هل يناقض الكتاب المقدس نفسه؟
كتب المؤلف هنري ڤاندايك ذات مرة: «مع انه مولود في الشرق ومعبَّر عنه بالشكل واللغة المجازية الشرقيين، يسير الكتاب المقدس في مسالك كل العالم بقدمين مألوفتين ويدخل بلدا بعد بلد لكي يجد خاصته في كل مكان. وقد تعلَّم ان يتكلم بمئات اللغات الى قلب الانسان. فالاولاد يصغون الى قصصه باعجاب وابتهاج، والحكماء يمعنون النظر فيها كامثال من الحياة. الاشرار والمتكبرون يرتجفون من انذاراته، وأما للجرحى والتائبين فيملك صوت امّ. . . . لا يكون فقيرا ولا في وحشة مَن يمتلك هذا الكنز.»
حقا ‹تعلَّم الكتاب المقدس ان يتكلم بمئات اللغات.› فواحد على الاقل من اسفاره الـ ٦٦ تُرجم بـ ٩٨٢,١ لغة. والملايين ينظرون الى الكتاب المقدس بصفته هبة من اللّٰه ويقرأونه بسرور وفائدة. لكنَّ آخرين يقولون انه يحتوي على تناقضات ولذلك فهو غير جدير بالثقة. فماذا يظهر البحث الدقيق؟
كما تشير صورة غلافنا، استخدم اللّٰه رجالا امناء لكتابة الكتاب المقدس. وفي الواقع، ان التحليل الدقيق للكتاب المقدس يكشف ان نحو ٤٠ رجلا كتبوه خلال فترة ١٦ قرنا. فهل كانوا كتبة محترفين؟ لا. فالمرء يستطيع ان يجد بينهم راعيا، صياد سمك، عشَّارا، طبيبا، خيَّاما، كاهنا، نبيا، وملكا. وكثيرا ما تذكر كتاباتهم اناسا وعادات غير مألوفة لنا في القرن الـ ٢٠. وفي الواقع، ان كتبة الكتاب المقدس انفسهم لم يفهموا دائما مغزى ما كتبوه. (دانيال ١٢:٨-١٠) اذًا لا يجب ان نفاجأ إنْ صادفنا بعض المعضلات عند قراءة الكتاب المقدس.
فهل يمكن حلّ مثل هذه المعضلات؟ هل يناقض الكتاب المقدس نفسه؟ لمعرفة ذلك، دعونا نتأمل في بعض الامثلة.
هل هذه معضلات حقيقية؟
▪ من اين حصل قايين على زوجته؟ (تكوين ٤:١٧)
قد يعتقد المرء انه بعد قتل هابيل، بقي على الارض فقط اخوه المذنب قايين ووالداهما، آدم وحواء. لكنَّ آدم وحواء كانت لهما عائلة كبيرة. ووفقا للتكوين ٥:٣، ٤، كان لآدم ابن يدعى شيثا. وتضيف الرواية: «كانت ايام آدم بعدما ولد شيثا ثماني مئة سنة وولد بنين وبنات.» وهكذا تزوَّج قايين اخته او احدى بنات اخوته او اخواته. وبما ان الجنس البشري كان في ذلك الحين قريبا جدا الى الكمال البشري، فمن الواضح ان زواجا كهذا لم يشكِّل المخاطر الصحية التي قد تعرِّض للخطر ذرية اتحاد كهذا اليوم.
▪ مَن باعوا يوسف الى مصر؟
تقول التكوين ٣٧:٢٧ ان اخوة يوسف قرَّروا بيعه لبعض الاسمعيليين. لكنَّ العدد التالي يذكر: «واجتاز رجال مديانيون تجّار، فسحبوا [اخوة يوسف] يوسف وأَصعدوه من البئر وباعوا يوسف للاسمعيليين بعشرين من الفضة. فأتوا بيوسف الى مصر.» فهل بيع يوسف للاسمعيليين ام للمديانيين؟ حسنا، ربما كان المديانيون يُدعون ايضا اسمعيليين، الذين كانوا ذوي قرابة لهم بواسطة سلفهم ابرهيم. او ربما كان التجار المديانيون يسافرون مع قافلة اسمعيلية. على اية حال، فإن اخوة يوسف قاموا بعملية البيع، واستطاع لاحقا ان يقول لهم: «انا يوسف اخوكم الذي بعتموه الى مصر.» — تكوين ٤٥:٤.
▪ كم شخصا من الاسرائيليين ماتوا بسبب العلاقات الفاسدة ادبيا مع النساء الموآبيات وبسبب الانهماك في عبادة بعل فغور؟
تذكر العدد ٢٥:٩: «كان الذين ماتوا بالوبإ (بالضربة، عج) [من اللّٰه بسبب سلوكهم الشرير] اربعة وعشرين ألفا.» لكنَّ الرسول بولس قال: «ولا نزنِ كما زنى اناس منهم [الاسرائيليين في البرية] فسقط في يوم واحد ثلاثة وعشرون ألفا.» (١ كورنثوس ١٠:٨) فربما كان عدد القتلى بين ٠٠٠,٢٣ و ٠٠٠,٢٤، بحيث يكون ايّ رقم مرضيا. ولكن يشير سفر العدد بصورة خصوصية الى ان «جميع رؤوس الشعب» المتورطين في هذه الخطية قُتلوا بواسطة القضاة. (عدد ٢٥:٤، ٥) وربما كان هنالك ٠٠٠,١ من هؤلاء ‹الرؤوس› المذنبين، مشكِّلين مجموعا من ٠٠٠,٢٤ عندما يضافون الى الـ ٠٠٠,٢٣ الذين ذكرهم بولس. وفيما يظهر ان ٠٠٠,٢٣ كانوا مباشرة ضحايا للوبإ من اللّٰه، فقد اختبر الـ ٠٠٠,٢٤ جميعا ضربة يهوه لأن كل واحد منهم مات تحت حكمه بدينونة مضادة. — تثنية ٤:٣.
▪ بما ان أجاج كان معاصرا للملك شاول الاسرائيلي، ألم تكن اشارة بلعام الابكر بكثير الى حاكم عماليقي بهذا الاسم تعارضا؟
في السنة ١٤٧٣ قم تقريبا، انبأ بلعام مسبقا ان ملكا لاسرائيل ‹سيتسامى على أجاج.› (عدد ٢٤:٧) وليست هنالك اشارة لاحقة الى أجاج حتى حُكْم الملك شاول (١١١٧-١٠٧٨ قم). (١ صموئيل ١٥:٨) لكنَّ ذلك لم يكن تعارضا، لأن «أجاج» ربما كان لقبا ملكيا مشابها لذاك الذي لفرعون في مصر. ومن الممكن ايضا ان أجاج كان اسما شخصيا استعمله الحكَّام العماليقيون تكرارا.
▪ مَن جعل داود يحصي الاسرائيليين؟
تذكر صموئيل الثاني ٢٤:١: «عاد فحمي غضب الرب على اسرائيل (عندما هيَّج احدٌ داود [او، «عندما هُيِّج داود،» الحاشية] عليهم) قائلا امضِ وأَحصِ اسرائيل ويهوذا.» ولكن لم يكن يهوه الشخص الذي حمل الملك داود على الخطية، لأن ١ أخبار الايام ٢١:١ تقول: «وقف الشيطان [او، «مقاوم،» حاشية عج] ضد اسرائيل وأغوى داود ليُحصي اسرائيل.» لقد كان اللّٰه غضبانا على الاسرائيليين لذلك سمح للشيطان ابليس بجلب هذه الخطية عليهم. ولهذا السبب، تُقرأ ٢ صموئيل ٢٤:١ وكأن اللّٰه بنفسه فعل ذلك. وعلى نحو مثير للاهتمام، تقول ترجمة جوزيف ب. رذرهام: «حمي غضب يهوه على اسرائيل، فسمح لداود بأن يهيج عليهم قائلا، امضِ وأَحصِ اسرائيل ويهوذا.»
▪ كيف يمكن للمرء ان يوفِّق بين الارقام المختلفة المعطاة عن الاسرائيليين وبني يهوذا في احصاء داود؟
في ٢ صموئيل ٢٤:٩ الرقمان هما ٠٠٠,٨٠٠ اسرائيلي و ٠٠٠,٥٠٠ من بني يهوذا، في حين تحدِّد ١ أخبار الايام ٢١:٥ عدد محاربي اسرائيل بـ ٠٠٠,١٠٠,١ ومحاربي يهوذا بـ ٠٠٠,٤٧٠. لقد كان المجندون بصورة قانونية في الخدمة الملكية ٠٠٠,٢٨٨ جندي، مقسمين الى ١٢ فريقا من ٠٠٠,٢٤، وكل فريق يخدم شهرا واحدا خلال السنة. وكان هنالك ٠٠٠,١٢ خادم اضافي لرؤساء الاسباط الـ ١٢، مشكِّلين مجموعا من ٠٠٠,٣٠٠. فمن الواضح ان العدد ٠٠٠,١٠٠,١ في ١ أخبار الايام ٢١:٥ يشمل الـ ٠٠٠,٣٠٠ هؤلاء الذين كانوا قد جُنِّدوا، في حين ان ٢ صموئيل ٢٤:٩ لا تفعل ذلك. (عدد ١:١٦؛ تثنية ١:١٥؛ ١ أخبار الايام ٢٧:١-٢٢) وفي ما يتعلق بيهوذا، من الواضح ان ٢ صموئيل ٢٤:٩ شملت ٠٠٠,٣٠ رجل في جيش للمراقبة مقيم عند الحدود الفلسطينية ولكن لم يكونوا مشمولين بالرقم في ١ أخبار الايام ٢١:٥. (٢ صموئيل ٦:١) فاذا تذكَّرنا انه جرت كتابة ٢ صموئيل و ١ أخبار الايام بواسطة رجلين بوجهتي نظر وهدفين مختلفين، يمكننا بسهولة التوفيق بين الارقام.
▪ مَن كان والد شألتيئيل؟
تشير بعض الآيات الى ان يكُنيا (الملك يهوياكين) كان الوالد الجسدي لشألتيئيل. (١ أخبار الايام ٣:١٦-١٨؛ متى ١:١٢) لكنَّ لوقا كاتب الانجيل دعا شألتيئيل «بن نيري.» (لوقا ٣:٢٧) ويظهر ان نيري اعطى ابنته لشألتيئيل زوجة. وبما ان العبرانيين كانوا يشيرون عموما الى الصهر بصفته ابنا، وخصوصا في الجداول النسَبية، استطاع لوقا بلياقة ان يدعو شألتيئيل ابن نيري. وبصورة مماثلة، اشار لوقا الى يوسف بصفته ابن هالي، الذي كان في الواقع والد زوجة يوسف، مريم. — لوقا ٣:٢٣.
انسجام الآيات المتعلقة بيسوع
▪ كم رجلا اخرج يسوع المسيح منهم الابالسة الذين دخلوا في قطيع كبير من الخنازير؟
يذكر متى كاتب الانجيل رجلين، وأما مرقس ولوقا فيشيران الى واحد فقط. (متى ٨:٢٨؛ مرقس ٥:٢؛ لوقا ٨:٢٧) وكما يتضح، لفت مرقس ولوقا الانتباه الى رجل واحد فقط فيه شياطين لأن يسوع تكلم اليه وحالته كانت بارزة اكثر. ومن الممكن ان ذلك الرجل كان اكثر عنفا او كان قد تألم تحت سيطرة الابالسة لمدة اطول. وبعد ذلك، ربما اراد هذا الرجل وحده ان يرافق يسوع. (مرقس ٥:١٨-٢٠) وفي حالة مماثلة نوعا ما، تحدَّث متى عن اعميين شفاهما يسوع، فيما ذكر مرقس ولوقا واحدا فقط. (متى ٢٠:٢٩-٣٤؛ مرقس ١٠:٤٦؛ لوقا ١٨:٣٥) لم يكن ذلك تناقضا، لأنه كان هنالك على الاقل رجل واحد كهذا.
▪ ماذا كان لون الثوب الذي لبسه يسوع يوم موته؟
وفقا لمرقس (١٥:١٧) ويوحنا (١٩:٢)، وضع الجنود على يسوع ثوبا ارجوانيا. لكنَّ متى (٢٧:٢٨) دعاه «رداء قرمزيا،» مشدِّدا على احمراره. وبما ان الارجوان هو ايّ لون له مكوِّنات من الاحمر والازرق على السواء، يوافق مرقس ويوحنا على ان الرداء كان له لون احمر. ومن الممكن ان يكون انعكاس الضوء والخلفية قد اعطيا ظلالا مختلفة من الالوان للثوب، وكتبة الاناجيل ذكروا اللون الاقوى بالنسبة اليهم او الى اولئك الذين منهم نالوا معلوماتهم. والتنوُّع الثانوي يظهر شخصية الكتبة الفردية ويبرهن انه لم يكن هنالك تواطؤ.
▪ مَن حمل خشبة آلام يسوع؟
قال يوحنا (١٩:١٧): «خرج [يسوع] وهو حامل صليبه الى الموضع الذي يقال له موضع الجمجمة ويقال له بالعبرانية جلجثة.» وأما متى (٢٧:٣٢)، مرقس (١٥:٢١)، ولوقا (٢٣:٢٦) فيقولون انه ‹فيما هم خارجون جرى تسخير سمعان القيرواني ليحمل خشبة الآلام.› لقد حمل يسوع خشبة آلامه، كما ذكر يوحنا. ولكنَّ يوحنا في روايته الموجزة لم يضِف النقطة ان سمعان سُخِّر في ما بعد ليحمل الخشبة. لذلك تنسجم روايات الاناجيل من هذا القبيل.
▪ كيف مات يهوذا الاسخريوطي؟
تذكر متى ٢٧:٥ ان يهوذا خنق نفسه، في حين ان الاعمال ١:١٨ تقول انه «اذ سقط على وجهه انشق من الوسط فانسكبت احشاؤه كلها.» ففيما يظهر ان متى يعالج طريقة محاولة الانتحار، تصف الاعمال النتائج. وعلى ما يظهر ربط يهوذا حبلا بغصن شجرة، وضع وهقا حول عنقه، وحاول شنق نفسه بالقفز من منحدر صخري. ويبدو انه إما انقطع الحبل او انكسر غصن الشجرة بحيث سقط هو وانشق على الصخر في الاسفل. والمعالم السطحية الطبيعية للمنطقة حول اورشليم تجعل استنتاجا كهذا معقولا.
كيف ستنظرون الى الامور؟
اذا واجهنا تعارضات ظاهرية في الكتاب المقدس، يحسن بنا ان ندرك ان الناس كثيرا ما يقولون امورا تظهر متناقضة لكنها تُشرح او تُفهم بسهولة. على سبيل المثال، قد يراسل رجل اعمال شخصا ما باملاء رسالة على سكرتيرته. واذا سُئل، فسيقول انه بعث الرسالة. ولكن بما ان سكرتيرته طبعت الرسالة وأرسلتها بالبريد، يمكنها القول انها بعثتها. وعلى نحو مماثل، لم يكن متناقضا بالنسبة الى متى (٨:٥) القول ان قائد مئة جاء ليطلب من يسوع خدمة، في حين ان لوقا (٧:٢، ٣) قال ان الرجل ارسل ممثلين.
ان الامثلة السابقة تظهر انه يمكن حلّ معضلات الكتاب المقدس. اذًا، هنالك سبب وجيه لحيازة موقف ايجابي تجاه الاسفار المقدسة. وقد جرى النصح بمثل هذه الروح في هذه الكلمات الظاهرة في كتاب مقدس عائلي صادر في السنة ١٨٧٦:
«ان الروح اللائقة التي نعالج بها تلك المعضلات هي، ازالتها بقدر ما يكون ذلك ممكنا، والالتصاق بالحقيقة والخضوع لها، حتى عندما لا يمكن تبديد كل غيمة عنها. فيجب علينا الاقتداء بمثال الرسل الذين، عندما انزعج بعض التلاميذ مما دعوه ‹كلاما صعبا،› لكي يهجروا المسيح، أَسكتوا كل اعتراض بهذه الكلمات: ‹يا رب الى مَن نذهب. كلام الحياة الابدية عندك. ونحن قد آمنَّا وعرفنا انك انت المسيح ابن اللّٰه الحي.› . . . فعندما نرى حقيقة تناقض ظاهريا حقيقة اخرى، دعونا نحاول التوفيق بينهما، وهكذا نظهر للجميع انهما متوافقتان.» — يوحنا ٦:٦٠-٦٩.
فهل تتخذون مثل هذا الموقف؟ بعد فحص مجرد امثلة قليلة تبرهن انسجام الاسفار المقدسة، نرجو ان توافقوا المرنم الملهم الذي قال للّٰه: «رأس كلامك حق.» (مزمور ١١٩:١٦٠) وشهود يهوه يتبنون وجهة النظر هذه في ما يتعلق بكامل الكتاب المقدس وسيقدمون بسرور اسبابا لايمانهم به. فلماذا لا تناقشون هذا الكتاب الفريد معهم؟ ان رسالته المشجعة يمكن ان تملأكم حقا بالرجاء والسعادة الحقيقيين.
[الصورة في الصفحة ٧]
هل سألتم شهود يهوه عن سبب ايمانهم بالكتاب المقدس؟