هل يهتم اللّٰه بالمرأة؟
«من المرأة نشأت الخطيئة وبسببها نموت نحن اجمعون». — سفر يشوع بن سيراخ ٢٥:٢٤، الترجمة اليسوعية الجديدة.
«انتِ بوابة الشيطان. انتِ مَن اجترأ وأكل من الشجرة المحرمة. انتِ اول مَن كسر الشريعة الالهية . . . انتِ مَن دمَّر الرجل المخلوق على صورة اللّٰه». — في ملابس النساء لواضعه ترتليانوس.
ان هذين الاقتباسين لا يمتان الى الكتاب المقدس بأي صلة. وقد استُخدما طوال قرون لتبرير التمييز الذي تتعرض له المرأة. وحتى يومنا هذا، لا يزال بعض المتطرفين يستشهدون بكتب دينية لكي يبرِّروا تسلُّطهم على المرأة، مدَّعين انها مسؤولة عن كل بلايا البشر. ولكن هل قصد اللّٰه ان تُحتقر المرأة وتُساء معاملتها؟ سنستعرض في ما يلي الاجابة من الكتاب المقدس.
هل لعن اللّٰه المرأة؟
لم يلعن اللّٰه المرأة بل كانت اللعنة على «الحية الاولى»، اي الشيطان ابليس. (رؤيا ١٢:٩؛ تكوين ٣:١٤) وعندما قال اللّٰه ان آدم سوف «يتسلط» على زوجته، لم يقصد بكلامه هذا انه موافق على اذلال المرأة. (تكوين ٣:١٦) بل كان ينبئ بالعواقب الوخيمة لخطية الزوجين الاولين.
اذًا، ان الظلم الذي تتعرض له المرأة ناجم عن طبيعة البشر الخاطئة. فاللّٰه لم يشأ ان تُساء معاملتها. والكتاب المقدس لا يؤيد الفكرة القائلة بإذلال المرأة عقابا لها على الخطية الاصلية. — روما ٥:١٢.
هل خلق اللّٰه المرأة ادنى من الرجل؟
كلا. تقول تكوين ١:٢٧: «خلق اللّٰه الانسان على صورته، على صورة اللّٰه خلقه. ذكرا وأنثى خلقهما». فمن البداية وُهب البشر، ذكورا وإناثا، القدرة ان يعكسوا صفات اللّٰه. صحيح ان آدم وحواء اختلفا في تركيبهما العاطفي والجسدي، لكنهما نالا الارشاد نفسه وتمتعا بالحقوق عينها التي اعطاهما اياها خالقهما. — تكوين ١:٢٨-٣١.
اضافة الى ذلك، قال اللّٰه قبل ان يخلق حواء: «سأصنع له [آدم] معينا مكمِّلا». (تكوين ٢:١٨) فهل تظهر هذه الكلمات ان المرأة هي ادنى من الرجل؟ كلا، فالكلمة العبرانية المترجمة الى «مكمِّل» يمكن ان تعني ايضا «نظيرا» او «معينا مشابها» للرجل. للايضاح، تأمل في دور كلٍّ من الطبيب الجراح وطبيب التبنيج. هل يمكن الابقاء على الواحد واستثناء الآخر؟ طبعا لا. صحيح ان الجرّاح هو مَن يجري العملية، لكن طبيب التبنيج لا يقل اهمية عنه. فكلاهما يكملان واحدهما الآخر. وبشكل مماثل، لم يخلق اللّٰه الرجل والمرأة ليتنافسا بل ليتعاونا واحدهما مع الآخر. — تكوين ٢:٢٤.
ما الدليل على اهتمام اللّٰه بالمرأة؟
رأى اللّٰه مسبقا كيف سيعامل الرجل الخاطئ المرأة. لذلك عقد النية على حمايتها. وهذا ما يظهر جليا في الشريعة التي اعطاها اللّٰه لموسى في القرن السادس عشر قبل الميلاد. تقول المؤلفة لور إينارد في احد كتبها (féminin au Bible La): «حين يأتي عهد الشريعة على ذكر النساء، غالبا ما يدافع عن حقوقهن».
على سبيل المثال، اوصت الشريعة بإكرام الاب والام على السواء. (خروج ٢٠:١٢؛ ٢١:١٥، ١٧) كما امرت بإظهار الاعتبار للمرأة الحامل. (خروج ٢١:٢٢) وهي بذلك تتباين تباينا صارخا مع العديد من القوانين الحديثة التي تحرم المرأة حقوقها الشرعية في بلدان كثيرة. وسنستعرض الآن اوجها اضافية لهذه الشريعة تعكس اهتمام اللّٰه بالمرأة.
شريعة تعكس نظرة اللّٰه الى المرأة
شملت الشريعة التي اعطاها اللّٰه لأمة اسرائيل الرجال والنساء على السواء. وقد ساعدتهم كثيرا من النواحي الجسدية والادبية والروحية. وكانوا حين يصغون اليها ويطيعونها يرفعهم يهوه «فوق جميع امم الارض». (تثنية ٢٨:١، ٢) فأية حقوق مُنحت للمرأة في ظل الشريعة؟ اليك اربعة منها:
١- الحرية الفردية. تمتعت المرأة الاسرائيلية بمقدار كبير من الحرية بخلاف الكثير من النساء في الامم الاخرى. فمع ان الرجل كان رأس العائلة، تمكنت الزوجة التي يثق بها قلب زوجها ان «تتأمل حقلا فتحصل عليه» وأن «تغرس كرما» من مكسب يديها. والمرأة التي كانت تجيد الغزل والحياكة استطاعت ان تزاول التجارة هي بنفسها. (امثال ٣١:١١، ١٦-١٩) فالشريعة الموسوية كفلت حقوقها كاملة واعتبرت ان لها كيانا خاصا بمعزل عن الرجل.
اضافة الى ذلك، نعمت المرأة بعلاقة وثيقة باللّٰه وشعرت بحرية الاقتراب منه. مثلا، يتحدث الكتاب المقدس عن حنة التي صلَّت الى اللّٰه بشأن مسألة شخصية ونذرت له نذرا في قلبها. (١ صموئيل ١:١١، ٢٤-٢٨) ونقرأ ان امرأة من مدينة شونم اعتادت ان تستشير النبي أليشع ايام السبت. (٢ ملوك ٤:٢٢-٢٥) كما عيَّن اللّٰه نساء مثل دبورة وخلدة ليمثِّلنه وسط الجماعة. والجدير بالملاحظة ان الرجال البارزين والكهنة كانوا يطلبون المشورة منهن. — قضاة ٤:٤-٨؛ ٢ ملوك ٢٢:١٤-١٦، ٢٠.
٢- الحق في التعلُّم. بما ان عهد الشريعة شمل النساء، فقد دعين الى سماع كلمات هذه الشريعة التي اتاحت لهن فرص التعلُّم عن اللّٰه. (تثنية ٣١:١٢؛ نحميا ٨:٢، ٨) كما نالت المرأة التدريب للمشاركة في بعض اوجه العبادة. على سبيل المثال، قامت بعض النساء على الارجح «بخدمة منظَّمة» في المسكن، في حين شاركت اخريات في جوقات الترنيم. — خروج ٣٨:٨؛ ١ اخبار الايام ٢٥:٥، ٦.
هذا وقد اكتسبت نساء كثيرات المعرفة والمهارة الضروريتين لمزاولة تجارة مربحة. (امثال ٣١:٢٤) وبخلاف المجتمعات الاخرى التي اجازت للاب فقط ان يعلِّم ابناءه، كان على الام الاسرائيلية ان تعلِّم اولادها الذكور حتى يبلغوا سن الرشد. (امثال ٣١:١) من الواضح اذًا ان النساء في اسرائيل قديما لم يكنَّ جاهلات البتة.
٣- الاكرام والاحترام. يرد في احدى الوصايا العشر الحض التالي: «أكرِم اباك وأمك». (خروج ٢٠:١٢) كما يحث الملك الحكيم سليمان كل شاب قائلا: «اسمع، يا ابني، تأديب ابيك، ولا تتخلَّ عن شريعة امك». — امثال ١:٨.
علاوة على ذلك، تضمنت الشريعة فرائض مفصلة حول كيفية التصرف مع شخص من الجنس الآخر غير رفيق الزواج. وقد اظهرت هذه الفرائض الاحترام للاناث. (لاويين ١٨:٦، ٩؛ تثنية ٢٢:٢٥، ٢٦) كما انها اوصت الزوج ان يراعي وضع زوجته الجسدي الذي تمر به في فترات معيَّنة. — لاويين ١٨:١٩.
٤- حماية حقوقها. في الكتاب المقدس، يصف يهوه نفسه بأنه «ابو اليتامى وقاضي الارامل»، اي انه يدافع عن حقوق المحرومين من حماية الاب او الزوج. (مزمور ٦٨:٥؛ تثنية ١٠:١٧، ١٨) لذلك، حين عامل احد الدائنين ارملة نبي بإجحاف، تدخل يهوه وصنع عجيبة لكي تبقى على قيد الحياة وتعيش بكرامتها. — ٢ ملوك ٤:١-٧.
وقبيل دخول الاسرائيليين ارض الموعد، مات رجل يُدعى صلفحاد ولم يكن له بنون. فطلبت بناته الخمس من موسى ان يعطيهن «مِلكا» في ارض الموعد. لكن يهوه ذهب ابعد من ذلك وقال لموسى: «أعطهن ملك ميراث في وسط اخوة ابيهن، وانقل ميراث ابيهن اليهن». وقد شكلت هذه الحادثة سابقة تجيز ان ينتقل ميراث الاب الى بناته في حال مات وليس له ابن وأن ينقلن بدورهن الميراث الى اولادهن. — عدد ٢٧:١-٨.
تشويه نظرة اللّٰه
تمتعت المرأة في ظل الشريعة الموسوية بمكانة مكرَّمة، وكانت حقوقها محفوظة. ولكن ابتداء من القرن الرابع قبل الميلاد، اخذت الحضارة اليونانية تتسلل الى الديانة اليهودية. وقد اعتبر الاغريق قديما ان المرأة هي ادنى من الرجل. — انظر الاطار بعنوان «كتابات قديمة تحط من قدر المرأة».
على سبيل المثال، نسب الشاعر اليوناني هِسيود (القرن الثامن قبل الميلاد) كل بلايا البشر الى المرأة. وابتداء من القرن الثاني قبل الميلاد اخذت هذه الافكار تتغلغل في الديانة اليهودية. ولاحقا نبَّه التلمود الرجال قائلا: «حذارِ من التحدث كثيرا الى النساء، فهذا سيقودك حتما الى العهارة».
وبمرور الوقت، كان لهذه النظرة تأثير سلبي على دور المرأة في المجتمع اليهودي. ففي زمن يسوع، كانت ساحة النساء المكان الوحيد الذي يمكنها دخوله في منطقة الهيكل. اضافة الى ذلك، لم يُسمح لها بأن تتعلم الدين. فكانت على الارجح تُفرَز عن الرجال عند دخولها الى المجمع. يقتبس التلمود من احد الربَّانيين قوله: «مَن يعلِّم ابنته التوراة يعلِّمها الفحشاء». وهكذا، شوَّه القادة الدينيون اليهود نظرة اللّٰه الى المرأة ودفعوا الرجال الى احتقارها.
وعندما كان يسوع على الارض، لاحظ هذه النظرة المتأصلة في التقاليد اليهودية. (متى ١٥:٦، ٩؛ ٢٦:٧-١١) فهل تأثَّر بآراء الربَّانيين المجحفة؟ ماذا نتعلم من تصرفه مع المرأة ونظرته اليها؟ وهل صانت المسيحية الحقة حقوق المرأة؟ ستجيب المقالة التالية عن هذه الاسئلة.