقدارا كبيرا من الايمان ان يغادروا، يتركوا الاقرباء والبيت والاستخدام الدنيوي، ويسافروا الى بيئة جديدة كليا. والانتقال قد يتطلب قبول مقياس عيش مختلف تماما، وفي بعض الحالات تعلُّم لغة جديدة. ومع ذلك، قام آلاف الشهود الافراد والعائلات بانتقال كهذا لكي يساعدوا الآخرين على التعلُّم عن تدابير يهوه الحبية للحياة الابدية.
واذ تجاوبوا بسرعة، انتقل عدد من شهود يهوه في وقت متأخر من خمسينات الـ ١٩٠٠؛ آخرون في ستينات الـ ١٩٠٠؛ وآخرون ايضا في سبعينات الـ ١٩٠٠. وانتقال الشهود الى مناطق حيث الحاجة اعظم يستمر حتى الوقت الحاضر.
ومن اين اتوا؟ اعداد كبيرة من اوستراليا، كندا، نيوزيلندا، والولايات المتحدة. وكثيرون من المانيا، بريطانيا، وفرنسا. وأيضا من اسپانيا، ايطاليا، بلجيكا، جمهورية كوريا، الدنمارك، السويد، سويسرا، فنلندا، نَروج، النمسا، واليابان، بين اخرى. واذ كان عدد شهود يهوه يزداد في الارجنتين، البرازيل، المكسيك، وبلدان اخرى في اميركا اللاتينية، كانت هذه تزوِّد ايضا الفعلة الراغبين في الخدمة في بلدان اخرى حيث الحاجة ماسة. وبشكل مماثل، انتقل الفعلة الغيورون في افريقيا من بلد الى آخر للمساعدة على تقديم شهادة.
والى اية مناطق انتقلوا؟ بلدان مثل أفغانستان، السنڠال، وماليزيا، وجزر مثل ريونيون وسانت لوسيا. وانتقل نحو ٠٠٠,١ الى ايرلندا، حيث خدموا لفترات مختلفة من الوقت. وذهب عدد كبير الى ايسلندا، على الرغم من اشتيتها الطويلة المظلمة، والبعض بقوا، صائرين اعمدة في الجماعات ومزوِّدين العون الحبي للاشخاص الاجدّ. وجرى انجاز الكثير من الخير خصوصا في اميركا الوسطى والجنوبية. وأكثر من ٠٠٠,١ شاهد انتقلوا الى كولومبيا، وما يزيد على ٨٧٠ الى إكوادور، وأكثر من ١١٠ الى السلڤادور.
هارولد وآن زيمرمَن كانا بين الذين انتقلوا. وقد سبقا وخدما كمعلِّمَين ارساليَّين في إثيوپيا. ولكن، في السنة ١٩٥٩، عندما كانا يُنهيان الترتيبات للانتقال من الولايات المتحدة الى كولومبيا للاشتراك في نشر رسالة الملكوت هناك، كانا يربيان اربعة اولاد تتراوح اعمارهم بين خمسة اشهر وخمس سنوات. سبقهم هارولد ليبحث عن عمل. وعندما وصل الى البلد، ازعجته تقارير اخبارية محلية. فحرب اهلية غير معلَنة كانت جارية، وكانت هنالك اعمال قتل جماعي داخل البلد. فسأل نفسه، ‹هل اريد حقا ان اجلب عائلتي لتعيش في احوال كهذه؟› فتَّش في ذاكرته عن مثال او مبدإ توجيهي في الكتاب المقدس. وما خطر بباله هو رواية الكتاب المقدس عن الجواسيس الخائفين الذين قدَّموا لمحلة الاسرائيليين تقريرا رديا عن ارض الموعد. (عدد ١٣:٢٥–١٤:٤، ١١) وهذا بتَّ الامر؛ فلم يُرد ان يكون مثلهم! فرتَّب فورا لمجيء عائلته. ولم يجد العمل الدنيوي اللازم إلا بعد ان تضاءلت اموالهم الى ثلاثة دولارات فقط، ولكنهم حصلوا على ما هو ضروري حقا. ومقدار مثل هذا العمل الذي كان يجب ان يقوم به لاعالة عائلته كان مختلفا عبر السنين، لكنه سعى دائما الى إبقاء مصالح الملكوت في المكان الاول. وعندما ذهبوا اولا الى كولومبيا، كان هنالك نحو ٤٠٠,١ شاهد في البلد. ويا للنمو المذهل الذي رأوه منذ ذلك الحين!
والخدمة حيث الحاجة هي اعظم الى شهود لا تتطلب دائما ان يذهب الشخص الى بلد آخر. فالآلاف من الشهود الافراد والعائلات ينتقلون الى مناطق اخرى داخل بلدهم. وثمة عائلة في ولاية باهييا، البرازيل، انتقلت الى بلدة پرادو، حيث لم يكن هنالك شهود. وعلى الرغم من المعارضات من رجال الدين، سكنت وعملت في تلك البلدة والمنطقة المحيطة بها طوال ثلاث سنوات. وجرى شراء بناء كنسي مهجور وتحويله الى قاعة ملكوت. وقبل مضي وقت طويل، كان هنالك اكثر من مئة شاهد نشيط في المنطقة. ولم تكن هذه سوى البداية.
بأعداد متزايدة على الدوام، يتجاوب محبو البر في اميركا اللاتينية مع الدعوة المسجَّلة في المزمور ١٤٨: ‹هللويا. سبِّحي الرب من الارض يا كل الشعوب.› (الاعداد ١، ٧-١١) وفي الواقع، بحلول السنة ١٩٧٥ كان هنالك مسبِّحون ليهوه في كل بلد في اميركا اللاتينية. وتقرير تلك السنة اظهر ان ٤٨١,٨٠، منظَّمين في ٩٩٨,٢ جماعة، كانوا يخدمون في المكسيك. وكان ٧٠٣,٢٤ آخرون، في ٤٦٢ جماعة، يتكلمون عن ملكية يهوه في اميركا الوسطى. وفي اميركا الجنوبية، كان هنالك ٤٥٧,٢٠٦ مسبِّحا عاما ليهوه في ٦٢٠,٣ جماعة.
بلوغ جزر الپاسيفيك
بينما كان يحصل توسع سريع في اميركا الجنوبية، كان شهود يهوه يوجِّهون الانتباه ايضا الى جزر الپاسيفيك. وهنالك مئات من هذه الجزر مشتَّتة بين اوستراليا والاميركتين، والكثير منها يكاد لا يبرز فوق سطح المحيط. بعضها تسكنه عائلات قليلة فقط؛ والاخرى عشرات الآلاف من الناس. وفي وقت باكر من خمسينات الـ ١٩٠٠، جعل التحامل الرسمي مستحيلا على جمعية برج المراقبة ان ترسل مرسلين الى كثير من هذه الجزر. لكنَّ الناس هنا ايضا كان يلزم ان يسمعوا عن يهوه وملكوته. وذلك انسجاما مع النبوة المسجَّلة في اشعياء ٤٢:١٠-١٢، التي تقول: ‹غنّوا للرب اغنية جديدة تسبيحه من اقصى الارض. ليخبروا بتسبيحه في الجزائر.› وهكذا، في السنة ١٩٥١، في محفل في سيدني، اوستراليا، دُعي الفاتحون ونظار الدوائر، الذين كانوا مهتمين بالاشتراك في نشر رسالة الملكوت في الجزر، الى لقاء الاخ نور. وتطوع في ذلك الحين نحو ٣٠ للشروع في الكرازة في الجزر المدارية.
كان بينهم توم ورُوِينا كيتو، اللذان سرعان ما وجدا انفسهما في پاپوا، حيث لم يكن هنالك في ذلك الحين شهود. فبدأا عملهما بين الاوروپيين في مرفإ مورْزْبي. وقبل ان يمضي وقت طويل صارا يقضيان الامسيات في هانُوابَدا، «القرية الكبيرة،» مع فريق من ٣٠ الى ٤٠ من الپاپويين الجياع الى الحق الروحي. ومنهم انتشرت الرسالة في القرى الاخرى. وفي وقت قصير، ارسل شعب الكِرِما وفدا يطلب ان يدار معهم درس في الكتاب المقدس. ثم اتى زعيم من هايما، مناشدا: «من فضلكم تعالوا وعلِّموا شعبي الحق!» وهكذا انتشر الحق.
زوجان آخران، جون وإلِن هابلر، ذهبا الى كاليدونيا الجديدة لتأسيس العمل هناك. وعندما وصلا سنة ١٩٥٤، حصلا على تأشيرتين سياحيتين لشهر واحد فقط. لكنَّ جون وجد عملا دنيويا، وذلك ساعدهما ليحصلا على تمديد. وفي حينه، انتقل شهود آخرون — ٣١ ككل — بشكل مماثل. في البداية كانوا يقومون بخدمتهم في المناطق النائية لئلا يجتذبوا انتباها اكثر من اللازم. ولاحقا ابتدأوا يكرزون في العاصمة، نومييا. فتشكلت جماعة. ثم في السنة ١٩٥٩ شغل عضو في الحركة الكاثوليكية مركزا حكوميا رئيسيا. فلم يعد الشهود يحصلون على تمديد للتأشيرات. والزوجان هابلر اضطرا الى المغادرة. وحُظرت مطبوعات برج المراقبة. إلا ان بشارة الملكوت كان لها موطئ قدم، واستمر عدد الشهود في الازدياد.
في تاهيتي اظهر اناس كثيرون اهتماما بعمل شهود يهوه عندما قام الاخوة بزيارات قصيرة هناك. ولكن في السنة ١٩٥٧، لم يكن هنالك شهود محليون، وعملهم كان محظورا، ومُنع مرسلو برج المراقبة من الدخول. ولكنَّ أڠْنِز شِنْك، مواطنة من تاهيتي كانت تعيش آنذاك في الولايات المتحدة، صارت واحدة من شهود يهوه. وعندما علمت بالحاجة الى منادين بالملكوت في تاهيتي، ابحرت هي وزوجها وابنهما من كاليفورنيا في ايار ١٩٥٨. وبعد ذلك بوقت قصير، انضمت اليهم عائلتان اخريان، مع انهما تمكَّنتا من الحصول على تأشيرات سياحية لثلاثة اشهر فقط. وبحلول السنة التالية، تشكلت جماعة في پاپيتي. وفي السنة ١٩٦٠ اعترفت الحكومة بجمعية شهود يهوه المنظَّمة محليا.
ولكي تنشرا رسالة الملكوت، توقفت اختان مرسَلتان في طريق عودتهما الى تعيينهما لزيارة قريبة في جزيرة نييووي. والشهر الذي قضتاه هناك كان مثمرا جدا؛ فقد وُجد الكثير من الاهتمام. ولكن عندما وصل القارب التالي الذي يتنقل بين الجزر، كان يجب ان تغادرا. ولكن سرعان ما حصل سيريمايا رايبي، فيجيّ، على عقد عمل مع وزارة الاشغال العامة في نييووي ثم استخدم كل وقت فراغه ليكرز. ولكن نتيجة لضغط رجال الدين، أُلغي جواز اقامة الاخ رايبي بعد شهور قليلة، وفي ايلول ١٩٦١ قرَّرت الجمعية التشريعية عدم السماح في ما بعد بدخول شهود يهوه الى البلد. ولكنَّ الكرازة بالبشارة استمرت هناك. كيف؟ واظب الشهود المحليون على خدمة يهوه، مع انهم جدد تماما. وعلاوة على ذلك، كانت الحكومة المحلية قد قبلت استخدام وليم لوڤيني، من اهالي نييووي، الذي كان يعيش في نيوزيلندا. ولماذا كان تواقا الى العودة الى نييووي؟ لأنه صار واحدا من شهود يهوه وأراد ان يخدم حيث الحاجة اعظم. وبحلول السنة ١٩٦٤ كان عدد الشهود هناك قد نما الى ٣٤.
في السنة ١٩٧٣، كان دايڤيد ڤولفْڠْرام، مواطن من تونڠا، وزوجته وأولاده الثمانية يسكنون في بيت مريح في نيوزيلندا. لكنهم تركوا ذلك وراءهم وانتقلوا الى تونڠا لترويج مصالح الملكوت. ومن هناك شاركوا في دفع العمل بعيدا اكثر في جزر تونڠا، التي كانت ٣٠ جزيرة منها تقريبا آهلة بالسكان.
كان الكثير من الوقت، الجهد، والنفقة لازما لبلوغ الجزر. لكنَّ شهود يهوه يعتبرون حياة رفقائهم البشر ثمينة ولا يوفِّرون جهدا لمساعدتهم على الاستفادة من تدبير يهوه الحبي للحياة الابدية في عالمه الجديد.
لخَّصت عائلة باعت مزرعتها في اوستراليا وانتقلت الى احدى جزر الپاسيفيك مشاعرها بهذه الطريقة: «ان نسمع سكان الجزر هؤلاء يقولون انهم صاروا يعرفون يهوه، ان نسمعهم يدعون اولادنا اولادهم، ذلك لأنهم يحبونهم كثيرا بسبب الحق، ان نشاهد مصالح الملكوت والحضور ينمون على حد سواء، ان نسمع هؤلاء الناس اللطفاء يقولون: ‹اولادي سيتزوجون في الرب فقط،› وذلك بعد التصاقهم بقرون عديدة من التقليد والزيجات ذات الطابع الشرقي، ان نراقبهم يقوِّمون ويُصلحون اوضاعهم الزوجية المعقَّدة، . . . ان نراهم يدرسون فيما يرعون القطيع الى جانب الطريق، بعد العمل المنهك في حقل الارزّ، ان نعرف انهم يناقشون خطأ الصنمية، جمال اسم يهوه في المتجر المحلي والاماكن الاخرى، ان نسمع امًّا هندية مسنَّة تدعوكم اخا وأختا وتطلب ان تذهب معكم لتخبر الناس عن الاله الحقيقي . . . كل ذلك يعني مكافأة لا تثمَّن على اتخاذ الخطوة التي قمنا بها استجابة للدعوة من جنوب الپاسيفيك.»
ولكن لم يكن سكان جزر الپاسيفيك هؤلاء الوحيدين الذين نالوا الانتباه. فابتداء من السنة ١٩٦٤ عُيِّن فاتحون ذوو خبرة من الفيليپين لدعم المرسلين الغيورين الذين كانوا قبلا يعملون في إندونيسيا، تايلند، تايوان، جمهورية كوريا، ڤيَتْنام، لاوُس، ماليزيا، وهونڠ كونڠ.
في وجه ضغط العائلة والمجتمع
عندما يصير الشخص واحدا من شهود يهوه، لا يكون ذلك مقبولا دائما من عائلته والمجتمع باعتباره قضية قرار شخصي. — متى ١٠:٣٤-٣٦؛ ١ بطرس ٤:٤.
ومعظم الذين صاروا شهودا ليهوه في هونڠ كونڠ كانوا احداثا. لكنَّ هؤلاء الاحداث كانوا يتعرضون لضغط هائل في نظام يعطي الاولوية للتعليم العالي والوظائف ذات الاجر المرتفع. والوالدون يعتبرون اولادهم استثمارا يضمن عيشهم براحة في سنواتهم المتأخرة. وهكذا، عندما ادرك والدا شاب في كوان تونڠ ان درس ابنهما للكتاب المقدس، حضوره الاجتماعات، وخدمته للحقل ستعيق جنيه المال، اشتدت مقاومتهما. فطارده ابوه بساطور اللحم؛ وبصقت عليه امه علنا. واستمرت الاساءة الشفهية دون توقف تقريبا طوال شهور. وذات مرة سأل والديه: «ألم تربياني من اجل المحبة؟» فأجابا: «لا، من اجل المال!» إلا ان الحدث استمر يضع عبادته ليهوه اولا؛ ولكن عندما ترك البيت، استمر ايضا يعين والديه ماليا بأفضل شكل ممكن، لأنه عرف ان ذلك مرضي عند يهوه. — متى ١٥:٣-٩؛ ١٩:١٩.
وفي المجتمعات ذات الروابط الوثيقة، غالبا ما يأتي الضغط القوي من اكثر من العائلة المباشرة. وأحد الذين اختبروا ذلك كان فْوايوپولو پيليه في سامْوا الغربية. فنبْذ السامْوي عادات ودين اجداده كان يُعتبَر امرا لا مجال للتفكير فيه بين الناس، وعرف پيليه انه سيقدِّم حسابا. فدرس بجدّ وصلَّى بحرارة الى يهوه. وعندما استدعاه رئيس العائلة الاكبر الى اجتماع في فَلاسِيو، واجهه ستة رؤساء، ثلاثة خطباء، عشرة قسوس، استاذان في اللاهوت، الرئيس الاكبر الذي كان يشرف، ورجال ونساء مسنّون في العائلة. فلعنوه وأدانوه هو وعضوا آخر من العائلة كان يُظهر اهتماما بشهود يهوه. ونشأت مناظرة؛ واستمرت حتى الرابعة صباحا. واستخدام پيليه الكتاب المقدس اغاظ بعض الحاضرين، فصرخوا: «أَبعد هذا الكتاب المقدس! اترك هذا الكتاب المقدس!» ولكنَّ الرئيس الاكبر قال اخيرا بصوت ضعيف: «ربحتَ، يا پيليه.» لكنَّ پيليه اجاب: «عفوا، سيدي، لم اربح. هذه الليلة سمعتم رسالة الملكوت. ورجائي المخلص هو ان تصغوا اليها.»
عندما تكون هنالك مقاومة شديدة من رجال الدين
وصل مرسلو العالم المسيحي الى جزر الپاسيفيك في القرن التاسع عشر. وكان وصولهم، في اماكن كثيرة، سلميا؛ وفي اماكن اخرى مدعوما بالقوة العسكرية. وفي بعض المناطق كانوا يتقاسمون الجزر بينهم بواسطة «اتفاقية شرف.» ولكن كانت هنالك ايضا حروب دينية، تقاتل فيها الكاثوليك والپروتستانت من اجل السيطرة. والآن استعمل هؤلاء «الرعاة» الدينيون، رجال الدين، كل وسيلة تحت تصرفهم لابقاء شهود يهوه خارج ما اعتبروه منطقة نفوذهم. ففي بعض الاحيان كانوا يضغطون على الرسميين لطرد الشهود من جزر معيَّنة. وفي احيان اخرى كانوا ينفِّذون قانونهم الخاص.
في جزيرة بريطانيا الجديدة، في قرية ڤونابال، اظهر فريق من قبيلة سولكا اهتماما شديدا بحق الكتاب المقدس. ولكن، في يوم احد في السنة ١٩٥٩، فيما كان جون دايڤيسون يدير درسا في الكتاب المقدس معهم، اقتحمت المنزل مجموعة من الرعاع الكاثوليك، بأمر من معلِّم الدين الكاثوليكي، وأوقفوا الدرس بصراخهم وشتمهم. وبُلِّغت الشرطة في كوكوپو بذلك.
وبدلا من ترك الخراف، عاد الشهود في الاسبوع التالي لمتابعة تزويد العون الروحي لذوي التقدير في ڤونابال. والكاهن الكاثوليكي كان هناك ايضا، مع انه لم يُدعَ من قبل القرويين، وجلب معه عدة مئات من الكاثوليك من قبيلة اخرى. وبعد ان حرَّضهم الكاهن، اهان الذين من كنيسته الشهود، بصقوا عليهم، هزّوا قبضات ايديهم، ومزَّقوا كتب القرويين المقدسة، فيما وقف الكاهن متكتفا وابتسم. والشرطة التي سعت الى ضبط الوضع صُعقت بشكل واضح. وكثيرون من القرويين خافوا ايضا. ولكن تبيَّن ان واحدا على الاقل من القرويين كان شجاعا واتخذ موقفه الى جانب ما يعرف انه الحق. والآن، مئات الآخرين في هذه الجزيرة يفعلون ذلك ايضا.
ولكن، لم يُظهر جميع المعلِّمين الدينيين روحا عدائية تجاه شهود يهوه. ففي جزر سليمان، شعر سام إيروفالو بمسؤولية مخلصة تجاه اولئك الذين يتطلعون اليه بصفته قائدهم الديني. وبعد قراءة كتاب جمعية برج المراقبة من الفردوس المفقود الى الفردوس المردود، ادرك ان احدا قد كذب عليه. فأصغى هو والمعلِّمون الدينيون تحت سلطته الى المناقشات مع الشهود، طرحوا الاسئلة، وفتحوا الآيات في الكتاب المقدس. ثم وافقوا ان يصيروا شهودا ليهوه، ولذلك شرعوا في تحويل الكنائس في قراهم الـ ٢٨ الى قاعات ملكوت.
سيل الحق الدافق في افريقيا
ابتداء من اوائل عشرينات الـ ١٩٠٠ خصوصا، بُذل جهد كثير لكي يحظى الناس في كل انحاء افريقيا بالفرصة ليعرفوا يهوه، الاله الحقيقي، وليستفيدوا من تدابيره الحبية. وعندما انتهت الحرب العالمية الثانية، كان هنالك شهود ليهوه نشاطى في ١٤ بلدا في القارة الافريقية. وكان قد جرى بلوغ ١٤ بلدا افريقيا آخر برسالة الملكوت، ولكن في هذه لم يكن ايّ من الشهود يقدِّم تقريرا عن نشاطه في السنة ١٩٤٥. وخلال السنوات الـ ٣٠ التالية، حتى السنة ١٩٧٥، اخترقت الكرازة بالبشارة ١٩ بلدا اضافيا في افريقيا. وفي كل هذه البلدان تقريبا، وكذلك في الجزر المجاورة، ابتدأت الجماعات تتشكل — عدد قليل في بعض البلدان، اكثر من ألف في زامبيا، ما يقارب الالفين في نَيجيريا. فكيف حدث كل ذلك؟
كان نشر رسالة الملكوت مثل سيل ماء دافق. وعلى الاغلب، يجري الماء عبر قنوات النهر، مع ان بعضه يفيض على الارض المجاورة؛ واذا قطع الطريق سدّ ما، يجد الماء ممرا بديلا او يزداد حجما وضغطا الى ان يطفح من فوق.
واذ استَخدمت قنواتها التنظيمية القانونية، عيَّنت جمعية برج المراقبة خداما كامل الوقت — فاتحين، فاتحين خصوصيين، ومرسلين — في البلدان التي أُنجز فيها القليل او لا شيء من الكرازة. وحيثما ذهبوا، كانوا يدعون الناس ان ‹يأخذوا ماء حياة مجانا.› (رؤيا ٢٢:١٧) مثلا، في افريقيا الشمالية، قدَّم اربعة فاتحين خصوصيين من فرنسا هذه الدعوة لشعب الجزائر في السنة ١٩٥٢. وسرعان ما قبلت الحق هناك عرَّافة، ادركت انه يجب ان تهجر مهنتها لكي ترضي يهوه، وابتدأت تشهد لزبائنها السابقين. (تثنية ١٨:١٠-١٢) لقد استعمل الفاتحون بفعَّالية كتاب «ليكن اللّٰه صادقا» لمساعدة الافراد المخلصين على رؤية الفرق بين الكتاب المقدس والتقليد الديني. وكان فعَّالا في تحرير الناس من الممارسات الدينية الباطلة حتى ان رجل دين عرض الكتاب من على منبره وتلفظ بلعنة عليه، على الذين يوزعونه، وعلى الذين يقرأونه.
في السنة ١٩٥٤ طُرد مرسل من اسپانيا الكاثوليكية بسبب تعليم الكتاب المقدس دون موافقة رجال الدين؛ ولذلك في السنة التالية شرع هو ورفيقه الفاتح يكرزان في المملكة المغربية. وسرعان ما انضمت اليهما عائلة من خمسة شهود ليهوه كانوا قد رُحِّلوا من تونس، حيث كان قد نشأ اهتياج كبير عندما قبل زوجان يهوديان يسوع بصفته المسيَّا وابتدأا بسرعة يشتركان في ايمانهما الجديد مع الآخرين. والى ابعد في الجنوب، أُرسل فاتحون من غانا الى مالي في السنة ١٩٦٢. ولاحقا، طُلب ايضا من زوجين فاتحين فرنسيين يخدمان في الجزائر ان يساعدا في مالي. وبدورهم، انخرط عدد كبير من الذين صاروا لاحقا شهودا هناك في صفوف الخدمة كامل الوقت. وفي السنة ١٩٦٦ تسلَّم ثمانية فاتحين خصوصيين من نَيجيريا تعيينات في النَّيجر، بلد قليل السكان يشمل جزءا من الصحراء الكبرى. ومُنحت بوروندي الفرصة لسماع رسالة الملكوت عندما أُرسل فاتحان خصوصيان الى هناك من روديسيا الشمالية (الآن زامبيا) في السنة ١٩٦٣، وتبعهما اربعة مرسلين مدرَّبين في مدرسة جلعاد.
وكان هنالك ايضا مرسلون في إثيوپيا في اوائل خمسينات الـ ١٩٠٠. فطلبت الحكومة الإثيوپية ان يؤسسوا مدرسة ارسالية وتعليمية نظامية، الامر الذي فعلوه. ولكن، بالاضافة الى ذلك، كانوا مشغولين بتعليم الكتاب المقدس، وسرعان ما كان هنالك تدفُّق مستمر من الناس الذين يأتون الى بيت المرسلين، الجدد الذين يجيئون كل يوم ليطلبوا مساعدة احد على فهم الكتاب المقدس. وفي خلال العقود الثلاثة التي تلت الحرب العالمية الثانية، استفاد ٣٩ بلدا في القارة الافريقية من مساعدة مثل هؤلاء المرسلين المدرَّبين في جلعاد.
وفي الوقت نفسه، كانت مياه الحق تفيض على المناطق العطشى روحيا بواسطة شهود ليهوه جعلهم عملهم الدنيوي يتصلون بالناس الآخرين. وهكذا، كان زوجان شاهدان من مصر، تطلب العمل ان ينتقلا الى ليبيا سنة ١٩٥٠، يكرزان بغيرة خلال ساعات فراغهما. وفي تلك السنة عينها، انتقل شاهد وهو تاجر صوف، مع عائلته، من مصر الى الخرطوم، السودان. فجعلها عادة ان يشهد للزبائن قبل التعامل معهم. وأحد الشهود الاولين في السنڠال (جزء من افريقيا الغربية الفرنسية آنذاك) ذهب الى هناك في السنة ١٩٥١ كممثِّل لمؤسسة تجارية. وهو ايضا كان يقدّر مسؤولياته كشاهد للعلي. وفي السنة ١٩٥٩، في ما يتعلق بعمل دنيوي، ذهب شاهد الى فور لامي (الآن نجامينا)، في ما صار لاحقا تشاد، وانتهز الفرصة لنشر رسالة الملكوت في ذلك البلد. وفي البلدان المجاورة للنَّيجر كان هنالك تجار شهود ليهوه؛ ولذلك، فيما كان الفاتحون الخصوصيون مشغولين في النَّيجر من السنة ١٩٦٦ فصاعدا، كان هؤلاء التجار يكرزون ايضا للناس من النَّيجر الذين يتعاملون معهم. وثمة شاهدتان ذهب زوجاهما الى موريتانيا للعمل سنة ١٩٦٦ انتهزتا الفرصة للشهادة في تلك المنطقة.
والناس الذين انعشهم ‹ماء الحياة› كانوا يعطونه للآخرين. مثلا، في السنة ١٩٤٧ انتقل شخص كان قد حضر بعض الاجتماعات، لكنه لم يكن هو نفسه واحدا من شهود يهوه، من الكَمَرون الى اوبانڠي شاري (الآن جمهورية افريقيا الوسطى). واذ سمع عن رجل في بانڠوي كان مهتما كثيرا بالكتاب المقدس، رتَّب بلطف ان يرسل اليه مكتب جمعية برج المراقبة في سويسرا كتابا. ففرح أتْيِن انڠكوينڠكو، المتسلِّم، كثيرا بالطعام الروحي السليم الذي يحتويه، وكان كل اسبوع يقرأ من هذا الكتاب على فريق من المهتمين الآخرين. واتصل هؤلاء بمركز الجمعية الرئيسي. واذ ازدادت معرفتهم، صار فريق الدرس هذا فريقا كرازيا ايضا. ومع ان ضغط رجال الدين ادَّى الى حظر حكومي على مطبوعات برج المراقبة، استمر هؤلاء الشهود الجدد في الكرازة باستعمال الكتاب المقدس وحده. والناس في ذلك البلد يحبون سماع مناقشات الكتاب المقدس، ولذلك بحلول الوقت الذي رُفع فيه الحظر عن بعض مطبوعات الجمعية في السنة ١٩٥٧، كان عدد الشهود هناك قد بلغ اكثر من ٥٠٠.
عندما نشأت العقبات
عندما كانت العقبات تعيق تدفق الماء المانح الحياة، سرعان ما كان يخترق بطريقة اخرى. فعندما اجبرت الحكومة أجِيت سيسي، فاتح من داهومي (الآن بينين)، على الرحيل، كان قد كرز في توڠو الفرنسية (الآن توڠو) لمجرد فترة قصيرة في السنة ١٩٤٩. ولكن في السنة التالية عاد أكاكپو أڠْبيتور، ملاكم سابق، من توڠو في الاصل، الى موطنه مع اخيه. ولأنها كانت مسقط رأسه، استطاع ان يشهد بحرية تماما، وأن يعقد الاجتماعات ايضا. وعلى الرغم من ان الفاتحين الذين تسلَّموا تعيينات في فرناندو پو (الآن جزء من غينيا الاستوائية) نحو السنة ١٩٥٠ رُحِّلوا بعد وقت قصير نتيجة للتعصب الديني، حصل شهود آخرون لاحقا على عقود عمل مكَّنتهم من العيش في تلك المنطقة. وطبعا، انسجاما مع وصية يسوع، قاموا بالكرازة. — مرقس ١٣:١٠.
ايمانويل ماما، ناظر دائرة من غانا، أُرسل الى ڤولتا العليا (تدعى الآن بركينا فازو) لأسابيع قليلة في السنة ١٩٥٩ وتمكَّن من القيام بكثير من الشهادة في واڠادوڠو، العاصمة. ولكن لم يكن هنالك شهود يعيشون في البلد. وبعد اربع سنوات، انتقل سبعة شهود الى واڠادوڠو، وهم في الاصل من توڠو، داهومي (الآن بينين)، والكونڠو، وفتَّشوا عن عمل لكي يتمكنوا من الخدمة في هذه المنطقة. وبعد اشهر قليلة، انضم اليهم عدة فاتحين خصوصيين من غانا. ولكن، نتيجة لضغط رجال الدين على الرسميين، في السنة ١٩٦٤، بعد ان كان للشهود هناك اقل من سنة، اعتُقلوا واحتُجزوا ١٣ يوما ثم طُردوا من البلد. وهل كانت جهودهم تستحق العناء؟ تعلَّم ايمانويل جونسون، مقيم في البلد، اين يمكن ان يوجد حق الكتاب المقدس. فاستمر في الدرس مع شهود يهوه بالمراسلة، واعتمد في السنة ١٩٦٩. نعم، كان لعمل الملكوت موطئ قدم في بلد آخر.
عندما قُدِّم طلب للحصول على تأشيرات تُمكِّن مرسلين مدرَّبين في جلعاد من الخدمة في ساحل العاج، حجب رسميون فرنسيون الموافقة. ولذلك، في السنة ١٩٥٠، أُرسل ألفرِد شوتر، من ساحل الذهب (الآن غانا)، الى عاصمة ساحل العاج كفاتح. وما ان ترسَّخ حتى انضمت اليه زوجته؛ وبعد اشهر قليلة اتى زوجان مرسلان، ڠابرييل وفلورنس پاترسون. وابتدأت المشاكل تنشأ. فذات يوم، صودرت مطبوعاتهم لأن الحكومة لم توافق عليها، وغُرِّم الاخوة. ولكنهم لاحقا وجدوا كتبهم تُباع في السوق، فاشتروها واستفادوا منها.
في هذه الاثناء، زار هؤلاء الاخوة رسميين حكوميين عديدين في محاولة للحصول على تأشيرات دائمة. فعرض السيد اوفْوِبواني، الذي صار لاحقا رئيس ساحل العاج، ان يساعد. وعلَّق: «الحق لا يقف امامه حاجز البتة. فهو كنهر غزير؛ سُدَّه فيفيض من فوق السدّ.» وعندما حاول كاهن كاثوليكي وقس منهجي التدخل، قال وازِن كوليبالي، ممثل حكومي: «انا امثِّل شعب هذا البلد. نحن الشعب، ونحن نحب شهود يهوه ولذلك نريد ان يبقوا هنا في هذا البلد.»
تلاميذ يفهمون حقا
عندما اعطى الارشادات ان ‹يتلمذوا اناسا من جميع الامم،› امر يسوع ايضا ان الذين سيصيرون تلاميذ — الذين آمنوا بتعاليم المسيح وطبقوها — يجب ان يعتمدوا. (متى ٢٨:١٩، ٢٠، عج) وانسجاما مع ذلك، هنالك تدبير لمعمودية التلاميذ الجدد في محافل شهود يهوه الدائرية والكورية الدورية. وعدد المعتمدين في اية مناسبة معيَّنة قد يكون قليلا نسبيا. ولكن في محفل في نَيجيريا سنة ١٩٧٠، غُطِّس ٧٧٥,٣ شاهدا جديدا. إلا ان الاعداد الكبيرة ليست هي الهدف.
وعندما أُدرك في السنة ١٩٥٦ ان البعض في ساحل الذهب ممَّن يعتمدون لم يبنوا ايمانهم على اساس كافٍ، أُسِّس هناك ترتيب لغربلة المرشحين للمعمودية. فأُلقيت المسؤولية على نظار الجماعات المحليين في ساحل الذهب ان يمتحنوا شخصيا كل مرشح للتغطيس للتأكد ان لديه معرفة سليمة لحقائق الكتاب المقدس الاساسية، انه يحيا انسجاما مع مقاييس الكتاب المقدس، وأنه يفهم بوضوح الالتزامات التي ترافق كونه شاهدا منتذرا معتمدا ليهوه. وفي حينه، سرى مفعول اجراء مماثل في كل انحاء العالم. فزُوِّد سنة ١٩٦٧ مجمل مفصَّل لاستعماله في مراجعة تعاليم الكتاب المقدس الاساسية مع المرشحين للمعمودية في كتاب “Your Word Is a Lamp to My Foot” («سراج لرجلي كلامك»). وبعد سنوات من الخبرة، صدر تحسين اضافي لذلك المجمل في السنة ١٩٨٣ في كتاب منظمين لاتمام خدمتنا.
وبترتيب كهذا، هل أُخذت في الاعتبار حاجات الناس الذين لديهم قليل او لا شيء من التعليم الرسمي؟
التغلب على مشكلة الامّية
في السنة ١٩٥٧ قدَّرت منظمة التربية والعلم والثقافة التابعة للامم المتحدة ان ٤٤ في المئة تقريبا من سكان العالم بعمر ١٥ سنة او اكبر لا يستطيعون القراءة او الكتابة. وأُخبر انه في ٤٢ بلدا في افريقيا، ٢ في الاميركتين، ٢٨ في آسيا، و ٤ في اوقيانيا، كان ٧٥ في المئة من الراشدين امّيين. ولكنهم كانوا يحتاجون هم ايضا الى الفرصة ليتعلَّموا شريعة اللّٰه لكي يستعدوا للصيرورة رعايا ملكوته. وكثيرون من الذين لا يستطيعون القراءة كانت لديهم عقول متقدة الذكاء وكانوا قادرين على تذكُّر الكثير مما يسمعونه، ولكن لم يكن بامكانهم بعدُ ان يقرأوا هم انفسهم كلمة اللّٰه الثمينة ويستفيدوا من المساعِدات على درس الكتاب المقدس المطبوعة.
طوال سنوات كان الشهود الافراد يقدِّمون المساعدة الشخصية للناس الذين يريدون ان يتعلَّموا القراءة. ولكن، في السنتين ١٩٤٩ و ١٩٥٠، افتتح شهود يهوه صفوف تعليم القراءة والكتابة في كلٍّ من جماعاتهم في بلدان افريقية كثيرة. وكانت الصفوف تُعقَد عادةً في قاعات الملكوت، وفي بعض الاماكن كانت كامل القرية تدعى للاستفادة من البرنامج.
وحيث ترعى الحكومة برنامجا لتعليم القراءة والكتابة، كان شهود يهوه يتعاونون بسرور معها. إلا انه كان على الشهود في مناطق عديدة ان يطوِّروا ويستعملوا كتبهم التعليمية الخاصة. وقد جرت مساعدة عشرات الآلاف من الاشخاص، بمن فيهم آلاف النساء والمسنين، على تعلُّم القراءة والكتابة بواسطة هذه الصفوف التي يديرها شهود يهوه. ونتيجة للطريقة التي صُمِّم بها المقرَّر التعليمي، لم يتعلَّموا فقط القراءة والكتابة ولكنهم في الوقت نفسه صاروا عارفين بالحقائق الاساسية من كلمة اللّٰه المقدسة. وهذا ساعدهم على التأهل للاشتراك في عمل التلمذة الذي اوصى به يسوع. والرغبة في فعل ذلك بفعَّالية دفعت كثيرين الى بذل جهد كبير لتعلُّم القراءة.
وعندما صرف صاحب بيت شاهدا جديدا في داهومي (الآن بينين)، افريقيا الغربية، لأن الشاهد لا يعرف القراءة، قرَّر الشاهد ان يتغلب على هذه المشكلة. وبالاضافة الى حضور صفوف تعليم القراءة والكتابة، ركَّز شخصيا على التعلُّم. وبعد ستة اسابيع قام بزيارة صاحب البيت نفسه؛ فاندهش الرجل لسماعه هذا الشخص، الذي كان يجهل القراءة والكتابة قبل فترة وجيزة، يقرأ عليه من كلمة اللّٰه حتى انه اظهر ايضا اهتماما بما يعلِّمه الشاهد. وبعض الذين تعلَّموا في صفوف تعليم القراءة والكتابة هذه صاروا ايضا في الوقت المعيَّن نظارا جائلين، بعدد من الجماعات لتعليمها. وصح ذلك في حزقيال اوڤبيجِل في نَيجيريا.
التعليم بواسطة عروض الافلام والصور المنزلقة
لمساعدة الذين يعربون عن الاهتمام بالكتاب المقدس على تقدير عظمة هيئة يهوه المنظورة، صدر فيلم في السنة ١٩٥٤. وهذا الفيلم، مجتمع العالم الجديد وهو يعمل، ساعد ايضا على ازالة التحامل الجماعي.
وفي ما هو الآن زامبيا، غالبا ما كان يلزم مولِّد كهربائي قابل للحمل لعرض الفيلم. وكانت تُستخدم قطعة قماش كانڤا بيضاء مبسوطة بين شجرتين كشاشة. وفي مقاطعة باروتسي شاهد الرئيس الاعلى الفيلم مع عائلته الملكية، وأراد بعد ذلك ان يُعرَض على العامة. ونتيجة لذلك، شاهده في الامسية التالية ٥٠٠,٢ شخص. وتجاوز مجموع مشاهدي عروض الفيلم في زامبيا طوال فترة ١٧ سنة المليون. وكان هؤلاء المشاهدون مسرورين بما رأوه. ومن تنڠانيقا (الآن جزء من تَنزانيا) المجاورة أُخبر انه بعد عرض الفيلم امتلأ الجو بصياح الجمع قائلا، «انداكا، انداكا» (شكرا لكم، شكرا لكم).
بعد فيلم مجتمع العالم الجديد وهو يعمل، تبعت افلام اخرى: سعادة مجتمع العالم الجديد، اعلان «البشارة الابدية» حول العالم، لا يمكن ان يكذب اللّٰه، والميراث. وكانت هنالك ايضا عروض للصور المنزلقة، مع تعليق، عن كون الكتاب المقدس عمليا في زمننا، الجذور الوثنية لعقائد وممارسات العالم المسيحي، ومعنى احوال العالم في ضوء نبوة الكتاب المقدس، بالاضافة الى عروض للصور المنزلقة عن شهود يهوه كهيئة، مبرزة زيارة لمركزهم الرئيسي العالمي، المحافل المثيرة في البلدان التي كان عملهم فيها محظورا سابقا، ومراجعة لتاريخهم العصري. كل هذه ساعدت الناس على الادراك ان يهوه لديه حقا شعب على الارض وأن الكتاب المقدس هو كلمته الملهمة.
تحديد هوية الخراف الحقيقيين
في بعض البلدان، كان الاشخاص الذين يملكون بعض مطبوعات برج المراقبة يدَّعون انهم شهود ليهوه او يستخدمون الاسم برج المراقبة. ولكن هل غيَّروا معتقداتهم وطريقة حياتهم لتتفق مع مقاييس الكتاب المقدس؟ وعند منحهم الارشاد اللازم، هل كانوا سيبرهنون انهم حقا اشخاص مشبهون بالخراف يصغون الى صوت السيد، يسوع المسيح؟ — يوحنا ١٠:٤، ٥.
جرى تسلُّم رسالة مروِّعة في مكتب فرع جمعية برج المراقبة في جنوب افريقيا، في السنة ١٩٥٤، من فريق من الافريقيين في بَيِيا دوستيڠراش، مستعمرة يُنفى اليها المجرمون في جنوب آنڠولا. قال الكاتب، جْواوْن مَنْكوكا: «ان فريق شهود يهوه في آنڠولا مؤلَّف من ٠٠٠,١ عضو. وقائدهم هو سيماون ڠونسالڤيس توكو.» فمَن هو توكو؟ وهل كان أتباعه شهودا ليهوه حقا؟
صُنعت الترتيبات ليقوم جون كوك، مرسل قادر على التكلم بالپرتغالية، بزيارة لآنڠولا. وبعد مقابلة طويلة مع رسمي المستعمرة، سُمح للاخ كوك بأن يزور مَنْكوكا. فعلم الاخ كوك انه في اربعينات الـ ١٩٠٠، عندما كان توكو مقترنا بارسالية معمدانية في الكونڠو البلجيكية (الآن زائير)، حصل على بعض مطبوعات برج المراقبة وأخبر عشراءه الاحماء بما تعلَّمه. ولكن بعد ذلك اثَّر ارواحيون في الفريق، وعلى مر الوقت توقف توكو كاملا عن استعمال مطبوعات برج المراقبة والكتاب المقدس. وعوضا عن ذلك، صار يطلب التوجيه بواسطة الوسطاء الارواحيين. وأعادت الحكومة أتباعه الى آنڠولا ثم فرَّقتهم في مختلف انحاء البلد.
كان مَنْكوكا احد عشراء توكو، لكنَّ مَنْكوكا حاول اقناع الآخرين بالتوقف عن ممارسة الارواحية وبالالتصاق بالكتاب المقدس. ولم يعجب ذلك بعض أتباع توكو، فوشوا بمَنْكوكا الى السلطات الپرتغالية، ملفِّقين التهم. ونتيجة لذلك، رُحِّل مَنْكوكا ومشاركوه في آرائه الى مستعمرة يُنفى اليها المجرمون. ومن هناك اتصل بجمعية برج المراقبة وحصل على مزيد من مطبوعات الكتاب المقدس. وقد كان متواضعا، روحي التفكير، ومهتما كثيرا بالعمل بشكل لصيق مع الهيئة التي بواسطتها تعلَّم الحق. وبعد ان قضى الاخ كوك ساعات كثيرة يناقش مع هذا الفريق حقائق الكتاب المقدس، لم يعد هنالك في ذهنه ايّ شك في ان جْواوْن مَنْكوكا هو حقا واحد من خراف الرب. وفي الظروف الاصعب، برهن الاخ مَنْكوكا على ذلك لسنوات عديدة الآن.
أُجريت ايضا مقابلات مع توكو وبعض أتباعه. ولكنهم، باستثناءات قليلة، لم يقدِّموا دليلا على صفات أتباع المسيح المشبهين بالخراف. ولذلك، في ذلك الحين لم يكن هنالك ٠٠٠,١ شاهد ليهوه في آنڠولا بل نحو ٢٥ فقط.
وفي هذه الاثناء، في الكونڠو البلجيكية (الآن زائير)، تطورت بلبلة اخرى بشأن الهوية. فكانت هنالك حركة دينية سياسية معروفة بالكيتاوالا كانت احيانا تستعمل ايضا الاسم برج المراقبة. وفي بيوت بعض اعضائها عُثر على مطبوعات لشهود يهوه حصلوا عليها بالبريد. لكنَّ معتقدات وممارسات الكيتاوالا (بما فيها التمييز العرقي، قلب السلطة بغية إحداث تغيير سياسي او اجتماعي، والفساد الادبي الجنسي الفاضح باسم العبادة) لم تمثِّل على الاطلاق تلك التي لشهود يهوه. ومع ذلك، حاولت بعض التقارير المنشورة توريط جمعية برج المراقبة لشهود يهوه مع الكيتاوالا.
صدّ الرسميون البلجيكيون محاولات شهود يهوه المتكررة لارسال مشرفين مدرَّبين الى البلد. فابتهجت الفرق الكاثوليكية والپروتستانتية. وخصوصا من السنة ١٩٤٩ فصاعدا، اتُّخذت اجراءات قمعية قاسية ضد الذين كانوا يحاولون في الكونڠو البلجيكية ان يدرسوا الكتاب المقدس بمساعدة مطبوعات برج المراقبة. ولكنَّ الامر كان كما قال احد الشهود الامناء هناك: «نحن مثل كيس حبوب افريقية. حيثما يأخذوننا تسقط الكلمة، الواحدة بعد الاخرى، الى الوقت الذي يهطل فيه المطر، فيروننا ننمو في كل مكان.» وهكذا، على الرغم من الاحوال الصعبة، من السنة ١٩٤٩ الى السنة ١٩٦٠، حدث ان عدد الذين قدَّموا تقريرا عن نشاطهم كشهود ليهوه ازداد من ٤٨ الى ٥٢٨,١.
تدريجيا صار الرسميون يقدِّرون ان شهود يهوه مختلفون كثيرا عن الكيتاوالا. وعندما مُنح الشهود شيئا من الحرية لعقد المحافل، كثيرا ما كان مراقبو الحكومة يعلِّقون على سلوكهم الجيد وتنظيمهم. وعندما حدثت مظاهرات عنيفة تطالب بالاستقلال السياسي، عرف الناس ان شهود يهوه ليسوا متورطين. وفي السنة ١٩٦١ تمكَّن اخيرا مشرف شاهد مؤهل، أرنست هُوِيسا الابن، من بلجيكا، من الدخول الى البلد. وبكثير من الجهد الدؤوب كان من الممكن مساعدة الاخوة تدريجيا على جعل جماعاتهم وحياتهم الشخصية على انسجام اكمل مع كلمة اللّٰه. فكان هنالك الكثير لتعلُّمه، وتطلب الامر صبرا كثيرا.
واذ اعتقدت ان ذلك يعزِّز موقفها، ارسلت الكيتاوالا من بعض المناطق لوائح طويلة باسماء الاشخاص التابعين لها الذين يريدون ان يكونوا معروفين كشهود ليهوه. وبحكمة ارسل الاخ هُوِيسا اخوة اكفاء الى هذه المناطق ليتحققوا ايّ نوع من الاشخاص هم عليه. وبدلا من قبول مجموعات كبيرة، اداروا دروسا في الكتاب المقدس مع الافراد.
وفي حينه صار الخراف الحقيقيون، اولئك الذين كانوا يتطلعون حقا الى يسوع المسيح بصفته راعيهم، ظاهرين. وكان هنالك الكثير منهم. وهم بدورهم علَّموا آخرين. وعلى مر السنين، اتى عشرات من مرسلي برج المراقبة من الخارج للعمل معهم، لمساعدتهم على نيل مزيد من معرفة كلمة اللّٰه الدقيقة ولتزويد التدريب اللازم. وبحلول السنة ١٩٧٥، كان هنالك ٤٧٧,١٧ شاهدا ليهوه في زائير، منظَّمين في ٥٢٦ جماعة، ينهمكون في الكرازة بكلمة اللّٰه وتعليمها للآخرين.
تحطيم قوة الفَتَشية
الى الغرب من نَيجيريا تقع دولة بينين (المعروفة سابقا بداهومي)، بسكان مقسَّمين الى ٦٠ فريقا عرقيا يتكلمون نحو ٥٠ لغة ولهجة. وكما يصح في قسم كبير من افريقيا، فان مذهب الروحانية هو الدين التقليدي، وهو يقترن بعبادة الاسلاف. وهذه البيئة الدينية تزعج حياة الناس بالخرافة والخوف. وكثيرون ممَّن يدعون انهم مسيحيون يمارسون ايضا مذهب الروحانية.
ومن اواخر عشرينات الـ ١٩٠٠ الى اربعينات الـ ١٩٠٠ نثر شهود يهوه من نَيجيريا بزورا كثيرة من حق الكتاب المقدس في داهومي بواسطة الزيارات بين حين وآخر لتوزيع مطبوعات الكتاب المقدس. والكثير من هذه البزور كان يحتاج الى قليل من السقي بغية الصيروة مثمرا. وهذه العناية زُوِّدت في السنة ١٩٤٨ عندما عاد الى داهومي نورو أكيتونْدي، من اهالي داهومي كان يعيش في نَيجيريا، ليخدم كفاتح. وفي غضون اربعة اشهر، تجاوب بسرعة مع الحق ٣٠٠ شخص واشتركوا معه في خدمة الحقل. وهذا التجاوب تخطى كل التوقعات المعقولة.
ونتيجة لهذا النشاط، سرعان ما ثار غضب ليس فقط رجال دين العالم المسيحي بل ايضا اصحاب مذهب الروحانية. وعندما اظهرت امينة سر جماعة الفَتَشية في پورتو نوڤو اهتماما بالحق، اعلن زعيم الفَتَشية ان امينة السر ستموت في سبعة ايام. إلا ان امينة سر الجماعة السابقة هذه قالت بحزم: «اذا كانت الفَتَشية هي التي اوجدت يهوه، فسأموت؛ ولكن اذا كان يهوه هو الاله الاسمى، فحينئذ سيُبطِل الفَتَشية.» (قارنوا تثنية ٤:٣٥؛ يوحنا ١٧:٣.) ولجعل تكهنه يتم، انهمك زعيم الفَتَشية في ليلة اليوم السادس في كل انواع الشعوذة ثم اعلن ان امينة سر الجماعة السابقة هذه ماتت. ولكنَّ الذعر كان كبيرا بين عبَّاد الفَتَشية في اليوم التالي عندما اتت الى السوق في كوتونو حية. وفي ما بعد، استأجر احد الاخوة سيارة وجال بها في كل انحاء پورتو نوڤو لكي يتمكَّن الجميع شخصيا من رؤيتها حية. وعقب ذلك، اتخذ عبَّاد كثيرون آخرون للفَتَشية موقفا ثابتا الى جانب الحق. — قارنوا ارميا ١٠:٥.
وسرعان ما حُظرت مطبوعات برج المراقبة في داهومي نتيجة للضغط الديني الشديد. ولكنَّ الشهود، اطاعة ليهوه اللّٰه، استمروا يكرزون، مستعملين غالبا الكتاب المقدس فقط. وأحيانا كانوا ينهمكون في العمل من باب الى باب بصفتهم «تجارا» بكل انواع البضائع. واذا سارت المحادثة حسنا، كانوا يلفتون الانتباه الى الكتاب المقدس، حتى انهم قد يُخرجون من جيبة ردائهم الداخلية الكبيرة مطبوعة ثمينة للكتاب المقدس.
وعندما كانت الشرطة تصعِّب عليهم العمل في المدن، كانوا حينئذ يكرزون في المناطق الريفية. (قارنوا متى ١٠:٢٣.) وعندما كانوا يُلقَون في السجن، كانوا يكرزون هناك. وفي السنة ١٩٥٥، وجد الشهود في السجن على الاقل ١٨ شخصا مهتما بين السجناء ورسميي السجن في أبومي.
وفي غضون عقد فقط بعد عودة الاخ الفاتح الداهومي الى موطنه ليكرز، كان هنالك ٤٢٦,١ يشتركون في الخدمة — وذلك على الرغم من كون عملهم تحت حظر حكومي!
فعلة اكثر يشتركون في الحصاد
كان واضحا انه يوجد اناس كثيرون في كل انحاء افريقيا جياع الى الحق. فالحصاد كان كثيرا، لكنَّ الفعلة قليلون. ولذلك كان مشجعا للاخوة ان يروا كيف استجاب رب الحصاد، يهوه اللّٰه، صلواتهم من اجل فعلة اكثر ليساعدوا في التجميع الروحي. — متى ٩:٣٧، ٣٨.
والفاتحون الجائلون وزَّعوا الكثير من المطبوعات في كينيا في ثلاثينات الـ ١٩٠٠، انما كان هنالك القليل من عمل الملاحقة. ولكن في السنة ١٩٤٩ هاجرت ماري ويتينڠتون مع اولادها الصغار الثلاثة من بريطانيا لتعيش في نَيروبي مع زوجها، الذي كان مستخدَما هناك. وكانت الاخت ويتينڠتون معتمدة لسنة فقط، لكنها كانت تملك روح الفتح. ومع انها كانت تعرف انه لا يوجد شهود آخرون في كينيا، شرعت في مساعدة الآخرين في هذه المقاطعة الكبيرة على تعلُّم الحق. وبالرغم من العقبات، لم تنثنِ عزيمتها. وأتى شهود آخرون ايضا — من اوستراليا، بريطانيا، جنوب افريقيا، زامبيا، السويد، كندا، والولايات المتحدة — مرتِّبين شخصيا للانتقال الى هناك لكي يشتركوا في رجاء الملكوت مع الناس.
وبالاضافة الى ذلك، أُرسل ازواج مرسلون للمساعدة في الحصاد. في البداية كان الرجال مضطرين الى القيام بعمل دنيوي لكي يبقوا في البلد، ولذلك كان وقتهم المتوافر للخدمة محدودا. لكنَّ زوجاتهم كنَّ يملكن الوقت للخدمة كفاتحات. وفي حينه اتى اكثر من مئة مرسل مدرَّب في جلعاد الى كينيا. وعندما اقترب الاستقلال، مع نهاية التمييز العنصري الذي فرضه الحكم الاستعماري البريطاني، درس الشهود الاوروپيون اللغة السواحلية ووسَّعوا بسرعة نشاطهم لبلوغ اهل البلد الافريقيين. فنما عدد الشهود في هذا الجزء من الحقل العالمي بسرعة.
وفي السنة ١٩٧٢ تلقت بوتْسْوانا ايضا مساعدة في الحصاد الروحي عندما انتقل شهود من بريطانيا، جنوب افريقيا، وكينيا الى مدنها الاكبر. وبعد ثلاث سنوات، اتى ايضا مرسلون مدرَّبون في جلعاد. ولكنَّ السكان مشتَّتون الى حد كبير في القرى الريفية. ولكي يصلوا اليهم كان الشهود من جنوب افريقيا يسافرون عبر المنطقة الصحراوية المعروفة بـ كالاهاري. وفي المجتمعات المنعزلة كانوا يشهدون لزعماء القرى، اساتذة المدارس، وغالبا لفرق من ١٠ او ٢٠ مستمعا ذا تقدير. قال رجل كبير السن: «عبرتم كل هذه الطريق لكي تحدِّثونا عن هذه الامور؟ هذا لطيف، لطيف جدا.»
كان «بايبل براون» قد ألقى محاضرات فعَّالة من الكتاب المقدس في لَيبيريا خلال عشرينات الـ ١٩٠٠، ولكن كانت هنالك مقاومة كبيرة. وعمل الحصاد الروحي هناك لم يتقدَّم فعلا حتى وصول المرسلين المدرَّبين في مدرسة جلعاد. وهاري بيهانَن، الذي اتى سنة ١٩٤٦، كان الاول. وشارك كثيرون آخرون في السنوات التالية. وانضم اليهم تدريجيا في العمل اشخاص من اهل لَيبيريا، وبحلول السنة ١٩٧٥ تجاوز عدد مسبِّحي يهوه الالف.
قام «بايبل براون» بكرازة اكثر ايضا في نَيجيريا. وهذه الدولة كانت مقسَّمة الى ممالك، دول مدن، وأنظمة اجتماعية متعددة، بشعب ينطق بما يزيد على ٢٥٠ لغة ولهجة. والدين كان عاملا مقسِّما اكثر. وبشيء من اللباقة ولكن بحجج قوية من الاسفار المقدسة، شهَّر الشهود الاولون هناك رجال الدين وتعاليمهم الباطلة. وعندما حُظرت مطبوعاتهم خلال الحرب العالمية الثانية، كرز الاخوة بواسطة الكتاب المقدس وحده. والناس الذين يحبون الحق تجاوبوا بتقدير. فتركوا الكنائس، ثم هجروا تعدُّد الزوجات وتخلَّوا عن ممارستهم الجوجو، التي تساهلت فيها الكنائس. وبحلول السنة ١٩٥٠ كان عدد شهود يهوه المشتركين في المناداة برسالة الملكوت في نَيجيريا ٣٧٠,٨. وبحلول السنة ١٩٧٠ كان هنالك اكثر من عشرة اضعاف هذا العدد.
كان يجب التغلب على العقبات القانونية المستمرة من اجل تزويد العون الروحي للاشخاص المتهمين في روديسيا الجنوبية (المعروفة الآن بزمبابوي). وبدأت الجهود للحصول على الاعتراف الشرعي في اواسط عشرينات الـ ١٩٠٠. وفي السنة ١٩٣٢، أُمر فاتحون من جنوب افريقيا بمغادرة البلد وأُخبروا بطريقة اعتباطية بأنه لا يمكن استئناف القضية. لكنهم استأنفوا على اية حال. والتهم بأن مطبوعات برج المراقبة محرِّضة على الفتنة كانت تلزم معالجتها في المحاكم. وفي اوائل اربعينات الـ ١٩٠٠ قضى الاخوة وقتا في السجن بسبب توزيع مطبوعات توضح الكتاب المقدس. وليس حتى السنة ١٩٦٦ كان ان مُنح شهود يهوه الاعتراف الشرعي الكامل كهيئة دينية في زمبابوي. فطوال اكثر من ٤٠ سنة، كان عمل الحصاد الروحي يجري تحت صعوبة كبيرة، ولكن خلال ذلك الوقت ساعد الفعلة الشجعان اكثر من ٠٠٠,١١ ليصيروا خداما ليهوه اللّٰه.
الشهادة للحكام والملوك
عرف يسوع ان تلاميذه سيواجهون المقاومة في خدمتهم. فأخبرهم بأنهم سيُسلَّمون الى «محاكم محلية،» وحتى الى «حكام وملوك،» وأن ذلك سيكون «شهادة لهم وللامم.» (متى ١٠:١٧، ١٨، عج) وشهود يهوه يختبرون تماما ما سبق يسوع وأنبأ به، وانسجاما مع ما قاله يحاولون انتهاز الفرصة لتقديم شهادة.
سمح بعض الرسميين للخوف بأن يمنعهم عن فعل الخير لأتباع المسيح. (يوحنا ١٢:٤٢، ٤٣) ورأى لولِن فيلپس الدليل على ذلك في السنة ١٩٤٨ عندما كانت له مقابلات خصوصية مع عدد من رسميي الحكومة في الكونڠو البلجيكية بهدف جلب الراحة للشهود المضطهدين هناك. فأوضح لهؤلاء الرجال معتقدات ونشاطات شهود يهوه. ولكن في اثناء المقابلة، سأل الحاكمُ العام بحزن: «واذا ساعدتكم، فماذا يحدث لي؟» لقد عرف ان الكنيسة الكاثوليكية الرومانية تمارس نفوذا كبيرا في ذلك البلد.
ولكنَّ الزعيم الاعلى للدولة السوازية، الملك سوبوزا الثاني، لم يكن مكترثا جدا لرأي رجال الدين. فقد تحدث غالبا الى شهود يهوه، حصل على الكثير من مطبوعاتهم، وكان ميَّالا اليهم بلطف. وفي «الجمعة الحزينة» كل سنة، كان يدعو رجال الدين الافريقيين الى قريته الملكية. وكان يدعهم يتكلمون، ولكنه كان يدعو ايضا واحدا من شهود يهوه الى التكلم. وفي السنة ١٩٥٦ تكلم الشاهد عن عقيدة خلود النفس وألقاب التبجيل للقادة الدينيين. وعندما انتهى، سأل الزعيم الاعلى رجال الدين: «هل هذه الامور التي يقولها شهود يهوه هنا صحيحة ام باطلة؟ اذا كانت باطلة، فاذكروا كيف.» فلم يتمكنوا من دحضها. حتى انه في احدى المناسبات انفجر الزعيم الاعلى ضحكا من ارتباك رجال الدين بسبب ما قاله شاهد.
كثيرا ما كانت الشرطة هي التي يُفوَّض اليها مطالبة الشهود بأسباب ما يفعلونه. ومن الجماعة في طَنْجة، المملكة المغربية، كان الشهود يقومون برحلات قانونية الى سَبتة، مرفأ بحري تحت السيطرة الاسپانية ولكن على الشاطئ المغربي. واذ اوقفتهم الشرطة في احدى المناسبات سنة ١٩٦٧، جرى التحقيق مع الشهود طوال ساعتين، الوقت الذي قُدِّمت فيه شهادة ممتازة. وفي احدى المراحل، سأل مفتشان في الشرطة عما اذا كان الشهود يؤمنون بـ «العذراء مريم.» وعندما أُخبرا ان روايات الاناجيل تُظهر ان مريم كان لها اولاد آخرون بعد ان ولدت العذراء يسوع، وأن هؤلاء كانوا اخوة وأخوات يسوع من امه، اطلق الضابطان شهقة اندهاش وقالا ان امرا كهذا لا يمكن ان يوجد ابدا في الكتاب المقدس. وعندما فُتحت لهما يوحنا ٧:٣-٥، نظر اليها احد الضابطين طويلا دون ان يقول كلمة؛ ولذلك قال الآخر: «أَعطني هذا الكتاب المقدس. سأشرح الآية!» فردّ الضابط الاول: «لا تزعج نفسك. هذه الآية واضحة جدا.» وطُرحت اسئلة كثيرة اخرى وأُجيب عنها في جو من الارتياح. وبعد ذلك، كان هنالك القليل جدا من تدخل السلطات فيما كان الشهود يكرزون في تلك المنطقة.
والرجال البارزون في الحكومة صاروا يعرفون جيدا شهود يهوه وخدمتهم. وبعضهم يقدِّرون ان العمل الذي يقوم به الشهود مفيد حقا للناس. وفي وقت متأخر من السنة ١٩٥٩، عندما كانت الاستعدادات لاستقلال نَيجيريا جارية، طلب الحاكم العام، الدكتور نامدي أزيكيوي، ان يكون و. ر. براون حاضرا كممثل لشهود يهوه. وقال لمجلس وزرائه: «اذا كانت كل الفئات الدينية كشهود يهوه، فلن يكون لدينا قتل، سرقة، جُنَح، مساجين وقنابل ذرية. ولن تُقفَل الابواب يوما بعد يوم.»
جرى جمع حصاد روحي كثير حقا في افريقيا. وبحلول السنة ١٩٧٥، كان هنالك ٧٥٤,٣١٢ شاهدا يكرزون بالبشارة في ٤٤ بلدا في القارة الافريقية. وفي تسعة من هذه البلدان، كان هنالك اقل من ٥٠ يتخذون موقفهم الى جانب حق الكتاب المقدس ويشتركون في العمل التبشيري. لكنَّ الشهود يعتبرون حياة كل امرئ ثمينة. وفي ١٩ من هذه البلدان، بلغ عدد المشتركين في الخدمة من بيت الى بيت كشهود ليهوه الآلاف. وأُخبر عن زيادات مثيرة في بعض المناطق. ففي آنڠولا، مثلا، من السنة ١٩٧٠ الى السنة ١٩٧٥، ازداد عدد الشهود من ٣٥٥ الى ٠٥٥,٣. وفي نَيجيريا، في السنة ١٩٧٥، كان هنالك ١٦٤,١١٢ شاهدا ليهوه. وهؤلاء لم يكونوا مجرد اشخاص يتمتعون بقراءة مطبوعات برج المراقبة، ولم يكونوا مجرد افراد قد يحضرون الاجتماعات في قاعة الملكوت من حين الى آخر. فجميعهم كانوا منادين نشاطى بملكوت اللّٰه.
المشرق ينتج مسبِّحين ليهوه
وكما صحَّ في اماكن اخرى كثيرة، توسع نشاط شهود يهوه بسرعة في الفيليپين عقب الحرب العالمية الثانية. وبالسرعة الممكنة، بعد اطلاق سراحه من السجن في ١٣ آذار ١٩٤٥، اتصل جوزيف دوس سانتوس بمكتب جمعية برج المراقبة في نيويورك. فقد اراد ان يحصل على جميع مواد درس الكتاب المقدس وارشادات الهيئة التي فاتت الاخوة في الفيليپين خلال الحرب. ثم زار الجماعات شخصيا ليوحِّدهم ويقويهم. وفي تلك السنة عينها عُقد محفل قومي في لينڠاين، پانڠاسينان، حيث قُدِّمت الارشادات حول كيفية تعليم الناس الجياع الى الحق بواسطة الدروس البيتية في الكتاب المقدس. وشهدت السنوات التالية جهودا مكثَّفة لترجمة ونشر مزيد من المواد باللغات المحلية — التَڠالوڠية، الايلوكوِية، والسايبوانية. وكان الاساس يوضع من اجل التوسع، وقد اتى ذلك سريعا.
في غضون عقد بعد انتهاء الحرب، ازداد عدد الشهود في الفيليپين من نحو ٠٠٠,٢ الى اكثر من ٠٠٠,٢٤. وفي ٢٠ سنة اخرى، كان هنالك اكثر بكثير من ٠٠٠,٧٨ مسبِّح ليهوه هناك.
كانت الصين بين البلدان الاولى في المشرق التي يُرسَل اليها مرسلون مدرَّبون في مدرسة جلعاد. وقد وصل هارولد كينڠ وستانلي جونز الى شَنڠهاي سنة ١٩٤٧؛ وليو دي هِمْ سنة ١٩٤٩. فحضر الفاتحون الالمان الثلاثة، الذين كانوا قد شرعوا في العمل هناك سنة ١٩٣٩، للترحيب بهم. وغالبية الناس في هذا البلد كانوا بوذيين ولم يتجاوبوا بسرعة مع مناقشة في الكتاب المقدس. وداخل بيوتهم كانت هنالك مزارات ومذابح. وبمرايا فوق مداخلهم، كانوا يحاولون اخافة الارواح الشريرة. والرقع الحمراء التي تحمل الكتابة ‹حظ سعيد› والصور المخيفة للآلهة البوذية كانت تزيِّن البوابات. ولكن تلك كانت اوقات تغيير كبير في الصين. فتحت الحكم الشيوعي كان مطلوبا من كل واحد ان يدرس ‹افكار ماو تسي تونڠ.› وبعد عملهم الدنيوي، كان يجب ان يحضروا جلسات طويلة تُشرح فيها الشيوعية. ووسط كل ذلك، استمر اخوتنا مشغولين بالكرازة ببشارة ملكوت اللّٰه.
كثيرون ممَّن كانوا يرغبون في الدرس مع شهود يهوه كان لهم سابقا اتصال بالكتاب المقدس من خلال كنائس العالم المسيحي. وصحَّ ذلك في نانسي يُوِن، عاملة في الكنيسة وربة بيت كانت شاكرة على ما اظهره لها الشهود في الكتاب المقدس. وسرعان ما صارت هي نفسها تشارك بغيرة في العمل من بيت الى بيت وادارة دروس في الكتاب المقدس. والآخرون الذين كرزوا لهم كانوا من خلفية صينية وبوذية نموذجية ولم تكن لديهم معرفة سابقة للكتاب المقدس. وفي السنة ١٩٥٦ جرى بلوغ ذروة من ٥٧ ناشرا. ولكن في تلك السنة عينها، بعد توقيفها ست مرات بسبب الكرازة، أُبقيت نانسي يُوِن في السجن. والآخرون إما أُوقفوا او أُجبروا على مغادرة البلد. واعتُقل ستانلي جونز وهارولد كينڠ في ١٤ تشرين الاول ١٩٥٨. وقبل ان يمثلا امام المحكمة، احتُجزا سنتين. وفي اثناء هذا الوقت كانا يُستجوبان باستمرار. وعندما أُخذا اخيرا الى المحكمة سنة ١٩٦٠، حُكم عليهما بمدة سجن طويلة. وهكذا، في تشرين الاول ١٩٥٨، أُوقف نشاط شهود يهوه العلني في الصين بالقوة. لكنَّ كرازتهم لم تتوقف كاملا قط. وحتى في السجن وفي معسكرات العمل الالزامي، كانت هنالك طرائق للشهادة. فهل سيُنجَز المزيد في هذا البلد الواسع في المستقبل؟ سيُعرف ذلك في الوقت المعيَّن.
وفي هذه الاثناء، ماذا كان يحدث في اليابان؟ كان نحو مئة فقط من شهود يهوه يكرزون هناك قبل الحرب العالمية الثانية. وعندما واجهتهم اجراءات قمعية وحشية خلال سنوات الحرب، ساير كثيرون من هؤلاء. ومع ان قليلين حافظوا على استقامتهم، توقفت الكرازة العلنية المنظمة. إلا ان المناداة بملكوت يهوه مُنحت انطلاقة جديدة في هذا الجزء من العالم عندما وصل دون هاسْلِت، مرسل مدرَّب في جلعاد، الى طوكيو في كانون الثاني ١٩٤٩. وبعد شهرين تمكَّنت زوجته، مايبِل، من الانضمام اليه هناك. وهذا حقل كان فيه اناس كثيرون جياعا الى الحق. فكان الامبراطور قد تخلَّى عن ادعائه الالوهية. وكانت الشنتوية، البوذية، الكاثوليكية، والكْيودان (المؤلَّفة من فرق پروتستانتية مختلفة في اليابان) قد فقدت اعتبارها جميعا لدى الناس بسبب تعاونها مع اليابان في الجهد الحربي الذي انتهى الى هزيمة.
وبحلول نهاية السنة ١٩٤٩، كان ١٣ مرسلا من مدرسة جلعاد مشغولين في اليابان. وتبعهم المزيد — اكثر من ١٦٠ ككل. وكان هنالك القليل جدا من المطبوعات للعمل بها. وبعض المرسلين كانوا يتكلمون اليابانية العتيقة الاسلوب في هاوايي، ولكن كان يجب ان يتعلَّموا اللغة الحديثة. وتعلَّم الآخرون بعض الامور الاساسية ولكنهم كانوا يضطرون الى اللجوء تكرارا الى قواميسهم اليابانية-الانكليزية الى ان اصبحوا عارفين اكثر بلغتهم الجديدة. وقبل ان يمضي وقت طويل اتصلت عائلتا إيشي ومِيورا، اللتان لم تهجرا ايمانهما خلال سنوات الحرب، بالهيئة وابتدأتا مرة اخرى تشتركان في الخدمة العامة.
فُتحت تدريجيا بيوت ارسالية في كوبي، ناڠويا، اوساكا، يوكوهاما، كيوتو، وسَنداي. ومن السنة ١٩٤٩ الى السنة ١٩٥٧ كان المسعى الرئيسي تثبيت عمل الملكوت في المدن الكبيرة في جزر اليابان الرئيسية. ثم ابتدأ الفعلة ينتقلون الى المدن الاخرى. فالحقل كان واسعا. وكان واضحا انه اذا كانت اليابان كلها ستتلقَّى شهادة تامة، فهنالك حاجة الى خدام فاتحين كثيرين. وجرى التشديد على ذلك، فتطوَّع كثيرون، وكان هنالك تجاوب رائع مع الجهود المتحدة لهؤلاء الخدام العاملين بجدّ! فأنتج العقد الاول ٣٩٠,١ مسبِّحا ليهوه. وبحلول اواسط سبعينات الـ ١٩٠٠، كان هنالك ٤٨٠,٣٣ مسبِّحا غيورا ليهوه منتشرين في كل انحاء اليابان. وسرعة التجميع كانت تتزايد.
في السنة عينها التي وصل فيها دون هاسْلِت الى اليابان، ١٩٤٩، مُنح ايضا عمل الملكوت في جمهورية كوريا زخما كبيرا. وكوريا كانت تحت السيطرة اليابانية خلال الحرب العالمية، وكان الشهود مضطَهدين بلا رحمة. ومع ان فريقا صغيرا كان يجتمع للدرس بعد الحرب، لم يكن هنالك ايّ اتصال بالهيئة الاممية إلا بعد ان رأى تشو يونڠ وَن تقريرا عن شهود يهوه في السنة ١٩٤٨ في صحيفة الجيش الاميركي نجوم وشرائط. وفي السنة التالية شُكِّلت جماعة من ١٢ ناشرا في سييول. وفي وقت لاحق من تلك السنة، وصل دون وأيرلين ستيل، اول مرسلَين من مدرسة جلعاد. وبعد سبعة اشهر، تبعهما ستة مرسلين آخرين.
كانوا يحصلون على نتائج ممتازة — معدل ٢٠ درسا في الكتاب المقدس للواحد وحضور اجتماعات يبلغ ٣٣٦. ثم اندلعت الحرب الكورية. وبعد وقت لا يكاد يتجاوز ثلاثة اشهر من وصول فريق المرسلين الاخير هذا، جرى ترحيلهم جميعا الى اليابان. وانقضى اكثر من سنة قبل ان يتمكن دون ستيل من العودة الى سييول، وسنة اخرى قبل ان تتمكن أيرلين من الانضمام اليه. وفي هذه الاثناء بقي الاخوة الكوريون ثابتين وكانوا غيورين في الكرازة، على الرغم من واقع خسارة البيوت وصيرورة كثيرين منهم لاجئين. أما الآن، اذ انتهت الحرب، فقد مُنح الانتباه لتزويد مطبوعات اكثر بالكورية. والمحافل ودفق المزيد من المرسلين اعطت دفعا للعمل. وبحلول السنة ١٩٧٥، كان هنالك ٦٩٣,٣٢ شاهدا ليهوه في جمهورية كوريا — بقدر ما في اليابان تقريبا — وكانت هنالك امكانية لنمو رائع، لأنه كان يدار اكثر من ٠٠٠,٣٢ درس بيتي في الكتاب المقدس.
ماذا كانت عليه الحال في اوروپا؟
لم تُنتج نهاية الحرب العالمية الثانية في اوروپا حرية تامة لشهود يهوه هناك ليتابعوا عملهم لتعليم الكتاب المقدس دون مقاومة. وفي بعض الاماكن كان الرسميون يحترمونهم بسبب موقفهم الثابت خلال الحرب. ولكن في اماكن اخرى ادَّى تيار القومية القوي والعداء الديني الى اضطهاد اضافي.
بين الشهود في بلجيكا هنالك بعض الذين كانوا قد اتوا من المانيا ليشتركوا في الكرازة بالبشارة. وبسبب عدم دعمهم النظام النازي، كان الڠستاپو قد طاردهم كوحوش. أما الآن فقد اتهم الرسميون البلجيكيون بعض هؤلاء الشهود انفسهم بأنهم نازيون وسجنوهم ثم رحَّلوهم. وعلى الرغم من كل ذلك، زاد عدد الشهود المشاركين في خدمة الحقل في بلجيكا اكثر من ثلاث مرات خلال خمس سنوات بعد الحرب.
وماذا كان وراء الكثير من الاضطهاد؟ الكنيسة الكاثوليكية الرومانية. وحيثما كانت لها السلطة لفعل ذلك، كانت لا تكل في حربها لوضع حد لشهود يهوه.
واذ كانوا يعرفون ان اناسا كثيرين في الغرب يخافون الشيوعية، اثار رجال الدين الكاثوليك في مدينة كورك الايرلندية، في السنة ١٩٤٨، مقاومة ضد شهود يهوه بالاشارة اليهم باستمرار بصفتهم «ابالسة شيوعيين.» ونتيجة لذلك، عندما كان فْرِد مِتْكاف يشترك في خدمة الحقل، واجهته مجموعة من الرعاع لكمته ورفسته ونثرت مطبوعاته للكتاب المقدس في الشارع. ولحسن التوفيق، كان شرطي مارًّا آنذاك ففرَّق افراد المجموعة. وقد استمر الشهود في وجه كل ذلك. ولم يكن الشعب الايرلندي كله يوافق على العنف. ولاحقا، تمنى حتى بعض الذين اشتركوا فيه لو لم يفعلوا ذلك. ومعظم الناس الكاثوليك في ايرلندا لم يروا قط كتابا مقدسا. ولكن، بصبر حبي، جرت مساعدة البعض منهم على التمسك بالحق الذي يحرِّر الناس. — يوحنا ٨:٣٢.
مع ان الشهود في ايطاليا كان عددهم بنحو مئة فقط في السنة ١٩٤٦، كانت لديهم بعد ثلاث سنوات ٦٤ جماعة — صغيرة ولكن تعمل بجدّ. فقلق رجال الدين. واذ كانوا عاجزين عن دحض حقائق الكتاب المقدس التي يكرز بها شهود يهوه، ضغط رجال الدين الكاثوليك على السلطات الحكومية في محاولة للتخلص منهم. وهكذا، في السنة ١٩٤٩، أُمر المرسلون الشهود بالخروج من البلد.
وتكرارا سعى رجال الدين الروم الكاثوليك الى مقاطعة او منع محافل الشهود في ايطاليا. فاستخدموا مماحكين في محاولة لمقاطعة محفل في سولْمونا سنة ١٩٤٨. وفي ميلانو ضغطوا على رئيس الشرطة ليلغي إذنا في محفل في تياترو دِل أرتِه في السنة ١٩٥٠. ومرة اخرى، سنة ١٩٥١، جعلوا الشرطة تلغي الإذن في محفل في تشِرينيولا. ولكن في السنة ١٩٥٧، عندما امرت الشرطة بايقاف محفل للشهود في ميلانو، اعترضت الصحافة الايطالية، وأُثيرت اسئلة في الپرلمان. وصحيفة روما الاسبوعية إل موندو، عدد ٣٠ تموز ١٩٥٧، لم تتردد في الذكر ان الاجراء قد اتُّخذ «لارضاء رئيس الاساقفة،» جوڤاني باتيستا مونتيني، الذي صار لاحقا البابا بولس السادس. وكان معروفا جيدا ان الكنيسة الكاثوليكية لقرون كانت تمنع توزيع الكتاب المقدس باللغات التي يستعملها عامة الناس. لكنَّ شهود يهوه ثابروا على جعل الكاثوليك المخلصين يرون لأنفسهم ما يقوله الكتاب المقدس. فصار التباين بين الكتاب المقدس وعقيدة الكنيسة واضحا. وعلى الرغم من الجهود المكثَّفة للكنيسة الكاثوليكية لمنع ذلك، ترك الآلاف الكنيسة، وبحلول السنة ١٩٧٥ كان هنالك ٢٤٨,٥١ شاهدا ليهوه في ايطاليا. وهؤلاء جميعا كانوا مبشرين نشاطى، وكانت أعدادهم تتزايد بسرعة.
في اسپانيا الكاثوليكية عندما أُعيد احياء نشاط شهود يهوه المنظَّم تدريجيا بعد السنة ١٩٤٦، لم يكن مستغربا ان يضغط رجال الدين هناك ايضا على الرسميين الدنيويين في محاولة لايقافهم. فقوطعت اجتماعات شهود يهوه الجماعية. وأُجبر المرسلون على الخروج من البلد. واعتُقل الشهود لمجرد حيازتهم كتابا مقدسا او مطبوعة للكتاب المقدس. وغالبا ما كانوا يُحتجَزون في سجون قذرة حتى ثلاثة ايام، ثم يُطلَق سراحهم — ولكن ليُعتقلوا، يُستجوبوا، ويوضعوا في السجن ثانية. وكثيرون قضوا مدة سجن لشهر او اكثر. وكان الكهنة يحرِّضون السلطات الدنيوية على مطاردة ايّ شخص يدرس الكتاب المقدس مع شهود يهوه. وحتى بعد اصدار «قانون الحرية الدينية» في السنة ١٩٦٧، حدثت التغييرات ببطء. إلا انه بحلول الوقت الذي فيه مُنح شهود يهوه اخيرا الاعتراف الشرعي في السنة ١٩٧٠ كان هنالك اكثر من ٠٠٠,١١ منهم في اسپانيا. وبعد خمس سنوات، تجاوز عددهم ٠٠٠,٣٠، وكل واحد مبشر نشيط.
وماذا عن الپرتغال؟ هنا ايضا أُمر المرسلون بالخروج من البلد. وبحضّ من رجال الدين الكاثوليك، فتَّشت الشرطة بيوت شهود يهوه، صادرت مطبوعاتهم، وقاطعت اجتماعاتهم. حتى ان آمر شرطة الامن العام في كالداس دا راينْيا اصدر امرا خطيا في كانون الثاني ١٩٦٣ يمنعهم من ‹ممارسة نشاطاتهم لقراءة الكتاب المقدس.› لكنَّ الشهود لم يتخلَّوا عن خدمتهم للّٰه. وكان هنالك اكثر من ٠٠٠,١٣ منهم بحلول الوقت الذي حصلوا فيه على الاعتراف الشرعي في الپرتغال سنة ١٩٧٤.
وفي انحاء اخرى من اوروپا، اثارت السلطات الدنيوية عقبات امام الكرازة بالبشارة بتصنيف توزيع مطبوعات الكتاب المقدس كنشاط تجاري خاضع للقوانين المتعلقة بالتجارة. ففي عدد من كانتونات سويسرا، طُبِّقت قوانين التجارة الجائلة على توزيع مطبوعات شهود يهوه لقاء تبرع طوعي. واذ تابع الشهود نشاطهم، أُخضعوا لاعتقالات ومحاكمات عديدة. ولكن عندما أُحيلت القضايا الى المحاكم، حكمت بعض المحاكم، بما فيها المحكمة العليا لكانتون ڤود، سنة ١٩٥٣، بأن نشاط شهود يهوه لا يمكن اعتباره بلياقة تجارة جائلة. وفي هذه الاثناء، بُذل جهد في الدنمارك لتحديد الساعات التي يمكن فيها للشهود ان يقدِّموا المطبوعات، حاصرين نشاطهم في اوقات يجيز القانون فيها عمل المحال التجارية. وهذا ايضا كان يجب المجاهدة من اجله في المحاكم. وعلى الرغم من العقبات، استمر شهود يهوه في المناداة بملكوت اللّٰه بصفته الرجاء الوحيد للجنس البشري.
والقضية الاخرى التي اثَّرت في شهود يهوه في اوروپا، وفي انحاء اخرى من الارض، هي الحياد المسيحي. فلأن ضمائرهم المسيحية لا تسمح لهم بالتورط في النزاعات بين احزاب العالم، حُكم عليهم بالسجن في بلد بعد آخر. (اشعياء ٢:٢-٤) وهذا ابعد الشبان عن خدمتهم القانونية من بيت الى بيت. ولكنَّ احدى النتائج المفيدة كانت شهادة مكثَّفة للمحامين، القضاة، الضباط العسكريين، وحراس السجون. وحتى في السجن وجد الشهود طريقة للكرازة. ومع ان المعاملة في بعض السجون كانت وحشية، إلا ان الشهود المحتجَزين في سجن سانتا كاتالينا في قادس، اسپانيا، كانوا قادرين على استعمال شيء من وقتهم للشهادة بواسطة البريد. وفي السويد كثيرا ما لُفت الانتباه الى الطريقة التي عولجت بها القضايا المتعلقة بحياد شهود يهوه. وهكذا، بطرائق عديدة أُعلم الناس بالواقع ان يهوه لديه شهود على الارض وأنهم يلتصقون بثبات بمبادئ الكتاب المقدس.
كان هنالك امر آخر يبقي الشهود امام عيون الناس. وكان له ايضا تأثير قوي منشِّط في عملهم التبشيري.
المحافل ساهمت في الشهادة
عندما عقد شهود يهوه محفلا امميا في پاريس، فرنسا، في السنة ١٩٥٥، اعطت التقارير الاخبارية التلفزيونية الامة بكاملها لمحات الى ما حدث. وفي السنة ١٩٦٩ عُقد محفل آخر قرب پاريس، وكان واضحا ان خدمة الشهود كانت مثمرة. فكان عدد المعتمدين في المحفل ٦١٩,٣، او نحو ١٠ في المئة من معدل الحضور. وعن هذا الامر قالت الصحيفة المسائية الپاريسية الشعبية فرانس-سوار عدد ٦ آب ١٩٦٩: «ان ما يُقلق رجال دين الديانات الاخرى ليس وسيلة توزيع المطبوعات المذهلة التي يستخدمها شهود يهوه، بل بالاحرى اعمال الهداية التي يقومون بها. فكل واحد من شهود يهوه هو تحت الالتزام بأن يشهد او ينادي بايمانه باستخدام الكتاب المقدس من بيت الى بيت.»
خلال فترة ثلاثة اسابيع من صيف السنة ١٩٦٩ نفسه، عُقدت اربعة محافل اممية كبيرة اخرى في اوروپا — في لندن، كوپنهاڠن، روما، ونورَمبورڠ. وقد حضر محفل نورَمبورڠ ٦٤٥,١٥٠ من ٧٨ بلدا. والى جانب الطائرات والبواخر، كان يلزم ما يقارب ٠٠٠,٢٠ سيارة، ٢٥٠ باصا، و ٤٠ قطارا خصوصيا لنقل المندوبين الى هذا المحفل.
لم تحصِّن وتؤهِّب المحافل شهود يهوه لخدمتهم فقط، ولكنها ايضا اعطت الناس الفرصة ليروا لانفسهم ايّ نوع من الناس هم شهود يهوه. وعندما خُطِّط لمحفل اممي في دبلن، ايرلندا، في السنة ١٩٦٥، استُخدم ضغط ديني شديد بغية الغاء الترتيبات. لكنَّ المحفل عُقد، وزوَّد اصحاب بيوت كثيرون في دبلن اماكن النوم للمندوبين. وبأية نتيجة؟ «لم يخبرونا الحقيقة عنكم،» علَّقت بعض صاحبات الفنادق بعد المحفل. «لقد كذب علينا الكهنة، ولكن اذ نعرفكم الآن، يُسعدنا دائما ان نستقبلكم من جديد.»
عندما يتكلم الناس لغة اخرى
في العقود الاخيرة وجد شهود يهوه في اوروپا ان الاتصال بالناس من قوميات اخرى يشكِّل تحديا خصوصيا. فقد انتقلت اعداد كبيرة من بلد الى آخر للاستفادة من فرص الاستخدام. وبعض المدن الاوروپية صارت مقرا لمؤسسات اممية كبرى، بطاقم لا يتكلم الجميع فيه اللغة المحلية.
طبعا، كانت المقاطعة المتعددة اللغات واقع حياة طوال قرون في بعض الاماكن. ففي الهند، مثلا، هنالك ١٤ لغة رئيسية وربما ٠٠٠,١ لغة ثانوية ولهجة. وپاپوا غينيا الجديدة لديها اكثر من ٧٠٠ لغة. ولكن خصوصا خلال ستينات وسبعينات الـ ١٩٠٠ حدث ان وجد الشهود في لوكسمبورڠ ان مقاطعتهم صارت تتضمن اناسا من اكثر من ٣٠ امة مختلفة — وبعد ذلك وصلت على الاقل ٧٠ قومية اخرى. وتخبر السويد بأنها تغيرت من بلد بلغة واحدة ينطق بها كل فرد تقريبا الى مجتمع يتكلم ١٠٠ لغة مختلفة. فكيف تعامل شهود يهوه مع ذلك؟
في البداية، غالبا ما كانوا يسعون الى معرفة لغة صاحب البيت ثم يحاولون الحصول على بعض المطبوعات التي يمكنه ان يقرأها. وفي الدنمارك، كانت تُصنع تسجيلات على شُرُط لجعل الاتراك المخلصين يسمعون الرسالة بلغتهم الخاصة. وفي سويسرا كان يوجد فريق كبير من العمال الاجانب من ايطاليا واسپانيا. واختبار رودولف وِيدِرْكير في مساعدة بعض هؤلاء نموذجي لكيفية ابتداء الامور. فقد حاول ان يشهد لرجل ايطالي، ولكن لا احد منهما كان يعرف الكثير من لغة الآخر. فماذا يمكن فعله؟ ترك اخونا معه نسخة من برج المراقبة بالايطالية. وعلى الرغم من مشكلة اللغة، عاد الاخ وِيدِرْكير. فبوشر درس في الكتاب المقدس مع الرجل، زوجته، وابنهما البالغ من العمر ١٢ سنة. وكتاب الاخ وِيدِرْكير للدرس كان بالالمانية، لكنه زوَّد العائلة بنسخ ايطالية. وحيث كانت الكلمات تعجز، كانت الاشارات تُستعمَل. وأحيانا كان الصبي، الذي يتعلَّم الالمانية في المدرسة، يخدم كمترجم. فاعتنقت كل العائلة الحق وسرعان ما ابتدأت تخبر به الآخرين.
ولكنَّ ملايين العمال حرفيا من اسپانيا، ايطاليا، الپرتغال، تركيا، يوڠوسلاڤيا، اليونان كانوا ينتقلون الى المانيا وبلدان اخرى. وكان يمكن تقديم المساعدة الروحية لهم بأكثر فعَّالية بلغاتهم الخاصة. وسرعان ما بدأ بعض الشهود المحليين بتعلُّم لغات العمال الاجانب. وفي المانيا، رتب ايضا مكتب الفرع لصفوف اللغة بالتركية. والشهود في بلدان اخرى الذين كانوا يعرفون اللغة المطلوبة دُعوا الى الانتقال الى الاماكن حيث توجد حاجة خصوصية الى المساعدة.
بعض العمال الآتين من الخارج لم يلتقوا شهود يهوه من قبل قط وكانوا حقا جياعا الى الامور الروحية. وكانوا شاكرين على الجهد المبذول لمساعدتهم. وتشكلت جماعات عديدة اجنبية اللغة. وفي حينه، عاد بعض هؤلاء العمال الاجانب الى مواطنهم ليواصلوا الخدمة في مناطق لم تحصل سابقا على شهادة تامة عن ملكوت اللّٰه.
حصاد وافر في وجه العقبات
يستخدم شهود يهوه اساليب الكرازة نفسها في كل انحاء الارض. وفي اميركا الشمالية يبشرون بنشاط لأكثر من قرن. فليس مدهشا ان يوجد هناك حصاد روحي وافر. وبحلول السنة ١٩٧٥، كان هنالك ٠٩٧,٦٢٤ شاهدا نشيطا ليهوه في بَر الولايات المتحدة الرئيسي وكندا. ولكنَّ ذلك لم يكن لأن كرازتهم في اميركا الشمالية تجري دون مقاومة.
مع ان الحكومة الكندية رفعت حظرها على شهود يهوه ومؤسساتهم الشرعية بحلول السنة ١٩٤٥، إلا ان الفوائد من هذا القرار لم تُلمَس فورا في مقاطعة كْويبك. ففي ايلول ١٩٤٥ هاجم الرعاع الكاثوليك شهود يهوه في شاتُڠْاي ولاشين. واعتُقل الشهود واتُّهموا بالتحريض على الفتنة لأن المطبوعات التي وزَّعوها تنتقد الكنيسة الكاثوليكية الرومانية. ووُضع آخرون في السجن بسبب توزيعهم مطبوعات الكتاب المقدس التي لم يوافق عليها رئيس الشرطة. وبحلول السنة ١٩٤٧، كانت هنالك ٧٠٠,١ قضية ضد الشهود معلَّقة في محاكم كْويبك.
فيما كانت القضايا المتماثلة تُحال الى المحاكم، طُلب من الشهود ان يكرزوا بالانجيل بكلمة الفم، مستعملين الكتاب المقدس فقط — ترجمة دواي الكاثوليكية حيثما امكن. وتطوع خدام كامل الوقت من انحاء اخرى في كندا لتعلُّم الفرنسية وانتقلوا الى كْويبك ليشتركوا في نشر العبادة الحقة هناك.
كان اناس كاثوليك مخلصون كثيرون يُدخلون الشهود الى بيوتهم ويطرحون الاسئلة، مع انهم غالبا ما كانوا يقولون: ‹انا من الروم الكاثوليك ولن اتغير ابدا.› ولكن عندما كانوا يرون لانفسهم ما يقوله الكتاب المقدس، كان عشرات الآلاف منهم، بسبب المحبة للحق والرغبة في ارضاء اللّٰه، يتغيرون.
وفي الولايات المتحدة ايضا كان من الضروري المحاججة امام المحاكم لتثبيت حق شهود يهوه في الكرازة علنا ومن بيت الى بيت. ومن السنة ١٩٣٧ الى السنة ١٩٥٣ كانت هنالك ٥٩ قضية كهذه تشمل الشهود الذين أُحيلوا الى المحكمة العليا في واشنطن دي. سي.
الانتباه الى المقاطعات غير المعيَّنة
ان هدف شهود يهوه ليس مجرد فعل شيء في الكرازة بالبشارة بل بلوغ كل شخص ممكن برسالة الملكوت. ولهذه الغاية جعلت الهيئة الحاكمة لشهود يهوه كل مكتب فرع مسؤولا عن جزء محدَّد من الحقل العالمي. واذ تتشكَّل الجماعات ضمن مقاطعة الفرع، تُعطى كل جماعة جزءا من هذه المقاطعة لتكرز فيها. ثم تقسم الجماعة المنطقة الى اقسام يمكن ان تعيَّن للفرق وللخدام الافراد في الجماعة. وهؤلاء يسعون الى بلوغ كل بيت على اساس قانوني. ولكن ماذا عن المناطق غير المعيَّنة بعدُ للجماعات؟
في السنة ١٩٥١ أُعدت قائمة بكل الاقاليم في الولايات المتحدة لتحديد ايّ منها لا يتلقى زيارات قانونية من شهود يهوه. وفي ذلك الوقت، كان ما يقارب ٥٠ في المئة غير مخدوم او كان مغطى جزئيا فقط. فصُنعت الترتيبات ليقوم الشهود بخدمتهم في هذه المناطق خلال اشهر الصيف او في اوقات مناسبة اخرى بهدف تطوير جماعات. وعندما لا يكون الناس في البيت، كانت تُترك احيانا رسالة مطبوعة مع احدى مطبوعات الكتاب المقدس. وكانت الدروس في الكتاب المقدس تدار بالمراسلة. ولاحقا، أُرسل فاتحون خصوصيون الى مقاطعات كهذه لملاحقة الاهتمام الذي وُجد.
لم يكن هذا النشاط مقتصرا على خمسينات الـ ١٩٠٠. فحول العالم، في البلدان التي فيها تتلقى المدن الرئيسية شهادة ولكن توجد مقاطعة غير معيَّنة، يستمر بذل جهد مخلص لبلوغ الناس الذين لا يُتصَل بهم قانونيا. وفي ألاسكا في سبعينات الـ ١٩٠٠، كان نحو ٢٠ في المئة من السكان يعيشون في القرى النائية. وأفضل وقت للعثور على كثيرين من هؤلاء الناس هو في الشتاء عندما يتوقف تقريبا عمل صيد السمك. ولكن هذا هو الوقت الذي فيه يجعل التجلُّد الشديد والضباب القطبي الطيران خطرا. إلا ان الاسكيمو، الهنود، وسكان جزر ألوشيان كانوا يحتاجون الى فرصة التعلُّم عن تدبير للحياة الابدية في ظل ملكوت اللّٰه. ولبلوغهم، طار فريق من ١١ شاهدا يستعملون طائرات صغيرة الى نحو ٢٠٠ قرية متفرقة في منطقة تبلغ مساحتها ٠٠٠,٣٢٦ ميل مربع (٠٠٠,٨٤٤ كلم ٢) في فترة سنتين. كل ذلك موَّلته التبرعات الطوعية التي زوَّدها الشهود المحليون.
وبالاضافة الى رحلات كرازية كهذه، جرى تشجيع الشهود الناضجين على التأمل فعلا في الانتقال الى مناطق في بلدهم حيث الحاجة الى منادين بالملكوت هي اعظم. فتجاوب الآلاف. وبين الذين فعلوا ذلك في الولايات المتحدة اوجين وديليا شوستِر، اللذان غادرا ايلينُوي في السنة ١٩٥٨ ليخدما في هوپ، اركنساس. فمكثا اكثر من ثلاثة عقود لايجاد الاشخاص المهتمين، تنظيمهم في جماعة، ومساعدتهم على النمو الى النضج المسيحي.
وبناء على تشجيع ناظر دائرتهم، في السنة ١٩٥٧، قام ألكسندر ب. ڠرين وزوجته بمغادرة دايتون، اوهايو، ليخدما في الميسيسيپي. فعُيِّنا اولا في جاكسون وبعد سنتين في كلاركْسْدَيْل. وفي حينه، خدم الاخ ڠرين في خمسة مواقع اخرى. وفي كل هذه المواقع كانت هنالك جماعات صغيرة تحتاج الى العون. وقد اعال نفسه بالعمل كبوّاب، بستاني، في تلبيس الاثاث، في اصلاح السيارات، وهلم جرا. لكنَّ جهوده الرئيسية كانت موجَّهة نحو الكرازة بالبشارة. وقد ساعد الشهود المحليين على النمو روحيا، عمل معهم لبلوغ الناس في مقاطعتهم، وغالبا ما اعانهم في بناء قاعة ملكوت قبل ان ينتقل.
وفي السنة ١٩٦٧، عندما صار جيرالد كاين شاهدا في غربي الولايات المتحدة، شعر هو وعائلته بقوة بالحاح العمل التبشيري. وحتى قبل ان يعتمد ايّ منهم، كانوا يقومون بالترتيبات للخدمة حيث الحاجة اعظم. فعملوا اربع سنين مع الجماعة في نيدلْز، كاليفورنيا. وكانت الجماعة مسؤولة عن مقاطعة تشمل اجزاء من ثلاث ولايات في غربي الولايات المتحدة. وعندما تطلبت اعتبارات صحية الانتقال، اختاروا من جديد مكانا توجد فيه حاجة خصوصية الى المساعدة، وحوَّلوا جزءا من بيتهم هناك الى قاعة ملكوت. وتبعت ذلك انتقالات اخرى، لكنَّ الاعتبار الرئيسي كان دائما ان يوجدوا في مكان يتمكَّنون فيه من تقديم عون كبير في الشهادة.
فيما تضاعف عدد الجماعات، جرى الشعور بشدة في بعض المناطق بالحاجة الى شيوخ اكفاء. ولسدّ هذه الحاجة، تطوع آلاف الشيوخ للسفر قانونيا (وعلى نفقتهم الخاصة) الى الجماعات خارج مجتمعهم. فكانوا يقومون بالرحلة ثلاث، اربع، خمس مرات او اكثر في الاسبوع — للاشتراك في اجتماعات الجماعة وفي خدمة الحقل وأيضا لرعاية الرعية. وجرى القيام بذلك ليس فقط في الولايات المتحدة بل في اسپانيا، السلڤادور، النَّذَرلند، اليابان، وبلدان اخرى كثيرة. وفي بعض الحالات انتقل شيوخ وعائلاتهم، لكي يسدوا هذه الحاجة.
وماذا كانت النتائج؟ تأملوا في بلد واحد. قديما في السنة ١٩٥١، عندما أُعلنت اولا الترتيبات للعمل في المقاطعة غير المعيَّنة، كانت هنالك ٠٠٠,٣ جماعة تقريبا في الولايات المتحدة، بمعدل ٤٥ ناشرا في كل جماعة. وبحلول السنة ١٩٧٥، كانت هنالك ١١٧,٧ جماعة، ومعدل عدد الشهود النشاطى المقترنين بكل جماعة ارتفع الى ٨٠ تقريبا.
ان الشهادة المعطاة لاسم يهوه وملكوته من السنة ١٩٤٥ الى السنة ١٩٧٥ كانت اعظم بكثير من كل ما أُنجز حتى ذلك الحين.
فقد نما عدد الشهود من ٢٩٩,١٥٦ في السنة ١٩٤٥ الى ٢٥٦,١٧٩,٢ حول العالم في السنة ١٩٧٥. وكل واحد من هؤلاء كان له دور شخصي في الكرازة علنا بملكوت اللّٰه.
في السنة ١٩٧٥ كان شهود يهوه مشغولين في ٢١٢ بلدا (بحسب الطريقة التي بها كانت الخريطة مقسَّمة في اوائل تسعينات الـ ١٩٠٠). ففي بَر الولايات المتحدة الرئيسي وكندا، كان ٠٩٧,٦٢٤ منهم يواصلون خدمتهم. وفي اوروپا، خارج ما كان آنذاك الاتحاد السوڤياتي، كان هنالك ٨٢٦,٦١٤ آخرون. وافريقيا كانت تسمع رسالة حق الكتاب المقدس من الـ ٧٥٤,٣١٢ شاهدا الذين كانوا يشتركون في العمل هناك. وكان يخدم في المكسيك، اميركا الوسطى، واميركا الجنوبية ٦٤١,٣١١ شاهدا؛ آسيا، ٥٩٨,١٦١؛ اوستراليا وجزر كثيرة حول الارض، ٧٠٧,١٣١.
وخلال الـ ٣٠ سنة حتى السنة ١٩٧٥، خصَّص شهود يهوه ٩٣٩,٢٦٥,٦٣٥,٤ ساعة للكرازة العلنية والتعليم. ووزَّعوا ايضا ١٥٨,٩٧١,٩١٤,٣ كتابا، كراسا، ومجلة على الناس المهتمين لمساعدتهم ان يقدِّروا كيف يستفيدون من قصد يهوه الحبي. وانسجاما مع وصية يسوع بالتلمذة، قاموا بـ ٣٢٩,١٤٧,٧٨٨,١ زيارة مكررة للاشخاص المهتمين، وفي السنة ١٩٧٥ كانوا يديرون معدل ٢٥٦,٤١١,١ درسا بيتيا مجانيا في الكتاب المقدس مع الافراد والعائلات.
بحلول السنة ١٩٧٥ كانت الكرازة بالبشارة قد بلغت فعلا ٢٢٥ بلدا. وفي البلدان الاكثر من ٨٠ التي بلغتها البشارة بحلول السنة ١٩٤٥ والتي لم تكن فيها جماعات في تلك السنة، كانت جماعات من الشهود الغيورين تزدهر بحلول السنة ١٩٧٥. وبين هذه الاماكن جمهورية كوريا بـ ٤٧٠ جماعة، اسپانيا بـ ٥١٣، زائير بـ ٥٢٦، اليابان بـ ٧٨٧، وايطاليا بـ ٠٣١,١.
خلال الفترة من السنة ١٩٤٥ الى السنة ١٩٧٥، لم تدَّعِ الغالبية الساحقة من الاشخاص الذين صاروا شهودا ليهوه بأنهم ممسوحون بروح اللّٰه بهدف الحياة السماوية. ففي ربيع السنة ١٩٣٥، بلغ مجموع عدد المتناولين من الرمزين في عشاء الرب ٩٣ في المئة تماما من اولئك الذين كانوا يشتركون في خدمة الحقل. (لاحقا في تلك السنة عينها، حُدِّدت هوية ‹الجمع الكثير› للرؤيا ٧:٩ بأنهم يتألفون من الاشخاص الذين سيعيشون الى الابد على الارض.) وبحلول السنة ١٩٤٥ كان عدد الشهود الذين يتطلعون الى الحياة على ارض فردوسية قد ازداد الى حد انهم صاروا يؤلِّفون ٨٦ في المئة من اولئك الذين يشتركون في الكرازة بالبشارة. وبحلول السنة ١٩٧٥ كان اولئك الذين يعترفون بأنهم مسيحيون ممسوحون بالروح اقل من نصف ١ في المئة من مجموع هيئة شهود يهوه العالمية. ومع انهم كانوا مشتَّتين في نحو ١١٥ بلدا في ذلك الحين، استمر هؤلاء الممسوحون في الخدمة كهيئة موحَّدة تحت رئاسة يسوع المسيح.
[النبذة في الصفحة ٤٦٢]
«منذ اتيتم الى هنا يتكلم كل واحد عن الكتاب المقدس»
[النبذة في الصفحة ٤٦٦]
«ان ما اخبرتني اياه منذ قليل هو ما قرأته في ذلك الكتاب المقدس قبل سنوات كثيرة»
[النبذة في الصفحة ٤٧٠]
الآلاف انتقلوا الى مناطق داخل بلدهم حيث الحاجة الى شهود كانت اعظم
[النبذة في الصفحة ٤٧٢]
«مكافأة لا تثمَّن»
[النبذة في الصفحة ٤٧٥]
شهود اكفاء أُرسلوا الى بلدان توجد فيها حاجة خصوصية
[النبذة في الصفحة ٤٨٦]
بحجج قوية من الاسفار المقدسة، شهَّر الشهود الاولون في نَيجيريا رجال الدين وتعاليمهم الباطلة
[النبذة في الصفحة ٤٩٧]
حيث كانت الكلمات تعجز، كانت الاشارات تُستعمَل
[النبذة في الصفحة ٤٩٨]
الهدف؟ بلوغ كل شخص ممكن برسالة الملكوت
[الاطار/الصورة في الصفحة ٤٨٨]
بُذل جهد كبير لبلوغ شعب الصين ببشارة ملكوت يهوه
من جِفو، أُرسلت آلاف الرسائل، النشرات، والكتب بين السنتين ١٨٩١ و ١٩٠٠
خطب ت. ت. رصل في شَنڠهاي وزار ١٥ مدينة وقرية، سنة ١٩١٢
قام موزعو المطبوعات الجائلون بتوزيع الكثير من المطبوعات على طول الساحل الصيني، مع رحلات الى الداخل، ١٩١٢-١٩١٨
خدم موزعو المطبوعات الجائلون اليابانيون هنا، ١٩٣٠-١٩٣١
جرى البث الاذاعي بالصينية من شَنڠهاي، پكين، وتِنْتْسين خلال ثلاثينات الـ ١٩٠٠؛ ونتيجة لذلك وردت رسائل من انحاء كثيرة في الصين تطلب مطبوعات
شهد فاتحون من اوستراليا وأوروپا في شَنڠهاي، پكين، تِنْتْسين، تشينڠتاو، بايداهو، جِفو، وايْهايْواي، كانتون، سْواتاو، أمُوي، فوتشاو، هانكو، ونانكينڠ خلال ثلاثينات الـ ١٩٠٠ وأربعينات الـ ١٩٠٠. وآخرون اتوا عن طريق بورما وشهدوا في پاوتشان، تشونڠ كنڠ، تشانڠتو. وخدم فاتحون محليون في شَنْسي ونينڠپو
[الصورة]
المرسلون المدرَّبون في جلعاد، مثل ستانلي جونز (اليسار) وهارولد كينڠ (اليمين)، خدموا هنا من السنة ١٩٤٧ الى السنة ١٩٥٨، الى جانب عائلات من شهود محليين غيورين
[الخريطة]
الصين
[الخريطة/الصور في الصفحة ٤٦٣]
الـ «سيبِيا» خدمت كبيت عائم للمرسلين في جزر الهند الغربية
ڠ. ماكي
س. كارتر
ر. پاركِن
آ. وُرْسْلي
[الخريطة]
(اطلب النص في شكله المنسَّق في المطبوعة)
جزر بَهاما
جزر لِيوَرْد
جزر العذراء الاميركية
جزر العذراء البريطانية
جزر وينْدْوَرد
[الخريطة في الصفحة ٤٧٦]
(اطلب النص في شكله المنسَّق في المطبوعة)
فاضت مياه الحق المانحة الحياة على الحدود القومية باتجاهات عديدة في افريقيا
جنوب افريقيا
غانا
كينيا
مَلاوي
نَيجيريا
سيراليون
زامبيا
[الصور في الصفحة ٤٦٤]
كمرسلَين في بوليڤيا، كرز ادْوَرْد ميهالِك (الى اليسار) وهارولد مورِس (الى اليمين) اولا هنا في لا پاز
[الصورة في الصفحة ٤٦٥]
المركب «إل رافوكيو،» الذي بناه الشهود في پيرو، كان يُستخدم لحمل رسالة الملكوت الى الناس على طول الانهر في منطقة الامازون العليا
[الصورة في الصفحة ٤٦٧]
صفوف تعليم القراءة والكتابة التي ادارها الشهود في المكسيك مكَّنت عشرات الآلاف من الناس من قراءة كلمة اللّٰه
[الصورة في الصفحة ٤٦٨]
الاخ نور (في المقدمة الى اليمين) التقى الشهود في محافل صغيرة في المزارع وفي الجبال في الارجنتين عندما كانوا محرومين حرية الاجتماع بشكل علني اكثر
[الصورة في الصفحة ٤٦٩]
بين آلاف الشهود الذين انتقلوا الى بلدان اخرى ليخدموا حيث الحاجة اعظم كانت عائلات، مثل هارولد وآن زيمرمَن مع اولادهما الصغار الاربعة (كولومبيا)
[الصورة في الصفحة ٤٧١]
تجاوبا مع دعوة لمتطوعين، انتقل توم ورُوِينا كيتو الى پاپوا ليعلِّما حق الكتاب المقدس
[الصورة في الصفحة ٤٧١]
انتقل جون وإلِن هابلر، اللذان تبعهما ٣١ شاهدا آخر، الى كاليدونيا الجديدة. وقبل ان يضطرا الى المغادرة، تأسست جماعة هناك بشكل راسخ
[الصورة في الصفحة ٤٧٣]
كشاب في سامْوا الغربية، واجه فْوايوپولو پيليه ضغطا شديدا من العائلة والمجتمع عندما قرَّر ان يصير واحدا من شهود يهوه
[الصورة في الصفحة ٤٧٤]
بعد ان اقتنع سام إيروفالو وعشراؤه بأن ما يعلِّمه شهود يهوه هو الحق فعلا، حُوِّلت الكنائس في ٢٨ قرية في جزر سليمان الى قاعات ملكوت
[الصورتان في الصفحة ٤٧٧]
للكرازة في إثيوپيا في اوائل خمسينات الـ ١٩٠٠، كان مطلوبا من الشهود تأسيس مدرسة ارسالية وتعليمية
[الصورة في الصفحة ٤٧٨]
عندما هُدِّد بالترحيل، اعاد رسمي بارز التأكيد لڠابرييل پاترسون (الظاهر هنا): ‹الحق كنهر غزير؛ سُدَّه فيفيض من فوق السدّ›
[الصورتان في الصفحة ٤٧٩]
في السنة ١٩٧٠ في محفل في نَيجيريا، غُطِّس ٧٧٥,٣ شاهدا جديدا؛ ومورس الانتباه للتأكد ان كل فرد مؤهل حقا
[الصور في الصفحة ٤٨٠]
عروض الافلام (في افريقيا وحول العالم) اعطت الحضور لمحة الى عظمة هيئة يهوه المنظورة
[الصورة في الصفحة ٤٨٢]
جْواوْن مَنْكوكا (الظاهر هنا مع زوجته، ماري) خدم يهوه بولاء لعقود في وجه الظروف الصعبة جدا
[الصورة في الصفحة ٤٨٣]
في السنة ١٩٦١، تمكَّن أرنست هُوِيسا الابن، مع عائلته، من الدخول الى زائير (التي كانت تُدعى آنذاك الكونڠو) للمساعدة على تزويد الارشاد الروحي لاولئك الذين يريدون حقا ان يخدموا يهوه
[الصورتان في الصفحة ٤٨٥]
مع انها كانت معتمدة لسنة فقط وتعرف انه لا يوجد شهود آخرون في كينيا، شرعت ماري ويتينڠتون في مساعدة الآخرين على تعلُّم الحق
[الصورة في الصفحة ٤٨٧]
ماري نيزبت (في الوسط الى الامام)، والى جانبيها ابناها روبرت (الى اليسار) وجورج، اللذان خدما كفاتحَين في افريقيا الشرقية في ثلاثينات الـ ١٩٠٠، وابنها وليم وزوجته مورييِل (في الخلف)، اللذان خدما في افريقيا الشرقية من السنة ١٩٥٦ الى السنة ١٩٧٣
[الصورتان في الصفحة ٤٨٩]
في محفل في الفيليپين سنة ١٩٤٥، قُدِّمت الارشادات حول كيفية التعليم بواسطة الدروس البيتية في الكتاب المقدس
[الصورتان في الصفحة ٤٩١]
دون ومايبِل هاسْلِت، اول مرسلَين في فترة ما بعد الحرب في اليابان، ينهمكان في شهادة الشارع
[الصورة في الصفحة ٤٩٠]
طوال ٢٥ سنة خدم لويد باري (اليمين) في اليابان، اولا كمرسل ثم كناظر فرع
[الصورة في الصفحة ٤٩٠]
دون وأيرلين ستيل، اول مرسلَين من مرسلين كثيرين خدموا في جمهورية كوريا
[الصورة في الصفحة ٤٩٣]
في السنوات الماضية، كان الرعاع يطاردون احيانا فْرِد مِتْكاف عندما يحاول ان يكرز من الكتاب المقدس في ايرلندا؛ ولكن لاحقا عندما توقف الناس ليصغوا، صار الآلاف شهودا ليهوه
[الصورة في الصفحة ٤٩٢]
على الرغم من مقاومة رجال الدين، تدفق الآلاف الى محافل الشهود في ايطاليا (روما، ١٩٦٩)
[الصورة في الصفحة ٤٩٥]
خلال الحظر، كثيرا ما كانت الاجتماعات الجماعية تُعقَد في الريف، في شكل نزهة، كما نرى هنا في الپرتغال
[الصورتان في الصفحة ٤٩٤]
الشهود في السجن في قادس، اسپانيا، استمروا في الكرازة بكتابة الرسائل
[الصورتان في الصفحة ٤٩٦]
المحافل الكبيرة اعطت الناس الفرصة ليروا ويسمعوا شخصيا ايّ نوع من الناس هم الشهود
پاريس، فرنسا (١٩٥٥)
نورَمبورڠ، المانيا (١٩٥٥)
[الصور في الصفحة ٤٩٩]
لبلوغ كل شخص في لوكسمبورڠ بالبشارة، كان على شهود يهوه ان يستعملوا مطبوعات بلغات الناس من مئة امة
-
-
الجزء ٥ — شهود الی اقصی الارضشهود يهوه — منادون بملكوت اللّٰه
-
-
الفصل ٢٢
الجزء ٥ — شهود الى اقصى الارض
في السنة ١٩٧٥ اتُّخذت قرارات مهمة تتعلق بالطريقة التي بها سيُشرَف على نشاط شهود يهوه من مركزهم الرئيسي العالمي. وفي ذلك الحين لم يعرفوا اية حقول يمكن ان تنفتح بعدُ من اجل شهادة شاملة قبل نهاية النظام العالمي الحاضر او كم من الكرازة سيُنجَز بعدُ في البلدان التي كانوا يكرزون فيها علنا لسنوات كثيرة. ولكنهم ارادوا ان ينتهزوا بأفضل طريقة ممكنة كل فرصة. والصفحات ٥٠٢ الى ٥٢٠ تروي بعض التطورات المثيرة.
حدثت تغييرات كبيرة في اميركا الجنوبية. فقبل سنوات غير كثيرة حدث ان واجه شهود يهوه في إكوادور الرعاع الكاثوليك، والكهنة الكاثوليك في المكسيك كانوا يحكمون كملوك فعليين في قرى كثيرة، وكان الحظر الحكومي مفروضا على شهود يهوه في الارجنتين والبرازيل. ولكنَّ الظروف تغيرت بشكل ذي مغزى. والآن كثيرون ممَّن تعلَّموا ان يخافوا او يكرهوا الشهود هم انفسهم شهود ليهوه. والآخرون يصغون بسرور عندما يزورهم الشهود ليخبروهم برسالة السلام من الكتاب المقدس. فشهود يهوه معروفون جيدا ومحترمون بشكل واسع.
ان حجم محافلهم وسلوك الحاضرين المسيحي جذبا الانتباه. واثنان من مثل هذه المحافل، اللذان عُقدا في آن واحد في سان پاولو وريو دي جانيرو، البرازيل، في السنة ١٩٨٥، كانت لهما ذروة حضور من ٣٥١,٢٤٩. ولاحقا رفع ٢٣ محفلا اضافيا، عُقدت لاستيعاب الاشخاص المهتمين في باقي البرازيل، مجموع عدد الحضور الى ٣٨٧,٣٨٩. ونتائج العمل الذي كان شهود يهوه في البرازيل يقومون به كمعلِّمين لكلمة اللّٰه جرت رؤيتها بوضوح عندما رمز ٨٢٥,٤ شخصا الى انتذارهم ليهوه بالتغطيس في الماء في سلسلة المحافل هذه. وبعد خمس سنوات فقط، في السنة ١٩٩٠، كان من الضروري عقد ١١٠ محافل في كل انحاء البرازيل لاستيعاب الـ ٥١٧,٥٤٨ الذين حضروا. وهذه المرة قدَّم ٤٤٨,١٣ انفسهم للتغطيس في الماء. وكانت مئات الآلاف من الافراد والعائلات عبر البلاد ترحِّب بشهود يهوه ليعلِّموهم كلمة اللّٰه.
وماذا عن الارجنتين؟ بعد عقود من القيود الحكومية، كان شهود يهوه هناك قادرين ثانية على الاجتماع بحرية في السنة ١٩٨٥. وكم كان مفرحا ان يكون ١٦٧,٩٧ حاضرين في سلسلة محافلهم الاولى! وتحت العنوان «ملكوت ينمو — ذاك الذي لشهود يهوه،» تعجبت المطبوعة الاخبارية المحلية أيورا من ترتيب الحشد في المحفل في بونس إيريس، الانعدام التام للتحامل العرقي والاجتماعي بينهم، كونهم مسالمين، والمحبة التي اعربوا عنها. ثم اختتمت: «سواء كنا نشاركهم في افكارهم وعقائدهم او لا، يستحق هذا الحشد بكامله احترامنا الاكبر.» ولكنَّ ارجنتينيين كثيرين ذهبوا الى ابعد من ذلك. فقد ابتدأوا يدرسون الكتاب المقدس مع شهود يهوه، وحضروا الاجتماعات في قاعات الملكوت ليراقبوا كيف يطبِّق الشهود مبادئ الكتاب المقدس في حياتهم. ثم اتخذ هؤلاء المراقبون قرارا. وخلال السنوات السبع التالية، نذر عشرات الآلاف منهم حياتهم ليهوه، وعدد الشهود في الارجنتين ازداد حتى ٧١ في المئة!
والتجاوب مع بشارة ملكوت اللّٰه كان فوق العادة اكثر ايضا في المكسيك. ففي السنوات الماضية، هاجم الرعاع شهود يهوه هناك تكرارا بتحريض من الكهنة. ولكنَّ واقع ان الشهود لم يردّوا بالمثل او يطلبوا الانتقام اثَّر الى حد كبير في الاشخاص المستقيمي القلوب. (رومية ١٢:١٧-١٩) ولاحظوا ايضا ان الشهود يؤسسون كل معتقداتهم على الكتاب المقدس، كلمة اللّٰه الملهمة، بدلا من التقاليد البشرية. (متى ١٥:٧-٩؛ ٢ تيموثاوس ٣:١٦، ١٧) واستطاعوا ان يروا ان الشهود يملكون الايمان الذي يدعمهم حقا في وجه الشدة. فرحَّب المزيد والمزيد من العائلات بشهود يهوه عندما كانوا يعرضون ادارة دروس بيتية مجانية في الكتاب المقدس معهم. وفي الواقع، خلال السنة ١٩٩٢، ١٢ في المئة من دروس الكتاب المقدس التي يديرها الشهود حول العالم كانت في المكسيك، وكان عدد كبير منها مع عائلات كبيرة. ونتيجة لذلك، ارتفع عدد شهود يهوه في المكسيك — ليس مجرد الذين يحضرون اجتماعاتهم بل الذين هم منادون نشاطى علنا بملكوت اللّٰه — من ٤٨١,٨٠ في السنة ١٩٧٥ الى ٠٢٣,٣٥٤ في السنة ١٩٩٢!
وفي اوروپا ايضا ساهمت حوادث فوق العادة في نشر رسالة الملكوت.
تطوُّرات مذهلة في پولندا
على الرغم من ان عمل شهود يهوه كان محظورا في پولندا من السنة ١٩٣٩ الى السنة ١٩٤٥ (خلال فترة السيادة النازية والسوڤياتية) ومرة اخرى ابتداء من تموز ١٩٥٠ (تحت السيطرة السوڤياتية)، لم يتوقف شهود يهوه عن الكرازة هناك. ومع ان عددهم كان فقط ٠٣٩,١ في السنة ١٩٣٩، ففي السنة ١٩٥٠ كان هنالك ١١٦,١٨ مناديا بالملكوت، وهؤلاء استمروا في الكينونة مبشرين غيورين (ولكن حذرين). (متى ١٠:١٦، عج) أما بالنسبة الى المحافل فكانت هذه تُعقد بعيدا عن انظار الناس — في الريف، في الحظائر، في الغابات. ولكن، ابتداء من السنة ١٩٨٢، سمحت لهم الحكومة الپولندية بعقد محافل ليوم واحد بحجم معتدل في تسهيلات مستأجرة.
وبعد ذلك في السنة ١٩٨٥، جُعلت اكبر الملاعب في پولندا متوافرة لشهود يهوه من اجل اربعة محافل كبيرة خلال شهر آب. وعندما وصل بالطائرة مندوب من النمسا، اندهش من سماع اعلان بواسطة مكبِّر الصوت يرحِّب بشهود يهوه في پولندا من اجل محفلهم. واذ ادرك التغيُّر في موقف الحكومة الذي دل عليه ذلك، لم يسَع شاهدا پولنديا مسنّا كان هناك للترحيب بالزائر إلا ان يبكي فرحا. وحضر هذه المحافل ١٣٤,٩٤ مندوبا، بمن فيهم فرق من ١٦ بلدا. وهل عرف الناس عموما ما كان يجري؟ في الواقع، نعم! فخلال وبعد هذه المحافل، قرأوا التقارير في صحفهم الكبرى، رأوا حشود المحافل على التلفزيون، وسمعوا اجزاء من البرنامج في الاذاعة المحلية. وكثيرون منهم احبوا ما رأوه وسمعوه.
والخطط لمحافل اكبر ايضا في پولندا كانت جارية عندما منحت الحكومة الاعتراف الشرعي لشهود يهوه كجمعية دينية في ١٢ ايار ١٩٨٩. وفي غضون ثلاثة اشهر، انعقدت ثلاثة محافل اممية — في كوجُوف، پوزنان، ووارسو — بمجموع حضور من ٥١٨,١٦٦. وبشكل مذهل، استطاع آلاف الشهود مما كان آنذاك الاتحاد السوڤياتي وتشيكوسلوڤاكيا ان يحصلوا على الاذن اللازم في السفر وكانوا حاضرين. وهل كان عمل شهود يهوه للتلمذة يعطي نتائج في هذه البلدان التي كانت فيها الدولة تؤيد الالحاد بقوة طوال عقود؟ كان الجواب واضحا عندما قدَّم ٠٩٣,٦، بمن فيهم احداث كثيرون، انفسهم للتغطيس في الماء في هذه المحافل.
لم يسَع الناس إلا ان يروا الشهود مختلفين — بطريقة سليمة جدا. وفي الصحافة العامة قرأوا تعابير كالتالية: «اولئك الذين يعبدون يهوه اللّٰه — كما يقولون هم انفسهم — يقدِّرون كثيرا تجمعاتهم، التي هي بالتأكيد اعراب عن الوحدة بينهم. . . . وفي ما يتعلق بالترتيب، السلام، والنظافة، فان المساهمين في المحفل هم امثلة للاقتداء.» (جيتشا ڤارشاڤا) وبعض الناس الپولنديين قرَّروا ان يفعلوا اكثر من مجرد مراقبة المحتفلين. فقد ارادوا ان يدرس شهود يهوه الكتاب المقدس معهم. ونتيجة لمثل هذا التعليم من كلمة اللّٰه، ازداد عدد شهود يهوه في پولندا من ٨٨٧,٧٢ في السنة ١٩٨٥ الى ٨٧٦,١٠٧ في السنة ١٩٩٢؛ وخلال هذه السنة الاخيرة، خصَّصوا اكثر من ٠٠٠,٨٠٠,١٦ ساعة لاخبار آخرين ايضا عن الرجاء الرائع المذكور في الاسفار المقدسة.
ولكن لم تكن التغييرات المثيرة تحدث في پولندا وحدها.
بلدان اكثر في اوروپا الشرقية تفتح ابوابها
منحت هنڠاريا شهود يهوه الوضع الشرعي في السنة ١٩٨٩. وما كان آنذاك جمهورية المانيا الديموقراطية رفع حظره الذي دام ٤٠ سنة على الشهود في السنة ١٩٩٠، بعد اربعة اشهر فقط من الابتداء بتدمير جدار برلين. وفي الشهر التالي اعترفت الحكومة الرومانية الجديدة رسميا بجمعية شهود يهوه المسيحية في رومانيا. وفي السنة ١٩٩١ اعلن وزير العدل في موسكو ان ميثاق «الهيئة الدينية لشهود يهوه في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوڤياتية» قد سُجل رسميا. وفي تلك السنة عينها مُنح عمل شهود يهوه الاعتراف الشرعي في بلغاريا. وخلال السنة ١٩٩٢ مُنح شهود يهوه في ألبانيا الوضع الشرعي.
وماذا فعل شهود يهوه بالحرية الممنوحة لهم؟ سأل صحافي هلموت مارتن، منسق عمل شهود يهوه في جمهورية المانيا الديموقراطية: «هل ستنهمكون في السياسة؟» على اية حال، هذا ما كان كثيرون من رجال دين العالم المسيحي يفعلونه. «كلا،» اجاب الاخ مارتن، «فقد اعطى يسوع تلاميذه تعيينا مؤسسا على الاسفار المقدسة، ونحن نرى ان ذلك هو عملنا الرئيسي.» — متى ٢٤:١٤؛ ٢٨:١٩، ٢٠.
لم يكن ذلك بالتأكيد بداية اعتناء شهود يهوه بهذه المسؤولية في هذا الجزء من العالم. ومع انه كان من الضروري ان يقوموا بنشاطهم في ظروف صعبة جدا لسنوات عديدة، ففي معظم هذه البلدان كانت هنالك جماعات (تجتمع في فرق صغيرة) تعمل، وكانت الشهادة تُنجَز. أما الآن فانفتحت فرصة جديدة. فيمكنهم ان يعقدوا اجتماعات يدعون الناس اليها بحرية. ويمكنهم ان يكرزوا علنا من بيت الى بيت دون ان يخافوا السَّجن. هنا بلدان مجموع عدد سكانها يزيد على ٠٠٠,٠٠٠,٣٩٠، حيث يوجد كثير من العمل للقيام به. وبادراك شديد اننا نعيش في الايام الاخيرة لنظام الاشياء العالمي الحاضر، عمل شهود يهوه بسرعة.
وحتى قبل منح الاعتراف الشرعي، زار اعضاء من الهيئة الحاكمة عددا من البلدان ليروا ما يمكن فعله لمساعدة اخوتهم المسيحيين. وبعد رفع الحظر، سافروا الى مزيد من هذه المناطق للمساعدة على تنظيم العمل. وفي غضون سنوات قليلة التقوا وتحدثوا شخصيا الى الشهود في پولندا، هنڠاريا، رومانيا، تشيكوسلوڤاكيا، روسيا، أوكرانيا، استونيا، وبيلوروسيا.
رُتِّبت المحافل لتقوية الشهود الساكنين في هذه البلدان ولجعل رسالة ملكوت اللّٰه بارزة امام الناس. وبعد اقل من خمسة اشهر من رفع الحظر من قبل ما كان آنذاك جمهورية المانيا الديموقراطية، عُقد محفل من هذا النوع في ملعب اولمپيا في برلين. وبسرعة تجاوب الشهود من ٦٤ بلدا آخر مع الدعوة الى الحضور. لقد حسبوه امتيازا ان يتمتعوا بهذه المناسبة مع الاخوة والاخوات المسيحيين الذين كانوا طوال عقود قد اعربوا عن الولاء ليهوه في وجه الاضطهاد الشديد.
وفي السنة ١٩٩٠ والسنة ١٩٩١ كلتيهما، عُقدت محافل اخرى في كل انحاء اوروپا الشرقية. وبعد عقد اربعة محافل محلية في هنڠاريا في السنة ١٩٩٠، صُنعت الترتيبات لتجمع اممي في نِپسْتاديون في بوداپست سنة ١٩٩١. وكان الحضور ٦٠١,٤٠ من ٣٥ بلدا. وللمرة الاولى خلال اكثر من ٤٠ سنة، تمكَّن شهود يهوه من عقد محافل عامة في رومانيا في السنة ١٩٩٠. فقد عُقدت سلسلة محافل في كل انحاء البلد، ولاحقا محفلان اكبر، في تلك السنة. وكانت هنالك ثمانية محافل اخرى في السنة ١٩٩١، بحضور بلغ ٨٠٨,٣٤. وفي السنة ١٩٩٠، في ما كان آنذاك يوڠوسلاڤيا، عُقدت محافل في كل واحدة من الجمهوريات التي كانت تشكل البلد. وفي السنة التالية، على الرغم من ان الحرب الاهلية كانت تهدد البلد، تمتع ٦٨٤,١٤ شاهدا ليهوه بمحفل اممي في زَغْرِب، عاصمة كرواتيا. واندهشت الشرطة عندما رأوا افرادا من سكان الجبل الاسود، سلوڤينيين، صربيين، كرواتيين، وآخرين مجتمعين في سلام ليصغوا الى البرنامج.
وأيضا، في ما كان آنذاك تشيكوسلوڤاكيا، رُتِّب بسرعة لمحافل. فعُقد محفل قومي في پراڠ سنة ١٩٩٠ حضره ٨٧٦,٢٣. ومديرو الملعب كانوا مسرورين بما رأوه حتى انهم جعلوا اكبر التسهيلات في البلد متوافرة للشهود من اجل محفلهم التالي. وفي تلك المناسبة التاريخية، في السنة ١٩٩١، كان هنالك ٥٨٧,٧٤ محتفلا متحمسا ملأوا ملعب ستراهوف في پراڠ. وابتهج المندوبون التشيكيون والسلوڤاكيون وصفقوا بحماسة عندما أُعلن عن صدور ترجمة العالم الجديد للاسفار المقدسة الكاملة بلغتيهم من اجل استعمالهما في الخدمة العامة وفي الدرس الشخصي والجماعي.
وأيضا خلال السنة ١٩٩١، لأول مرة في التاريخ، تمكَّن شهود يهوه من عقد محافل علنية في اماكن كانت آنذاك داخل الاتحاد السوڤياتي. فبعد المحفل في تالين، استونيا، كان هنالك محفل في سيبيريا. وعُقدت اربعة في المدن الرئيسية في أوكرانيا، وواحد في قازاخستان. وبلغ مجموع عدد الحضور ٢٥٢,٧٤. وكثمر حديث لعمل شهود يهوه للتلمذة في هذه المناطق، قدَّم ٨٢٠,٧ انفسهم للتغطيس في الماء. وهذا لم يكن قرارا عاطفيا اتُّخذ لأنهم شعروا بالاثارة ازاء المحفل. فالمرشحون للمعمودية استعدوا مسبقا بعناية طوال اشهر — وفي بعض الحالات سنوات.
فمن اين اتى كل هؤلاء الناس؟ من الواضح انه لم يكن ذلك بداية عمل شهود يهوه في هذا الجزء من الارض. فمطبوعات برج المراقبة كانت قد أُرسلت بالبريد الى شخص مهتم في روسيا قديما في السنة ١٨٨٧. وكان اول رئيس لجمعية برج المراقبة قد زار شخصيا كيشينيڤ (الآن في مولدوڤا) في السنة ١٨٩١. وبعض تلاميذ الكتاب المقدس كانوا قد ذهبوا الى روسيا للكرازة خلال عشرينات الـ ١٩٠٠؛ ولكن كانت هنالك مقاومة رسمية قوية، والفرق القليلة التي اظهرت الاهتمام برسالة الكتاب المقدس كانت صغيرة. إلا ان الحالة تغيَّرت خلال الحرب العالمية الثانية وبعدها. فالحدود القومية أُعيد تحديد معالمها، ورُحِّلت مجموعات كبيرة من السكان الى اماكن جديدة. ونتيجة لذلك فان اكثر من ألف شاهد ناطق بالأوكرانية مما كان پولندا الشرقية وجدوا انفسهم داخل الاتحاد السوڤياتي. والشهود الآخرون الذين يسكنون في رومانيا وتشيكوسلوڤاكيا وجدوا ان الاماكن التي يسكنون فيها صارت جزءا من الاتحاد السوڤياتي. وبالاضافة الى ذلك، فان الروس الذين صاروا شهودا ليهوه فيما كانوا في معسكرات الاعتقال الالمانية عادوا الى موطنهم وجلبوا معهم بشارة ملكوت اللّٰه. وبحلول السنة ١٩٤٦ كان هنالك ٧٩٧,٤ شاهدا نشيطا في الاتحاد السوڤياتي. وكثيرون من هؤلاء كانت الحكومة تنقلهم من مكان الى مكان على مر السنين. والبعض أُرسلوا الى معسكرات اعتقال. وحيثما ذهبوا كانوا يشهدون. فنمت أعدادهم. وحتى قبل ان تمنحهم الحكومة الاعتراف الشرعي، كانت فرق منهم نشيطة كل المسافة من لْڤيف في الغرب الى ڤلاديڤوستوك على الحدود الشرقية من الاتحاد السوڤياتي، عبر البحر من اليابان.
كثيرون الآن مستعدون للاصغاء
عندما عقد الشهود محافل في ما كان آنذاك اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوڤياتية في السنة ١٩٩١، حصل الناس على فرصة رؤيتهم عن كثب. فكيف تجاوبوا؟ في لْڤيف، أوكرانيا، قال رسمي شرطة لأحد المحتفلين: «انتم تتفوقون في تعليم الآخرين ما هو صالح، انتم تتكلمون عن اللّٰه، وأنتم لا تنهمكون في العنف. كنا نناقش لماذا كنا نضطهدكم، واستنتجنا اننا لم نكن نصغي اليكم ولم نكن نعرف شيئا عنكم.» أما الآن فكثيرون يصغون، وشهود يهوه يريدون ان يساعدوهم.
لمواصلة عملهم بأكثر فعَّالية في هذه البلدان، كانت تلزم مطبوعات الكتاب المقدس. فبُذل جهد كبير لتزويدها بسرعة. وفي زلترس/تاونوس، المانيا، ضاعف شهود يهوه تقريبا تسهيلاتهم للطباعة. ومع ان هذا التوسع لم يكن قد انتهى بعدُ، فبعد نحو اسبوعين من رفع الحظر في ما كان آنذاك المانيا الشرقية، أُرسل من المطابع في زلترس ٢٥ طنا من المطبوعات الى هذه المنطقة. ومن حين رفع الحظر في بلدان اوروپا الشرقية حتى السنة ١٩٩٢، شُحن من المانيا ما يقارب ٠٠٠,١٠ طن من المطبوعات بـ ١٤ لغة رئيسية الى هذه البلدان المختلفة، ٦٩٨ طنا آخر من ايطاليا، والمزيد من فنلندا.
واذ كانوا معزولين الى حد كبير لسنوات كثيرة، كان الشهود في بعض البلدان يحتاجون ايضا الى العون في مسائل الاشراف الجماعي والادارة التنظيمية. ولسدّ هذه الحاجة الماسَّة، جرى الاتصال بشيوخ ذوي خبرة — اولئك الذين كانوا قادرين على التكلم بلغة البلد، حيثما امكن — في المانيا، الولايات المتحدة، كندا، وأماكن اخرى. فهل كانوا مستعدين للانتقال الى احد هذه البلدان في اوروپا الشرقية للعمل على سدّ الحاجة؟ كان التجاوب سارًّا حقا! وحيثما كان مؤاتيا، أُرسل ايضا شيوخ كانوا قد تدرَّبوا في مدرسة جلعاد او في مدرسة تدريب الخدام.
ثم في السنة ١٩٩٢ عُقد محفل اممي رائع في سانت پيترسبرڠ، ثاني اكبر مدينة في روسيا. ونحو ٠٠٠,١٧ من المندوبين كانوا من ٢٧ بلدا خارج روسيا. وجرى القيام باعلان مكثَّف عن المحفل. وبين اولئك الذين اتوا اشخاص لم يسمعوا من قبل قط بشهود يهوه. فبلغ الحضور ذروة من ٢١٤,٤٦. وكان المندوبون حاضرين من كل انحاء روسيا، بعضهم من الشرق من جزيرة سَخالين، قرب اليابان. وأتت فرق كبيرة من أوكرانيا، مولدوڤا، وبلدان اخرى كانت سابقا جزءا من اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوڤياتية. لقد جلبوا معهم اخبارا مفرحة. وأظهرت التقارير ان الجماعات الافرادية في مدن مثل كِييَڤ، موسكو، وسانت پيترسبرڠ كان لديها معدل حضور في اجتماعاتها يبلغ ضعف عدد الشهود او اكثر. وكثيرون من الناس الذين ارادوا ان يدرس شهود يهوه الكتاب المقدس معهم كان يجب ان يوضعوا في لوائح الانتظار. ومن لاتڤيا، اتى نحو ٦٠٠ مندوب، وأكثر ايضا من استونيا. وكان يوجد في جماعة في سانت پيترسبرڠ اكثر من مئة على استعداد للمعمودية في المحفل. وكثيرون ممَّن اظهروا الاهتمام هم احداث او افراد حسنو الثقافة. حقا، ان عملا كثيرا من الحصاد الروحي يجري في هذه المقاطعة الواسعة التي طالما اعتبرها العالم معقلا للالحاد!
حقول ابيَضَّت للحصاد
اذ تغيَّرت المواقف ازاء الحرية الدينية، رفعت بلدان اخرى ايضا القيود عن شهود يهوه او منحتهم اعترافا شرعيا كانوا محرومين منه لمدة طويلة. وفي كثير من هذه الاماكن، كان الحصاد الروحي الوافر جاهزا للتجميع. والاحوال كانت كتلك التي وصفها يسوع لتلاميذه عندما قال: «ارفعوا اعينكم وانظروا الحقول إنها قد ابيَضَّت للحصاد.» (يوحنا ٤:٣٥) تأملوا في اماكن قليلة فقط حيث صح ذلك في افريقيا.
لقد فُرض حظر على خدمة شهود يهوه من بيت الى بيت في زامبيا سنة ١٩٦٩. ونتيجة لذلك، خصَّص الشهود هناك مزيدا من الوقت لادارة الدروس البيتية في الكتاب المقدس مع المهتمين. وابتدأ آخرون ايضا يبحثون عن الشهود ليتمكَّنوا من نيل الارشاد. وتدريجيا كانت القيود الحكومية تُخفَّف، وازداد عدد حضور الاجتماعات. وفي السنة ١٩٩٢، كان هنالك ٨٢٨,٣٦٥ ممَّن حضروا عشاء الرب في زامبيا، ١ من كل ٢٣ من السكان!
وفي شمال زامبيا، في زائير، اراد آلاف آخرون ان يتعلَّموا ما يعلِّمه شهود يهوه عن العيش المسيحي وعن قصد اللّٰه للجنس البشري. وفي السنة ١٩٩٠ عندما سمحت الظروف للشهود بأن يعيدوا فتح قاعات ملكوتهم، كان يتدفق الى اجتماعاتهم في بعض المناطق عدد يبلغ ٥٠٠ شخص. وفي غضون سنتين كان الشهود الـ ٩١٧,٦٧ في زائير يديرون ٨٥٩,١٤١ درسا بيتيا في الكتاب المقدس مع اشخاص كهؤلاء.
ان عدد البلدان التي كانت ابوابها تنفتح انما هو مذهل. ومرسلو برج المراقبة الذين كانوا قد طُردوا من بينين قبل ١٤ سنة مُنحوا الآن في السنة ١٩٩٠ رسميا فرصة العودة، وفُتح الباب لمجيء آخرين. وفي تلك السنة عينها وقَّع وزير العدل في جمهورية الرأس الاخضر مرسوما يوافق على تشريعات جمعية شهود يهوه المحلية، مانحا اياهم بالتالي الاعتراف الشرعي. ثم في السنة ١٩٩١ رُفع الحظر رسميا عن شهود يهوه في موزَمبيق (حيث كان الحكام السابقون قد اضطهدوهم بقسوة)، غانا (حيث كان نشاطهم تحت تجميد رسمي)، وإثيوپيا (حيث لم تكن ممكنة الكرازة علنا او عقد المحافل طوال ٣٤ سنة). وقبل نهاية السنة منحتهم النَّيجر والكونڠو ايضا الاعتراف الشرعي. وفي وقت باكر من السنة ١٩٩٢، رُفع الحظر او مُنح الاعتراف الشرعي لشهود يهوه في تشاد، كينيا، رُوَندا، توڠو، وآنڠولا.
هنا حقول جاهزة للحصاد الروحي. ففي آنڠولا، مثلا، اختبر الشهود سريعا زيادة ٣١ في المئة؛ وفضلا عن ذلك، كان المنادون بالملكوت الـ ٠٠٠,١٩ تقريبا هناك يديرون ما يقارب ٠٠٠,٥٣ درس بيتي في الكتاب المقدس. ولتزويد العون الاداري اللازم لهذا البرنامج الواسع لتعليم الكتاب المقدس في آنڠولا وفي موزَمبيق (حيث يتكلم كثيرون الپرتغالية)، دُعي شيوخ اكفاء من الپرتغال والبرازيل الى الانتقال الى افريقيا لمتابعة خدمتهم. وعُيِّن المرسلون الناطقون بالپرتغالية في مقاطعة غينيا-بيساو المفتتحة حديثا. ودُعي شهود مقتدرون في فرنسا وبلدان اخرى الى المساعدة في انجاز العمل الملح للكرازة والتلمذة في بينين، تشاد، وتوڠو، حيث يتكلم اناس كثيرون الفرنسية.
وبين تلك المناطق التي انتجت خصوصا حصادا وافرا من مسبِّحي يهوه مناطق كانت سابقا معاقل للروم الكاثوليك. وبالاضافة الى اميركا اللاتينية، صح ذلك في فرنسا (حيث اظهر تقرير السنة ١٩٩٢ ٦٧٤,١١٩ شاهدا مبشرا)، اسپانيا (حيث كان هنالك ٢٨٢,٩٢)، الفيليپين (بـ ٣٣٥,١١٤)، ايرلندا (بنمو للشهود بنسبة ٨ الى ١٠ في المئة كل سنة)، والپرتغال.
عندما حضر ٥٦٧,٣٧ شخصا محفلا للشهود في لِشبونة، الپرتغال، في السنة ١٩٧٨، ذكرت المجلة الاخبارية أُوپساو: «بالنسبة الى ايّ شخص كان في فاطيما خلال موسم الحج، هذا في الواقع مختلف جدا. . . . فهنا [في محفل شهود يهوه] يختفي التصوُّف، فاسحا المجال لعقد اجتماع يناقش فيه المؤمنون بانسجام معهود مشاكلهم، ايمانهم ونظرتهم الروحية. وسلوكهم الواحد نحو الآخر يعطي العلامة الفارقة لعلاقتهم التعاطفية.» وخلال العقد التالي، ازداد عدد الشهود في الپرتغال حتى ٧٠ في المئة تقريبا.
وماذا عن ايطاليا؟ ان النقص الكبير في المرشحين للكهنوت الكاثوليكي اضطر بعض معاهد اللاهوت الى اقفال ابوابها. ولم يعد يوجد في كنائس عديدة كاهن ابرشية. وفي حالات كثيرة صارت ابنية كنسية سابقة تحتوي الآن على متاجر او مكاتب. وعلى الرغم من كل ذلك، حاربت الكنيسة بشدة لايقاف شهود يهوه. وفي السنين الماضية ضغطوا على الرسميين لترحيل المرسلين الشهود وطالبوا ان توقف الشرطة اجتماعاتهم. وفي بعض المناطق خلال ثمانينات الـ ١٩٠٠، وضع كهنة الابرشيات ملصقات على ابواب الجميع (بمن فيهم بعض الذين حدث انهم من شهود يهوه) تقول: «لا تقرع. نحن كاثوليك.» وحملت الصحف العنوانين: «صرخة انذار الكنيسة ضد شهود يهوه» و «‹حرب مقدسة› ضد شهود يهوه.»
عندما حاول الكهنوت اليهودي في القرن الاول اسكات الرسل، نصح غمالائيل، معلِّم للناموس، بحكمة: «إن كان هذا الرأي او هذا العمل من الناس فسوف ينتقض. وإن كان من اللّٰه فلا تقدرون ان تنقضوه.» (اعمال ٥:٣٨، ٣٩) وماذا كانت النتيجة عندما حاول كهنوت الروم الكاثوليك في القرن الـ ٢٠ اسكات شهود يهوه؟ لم ينتقض عمل الـ ١٢٠ شاهدا في ايطاليا سنة ١٩٤٦. وبدلا من ذلك بحلول السنة ١٩٩٢ كان هنالك ٠١٣,١٩٤ شاهدا نشيطا يقترنون بـ ٤٦٢,٢ جماعة في كل انحاء البلد. لقد ملأوا فعليا ايطاليا بتعليمهم كلمة اللّٰه. ومنذ السنة ١٩٤٦ خصَّصوا اكثر من ٥٥٠ مليون ساعة للتحدث عن ملكوت اللّٰه الى رفقائهم الايطاليين. وفيما كانوا يفعلون ذلك وضعوا في ايديهم ملايين النسخ من الكتاب المقدس نفسه وما يزيد على ٤٠٠ مليون كتاب، كراس، ومجلة توضح الاسفار المقدسة. فهم يريدون التأكد من حصول الناس في ايطاليا على فرصة تامة لاتخاذ موقفهم الى جانب يهوه قبل اتيان هرمجدون. واذ يفعلون ذلك، يتذكرون ما كتبه الرسول بولس في ٢ كورنثوس ١٠:٤، ٥، وهو: «اسلحة محاربتنا ليست جسدية بل قادرة باللّٰه على هدم حصون. هادمين ظنونا وكل علو يرتفع ضد معرفة اللّٰه.»
لم يوجِّه شهود يهوه الانتباه الى المعاقل الكاثوليكية السابقة فقط. فهم يعرفون ان يسوع المسيح قال: «ينبغي ان يُكرز . . . بالانجيل في جميع الامم.» (مرقس ١٣:١٠) وهذا هو العمل الذي يقوم به الشهود. وبحلول السنة ١٩٩٢، كان هنالك ١٦٨,١٢ منهم ينهمكون في اخبار الناس في الهند عن ملكوت اللّٰه. و ٤٢٨,٧١ آخرون منهم يكرزون في جمهورية كوريا. وفي اليابان، كان هنالك ٤٣٨,١٧١، وكانت اعدادهم تنمو كل شهر. واستمروا ايضا في بلوغ البلدان حيث القليل او لا شيء من الكرازة كان قد جرى حتى ذلك الحين.
وهكذا، خلال الجزء الاخير من سبعينات الـ ١٩٠٠، كانوا قادرين، لأول مرة، على حمل رسالة الملكوت الى الناس الساكنين في جزر مركيز وفي جزيرة كوسْراي — في المحيط الپاسيفيكي. ووصلوا ايضا الى بوتان، التي تحاذي حدود الصين الجنوبية، وجزر كومورو، مقابل ساحل افريقيا الشرقي. وخلال ثمانينات الـ ١٩٠٠ أُرسل تقرير عن اول عمل كرازي قام به شهود يهوه من جزر والِس وفوتونا، وكذلك من جزر ناوُورو وجزيرة روتا، وكلها في جنوبي غربي الپاسيفيك. وبعض هذه الامكنة صغير نسبيا؛ لكنَّ اناسا يسكنون هناك، وحياتهم ثمينة. وشهود يهوه يعرفون جيدا نبوة يسوع انه قبل ان يأتي المنتهى، يُكرز برسالة الملكوت «في كل المسكونة.» — متى ٢٤:١٤.
الاتصال بالناس حيثما وكلما امكن
فيما تستمر الكرازة من بيت الى بيت في ان تكون الاسلوب الرئيسي الذي يستخدمه شهود يهوه لبلوغ الناس، يدركون انه حتى بهذا الاسلوب النظامي لا يتصلون بكل فرد. وبشعور بالالحاح، يواصلون البحث عن الناس حيثما يمكن ان يوجدوا. — قارنوا يوحنا ٤:٥-٤٢؛ اعمال ١٦:١٣، ١٤.
عندما ترسو القوارب في مرافئ المانيا والنَّذَرلند، حتى لفترة قصيرة، يحاول شهود يهوه ان يزوروهم، شاهدين اولا للقبطان ثم للطاقم. وهم يحملون مطبوعات الكتاب المقدس بلغات عديدة من اجل الناس. وفي الاسواق المحلية في تشاد، في افريقيا الوسطى، ليست غريبة رؤية فريق من ١٥ او ٢٠ شخصا مجتمعين حول واحد من شهود يهوه يتحدث اليهم عن رجاء ملكوت اللّٰه. واذ يعملون بالتناوب، يتحدث الشهود الى اصحاب الأكشاك وآلاف المتسوقين يوم السبت صباحا في الاسواق في اوكلَنْد، نيوزيلندا. والناس الذين يمرّون عبر محطات الباص في ڠواياكيل، إكوادور — وكثيرون منهم من نواحٍ بعيدة من البلد — يقترب اليهم هناك الشهود الذين يقدِّمون لهم كراسة ملائمة او برج المراقبة واستيقظ! وأولئك الذين يتناوبون العمل ليلا في اسواق الطعام التي تفتح ليلَ نهار في مدينة نيويورك يزورهم الشهود وهم يعملون لكي يتمكَّنوا هم ايضا من الحصول على فرصة سماع البشارة.
وعند السفر بالطائرات، القطارات، الباصات، والقطارات النفقية، يخبر كثيرون من شهود يهوه بحقائق الكتاب المقدس الثمينة الرفقاء الركاب. وخلال فترة الغداء في عملهم الدنيوي وفي المدرسة، وأيضا عندما يأتي الناس الى بابهم لاسباب تجارية، ينتهزون الفرص ليشهدوا. فهم يعرفون ان كثيرين من هؤلاء الناس ربما لا يكونون في البيت عندما يقوم الشهود بزياراتهم القانونية.
واذ يشهدون للآخرين، لا ينسون اعضاء العائلة الاحماء والانسباء الآخرين. ولكن عندما حاولت ماريا كامانو، شاهدة في الارجنتين، ان تخبر عائلتها الى ايّ حد تأثرت بعمق بما تعلَّمته من الكتاب المقدس، سخروا منها او كانوا غير مبالين. فلم تستسلم وانما قامت برحلة من ٢٠٠,١ ميل (٩٠٠,١ كلم) لتشهد لآخرين من انسبائها. فتجاوب البعض بشكل مؤاتٍ. ورويدا رويدا، اصغى آخرون. ونتيجة لذلك، هنالك الآن بين انسبائها اكثر من ٨٠ راشدا وما يزيد على ٤٠ ولدا اعتنقوا حقائق الكتاب المقدس وهم يخبرون بها الآخرين.
ولمساعدة انسبائه، عاد مايكل ريڠَن الى بلدته، بويل، مقاطعة روسكومون، في ايرلندا. وشهد لهم جميعا. فتأثرت ابنة اخيه بالروح السعيدة وطريقة الحياة السليمة لاولاد مايكل. وسرعان ما وافقت هي وزوجها على درس في الكتاب المقدس. وعندما اعتمدا، منعها ابوها من المجيء الى بيت العائلة. إلَّا ان موقفه لان تدريجيا، وقَبِل بعض المطبوعات — ناويا تشهير «خطإ» الشهود. ولكنه سرعان ما ادرك ان ما يقرأه هو الحق، وفي حينه اعتمد. وأكثر من ٢٠ عضوا في العائلة يعاشرون الآن الجماعة، ومعظمهم قد اعتمدوا.
وماذا عن الناس في السجن؟ هل يمكنهم ان يستفيدوا من رسالة ملكوت اللّٰه؟ لا يتجاهل شهود يهوه هؤلاء. ففي اصلاحية في اميركا الشمالية اعطت الترتيبات للدروس الشخصية في الكتاب المقدس مع المساجين، بالاضافة الى حضور اجتماعات قانونية في السجن يديرها شهود ليهوه، نتائج جيدة بحيث جعلت ادارة السجن ممكنا عقد محافل هناك. وهذه لم يحضرها السجناء فقط بل ايضا آلاف الشهود من الخارج. وفي بلدان اخرى ايضا بُذلت جهود جدية للشهادة للرجال والنساء في السجن.
لا يعتقد شهود يهوه ان درس الكتاب المقدس سيصلح كل المساجين. ولكنهم يعرفون من الاختبار انه يمكن مساعدة البعض، ويريدون ان يمنحوهم الفرصة لاعتناق رجاء ملكوت اللّٰه.
جهود متكررة لبلوغ القلوب
مرة بعد اخرى يزور شهود يهوه الناس. وكما فعل تلاميذ يسوع الاولون، ‹يذهبون باستمرار› الى الناس في مقاطعاتهم المعيَّنة محاولين اثارة اهتمامهم بملكوت اللّٰه. (متى ١٠:٦، ٧، عج) ففي بعض الاماكن يتمكنون من زيارة كل اصحاب البيوت في منطقتهم مرة واحدة في السنة؛ وفي اماكن اخرى يزورون كل بضعة اشهر. وفي الپرتغال، في منطقة لِشبونة الكبرى، حيث توجد نسبة شاهد ١ الى كل ١٦٠ من السكان، يزور الشهود الناس كل اسبوع تقريبا. وفي ڤنزويلا، توجد مدن تُغطَّى فيها المقاطعات قانونيا اكثر من مرة في الاسبوع.
عندما يقوم شهود يهوه بزيارات متكررة، لا يحاولون فرض رسالة الكتاب المقدس على الناس. وانما يحاولون منحهم الفرصة لاتخاذ قرار حكيم. واليوم ربما يقول بعض الاشخاص انهم غير مهتمين؛ لكنَّ التغييرات الجذرية في حياتهم او في احوال العالم قد تجعلهم اكثر تقبُّلا في وقت آخر. وبسبب التحامل او بسبب كونهم مشغولين اكثر من ان يصغوا، لم يسمع اناس كثيرون في الواقع قط ما يعلِّمه الشهود. لكنَّ الزيارات الودية المتكررة يمكن ان تجعلهم ينتبهون. وكثيرا ما يتأثر الناس بالصدق والاستقامة الادبية للشهود الذين يسكنون في جوارهم او يعملون معهم. ونتيجة لذلك، في حينه، يصير البعض مهتمين كفاية ليعرفوا ما هي رسالتهم. قالت امرأة في ڤنزويلا بعد ان قبلت بسرور مطبوعة وعرضا لدرس بيتي مجاني في الكتاب المقدس: «لم يوضح لي احد هذه الامور من قبل قط.»
وبطريقة لطيفة، يحاول الشهود ان يبلغوا قلوب اولئك الذين يتحدثون اليهم. ففي ڠوادلوپ، حيث كان هنالك شاهد ١ لكل ٥٧ من السكان في السنة ١٩٩٢، ليس غريبا ان يقول اصحاب البيوت، «انا لست مهتما.» فيردّ على ذلك ايريك دودوت: «افهم ذلك، وأنا اضع نفسي مكانك.» ثم يضيف: «ولكنني اسألك، هل تريد ان تعيش في ظل احوال افضل من تلك الموجودة اليوم؟» وبعد الاصغاء الى ما يقوله صاحب البيت، يستخدم الكتاب المقدس ليظهر كيف سيجلب اللّٰه احوالا كهذه في عالمه الجديد.
تغطية المقاطعة بشكل اشمل ايضا
في السنوات الاخيرة صار صعبا بشكل متزايد العثور على الناس في البيت في بعض البلدان. فكثيرا ما يقوم الزوج والزوجة كلاهما بعمل دنيوي، وفي نهايات الاسابيع قد يطلبان الاستجمام بعيدا عن البيت. ولمواجهة هذا الوضع، يقوم شهود يهوه في بلدان كثيرة بمقدار متزايد من شهادتهم من باب الى باب في الامسيات. وفي بريطانيا، لا يقوم بعض الشهود فقط بين السادسة والثامنة مساء بملاحقة الزيارات للبيوت التي لم يوجد فيها احد، ولكنَّ آخرين، في محاولة للاتصال بالناس قبل ان يغادروا الى العمل، يقومون بزيارات كهذه قبل الثامنة صباحا.
وحتى حيث يكون الناس في البيت، قد يكون صعبا جدا الوصول اليهم دون دعوة مسبقة، نظرا الى الاجراءات الامنية المشدَّدة المتخذة بسبب انتشار الجريمة. ولكن في البرازيل عندما يذهب بعض الذين يصعب الاتصال بهم في نزهة صباحية باكرة على الرصيف البحري على شاطئ كوپاكبانا، قد يقترب منهم شاهد غيور موجود هناك باكرا يُشرك الآخرين في محادثة تظهر كيف سيحل ملكوت اللّٰه مشاكل الجنس البشري. وفي پاريس، فرنسا، عندما يعود الناس الى شققهم في وقت متأخر بعد الظهر، قد يجدون شاهدين وديين قرب مدخل البناية ينتظران لكي يتحدثا الى الافراد السكان الذين يرغبون في قضاء دقائق قليلة ليسمعوا عن الوسيلة التي سيستخدمها اللّٰه لجلب الامن الحقيقي. وفي هونولولو، مدينة نيويورك، وأماكن اخرى كثيرة، تُبذل الجهود ايضا للوصول الى الساكنين في الابنية ذات الاجراءات الامنية المشدَّدة بواسطة الهاتف.
واذا تدبَّروا امر الاتصال بشخص ما في كل بيت، فمع ذلك لا يشعر الشهود بأن مهمتهم قد أُنجزت. فرغبتهم هي ان يبلغوا اكبر عدد ممكن من الافراد في كل بيت. وأحيانا يُنجَز ذلك بالزيارة في ايام مختلفة او في اوقات مختلفة. ففي پورتو ريكو، عندما قالت صاحبة بيت انها ليست مهتمة، سألها شاهد ما اذا كان هنالك شخص آخر في البيت يمكن ان يتحدث اليه. وأدى ذلك الى محادثة مع رب البيت، الذي كان مريضا طوال ١٤ سنة وملازما الفراش في اغلب الاوقات. لقد ابتهج قلبه بالرجاء المذكور في كلمة اللّٰه. وباهتمام متجدد بالحياة، سرعان ما ترك الفراش، حاضرا الاجتماعات في قاعة الملكوت، ومشاركا الآخرين في رجائه المكتشف حديثا.
تكثيف الشهادة فيما تقترب النهاية
وهنالك عامل آخر ساهم كثيرا في تكثيف الشهادة في السنوات الاخيرة. انه الزيادة السريعة في عدد الشهود الذين يخدمون كفاتحين. واذ يرغبون بشدة في تخصيص قدر ما يمكن من وقتهم لخدمة اللّٰه، وباهتمام حبي لرفقائهم الناس، يرتبون شؤونهم ليصرفوا ٦٠، ٩٠، ١٤٠ ساعة او اكثر كل شهر في خدمة الحقل. وكما صح في الرسول بولس عندما كان يكرز في كورنثوس، اليونان، يصير اولئك الذين يتبنَّون خدمة الفتح ‹منهمكين جدا في الكلمة،› ساعين الى الشهادة لاكبر عدد ممكن من الناس عن الملكوت المسيَّاني. — اعمال ١٨:٥، عج.
في السنة ١٩٧٥ كان هنالك ٢٢٥,١٣٠ فاتحا حول العالم. وبحلول السنة ١٩٩٢ كان هنالك ٦١٠,٦٠٥ كمعدل كل شهر (بمن فيهم الفاتحون القانونيون، الاضافيون، والخصوصيون). وهكذا، خلال الفترة التي نما فيها عدد الشهود حول العالم حتى ١٠٥ في المئة، ازداد اولئك الذين فسحوا المجال للاشتراك في الخدمة كامل الوقت ٣٦٥ في المئة! ونتيجة لذلك، ارتفع مقدار الوقت المخصَّص فعلا للشهادة من نحو ٣٨٢ مليون ساعة الى اكثر من بليون ساعة في السنة!
«الصغير يصير ألفا»
فوَّض يسوع المسيح الى أتباعه ان يكونوا شهودا له الى اقصى الارض. (اعمال ١:٨) وبواسطة النبي اشعياء، كان يهوه قد انبأ: «الصغير يصير ألفا والحقير امة قوية. انا الرب في وقته أُسرع به.» (اشعياء ٦٠:٢٢) ويُظهر السجل بوضوح ان شهود يهوه ينجزون العمل الذي سبق يسوع وأنبأ به، وأنهم يختبرون نوع النمو الذي وعد به اللّٰه نفسه.
عند نهاية الحرب العالمية الثانية، كانوا موجودين بصورة رئيسية في اميركا الشمالية وأوروپا؛ وكان هنالك بعض منهم في افريقيا؛ وآخرون، في فرق اصغر، كانوا متفرقين حول الكرة الارضية. فلم يصلوا الى كل بلد برسالة الملكوت، ولم يبلغوا كل ناحية من تلك البلدان التي كانوا يكرزون فيها. ولكنَّ هذه الصورة كانت تتغيَّر بسرعة مذهلة.
تأملوا في اميركا الشمالية. يمتد البَر الرئيسي من كندا في الشمال الى پاناما، بتسعة بلدان بينهما. بحلول السنة ١٩٤٥ كان هنالك ٤١٠,٨١ شهود في هذه المنطقة الواسعة. اربعة بلدان اخبرت كلٌّ منها بأقل من ٢٠ شاهدا، وبلد واحد لم يكن فيه عمل كرازي منظَّم على الاطلاق. ومنذ ذلك الحين، تُقدَّم شهادة مكثَّفة ومعزَّزة في كل هذه البلدان. وفي السنة ١٩٩٢، كان هنالك ١٦٥,٤٤٠,١ شاهدا ليهوه في هذا الجزء من الارض. وفي معظم هذه البلدان، كمعدل، كل شاهد لديه الآن فقط عدة مئات من الاشخاص ليشهد لهم. وقسم كبير من السكان يزورهم الشهود كل عدة اشهر؛ وكثيرون تجري زيارتهم كل اسبوع. وأكثر من ٠٠٠,٢٤٠,١ درس بيتي في الكتاب المقدس تدار قانونيا مع افراد وفرق مهتمين.
وماذا عن اوروپا؟ يمتد هذا الجزء من الكرة الارضية من إسكنديناڤيا الى البحر الابيض المتوسط جنوبا. وخارج معظم المنطقة المعروفة سابقا بالاتحاد السوڤياتي، كانت قد قُدِّمت شهادة واسعة في اوروپا قبل الحرب العالمية الثانية. ومنذ ذلك الوقت، تنمو اجيال جديدة، ولهم ايضا يجري الاظهار من الاسفار المقدسة ان ملكوت اللّٰه سيحل قريبا محل كل الحكومات البشرية. (دانيال ٢:٤٤) ومن آلاف قليلة من الشهود الذين قاموا بنشاطهم الكرازي تحت قيود قاسية خلال الحرب، ارتفع عدد المنادين بالملكوت في البلدان الـ ٤٧ التي نُشرت عنها تقارير في السنة ١٩٩٢ الى ٢٥٩,١٧٦,١، بمن فيهم اولئك الموجودون في الاماكن التي كانت سابقا جزءا من اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوڤياتية، في اوروپا وآسيا على السواء. وفي كلٍّ من البلدان الخمسة — المانيا، ايطاليا، بريطانيا، پولندا، وفرنسا — كان هنالك اكثر من ٠٠٠,١٠٠ شاهد غيور. وماذا كان يفعل كل هؤلاء الشهود؟ يُظهر تقريرهم للسنة ١٩٩٢ انهم في تلك السنة خصَّصوا اكثر من ٠٠٠,٠٠٠,٢٣٠ ساعة للكرازة علنا، اذ ذهبوا من بيت الى بيت، وأداروا دروسا بيتية في الكتاب المقدس. وهؤلاء الشهود، في تبشيرهم، لم يتجاهلوا حتى جمهورية سان مارينو الصغيرة، والامارات مثل آندورا وليختَنْشْتاين، او جبل طارق. حقا، ان الشهادة المنبأ بها كانت تُقدَّم.
تتلقى افريقيا ايضا شهادة واسعة. فالسجلات تظهر انه حتى السنة ١٩٤٥ وصلت البشارة الى ٢٨ بلدا في هذه القارة، لكنَّ القليل جدا من الشهادة الفعلية أُنجز في معظم هذه البلدان. إلا انه، منذ ذلك الحين، أُنجز الكثير هناك. وبحلول السنة ١٩٩٢، كان هنالك ٠٤٤,٥٤٥ شاهدا غيورا في القارة الافريقية يكرزون بالبشارة في ٤٥ بلدا. وفي الاحتفال بذكرى عشاء الرب في تلك السنة كان ٨٦٣,٨٣٤,١ حاضرين. وهكذا، لم يكن النمو وحده مذهلا، ولكنَّ امكانية التوسع الاضافي انما هي فوق العادة!
ان التقرير المتعلق بأميركا الجنوبية ليس اقل روعة. فعلى الرغم من بلوغ البلدان الـ ١٣ كلها ما عدا واحدا برسالة الكتاب المقدس قبل الحرب العالمية الثانية، كانت هنالك في ذلك الوقت ٢٩ جماعة فقط في القارة بكاملها، ولم يكن هنالك حتى ذلك الحين ايّ نشاط كرازي منظَّم في بعض البلدان. فمعظم عمل الكرازة بالملكوت كان آنذاك في المستقبل. ومنذ ذلك الحين يعمل الشهود هناك باجتهاد. والذين انعشهم ماء الحياة يدعون الآخرين بسرور، قائلين: ‹تعالوا خذوا ماء حياة مجانا.› (رؤيا ٢٢:١٧) وفي السنة ١٩٩٢ كان هنالك ٧٨٢,٦٨٣ خادما ليهوه في ٣٩٩,١٠ جماعة في اميركا الجنوبية يشتركون بسعادة في هذا العمل. وبعضهم كانوا يصلون الى مناطق لم تحصل على شهادة تامة. وآخرون كانوا يقومون بالزيارات مرة بعد اخرى في الاماكن التي قُدِّمت فيها سابقا شهادة لتشجيع الناس ان ‹يذوقوا وينظروا ما اطيب يهوه.› (مزمور ٣٤:٨) وكانوا قانونيا يديرون ١٣٢,٩٠٥ درسا بيتيا في الكتاب المقدس لمساعدة المهتمين على جعل طرق يهوه طريقهم في الحياة.
تأملوا ايضا في آسيا والجزر ومجموعات الجزر الكثيرة حول الكرة الارضية. فماذا أُنجز هناك؟ حتى فترة ما بعد الحرب، كان الكثير من هذه الاماكن قد نال القليل جدا من المناداة بالملكوت. ولكنَّ يسوع المسيح سبق وأنبأ بأنه سيُكرز ببشارة الملكوت هذه «في كل المسكونة شهادة لجميع الامم.» (متى ٢٤:١٤) وانسجاما مع ذلك، خلال العقود التي تلت الحرب العالمية الثانية، فان الكرازة بالبشارة التي كانت قد بلغت من قبل ٧٦ من هذه البلدان، الجزر، ومجموعات الجزر انتشرت في ٤٠ بلدا آخر وكُثِّفت في الاماكن التي جرى الوصول اليها في وقت ابكر. وفي هذه المقاطعة الواسعة في السنة ١٩٩٢ كان هنالك ٥٣٧,٦٢٧ شاهدا مخلصا يسرّون كثيرا باعلان ‹قدرة يهوه ومجد جلال ملكه.› (مزمور ١٤٥:١١، ١٢) ولم تكن خدمتهم سهلة. ففي بعض الاماكن كان عليهم ان يسافروا لساعات بالقارب او بالطائرة ليصلوا الى الجزر البعيدة في مقاطعتهم. ولكن خلال السنة ١٩٩٢ خصَّصوا ما يزيد على ٠٠٠,٠٠٠,٢٠٠ ساعة للعمل التبشيري وأداروا ٢١١,٦٨٥ درسا بيتيا قانونيا في الكتاب المقدس.
لا شك ان اتمام الوعد بأن «الصغير يصير ألفا» قد حدث، وبشكل وافر ايضا! ففي كلٍّ مما يزيد على ٥٠ بلدا حيث لم يكن هنالك حتى «صغير» — حيث لم يكن هنالك ايُّ من شهود يهوه قديما في السنة ١٩١٩، حيث لم يقوموا بأيّ شيء من الكرازة على الاطلاق — هنالك اليوم اكثر من الف مسبِّح ليهوه. وفي بعض هذه البلدان، هنالك الآن عشرات الآلاف، نعم، وحتى اكثر من مئة الف، من شهود يهوه الذين هم منادون غيورون بملكوت اللّٰه! ففي كل العالم صار شهود يهوه «امة قوية» — اكثر في العدد كجماعة عالمية متحدة من سكان اية واحدة من ٨٠ امة على الاقل من الامم الذاتية الحكم في العالم.
الى ايّ حد قُدِّمت شهادة في «البلدان الاخرى»؟
في السنة ١٩٩٢ كان لا يزال هنالك ٢٤ «بلدا آخر» مشمولا بكل البلدان اعلاه — حيث كان شهود يهوه تحت قيود حكومية قاسية ولم تُنشر عنها اية تقارير مفصلة. ان الكثير من الشهادة يجري في بعض هذه البلدان. ومع ذلك فعدد الشهود في بلدان معيَّنة محدود. ولا يزال هنالك اناس لم يسمعوا رسالة الملكوت. إلا ان شهود يهوه واثقون بأن الشهادة اللازمة ستُقدَّم. ولماذا؟
لأن الاسفار المقدسة تظهر ان يسوع المسيح نفسه، من عرشه السماوي، يشرف على العمل. (متى ٢٥:٣١-٣٣) وتحت توجيهه يُودَع ‹ملاك طائر في وسط السماء› مسؤولية اعلان بشارة ابدية وحثّ «كل امة وقبيلة ولسان وشعب» ان ‹يخافوا اللّٰه ويعطوه مجدا.› (رؤيا ١٤:٦، ٧) ولا توجد قوة في السماء او على الارض يمكن ان تمنع يهوه من ان يجتذب اليه «الميالين بالصواب الى الحياة الابدية.» — اعمال ١٣:٤٨، عج؛ يوحنا ٦:٤٤.
لا توجد ناحية من الارض منعزلة اكثر من ان تبلغها رسالة الملكوت. فالاقرباء يقومون بالزيارات. الهواتف والبريد تحمل الاخبار. رجال الاعمال، العمال، التلاميذ، والسياح يتصلون بالناس من امم اخرى. وكما في الماضي، كذلك الآن، يستمر بواسطة هذه الوسائل اعلان الاخبار الحيوية بأن يهوه قد توَّج ملكه السماوي بسلطة على الامم. ويمكن للملائكة ان يتأكدوا ان الجياع والعطاش للحق والبر يجري الوصول اليهم.
اذا كانت مشيئة الرب ان يُنجَز المزيد من الكرازة المباشرة برسالة الملكوت في بعض المناطق حيث تعيق الحكومات ذلك حتى الآن، فان اللّٰه قادر ان يجلب احوالا تجعل هذه الحكومات تغيِّر سياستها. (امثال ٢١:١) وحيث يمكن ان تنفتح بعدُ ابواب الفرصة، سيقدِّم شهود يهوه انفسهم بسرور ليتأكدوا ان الناس في هذه البلدان ينالون قدر ما يمكن من العون ليتعلَّموا عن قصد يهوه الحبي. وهم مصمِّمون على الاستمرار في الخدمة بلا تراخٍ الى ان يقول يهوه بواسطة يسوع المسيح ان العمل قد أُنجز!
في السنة ١٩٩٢ كان شهود يهوه مشغولين بالكرازة في ٢٢٩ بلدا. وبحلول تلك السنة كانت بشارة ملكوت اللّٰه قد وصلت بطرائق مختلفة الى ٢٣٥ بلدا. عشرة منها جرى الوصول اليها اولا بعد السنة ١٩٧٥.
والى ايّ حد كانت الشهادة المقدَّمة كثيفة؟ خلال السنوات الـ ٣٠ الاولى بعد الحرب العالمية الثانية، خصَّص شهود يهوه ٩٣٩,٢٦٥,٦٣٥,٤ ساعة للكرازة والتعليم عن اسم يهوه وملكوته. ولكن، اذ ازداد الشهود وصار قسم اكبر منهم في الخدمة كامل الوقت، خُصِّصت خلال السنوات الـ ١٥ التالية (مجرد نصف ذلك العدد من السنين) ٩٤٠,٦٧٧,٨٥٨,٧ ساعة للشهادة علنا ومن بيت الى بيت بالاضافة الى ادارة دروس بيتية في الكتاب المقدس. واستمرت كثافة العمل في الازدياد، اذ قدَّموا تقريرا بـ ٠٢١,٨٧٠,٩٥١ ساعة اخرى في هذا النشاط خلال ١٩٩٠ ⁄١٩٩١ وأكثر من بليون ساعة في السنة التالية.
ان كمية مطبوعات الكتاب المقدس التي وزَّعها الشهود لاعلان الملكوت، الى جانب تنوُّع اللغات التي صارت متوافرة بها، لا تجد لها مثيلا في كل حقول العمل البشرية. والسجلات غير تامة؛ إلا ان التقارير التي لا تزال متوافرة تُظهر انه بـ ٢٩٤ لغة، وُضع ٢٦٩,٥٦٥,١٠٧,١٠ كتابا، كراسا، كراسة، ومجلة، بالاضافة الى بلايين النشرات غير المعدودة، بين ايدي الناس المهتمين بين السنتين ١٩٢٠ و ١٩٩٢.
وفي وقت هذه الكتابة لم تكن الشهادة العالمية قد انتهت بعدُ. لكنَّ العمل الذي يُنجَز والظروف التي يُنجَز في ظلها تعطي الدليل المقنع على عمل روح اللّٰه.
[النبذة في الصفحة ٥٠٢]
المحافل الكبيرة وسلوك المندوبين المسيحي جذبت الانتباه
[النبذة في الصفحة ٥٠٥]
«في ما يتعلق بالترتيب، السلام، والنظافة، فان المساهمين في المحفل هم امثلة للاقتداء»
[النبذة في الصفحة ٥٠٦]
محافل تاريخية عُقدت في اماكن كان فيها الشهود تحت الحظر لعقود
[النبذة في الصفحة ٥٠٨]
آلاف الاطنان من مطبوعات الكتاب المقدس شُحنت الى بلدان اوروپا الشرقية
[النبذة في الصفحة ٥٠٩]
شيوخ اكفاء تطوعوا للانتقال الى بلدان توجد فيها حاجة خصوصية
[النبذة في الصفحة ٥١٦]
رغبتهم هي ان يبلغوا اكبر عدد ممكن من الافراد في كل بيت
[النبذة في الصفحة ٥١٨]
النمو المذهل وامكانية التوسع الاضافي
[الرسوم البيانية/الصور في الصفحة ٥١٢]
(اطلب النص في شكله المنسَّق في المطبوعة)
زيادة المنادين بالملكوت في المشرق
الهند
٠٠٠,١٠
٠٠٠,٥
١٩٥٠ ١٩٦٠ ١٩٧٠ ١٩٨٠ ١٩٩٢
جمهورية كوريا
٠٠٠,٦٠
٠٠٠,٣٠
١٩٥٠ ١٩٦٠ ١٩٧٠ ١٩٨٠ ١٩٩٢
اليابان
٠٠٠,١٥٠
٠٠٠,١٠٠
٠٠٠,٥٠
١٩٥٠ ١٩٦٠ ١٩٧٠ ١٩٨٠ ١٩٩٢
[الصورة في الصفحة ٥٠٣]
ملعب مورومبي، في سان پاولو، البرازيل (الظاهر ادناه)، وملعب ماراكانا، في ريو دي جانيرو، كانا لازمين في آنٍ واحد في السنة ١٩٨٥ لاستيعاب الجموع من اجل محفل لشهود يهوه
[الصورتان في الصفحة ٥٠٤]
بعض المرشحين للمعمودية في كوجُوف، پولندا، في السنة ١٩٨٩
[الصور في الصفحة ٥٠٧]
بعض المحافل التاريخية في السنة ١٩٩١
پراڠ، تشيكوسلوڤاكيا
تالين، استونيا (اليمين)
زَغْرِب، كرواتيا (اليمين)
بوداپست، هنڠاريا (فوق)
بايا-ماري، رومانيا (اليمين)
أُوسُلْي-سيبِرْسكُي، روسيا (تحت)
ألْما-أتا، قازاخستان (فوق)
كِييَڤ، أوكرانيا (اليسار)
[الصور في الصفحة ٥١١]
المحفل الاممي لشهود يهوه في سانت پيترسبرڠ، روسيا، في السنة ١٩٩٢
روح اممية حارَّة
من روسيا
من مولدوڤا
من أوكرانيا
كثيرون من الاحداث كانوا حاضرين
م. ج. هنشل (اليسار) يناقش البرنامج مع ستيفان كوجيمبا (الوسط)، بمساعدة ترجمان
المندوبون الاجانب جلبوا كتبا مقدسة بالروسية ليستعملها الشهود في كل انحاء روسيا
[الصور في الصفحة ٥١٣]
في ثمانينات الـ ١٩٠٠ اعلنت الكنيسة الكاثوليكية الحرب على الشهود، وفقا لقصاصات الصحف الايطالية هذه
[الصورة في الصفحة ٥١٤]
عندما ترسو السفن في روتردام، النَّذَرلند، يكون الشهود هناك ليتحدثوا الى الناس عن ملكوت اللّٰه
[الصورة في الصفحة ٥١٥]
حتى في المقاطعة التي تُغطَّى تكرارا، كما هي الحال هنا في ڠوادلوپ، يستمر الشهود في محاولة بلوغ قلوب جيرانهم بالبشارة
-
-
المرسلون يواصلون التوسع العالميشهود يهوه — منادون بملكوت اللّٰه
-
-
الفصل ٢٣
المرسلون يواصلون التوسع العالمي
ان النشاط الغيور للمرسلين الراغبين في الخدمة حيثما تكون هنالك حاجة اليهم هو عامل مهم في المناداة العالمية بملكوت اللّٰه.
قبل ان تؤسس جمعية برج المراقبة للكتاب المقدس والكراريس مدرسة لهذا القصد بوقت طويل، كان المرسلون يُرسَلون الى بلدان اخرى. فرئيس الجمعية الاول، ت. ت. رصل، ادرك الحاجة الى اشخاص مؤهلين لبدء الكرازة بالبشارة في حقول اجنبية وأخذ القيادة فيها. فأرسل رجالا من اجل هذا القصد — ادولف وايبر الى اوروپا، إ. ج. كاوارد الى منطقة البحر الكاريبي، روبرت هوليستر الى المشرق، وجوزيف بوث الى افريقيا الجنوبية. ومن المؤسف ان يصير بوث اكثر اهتماما بخططه الخاصة؛ ولذلك، في السنة ١٩١٠، أُرسل وليم جونستون من أسكتلندا الى نياسالَنْد (الآن ملاوي)، حيث جرى الشعور خصوصا بتأثير بوث المضاد. وبعد ذلك، عُيِّن الاخ جونستون ليؤسس مكتب فرع لجمعية برج المراقبة في دوربان، جنوب افريقيا، وخدم لاحقا كناظر فرع في اوستراليا.
بعد الحرب العالمية الاولى، ارسل ج. ف. رذرفورد المزيد من المرسلين ايضا — مثلا، توماس والدر وجورج فيليپس من بريطانيا الى جنوب افريقيا، و. ر. براون من تعيين في ترينيداد الى افريقيا الغربية، جورج يونڠ من كندا الى اميركا الجنوبية والى اوروپا، خوان مونييز اولا الى اسپانيا ثم الى الارجنتين، جورج رايت وأدوين سكينر الى الهند، تبعهما كلود ڠودمان، رون تيپِن، والمزيد. لقد كانوا فاتحين حقيقيين، بالغين المناطق التي أُنجز فيها القليل او لا شيء من الكرازة بالبشارة وواضعين الاساس المتين للنمو التنظيمي المقبل.
وكان هنالك آخرون ايضا ممَّن دفعتهم الروح الارسالية الى مباشرة الكرازة خارج بلدهم. وبينهم كايت ڠُوَس وابنتها ماريون، اللتان خصَّصتا سنوات للخدمة الغيورة في كولومبيا وڤنزويلا. وآخر هو جوزيف دوس سانتوس، الذي غادر هاوايي في رحلة كرازية ادَّت الى ١٥ سنة من الخدمة في الفيليپين. وكان هنالك ايضا فرانك رايس، الذي سافر بسفينة شحن من اوستراليا ليفتتح الكرازة بالبشارة في جزيرة جاوا (الآن إندونيسيا).
ولكن في السنة ١٩٤٢، وُضعت الخطط لمدرسة ذات مقرَّر مصمَّم خصوصا لتدريب الرجال والنساء على السواء الراغبين في مباشرة خدمة ارسالية كهذه حيثما تكون هنالك حاجة اليهم في الحقل العالمي.
مدرسة جلعاد
في وسط الحرب العالمية، ربما بدا التخطيط لتوسيع نشاطات الكرازة بالملكوت في حقول اجنبية غير عملي من وجهة نظر بشرية. ولكن، في ايلول ١٩٤٢، بالاتكال على يهوه، وافق مديرو اثنتين من المؤسسات الشرعية الرئيسية التي يستخدمها شهود يهوه على اقتراح ن. ه . نور تأسيس مدرسة مصمَّمة لتدريب المرسلين وغيرهم على الخدمة المتخصصة. وكانت ستُدعى كلية جلعاد برج المراقبة للكتاب المقدس. وتغيَّر هذا الاسم لاحقا الى مدرسة جلعاد برج المراقبة للكتاب المقدس. ولم يكن ليُفرَض دفع ايّ رسم تعليمي، والتلاميذ كان سيجري ايواؤهم وإطعامهم على حساب الجمعية طوال فترة تدريبهم.
بين الذين كانوا مدعوين الى المساعدة في تحديد الاوجه الرئيسية لمقرَّر الدرس ألبرت د. شرودر، الذي سبق واكتسب كثيرا من الخبرة في دائرة الخدمة في المركز الرئيسي للجمعية في بروكلين وكناظر فرع الجمعية في بريطانيا. ونظرته الايجابية، الطريقة التي اعطى بها من نفسه، واهتمامه الحار بالتلاميذ جعلته محبوبا الى الذين علَّمهم خلال الـ ١٧ سنة التي خدم فيها امينا للسجل وأستاذا في المدرسة. وفي السنة ١٩٧٤ صار عضوا في الهيئة الحاكمة، وفي السنة التالية عُيِّن ليخدم في لجنة تعليمها.
الاخ شرودر ورفقاؤه الاساتذة (ماكسويل فْرِنْد، ادوَرْدو كيلر، وڤيكتور بلاكوِل) حدَّدوا الاوجه الرئيسية لمقرَّر دراسي لخمسة اشهر يشدِّد على درس الكتاب المقدس نفسه والتنظيم الثيوقراطي، وأيضا على عقائد الكتاب المقدس، الخطابة العامة، خدمة الحقل، الخدمة الارسالية، التاريخ الديني، الشريعة الالهية، كيفية التعامل مع الرسميين الحكوميين، القانون الدولي، حفظ السجلات، ولغة اجنبية. وأُدخلت على مر السنين تعديلات على المقرَّر التعليمي، ولكنَّ درس الكتاب المقدس نفسه وأهمية العمل التبشيري أُبقيا دائما في المرتبة الاولى. والهدف من المقرَّر هو تقوية ايمان التلاميذ ومساعدتهم على تطوير الصفات الروحية اللازمة لمواجهة تحديات الخدمة الارسالية بنجاح. وجرى التشديد على اهمية الاتكال التام على يهوه والولاء له. (مزمور ١٤٦:١-٦؛ امثال ٣:٥، ٦؛ افسس ٤:٢٤) ولا يُعطى التلاميذ اجوبة دقيقة عن كل شيء بل يُدرَّبون على البحث وتجري مساعدتهم على التقدير لماذا يؤمن شهود يهوه بما يؤمنون ولماذا يلتصقون بطرائق معيَّنة لفعل الامور. ويتعلَّمون ان يفهموا المبادئ التي يمكنهم بها ان ينجحوا. وهكذا يوضع الاساس لنمو اضافي.
في ١٤ كانون الاول ١٩٤٢ أُرسلت الدعوات الى التلاميذ المتوقَّعين للصف الاول. وكان الشتاء في منتصفه عندما دخل الـ ١٠٠ تلميذ الذين يؤلفون هذا الصف في تسهيلات المدرسة الواقعة في الجزء الشمالي من نيويورك، في ساوث لانسينڠ. كانوا طوعيين، تواقين، والى حد ما قلقين. وعلى الرغم من ان دروس الصف كانت موضع الاهتمام المباشر، لم يكن في وسعهم إلا ان يتساءلوا عن المكان في الحقل العالمي الذي سيُرسَلون اليه بعد التخرج.
في محاضرة امام الصف الاول هذا في ١ شباط ١٩٤٣، اليوم الافتتاحي للمدرسة، قال الاخ نور: «انتم تُمنَحون إعدادا اضافيا للعمل يشبه ذاك الذي للرسول بولس، مرقس، تيموثاوس، وغيرهم ممَّن سافروا الى كل انحاء الامبراطورية الرومانية منادين برسالة الملكوت. فكان يجب ان يتقوَّوا بكلمة اللّٰه. وكان يجب ان يحصلوا على معرفة واضحة لمقاصده. وفي اماكن كثيرة كان عليهم ان يقفوا وحدهم ضد ذوي المراتب العالية والاقوياء في هذا العالم. وربما يكون نصيبكم مماثلا؛ واللّٰه سيكون قوتكم ايضا.
«هنالك اماكن كثيرة لم تقدَّم فيها الشهادة عن الملكوت الى حد كبير. والناس الساكنون في هذه الاماكن هم في ظلمة، اذ يبقيهم الدين هناك. ويُلاحَظ انه في بعض هذه البلدان حيث يوجد شهود قليلون يسمع اناس حسن النية بسرعة ويعاشرون هيئة الرب اذا أُرشدوا بلياقة. فهنالك دون شك مئات وآلاف بعدُ يمكن بلوغهم اذا كان هنالك المزيد من الفعلة في الحقل. وبنعمة الرب، سيكون هنالك المزيد.
«ليس القصد من هذه الكلية ان تؤهلكم لتُرسَموا خداما. فأنتم خدام من قبل وكنتم نشاطى في الخدمة طوال سنوات. . . . ان مقرَّر الدرس في الكلية هو بهدف وحيد وهو إعدادكم لتكونوا خداما مقتدرين اكثر في المقاطعات التي تذهبون اليها. . . .
«ان عملكم الرئيسي هو الكرازة بانجيل الملكوت من بيت الى بيت كما فعل يسوع والرسل. فعندما تجدون اذنا صاغية، رتِّبوا لزيارة مكررة، ابدأوا درسا بيتيا، ونظِّموا فرقة [جماعة] من كل هؤلاء في المدينة او البلدة. ولن تتمتعوا فقط بتنظيم فرقة، بل يجب ان تساعدوهم على فهم الكلمة، تقووهم، تتكلموا اليهم من وقت الى آخر، تُعِينوهم في اجتماعات خدمتهم وفي تنظيمهم. وعندما يصيرون اقوياء ويستطيعون ان يستمروا وحدهم ويتولَّوا امر المقاطعة، يمكنكم ان ترحلوا الى مدينة اخرى لتنادوا بالملكوت. ومن حين الى حين ربما يكون ضروريا ان تعودوا وتبنوهم في الايمان الاقدس وتقوِّموهم في العقيدة؛ فيكون عملكم عمل رعاية ‹خراف الرب الاخر›، وليس التخلي عنها. (يوحنا ١٠:١٦) فعملكم الحقيقي هو ان تساعدوا اناس حسن النية. ويجب ان تأخذوا المبادرة، ولكن متطلعين الى توجيه اللّٰه.»a
بعد خمسة اشهر اكمل اعضاء الصف الاول هذا تدريبهم المتخصص. وجرى الحصول على التأشيرات، صُنعت ترتيبات السفر، وبدأوا بالانتقال الى تسعة بلدان في اميركا اللاتينية. وبعد تخرجهم بثلاثة اشهر، كان المرسلون الاولون المدرَّبون في جلعاد، الذين غادروا الولايات المتحدة، في طريقهم الى كوبا. وبحلول السنة ١٩٩٢، كان اكثر من ٥٠٠,٦ تلميذ من اكثر من ١١٠ بلدان قد تدرَّبوا وخدموا بعد ذلك في اكثر من ٢٠٠ بلد ومجموعة جزر.
حتى وقت موته بعد ٣٤ سنة من تدشين مدرسة جلعاد، اعرب الاخ نور عن اهتمام شخصي شديد بعمل المرسلين. ففي كل فترة دراسية كان يقوم بزيارة الصف الجاري عددا من المرات ان امكن، ملقيا المحاضرات وآخذا معه اعضاء آخرين من هيئة المستخدمين في المركز الرئيسي للتحدث الى التلاميذ. وبعد ان بدأ خريجو جلعاد خدمتهم خارج البلاد، قام شخصيا بزيارة الفرق الارسالية، ساعدهم على حل المشاكل، ومنحهم التشجيع اللازم. واذ تكاثر عدد الفرق الارسالية، رتب ان يقوم اخوة مؤهلون جيدا آخرون بزيارات كهذه ايضا، بحيث ينال جميع المرسلين، بصرف النظر عن مكان خدمتهم، الانتباه الشخصي القانوني.
هؤلاء المرسلون كانوا مختلفين
يؤسس مرسلو العالم المسيحي مستشفيات، مراكز للاجئين، ومياتم للاعتناء بحاجات الناس المادية. واذ يلعبون دور ابطال الشعب الفقير، يحرِّكون ايضا الثورات ويساهمون في حرب العصابات. وبالتباين مع ذلك فان المتخرجين الارساليين من مدرسة جلعاد يعلِّمون الناس الكتاب المقدس. وبدلا من تشييد الكنائس والتوقع من الناس ان يأتوا اليها، يذهبون من بيت الى بيت ليجدوا ويعلِّموا الجياع والعطاش للبر.
واذ يلتصقون بدقة بكلمة اللّٰه، يظهر المرسلون الشهود للناس لماذا ملكوت اللّٰه هو الحل الحقيقي والدائم لمشاكل الجنس البشري. (متى ٢٤:١٤؛ لوقا ٤:٤٣) والتباين بين هذا العمل وعمل مرسلي العالم المسيحي تأكد منه پيتر ڤوندِرهاكِن في السنة ١٩٥١ عندما كان في الطريق الى تعيينه في إندونيسيا. فالراكب الآخر الوحيد على متن سفينة الشحن كان مرسلا معمدانيا. ومع ان الاخ ڤوندِرهاكِن حاول ان يتحدث اليه عن بشارة ملكوت اللّٰه، اوضح المعمداني ان اهتمامه الغالب هو دعم جهود تشانڠ كاي شيك في تايوان للرجوع الى السلطة في البر الرئيسي.
غير ان اناسا آخرين كثيرين صاروا يقدِّرون قيمة ما هو مذكور في كلمة اللّٰه. ففي بارّانكييا، كولومبيا، عندما شهد أُولاف أُولسُن لأنطونيو كارڤَهلينو، الذي كان مؤيدا قويا لحركة سياسية معيَّنة، لم ينحز الاخ أُولسُن اليه، ولم يدافع عن ايديولوجية سياسية اخرى. ولكنه عرض درسا مجانيا في الكتاب المقدس على أنطونيو وأخواته. وسرعان ما ادرك أنطونيو ان ملكوت اللّٰه هو حقا الرجاء الوحيد لشعب كولومبيا الفقير وباقي العالم. (مزمور ٧٢:١-٤، ١٢-١٤؛ دانيال ٢:٤٤) فصار أنطونيو وأخواته خداما غيورين للّٰه.
وواقع ان المرسلين الشهود منفصلون ومتميزون عن النظام الديني للعالم المسيحي برز بطريقة اخرى في حادثة في روديسيا (الآن زمبابوي). فعندما قام دونالد موريسون بزيارة بيت احد مرسلي العالم المسيحي هناك، تذمَّر المرسل ان الشهود لا يحترمون الحدود المرسومة. اية حدود؟ كانت اديان العالم المسيحي قد قسَّمت البلد الى مناطق يعمل فيها كل دين دون تدخل من الآخر. فلم يكن ممكنا ان يجاري شهود يهوه ترتيبا كهذا. فقد قال يسوع انه سيُكرز برسالة الملكوت في كل المسكونة. والعالم المسيحي لم يكن يفعل ذلك بالتأكيد. والمرسلون المدرَّبون في جلعاد مصمِّمون على انجاز العمل كاملا، اطاعة للمسيح.
لقد أُرسل هؤلاء المرسلون، لا ليُخدَموا، بل ليَخدموا. وكان واضحا بطرائق عديدة ان ذلك هو حقا ما يسعَون اليه. وليس خاطئا ان يقبلوا التدابير المادية التي تقدَّم بسخاء (وليس نتيجة استعطاء) تقديرا للمساعدة الروحية. ولكن لبلوغ قلوب الناس في ألاسكا، وجد جون أريكيتي وهِرمُن وُودَرْد انه من المفيد ان يصرفا بعض الوقت على الاقل في العمل بأيديهما لتزويد حاجاتهما الجسدية، كما فعل الرسول بولس. (١ كورنثوس ٩:١١، ١٢؛ ٢ تسالونيكي ٣:٧، ٨) فعملهما الرئيسي كان الكرازة بالبشارة. ولكن عندما تجري اضافتهما، كانا يساعدان ايضا في الاعمال التي يلزم انجازها — مثلا، طلي سطح بيت رجل بالقار لأنهما ادركا انه يحتاج الى المساعدة. وعندما كانا يسافران من مكان الى مكان بالقارب، كانا يساعدان في تفريغ الحمولة. وسرعان ما ادرك الناس ان هذين المرسلين لم يكونا على الاطلاق كرجال دين العالم المسيحي.
في بعض الاماكن كان من الضروري ان يتخذ المرسلون الشهود عملا دنيويا لبعض الوقت فقط لكي يستقروا في البلد بحيث يتمكنون من مواصلة خدمتهم هناك. وهكذا، عندما ذهب جِسّي كانتوِل الى كولومبيا، علَّم الانكليزية في قسم الجامعة الطبي الى ان تغيَّر الوضع السياسي وانتهت القيود الدينية. وبعد ذلك تمكن من استعمال خبرته كامل الوقت في الخدمة كناظر جائل لشهود يهوه.
وفي اماكن كثيرة، كان على المرسلين ان يبدأوا بتأشيرات سياحية تسمح لهم بدخول البلد لشهر واحد او ربما عدة شهور. ثم كان عليهم ان يغادروا ويدخلوا ثانية. لكنهم كانوا يثابرون، مكررين العملية مرة بعد اخرى الى ان يحصلوا على اوراق الاقامة اللازمة. فقد كانوا عازمين على مساعدة الناس في البلدان التي يُعيَّنون فيها.
لم يعتبر هؤلاء المرسلون انفسهم اسمى من الناس المحليين. فكناظر جائل، كان جون كَتْفورث، الذي هو في الاصل استاذ مدرسة في كندا، يزور الجماعات والشهود المنعزلين في پاپوا غينيا الجديدة. وكان يجلس على الارض معهم، يأكل معهم، ويقبل الدعوات الى النوم على حصيرة على الارض في بيوتهم. وتمتع برفقتهم فيما كانوا يمشون معا في خدمة الحقل. ولكنَّ ذلك كان مدهشا لغير الشهود الذين يلاحظون، لأن للرعاة الاوروپيين في ارساليات العالم المسيحي سمعة تحاشي الناس المحليين، مخالطين اعضاء ابرشياتهم فقط لوقت قصير في بعض اجتماعاتهم، ولكن دون ان يأكلوا معهم ابدا.
احس الناس الذين خدم بينهم هؤلاء الشهود بالاهتمام الحبي للمرسلين والهيئة التي ارسلتهم. وتجاوبًا مع رسالة من جْوَاوْن مَنْكوكا، افريقي متواضع محبوس في مستعمرة يُنفى اليها المجرمون في افريقيا الغربية الپرتغالية (الآن آنڠولا)، أُرسل مرسل لبرج المراقبة لتزويد العون الروحي. واذ تذكَّر تلك الزيارة، قال مَنْكوكا لاحقا: «لم يبقَ لديَّ ايّ شك في ان هذه هي الهيئة الحقيقية التي تحظى بتأييد اللّٰه. لم اعتقد قط ان اية هيئة دينية اخرى تفعل شيئا كهذا: دون مقابل، ترسل مرسلا من بعيد ليزور شخصا عديم الاهمية لمجرد انه كتب رسالة.»
احوال وعادات العيش
في كثير من الاحيان لم تكن احوال العيش في البلدان التي أُرسل اليها المرسلون متقدِّمة ماديا كتلك التي في الاماكن التي اتوا منها. فعندما حطّ روبرت كيرك في بورما (الآن ميانمار) في وقت باكر من السنة ١٩٤٧، كانت آثار الحرب لا تزال بادية، وبيوت قليلة كانت فيها انوار كهربائية. وفي بلدان كثيرة وجد المرسلون ان الثياب تُغسل قطعة قطعة على لوح غسيل او على الصخور عند النهر بدلا من غسَّالة كهربائية. ولكنهم اتوا ليعلِّموا الناس حق الكتاب المقدس، ولذلك تكيَّفوا وفقا للاحوال المحلية وانشغلوا بالخدمة.
وفي الايام الباكرة، كانت الحالة غالبا انه لم يكن احد ينتظر ليرحِّب بالمرسلين. فكان عليهم ان يجدوا هم انفسهم مكانا للسكن. وعندما وصل تشارلز آيزنهاور و١١ آخرون الى كوبا في السنة ١٩٤٣، قضوا الليلة الاولى نياما على الارض. وفي اليوم التالي اشتروا اسرَّة وصنعوا خزائن وأدراجا من صناديق التفاح. واذ استخدموا التبرعات التي يحصلون عليها من توزيع المطبوعات، الى جانب المساعدة المتواضعة التي تزوِّدها جمعية برج المراقبة للفاتحين الخصوصيين، التفت كل فريق من المرسلين الى يهوه كي يبارك جهوده لدفع الايجار، الحصول على الطعام، وتغطية النفقات الضرورية الاخرى.
وإعداد الوجبات كان احيانا يتطلب تغييرا في التفكير. فحيث لا يوجد تبريد، تكون الرحلات اليومية الى السوق ضرورية. وفي بلدان كثيرة كان الطهي يُنجَز على الفحم او نيران الحطب بدلا من الغاز او الموقد الكهربائي. ووجد جورج وويلا ماي واتْكِنز، اللذان عُيِّنا في لَيبيريا، ان موقدهما لا يتألَّف إلا من ثلاثة حجارة تُستعمل لتسند وعاء حديديا.
وماذا عن الماء؟ اذ كانت تنظر الى بيتها الجديد في الهند، قالت روث ماكاي: ‹انه بيت لم ارَ له مثيلا من قبل قط. فالمطبخ ليس له حوض غسل، وانما مجرد حنفية في زاوية الحائط وحافة مرتفعة من الاسمنت لمنع جريان الماء الى كامل الارضية. ليس ان الماء يتدفق طوال ٢٤ ساعة، ولكن يجب خزن الماء للاوقات التي ينقطع فيها.›
لأنهم لم يكونوا معتادين الاحوال المحلية، أُصيب بعض المرسلين بالمرض خلال الاشهر الباكرة من تعيينهم. فقد أُصيب رصل يَيْتْس بنوبة ديسنطاريا مرة بعد اخرى عندما وصل الى كوراساو في السنة ١٩٤٦. لكنَّ اخا محليا قدَّم صلاة شكر حارة ليهوه من اجل المرسلين كي لا يفكِّروا في الرحيل. وعند الوصول الى ڤولتا العليا (الآن بركينا فازو)، وجد بْرَيان وإلكا وايز انفسهما في مناخ قاسٍ يؤثر في صحة المرء. فكان عليهما ان يتعلَّما مواجهة درجة حرارة النهار البالغة ١٠٩°ف (٤٣°م). فخلال سنتهما الاولى، جعلت الحرارة الشديدة الى جانب الملاريا إلكا مريضة طوال اسابيع كلَّ مرة. وفي السنة التالية، لازم بْرَيان الفراش طوال خمسة اشهر اذ أُصيب بحالة قوية من التهاب الكبد. ولكنهما سرعان ما وجدا ان لديهما دروسا جيدة في الكتاب المقدس اكثر مما يمكنهما الاهتمام به. والمحبة لهؤلاء الناس ساعدتهما على المثابرة؛ وكذلك ايضا واقع اعتبارهما تعيينهما امتيازا وتدريبا جيدا على ما يخبئه يهوه لهما في المستقبل.
اذ مرت السنون، جرى الترحيب بالمزيد من المرسلين في تعييناتهم من قبل الذين سبقوهم او من قبل الشهود المحليين. وعُيِّن البعض في البلدان حيث المدن الرئيسية حديثة تماما. وابتداء من السنة ١٩٤٦ حاولت جمعية برج المراقبة ايضا ان تزوِّد بيتا مناسبا وأثاثا اساسيا لكل فريق من المرسلين بالاضافة الى مال للطعام، وهكذا حرَّرتهم من هذا الهمّ ومكَّنتهم من توجيه المزيد من انتباههم الى عمل الكرازة.
في عدد من الاماكن كان التنقل اختبارا يمتحن احتمالهم. فبعد ان تُمطر، كانت اكثر من اخت مرسلة في پاپوا غينيا الجديدة تجد نفسها تحمل مؤنا في كيس على الظهر وهي تسير عبر الغابة في ممرّ زلِق وَحِل جدا حتى ان الوحل ينزع حذاءها احيانا. وفي اميركا الجنوبية اختبر عدد غير قليل من المرسلين رحلات بالباص توقف شعر الرأس في طرقات ضيقة مرتفعة في جبال الأنديز. وهو اختبار لا يُنسى سريعا ان يمرّ باصكم، وهو في جهة الوادي، بسيارة كبيرة اخرى مقبلة في الاتجاه المعاكس عند منعطف بلا حاجز فتشعرون بأن الباص ابتدأ يقع من فوق الحافة!
بدت الثورات السياسية جزءا عاديا من الحياة في بعض الاماكن، إلا ان المرسلين الشهود كانوا يذكرون قول يسوع ان تلاميذه ‹ليسوا جزءا من العالم›؛ ولذلك كانوا حياديين ازاء نزاعات كهذه. (يوحنا ١٥:١٩، عج) لقد تعلَّموا ان يقمعوا ايّ فضول يعرِّضهم لخطر لا داعي اليه. وغالبا ما كان الامر الافضل البقاء بعيدين عن الشوارع الى ان يهدأ الوضع. وكان هنالك تسعة مرسلين في ڤيتنام يسكنون في وسط سايڠون (الآن مدينة هو تشي مِنْهْ) عندما احاطت الحرب بتلك المدينة. فكان يمكنهم ان يروا القنابل تتساقط، النيران في كل مكان من المدينة، وآلاف الناس يهربون حفاظا على حياتهم. ولكنهم اذ قدَّروا ان يهوه ارسلهم لايصال المعرفة المانحة الحياة الى الناس الجياع للحق، تطلعوا اليه من اجل الحماية.
وحتى عندما كان هنالك سلام نسبي، كان من الصعب على المرسلين ان يواصلوا خدمتهم في بعض انحاء المدن الآسيوية. فكان مجرد مظهر الاجنبي في الشوارع الضيقة لناحية فقيرة في لاهور، پاكستان، كافيا لجذب جمع من الاولاد غير المغتسلين وغير المهذبين من كل الاعمار. واذ يصرخون ويدفعون احدهم الآخر، يتبعون المرسل من بيت الى بيت، مقحمين انفسهم غالبا في البيوت بعد الناشر. وسرعان ما يجري اخبار الشارع بكامله بسعر المجلات وأن الغريب ‹يصنع مسيحيين.› وفي ظروف كهذه، كان من الضروري عادةً ترك المنطقة. وغالبا ما كان الرحيل مصحوبا بالصياح، التصفيق، وأحيانا بوابل من الحجارة.
كانت العادات المحلية تتطلب غالبا بعض التعديلات من جهة المرسلين. ففي اليابان تعلَّموا ان يتركوا احذيتهم في الرواق عند دخول البيت. وكان عليهم ان يعتادوا ان امكن الجلوس على الارض امام طاولة منخفضة في دروس الكتاب المقدس. وفي بعض انحاء افريقيا، تعلَّموا ان استعمال اليد اليسرى لعرض شيء على شخص آخر يُعتبر اهانة. ووجدوا انه في تلك الناحية من العالم، كانت آدابا سيئة محاولة توضيح سبب زيارتهم قبل الانهماك في شيء من الدردشة — مستفسرين بشكل متبادل عن الصحة ومجيبين عن اسئلة تتعلق بالمكان الذي اتى منه المرء، عدد الاولاد الذين لديه، وهلم جرا. وفي البرازيل وجد المرسلون انه بدلا من طرق الابواب، يلزمهم عادةً ان يصفقوا عند البوابة الامامية لاستدعاء صاحب البيت.
أما في لبنان، فقد واجه المرسلون عادات من نوع آخر. فكان اخوة قليلون يجلبون زوجاتهم وبناتهم الى الاجتماعات. والنساء اللواتي حضرن كن يجلسن دائما في الخلف، وليس مطلقا بين الرجال. والمرسلون، اذ لم يعرفوا العادة، سبَّبوا ازعاجا ليس بقليل في اجتماعهم الاول. فقد جلس زوجان في المقدمة، والمرسلات العوازب جلسن حيثما وجدن مقعدا فارغا. ولكن بعد الاجتماع ساعدت مناقشة للمبادئ المسيحية على تصفية الجو. (قارنوا تثنية ٣١:١٢؛ غلاطية ٣:٢٨.) فتوقف العزل. وحضر المزيد من الزوجات والبنات الاجتماعات. وانضممن ايضا الى الاخوات المرسلات في الخدمة من بيت الى بيت.
تحدي لغة جديدة
ان الفريق الصغير من المرسلين الذين وصلوا الى مارتينيك في السنة ١٩٤٩ كانوا يعرفون القليل جدا من الفرنسية، ولكنهم كانوا يعلمون ان الناس يحتاجون الى رسالة الملكوت. وبايمان حقيقي شرعوا في العمل من باب الى باب، محاولين قراءة أعداد قليلة من الكتاب المقدس او مقتطفات من مطبوعة يعرضونها. وبالصبر تحسنت لغتهم الفرنسية تدريجيا.
ومع ان رغبتهم هي مساعدة الشهود المحليين وأشخاص مهتمين آخرين، غالبا ما كان المرسلون انفسهم يحتاجون الى المساعدة اولا — في ما يتعلق باللغة. فالذين أُرسلوا الى توڠو وجدوا ان قواعد الايوية، اللغة المحلية الرئيسية، مختلفة تماما عن تلك التي للّغات الاوروپية، وأن طبقة الصوت ايضا التي تُذكَر بها الكلمة يمكن ان تغيِّر المعنى. وهكذا فان الكلمة المؤلَّفة من حرفين to، عند التلفظ بها بطبقة مرتفعة، يمكن ان تعني أُذنا، جبلا، حَمًا، او قبيلة؛ وبطبقة منخفضة، تعني جاموسا. والمرسلون الذين باشروا الخدمة في ڤيتنام واجهوا لغة تستخدم ستة اختلافات في النغمة في اية كلمة محدَّدة، اذ تنقل كل نغمة معنى مختلفا.
أدنا وُترْفول، اذ عُيِّنت في پيرو، لم تنسَ سريعا البيت الاول الذي حاولت فيه ان تشهد بالاسپانية. فبسبب القلق، تلعثمت في عرضها المحفوظ غيبا، قدَّمت المطبوعات، ورتَّبت لدرس في الكتاب المقدس مع سيدة مسنة. ثم قالت المرأة بانكليزية سليمة: «حسنا، كل ذلك جيد جدا. سأدرس معك وسنفعل كل ذلك بالاسپانية لمساعدتك على تعلُّم الاسپانية.» واذ صُدمت أدنا اجابت: «انت تعرفين الانكليزية؟ وتركتني اقول كل ذلك باسپانيتي الضعيفة؟» فردَّت المرأة: «كان ذلك جيدا لك.» لقد كان كذلك فعلا! وكما قدَّرت أدنا سريعا، فان التكلم بلغة هو جزء مهم حقا من تعلُّمها.
في ايطاليا، عندما حاول جورج فْرِيدْيانِللي ان يتكلم اللغة، وجد ان ما كان يعتقد انه تعابير ايطالية (لكنه في الواقع كلمات انكليزية مكيَّفة لتنسجم مع الايطالية) هو غير مفهوم. وللتغلب على المشكلة، قرَّر ان يكتب خطاباته للجماعات كاملا ويلقيها من مخطوطة. لكنَّ كثيرين من حضوره كانوا ينامون. ولذلك تخلص من المخطوطة، تكلم ارتجاليا، وطلب من الحضور ان يساعدوه عندما يتلعثم. فأبقاهم ذلك متيقظين، وساعده على التقدُّم.
ولاعطاء المرسلين انطلاقة في ما يتعلق بلغتهم الجديدة، تضمَّن مقرَّر جلعاد الدراسي للصفوف الباكرة لغات كالاسپانية، الفرنسية، الايطالية، الپرتغالية، اليابانية، العربية، والأوردية. وعلى مر السنين، جرى تعليم اكثر من ٣٠ لغة. ولكن بما ان المتخرجين في صف معيَّن لم يذهبوا جميعا الى الاماكن التي يجري التكلم فيها باللغة نفسها، استُبدلت صفوف اللغة هذه لاحقا بترتيبات لفترة مكثَّفة من درس اللغة تحت اشراف استاذ عند الوصول الى تعييناتهم. وطوال الشهر الاول كان القادمون الجدد ينهمكون كليا في درس اللغة ١١ ساعة في اليوم؛ وفي الشهر التالي كان نصف وقتهم يُصرَف في درس اللغة في البيت، والنصف الآخر يُخصَّص لاستعمال هذه المعرفة في خدمة الحقل.
ولكن لوحظ ان الاستعمال الفعلي للُّغة في خدمة الحقل هو المفتاح الرئيسي للتقدُّم؛ فصُنع تعديل. وخلال الاشهر الثلاثة الاولى من تعيينهم كان المرسلون الجدد الذين لا يعرفون اللغة المحلية يصرفون اربع ساعات في اليوم مع استاذ كفء، ومن البداية، بالشهادة للناس المحليين عن ملكوت اللّٰه، كانوا يطبقون ما يتعلَّمونه.
عملت مجموعات مرسلين كثيرة كفرق لتحسين فهمهم للُّغة. فكانوا يناقشون عددا قليلا، او ما يبلغ ٢٠، من الكلمات الجديدة كل يوم على الفطور وبعد ذلك يحاولون استعمالها في خدمتهم للحقل.
ان تعلُّم اللغة المحلية عامل مهم في كسبهم ثقة الناس. ففي بعض الاماكن، هنالك شيء من عدم الثقة بالاجانب. هيو وكارول كورميكَن خدما كعازبين او كمتزوجين في خمسة بلدان افريقية. وهما يعرفان تماما عدم الثقة الذي يوجد غالبا بين الافريقيين والاوروپيين. ولكنهما يقولان: «ان التكلم باللغة المحلية يبدِّد سريعا هذا الشعور. وأيضا فان الآخرين الذين لا يميلون الى سماع البشارة من اهل بلدهم يصغون الينا بسرعة، يأخذون المطبوعات، ويدرسون، لأننا قمنا بجهد للتكلم اليهم بلغتهم الخاصة.» ولكي يفعل ذلك، تعلَّم الاخ كورميكَن خمس لغات، ما عدا الانكليزية، وتعلَّمت الاخت كورميكَن ست لغات.
طبعا، يمكن ان تنشأ المشاكل عند محاولة تعلُّم لغة جديدة. ففي پورتو ريكو كان الاخ الذي يعرض ان يشغِّل رسالة مسجَّلة من الكتاب المقدس لاصحاب البيوت يقفل فونوڠرافه ويذهب الى الباب التالي عندما يجيب الشخص، «كومو نو!» بالنسبة اليه، بدت هذه العبارة مثل «لا،» ومر وقت قبل ان يعلم ان هذا التعبير يعني «لمَ لا!» ومن ناحية اخرى، لم يكن المرسلون يفهمون احيانا عندما يقول صاحب البيت انه ليس مهتما، ولذلك كانوا يداومون على الشهادة. فاستفاد عدد قليل من اصحاب البيوت المتعاطفين نتيجة ذلك.
ونشأت حالات طريفة ايضا. فقد تعلَّم لسْلي فرانكس، في سنڠافورة، انه يجب ان ينتبه لئلا يتكلم عن جوزة الهند (كيلاپا) عندما يعني الرأس (كيپالا)، والعشب (رامپَت) عندما يعني الشَّعر (رامبَت). وسأل مرسل في سامْوا، بسبب سوء اللفظ، احد السكان، «كيف هي لحيتك؟» (لم تكن لديه لحية)، في حين كان المقصود سؤالا مهذَّبا عن زوجة الرجل. وفي إكوادور عندما انطلق سائق الباص فجأة، فقدت زولا هوفمَن، التي كانت تقف في الباص، توازنها وسقطت في حضن رجل. واذ شعرت بالارتباك، حاولت ان تعتذر. ولكن كانت الكلمات التي خرجت، «كون سو پِرْميسو» (عن إذنك). وعندما اجاب الرجل بلطف، «اهلا بك، سيدتي،» انفجر الركاب الآخرون بالضحك.
إلا ان النتائج الجيدة في الخدمة كانت وشيكة لأن المرسلين قاموا بمحاولات جدية. تتذكر لويس داير، التي وصلت الى اليابان سنة ١٩٥٠، النصيحة التي اعطاها الاخ نور: «افعلوا ما في وسعكم، ولو ارتكبتم الاخطاء افعلوا شيئا!» وقد فعلت ذلك، كما فعل آخرون كثيرون. وخلال السنوات الـ ٤٢ التالية، رأى المرسلون الذين أُرسلوا الى اليابان عدد المنادين بالملكوت هناك يزداد من مجرد حفنة الى اكثر من ٠٠٠,١٧٠، والنمو مستمر. فيا لها من مكافأة سخية لأنهم، بعدما تطلعوا الى يهوه من اجل التوجيه، كانوا مستعدين للمحاولة!
افتتاح حقول جديدة، تطوير اخرى
ان المرسلين المدرَّبين في جلعاد، في عشرات البلدان ومجموعات الجزر، هم الذين إما افتتحوا عمل الكرازة بالملكوت او اعطوه الزخم اللازم بعد مقدار محدود من الشهادة التي قام بها آخرون. وكانوا على ما يبدو الاولين من شهود يهوه الذين يكرزون بالبشارة في الصومال، السودان، لاوُس، ومجموعات جزر عديدة حول الكرة الارضية.
وجرى القيام بشيء من الكرازة الابكر في اماكن مثل بوليڤيا، جمهورية الدومينيكان، إكوادور، السلڤادور، هُندوراس، نيكاراڠْوا، إثيوپيا، ڠامبيا، لَيبيريا، كَمبوديا، هونڠ كونڠ، اليابان، وڤيتنام. ولكن لم يكن هنالك ايٌّ من شهود يهوه يقدِّم تقريرا عن نشاطه في هذه البلدان عندما وصل اول المتخرجين الارساليين في مدرسة جلعاد. وحيثما امكن باشر المرسلون تغطية نظامية للبلد، مركِّزين اولا على المدن الاكبر. ولم يوزِّعوا فقط المطبوعات ويمضوا، كما كان موزعو المطبوعات الجائلون يفعلون في الماضي. وانما قاموا بصبر بزيارة الاشخاص المهتمين، اداروا دروسا في الكتاب المقدس معهم، ودرَّبوهم في خدمة الحقل.
وكان لدى بلدان اخرى نحو عشرة منادين بالملكوت فقط (وفي حالات كثيرة اقل) قبل وصول المتخرجين الارساليين في مدرسة جلعاد. وكان بين هذه البلدان كولومبيا، ڠواتيمالا، هايتي، پورتو ريكو، ڤنزويلا، بوروندي، ساحل العاج، كينيا، موريشيوس، السنڠال، جنوب غرب افريقيا (الآن ناميبيا)، سيلان (الآن سْري لانكا)، الصين، وسنڠافورة، الى جانب مجموعات جزر عديدة. وقد رسم المرسلون مثالا غيورا في الخدمة، ساعدوا الشهود المحليين على تحسين قدراتهم، نظَّموا الجماعات، وعاونوا الاخوة على التأهل لأخذ القيادة. وفي حالات كثيرة افتتحوا ايضا عمل الكرازة في المناطق التي لم يجرِ بلوغها من قبل.
بهذه المساعدة ابتدأ عدد الشهود يزداد. وفي معظم هذه البلدان، هنالك الآن آلاف من شهود يهوه النشاطى. وفي بعضها، هنالك عشرات الآلاف، او حتى اكثر من مئة الف، من مسبِّحي يهوه.
بعض الناس كانوا تواقين الى الاصغاء
وجد المرسلون في بعض المناطق اناسا كثيرين راغبين وتواقين الى التعلُّم. فعندما وصل تِد ودورِس كلاين، متخرجان في الصف الاول من جلعاد، الى الجزر العذراء في السنة ١٩٤٧، كان هنالك اناس كثيرون يريدون ان يدرسوا الكتاب المقدس حتى انهما غالبا ما كانا يُنهيان يوم خدمتهما عند منتصف الليل. وبالنسبة الى المحاضرة العامة الاولى التي ألقاها الاخ كلاين في ماركت سكوير في شارلوت آمالي، كان عدد الحضور الف شخص.
أُرسل جوزيف ماكْڠْرا وسيريل تشارلز الى مقاطعة أميس في تايوان سنة ١٩٤٩. فوجدا انفسهما يسكنان في بيوت ذات سقوف من القش وأرضيات ترابية. ولكنهما كانا هناك لمساعدة الناس. وبعض الناس من قبيلة أميس كانوا قد حصلوا على مطبوعات برج المراقبة، سُرُّوا بما قرأوه، وأخبروا الآخرين بالبشارة. والآن كان المرسلان هناك لمساعدتهم على النمو روحيا. فأُخبرا ان ٦٠٠ شخص مهتمون بالحق، لكنَّ مجموعا من ٦٠٠,١ حضروا الاجتماعات التي عقداها فيما كانا يتنقلان من قرية الى قرية. وهؤلاء الناس المتواضعون كانوا راغبين في التعلُّم، ولكن كانت تنقصهم المعرفة الدقيقة لامور كثيرة. فابتدأ الاخوان بصبر يعلِّمانهم، متناولَين موضوعا واحدا كلَّ مرة، مخصِّصَين غالبا ثماني ساعات او اكثر لمناقشة موضوع بطريقة السؤال والجواب في كل قرية. وزُوِّد التدريب ايضا للـ ١٤٠ الذين عبَّروا عن الرغبة في الاشتراك في الشهادة من بيت الى بيت. فيا للاختبار المبهج الذي حصل عليه المرسلان! ولكن لا يزال هنالك الكثير لفعله اذا كان سيحدث نمو روحي ثابت.
بعد نحو ١٢ سنة، عُيِّن هارڤي وكاثلين لوڠَن، مرسلان مدرَّبان في جلعاد كانا يخدمان في اليابان، لتزويد عون اضافي للاخوة في أميس. فكان الاخ لوڠَن يصرف كثيرا من الوقت في مساعدتهم على فهم عقيدة ومبادئ الكتاب المقدس الاساسية والمسائل التنظيمية. والاخت لوڠَن كانت تعمل مع الاخوات في أميس في خدمة الحقل كل يوم، وبعد ذلك تحاول ان تدرس معهم حقائق الكتاب المقدس الاساسية. ثم، في السنة ١٩٦٣، رتَّبت جمعية برج المراقبة ان يجتمع مندوبون من ٢٨ بلدا مع الشهود المحليين هناك في قرية شو فَنڠ في ما يتعلق بمحفل حول العالم. كل ذلك بدأ بوضع اساس متين لنمو اضافي.
في السنة ١٩٤٨، وصل مرسلان، هاري أرنوت وإيان فِرْڠَسُن، الى روديسيا الشمالية (الآن زامبيا). وكانت هنالك ٢٥٢ جماعة من الشهود الافريقيين المحليين في ذلك الحين، ولكن الآن مُنح الانتباه ايضا للاوروپيين الذين انتقلوا الى هناك بسبب عمليات تعدين النحاس. فكان التجاوب مثيرا. ووُزِّع الكثير من المطبوعات؛ وتقدَّم بسرعة اولئك الذين أُديرت معهم دروس في الكتاب المقدس. فشهدت تلك السنة زيادة ٦١ في المئة في عدد الشهود النشاطى في خدمة الحقل.
في اماكن كثيرة لم يكن غير عادي ان تكون لدى المرسلين لوائح انتظار بالناس الذين يريدون دروسا في الكتاب المقدس. وفي بعض الاحيان كان الاقرباء، الجيران، وأصدقاء آخرون يحضرون ايضا عندما تدار الدروس. وحتى قبل ان يتمكن الناس من حيازة درسهم الشخصي في الكتاب المقدس، كانوا يحضرون قانونيا الاجتماعات في قاعة الملكوت.
ولكن، في بلدان اخرى، على الرغم من بذل المرسلين جهدا كبيرا كان الحصاد محدودا جدا. فقديما في السنة ١٩٥٣ أُرسل مرسلو برج المراقبة الى پاكستان الشرقية (الآن بنڠلادِش) حيث اغلبية السكان، الذين يتجاوز عددهم الآن ٠٠٠,٠٠٠,١١٥، مسلمون وهندوس. وبُذل جهد كبير لمساعدة الناس. ومع ذلك، بحلول السنة ١٩٩٢، كان هنالك ٤٢ عابدا ليهوه فقط في هذا البلد. إلا ان كل مَن يتبنى العبادة الحقة، في نظر المرسلين الذين يخدمون في مناطق كهذه، هو ثمين بشكل خصوصي — لأنهم نادرون جدا.
المساعدة الحبية للشهود الرفقاء
ان عمل المرسلين الاساسي هو التبشير، الكرازة ببشارة ملكوت اللّٰه. ولكن فيما كانوا ينهمكون شخصيا في هذا النشاط، استطاعوا ايضا ان يزوِّدوا عونا كبيرا للشهود المحليين. فالمرسلون دعوهم الى مرافقتهم في خدمة الحقل وأعطوهم اقتراحات تتعلق بكيفية التعامل مع الاحوال الصعبة. وبملاحظة المرسلين، كثيرا ما كان الشهود المحليون يتعلَّمون كيف ينجزون خدمتهم بطريقة اكثر تنظيما وكيف يكونون معلِّمين اكثر فعَّالية. وبدورهم، كان الشهود المحليون يساعدون المرسلين على التكيُّف وفقا للعادات المحلية.
عند وصول جون كوك الى الپرتغال سنة ١٩٤٨، اتَّخذ خطوات لجعل العمل من بيت الى بيت منظَّما. ومع ان الشهود المحليين كانوا طوعيين، احتاج كثيرون منهم الى التدريب. قال لاحقا: «لن انسى ابدا احدى المرات الاولى التي خرجتُ فيها في الخدمة مع الاخوات في ألمادا. نعم، ست منهن كن يذهبن معا الى البيت نفسه. يمكنكم ان تتخيلوا فريقا من ست نساء يقفن حول الباب فيما تقدِّم احداهن الموعظة! ولكنَّ الامور ابتدأت تتطور وتتقدَّم شيئا فشيئا.»
ان مثال شجاعة المرسلين ساعد الشهود في جزر لِيوَرْد ان يكونوا جريئين، غير مخوَّفين من المقاومين الذين حاولوا ان يعرقلوا العمل. والايمان الذي اظهره مرسل ساعد الاخوة في اسپانيا على الابتداء بالخدمة من بيت الى بيت، على الرغم من الحكم الدكتاتوري الفاشي الكاثوليكي الذي كانوا يعيشون في ظله في ذلك الوقت. والمرسلون الذين كانوا يخدمون في اليابان بعد الحرب العالمية الثانية رسموا مثالا في اللباقة — غير متحدثين كثيرا عن فشل الدين القومي، بعد ان انكر الامبراطور الياباني الوهيته، بل مقدِّمين بالحري الدليل المقنع على الايمان بالخالق.
لاحظ الشهود المحليون المرسلين وغالبا ما كانوا يتأثرون بعمق بطرائق ربما لم يكن المرسلون يدركونها في ذلك الحين. ففي ترينيداد لا يزال يجري التحدث بعد سنوات كثيرة عن الحوادث التي ظهر فيها تواضع المرسلين، استعدادهم لتحمل الاحوال الصعبة، وعملهم الجدّي في خدمة يهوه على الرغم من الطقس الحار. والشهود في كوريا تأثروا بعمق بروح التضحية بالذات للمرسلين الذين لم يغادروا البلد طوال عشر سنوات ليزوروا عائلاتهم لأن الحكومة لم تكن لتمنح إذنا في الدخول ثانية إلا في حالات «انسانية» طارئة قليلة.
خلال وبعد درسهم الاولي في جلعاد، اخذ معظم المرسلين فكرة عن كثب تتعلق بسير عمل المركز الرئيسي لهيئة يهوه المنظورة. وكثيرا ما كانت تسنح لهم فرصة كبيرة لمعاشرة اعضاء الهيئة الحاكمة. ولاحقا، في تعييناتهم الارسالية، كانوا قادرين ان ينقلوا الى الشهود المحليين والاشخاص المهتمين حديثا تقارير شهود عيان عن الطريقة التي تعمل بها الهيئة وأن يعبِّروا لهم عن التقدير الذي يكنونه هم انفسهم لها. وعمق التقدير الذي كانوا يظهرونه في ما يختص بسير عمل الهيئة الثيوقراطي كثيرا ما كان عاملا مهما في النمو الذي اختُبر.
في كثير من الاماكن التي أُرسل اليها المرسلون، لم تكن هنالك اجتماعات جماعية عندما وصلوا. ولذلك كانوا يقومون بالترتيبات اللازمة، يديرون الاجتماعات، ويعالجون معظم اجزاء الاجتماعات الى ان يتأهل آخرون للمشاركة في هذه الامتيازات. وكانوا يدرِّبون باستمرار اخوة آخرين ليصيروا مؤهلين لتولّي المسؤولية. (٢ تيموثاوس ٢:٢) ومكان الاجتماع الاول كان عادة بيت المرسلين. ولاحقا صُنعت ترتيبات لقاعات الملكوت.
وحيثما كانت توجد جماعات من قبل، ساهم المرسلون في جعل الاجتماعات ممتعة وتعليمية اكثر. فتعليقاتهم المحضَّرة جيدا قُدِّرت، وسرعان ما وضعت نموذجا حاول الآخرون الاقتداء به. واذ استخدم الاخوة تدريبهم في جلعاد، رسموا مثالا حسنا في الخطابة العامة والتعليم، وصرفوا الوقت بسرور مع الاخوة المحليين لمساعدتهم على تعلُّم هذا الفن. وفي البلدان التي فيها لا يهتم الناس بالوقت عادةً ولا يراعون المواعيد خصوصا، ساعدهم المرسلون ايضا بصبر على تقدير قيمة الابتداء بالاجتماعات في الوقت المحدَّد وشجعوا الجميع ان يكونوا هناك في الوقت المحدَّد.
ان الاحوال التي وجدوها في بعض الاماكن دلَّت ان المساعدة كانت لازمة لبناء التقدير لاهمية الالتصاق بمقاييس يهوه البارة. ففي بوتْسْوانا، مثلا، وجدوا ان بعض الاخوات لا يزلن يضعن خيوطا او خَرَزا على اطفالهنَّ كحماية من الاذى، غير مقدِّرات كاملا ان هذه العادة متأصلة في الخرافة والشعوذة. وفي الپرتغال وجدوا ظروفا تسبِّب الانقسام. وبالصبر، المساعدة الحبية، والحزم عند اللزوم، صارت الصحة الروحية المتحسنة ظاهرة.
خصَّص المرسلون المعيَّنون في مراكز اشراف في فنلندا الكثير من الوقت والجهد لتدريب الاخوة المحليين على المباحثة في المسائل في ضوء مبادئ الكتاب المقدس وبالتالي الوصول الى استنتاج يتفق مع تفكير اللّٰه. وفي الارجنتين ساعدوا الاخوة ايضا على تعلُّم قيمة البرنامج، كيفية حفظ السجلات، اهمية الملفات. وفي المانيا ساعدوا اخوة اولياء كانوا في بعض المجالات صارمين تماما في آرائهم، نتيجة لمكافحتهم للنجاة في معسكرات الاعتقال، على الاقتداء بشكل اكمل بطرائق يسوع المسيح المتسمة بالوداعة فيما يرعون رعية اللّٰه. — متى ١١:٢٨-٣٠؛ اعمال ٢٠:٢٨.
شمل عمل بعض المرسلين التعامل مع الرسميين الحكوميين، مجيبين عن اسئلتهم، ومقدِّمين طلبا من اجل الاعتراف الشرعي بعمل شهود يهوه. مثلا، طوال فترة اربع سنوات تقريبا، قام الاخ جالي، الذي كان معيَّنا مع زوجته في الكَمَرون، بجهود متكررة للحصول على اعتراف شرعي. فتكلم مرارا الى الرسميين الفرنسيين والافريقيين. وأخيرا، بعد تغيُّر الحكومة، مُنح الاعتراف الشرعي. وبحلول هذا الوقت كان الشهود نشاطى في الكَمَرون طوال ٢٧ سنة وكان عددهم قد بلغ اكثر من ٠٠٠,٦.
مواجهة تحديات الخدمة الجائلة
كان بعض المرسلين معيَّنين ليخدموا كنظار جائلين. وكانت هنالك حاجة خصوصية في اوستراليا، حيث تحولت بعض جهود الاخوة بشكل غير حكيم عن مصالح الملكوت الى المساعي الدنيوية خلال الحرب العالمية الثانية. فجرى تقويم ذلك في حينه، وخلال زيارة قام بها الاخ نور في السنة ١٩٤٧، شُدِّد على اهمية إبقاء عمل الكرازة بالملكوت في المقدمة. ومن ذلك الحين فصاعدا، صارت الحماسة، المثال الحسن، والاساليب التعليمية لخريجي جلعاد الذين خدموا كنظار دوائر وكور تساعد اكثر على تنمية جو روحي اصيل بين الشهود هناك.
والمشاركة في مثل هذه الخدمة الجائلة كثيرا ما تطلبت الرغبة في بذل جهد كبير ومواجهة الخطر. وقد وجد والاس ليڤِرَنس ان الطريقة الوحيدة للوصول الى عائلة من الناشرين المنعزلين في ڤولكان، بوليڤيا، هي ان يسير في رحلة طولها ٥٥ ميلا (٩٠ كلم) ذهابا وإيابا عبر ارض صخرية قاحلة تحت شمس محرقة على ارتفاع ٠٠٠,١١ قدم (٤٠٠,٣ م) تقريبا، فيما يحمل كيس نومه، طعامه، ماءه، ومطبوعاته. وليخدم الجماعات في الفيليپين، ركب نيل كَلاوَي تكرارا في باصات تقوم برحلات الى الريف مزدحمة بالركاب يجري فيها تقاسم الاماكن ليس فقط مع الناس وانما ايضا مع الحيوانات والمحاصيل. وريتشارد كاتِرِل بدأ عمله كناظر جائل في الهند في وقت كان يُقتل فيه آلاف الناس بسبب البغض الديني. وعندما صُنع برنامج ليخدم الاخوةَ في منطقة شغب، حاول موظف الحجز في السكة الحديدية اقناعه بالعدول عن الذهاب. لقد كانت رحلة كابوس لمعظم الركاب، لكنَّ الاخ كاتِرِل كان يحب اخوته بعمق، بصرف النظر عن المكان الذي يعيشون فيه او اللغة التي يتكلمونها. وبثقة بيهوه فكَّر: «اذا شاء يهوه، فسأحاول ان اصل الى هناك.» — يعقوب ٤:١٥.
تشجيع الآخرين على الاشتراك في الخدمة كامل الوقت
نتيجة لروح الغيرة التي اعرب عنها المرسلون، اقتدى كثيرون ممَّن علَّموهم بمثالهم بالانخراط في الخدمة كامل الوقت. ففي اليابان، حيث خدم ١٦٨ مرسلا، كان هنالك ٩٥٦,٧٥ فاتحا في السنة ١٩٩٢؛ اكثر من ٤٠ في المئة من الناشرين في اليابان كانوا في فرع من فروع الخدمة كامل الوقت. وفي جمهورية كوريا، كانت النسبة مماثلة.
ومن البلدان التي فيها نسبة الشهود الى عدد السكان مؤاتية تماما دُعي كثيرون من الخدام كامل الوقت لتلقّي التدريب في مدرسة جلعاد ثم أُرسلوا ليخدموا في اماكن اخرى. وقد اتت أعداد كبيرة من المرسلين من الولايات المتحدة وكندا؛ نحو ٤٠٠ من بريطانيا؛ اكثر من ٢٤٠ من المانيا؛ ما يزيد على ١٥٠ من اوستراليا؛ اكثر من ١٠٠ من السويد؛ بالاضافة الى أعداد كبيرة من الدنمارك، فنلندا، النَّذَرلند، نيوزيلندا، هاوايي وغيرها. وبعض البلدان التي ساعدها المرسلون زوَّدت هي نفسها لاحقا ايضا مرسلين مرتقبين للخدمة في بلدان اخرى.
سدّ الحاجات في هيئة نامية
فيما كانت الهيئة تنمو، تولَّى المرسلون انفسهم مسؤوليات اضافية. فخدم عدد كبير منهم كشيوخ او خدام مساعدين في الجماعات التي ساعدوها على النمو. وفي بلدان عديدة كانوا اول نظار دوائر وكور. وعندما جعل التطور الاضافي نافعا ان تؤسس الجمعية مكاتب فروع جديدة، استُؤمن عدد من المرسلين على مسؤوليات تتعلق بسير عمل الفرع. وفي بعض الحالات طُلب من الذين صاروا يعرفون اللغة جيدا ان يساعدوا في ترجمة وتدقيق مطبوعات الكتاب المقدس.
ولكنهم شعروا خصوصا بأنهم كوفئوا عندما صار الذين درسوا معهم كلمة اللّٰه، او الاخوة الذين ساهموا الى حد ما في نموهم الروحي، مؤهلين لتولّي مسؤوليات كهذه. وهكذا سرّ زوجان في الپيرو بأن يريا بعض الذين درسا معهم يخدمون كفاتحين خصوصيين، مساعدين على تقوية الجماعات الجديدة وافتتاح مقاطعة جديدة. ومن درس اداره مرسل مع عائلة في سْري لانكا اتى احد اعضاء لجنة الفرع لذلك البلد. وتمتع مرسلون آخرون كثيرون بأفراح مماثلة.
وواجهوا ايضا المقاومة.
في وجه المقاومة
قال يسوع لأتباعه انهم سيُضطهدون، كما اضطُهد هو ايضا. (يوحنا ١٥:٢٠) وبما ان المرسلين كانوا يأتون عادةً من خارج البلاد، فان الاضطهاد الشديد الذي ينشأ في البلد كثيرا ما كان يعني الترحيل.
في السنة ١٩٦٧ أُوقفت صونا هايدوستْيان ووالداها في حلب، سوريا. واحتُجزوا في السجن خمسة اشهر ثم طُردوا من البلد دون امتعتهم. ومارڠريتا كونيڠر، من المانيا، عُيِّنت في مدغشقر؛ لكنَّ الترحيل بعد الآخر ادَّى الى تعيينات جديدة، في كينيا، داهومي (بينين)، وڤولتا العليا (بركينا فازو). ودومينيك بيكوني وزوجته، إلزا، طُردا من اسپانيا في السنة ١٩٥٧ لسبب كرازتهما، ثم من الپرتغال في السنة ١٩٦٢، ومن المملكة المغربية في السنة ١٩٦٩. ولكن في كل بلد كان يُنجز الخير فيما كانت هنالك محاولات لابطال اوامر الطرد. فكانت تقدَّم شهادة للرسميين. مثلا، في المملكة المغربية، سنحت لهما الفرصة ليشهدا للرسميين في الامن القومي، قاضي المحكمة العليا، رئيس الشرطة في طَنْجة، وقنصلي الولايات المتحدة في طَنْجة والرباط.
ان طرد المرسلين لم يؤدِّ الى وضع حدّ لعمل شهود يهوه، كما توقع بعض الرسميين. فبزور الحق المزروعة كثيرا ما استمرت في النمو. مثلا، قام اربعة مرسلين بخدمتهم اشهرا قليلة فقط في بوروندي قبل ان تجبرهم الحكومة على المغادرة في السنة ١٩٦٤. ولكنَّ واحدا منهم داوم على مراسلة شخص مهتم كتب ليقول انه يدرس الكتاب المقدس مع ٢٦ شخصا. وبقي ايضا شاهد تَنزاني كان قد انتقل حديثا الى بوروندي مشغولا بالكرازة. وتدريجيا ازدادت أعدادهم حتى صار مئات يخبرون آخرين ايضا برسالة الملكوت.
وفي اماكن اخرى، قبل اصدار الامر بالترحيل، كان الرسميون يلجأون الى الضرب الوحشي في محاولة لجعل كل واحد يذعن لمطالبهم. ففي بانْڠا، لَيبيريا، في السنة ١٩٦٣، حاصر الجنود ٤٠٠ رجل، امرأة، وولد كانوا يحضرون محفلا مسيحيا هناك. فساقهم الجنود الى معسكر الجيش، هدَّدوهم، ضربوهم، وطلبوا من كل واحد — بصرف النظر عن القومية او المعتقد الديني — ان يحيي العلم اللَيبيري. وبين الذين في المجموعة كان ميلتون هنشل من الولايات المتحدة. وكان هنالك ايضا بعض المرسلين، بمن فيهم جون شاروك من كندا. فساير احد خريجي جلعاد، كما فعل في مناسبة سابقة (مع انه لم يَجعل ذلك معروفا)، ولا شك ان ذلك ساهم في المسايرة من جهة آخرين كانوا في ذلك المحفل. وصار واضحا مَن يخافون اللّٰه حقا ومَن يوقعهم خوف الانسان في شرك. (امثال ٢٩:٢٥) وبعد ذلك، امرت الحكومة كل المرسلين الشهود من الخارج ان يغادروا البلد، مع ان امرا تنفيذيا من الرئيس بعد ذلك سمح لهم بالعودة في تلك السنة.
ان الاجراء المتخذ من قبل الرسميين الحكوميين ضد المرسلين غالبا ما كان نتيجة لضغط رجال الدين. وكان هذا الضغط احيانا يمارَس بطريقة سرية. وفي احيان اخرى، كان كل واحد يعرف مَن يثير المقاومة. وجورج كُويِڤيستو لن ينسى ابدا صباحه الاول في خدمة الحقل في ميديلّين، كولومبيا. فقد ظهر فجأة رعاع من اولاد المدارس يصرخون، قاذفين الحجارة وكتل الطين. فجذبته بقوة الى الداخل صاحبة البيت، التي لم تكن قد رأته من قبل قط، وأغلقت مصاريع النوافذ الخشبية، معتذرة كل الوقت عن تصرُّف الرعاع في الخارج. وعندما وصلت الشرطة، لام البعض استاذ المدرسة على السماح للتلاميذ بذلك. لكنَّ صوتا آخر صرخ: «ليس الامر هكذا! انه الكاهن! فقد نادى عبر مكبِّرات الصوت للسماح للتلاميذ بالخروج ‹ليرموا الپروتستانت بالحجارة.›»
كانت الشجاعة التقوية المقترنة بالمحبة للخراف لازمة. فقد عُيِّنت ألْفْريدا لور وإلزا أُنْتِردورفر في وادي ڠاستاين في النمسا. وفي وقت قصير وُزِّع الكثير من مطبوعات الكتاب المقدس لدى الناس الجياع للطعام الروحي. ولكن بعد ذلك اهتاج رجال الدين. وحرَّضوا اولاد المدارس ان يصرخوا في وجه المرسلتين في الشوارع وأن يركضوا امامهما لتحذير اصحاب البيوت من الاصغاء. فخاف الناس. ولكن بالمثابرة الحبية، جرى الابتداء بدروس جيدة قليلة. وعندما رُتِّب لمحاضرة عامة من الكتاب المقدس، وقف رجل الدين بتحدٍّ امام مكان الاجتماع. ولكن عندما خرجت المرسلتان الى الشارع لترحِّبا بالناس، اختفى رجل الدين. فقد استدعى شرطيا وعاد، آملا ان يقاطع الاجتماع. إلا ان جهوده باءت بالفشل. وفي حينه تشكلت جماعة رائعة هناك.
في البلدات القريبة من إيبارا، إكوادور، واجهت أُون رونْهولم وجوليا پارسونز الرعاع المحرَّضين من الكهنة مرة بعد اخرى. وبسبب الاضطراب الذي كان يثيره الكاهن كلما ظهرت المرسلتان في سان انطونيو، قرَّرت الاختان التركيز على بلدة اخرى تدعى أتوانْتاكْوِي. ولكن ذات يوم حث عمدة البلدة المحلي هناك بالحاح الاخت رونْهولم على مغادرة البلدة بسرعة. قال مؤكِّدا: «الكاهن ينظِّم مظاهرة ضدكما، وليس عندي عدد كافٍ من الرجال للدفاع عنكما.» وهي تتذكر جيدا: «كان الجمع يلاحقنا! وكان علم الڤاتيكان الابيض والاصفر يُلوَّح به امام المجموعة فيما كان الكاهن يُطلق شعارات مثل ‹لتحيَ الكنيسة الكاثوليكية!› ‹ليسقط الپروتستانت!› ‹لتحيَ بتولية العذراء!› ‹ليحيَ الاعتراف!› وكلَّ مرة كان الجمع يردِّد الشعارات كلمة فكلمة بعد الكاهن.» وحينئذ دعا رجلان الشاهدتين الى «دار الاتحاد العمالي» المحلي من اجل الامان. وهناك انهمكت المرسلتان في الشهادة للناس الفضوليين الذين اتوا ليروا ما يجري. فوزَّعتا كل المطبوعات التي لديهما.
مقرَّرات مصمَّمة لسدّ الحاجات الخصوصية
في السنوات التي تلت ارسال المرسلين الاولين من مدرسة جلعاد، اختبرت هيئة شهود يهوه النمو بنسبة مذهلة. ففي السنة ١٩٤٣، عندما افتُتحت المدرسة، كان هنالك ٠٧٠,١٢٩ شاهدا فقط في ٥٤ بلدا (ولكن ١٠٣ بلدان وفقا لطريقة تقسيم الخريطة في وقت باكر من تسعينات الـ ١٩٠٠). وبحلول السنة ١٩٩٢، كان هنالك ٧٨٧,٤٧٢,٤ شاهدا في ٢٢٩ بلدا ومجموعة جزر حول العالم. وفيما كان يحدث هذا النمو، كانت حاجات الهيئة تتغيَّر. فمكاتب الفروع التي كانت في ما مضى تعتني بأقل من مئة شاهد مجموعين في جماعات قليلة تشرف الآن على نشاط عشرات الآلاف من الشهود، والكثير من هذه الفروع وجد انه من الضروري طبع المطبوعات محليا لتجهيز المشتركين في عمل التبشير.
ولسدّ الحاجات المتغيرة، بعد ١٨ سنة من افتتاح مدرسة جلعاد، زُوِّد مقرَّر تدريب لمدة عشرة اشهر في مركز الجمعية الرئيسي العالمي خصوصا للاخوة الذين يحملون احمالا ثقيلة من المسؤولية في مكاتب فروع جمعية برج المراقبة. وبعضهم كانوا قد حضروا مقرَّرا ارساليا لمدة خمسة اشهر في جلعاد؛ والآخرون لم يحضروا سابقا. وكان بامكانهم جميعا ان يستفيدوا من التدريب المتخصص المتعلق بعملهم. والمناقشات حول كيفية معالجة الاوضاع المختلفة وسدّ الحاجات التنظيمية انسجاما مع مبادئ الكتاب المقدس كان لها اثر موحِّد. وأبرز مقرَّرهم درسا تحليليا عددا فعددا لكامل الكتاب المقدس. وزوَّد ايضا مراجعة لتاريخ الدين؛ تدريبا في التفاصيل المشمولة بادارة مكتب فرع، بيت ايل، ومطبعة؛ وارشادات في الاشراف على خدمة الحقل، تنظيم جماعات جديدة، وافتتاح حقول جديدة. وهذه المقرَّرات (بما فيها الاخير الذي خُفض الى ثمانية اشهر) كانت تُدار في المركز الرئيسي العالمي، في بروكلين، نيويورك، من السنة ١٩٦١ الى السنة ١٩٦٥. وكثيرون من المتخرجين أُعيدوا الى البلدان التي كانوا يخدمون فيها؛ وبعضهم عُيِّنوا في بلدان اخرى حيث يمكنهم ان يساهموا مساهمة قيِّمة في العمل.
في ١ شباط ١٩٧٦، سرى مفعول ترتيب جديد في مكاتب فروع الجمعية استعدادا للتوسع الاضافي المتوقع انسجاما مع نبوة الكتاب المقدس. (اشعياء ٦٠:٨، ٢٢) فبدلا من ان يكون هنالك ناظر فرع واحد فقط، مع مساعده، لتزويد الاشراف على كل فرع، عيَّنت الهيئة الحاكمة ثلاثة اخوة اكفاء او اكثر ليخدموا في كل لجنة فرع. والفروع الاكبر يمكن ان يصل عدد اعضاء لجنتها الى سبعة. ولتزويد التدريب لكل هؤلاء الاخوة، رُتِّب لمقرَّر جلعادي خصوصي مدته خمسة اسابيع في بروكلين، نيويورك. فمُنح هذا التدريب المتخصص لاربعة عشر صفا مؤلَّفا من اعضاء لجان الفروع من كل انحاء العالم في المركز الرئيسي العالمي من اواخر السنة ١٩٧٧ الى السنة ١٩٨٠. لقد كانت فرصة ممتازة لتوحيد وتمحيص الاعمال.
استمرت مدرسة جلعاد في تدريب الذين يملكون سنوات من الخبرة في الخدمة كامل الوقت ويرغبون ويستطيعون الذهاب الى الخارج، ولكن يمكن استخدام المزيد. ولتسهيل التدريب ابتدأت تعمل مدارس في بلدان اخرى كامتداد لجلعاد بحيث لا يضطر التلاميذ الى تعلُّم الانكليزية قبل ان يتأهلوا للحضور. وفي ١٩٨٠-١٩٨١، زوَّدت مدرسة جلعاد الثقافية في المكسيك تدريبا للتلاميذ الناطقين بالاسپانية الذين ساعدوا على سدّ حاجة فورية الى فعلة اكفاء في اميركا الوسطى والجنوبية. وفي ١٩٨١-١٩٨٢، ١٩٨٤، ومرة اخرى في ١٩٩٢، أُديرت صفوف لمدرسة جلعاد الفرعية ايضا في المانيا. ومن هناك أُرسل المتخرجون الى افريقيا، اوروپا الشرقية، اميركا الجنوبية، ومختلف الدول الجزر. وعُقدت صفوف اخرى في الهند في السنة ١٩٨٣.
واذ انضم شهود محليون غيورون الى المرسلين في توسيع شهادة الملكوت ازداد عدد شهود يهوه بسرعة، وهذا ادَّى الى تشكيل جماعات اكثر. وبين السنتين ١٩٨٠ و ١٩٨٧ ازداد عدد الجماعات في كل العالم حتى ٢٧ في المئة، الى ما مجموعه ٩١١,٥٤. وفي بعض المناطق، مع ان كثيرين كانوا يحضرون الاجتماعات ويشتركون في خدمة الحقل، كان معظم الاخوة جددا تماما. وكانت هنالك حاجة ملحة الى رجال مسيحيين ذوي خبرة ليخدموا كرعاة ومعلِّمين روحيين وليأخذوا القيادة في العمل التبشيري. وللمساعدة على سدّ هذه الحاجة، ابدأت الهيئة الحاكمة في السنة ١٩٨٧ مدرسة تدريب الخدام كجزء من برنامج مدرسة جلعاد لتعليم الكتاب المقدس. ويتضمن مقرَّر الثمانية اسابيع درسا مكثَّفا في الكتاب المقدس وانتباها شخصيا للنمو الروحي لكل تلميذ. ويجري التأمل في المسائل التنظيمية والقضائية، الى جانب مسؤوليات الشيوخ والخدام المساعدين، ويزوَّد تدريب متخصص في الخطابة العامة. ودون تضارب مع الصفوف القانونية لتدريب المرسلين، استخدمت هذه المدرسة تسهيلات اخرى اذ انعقدت في بلدان متنوعة. والمتخرجون يسدّون الآن حاجات حيوية في بلدان عديدة.
وهكذا ماشى التدريب الموسَّع الذي زوَّدته مدرسة جلعاد برج المراقبة للكتاب المقدس الحاجات المتغيرة للتنظيم الاممي النامي بسرعة.
«هأنذا أَرسلني»
تشبه الروح التي اظهرها المرسلون تلك التي للنبي اشعياء. فعندما نبَّهه يهوه الى فرصة الخدمة الخصوصية، تجاوب: «هأنذا أَرسلني.» (اشعياء ٦:٨) والروح الطوعية هذه دفعت آلاف الشبان والشابات ان يتركوا وراءهم المحيط المألوف والاقرباء ليخدموا من اجل تعزيز مشيئة اللّٰه حيث توجد حاجة اليهم.
احدثت الظروف العائلية تغييرات في حياة مرسلين كثيرين. فعدد ممَّن صار لهم اولاد بعد ان اصبحوا مرسلين تمكنوا من البقاء في البلد الذي عُيِّنوا فيه، قائمين بالعمل الدنيوي اللازم وعاملين مع الجماعات. وكان على البعض، بعد سنوات من الخدمة، ان يعودوا الى موطنهم لكي يعتنوا بوالديهم المسنين او لاسباب اخرى. ولكنهم حسبوه امتيازا ان يشتركوا في الخدمة الارسالية قدر ما استطاعوا.
وتمكن آخرون من جعل الخدمة الارسالية مهنة حياتهم. ولفعل ذلك، كان عليهم جميعا ان يواجهوا الظروف المتسمة بالتحدي. اعترف أُولاف أُولسُن الذي تمتع بمهنة ارسالية طويلة في كولومبيا: «السنة الاولى كانت الاصعب.» وكان ذلك الى حد بعيد لسبب عدم القدرة على التعبير عن نفسه بشكل كافٍ بلغته الجديدة. وأضاف: «لو استمررت في التفكير في البلد الذي غادرته، لما كنت سعيدا، لكنني عقدت العزم ان اعيش جسديا وعقليا على السواء في كولومبيا، ان ابني صداقات مع الاخوة والاخوات في الحق هناك، ان أُبقي حياتي مشغولة بالخدمة، وسرعان ما صار تعييني موطنا لي.»
ان مثابرتهم على تعييناتهم لم تكن بالضرورة لأنهم وجدوا محيطهم الجسدي نموذجيا. عبَّر نورمَن باربر، الذي خدم في بورما (الآن ميانمار) والهند من السنة ١٩٤٧ حتى موته في السنة ١٩٨٦، عن نفسه بهذه الطريقة: «اذا ابتهج الشخص بأن يستخدمه يهوه، فحينئذ تكون كل الاماكن جيدة. . . . وبصراحة، ليس الطقس المداري رأيي في الطقس المثالي الذي احب ان اعيش فيه. ولا الطريقة التي يحيا بها شعب المنطقة المدارية هي الطريقة التي اختارها شخصيا للعيش. ولكن هنالك امور مهمة لاخذها في الاعتبار اكثر من مثل هذه المسائل الزهيدة. فكون المرء قادرا على تقديم العون للناس الفقراء روحيا حقا هو امتياز يفوق قوى التعبير البشرية.»
يشترك كثيرون ايضا في هذا الرأي، وروح التضحية بالذات هذه ساهمت كثيرا في اتمام نبوة يسوع بأنه سيُكرز ببشارة الملكوت هذه في كل المسكونة شهادة لجميع الامم قبل ان يأتي المنتهى. — متى ٢٤:١٤.
[الحاشية]
a برج المراقبة، ١٥ شباط ١٩٤٣، الصفحات ٦٠-٦٤ (بالانكليزية).
[النبذة في الصفحة ٥٢٣]
التشديد على اهمية الاتكال التام على يهوه والولاء له
[النبذة في الصفحة ٥٣٤]
روح الفكاهة الجيدة ساعدت!
[النبذة في الصفحة ٥٣٩]
الصبر، المساعدة الحبية، والحزم عند اللزوم
[النبذة في الصفحة ٥٤٦]
«تقديم العون للناس الفقراء روحيا حقا هو امتياز يفوق قوى التعبير البشرية»
[الاطار في الصفحة ٥٣٣]
صفوف جلعاد
١٩٤٣-١٩٦٠: المدرسة في ساوث لانسينڠ، نيويورك. في ٣٥ صفًّا، تخرَّج ٦٣٩,٣ تلميذا من ٩٥ بلدا، معظمهم عُيِّنوا في الخدمة الارسالية. ونظار الدوائر والكور الذين يخدمون في الولايات المتحدة كانوا مشمولين ايضا بالصفوف.
١٩٦١-١٩٦٥: المدرسة في بروكلين، نيويورك. في ٥ صفوف، تخرَّج ٥١٤ تلميذا وأُرسلوا الى بلدان حيث جمعية برج المراقبة لديها مكاتب فروع؛ معظم المتخرجين استُؤمنوا على تعيينات ادارية. اربعة من هذه الصفوف كانت مقرَّراتها لـ ١٠ اشهر؛ وواحد مقرَّره لـ ٨ اشهر.
١٩٦٥-١٩٨٨: المدرسة في بروكلين، نيويورك. في ٤٥ صفًّا، مقرَّر كلٍّ منها ٢٠ اسبوعا، تدرَّب ١٩٨,٢ تلميذا آخر، معظمهم في الخدمة الارسالية.
١٩٧٧-١٩٨٠: المدرسة في بروكلين، نيويورك. مقرَّر جلعادي لخمسة اسابيع لاعضاء لجان الفروع. وقد عُقد اربعة عشر صفًّا.
١٩٨٠-١٩٨١: مدرسة جلعاد الثقافية في المكسيك؛ مقرَّر لـ ١٠ اسابيع؛ ثلاثة صفوف؛ ٧٢ متخرجا ناطقا بالاسپانية مجهَّزون للخدمة في اميركا اللاتينية.
١٩٨١-١٩٨٢، ١٩٨٤، ١٩٩٢: مدرسة جلعاد الفرعية في المانيا؛ مقرَّر لـ ١٠ اسابيع؛ اربعة صفوف؛ ٩٨ تلميذا ناطقا بالالمانية من بلدان اوروپية.
١٩٨٣: صفوف في الهند؛ مقرَّر لـ ١٠ اسابيع، أُديرت بالانكليزية؛ ٣ فرق؛ ٧٠ تلميذا.
١٩٨٧- : مدرسة تدريب الخدام، بمقرَّر لـ ٨ اسابيع، عُقدت في مواقع رئيسية في انحاء مختلفة من العالم. وفي ١٩٩٢ كان المتخرجون يخدمون في اكثر من ٣٥ بلدا خارج بلد مولدهم.
١٩٨٨- : المدرسة في وولكيل، نيويورك. يُعقَد حاليا هناك مقرَّر لعشرين اسبوعا إعدادا للخدمة الارسالية. ويخطَّط لنقل المدرسة الى المركز الثقافي لبرج المراقبة في پاترسن، نيويورك، عند اكماله.
[الاطار في الصفحة ٥٣٨]
مجموعة التلاميذ من جميع الامم
مثَّل التلاميذ الذين حضروا مدرسة جلعاد عشرات القوميات وأتوا الى المدرسة من اكثر من ١١٠ بلدان.
الفريق الاممي الاول كان الصف السادس، في ١٩٤٥-١٩٤٦.
قُدِّم الطلب الى حكومة الولايات المتحدة من اجل ادخال التلاميذ الاجانب بمقتضى احكام تأشيرات التلاميذ غير القادمين بهدف الهجرة. وتجاوبا مع ذلك، اعترف مكتب التعليم في الولايات المتحدة بمدرسة جلعاد بصفتها تقدِّم تعليما على غرار كلّيات الاختصاص والمؤسسات التعليمية. وهكذا، منذ السنة ١٩٥٣، ادرجت قنصليات الولايات المتحدة في كل انحاء العالم مدرسة جلعاد برج المراقبة للكتاب المقدس في لائحتها للمؤسسات التعليمية الموافَق عليها. وابتداء من ٣٠ نيسان ١٩٥٤ صارت هذه المدرسة تَظهر في المطبوعة بعنوان «المؤسسات التعليمية الموافَق عليها من النائب العام.»
[الصورتان في الصفحة ٥٢٢]
تلاميذ الصف الاول لمدرسة جلعاد
[الصورة في الصفحة ٥٢٤]
ألبرت شرودر يناقش اوجه المسكن مع تلاميذ جلعاد
[الصورة في الصفحة ٥٢٥]
ماكسويل فْرِنْد يحاضر في مدرَّج مدرسة جلعاد
[الصورتان في الصفحة ٥٢٧]
خريجو جلعاد كانوا وجها روحيا بارزا
. . . البعض في باحة المدرسة (حيث يظهر ن. ه . نور وهو يلقي خطابا امام مكتبة المدرسة، في السنة ١٩٥٦)
. . . البعض في المحافل الكبيرة (نيويورك، سنة ١٩٥٠)
[الصور في الصفحة ٥٢٦]
باحة مدرسة جلعاد في ساوث لانسينڠ، نيويورك، كما بدت خلال خمسينات الـ ١٩٠٠
[الصورة في الصفحة ٥٢٨]
هِرمُن وُودَرْد (اليسار) وجون أريكيتي (اليمين) يخدمان في ألاسكا
[الصورة في الصفحة ٥٢٩]
جون كَتْفورث يستخدم مساعِدات بصرية ليعلِّم في پاپوا غينيا الجديدة
[الصورة في الصفحة ٥٣٠]
مرسلون في ايرلندا، مع ناظر الكورة، في السنة ١٩٥٠
[الصورة في الصفحة ٥٣٠]
متخرجون في طريقهم الى التعيينات الارسالية في المشرق في السنة ١٩٤٧
[الصورة في الصفحة ٥٣٠]
بعض المرسلين والفعلة الرفقاء في اليابان في السنة ١٩٦٩
[الصور في الصفحة ٥٣٠]
مرسلون في البرازيل في السنة ١٩٥٦
. . . في اورڠواي في السنة ١٩٥٤
. . . في ايطاليا في السنة ١٩٥٠
[الصورة في الصفحة ٥٣٠]
اول اربعة مرسلين مدرَّبين في جلعاد يُرسَلون الى جامايكا
[الصورة في الصفحة ٥٣٠]
اول بيت مرسلين في سولزبوري (الآن هاراري، زمبابوي)، في السنة ١٩٥٠
[الصورة في الصفحة ٥٣٠]
مالكوم ڤيڠو (جلعاد، ١٩٥٦-١٩٥٧) مع زوجته ليندا لُويز؛ خدما معا في ملاوي، كينيا، ونَيجيريا
[الصورة في الصفحة ٥٣٠]
روبرت ترايسي (اليسار) وجِسّي كانتوِل (اليمين) مع زوجتيهما — مرسلون في العمل الجائل في كولومبيا في السنة ١٩٦٠
[الصورة في الصفحة ٥٣٢]
صف اللغة في بيت المرسلين في ساحل العاج
[الصورة في الصفحة ٥٣٥]
تِد ودورِس كلاين، اللذان وجدا اناسا كثيرين تواقين الى سماع حق الكتاب المقدس في الجزر العذراء الاميركية في السنة ١٩٤٧
[الصورة في الصفحة ٥٣٦]
هارڤي لوڠَن (الى الامام في الوسط) مع الشهود في أميس امام قاعة الملكوت، في ستينات الـ ١٩٠٠
[الصورة في الصفحة ٥٤٠]
ڤيكتور وايت، ناظر كورة مدرَّب في جلعاد، يلقي خطابا في الفيليپين في السنة ١٩٤٩
[الصورة في الصفحة ٥٤٢]
مارڠريتا كونيڠر، في بركينا فازو، تدير درسا بيتيا في الكتاب المقدس
[الصورة في الصفحة ٥٤٣]
أُون رونْهولم، مرسلة منذ السنة ١٩٥٨، كان عليها ان تواجه الرعاع الذين يقودهم الكهنة في إكوادور
[الصورتان في الصفحة ٥٤٥]
مدرسة تدريب الخدام
الصف الاول، كورياپوليس، پنسلڤانيا، الولايات المتحدة الاميركية، في السنة ١٩٨٧ (فوق)
الصف الثالث في بريطانيا، في مانشستر، في السنة ١٩٩١ (يمين)
-
-
بالقدرة البشرية؟ ام بروح اللّٰه؟شهود يهوه — منادون بملكوت اللّٰه
-
-
الفصل ٢٤
بالقدرة البشرية؟ ام بروح اللّٰه؟
ان التعيين الذي وضعه يسوع المسيح امام أتباعه كان على ما يبدو ذا أبعاد مستحيلة. فعلى الرغم من قلة عددهم، كانوا سينادون ببشارة ملكوت اللّٰه في كل المسكونة. (متى ٢٤:١٤؛ اعمال ١:٨) ولم تكن المهمة هائلة الحجم فقط لكنها كانت ستُنجز كما يظهر في وجه ظروف معاكسة لأنهم، كما قال يسوع بصراحة لتلاميذه، كانوا سيُبغَضون ويُضطهَدون في كل الامم. — متى ٢٤:٩؛ يوحنا ١٥:١٩، ٢٠.
في وجه المقاومة العالمية، جاهد شهود يهوه بقوة لينجزوا العمل الذي سبق وأنبأ به يسوع. والحد الذي اليه قُدِّمت الشهادة هو واقع مثبت، وهو رائع حقا. ولكن ماذا جعل ذلك ممكنا؟ هل كان القدرة او الابداع البشري؟ ام كان عمل روح اللّٰه؟
وسجل الكتاب المقدس عن ردّ العبادة الحقة في اورشليم في القرن السادس قم يذكّرنا بأنه لا يجب التغاضي ابدا عن دور اللّٰه في انجاز مشيئته. وقد يبحث المعلّقون الدنيويون عن تعليل آخر لما يحدث. ولكن عند شرح كيفية انجاز قصده، جعل اللّٰه نبيه زكريا يعلن: «‹لا بالقوة العسكرية، ولا بالقدرة، بل بروحي،› قال يهوه الجنود.» (زكريا ٤:٦، عج) ولا يتردد شهود يهوه في القول ان هذه هي الطريقة التي بها تُنجَز الكرازة برسالة الملكوت اليوم — لا باللجوء الى القوة العسكرية، ولا بسبب القدرة الشخصية او نفوذ ايّ فريق بارز من الناس، بل نتيجة لعمل روح يهوه. فهل يؤيد الدليل قناعتهم؟
«ليس كثيرون حكماء حسب الجسد»
عندما كتب الرسول بولس الى المسيحيين الاولين في اليونان، اعترف قائلا: «انظروا دعوتكم ايها الاخوة ان ليس كثيرون حكماء حسب الجسد ليس كثيرون اقوياء ليس كثيرون شرفاء بل اختار اللّٰه جهال العالم ليُخزي الحكماء. واختار اللّٰه ضعفاء العالم ليُخزي الاقوياء. واختار اللّٰه ادنياء العالم والمزدرَى وغير الموجود ليُبطل الموجود لكي لا يفتخر كل ذي جسد امامه.» — ١ كورنثوس ١:٢٦-٢٩.
كان رسل يسوع من الطبقة العاملة. فأربعة كانت مهنتهم صيد السمك. وواحد كان جابي ضرائب، مهنة يحتقرها اليهود. وهؤلاء الرسل كانوا رجالا يعتبرهم رجال الدين اليهود ‹عديمي العلم وعاميين،› مما يدل ان ثقافتهم لم تكن من مدارس التعليم العالي. (اعمال ٤:١٣) ولا يعني ذلك انه لم يصر مسيحيا ايّ ممَّن كانت لهم ثقافة دنيوية او دينية. فالرسول بولس كان قد درس عند رِجلي غمالائيل المتعلِّم، عضو في السنهدريم اليهودي. (اعمال ٢٢:٣) ولكن، كما تقول الآية، ‹لم يكن كثيرون› هكذا.
يشهد التاريخ ان سِلسُس، فيلسوف روماني للقرن الثاني بم، استهزأ بالفكرة ان «يكون العمال، صانعو الاحذية، المزارعون، الناس الاقل علما ومعرفة، كارزين غيورين بالانجيل.» (تاريخ الدين المسيحي والكنيسة، خلال القرون الثلاثة الاولى، لواضعه اوغسطوس نياندر) ففي وجه الهزء والاضطهاد العنيف اللذين كُوِّما عليهم في الامبراطورية الرومانية، ماذا قوَّى المسيحيين الحقيقيين على الاستمرار في الكينونة منادين بالبشارة؟ قال يسوع انه روح اللّٰه القدوس. — اعمال ١:٨.
وفي الاوقات الاحدث، جرى تعيير شهود يهوه بشكل مماثل، لأن غالبيتهم من عامة الناس، وليسوا ممَّن مركزهم في الحياة يجعل العالم ينظر اليهم نظرة اعتبار. فكان بين اول خدام يهوه العصريين الذين قدَّموا رسالة الملكوت للناس في الدنمارك صانع احذية. وفي سويسرا وفرنسا، بستاني. وفي انحاء كثيرة من افريقيا، حمل الرسالة عمَّال جائلون. وفي البرازيل، كانت للبحَّارة حصة. وعدد من الشهود الپولندين في فرنسا الشمالية كانوا عمَّال مناجم فحم.
واذ اندفعوا عميقا بما تعلَّموه من كلمة اللّٰه بمساعدة مطبوعات برج المراقبة، ارادوا ان يعربوا عن محبتهم ليهوه باطاعته، ولذلك شرعوا في العمل الذي تقول كلمة اللّٰه ان المسيحيين الحقيقيين سيقومون به. ومنذ ذلك الحين يشترك ملايين اكثر من كل مسالك الحياة في هذا العمل. فجميعهم مبشرون.
يشكِّل شهود يهوه الهيئة الدينية الوحيدة في العالم التي فيها يشهد كل عضو شخصيا لغير المؤمنين، يحاول ان يجيب عن اسئلتهم من الكتاب المقدس، ويحثهم على الايمان بكلمة اللّٰه. وتعترف الهيئات الدينية الاخرى بأن هذا ما يجب ان يفعله كل المسيحيين. وقد حاول البعض ان يشجعوا اعضاء كنيستهم على ذلك. لكنَّ شهود يهوه وحدهم يفعلون ذلك باستمرار. فتوجيه مَن، مشورة مَن، ضمان مَن بالدعم الحبي، ووعود مَن تدفعهم الى القيام بهذا العمل الذي يتجنبه الآخرون؟ اسألوهم انتم بنفسكم. ومهما كانت الامة التي يعيشون فيها فسيجيبون: «يهوه.» اذًا، الى مَن يجب نسب الفضل؟
دور منبأ به لملائكة اللّٰه
في وصف الحوادث التي كانت ستجري خلال اختتام نظام الاشياء هذا، اظهر يسوع ان أتباعه على الارض لن يكونوا وحدهم مَن يشتركون في تجميع محبي البر. ففي متى الاصحاح ١٣، عند مناقشة تجميع الاخيرين الذين يشتركون معه في الملكوت السماوي، قال يسوع: «الحصَّادون هم الملائكة.» والى ايّ حد كبيرٌ هو الحقل الذي منه سيَجمعون ‹بني الملكوت› هؤلاء؟ اوضح يسوع: «الحقل هو العالم.» وهكذا فان الذين يُجمَعون يأتون من زوايا الارض الواسعة. فهل حدث ذلك؟ — متى ١٣:٢٤-٣٠، ٣٦-٤٣.
لقد حدث فعلا! ومع ان عدد تلاميذ الكتاب المقدس كان مجرد آلاف قليلة عندما دخل العالم ايامه الاخيرة في السنة ١٩١٤، انتشرت رسالة الملكوت التي يكرزون بها حول الكرة الارضية بسرعة. ففي المشرق، في بلدان اوروپا، افريقيا، والاميركتين، وفي الجزر، اغتنم الافراد الفرصة ليخدموا مصالح ملكوت اللّٰه وجُمعوا في هيئة متحدة واحدة.
على سبيل المثال، في اوستراليا الغربية، تلقَّى بيرت هورتون رسالة الملكوت. ولم يكن الدين كما عرفه يهمه؛ فكان متورطا في السياسة ونشاطات نقابة العمال. ولكن عندما اعطته امه مطبوعة برج المراقبة نظام الدهور الالهي وابتدأ يقرأها مع الكتاب المقدس، عرف انه وجد الحق. وتلقائيا راح يخبر به زملاء عمله. وعندما تمكن من معرفة مكان تلاميذ الكتاب المقدس، صار يعاشرهم بسرور، اعتمد في السنة ١٩٢٢، تبنى الخدمة كامل الوقت، وعرض ان يخدم في اية منطقة توجهه اليها هيئة يهوه.
وفي الجانب الآخر من الارض، غادر و. ر. براون، الذي كان يكرز في جزر البحر الكاريبي، الى افريقيا في السنة ١٩٢٣ لينشر رسالة الملكوت هناك. ولم يكن كارزا مستقلا في مهمة شخصية. فهو ايضا كان يعمل مع شعب يهوه المنظَّم. فعرض ان يخدم حيث توجد حاجة اليه، وقبِل التعيين في افريقيا الغربية تجاوبا مع التوجيه من مكتب المركز الرئيسي. والذين استفادوا شخصيا من خدمته جرت مساعدتهم ايضا على تقدير اهمية العمل بشكل لصيق مع هيئة يهوه.
بلغت المناداة بالملكوت ايضا اميركا الجنوبية. ايرمَن زايڠلْكِن في مَنْدوزا، الارجنتين، كان يدرك لمدة طويلة الرياء في الكنيستين الكاثوليكية والپروتستانتية كلتيهما. ولكن في السنة ١٩٢٩ سمع هو ايضا رسالة الملكوت، قبِلها بشوق، وابتدأ يخبر بها الآخرين في وحدة مع خدام يهوه في كل العالم. وقد حدثت اختبارات مماثلة حول الارض. والناس «من كل قبيلة ولسان وشعب وأمة،» رغم انهم متفرقون جغرافيا ويتّبعون انماط حياة مختلفة، لم يسمعوا فقط بل قدَّموا انفسهم في خدمة اللّٰه. وجُمعوا في هيئة موحَّدة لانجاز العمل الذي سبق وأنبأ به يسوع في ما يتعلق بهذا الوقت. (رؤيا ٥:٩، ١٠) فماذا يوضح ذلك؟
يقول الكتاب المقدس انه سيكون لملائكة اللّٰه دور حيوي في هذا العمل. ولهذا السبب تدوّي المناداة بالملكوت حول الارض كصوت بوق من مصدر فوق الطبيعة البشرية. وفي الواقع، في السنة ١٩٣٥ كانت قد دخلت ١٤٩ بلدا — الى الشمال، الجنوب، الشرق، والغرب، من اقصاء الارض الى اقصائها.
في البداية اظهر ‹قطيع صغير› فقط التقدير الاصيل لملكوت اللّٰه وكانوا مستعدين ان يخدموا مصالحه. وهذا ما سبق وأنبأ به الكتاب المقدس. أما الآن فيعاشرهم «جمع كثير» ينمو بسرعة ويُعَدّ بالملايين من كل الامم. وهذا ايضا سبقت وأنبأت به كلمة اللّٰه. (لوقا ١٢:٣٢؛ يوحنا ١٠:١٦؛ رؤيا ٧:٩، ١٠) وهؤلاء ليسوا مجرد اناس يدَّعون الاشتراك في الدين نفسه لكنهم، في الواقع، منقسمون في ما بينهم بسبب كل المواقف والفلسفات التي تجزِّئ العالم حولهم. وشهود يهوه لا يتحدثون فقط عن ملكوت اللّٰه فيما يضعون ثقتهم فعلا في حكم الانسان. وحتى عندما تكون حياتهم في خطر، يطيعون اللّٰه حاكما. والكتاب المقدس يذكر بوضوح ان تجميع اناس ‹يخافون اللّٰه ويعطونه مجدا› كهؤلاء سيُنجَز تحت توجيه الملائكة. (رؤيا ١٤:٦، ٧؛ متى ٢٥:٣١-٤٦) والشهود مقتنعون بثبات بأن هذا ما يحدث فعلا.
في مناسبات لا تُحصى، فيما كانوا يشتركون في خدمتهم، رأوا الدليل المقنع على التوجيه السماوي. مثلا، في ريو دي جانيرو، البرازيل، كان فريق من الشهود يكملون خدمتهم من بيت الى بيت في يوم احد عندما قالت واحدة من الفريق: «اريد ان استمر في العمل لوقت قصير. لسبب ما اريد ان اذهب الى ذلك البيت.» فاقترح الشخص المسؤول عن الفريق ان يتركوه ليوم آخر، لكنَّ الناشرة اصرَّت. فوجدت الشاهدة عند ذلك الباب امرأة قالت والدموع تسيل على وجهها انها كانت تصلّي الآن من اجل المساعدة. وكان الشهود قد اتصلوا بها سابقا لكنها لم تُبدِ اهتماما برسالة الكتاب المقدس. إلا ان موت زوجها المفاجئ جعلها تدرك حاجتها الى المساعدة الروحية. فبحثت عن قاعة الملكوت ولكن عبثا. وكانت تصلّي الى اللّٰه بحرارة من اجل المساعدة، وها هي الآن عند بابها. واعتمدت بعد ذلك بوقت ليس بطويل. لقد كانت مقتنعة بأن اللّٰه سمع صلاتها واتخذ الاجراء اللازم للاستجابة. — مزمور ٦٥:٢.
وثمة شاهدة ليهوه المانية كانت تسكن في نيويورك، جعلت الصلاة الى اللّٰه من اجل التوجيه عندما تنهمك في خدمتها ممارسة قانونية. وكانت تبحث في الشارع عن امرأة مهتمة، اسبوعا بعد اسبوع، لأنها لا تعرف اين تسكن المرأة. ثم في احد الايام في السنة ١٩٨٧، عندما بدأت الشاهدة الخدمة، صلَّت: «يا يهوه، انت تعرف اين هي. فمن فضلك ساعدني لايجادها.» وبعد دقائق قليلة، رأت المرأة جالسة في مطعم.
فهل كان ذلك مجرد صدفة؟ يقول الكتاب المقدس ان المسيحيين الحقيقيين ‹عاملون مع اللّٰه› وأن الملائكة تُرسَل «للخدمة لاجل العتيدين ان يرثوا الخلاص.» (١ كورنثوس ٣:٩؛ عبرانيين ١:١٤) وبعد ان اخبرت الشاهدة المرأة كيف وجدتها، قبلت المرأة دعوة الى الجلوس وفحص الكتاب المقدس اكثر في ذلك اليوم عينه.
بلوغ ‹المقاطعات التي يصعب الوصول اليها› بالبشارة
كان شهود يهوه يثابرون على بذل جهودهم لبلوغ جميع البلدان برسالة الملكوت. ولكنَّ ذلك لا يعلِّل كاملا ما جرى انجازه. فقد رأوا رسالة الملكوت تنتشر في المناطق التي كانت قد صُدَّت فيها كل جهودهم المخطط لها بعناية.
مثلا، في اكثر من مناسبة واحدة خلال عشرينات وثلاثينات الـ ١٩٠٠، قُدِّمت احتجاجات جدية للرسميين الحكوميين في ما كان آنذاك الاتحاد السوڤياتي للحصول على اذن في شحن مطبوعات الكتاب المقدس الى ذلك البلد او في طبعها هناك. فكانت الردود في ذلك الحين سلبية. وكان هنالك عدد قليل من شهود يهوه في الاتحاد السوڤياتي، ولكن كانت تلزم مساعدة اكثر بكثير لانجاز عمل الكرازة الذي قالت كلمة اللّٰه انه يجب القيام به. فهل كان بالامكان فعل شيء ما لتزويد هذه المساعدة؟
من المثير للاهتمام انه عند نهاية الحرب العالمية الثانية، الى جانب اناس آخرين كثيرين، وجد اكثر من الف شاهد ليهوه مما كان سابقا پولندا الشرقية انفسهم ضمن الاتحاد السوڤياتي. وفي معسكر اعتقال رَڤنْسْبروك، تعرَّفت مئات الشابات الروسيات برفيقات سجينات من شهود يهوه. وبعض هؤلاء النساء انتذرن ليهوه خلال ذلك الوقت، ولاحقا أُعدن الى انحاء مختلفة من الاتحاد السوڤياتي. ومئات آخرون ايضا وجدوا انهم من سكان الاتحاد السوڤياتي اذ تغيَّرت الحدود القومية خلال الحرب. ولم تكن النتيجة ما نَوَته الحكومة السوڤياتية. ولم ترتِّب الهيئة الحاكمة لشهود يهوه لهذا الامر. ولكنَّ ذلك عمل على انجاز ما سبقت وأنبأت به كلمة اللّٰه الملهمة. واذ علَّقت على هذه التطورات، قالت برج المراقبة: «وهكذا يمكن ان يُرى كيف يستطيع الرب، بعنايته، ان يقيم شهودا في ايّ بلد ليرفعوا هناك راية الحق ويعلنوا اسم يهوه.» — عدد ١ شباط ١٩٤٦ (بالانكليزية).
ولم يقل بلد واحد فقط لشهود يهوه: ‹لا يمكنكم ان تدخلوا الى هنا!› او، ‹لا يمكنكم ان تكرزوا هنا.› فقد حدث ذلك مرة بعد اخرى حول الارض، في عشرات البلدان حرفيا، وتكرارا نتيجة لضغط رجال الدين على الرسميين الحكوميين. وبعض هذه البلدان منح شهود يهوه الوضع الشرعي لاحقا. ولكن حتى قبل ان يحدث ذلك، اعتنق آلاف الاشخاص عبادة يهوه، خالق السماء والارض، ضمن حدودهم. فكيف أُنجز ذلك؟
ان التعليل البسيط موجود في الكتاب المقدس، وهو ان لملائكة اللّٰه دورا بارزا في حمل المناشدة الملحة الى الناس من كل امة: «خافوا اللّٰه وأعطوه مجدا لأنه قد جاءت ساعة دينونته واسجدوا لصانع السماء والارض والبحر وينابيع المياه.» — رؤيا ١٤:٦، ٧.
النجاح على الرغم من الظروف الساحقة
ان ما واجهه شهود يهوه في بعض البلدان ليس مجرد تحريمات فُرضت على خدمتهم العامة بل جهود لمحوهم كاملا.
خلال الحرب العالمية الاولى، بذل رجال الدين في الولايات المتحدة وكندا جهدا موحَّدا لوضع حدّ لعمل تلاميذ الكتاب المقدس، كما كان شهود يهوه معروفين آنذاك. وهذا واقع معروف عموما. فعلى الرغم من الضمانات الشرعية لحرية التعبير والدين، ضغط رجال الدين على الرسميين الحكوميين ليحظروا مطبوعات تلاميذ الكتاب المقدس. فاعتُقل واحتُجز كثيرون بدون كفالة؛ وضُرب آخرون بقساوة. وحُكم على رسميي جمعية برج المراقبة وعشرائهم الاحماء بفترات سجن طويلة في اجراءات للمحاكم تَبيَّن لاحقا انها باطلة. قال راي ابرامز في كتابه كارزون يقدِّمون اسلحة: «ان تحليلا لكامل القضية يقود الى الاستنتاج ان الكنائس ورجال الدين كانوا من حيث الاصل وراء الحركة لقمع الرصليين،» كما كان رجال الدين يدعون باستخفاف تلاميذ الكتاب المقدس. ولكن بعد الحرب، برز تلاميذ الكتاب المقدس هؤلاء بقوة اعظم من ايّ وقت مضى ليعلنوا مَلك يهوه، يسوع المسيح، وملكوته. فمن اين اتت هذه القوة المتجددة؟ سبق وأنبأ الكتاب المقدس بحدث كهذا وقال انه سيكون نتيجة «روح حياة من اللّٰه.» — رؤيا ١١:٧-١١.
بعد تولّي النازية السلطة في المانيا، اشتد اضطهاد شهود يهوه في البلدان التي صارت تحت السيطرة النازية. فكانت هنالك اعتقالات ومعاملة وحشية. وفُرض الحظر. وأخيرا، في تشرين الاول ١٩٣٤، ارسلت جماعات شهود يهوه في كل المانيا رسائل مسجَّلة الى الحكومة تذكر بوضوح انه ليست لديهم اية اغراض سياسية بل انهم مصمِّمون ان يطيعوا اللّٰه كحاكم. وفي الوقت نفسه، ارسلت جماعات الشهود في كل العالم برقيات تأييدا لاخوتهم المسيحيين في المانيا.
وفي ذلك اليوم عينه، ٧ تشرين الاول ١٩٣٤، في مكتب الدكتور ڤيلْهَلْم فْريك، في برلين، اعلن أدولف هتلر بقبضتين مشدودتين في ما يتعلق بشهود يهوه: «سيباد هذا الجنس في المانيا!» ولم يكن ذلك مجرد تهديد فارغ. فقد حدثت اعتقالات واسعة الانتشار. واستنادا الى بيان شرطة الدولة السرية الپروسية الخاص المؤرخ في ٢٤ حزيران ١٩٣٦، تشكلت «فرقة ڠستاپو خصوصية» لمحاربة الشهود. وبعد استعداد واسع شنّ الڠستاپو حملتهم لأسر كل شهود يهوه وكل مَن يُشتبه في انه شاهد. وفي ذلك الهجوم كانت شبكة الشرطة بكاملها متورطة، تاركة العناصر الاجرامية دون رادع.
تدل التقارير ان نحو ٢٦٢,٦ شاهدا المانيا اعتُقلوا في نهاية الامر. كتب لاحقا كارل ويتيڠ، رسمي حكومي الماني سابق كان محتجزا في عدة معسكرات اعتقال: «ما من فريق سجناء آخر . . . تعرَّض لسادية جنود وحدات الحماية بالطريقة التي تعرَّض بها تلاميذ الكتاب المقدس. فقد كانت سادية موسومة بسلسلة لا تنتهي من العذابات الجسدية والعقلية، التي لا يمكن لأية لغة في العالم ان تعبِّر عنها.»
وماذا كانت النتيجة؟ في كتاب صدر في السنة ١٩٨٢، تستنتج كريستين كينڠ: «فقط ضد الشهود [بالتباين مع الفرق الدينية الاخرى] كانت الحكومة غير ناجحة.» لقد صرَّح هتلر انه سيبيدهم، فقُتل المئات. ولكنَّ الدكتورة كينڠ تذكر: «استمر العمل [عمل الكرازة بملكوت اللّٰه] وفي ايار ١٩٤٥ كانت حركة شهود يهوه لا تزال ناشطة، في حين ان الاشتراكية القومية لم تكن كذلك.» وتوضح ايضا: «لم تكن هنالك مسايرات.» (الدولة النازية والاديان الجديدة: دراسات لخمس قضايا في عدم الموافقة) فلماذا عجز هتلر، بجيشه المجهَّز جيدا، شرطته المدرَّبة على مستوى رفيع، ومعسكراته العديدة للابادة، عن تنفيذ تهديده بأن يهلك هذا الفريق الصغير نسبيا وغير المسلَّح ممَّن يعتبرهم العالم اناسا عاديين؟ ولماذا عجزت الامم الاخرى عن وضع حدّ لنشاطهم؟ ولماذا بقي شهود يهوه ككل، لا مجرد عدد قليل من الافراد المنعزلين، ثابتين في وجه الاضطهاد الوحشي؟
يكمن الجواب في نصيحة حكيمة اعطاها غمالائيل، معلِّم للناموس، للرفقاء الاعضاء في السنهدريم اليهودي عندما كانوا يعالجون قضية مماثلة تتعلق برسل يسوع المسيح. قال: «تنحَّوا عن هؤلاء الناس واتركوهم. لأنه إن كان هذا الرأي او هذا العمل من الناس فسوف ينتقض. وإن كان من اللّٰه فلا تقدرون ان تنقضوه. لئلا توجدوا محاربين للّٰه ايضا.» — اعمال ٥:٣٨، ٣٩.
وهكذا تظهر الوقائع التاريخية ان المهمة المستحيلة ظاهريا التي فوَّض يسوع الى أتباعه ان يقوموا بها في وجه ما يبدو ظروفا ساحقة تُنجَز لا بالقدرة البشرية بل بروح اللّٰه. وكما قال يسوع نفسه في الصلاة الى اللّٰه: ‹ايها الآب كل شيء مستطاع لك.› — مرقس ١٤:٣٦.
-
-
الكرازة جهرا ومن بيت الی بيتشهود يهوه — منادون بملكوت اللّٰه
-
-
الفصل ٢٥
الكرازة جهرا ومن بيت الى بيت
عندما ارسل يسوع تلاميذه، امرهم: «وفيما انتم ذاهبون اكرزوا قائلين انه قد اقترب ملكوت السموات.» (متى ١٠:٧) وفي وصيَّته النبوية للمسيحيين الحقيقيين الذين كانوا سيحيون خلال اختتام نظام الاشياء قال: «يُكرز ببشارة الملكوت هذه في كل المسكونة شهادة.» (متى ٢٤:١٤) فماذا عنى ذلك؟
لم يعنِ انه كان عليهم ان يبنوا كنائس، يقرعوا جرسا، وينتظروا حتى تجتمع جماعةٌ لتصغي اليهم وهم يقدِّمون موعظة كلَّ اسبوع. فالفعل اليوناني المنقول هنا الى «يكرز» (كِريسّو) يعني، من حيث الاساس، «ينادي كبشير.» والفكرة ليست إلقاء مواعظ على فريق محدود من التلاميذ بل بالاحرى صنع اعلان جهري علني.
رسم يسوع نفسه المثال في ما يتعلق بكيفية القيام بذلك. فذهب الى اماكن حيث كان بإمكانه ان يجد الناس. وفي القرن الاول كان الناس يجتمعون قانونيا في المجامع ليسمعوا قراءة الاسفار المقدسة. فانتهز يسوع الفرص ليكرز لهم هناك، لا في مجرد مدينة واحدة بل في المدن والقرى في كل انحاء الجليل واليهودية. (متى ٤:٢٣؛ لوقا ٤:٤٣، ٤٤؛ يوحنا ١٨:٢٠) وبشكل متكرِّر اكثر ايضا، كما تُظهر سجلات الاناجيل، كرز عند شاطئ البحر، في سفح الجبل، على طول الطريق، في القرى، وفي بيوت اولئك الذين استقبلوه. وحيثما وجد اناسا، كان يتكلم عن قصد اللّٰه للجنس البشري. (لوقا ٥:٣؛ ٦:١٧-٤٩؛ ٧:٣٦-٥٠؛ ٩:١١، ٥٧-٦٢؛ ١٠:٣٨-٤٢؛ يوحنا ٤:٤-٢٦، ٣٩-٤٢) وعندما ارسل تلاميذه، امرهم ان يذهبوا الى بيوت الناس ليفحصوا مَن فيها مستحقون ويشهدوا لهم بملكوت اللّٰه. — متى ١٠:٧، ١١-١٣.
وفي الازمنة العصرية يسعى شهود يهوه الى اتِّباع المثال الذي رسمه يسوع وتلاميذه في القرن الاول.
التبشير بخبر حضور المسيح
اذ ابتدأ تشارلز تاز رصل وعشراؤه يدركون نموذج الحق المتناسق المرسوم في كلمة اللّٰه، تأثَّروا عميقا بما تعلَّموه عن هدف وطريقة رجوع المسيح. فشعر الاخ رصل بالحاجة الى اعلان ذلك وبالالحاح الكبير في هذا الامر على السواء. فرتَّب شؤونه ليسافر الى اماكن يوجد فيها اشخاص يمكنه التكلم اليهم عن حقائق الكتاب المقدس هذه. وحضر الاجتماعات الدينية التي تُعقد في الهواء الطلق واستفاد من الفرص للتكلم اليهم، كما كان يسوع يكرز في المجامع. ولكنه سرعان ما ادرك انه يمكن انجاز المزيد بطرائق اخرى. وأظهر درسه للاسفار المقدسة ان يسوع ورسله قاموا بالجزء الاكبر من كرازتهم وهم يتحدثون شخصيا الى الافراد وحين يذهبون من بيت الى بيت. وأدرك ايضا قيمة متابعة المحادثة بوضع شيء مطبوع بين ايدي الناس.
في السنة ١٨٧٧ كان قد اصدر كراس هدف وطريقة رجوع ربنا. وبعد سنتين شرع في الاصدار القانوني لمجلة برج مراقبة زيون وبشير حضور المسيح. اجل، كان الهدف هو الكرازة، او التبشير، بالخبر الحيوي عن حضور المسيح.
وقديما في السنة ١٨٨١ كانت مطبوعات تلاميذ الكتاب المقدس تُعطى مجانا قرب الكنائس — لا عند ابواب الكنائس مباشرة بل على مقربة منها لكي يتسلَّمها الناس ذوو الميل الديني. وكثيرون من تلاميذ الكتاب المقدس اعطوا مطبوعات كهذه لمعارفهم او ارسلوها بالبريد. وبحلول السنة ١٩٠٣ اوصت برج المراقبة بأن يحاولوا الوصول الى كل شخص بتوزيع النشرات من بيت الى بيت، عوض التركيز على روَّاد الكنائس. لم يفعل هذا كل تلاميذ الكتاب المقدس، لكنَّ كثيرين تجاوبوا بغيرة حقيقية. مثلا، أُخبر انه في عدد من المدن الكبرى في الولايات المتحدة، وكذلك في ضواحيها على بعد عشرة اميال (١٦ كلم) او اكثر بكل اتجاه، جرت زيارة كل بيت تقريبا. وبهذه الطريقة وُزِّعت ملايين وملايين النشرات او الكراريس. وفي ذلك الوقت كان معظم تلاميذ الكتاب المقدس الذين اشتركوا في نشر البشارة قد فعلوا ذلك بشكل من اشكال التوزيع المجاني للنشرات والمطبوعات الاخرى.
وآخرون من تلاميذ الكتاب المقدس — وهم اقل عددا — خدموا كمبشرين جائلين لتوزيع المطبوعات، مستعملين جزءا كبيرا من وقتهم كليا لهذا العمل.
موزعو المطبوعات الجائلون الغيورون في الطليعة
ان الدعوة الاولى للرجال والنساء المنتذرين الذين يمكنهم استعمال مقدار كبير من وقتهم في هذه الخدمة خرجت في نيسان ١٨٨١. فكانوا يقدِّمون لاصحاب البيوت ورجال الاعمال كتابا صغيرا يشرح حقائق الكتاب المقدس واشتراكا في برج المراقبة. وكان هدفهم ان يفتِّشوا جاهدين عن الجياع للحق ويشتركوا معهم في الاستنارة. وقد حاولوا لمدة من الوقت ان يقولوا مجرد ما يكفي لاثارة الاهتمام، تاركين في كل بيت رزمة صغيرة تحتوي على مطبوعات ليتفحَّصها صاحب البيت، وعائدين بعد ايام قليلة. كان بعض اصحاب البيوت يعيدون المطبوعات؛ وكان آخرون يرغبون في شرائها؛ وكثيرا ما كانت تُتاح الفرص للمحادثة. وفي ما يتعلق بهدفهم، ذكرت برج المراقبة: «ليس الامر بيع الرِّزَم الصغيرة، ولا الحصول على الاشتراكات، بل نشر الحق بحمل الناس على القراءة.»
كان العدد الذي اشترك في عمل التبشير الجائل لتوزيع المطبوعات هذا صغيرا نسبيا. فخلال الـ ٣٠ سنة الاولى، تراوحت صفوفهم بين عدد قليل و ٦٠٠ او نحو ذلك. وكان موزعو المطبوعات الجائلون هؤلاء فاتحين بكل معنى الكلمة، مفتتحين مقاطعات جديدة. كانت آنا اندرسن واحدة من الذين واظبوا على هذه الخدمة لعقود، متنقِّلة عادةً على دراجة، وقد وصلت شخصيا بالبشارة الى كل بلدة تقريبا في النَّروج. وسافر موزعو مطبوعات جائلون آخرون الى الخارج وكانوا اول مَن حملوا الرسالة الى بلدان مثل فنلندا، باربادوس، السلڤادور، ڠواتيمالا، هُندوراس، وبورما (الآن ميانمار). وكان هنالك ايضا بعض الذين لم يكونوا قادرين على الانتقال الى مناطق اخرى ولكنهم خدموا كمبشرين جائلين لتوزيع المطبوعات في مقاطعتهم المحلية.
كان عمل موزعي المطبوعات الجائلين رائعا. وفي السنة ١٨٩٨ كتب شخص كان يخدم في الساحل الغربي للولايات المتحدة انه، خلال الاشهر الـ ٣٣ الماضية، سافر ٠٠٠,٨ ميل (٨٠٠,١٢ كلم) بعربته وجواده، شهد في ٧٢ بلدة، قام بـ ٠٠٠,١٨ زيارة، وضع ٥٠٠,٤ كتاب، حصل على ١٢٥ اشتراكا، وزَّع مجانا ٠٠٠,٤٠ نشرة، ورأى ٤٠ شخصا ليس فقط يقبلون الرسالة بل ايضا يبدأون باخبارها للآخرين. ونجح فريق يتألف من زوج وزوجة يخدم في اوستراليا في وضع ٠٠٠,٢٠ كتاب بين ايدي الاشخاص المهتمين خلال فترة سنتين ونصف فقط.
هل كانت التوزيعات الكثيرة استثناء ام قاعدة؟ يظهر تقرير السنة ١٩٠٩ ان نحو ٦٢٥ موزِّعا للمطبوعات جائلا (المجموع في القائمة في ذلك الوقت) تسلَّموا من الجمعية ٩٨١,٦٢٦ كتابا مجلَّدا للتوزيع على العامة (معدل اكثر من ألف لكل موزِّع مطبوعات جائل)، الى جانب مقدار كبير من المطبوعات المجانية. وفي اغلب الاحيان لم يكن بإمكانهم ان يحملوا ما يكفي من الكتب من بيت الى بيت، ولذلك كانوا يأخذون الطلبات ثم يعودون لاحقا للتسليم.
لكنَّ البعض اعترضوا: «هذه ليست كرازة!» ولكنها في الواقع، كما اوضح الاخ رصل، كانت كرازة من النوع الاكثر فعَّالية. فعوض الاصغاء الى مجرد موعظة واحدة، كان الناس ينالون مواعظ عديدة في شكل مطبوع وهكذا كان بإمكانهم ان يتمتعوا بها مرة بعد اخرى وأن يتحقَّقوا محتوياتها في كتبهم المقدسة. فهذا كان تبشيرا اخذ في الاعتبار واقع ان التعليم العام مكَّن الناس من القراءة. اوضح كتاب الخليقة الجديدة: «ان واقع عمل هؤلاء المبشرين وفقا لأساليب تلائم زمننا بدلا من اساليب تلائم الماضي ليس حجة ضد هذا العمل اكثر من واقع سفرهم بوسائل تعمل بالطاقة البخارية والكهربائية بدلا من المشي او ركوب الجمال. فالتبشير هو بتقديم الحق . . .، كلمة اللّٰه.»
ان الاهتمام الاصيل لتلاميذ الكتاب المقدس بمساعدة الناس كان ظاهرا في الشمولية التي صارت على مر الوقت صفة تميِّز عملهم الكرازي. وقد اختصرت برج المراقبة عدد ١ آذار ١٩١٧ (بالانكليزية) البرنامج كما يلي: اولا، يقوم موزعو المطبوعات الجائلون بزيارة المنازل في المنطقة، مقدِّمين مجلَّدات دروس في الاسفار المقدسة. ثم يقوم العمال الرعويونa بزيارة الاشخاص الذين يسجِّل اسماءهم موزعو المطبوعات الجائلون او يقدِّمونها في الاجتماعات العامة. وكانوا يحاولون اثارة الرغبة في قراءة المطبوعات، يشجِّعون المهتمين على حضور الخطابات المرتَّبة بشكل خصوصي، ويبذلون جهدا لترتيب صفوف للدرس البيري للكتاب المقدس. وعندما يكون ممكنا، يغطي موزعو المطبوعات الجائلون المنطقة نفسها من جديد، ثم يلاحق العمال الرعويون زياراتهم بهدف البقاء على اتصال بالذين اظهروا اهتماما. وفي ما بعد يزور عمال الصف الآخرون المنازل نفسها بمواد طوعية، كما كانوا يَدْعون النشرات والمطبوعات المجانية الاخرى التي يقدِّمونها. وهذا مكَّن الجميع من نيل شيء على الاقل قد يثير الرغبة في تعلُّم المزيد عن قصد اللّٰه.
عندما كان يخدم موزع مطبوعات جائل واحد او اثنان فقط في منطقة، ولم تكن هنالك جماعة، كثيرا ما كان موزعو المطبوعات الجائلون يقومون هم بعمل الملاحقة. وهكذا، عندما ذهب هرمان هِركِندِل ورفيقه الى بيلفَلت، المانيا، كموزعَي مطبوعات جائلَين في السنة ١٩٠٨، أُعطيا تعليمات على وجه التخصيص بأن يعرِّفا المهتمين في المنطقة بعضهم ببعض ويشكِّلا جماعة. وبعد سنوات قليلة، ذكرت برج المراقبة موزعي مطبوعات جائلين آخرين كانوا يمنحون انتباها شخصيا للمهتمين حتى انهم كانوا يتركون صفا من تلاميذ الكتاب المقدس في كل بلدة او مدينة يخدمون فيها.
وزُوِّد مساعد قيِّم في هذا العمل سنة ١٩٢١ في كتاب The Harp of God (قيثارة اللّٰه). واذ صُمِّم خصوصا لفائدة المبتدئين، بلغ توزيع الكتاب اخيرا ٠٣٧,٨١٩,٥ بـ ٢٢ لغة. ولمساعدة الذين حصلوا على هذا الكتاب، رتَّبت الجمعية مقرَّرا تعليميا بالمراسلة في درس للكتاب المقدس مرتَّب بحسب المواضيع. وقد تألف هذا المقرَّر من ١٢ مجموعة من الاسئلة ترسَل خلال فترة ١٢ اسبوعا. وباستعمال هذا الكتاب كانت تُصنَع ايضا ترتيبات لمناقشات للكتاب المقدس كفريق في بيوت الاشخاص المهتمين. وكان عدد من تلاميذ الكتاب المقدس يحضر عادةً درسا كهذا.
ولكنَّ الشهود كانوا مدركين جيدا ضخامة الحقل وقلَّة أعدادهم. — لوقا ١٠:٢.
الوصول الى كثيرين عندما كانت الاعداد قليلة
اوضحت برج المراقبة ان اولئك الذين هم مسيحيون ممسوحون بالروح حقا، لديهم المسؤولية المعطاة من اللّٰه ان يجدوا ويساعدوا كل الذين هم مسيحيون مخلصون، سواء أكانوا من روَّاد الكنائس أم لا. (اشعياء ٦١:١، ٢) فكيف كان يمكن القيام بذلك؟
ان تلميذَي الكتاب المقدس (ج. سي. سانْدِرْلِن و ج. ج. بِندر) اللذين أُرسلا الى انكلترا في السنة ١٨٨١ كان يمكن ان ينجزا القليل نسبيا وحدهما؛ ولكن بمساعدة مئات الشبان الذين دُفع لهم لقاء خدماتهم، نجحا في توزيع ٠٠٠,٣٠٠ نسخة من طعام للمسيحيين المفكرين في مجرد وقت قصير. وأدولف وايبر، الذي عاد الى سويسرا حاملا البشارة في اواسط تسعينات الـ ١٨٠٠، كانت لديه مقاطعة واسعة تمتد الى بلدان عديدة ليكرز فيها. فكيف كان بإمكانه ان يغطيها كلها؟ لقد سافر شخصيا بعيدا كموزع جائل للمطبوعات، ولكنه وضع ايضا اعلانات في الصحف وصنع الترتيبات لكي يشمل باعةُ الكتب مطبوعات برج المراقبة بمجموعاتهم. والفريق الصغير لتلاميذ الكتاب المقدس في المانيا في السنة ١٩٠٧ رتَّب لارسال ٠٠٠,٨٥٠,٤ نشرة مؤلَّفة من اربع صفحات مع الصحف بالبريد. وبعد الحرب العالمية الاولى بوقت قصير، دفع المال اخ من لاتڤيا، وهو احد مستخدَمي المركز الرئيسي للجمعية في نيويورك، لقاء نشر اعلانات في الصحف في بلده الام. وأحد الرجال الذي تجاوب مع احد هذه الاعلانات صار اول تلميذ للكتاب المقدس في لاتڤيا. إلا ان استعمال وسائل دعاية كهذه لم يحل محل الشهادة الشخصية والبحث من بيت الى بيت عن المستحقين. ولكنها استُعملت لتوسيع المناداة.
إلا انه نُشر في الصحف اكثر من مجرد اعلانات. فخلال السنوات التي ادَّت الى الحرب العالمية الاولى، وتحت اشراف الاخ رصل، نُشرت مواعظه قانونيا. وفي فترة قصيرة ازداد نشرها في الصحف بشكل مذهل. فأكثر من ٠٠٠,٢ صحيفة، بمجموع قرَّاء من ٠٠٠,٠٠٠,١٥، كانت تحمل هذه المواعظ في آن واحد في الولايات المتحدة، كندا، بريطانيا، اوستراليا، وجنوب افريقيا. وهل كان بالامكان فعل المزيد؟ اعتقد الاخ رصل ذلك.
بعد سنتين من التحضير، عُرضت لأول مرة «رواية الخلق المصوَّرة» في كانون الثاني ١٩١٤. وقد قُدِّمت «الرواية المصوَّرة» في اربعة اجزاء. وشمل البرنامج الذي يستغرق ثماني ساعات صورا متحركة وصورا منزلقة، متناسقة مع تسجيلات صوتية. لقد كانت في الحقيقة انتاجا رائعا مصمَّما لبناء التقدير للكتاب المقدس وقصد اللّٰه كما هو موجود فيه. ونُظِّمت العروض بحيث يكون بالامكان خدمة ٨٠ مدينة كل يوم. وجرى الاعلان مسبقا بواسطة الصحف، عدد كبير من اللافتات الموضوعة على زجاج شبابيك البيوت وواجهات المتاجر، وتوزيع كميات ضخمة من المواد المطبوعة المجانية المصمَّمة لاثارة الاهتمام بـ «الرواية المصوَّرة.» وحيثما عُرضت كانت الحشود تخرج لرؤيتها. وفي غضون سنة، وصلت «الرواية المصوَّرة» الى حضور يزيد مجموعه على ٠٠٠,٠٠٠,٨ شخص في الولايات المتحدة وكندا، ووردت تقارير عن حشود كبيرة اخرى من بريطانيا والقارة الاوروپية بالاضافة الى اوستراليا ونيوزيلندا. وتبعت «الرواية المصوَّرة» نسخةٌ معدَّلة اقصر نوعا ما (دون الصور المتحركة) للاستعمال في البلدات الاصغر والمناطق الريفية. واستمر استعمال الرواية لعقدين على الاقل بلغات مختلفة. فأُثير كثير من الاهتمام، قُدِّمت اسماء المهتمين، وجرى القيام بزيارات الملاحقة.
ثم، في السنة ١٩٢٠، توافرت اداة اخرى لاعلان رسالة الملكوت بشكل واسع. وشعر الاخ رذرفورد بقوة بأن يد الرب كانت ظاهرة في تطوُّرها. فماذا كانت؟ الراديو. فبعد اقل من سنتين من ابتداء البث القانوني لأول محطة اذاعية تجارية في العالم (في السنة ١٩٢٠)، تكلَّم ج. ف. رذرفورد، رئيس جمعية برج المراقبة، على الهواء لاذاعة حق الكتاب المقدس. وهذه كانت اداة يمكن ان تصل الى ملايين الناس في آن واحد. وبعد سنتين اضافيتين، في السنة ١٩٢٤، كانت للجمعية محطتها الاذاعية الخاصة، WBBR، العاملة في نيويورك. وبحلول السنة ١٩٣٣، السنة الذروة، كانت ٤٠٨ محطات تُستخدم لنقل الرسالة الى ست قارات. والى جانب البرامج الاذاعية الحية، سُجِّلت مسبقا برامج حول عدد كبير من المواضيع. وجرى القيام بالاعلان المحلي المكثَّف بتوزيع اعلانات مطبوعة لكي يعلم الناس بالبرامج الاذاعية ويستفيدوا منها. وهذه البرامج الاذاعية خففت كثيرا التحامل وفتحت اعين الاشخاص المستقيمي القلب. فكثيرون من الناس، بدافع الخوف من جيرانهم ورجال الدين، احجموا عن حضور الاجتماعات التي يرعاها تلاميذ الكتاب المقدس، ولكنَّ ذلك لم يمنعهم من الاصغاء الى الراديو في عزلة بيوتهم الخاصة. ولم تحل البرامج الاذاعية محل الحاجة الى الشهادة من بيت الى بيت؛ لكنها حملت حق الكتاب المقدس الى اماكن يصعب الوصول اليها، وزوَّدت فرصا ملائمة ممتازة للمحادثات عندما كان الشهود يزورون البيوت شخصيا.
مسؤولية كل فرد ان يشهد
طوال عقود في برج المراقبة، لُفِت الانتباه الى مسؤولية الاشتراك الشخصي في الشهادة. ولكن من السنة ١٩١٩ فصاعدا كان ذلك موضوعا للمناقشة المستمرة في المطبوعات وفي برامج المحافل. ومع ذلك بالنسبة الى كثيرين لم يكن من السهل الاقتراب الى الغرباء عند بابهم، وفي بادئ الامر اشترك قانونيا عدد محدود فقط من تلاميذ الكتاب المقدس في الشهادة من بيت الى بيت.
مُنح تشجيع مبهج للقلب مؤسس على الاسفار المقدسة. وبرز الموضوع «مبارَكون هم الشجعان» في عددَي برج المراقبة ١ و ١٥ آب ١٩١٩ (بالانكليزية). وقد حذَّر من خوف الانسان، لفت الانتباه الى محاربي جدعون الـ ٣٠٠ الشجعان الذين كانوا منتبهين ومستعدين للخدمة بالطريقة التي يوجِّههم اليها الرب وفي وجه الصعاب التي تبدو ساحقة، ومدح اتكال اليشع الشجاع على يهوه. (قضاة ٧:١-٢٥؛ ٢ ملوك ٦:١١-١٩؛ امثال ٢٩:٢٥) وفي السنة ١٩٢١، ابرزت المقالة «تشجَّعوا» لا مجرد الواجب بل الامتياز الذي للخدمة الى جانب الرب ضد قوى الظلمة الشيطانية بالاشتراك في القيام بالعمل المنبإ به في متى ٢٤:١٤. والذين تفرض عليهم ظروفهم تقييدات، جرى حثُّهم على عدم التثبُّط وفي الوقت نفسه على عدم الاحجام عن فعل ما في وسعهم.
وبواسطة مناقشات صريحة مؤسسة على الاسفار المقدسة، جعلت برج المراقبة كل الذين يدَّعون انهم خدام ممسوحون للّٰه يدركون مسؤوليتهم ان يكونوا منادين بملكوت اللّٰه. واحتوى عدد ١٥ آب ١٩٢٢ (بالانكليزية) على مقالة مختصرة وصريحة بعنوان «الخدمة اساسية» — اي الخدمة تمثُّلا بالمسيح، الخدمة التي كانت ستأخذ الفرد الى بيوت الآخرين لاخبارهم عن ملكوت اللّٰه. ولاحقا في تلك السنة عينها، أُظهر ان خدمة كهذه يجب ان تدفعها المحبة لتكون ذات قيمة في نظر اللّٰه. (١ يوحنا ٥:٣) والمقالة في عدد ١٥ حزيران ١٩٢٦ (بالانكليزية) ذكرت ان اللّٰه لا يتأثر مطلقا بالعبادة الشكلية؛ فما يريده هو الطاعة، وهذا يشمل التقدير لاية وسيلة يستعملها لانجاز قصده. (١ صموئيل ١٥:٢٢) وفي السنة التالية، عند التأمل في «مهمة المسيحيين على الارض،» وُجِّه الانتباه الى دور يسوع بصفته «الشاهد الامين الصادق» والى واقع ان الرسول بولس كرز «جهرا ومن بيت الى بيت.» — رؤيا ٣:١٤؛ اعمال ٢٠:٢٠، عج.
وكانت العروض المفصَّلة ليحفظها الناشرون تُزوَّد في النشرة، رسالتهم الشهرية التي تحتوي على ارشادات تتعلق بالخدمة. وكان يُمنح التشجيع على الاشتراك في خدمة الحقل قانونيا كل اسبوع. ولكنَّ عدد الذين يشهدون فعليا بالذهاب من بيت الى بيت كان صغيرا في البداية، وبعض الذين بدأوا لم يستمروا في العمل. ففي الولايات المتحدة، مثلا، كان المعدل الاسبوعي لعدد الذين أُخبر انهم اشتركوا في خدمة الحقل سنة ١٩٢٢ يبلغ ٧١٢,٢. ولكن بحلول السنة ١٩٢٤، انخفض الرقم الى ٠٣٤,٢. وفي السنة ١٩٢٦، ارتفع المعدل الى ٢٦١,٢، بذروة ٩٣٧,٥ اشتركوا خلال اسبوع واحد من النشاط الخصوصي.
ثم، في وقت متأخر من السنة ١٩٢٦، ابتدأت الجمعية تشجِّع الجماعات ان يشملوا جزءا من يوم الاحد كوقت لشهادة الفريق وأن يقدِّموا في ذلك الوقت لا النشرات فقط بل ايضا الكتب لدرس الكتاب المقدس. وفي السنة ١٩٢٧، حثَّت برج المراقبة الاولياء في الجماعات ان ينحّوا عن مركز شيخ كل مَن يُظهر كلامهم او اعمالهم انهم لا يقبلون مسؤولية الشهادة جهرا ومن بيت الى بيت. وهكذا، مجازيا، نُزعت الاغصان التي لا تأتي بثمر، وتلك الباقية جرى قضبها لكي تأتي بثمر اكثر تسبيحا للّٰه. (قارنوا مثل يسوع في يوحنا ١٥:١-١٠.) وهل انتج ذلك فعلا زيادة في تسبيح يهوه الجهري؟ شهدت السنة ١٩٢٨ زيادة ٥٣ في المئة في المعدل الاسبوعي لعدد المشتركين في الشهادة في الولايات المتحدة!
لم يعد الشهود يكتفون بتسليم الناس نشرة مجانية والانتقال الى البيت التالي. فقد كان المزيد منهم يتكلمون باختصار مع اصحاب البيوت، محاولين اثارة الاهتمام برسالة الكتاب المقدس، ثم يعرضون عليهم الكتب ليقرأوها.
كان اولئك الشهود الاولون شجعانا بالتأكيد، بالرغم من انهم لم يكونوا جميعا لبقين. ومع ذلك برزوا متميزين عن الفرق الدينية الاخرى. فهم لم يقولوا فقط ان كل فرد يجب ان يشهد لايمانه. ولكنهم كانوا يقومون بذلك فعلا بأعداد متزايدة على الدوام.
بطاقات الشهادة والفونوڠرافات
في وقت متأخر من السنة ١٩٣٣ جرى الابتداء بأسلوب مختلف للكرازة. كمقدمة، كان الشهود يسلِّمون الناس بطاقة شهادة فيها رسالة مختصرة ليقرأها صاحب البيت. وكان ذلك مساعدا الى حد بعيد وخصوصا للناشرين الجدد، الذين لم ينالوا الكثير من التدريب في تلك الايام. وعموما، كانوا يقدِّمون لصاحب البيت مجرد تعليقات مختصرة قليلة بعد ان تكون البطاقة قد قُرئت؛ وكان البعض يتكلمون بشكل مطوَّل اكثر، مستخدمين الكتاب المقدس. واستمر استعمال بطاقات الشهادة حتى اواخر اربعينات الـ ١٩٠٠. وسمح ذلك بتغطية سريعة للمقاطعة، ومكَّن الشهود من بلوغ مزيد من الناس، ايصال الكثير من مطبوعات الكتاب المقدس القيِّمة الى ايديهم، اعطاء شهادة موحَّدة، وحتى تقديم الرسالة للناس الذين لا يتكلمون لغتهم. وأدَّى ايضا الى لحظات حرجة عندما كان اصحاب البيوت يحتفظون بالبطاقة ويغلقون بابهم، مما يضطر الشاهد الى القرع من جديد لاسترجاعها!
ومحاضرات الكتاب المقدس المسجَّلة كان لها ايضا دور بارز خلال ثلاثينات الـ ١٩٠٠ وأوائل اربعينات الـ ١٩٠٠. ففي السنة ١٩٣٤، ابتدأ بعض الشهود يأخذون معهم فونوڠرافا قابلا للحمل عندما يذهبون للشهادة. وكان الجهاز ثقيلا الى حد ما، ولذلك كانوا يُبقونه في سياراتهم او يتركونه في مكان ملائم حتى يجدوا اشخاصا راغبين في الاصغاء الى خطاب مسجَّل من الكتاب المقدس. ثم، في السنة ١٩٣٧، جرى الابتداء باستخدام الفونوڠراف القابل للحمل عند عتبة الباب. وكان الاجراء بسيطا: بعد ان يذكر الشاهد انَّ لديه رسالة مهمة من الكتاب المقدس، كان يضع الإبرة على الاسطوانة ويدعها تتكلم. كاسپر كايم، فاتح الماني يخدم في النَّذَرلند، كان شاكرا جدا على ‹هٰرونه،› كما دعا الفونوڠراف، لانه كان يستصعب الشهادة بالهولندية. (قارنوا خروج ٤:١٤-١٦.) وبدافع الفضول كانت احيانا عائلات بكاملها تصغي الى الاسطوانات.
في السنة ١٩٤٠، كان يُستعمَل اكثر من ٠٠٠,٤٠ فونوڠراف. وفي تلك السنة أُدخل طراز عمودي جديد من تصميم وصنع الشهود، واستُعمل خصوصا في الاميركتين. وقد اثار فضولا اكثر ايضا لانه لم يكن بإمكان اصحاب البيوت ان يروا الاسطوانات وهي تشغَّل. وكانت كل اسطوانة تدور بسرعة ٧٨ دورة في الدقيقة ومدَّتها اربع دقائق ونصف. وكانت العناوين قصيرة وتصيب الهدف: «الملكوت،» «الصلاة،» «الطريق الى الحياة،» «الثالوث،» «المطهر،» «لماذا يقاوم رجال الدين الحق.» وقد سُجِّل ما يزيد على ٩٠ محاضرة مختلفة؛ وأكثر من مليون اسطوانة وُضعت قيد الاستعمال. وكانت العروض واضحة وسهلة المتابعة. وكثيرون من اصحاب البيوت اصغوا بتقدير؛ وقليلون تجاوبوا بعنف. ولكن جرى تقديم شهادة فعَّالة ومنتظمة.
اعلان البشارة بجرأة في الاماكن العامة
مع ان بطاقات الشهادة وأسطوانات الفونوڠراف كانت تقوم بالقسط الاكبر من «الكلام،» كانت تلزم شجاعة كبيرة ليكون المرء شاهدا خلال تلك السنوات. فطبيعة العمل بحد ذاتها تطلَّبت من الشهود الافراد ان يظهروا امام الناس.
عقب محفل السنة ١٩٣١ في كولومبس، اوهايو، وزَّع شهود يهوه كراس الملكوت، رجاء العالم، الذي تضمَّن قرارا بعنوان «تحذير من يهوه» كان موجَّها «الى الحكام والى الشعب.» واعترفوا بأنه يُلقى عليهم، كشهود ليهوه، التزام خطير ان يقدِّموا التحذير الموجود في كلمته. (حزقيال ٣:١٧-٢١) وهم لم يكتفوا بوضع هذه الكراريس في البريد او دسِّها تحت الابواب. لقد سلَّموها شخصيا. فزاروا كل رجال الدين والى الحد الممكن السياسيين، القادة العسكريين، والموظفين الاداريين في الشركات الكبرى. وبالاضافة الى ذلك، زاروا الناس عموما في مئة بلد تقريبا حيث كان شهود يهوه آنذاك يواصلون شهادة منظَّمة.
وبحلول السنة ١٩٣٣ كانوا يستخدمون فونوڠرافات قوية الصوت لتشغيل اسطوانات محاضرات صريحة مؤسسة على الكتاب المقدس في الاماكن العامة. وكان الاخَوان سْمِتْس وپولمانس يضعان تجهيزاتهما على دراجة ثلاثية العجلات ويقفان الى جانبها فيما تذيع عاليا الرسالة في الاسواق وقرب الكنائس في لييج، بلجيكا. وكثيرا ما كانوا يقضون هناك عشر ساعات كل يوم. وكان الناس في جامايكا يتجمعون بسرعة عندما يسمعون الموسيقى، ولذلك كان الاخوة هناك يشغِّلون الموسيقى اولا. وعندما يخرج الحشود بأعداد كبيرة من مناطق الادغال الى الطرق الرئيسية ليروا ما يحدث، كانوا يجدون شهود يهوه يقدِّمون رسالة الملكوت.
كانت بعض اجهزة الفونوڠراف هذه تُركَّب في السيارات والقوارب، بمكبِّرات للصوت على السطح لجعل مدى الصوت ابعد. وكان برت وڤَي هورتُن، في اوستراليا، يديران شاحنة صغيرة مقفلة وعلى سطحها مكبِّر للصوت تظهر عليه الكلمتان «رسالة الملكوت.» وذات سنة جعلا كل شارع في ملبورن تقريبا يضجُّ بتشهيرات مثيرة للدين الباطل ووصف مبهج لبركات ملكوت اللّٰه. وخلال تلك السنوات، كان كلود ڠودمان يخدم كفاتح في الهند. واستعمال السيارة المزوَّدة بمكبِّر للصوت، مع اسطوانات باللغات المحلية، مكَّنه من الوصول الى الحشود الكبيرة في الاسواق، في المتنزَّهات، على طول الطريق — حيثما يمكن ان يوجد الناس.
عندما كان الاخوة في لبنان يوقفون سيارتهم المزوَّدة بمكبِّر للصوت على تلّ ويبثّون المحاضرات، كان الصوت يبلغ الاودية. والناس في القرى، اذ لا يرون مصدر الصوت، كانوا احيانا يخافون، معتقدين ان اللّٰه يتكلم اليهم من السموات!
ولكن كانت هنالك لحظات قليلة من التوتُّر بالنسبة الى الاخوة. ففي احدى المناسبات، في سوريا، ترك كاهن القرية غداءه على الطاولة، قبض على عكازه الكبير، وخرج راكضا الى الحشد الذي اجتمع ليسمع محاضرة من الكتاب المقدس تُبَثّ من سيارة مزوَّدة بمكبِّر للصوت. فطلب ملوِّحا بعكَّازه بغضب وصراخ: «توقفوا! آمركم بأن تتوقفوا!» ولكنَّ الاخوة ادركوا انه لم يكن الجميع يوافقونه؛ فكان هنالك مَن يريدون ان يسمعوا. وسرعان ما رفع بعض من الحشد الكاهنَ معا وحملوه عائدين به الى منزله، حيث وضعوه من جديد على طاولة الغداء! فعلى الرغم من مقاومة رجال الدين، تأكد الشهود بشجاعة ان الناس يحصلون على فرصة للسماع.
شهدت هذه الفترة ايضا استخداما مكثَّفا للَّافتات الاعلانية التي كان الشهود يلبسونها في المناطق التجارية وهم يوزِّعون الدعوات الى المحاضرات الخصوصية. بدأ ذلك في السنة ١٩٣٦ في ڠلاسكو، أسكتلندا. وفي تلك السنة استُعمل اسلوب الاعلان نفسه في لندن، انكلترا، ثم في الولايات المتحدة. وبعد سنتين وُسِّعت مثل هذه الاعلانات بحَمل لافتات معلَّقة على عصي. وقد اعلنت هذه اللافتات، «الدين هو شرك وخدعة»b و«اخدموا اللّٰه والمسيح الملك.» وفي وقت المحفل، كان يمكن ان يبلغ طول صف المشاة الحاملين هذه اللافتات اميالا. وإذ كانوا يمشون بهدوء، في صف طويل واحد، على طول الشوارع الناشطة الحركة، كان المظهر اشبه بذاك الذي لجيش اسرائيل القديمة وهو يدور حول اريحا قبل سقوط اسوارها. (يشوع ٦:١٠، ١٥-٢١) وقُدِّمت شهادة علنية جريئة كهذه من لندن، انكلترا، الى مانيلا، في الفيليپين.
وجرى الابتداء ايضا بأسلوب آخر للشهادة العلنية في السنة ١٩٤٠. فانسجاما مع الآية التي تشير الى ‹الحكمة التي تنادي في الشوارع،› بدأ شهود يهوه في شباط من تلك السنة بتوزيع برج المراقبة والتعزية (المعروفة الآن بـ استيقظ!) في زوايا الشوارع.c (امثال ١:٢٠) وكانوا ينادون بشعارات تلفت الانتباه الى المجلات والرسالة التي تحتويها. وفي المدن الكبيرة والبلدات الصغيرة في كل انحاء العالم، صار شهود يهوه وهم يقدِّمون مجلاتهم منظرا مألوفا. لكنَّ القيام بهذا العمل يتطلَّب الشجاعة، وشجاعة كهذه كانت لازمة خصوصا عندما بدأ هذا العمل، لانها كانت فترة كَثُر فيها الاضطهاد المقترن بحمّى قومية زمن الحرب.
عندما دُعوا الى الاشتراك في شهادة علنية كهذه، تجاوب الشهود بايمان. وعدد الذين اشتركوا شخصيا في العمل استمر في الازدياد. فقد حسبوه امتيازا ان يعربوا عن استقامتهم امام يهوه بهذه الطريقة. ولكن كان هنالك المزيد ليتعلَّموه.
كل فرد قادر على توضيح ايمانه
بدأ برنامج تعليمي رائع في السنة ١٩٤٢. وقد بدأ في المركز الرئيسي العالمي لشهود يهوه، وبحلول السنة التالية، بدأ العمل به في جماعات شهود يهوه في كل انحاء الارض. وإذ كانوا واثقين ان روح اللّٰه كان عليهم وأنه وضع كلمته في افواههم، صمَّموا على الكرازة بتلك الكلمة حتى ولو حرمهم المضطهِدون من مطبوعات برج المراقبة او الكتاب المقدس نفسه. (اشعياء ٥٩:٢١) وكانت هنالك من قبل بلدان، مثل نَيجيريا، حيث كان للشهود الكتاب المقدس وحده ليستعملوه عند الكرازة، لان الحكومة حظرت كل مطبوعات برج المراقبة وصادرت ايضا مطبوعات اخوة كثيرين في مكتباتهم الخاصة.
في ١٦ شباط ١٩٤٢ ابدأ الاخ نور منهجا متقدما في الخدمة الثيوقراطية في «بيت ايل» ببروكلين، نيويورك. وزوَّد المقرَّر ارشادا في امور كالبحث، تعبير المرء عن نفسه بشكل واضح وصحيح، صنع مجمل للمواد من اجل القاء المحاضرات، تقديم الخطابات بفعَّالية، عرض الافكار بإقناع، والاتصاف باللباقة. وكان يُرحَّب بحضور الاخوة والاخوات على السواء، لكنَّ الذكور وحدهم كانوا مدعوين الى الانخراط وتقديم خطابات التلاميذ التي سيُنصَحون بشأنها. وسرعان ما صارت الفوائد واضحة لا عند التكلُّم من على المنبر فقط بل ايضا بفعَّالية اعظم في الكرازة من بيت الى بيت.
وفي السنة التالية ابتدأ هذا التعليم يمتد الى جماعات شهود يهوه المحلية في كل انحاء العالم. كان اولا بالانكليزية، ثم بلغات اخرى. وقصد المدرسة المعلَن كان مساعدة كل فرد من شهود يهوه ليكون قادرا على تعليم الآخرين عند مقابلة الناس من بيت الى بيت، القيام بالزيارات المكررة، وإدارة دروس في الكتاب المقدس. فكانت ستجري مساعدة كل شاهد ليصير خادما مؤهَّلا. (٢ تيموثاوس ٢:٢) وفي السنة ١٩٥٩، أُعطيت الاخوات ايضا فرصة الانخراط في المدرسة وتقديم الخطابات في مشاهد لخدمة الحقل — لا بمخاطبة الحضور بكامله بل بالاحرى الشخص المعيَّن ليأخذ دور صاحب البيت. ولم يكن ذلك كل شيء.
فمنذ السنة ١٩٢٦ كان ممثِّلو الجمعية الجائلون يعملون مع الشهود الافراد في خدمة الحقل بهدف مساعدتهم على تحسين قدراتهم. ولكن، في محفل اممي في نيويورك في السنة ١٩٥٣، اذ كان نظار الدوائر والكور جالسين امام المنبر، اعلن الاخ نور ان العمل الرئيسي لكل الخدام، او النظار، يجب ان يكون مساعدة كل شاهد على الصيرورة خادما قانونيا من بيت الى بيت. «كل شخص،» قال، «يجب ان يكون قادرا على الكرازة بالبشارة من بيت الى بيت.» فجرى الشروع في حملة عالمية لانجاز ذلك.
ولماذا مثل هذا التشديد على المسألة؟ تأملوا في الولايات المتحدة كمثال: في ذلك الوقت كان ٢٨ في المئة من الشهود يجعلون نشاطهم يقتصر على توزيع اوراق الدعوة او الوقوف في الشوارع ومعهم المجلات. وأكثر من ٤٠ في المئة من الشهود كانوا يشتركون في خدمة الحقل انما بشكل غير قانوني، سامحين بانقضاء اشهر دون القيام بأية شهادة على الاطلاق. وكانت هنالك حاجة الى المساعدة الحبية في شكل تدريب شخصي. فوُضِعت الخطط التي كانت ستمكِّن كل شهود يهوه الذين لم يكونوا آنذاك شهودا من بيت الى بيت من نيل المساعدة في الاقتراب الى الناس عند ابوابهم، التكلُّم اليهم من الكتاب المقدس، والاجابة عن اسئلتهم. وكانوا سيتعلمون تحضير مواعظ مؤسسة على الاسفار المقدسة يمكنهم تقديمها ربما في ثلاث دقائق للناس المشغولين، او في نحو ثماني دقائق للآخرين. وكان الهدف مساعدة كل شاهد على الصيرورة مبشِّرا مسيحيا ناضجا.
لم يكن النظار الجائلون وحدهم الاشخاص الذين قدَّموا هذا الارشاد. فالخدام، او النظار، المحليون فعلوا ذلك ايضا؛ وفي السنوات التالية، تعيَّن شهود آخرون مؤهَّلون حسنا لتدريب البعض. وطوال سنوات قُدِّمت في اجتماع الخدمة الاسبوعي للجماعة تمثيليات تظهر كيفية القيام بالعمل. ولكنَّ ذلك اقترن الآن بالتشديد المتزايد على التدريب الشخصي في الحقل.
كانت النتائج رائعة. فعدد الشهود الكارزين من بيت الى بيت ازداد، كما ازداد عدد المشتركين قانونيا في خدمة الحقل. وفي خلال عقد ارتفع مجموع عدد الشهود في كل العالم ١٠٠ في المئة. وازدادت الزيارات المكررة ايضا التي كانوا يقومون بها لاجابة المهتمين عن الاسئلة المتعلقة بالكتاب المقدس ١٢٦ في المئة، وازدادت الدروس البيتية القانونية في الكتاب المقدس التي كانوا يديرونها مع الذين اظهروا جوعا لحق الكتاب المقدس ١٥٠ في المئة. فكانوا يبرهنون حقا انهم خدام اكفاء.
نظرا الى الخلفيات الثقافية والتربوية المتنوِّعة التي اتى منها اولئك الشهود، والى واقع انهم كانوا مشتَّتين في فرق صغيرة في كل انحاء الارض، يتَّضح سبب نسب الشهود الفضل، لا الى ايّ انسان، بل الى يهوه اللّٰه في الطريقة التي بها تأهبوا وتدرَّبوا للمناداة بالبشارة. — يوحنا ١٤:١٥-١٧.
الكرازة من بيت الى بيت — علامة مميِّزة
في اوقات مختلفة شجَّعت فرق دينية اخرى اعضاءها على الذهاب الى بيوت الناس في مجتمعهم للتكلُّم عن الدين. وقد جرَّب بعض الافراد ذلك. حتى ان البعض فعلوا ذلك كمرسلين لبضع سنوات، ولكن كان هذا كل ما في الامر. إلا انه بين شهود يهوه فقط يشترك في الواقع الجميع، الصغار والكبار، الذكور والاناث، سنة بعد سنة في الخدمة من بيت الى بيت. وشهود يهوه فقط يسعون حقا الى الوصول الى كل المسكونة برسالة الملكوت، اطاعة للوصية النبوية في متى ٢٤:١٤.
ليس ان جميع شهود يهوه يجدون هذا العمل سهلا.d على العكس، قال كثيرون منهم عندما بدأوا اولا بدرس الكتاب المقدس: ‹هنالك شيء واحد لن افعله ابدا، وهو الذهاب من بيت الى بيت!› ورغم ذلك فهو نشاط يشترك فيه تقريبا جميع شهود يهوه اذا كانوا جسديا قادرين على ذلك. وكثيرون من الذين ليسوا جسديا قادرين على ذلك يقومون به على اية حال — على كراسٍ ذات دواليب، بعكازات، وهلم جرا. وآخرون — إما لانهم غير قادرين كاملا على مغادرة بيتهم، او محتجَزون مؤقتا، او بهدف الوصول الى اشخاص يستحيل الوصول اليهم بطريقة اخرى — يشهدون بالهاتف او بكتابة الرسائل. فلماذا هذا الجهد المتَّسم بالتصميم؟
اذ يأتون الى معرفة يهوه، تغيِّر محبتهم له كامل نظرتهم الى الحياة. فهم يريدون ان يتكلموا عنه. والامور الرائعة التي يخبِّئها للذين يحبونه هي ابدع من ان يحتفظوا بها لأنفسهم. وهم يشعرون امام اللّٰه بمسؤولية تحذير الناس من الضيق العظيم الكامن امامهم. (متى ٢٤:٢١؛ قارنوا حزقيال ٣:١٧-١٩.) ولكن لماذا يفعلون ذلك بالذهاب من بيت الى بيت؟
انهم يعرفون ان يسوع علَّم تلاميذه ان يذهبوا الى بيوت الناس ليكرزوا ويعلِّموا. (متى ١٠:١١-١٤) وهم يدركون ان الرسل، بعد سكب الروح القدس في يوم الخمسين سنة ٣٣ بم، داوموا بلا انقطاع على اعلان البشارة «في الهيكل [في اورشليم] ومن بيت الى بيت.» (اعمال ٥:٤٢، عج) وكل شاهد يعرف الاعمال ٢٠:٢٠، عج، التي تقول ان الرسول بولس علَّم «جهرا ومن بيت الى بيت.» وهم يرون دليلا وافرا على بركة يهوه على هذا العمل في الازمنة العصرية. وهكذا، اذ يكتسبون الخبرة في الخدمة من بيت الى بيت، كثيرا ما يصير النشاط الذي كانوا يخشونه مرةً امرا يتطلعون اليه بشوق.
وهم يفعلون ذلك بشكل شامل. فيحفظون سجلات دقيقة لكي يتمكَّنوا من الرجوع للتكلم الى جميع الذين لم يكونوا في البيت. وليس ذلك فقط، لكنَّهم يرجعون مرارا الى كل بيت.
ولسبب فعَّالية الخدمة من بيت الى بيت، حاول المقاومون في بلدان عديدة ان يوقفوها. وبهدف كسب الاحترام الرسمي لحقِّهم في الكرازة من باب الى باب، لجأ شهود يهوه الى رسميي الحكومة. وحيثما كان ضروريا، ذهبوا الى المحاكم لكي يثبِّتوا شرعيا حق نشر البشارة بهذه الطريقة. (فيلبي ١:٧، عج) وحيث استمرت الحكومات المستبدة في منع نشاط كهذا، قام به شهود يهوه احيانا بطريقة اقل لفتا للانتباه او، اذا كان ذلك ضروريا، استخدموا اساليب اخرى للوصول الى الناس برسالة الملكوت.
ومع ان البث الاذاعي والتلفزيوني كان يُستعمل لنشر رسالة الملكوت، يدرك شهود يهوه ان الاتصال الشخصي الممكن بالذهاب من بيت الى بيت هو اكثر فعَّالية بكثير. وهو يمنح فرصة افضل للاجابة عن اسئلة اصحاب البيوت الافراد وللتفتيش عن المستحقين. (متى ١٠:١١) وهذا هو احد الاسباب التي لاجلها، في السنة ١٩٥٧، باعت جمعية برج المراقبة محطة الراديو WBBR في نيويورك.
ولكن، بعد الشهادة للناس شخصيا، لا يشعر شهود يهوه بأن عملهم قد أُنجز. فذلك هو البداية فقط.
«تلمذوا . . . وعلِّموهم»
اوصى يسوع أتباعه ان يقوموا بأكثر من الكرازة. فتمثُّلا به، ينبغي لهم ايضا ان يعلِّموا. (متى ١١:١) وقبل صعوده الى السماء، امرهم: «فاذهبوا وتلمذوا جميع الامم . . . وعلِّموهم ان يحفظوا جميع ما اوصيتكم به.» (متى ٢٨:١٩، ٢٠) والتعليم (باليونانية، ديداسكو) يختلف عن الكرازة في ان المعلِّم يقوم بأكثر من المناداة؛ فهو يرشد، يشرح، يقدِّم البراهين.
قدَّمت برج المراقبة، قديما في نيسان ١٨٨١، بعض الاقتراحات المختصرة حول كيفية التعليم. وبعض موزعي المطبوعات الجائلين الاولين بذلوا جهدا خصوصيا ليزوروا ثانية اولئك الذين اظهروا اهتماما ليشجِّعوهم على قراءة كتب الجمعية والاجتماع مع الآخرين من اجل درس قانوني لكلمة اللّٰه. وكتاب قيثارة اللّٰه (الصادر سنة ١٩٢١) غالبا ما كان يُستعمل لهذا القصد. ولكن، في ما بعد، جرى فعل المزيد ايضا في سبيل منح المهتمين انتباها شخصيا. وكانت تُستعمل بشكل بارز في هذا النشاط محاضرات مؤسسة على الكتاب المقدس مسجَّلة الى جانب كتب دراسية مطبوعة. فكيف حدث ذلك؟
منذ وقت باكر من السنة ١٩٣٣، اضافت الجمعية الى بثِّها الاذاعي اسطوانات تشغِّلها اجهزة فونوڠراف قابلة للحمل في قاعات الاجتماع، في المتنزَّهات، عند مداخل المعامل، وهلم جرا. وخلال وقت قصير، كان الشهود الذين يجدون اشخاصا مهتمين عند الذهاب من بيت الى بيت يصنعون الترتيبات ليعودوا ويشغِّلوا لهم بعض هذه الاسطوانات في بيوتهم. وعندما صار كتاب الغنى متوافرا في السنة ١٩٣٦، كانت تُستعمل المناقشات منه، بعد الاسطوانات، لتأسيس دروس يمكن ان يحضرها المهتمون في المنطقة. وجرى التشديد خصوصا على هذا العمل بهدف مساعدة اعضاء ‹الجمع الكثير› المرتقَبين على تعلُّم الحق. — رؤيا ٧:٩.
في ذلك الوقت تقريبا، ضاعفت هيئة الكهنوت الكاثوليكية ضغطها على اصحاب ومديري محطات الراديو وكذلك الوكالات الحكومية في جهد متَّسم بالتصميم لايقاف بثّ برامج برج المراقبة. ووقَّع ٠٠٠,٦٣٠,٢ شخص في الولايات المتحدة عريضة تطالب بمناظرة علنية بين ج. ف. رذرفورد ومسؤول كبير في الكنيسة الكاثوليكية الرومانية. فلم يكن ايّ من رجال الدين الكاثوليك على استعداد لقبول التحدي. ولذلك، في السنة ١٩٣٧، صنع الاخ رذرفورد اسطوانتين بعنوان «التشهير» و«الدين والمسيحية،» قدَّمتا تعاليم الكتاب المقدس الاساسية، وخصوصا في دحض العقائد الكاثوليكية غير المؤسسة على الاسفار المقدسة. والمواد نفسها صدرت في الكراسين Protection (الحماية) و Uncovered (الكشف)، وسُلِّمت شخصيا نسخة من الكشف الى كل مَن وقَّع العريضة لكي يقرأ الناس بأنفسهم حقائق الكتاب المقدس التي كانت هيئة الكهنوت الكاثوليكية تسعى الى اخفائها.
وبهدف مساعدة الناس على رؤية القضايا بوضوح وفحص ما لها من اساس في الاسفار المقدسة، طُبع كراس Model Study (الدرس النموذجي) رقم ١ ليُستعمل في الاجتماعات المرتَّبة للمهتمين. وتضمَّن الكراس اسئلة، اجوبة، وآيات تدعم الاجوبة المقدَّمة. اولا، كان المدير يشغِّل واحدة او اكثر من الاسطوانات الآنفة الذكر للمحاضرات المسجَّلة لكي يسمع الجميع الحجة العامة. ثم تتبع مناقشة، باستعمال المواد المزوَّدة في كراس الدرس النموذجي، وبفحص الاسفار المقدسة نفسها. والدرس النموذجي رقم ١ تبعه الرقمان ٢ و ٣، بتنسيق مع محاضرات مسجَّلة اخرى. ونُظِّمت دروس كهذه اولا في اماكن يمكن ان تجتمع فيها فرق من الاشخاص المهتمين، ولكن سرعان ما صارت تُعقَد ايضا مع الافراد والعائلات.
ومنذ ذلك الوقت، زُوِّد الكثير من الكتب الممتازة ليستعملها شهود يهوه خصوصا في ادارة الدروس البيتية في الكتاب المقدس. والتي لاقت اعظم انتشار هي «ليكن اللّٰه صادقا،» الحق الذي يقود الى الحياة الابدية، ويمكنكم ان تحيوا الى الابد في الفردوس على الارض. وكانت هنالك ايضا كراريس من ٣٢ صفحة — “This Good News of the Kingdom” («بشارة الملكوت هذه»)، God’s Way Is Love (المحبة طريق اللّٰه)، “Look! I Am Making All Things New” («ها انا اصنع كل شيء جديدا»)، والكثير غيرها. وتبعتها كراسات مثل تمتعوا بالحياة على الارض الى الابد!، التي تحتوي على عرض بسيط جدا وسهل الفهم لتعاليم الكتاب المقدس الاساسية.
ان استعمال هذه الادوات، الى جانب التدريب الشخصي والجماعي الشامل، انتج ازديادا مثيرا في عدد الدروس البيتية في الكتاب المقدس التي تُدار. ففي السنة ١٩٥٠ بلغ معدَّل الدروس البيتية في الكتاب المقدس، التي تُدار غالبا كل اسبوع ٩٥٢,٢٣٤. والدروس التي لا تحرز تقدُّما كافيا كانت توقف. إلا ان تلاميذ كثيرين كانوا يتقدَّمون الى ان يصيروا بدورهم معلِّمين. وعلى الرغم من عدد الدروس التي تتوقف، استمر العدد في الارتفاع، وغالبا بسرعة. وفي السنة ١٩٩٢، كان الشهود يديرون ١٢٧,٢٧٨,٤ درسا بيتيا في الكتاب المقدس حول العالم.
وبهدف انجاز عمل الكرازة والتعليم الواسع هذا، بلغات كل الارض، استخدم شهود يهوه الصفحة المطبوعة على نحو واسع. وتطلَّب ذلك عمليات طبع بكميات هائلة.
[الحواشي]
a نُظِّم عمل الرعاية اولا خلال ١٩١٥-١٩١٦ في الـ ٥٠٠ جماعة او نحو ذلك التي كانت قد انتخبت الاخ رصل راعيا لها. وبصفته راعيا، كان قد كتب اليهم رسالة توجز العمل، الذي كان في بادئ الامر مقتصرا على الاخوات. وفي السنة التالية شمل هذا النشاط الاخوة ايضا. وعمل الرعاية هذا، الذي واصله فريق مختار، استمر حتى السنة ١٩٢١.
b كانت هذه العبارة مؤسسة على الفهم ان الكلمة دين تشمل كل عبادة مبنية على تقاليد الناس، بدلا من كلمة اللّٰه، الكتاب المقدس. ولكن، في السنة ١٩٥٠، عندما صدرت ترجمة العالم الجديد للاسفار اليونانية المسيحية، دلَّت الحواشي في اعمال ٢٦:٥، كولوسي ٢:١٨، ويعقوب ١:٢٦، ٢٧ انه يمكن استعمال الكلمة دين بشكل ملائم للاشارة الى العبادة الحقة او الباطلة. واتَّضح ذلك اكثر في برج المراقبة عدد ١٥ آذار ١٩٥١، الصفحة ١٩١ (بالانكليزية)، وكتاب What Has Religion Done for Mankind? (ماذا فعل الدين للجنس البشري؟)، الصفحات ٨-١٠.
c في السنة التي سبقت، جرى القيام بشيء من شهادة الشوارع بالمجلات على اساس تجريبي في كاليفورنيا، الولايات المتحدة الاميركية. وحتى قديما في السنة ١٩٢٦، انهمك تلاميذ الكتاب المقدس في توزيع عام في الشوارع للكراريس التي تحتوي على رسائل مهمة. وفي وقت ابكر بكثير، في السنة ١٨٨١، كانوا قد وزَّعوا المطبوعات قرب الكنائس ايام الآحاد.
d برج المراقبة، ١٥ نيسان ١٩٨٢، «تحدي الذهاب من بيت الى بيت» (١٥ ايار ١٩٨١، بالانكليزية).
[النبذة في الصفحة ٥٥٦]
حيثما وجد يسوع اناسا، كان يتكلم عن قصد اللّٰه للجنس البشري
[الاطار في الصفحة ٥٥٩]
بركة خصوصية على العمل من باب الى باب
«كما عند المجيء الاول، يبدو ان العمل من باب الى باب، بدلا من الكرازة من على المنبر، ينال بركة الرب الخصوصية.» — «برج المراقبة،» ١٥ تموز ١٨٩٢ (بالانكليزية).
[الاطار في الصفحة ٥٧١]
لماذا يزور الشهود مرة بعد اخرى
اذ اوضحت لماذا يزور شهود يهوه تكرارا كل بيت، قالت «برج المراقبة» عدد ١ تموز ١٩٦٢ (بالانكليزية): «الظروف تتغيَّر باستمرار. اليوم قد لا يكون الشخص في البيت، وفي المرة التالية قد يكون. اليوم قد يكون مشغولا اكثر من ان يصغي، ولكن في المرة التالية قد لا يكون. اليوم يفتح الباب احد اعضاء العائلة، وفي المرة التالية يفتحه آخر؛ والشهود مهتمون بالوصول ليس فقط الى كل بيت في تعييناتهم بل ايضا، ان امكن، الى كل شخص راشد في كل بيت. وكثيرا ما تكون العائلات منقسمة في ما يتعلق بالدين، ولذلك ليس ممكنا دائما ان يتكلم احد الاعضاء عن العائلة بكاملها. وبالاضافة الى ذلك، يستمر الناس في الانتقال ولذلك لا يمكن ان يكون الشهود ابدا على يقين ممَّن سيلتقونه عند باب معيَّن.
«ليست الظروف وحدها هي التي تتغيَّر، ولكنَّ الناس انفسهم يتغيَّرون. . . . بسبب مجرد امر تافه قد يكون الشخص بمزاج رديء وغير راغب مطلقا في مناقشة الدين او ايّ شيء آخر ايًّا كان الآتي الى بابه، ولكن من غير المنطقي ان نستنتج انه سيكون بذلك الموقف العقلي في وقت آخر. او ان مجرد كون الشخص غير مهتم على الاطلاق بمناقشة الدين في الشهر الماضي لا يعني انه قد لا يكون مهتما هذا الشهر. ومنذ زيارة الشاهد الاخيرة لهذا الشخص ربما اختبر امرا مزعجا للغاية او بطريقة اخرى تعلَّم شيئا جعله متواضعا بدلا من متكبِّر، جائعا ومدركا لحاجته الروحية بدلا من الرضا عن الذات.
«وبالاضافة الى ذلك، تبدو الرسالة التي يحملها الشهود غريبة بالنسبة الى اشخاص كثيرين وهم يفشلون في فهم إلحاحها. ولكن بسماعها مرة بعد اخرى يفهمون المغزى تدريجيا.»
[الاطار/الصورة في الصفحة ٥٧٤]
استعمال «كل طريقة ممكنة»
«حاول اولئك الذين منا داخل هيئة الرب، بكل طريقة ممكنة، ان يجذبوا انتباه [العالم] الى رسالة الحياة. فاستعملنا الشعارات، اعلانات الصفحة الكاملة، الراديو، السيارات المزوَّدة بمكبِّر للصوت، الفونوڠرافات القابلة للحمل، المحافل الضخمة، مواكب المشاة حاملي اللافتات الاعلانية، وجيشا متزايدا من الخدام من بيت الى بيت. وهذا النشاط عمل على تقسيم الناس — الذين هم مع ملكوت اللّٰه المؤسس في الجانب الواحد، والذين هم ضده في الجانب الآخر. هذا هو العمل الذي سبق وأنبأ به يسوع لجيلي.» — كتبها سنة ١٩٨٧ ملڤن سارجنت، بعمر ٩١ سنة.
[الصورة]
ملڤن سارجنت
[الرسم البياني في الصفحة ٥٧٤]
(اطلب النص في شكله المنسَّق في المطبوعة)
الزيادة في الدروس البيتية في الكتاب المقدس
٠٠٠,٠٠٠,٤
٠٠٠,٠٠٠,٣
٠٠٠,٠٠٠,٢
٠٠٠,٠٠٠,١
١٩٥٠ ١٩٦٠ ١٩٧٠ ١٩٨٠ ١٩٩٢
[الصور في الصفحة ٥٥٧]
وُزِّعت عشرات الملايين من هذه النشرات مجانا قرب الكنائس، من بيت الى بيت، وبالبريد
[الصور في الصفحة ٥٥٨]
المبشرون الجائلون لتوزيع المطبوعات وزَّعوا الكتب التي تشرح الكتاب المقدس
[الصورة في الصفحة ٥٥٩]
وصلت آنا اندرسن بمطبوعات الكتاب المقدس الى كل بلدة تقريبا في النَّروج
[الصورتان في الصفحة ٥٦١]
ساعدت اعلانات الصحف على الوصول الى الناس الذين لا يُتَّصل بهم بطرائق اخرى
[الصور في الصفحة ٥٦٠]
اكثر من ٠٠٠,٢ صحيفة في اربع قارات كانت تحمل مواعظ الاخ رصل في آن واحد
[الصورتان في الصفحة ٥٦٣]
قدَّمت «رواية الخلق المصوَّرة» شهادة قوية لملايين الناس في بلدان كثيرة
[الصورة في الصفحة ٥٦٢]
بواسطة الراديو، استطاع ج. ف. رذرفورد ان يشهد لملايين الناس في كل انحاء العالم وهم في بيوتهم
[الصورة في الصفحة ٥٦٥]
مستعدون للذهاب بالدراجة لشهادة الفريق في انكلترا
[الصورة في الصفحة ٥٦٤]
ابتداء من السنة ١٩٣٣ استُعملت بطاقات الشهادة المطبوعة
[الصورة في الصفحة ٥٦٦]
قدَّمت محاضرات الكتاب المقدس المسجَّلة شهادة قوية خلال ثلاثينات وأربعينات الـ ١٩٠٠
[الصورة في الصفحة ٥٦٧]
السيارات المزوَّدة بمكبِّرات للصوت، والكثير منها احيانا (كما هنا في اوستراليا)، كانت تُستعمل لبثّ حق الكتاب المقدس في الاماكن العامة
[الصورة في الصفحة ٥٦٩]
اللافتات المضاءة في شبابيك بيوت شهود يهوه قدَّمت شهادة متواصلة
[الصورة في الصفحة ٥٦٩]
اللوحات واللافتات الاعلانية ساهمت في شهادة علنية جريئة (كما هنا في أسكتلندا)
[الصورة في الصفحة ٥٦٨]
توزيع «برج المراقبة» و«التعزية» في الشوارع (كما يظهر هنا في الولايات المتحدة الاميركية) بدأ في السنة ١٩٤٠
[الصورة في الصفحة ٥٦٨]
ابتداء من السنة ١٩٤٣ كان الاخوة في الجماعات يُدرَّبون على الخطابة العامة
[الصور في الصفحة ٥٧٠]
تُدار الدروس البيتية في الكتاب المقدس مع المهتمين. وأدناه مطبوعات مصمَّمة خصوصا لاجل ذلك — صدرت اولا بالانكليزية، ثم بلغات كثيرة اخرى
[الصور في الصفحتين ٥٧٢ و ٥٧٣]
يشترك الشهود، الصغار والكبار، الذكور والاناث، حول الكرة الارضية في الشهادة من بيت الى بيت
رومانيا
بوليڤيا
زمبابوي
هونڠ كونڠ
بلجيكا
اورڠواي
فيجي
-
-
الكرازة بالملكوت تتعزَّز بانتاج مطبوعات الكتاب المقدسشهود يهوه — منادون بملكوت اللّٰه
-
-
القسم ٥
الكرازة بالملكوت تتعزَّز بانتاج مطبوعات الكتاب المقدس
الكرازة في كل المسكونة — كيف يمكن انجازها؟ كما يُظهر هذا القسم (الفصول ٢٥ الى ٢٧)، شملت الوسائل المستخدمة تطوُّر التسهيلات الاممية لنشر الكتب المقدسة ومطبوعات الكتاب المقدس بغية الوصول الى جميع الامم.
[صورة تغطي كامل الصفحة ٥٥٥]
-