أشور
يُطلق هذا الاسم على البلاد التي احتلت قديما الطرف الشمالي لسهل بلاد ما بين النهرين او اقصى الجزء الشمالي لما هو اليوم دولة العراق. من حيث الاساس، كانت اشور تقع ضمن المثلث المكون من نهرَي دجلة والزاب الصغير. وهذان النهران شكلا عموما حدودها الغربية والجنوبية، في حين شكلت جبال ارمينيا القديمة الحدود الشمالية، وسلسلة جبال زڠروس وبلاد مادي الحدود الشرقية. ولكن لا بد من الاشارة الى ان هذه الحدود كانت تتغير الى حد كبير. فكانت اشور تتسع جنوب الزاب الصغير حين تضعف بابل انما لتعود وتتراجع عندما تقل نجاحاتها السياسية وتتعاظم نجاحات بابل. وقد تغيرت الحدود الاخرى ايضا خصوصا تلك التي شكلها دجلة، لأن اشور وسّعت نفوذها غرب هذا النهر في وقت باكر. وطبعا، اصبحت الامبراطورية الاشورية في وقت لاحق تضم منطقة اكبر بكثير. — الخريطة في المجلد ١، ص X.
ربطت بين اشور وبابل طوال تاريخهما علاقة وثيقة. فقد كانتا دولتين متجاورتين تقعان ضمن منطقة واحدة دون ان تفصل بين اراضيهما اية حدود طبيعية. غير ان بلاد اشور بحد ذاتها هي كثيرة المرتفعات وبوجه عام وعرة الارض، تتمتع بمناخ منعش اكثر من مناخ بلاد بابل. كما ان شعبها اشد عزما وعدائية من الشعب البابلي. وهم يصوَّرون في النقوش كأشخاص اقوياء البنية لهم بشرة دكناء وحواجب غليظة ولحى كثيفة وأنوف بارزة.
اعتُبرت مدينة اشور، الواقعة غرب دجلة، العاصمة الاولى للمنطقة. لكن نينوى اصبحت في ما بعد عاصمتها الابرز، فيما كانت كلٌّ من كالح وخرساباد مدينة اتخذها الملوك الاشوريون عاصمة في بعض الاحيان. وكانت تمر في الجزء الشمالي من اشور طريق تجارية تؤدي الى منطقة البحر الابيض المتوسط وإلى آسيا الصغرى، وتتفرع منها طرقات تتجه الى ارمينيا وإلى منطقة بحيرة أُرمية. وقد هدفت معظم الحروب التي خاضتها اشور الى السيطرة على هذه الطرقات التجارية او ابقائها ضمن حيز نفوذهم.
السياسة العسكرية: كانت اشور في الدرجة الاولى دولة عسكرية، والصورة التي خلفها التاريخ عن اعمالها البطولية اتسمت بالوحشية والضراوة. (الصور في المجلد ١، ص X) يصف اشور ناصربال، احد ملوكها المحاربين، معاقبته لعدة مدن متمردة كما يلي:
«بنيت برجا عند بوابة مدينته، وسلخت جلد كل الزعماء الذين تمردوا وكسوت البرج بجلودهم؛ سجنت البعض داخل البرج، ووضعت البعض الآخر على خوازيق عند البرج، . . . بترت اطراف الضباط، ضباط الملك الذين تمردوا. . . . وأسرى كثيرين بينهم احرقت بالنار، وكثيرون اخذتهم اسرى احياء. وبترت ايدي وأصابع بعضهم، والبعض الآخر جدعت انوفهم وآذانهم وبترت اصابعهم(؟)، كما فقأت عيون كثيرين. نصبت عمودا من الاحياء وآخر من الرؤوس؛ وثبت رؤوسهم على اعمدة (جذوع اشجار) نُصبت حول المدينة. فتيانهم وفتياتهم احرقت بالنار . . . ألقيت القبض على عشرين رجلا ودفنتهم احياء في سور قصره. . . . ومَن تبقى منهم [محاربيهم] اهلكتهم عطشا في صحراء الفرات». — السجلات القديمة لأشور وبلاد بابل، بقلم د. د. لاكنبيل، ١٩٢٦، المجلد ١، الصفحات ١٤٥، ١٤٧، ١٥٣، ١٦٢.
غالبا ما تصور النقوش الاشوريين وهم يقودون اسراهم بحبال مربوطة بخطاطيف غُرزت في انوفهم او شفاههم، او يفقأون عيونهم بأسنة الرماح. وهكذا كان التعذيب السادي وجها مألوفا من اوجه الحروب الاشورية، وقد تباهوا به دون خجل وتحدثوا عنه بالتفصيل في سجلاتهم. ولا شك ان ذيوع الاخبار عن اعمالهم الوحشية خدم مصالحهم العسكرية، اذ اوقع ذلك الرعب في قلوب الذين خطط الاشوريون لمهاجمتهم وجعل المقاومة تنهار في اغلب الاحيان. لهذا السبب كان من الملائم ان يصف النبي ناحوم نينوى، عاصمة اشور، بأنها «مأوى الاسود» و «مدينة الدماء». — نا ٢:١١، ١٢؛ ٣:١.
اي نوع من الاديان مارسه الاشوريون؟
اخذت اشور دينها في معظمه عن بابل، ورغم ان الاشوريين اعتبروا ان الههم القومي اشور هو الاله الاسمى، بقيت بابل في نظرهم المركز الديني الرئيسي. وكان الملك الاشوري الكاهن الاعظم لهذا الاله. وثمة ختم يصور الاله اشور بثلاثة رؤوس اكتشفه أ. ه. لايارد بين خرائب احد القصور الاشورية، وهو محفوظ اليوم في المتحف البريطاني. وقد برز في عبادة الاشوريين الايمان بثواليث من الآلهة وبمجموعة تتألف من خمسة آلهة. والثالوث الرئيسي تألف من آنو الذي مثل السماء، بيل الذي مثل المنطقة التي يسكنها البشر والحيوانات والطيور، وإيا الذي مثل المياه السطحية والجوفية. وهنالك ثالوث آخر مؤلف من سين اله القمر، شمش اله الشمس، ورامّان اله العاصفة مع ان عشتار ملكة النجوم غالبا ما حلت محله. (قارن ٢ مل ٢٣:٥، ١١.) ثم تأتي الآلهة الخمسة التي تمثل خمسة كواكب. يذكر قاموس أنغر للكتاب المقدس (١٩٦٥، ص ١٠٢) عن الآلهة في الثواليث، قائلا: «احيانا، كان يجري التضرع الى هذه الآلهة كل على حدة بعبارات ترفّع كما يبدو كل اله بدوره الى مكانة اسمى من تلك التي للآخرين». لكن جملة آلهتهم شملت عددا لا يُحصى من الآلهة الثانوية الاخرى التي اعتُبر الكثير منها حماة للمدن. والسجل يذكر ان سنحاريب كان يقدم العبادة لنسروخ عند اغتياله. — اش ٣٧:٣٧، ٣٨.
كانت الديانة المرتبطة بهذه الآلهة ديانة روحانية، اي ان الاشوريين آمنوا بأن روحا تحرك كل الاشياء وكل الظواهر الطبيعية. وقد اختلفت ديانتهم عن الاشكال الاخرى لعبادة الطبيعة السائدة بين الامم المجاورة في انها اعتبرت الحرب التعبير الامثل عن الدين القومي. (الصورة في المجلد ١، ص X) لذلك قال تغلث فلاسر الاول بشأن خوضه الحروب: «ربي اشور حثني على المضي قدما». كما ان آشوربانيبال ذكر في حولياته: «بأمر من الآلهة العظيمة اشور وسين وشمَس، اربابي الذين حموني، دخلت الى مِنِّي وتقدمت ظافرا». (سجلات الماضي: الانصاب الاشورية والمصرية، لندن، ١٨٧٥، المجلد ٥، ص ١٨؛ ١٨٧٧، المجلد ٩، ص ٤٣) وكان سرجون يتضرع باستمرار الى عشتار طلبا للمساعدة قبل الذهاب الى الحرب. وكانت الجيوش تسير وراء رايات الآلهة، وهي على ما يبدو رموز خشبية او معدنية مثبتة الى سوارٍ. وقد عُلّقت اهمية كبرى على الفؤول التي كانت تُستطلع بفحص اكباد الحيوانات المقدمة ذبائح او بمراقبة طيران الطيور او مواقع الكواكب. يذكر كتاب مدن قديمة، بقلم و. ب. رايت (١٨٨٦، ص ٢٥): «كان خوض الحروب الشغل الشاغل للأمة، وكان الكهنة محرضين دائمين على الحرب. وجرت اعالتهم في الغالب من غنائم الفتوحات، بحيث خُصصت لهم بشكل ثابت نسبة محددة من هذه الغنائم قبل ان يتقاسمها الآخرون، ذلك لأن هذه السلالة من الناهبين كانت متدينة بإفراط».
الحضارة، الادب، والقوانين: بنى الاشوريون قصورا رائعة كسوا جدرانها بألواح منحوتة تصور مشاهد واقعية قوية التأثير للحرب والسلام. وقد زينوا مداخلها بثيران مجنحة ذات رؤوس بشرية نُحتت من كتلة واحدة من حجر الكلس يُقدّر وزنها بـ ٣٦ طنا متريا. كما احتوت اختامهم الاسطوانية على نقوش معقدة. (انظر «علم الآثار».) والاشكال المعدنية المسبوكة دلت على إلمامهم الكبير بالتعدين. فضلا عن ذلك، شق ملوكهم قنوات وأنشأوا شبكات للري، كما أنشأوا حدائق ملكية نباتية وحيوانية فيها نباتات وأشجار وحيوانات من بلدان عديدة. وغالبا ما قدمت قصورهم دليلا على وجود شبكات حسنة التصميم لصرف المياه وأيضا للصرف الصحي.
كانت المكتبات الضخمة التي بناها بعض الملوك الاشوريين ذات اهمية خصوصية. فقد احتوت عشرات الآلاف من الالواح الطينية التي نُقشت عليها كتابات مسمارية، وأيضا من المواشير والاسطوانات التي تذكر حوادث تاريخية مهمة ومعلومات دينية ومسائل قانونية وتجارية. غير ان بعض القوانين، التي يعود تاريخها الى احدى الحقبات الاشورية، تُظهر هي ايضا القساوة التي كثيرا ما تميزت بها هذه الامة. فبعض الجرائم كان يعاقَب عليها بتشويه الجسم. مثلا، لم يكن يُسمح للأَمة ان تظهر امام عامة الناس بالبرقع، وانتهاكها لهذا القانون يؤدي الى صلم اذنيها. اما عدم توفر الحماية القانونية للمرأة المتزوجة فيُستدل عليه من خلال قانون ينص على ما يلي: «الى جانب العقوبات المنقوشة على اللوح والمتعلقة بالمرأة المتزوجة، يستطيع الرجل ان يجلد زوجته، ينتف شعرها ويشطر او يشوه اذنيها دون ان ينطوي ذلك على اي جرم من الناحية القانونية». — الحياة في بابل وأشور، بقلم ه. و. ف. ساڠز، ١٩٦٥، ص ١٥٢.
تاريخ الكتاب المقدس والتاريخ الدنيوي: ان اول اشارة الى اشور في سجل الكتاب المقدس ترد في التكوين ٢:١٤. وهناك يشير موسى الى ان نهر حداقل (دجلة)، الذي هو في الاصل احد الرؤوس الاربعة للنهر الذي «يخرج من عدن»، كان في ايامه ‹يجري شرقي اشور›. — تك ٢:١٠.
دُعيت اشور باسم ابن سام، اشور. (تك ١٠:٢٢) لذلك يبدو ان الساميين هم اول مَن سكنها بُعيد الطوفان. ولكن تسلل اليها في وقت باكر آخرون ايضا، اذ ان نمرود حفيد حام دخل الى اشور وبنى «نينوى ورحوبوت عير وكالح ورسن الواقعة بين نينوى وكالح: هذه تؤلف المدينة العظيمة». (تك ١٠:١١، ١٢؛ قارن مي ٥:٦.) لا يذكر السجل هل حدث ذلك بعد بناء برج بابل وبلبلة الالسنة التي ادى اليها (تك ١١:١-٩)، رغم ان الاصحاح العاشر نفسه من التكوين يأتي قبلا على ذكر «ألسنة» مختلفة. (تك ١٠:٥، ٢٠، ٣١) ومع ذلك ثبت ان نينوى عاصمة اشور انبثقت من بابل، وهذا ينسجم مع التاريخ الدنيوي. ويُذكر لاحقا ان العشائر التي تحدرت من اسماعيل بن ابراهيم وصلت حتى اشور اثناء ترحالها. — تك ٢٥:١٨.
كانت الفترة ما بين سنة ١١٠٠ و ٩٠٠ قم تقريبا (بعد حكم تغلث فلاسر الاول) فترة انحطاط بالنسبة الى اشور. وقد اشار البعض الى ان ذلك كان ظرفا مؤاتيا لتوسيع حدود امة اسرائيل اثناء حكم داود (١٠٧٧-١٠٣٨ قم) وامتلاكها نفوذا اوسع في ظل حكم سليمان (١٠٣٧-٩٩٨ قم). غير ان نجاح هذا التوسع كان دون شك يعود الى دعم اللّٰه بالدرجة الاولى لا الى ضعف الاشوريين. — ٢ صم ٨، ١٠؛ ١ مل ٤:٢١-٢٤.
اشور ناصربال الثاني وشلمنأسر الثالث: بدأ العدوان الاشوري يدنو من اسرائيل اثناء حكم اشور ناصربال الثاني، الذي اشتهر بحملاته الحربية العديمة الرحمة ووحشيته التي جرى التحدث عنها آنفا. وتُظهر النقوش انه عبر الفرات واجتاح شمال سورية وفرض الجزية على المدن الفينيقية. وكان خلفه شلمنأسر الثالث اول ملك يدون في سجلاته انه اصطدم مباشرة بمملكة اسرائيل الشمالية. فالسجلات الاشورية تُظهر ان شلمنأسر تقدم الى قَرقر على نهر العاصي حيث حارب كما يزعم ملوكا متحالفين، غير ان نتيجة المعركة لم تكن حاسمة. وعلى المسلة السوداء لشلمنأسر في نمرود يدرَج اسم ياهو (نحو ٩٠٤-٨٧٧ قم) بين الملوك الذين دفعوا الجزية له، كما يصوَّر في نقش بارز مبعوث ياهو على الارجح وهو يقدم الجزية للملك الاشوري. — انظر «شَلْمَنْأَسَر» رقم ١.
ادد نيراري الثالث وخلفاؤه: اعتلى ادد نيراري الثالث عرش اشور بعد شمشي ادد الخامس، خلف شلمنأسر الثالث. وتذكر النقوش انه هاجم دمشق وتلقى الجزية من يهوآش ملك السامرة. وربما في وقت ما نحو اواسط القرن التاسع قم (حوالي ٨٤٤)، أُرسل النبي يونان في مهمة الى نينوى عاصمة اشور. فأدى تحذيره من الدمار الوشيك الى توبة المدينة بأكملها مع ملكها. (يون ٣:٢-٦) ولعل ملك اشور آنذاك كان ادد نيراري الثالث، انما ذلك غير مؤكد.
يذكر التاريخ ان الملوك الذين خلفوا ادد نيراري الثالث شملوا شلمنأسر الرابع وأشور دان الثالث وأشور نيراري الخامس، وجميعهم ابناء ادد نيراري الثالث. وهذه الفترة كانت فترة انحطاط في ما يتعلق بالاعمال العدوانية التي قامت بها اشور.
تغلث فلاسر الثالث: اول ملك اشوري يُذكر بالاسم في الكتاب المقدس هو تغلث فلاسر الثالث (٢ مل ١٥:٢٩؛ ١٦:٧، ١٠)، كما انه يُدعى «فول» في ٢ ملوك ١٥:١٩. وتأتي ١ اخبار الايام ٥:٢٦ على ذكر الاسمين معا، الامر الذي جعل البعض في الماضي يعتقدون انهما ملكان مختلفان. لكن قائمة الملوك البابليين أ تشير الى «فولو»، مما يدل على ان الاسمين يطلقان على الشخص نفسه. وقد اقترح البعض ان هذا الملك كان في الاصل معروفا باسم فول وأنه اتخذ الاسم تغلث فلاسر عند اعتلائه عرش اشور.
خلال حكم منحيم ملك اسرائيل (نحو ٧٩٠-٧٨١ قم) دخل تغلث فلاسر الثالث حيز المملكة الشمالية. وقد دفع له منحيم ألف وزنة من الفضة (٠٠٠،٦٠٦،٦ دولار)، مما جعل الاشوريين ينسحبون. (٢ مل ١٥:١٩، ٢٠) ولكن في وقت لاحق تحالف فقح ملك اسرائيل (نحو ٧٧٨-٧٥٩ قم) مع رصين ملك ارام ضد آحاز ملك يهوذا (٧٦١-٧٤٦ قم). ومع ان اشعيا انبأ بأن قوة ملك اشور ستزيل بالتأكيد هذا التهديد الارامي-الاسرائيلي (اش ٧:١-٩، ١٦، ١٧؛ ٨:٣، ٤)، اختار آحاز المسلك غير الحكيم مرسلا رشوة الى تغلث فلاسر لكي يشن هجوما ضد هذا التحالف ويزيل بالتالي الضغط عن يهوذا. فما كان من الملك الاشوري إلا ان استولى على عدد من المدن في الجزء الشمالي من مملكة اسرائيل، بالاضافة الى مناطق جلعاد، الجليل، ونفتالي. وفي مرحلة باكرة من حكمه، كان قد باشر باتباع سياسة نقل السكان في الاماكن التي استولى عليها من مناطق سكنهم الى مناطق اخرى للتقليل من امكانية اشعال ثورات في المستقبل، لذلك شرع في ترحيل بعض الاسرائيليين. (١ اخ ٥:٦، ٢٦) وبالاضافة الى ذلك، اصبحت يهوذا خاضعة لأشور؛ كما ان آحاز ملك يهوذا ذهب الى دمشق، التي كانت هي ايضا قد سقطت في ايدي الاشوريين، وقدم على ما يبدو فروض الولاء لتغلث فلاسر. — ٢ مل ١٥:٢٩؛ ١٦:٥-١٠، ١٨؛ ٢ اخ ٢٨:١٦، ٢٠، ٢١، قارن اش ٧:١٧-٢٠.
شلمنأسر الخامس: خلف شلمنأسر الخامس تغلث فلاسر الثالث. وفي البداية رضخ هوشِع (نحو ٧٥٨-٧٤٠ قم)، الذي اغتصب عرش اسرائيل، لأمر اشور بأن يدفع الجزية. لكنه تآمر لاحقا مع مصر لكي يحرر اسرائيل من النير الاشوري، فضرب شلمنأسر حصارا دام ثلاث سنوات على مدينة السامرة وأدى في النهاية الى سقوطها (٧٤٠ قم) وسبي اسرائيل. (٢ مل ١٧:١-٦؛ ١٨:٩-١١؛ هو ٧:١١؛ ٨:٧-١٠) وتذكر معظم المراجع ان شلمنأسر مات قبل اتمام الاستيلاء على السامرة وأن سرجون الثاني كان ملكا على اشور حين سقطت المدينة اخيرا. — ولكن انظر «سَرْجُون»؛ «شَلْمَنْأَسَر» رقم ٢.
سرجون الثاني: تتحدث سجلات سرجون عن ترحيل ٢٩٠،٢٧ اسرائيليا الى اماكن في منطقة الفرات الاعلى وفي مادي. كما توصف حملته في فلسطية التي استولى فيها على جت وأشدود وأسدوديمو. وفي اثناء هذه الحملة أُمر النبي اشعيا بأن ينبه الى عدم جدوى الوثوق بمصر او الحبشة كمصدر للحماية من المعتدي الاشوري. (اش ٢٠:١-٦) وربما خلال حكم سرجون أُتي للمرة الاولى بشعب من بابل وأرام الى السامرة لجعلها آهلة بالسكان من جديد، وقد اعاد الملك الاشوري في وقت لاحق كاهنا اسرائيليا من السبي وأرسله اليهم ليعلمهم «دين اله الارض». — ٢ مل ١٧:٢٤-٢٨؛ انظر «السَّامِرة» رقم ٢؛ «السامِرِيّ».
سنحاريب: هاجم سنحاريب، ابن سرجون الثاني، مملكة يهوذا اثناء السنة الـ ١٤ لحزقيا (٧٣٢ قم). (٢ مل ١٨:١٣؛ اش ٣٦:١) وقد تمرد حزقيا رافضا النير الاشوري الذي فُرض عليه بسبب ما فعله ابوه آحاز. (٢ مل ١٨:٧) فاجتاح سنحاريب يهوذا مستوليا، كما يُقال، على ٤٦ مدينة (قارن اش ٣٦:١، ٢)، ثم طالب من معسكره في لخيش ان يدفع له حزقيا جزية بقيمة ٣٠ وزنة من الذهب (نحو ٠٠٠،٥٦٠،١١ دولار) و ٣٠٠ وزنة من الفضة (نحو ٠٠٠،٩٨٢،١ دولار). (٢ مل ١٨:١٤-١٦؛ ٢ اخ ٣٢:١؛ قارن اش ٨:٥-٨.) ومع ان سنحاريب حصل على هذا المبلغ، ارسل الناطق بلسانه ليطالب باستسلام اورشليم دون قيد ولا شرط. (٢ مل ١٨:١٧–١٩:٣٤؛ ٢ اخ ٣٢:٢-٢٠) فأهلك يهوه ٠٠٠،١٨٥ من جيشه في ليلة واحدة مجبرا الملك الاشوري المتبجح على الانسحاب والعودة الى نينوى. (٢ مل ١٩:٣٥، ٣٦) وهناك اغتاله لاحقا اثنان من ابنائه واعتلى العرش مكانه ابن آخر له هو اسرحدون. (٢ مل ١٩:٣٧؛ ٢ اخ ٣٢:٢١، ٢٢؛ اش ٣٧:٣٦-٣٨) وقد سُجلت هذه الحوادث ايضا، باستثناء اهلاك الجنود الاشوريين، على احد مواشير سنحاريب وأحد مواشير اسرحدون. — الصورتان في المجلد ١، ص X.
اسرحدون: اثناء حكم منسى (٧١٦-٦٦٢ قم)، سمح يهوه لرؤساء الجند الاشوريين بأن يأخذوا ملك يهوذا هذا اسيرا الى بابل (التي كانت آنذاك تحت سيطرة الاشوريين). (٢ اخ ٣٣:١١) ويعتقد البعض ان ذلك ربما حدث اثناء حملة اسرحدون الظافرة على مصر. على اية حال، تدرج النقوش اسم ميناسي (منسى) ملك يهوذا بين الملوك الذين دفعوا الجزية لأسرحدون. ففي وقت لاحق أُعيد منسى الى اورشليم. (٢ اخ ٣٣:١٠-١٣) ويتضح من عزرا ٤:٢ ان نقل السكان من وإلى مملكة اسرائيل الشمالية كان لا يزال مستمرا في ايام اسرحدون، الامر الذي يمكن ان يفسر فترة الـ «خمس وستين سنة» في النبوة المذكورة في اشعيا ٧:٨. — انظر «آحاز» رقم ١؛ «أسَرْحَدُّون».
آشوربانيبال: كان اسرحدون قد عين قبل موته ابنه آشوربانيبال وليا للعهد في اشور، وابنه الآخر شمش شوم اوكين وليا للعهد في بابل. وقد ثار شمش شوم اوكين لاحقا على اخيه، فقمع آشوربانيبال الثورة ونهب مدينة بابل.
قام آشوربانيبال بتوسيع الامبراطورية الى حدها الاقصى. وقد اخمد ثورة في مصر ونهب مدينة طيبة (نو آمون). فباتت تخوم الامبراطورية الاشورية تضم منطقة عيلام وجزءا من مادي يمتد شمالا حتى اراراط. كما ضمت المناطق من كيليكية بآسيا الصغرى في اقصى الغرب الى سورية وإسرائيل (انما ليس اورشليم). وكانت مصر وشبه الجزيرة العربية وبلاد بابل تقع ضمن الحدود الجنوبية للامبراطورية. ويبدو ان آشوربانيبال هو «اسنفر العظيم النبيل» المُشار اليه في عزرا ٤:١٠. — انظر «أسْنَفَّر».
سقوط الامبراطورية: يتحدث «التاريخ البابلي» (21901 British Museum) عن سقوط نينوى عاصمة اشور بعد حصار ضربته القوات المتحالفة لنبوبولاسر (ملك بابل) وسياكسار المادي خلال السنة الـ ١٤ لنبوبولاسر (٦٣٢ قم)، ويقول: «[حولوا] المدينة الى تلال من الخرائب وكو[م (من الانقاض)]». (نصوص الشرق الادنى القديمة، تحرير ج. ب. پريتشارد، ١٩٧٤، ص ٣٠٥؛ المعقوفان والقوسان لهم.) وهكذا بلغت الامبراطورية الاشورية المتوحشة نهاية مخزية. — اش ١٠:١٢، ٢٤-٢٦؛ ٢٣:١٣؛ ٣٠:٣٠-٣٣؛ ٣١:٨، ٩؛ نا ٣:١-١٩؛ صف ٢:١٣.
واستنادا الى المرجع نفسه، حاول اشور اوباليت الثاني في السنة الـ ١٤ لنبوبولاسر (٦٣٢ قم) ان يواصل الحكم الاشوري من حاران بعد ان يتخذها عاصمة له. ويذكر هذا المرجع ما حدث اثناء السنة الـ ١٧ لنبوبولاسر (٦٢٩ قم): «في شهر دوأوزو، عبر اشور اوباليت ملك اشور (مع) [جيش] كبير من م[ص]ر [كان قد اتى لمساعدته] نهر (الفرات) و [زحف] للاستيلاء على حران». (نصوص الشرق الادنى القديمة، ص ٣٠٥؛ المعقوفان والقوسان لهم.) وفي الواقع، كان اشور اوباليت يحاول ان يستولي عليها من جديد بعد ان دُحر. وما دُوّن في هذا السجل ينسجم مع الرواية المسجلة في ٢ ملوك ٢٣:٢٩ التي تتحدث عن العمل الذي قام به فرعون نخو والذي ادى الى موت يوشيا ملك يهوذا (نحو ٦٢٩ قم). تذكر هذه الآية ان ‹فرعون نخو ملك مصر صعد الى ملك اشور عند نهر الفرات›، وذلك بهدف مساعدته كما يتضح. ومن المحتمل جدا ان يكون «ملك اشور» هذا الذي صعد اليه نخو هو اشور اوباليت الثاني. غير ان حملتهما على حاران لم تنجح، فالامبراطورية الاشورية كانت قد بلغت نهايتها.
أُطلق اللقب «ملك اشور» على الملك الفارسي (داريوس هستاسپس) الذي كان متسلطا على ارض اشور في زمن اعادة بناء الهيكل في اورشليم (الذي انتهى سنة ٥١٥ قم). — عز ٦:٢٢.
اشور في النبوات: تُذكر اشور في النبوة التي تفوه بها بلعام نحو سنة ١٤٧٣ قم. (عد ٢٤:٢٤) وتوجد اشارات عديدة اليها في نبوات اشعيا وإرميا وحزقيال وميخا وناحوم وصفنيا وزكريا، في حين ان التحذير من التدمير الاشوري لمملكة اسرائيل الشمالية يتخلل نبوة هوشع بكاملها. وتتكرر الادانات التي تشجب الاعتماد على الامم الوثنية الذي اظهرته يهوذا واسرائيل المرتدتان، اللتان كانتا في الغالب تتقلبان — متكلتين تارة على مصر وطورا على اشور — مثل «حمامة ساذجة لا قلب فاهما لها». (ار ٢:١٨، ٣٦؛ مرا ٥:٦؛ حز ١٦:٢٦، ٢٨؛ ٢٣:٥-١٢؛ هو ٧:١١) وقد وُصفت النتائج المأساوية لهذا المسلك وصفا حيا. (حز ٢٣:٢٢-٢٧) كما أُنبئ عن الاذلال الذي سيختبره الاشوريون وعن عودة المسبيين الاسرائيليين الى موطنهم. (اش ١١:١١-١٦؛ ١٤:٢٥؛ ار ٥٠:١٧، ١٨؛ حز ٣٢:٢٢؛ زك ١٠:١٠، ١١) وأخيرا، أُنبئ ايضا بوقت حين تسود العلاقات السلمية بين ارضي اشور ومصر وتتحدان كلتاهما مع اسرائيل، حائزين جميعا على رضى اللّٰه وصائرين «بركة في وسط الارض». — اش ١٩:٢٣-٢٥.
[الصورة]
نقش مأخوذ من القصر الشمالي في نينوى. الملك والملكة يستمتعان بحفلة في حديقة؛ رأس احد الملوك المهزومين معلق على الشجرة امام عازف قيثارة
[الصورة]
المركبات الاشورية تحمل رايات دينية الى المعركة
[الصورة]
لوحة جدارية نافرة مأخوذة من نمرود تصور الجنود الاشوريين حاملين آلهة احدى المدن التي استولوا عليها