إسرائيل
[مجاهِد (مثابِر) مع اللّٰه؛ او: اللّٰه يجاهد]
١- الاسم الذي اطلقه اللّٰه على يعقوب عندما كان عمره ٩٧ سنة تقريبا. فليلة عبور يعقوب وادي يبوق، في طريقه لملاقاة اخيه عيسو، تصارع مع شخص تبيَّن انه ملاك. وبسبب مثابرته خلال هذه المصارعة، صار يدعى اسرائيل دليلا على انه نال بركة اللّٰه. وتخليدا لذكرى هذه الاحداث، سمَّى يعقوب المكان فنيئيل او فنوئيل. (تك ٣٢:٢٢-٣١؛ انظر «يعقوب» رقم ١.) ولاحقا في بيت ايل، اكَّد اللّٰه ان اسم يعقوب سيصير «اسرائيل»، وكثيرا ما دُعي بهذا الاسم منذ ذلك الحين حتى نهاية حياته. (تك ٣٥:١٠، ١٥؛ ٥٠:٢؛ ١ اخ ١:٣٤) ولكن في معظم المرات التي يرد فيها اسم اسرائيل، والتي تزيد على ٥٠٠,٢، يُشار بهذه الكلمة الى المتحدرين من يعقوب كشعب. — خر ٥:١، ٢.
٢- كل المتحدرين من يعقوب، كمجموعة، في اي وقت كان. (خر ٩:٤؛ يش ٣:٧؛ عز ٢:٢ب؛ مت ٨:١٠) غالبا ما دُعي اولاد بني يعقوب الـ ١٢ والمتحدرون منهم ‹بني اسرائيل›. وفي بعض الاحيان دُعوا «بيت اسرائيل»، «شعب اسرائيل»، «رجال اسرائيل»، «رعية اسرائيل»، او ‹الاسرائيليين›. — تك ٣٢:٣٢؛ مت ١٠:٦؛ اع ٤:١٠؛ ٥:٣٥؛ اف ٢:١٢؛ رو ٩:٤؛ انظر «الإسْرائِيليّ».
في سنة ١٧٢٨ قم، اجبرت المجاعة بيت يعقوب على الانتقال الى مصر، وهناك عاش المتحدرون منهم كأجانب طوال ٢١٥ سنة. وقد بلغ عدد الاسرائيليين الذين اعتُبروا من «نفوس بيت يعقوب التي اتت الى مصر» ٧٠ شخصا، دون ان تُحسب زوجات بني يعقوب. ولكن خلال تغرُّبهم هناك صاروا مجتمعا كبيرا جدا من العبيد، اذ ان مجموعهم ربما بلغ مليونَين او ثلاثة ملايين او اكثر. — تك ٤٦:٢٦، ٢٧؛ خر ١:٧؛ انظر «الخُرُوج».
عندما كان يعقوب على فراش الموت، بارك ابناءه الـ ١٢ بهذا التسلسل: رأوبين، شمعون، لاوي، يهوذا، زبولون، يساكر، دان، جاد، اشير، نفتالي، يوسف، بنيامين. ومن خلال هؤلاء استمر اتِّباع النظام الابوي الذي يمسك فيه الآباء بزمام السلطة. (تك ٤٩:٢-٢٨) ولكن اثناء فترة عبودية اسرائيل، وضع المصريون نظاما للاشراف خاصا بهم لا علاقة له بالنظام الابوي، واختاروا اشخاصا من بين الاسرائيليين ليساعدوا المشرفين على العمل. وكان هؤلاء المساعدون يعدُّون احجار البناء التي يصنعها الاسرائيليون. (خر ٥:٦-١٩) اما موسى، فعندما اراد ان يعرِّف الجماعة بإرشادات يهوه، استعان بـ «شيوخ اسرائيل» الذين كانوا رؤوس العشائر بالوراثة. وهؤلاء ايضا هم الذين رافقوه حين كان يقف امام فرعون. — خر ٣:١٦، ١٨؛ ٤:٢٩، ٣٠؛ ١٢:٢١.
وفي الوقت المعين، اي في عام ١٥١٣ قم، عند نهاية فترة الإذلال المحدَّدة مسبقا والتي دامت ٤٠٠ سنة، سحق يهوه الدولة العالمية المصرية المهيمنة وأخرج شعبه اسرائيل من العبودية بطريقة اظهرت بشكل رائع قدرته المطلقة. ومعهم خرج «لفيف كثير» من غير الاسرائيليين الذين فرحوا ان يربطوا مصيرهم بمصير شعب اللّٰه المختار. — تك ١٥:١٣؛ اع ٧:٦؛ خر ١٢:٣٨.
ولادة الامة: بموجب العهد الذي قُطع مع ابراهيم، اعتُبرت جماعة اسرائيل (التي نشأت نتيجة هذا العهد) كفرد واحد. ولذلك كان يمكن لمن هو قريب لصيق ان يسترجعهم او يحررهم من عبوديتهم. وعلى اساس هذا العهد القانوني، كان يهوه هذا القريب اللصيق لهم، فقد كان اباهم. وبما ان له حق الاسترجاع، استخدم قوَّته ليعاقب فرعون بعدما رفض ان يطلق «بكر» اللّٰه اسرائيل، فقتل بكره. (خر ٤:٢٢، ٢٣؛ ٦:٢-٧) وهكذا اصبحت اسرائيل، بعد اخراجها شرعيا من مصر، ملكا ليهوه وحده. قال يهوه: «اياكم وحدكم قد عرفت من جميع عشائر الارض». (عا ٣:٢؛ خر ١٩:٥، ٦؛ تث ٧:٦) لكنَّ اللّٰه استحسن ألا يتعامل معهم فقط كمجتمع خاضع لنظام السلطة الابوية بل كأمة، امة اسرائيل التي اوجدها وجعل لها حكما ثيوقراطيا قائما على عهد الشريعة كدستور لها.
بعد خروج اسرائيل من مصر، صارت خلال ثلاثة اشهر امة مستقلة خاضعة لعهد الشريعة الذي دُشن عند جبل سيناء. (عب ٩:١٩، ٢٠) وشكلت الكلمات العشر او الوصايا العشر المكتوبة «بإصبع اللّٰه» الخطوط العريضة لدستور الامة. وقد أُضيف اليها نحو ٦٠٠ من الشرائع والقوانين والوصايا والاحكام الاخرى. وهذا ما جعل هذا الدستور الاشمل بين مجموعات القوانين التي امتلكتها الامم القديمة، اذ تطرَّق بالتفصيل الى العلاقة بين الانسان واللّٰه وبين الانسان ورفيقه الانسان. — خر ٣١:١٨؛ ٣٤:٢٧، ٢٨.
بما ان الامة ثيوقراطية محض، كان يهوه هو صاحب السلطة القضائية والتشريعية والتنفيذية. (اش ٣٣:٢٢؛ يع ٤:١٢) وقد فوَّض هذا الحاكم الثيوقراطي العظيم بعض السلطة الادارية الى ممثليه المعيَّنين. حتى ان الشريعة اخذت في الاعتبار قيام سلالة من الملوك في المستقبل ستمثل يهوه في المسائل المدنية. لكنَّ هؤلاء الملوك لم يتمتعوا بسلطة مطلقة، لأن خدمة الكهنة كانت منفصلة عن المُلك ومستقلة عنه. كما ان الملوك جلسوا على «عرش يهوه» كممثلين له، فكانوا بالتالي خاضعين لتوجيهاته وتأديبه. — تث ١٧:١٤-٢٠؛ ١ اخ ٢٩:٢٣؛ ٢ اخ ٢٦:١٦-٢١.
وفي ظل هذه الشريعة الدستورية رُفِّعت عبادة يهوه فوق كل شيء آخر، كما انها تغلغلت في كل اوجه حياة الامة ونشاطاتها. واعتُبرت عبادة الاصنام عمل خيانة فظيعا يعاقَب عليه بالموت. (تث ٤:١٥-١٩؛ ٦:١٣-١٥؛ ١٣:١-٥) وكانت الخيمة المقدسة ولاحقا الهيكل، حيث كانت تقرَّب الذبائح المفروضة، المركز الارضي للعبادة. وقد امتلك الكهنة المعيَّنون من اللّٰه الاوريم والتميم، وهي الاداة التي كان يهوه يعطي بواسطتها جوابه بشأن مسائل مهمة ومعقدة فيها حياة او موت. (خر ٢٨:٣٠) وكانت تُعقد بانتظام اجتماعات يحضرها الرجال والنساء والاولاد (كان حضور الرجال إلزاميا)، مما ساهم في المحافظة على صحة الامة الروحية ووحدتها. — لا ٢٣:٢؛ تث ٣١:١٠-١٣.
واتُّخذت اجراءات لإنشاء نظام يضم قضاة يقضون لـ «عشرات» و«خماسين» و«مئات» و «ألوف». وأتاحت هذه الطريقة معالجة دعاوى الشعب بسرعة، فيما أُحيلت الاستئنافات الى موسى. وعند الضرورة، كان موسى يعرض المسائل امام يهوه لاتخاذ القرار النهائي. (خر ١٨:١٩-٢٦؛ تث ١٦:١٨) وكان التنظيم العسكري، الذي شمل تجنيد القوة العاملة وتعيين الافراد في سلطة القيادة، يعمل هو الآخر وفق نظام عددي مشابه. — عد ١:٣، ٤، ١٦؛ ٣١:٣-٦، ١٤، ٤٨.
وكان الرجال الذين يترأسون اسباطهم بالوراثة (شيوخ عندهم حكمة وفهم وخبرة) يشغلون مختلف المناصب المدنية والقضائية والعسكرية. (تث ١:١٣-١٥) وقد وقف هؤلاء الشيوخ امام يهوه كممثلين لكامل جماعة اسرائيل، ومن خلالهم صار يهوه وموسى يتحدثان الى الشعب عموما. (خر ٣:١٥، ١٦) وكان هؤلاء يستمعون بصبر الى الدعاوى، يحرصون على تنفيذ مختلف اوجه عهد الشريعة (تث ٢١:١٨-٢١؛ ٢٢:١٥-٢١؛ ٢٥:٧-١٠)، يتقيدون بالاحكام الالهية الصادرة (تث ١٩:١١، ١٢؛ ٢١:١-٩)، يشغلون مراكز عسكرية قيادية (عد ١:١٦)، يصدِّقون على المعاهدات المعقودة (يش ٩:١٥)، ويؤدون واجبات اخرى كفريق يعمل تحت توجيه رئيس الكهنة (يش ٢٢:١٣-١٦).
رغم ان امة اسرائيل الثيوقراطية الجديدة هذه صارت لها سلطة مركزية، فقد أُبقي على نظام السلطة الابوية ضمن الاسباط الـ ١٢ التي قُسِّمت الامة اليها. ولكن لأجل إعفاء سبط لاوي من الخدمة العسكرية (ليخصص كل وقته للمسائل الدينية) دون انقاص عدد الاسباط الـ ١٢ التي لها ١٢ حصة في ارض الموعد، أُجريت رسميا تعديلات ارتبطت بسلاسل النسب. (عد ١:٤٩، ٥٠؛ ١٨:٢٠-٢٤) كما نشأت مسألة حقوق الابن البكر. فقد كان من حق رأوبين، بكر يعقوب، ان يحصل على حصَّتَين من الميراث (قارن تث ٢١:١٧)، لكنه خسر هذا الحق حين ارتكب سفاح القربى مع سرية ابيه. (تك ٣٥:٢٢؛ ٤٩:٣، ٤) وهكذا كان لا بد من ملء هذَين الفراغَين: الفراغ الذي تركه لاوي بين الاسباط الـ ١٢ والفراغ الذي نجم عن عدم وجود مَن يملك حقوق الابن البكر.
بطريقة سهلة نسبيا سوَّى يهوه كلتا المسألتَين بإجراء واحد. فقد جعل كلًّا من ابنَي يوسف، افرايم ومنسى، رأس سبط بكامل الصلاحيات. (تك ٤٨:١-٦؛ ١ اخ ٥:١، ٢) وهكذا صار عدد الاسباط (بدون لاوي) ١٢ من جديد. ايضا، اعطى يهوه حصَّتَين من الارض ليوسف ممثَّلا بابنَيه افرايم ومنسى. وبهذه الطريقة اخذ حقوق الابن البكر من رأوبين بكر ليئة وأعطاها ليوسف بكر راحيل. (تك ٢٩:٣١، ٣٢؛ ٣٠:٢٢-٢٤) وبعد هذه التعديلات صارت اسماء اسباط اسرائيل (غير اللاوية) الـ ١٢ كالتالي: رأوبين، شمعون، يهوذا، يساكر، زبولون، افرايم، منسى، بنيامين، دان، اشير، جاد، ونفتالي. — عد ١:٤-١٥.
من سيناء الى ارض الموعد: من بين الـ ١٢ جاسوسا الذين أُرسلوا الى ارض الموعد، عاد ٢ فقط بإيمان قوي جعلهما يشجعان اخوتهما على اجتياح الارض والاستيلاء عليها. فقرر يهوه ان يموت في الصحراء كل الذين يزيد عمرهم على ٢٠ سنة من ذلك الجيل العديم الايمان الخارج من مصر (مع استثناءات قليلة). (عد ١٣:٢٥-٣٣؛ ١٤:٢٦-٣٤) وهكذا بقي مخيم اسرائيل الضخم يتنقل في شبه جزيرة سيناء طوال ٤٠ سنة. حتى موسى وهارون ماتا ولم يدخلا ارض الموعد. بعد وقت قصير من خروج الاسرائيليين من مصر، اظهر الاحصاء الذي أُجري ان عدد الرجال بلغ ٥٥٠,٦٠٣. ولكن بعد نحو ٣٩ سنة بلغ عدد الجيل الجديد ٧٣٠,٦٠١ رجلا، اي اقل بـ ٨٢٠,١. — عد ١:٤٥، ٤٦؛ ٢٦:٥١.
خلال حياة الترحال التي عاشها الاسرائيليون في الصحراء، كان يهوه سورا لهم وترسا يحميهم من اعدائهم. ولم يسمح ان يصيبهم اي مكروه إلا عندما تمردوا عليه. (عد ٢١:٥، ٦) كما كان يهوه يزوِّدهم بكل حاجاتهم. فأعطاهم المن والماء، وشرائع حول النظافة للحفاظ على صحتهم، حتى انه لم يسمح بأن تهتري احذيتهم. (خر ١٥:٢٣-٢٥؛ ١٦:٣١، ٣٥؛ تث ٢٩:٥) ولكن رغم العناية الحبية والعجائبية التي وفرها يهوه، تذمر الاسرائيليون وتشكّوا مرارا عديدة. وفي بعض الاحيان قام متمردون وتحدّوا التعيينات الثيوقراطية. فصار ضروريا ان يؤدبهم يهوه بشدَّة لكي يتعلم الباقون ان يخافوا منقذهم العظيم ويطيعوه. — عد ١٤:٢-١٢؛ ١٦:١-٣؛ تث ٩:٢٤؛ ١ كو ١٠:١٠.
كان تنقُّل الاسرائيليين ٤٠ سنة في الصحراء يوشك ان ينتهي عندما سلَّم يهوه الى يدهم ملكَي الاموريين، سيحون وعوجًا. وبهذا الانتصار ورثت اسرائيل اراضي كثيرة شرق الاردن، واستقر هناك سبطا رأوبين وجاد ونصف سبط منسى. — تث ٣:١-١٣؛ يش ٢:١٠.
اسرائيل تحت حكم القضاة: بعد موت موسى، قاد يشوع الاسرائيليين عبر نهر الاردن سنة ١٤٧٣ قم وأدخلهم الارض التي وُصفت بأنها «تفيض حليبا وعسلا». (عد ١٣:٢٧؛ تث ٢٧:٣) ثم شنوا حملة عسكرية كاسحة دامت ست سنوات احتلوا فيها الارض التي كانت خاضعة لحكم ٣١ ملكا غرب الاردن، بما في ذلك مدن محصَّنة كأريحا وعاي. (يش ١ الى ١٢) ولكن لم تؤخذ السهول الساحلية وبعض المدن المحصورة كحصن اليبوسيين الذي صار لاحقا مدينة داود. (يش ١٣:١-٦؛ ٢ صم ٥:٦-٩) وهذه الفئات المقاوِمة للّٰه التي سُمح ببقائها كانت كالشوك والحسك في جانب اسرائيل. وحين تزوج الاسرائيليون منهم سببوا لأنفسهم وجعا اكبر. لقد كانوا سببا «لامتحان اسرائيل ليُعلَم هل يطيعون وصايا يهوه»، امر استمر اكثر من ٣٨٠ سنة: من موت يشوع الى ان اخضع داود كليا عبَّاد الآلهة المزيفة هؤلاء. — قض ٣:٤-٦.
قُسمت الارض المحتلة حديثا بالقرعة بين اسباط اسرائيل، كما كان يهوه قد امر موسى. وفُرزت ست ‹مدن ملجإ› ليحتمي بها القاتلون عن غير قصد. وقد أُعطيت هذه المدن، اضافة الى ٤٢ مدينة اخرى مع الارض الزراعية المحيطة بها، لسبط لاوي. — يش ١٣ الى ٢١.
كانت كل مدينة تعيِّن بحسب ما نص عليه عهد الشريعة قضاة ومسؤولين عند بواباتها لمعالجة المسائل القضائية (تث ١٦:١٨)، كما كانت تعيِّن شيوخا يمثِّلونها من اجل الاهتمام بالمصالح العامة للمدينة. (قض ١١:٥) وفي حين حافظ كل سبط على هويته وميراثه، اختفت الى حد ما القيادة التنظيمية المركزية التي وُجدت خلال الترحال في الصحراء. وتكشف ترنيمة دبورة وباراق والاحداث التي وقعت خلال حرب جدعون والاعمال التي قام بها يفتاح عن مشكلة انعدام الوحدة في العمل. وقد نشأت هذه المشكلة بعد موت موسى وخلَفه يشوع وامتناع الشعب عن طلب التوجيه من رأسهم غير المنظور، يهوه اللّٰه. — قض ٥:١-٣١؛ ٨:١-٣؛ ١١:١–١٢:٧.
بعد موت يشوع وشيوخ جيله، صار الشعب متقلبين في امانتهم وطاعتهم ليهوه، وبدأوا يتأرجحون كرقاص الساعة بين العبادة الحقة والعبادة المزيفة. (قض ٢:٧، ١١-١٣، ١٨، ١٩) وعندما هجروا يهوه وأخذوا يخدمون اوثان البعل، رفع يهوه حمايته عنهم وسمح للامم المحيطة بأن تهاجم الارض وتنهبها. وكان القمع ينبِّه الاسرائيليين العصاة الى ضرورة العمل معا بوحدة، فيستغيثون بيهوه الذي كان بدوره يقيم قضاة، او مخلِّصين، لإنقاذ الشعب. (قض ٢:١٠-١٦؛ ٣:١٥) وقد تعاقبت بعد يشوع سلسلة من القضاة الشجعان ضمَّت عثنيئيل، إهود، شمجر، باراق، جدعون، تولاع، يائير، يفتاح، إبصان، إيلون، عبدون، وشمشون. — قض ٣ الى ١٦.
كان كل عمل إنقاذ يؤدي الى توحيد الشعب. كما نشأت احداث اخرى عملت هي ايضا على توحيدهم. ففي احدى المناسبات اغتُصبت سرية لاويّ بطريقة وحشية، فاتَّحد ١١ سبطا غاضبا ضد سبط بنيامين وأظهروا بذلك انهم كشعب يشعرون بالذنب والمسؤولية. (قضاة الاصحاحان ١٩، ٢٠) كما اجتمعت كل الاسباط باتحاد عند الخيمة المقدسة بشيلوه حيث صندوق العهد. (يش ١٨:١) ولهذا السبب شعروا جميعا بالخسارة عندما اخذ الفلسطيون صندوق العهد، الامر الذي حصل بسبب سوء سلوك الكهنة وخلاعتهم في ذلك الوقت، وخصوصا ابنَي رئيس الكهنة عالي. (١ صم ٢:٢٢-٣٦؛ ٤:١-٢٢) كذلك، توحَّد الاسرائيليون بعدما مات عالي وصار صموئيل قاضيا ونبيا لهم. فصموئيل كان يتنقل في اسرائيل ويحل المشاكل والخلافات بين الشعب. — ١ صم ٧:١٥، ١٦.
المملكة المتحدة: استاء صموئيل كثيرا حين توسل اليه الشعب في سنة ١١١٧ قم قائلين: «عيِّن الآن لنا ملكا يقضي لنا كجميع الامم». لكنَّ يهوه قال لصموئيل: «اسمع لصوت الشعب ... فإنهم لم يرفضوك انت، بل رفضوني انا ملكا عليهم». (١ صم ٨:٤-٩؛ ١٢:١٧، ١٨) وهكذا اختار يهوه شاول البنياميني ليكون اول ملك على اسرائيل. ومع انه كان ملكا جيدا في البداية، لم يمضِ وقت طويل حتى دفعه التطاول الى عدم الطاعة، وعدم الطاعة الى التمرد، والتمرد الى استشارته في الآخِر وسيطة ارواحية. فانتهى به الامر، بعد ٤٠ سنة من الحكم، انسانا فاشلا تماما! — ١ صم ١٠:١؛ ١١:١٤، ١٥؛ ١٣:١-١٤؛ ١٥:٢٢-٢٩؛ ٣١:٤.
عُيِّن داود الذي من سبط يهوذا، ‹رجل يوافق قلب يهوه› (١ صم ١٣:١٤؛ اع ١٣:٢٢)، ملكا مكان شاول. وتحت قيادة هذا الملك القدير امتدت حدود الامة من «نهر مصر الى النهر الكبير، نهر الفرات»، تماما مثلما وعد اللّٰه. — تك ١٥:١٨؛ تث ١١:٢٤؛ ٢ صم ٨:١-١٤؛ ١ مل ٤:٢١.
خلال مُلك داود الذي دام ٤٠ سنة، صارت هناك عدة مناصب متخصصة اضافة الى تنظيم الاسباط. فكانت تحيط بالملك مجموعة من المستشارين المقرَّبين، الى جانب الشيوخ اصحاب النفوذ الذين كانوا يخدمون الحكومة المركزية. (١ اخ ١٣:١؛ ٢٧:٣٢-٣٤) ووُجد ايضا فريق اكبر من الموظفين في الادارة الحكومية ضمّ رؤساء الاسباط وعموم الرؤساء وموظفي القصر والعسكريين الذين يتولون مسؤوليات ادارية. (١ اخ ٢٨:١) ومن اجل الاهتمام ببعض المسائل بطريقة فعالة، عيَّن داود ٠٠٠,٦ لاويّ ليكونوا قضاة ومسؤولين. (١ اخ ٢٣:٣، ٤) وأُنشئت ادارات اخرى على رأسها نظار معيَّنون للاهتمام بفلاحة الحقول وتولي مسؤولية الكروم ومصانع النبيذ، بساتين الزيتون ومخزون الزيت، بالاضافة الى الماشية. (١ اخ ٢٧:٢٦-٣١) كما وُجدت ادارة مركزية لأموال الخزينة تُعنى بمصالح الملك المالية. وقد كانت مستقلة عن الادارة التي تشرف على الخزائن الموجودة في اماكن اخرى، في المدن والقرى البعيدة على سبيل المثال. — ١ اخ ٢٧:٢٥.
خلَف سليمان اباه داود على كرسي المُلك سنة ١٠٣٧ قم. وحكم طوال ٤٠ سنة «على جميع الممالك من النهر [الفرات] الى ارض الفلسطيين وإلى تخم مصر». وتميَّز مُلكه بالسلام والازدهار، فالامم المحيطة كانوا «يُحضرون الهدايا ويخدمون سليمان كل ايام حياته». (١ مل ٤:٢١) واشتهر سليمان بحكمته، فصار احكم ملك في الازمنة القديمة. وخلال حكمه بلغت اسرائيل ذروة القوة والمجد. وأحد اعظم انجازات سليمان هو بناء الهيكل العظيم، الذي اعطاه تصاميمه ابوه داود بعدما اخذها بالوحي. — ١ ملوك الاصحاحات ٣ الى ٩؛ ١ اخ ٢٨:١١-١٩.
ولكن رغم كل مجده وغناه وحكمته، بات سليمان في النهاية شخصا فاشلا لأنه سمح لزوجاته الغريبات الكثيرات بأن يبعدنه عن عبادة يهوه النقية ويحملنه على اتباع الممارسات الدنسة للاديان المزيَّفة. وفي الآخِر مات سليمان ويهوه غير راضٍ عنه، وخلَفه ابنه رحبعام. — ١ مل ١١:١-١٣، ٣٣، ٤١-٤٣.
ورحبعام، الذي لم يكن عنده حكمة ولا بُعد نظر، زاد الحمل على اكتاف الشعب بزيادة الاعباء الحكومية التي كانت ثقيلة اصلا. وهذا ما دفع الاسباط الشمالية العشرة الى الانشقاق عنه بقيادة يربعام، بحسب ما تنبأ نبي يهوه. (١ مل ١١:٢٩-٣٢؛ ١٢:١٢-٢٠) وهكذا انقسمت مملكة اسرائيل سنة ٩٩٧ قم.
للمزيد من التفاصيل عن المملكة المنقسمة، انظر «إسرائيل» رقم ٣.
اسرائيل بعد الاسر في بابل: خلال السنوات الـ ٣٩٠ التي تلت موت سليمان وانقسام المملكة المتحدة وحتى دمار اورشليم سنة ٦٠٧ قم، صارت عموما كلمة «اسرائيل» تطلَق فقط على الاسباط العشرة الخاضعة لحكم المملكة الشمالية. (٢ مل ١٧:٢١-٢٣) ولكن بدءا من رجوع بقية من كافة الاسباط الـ ١٢ من الاسر وصولا الى الدمار الثاني لأورشليم سنة ٧٠ بم، عادت كلمة «اسرائيل» تشمل كل المتحدرين من يعقوب العائشين في ذلك الوقت. وهكذا صار الشعب الذين يؤلفون كافة الاسباط الـ ١٢ يُدعَون من جديد «كل اسرائيل». — عز ٢:٧٠؛ ٦:١٧؛ ١٠:٥؛ نح ١٢:٤٧؛ اع ٢:٢٢، ٣٦.
سنة ٥٣٧ قم، بلغ عدد الذين رجعوا الى اورشليم مع زربابل ورئيس الكهنة يَشوع (يِشوع) حوالي ٠٠٠,٥٠ (٣٦٠,٤٢ اسرائيليا اضافة الى اكثر من ٥٠٠,٧ من العبيد والمغنين المحترفين). وبدأ هؤلاء بإعادة بناء بيت عبادة يهوه. (عز ٣:١، ٢؛ ٥:١، ٢) وفي وقت لاحق عاد آخرون مع عزرا سنة ٤٦٨ قم (عز ٧:١–٨:٣٦)، ولا شك ان آخرين رافقوا نحميا سنة ٤٥٥ قم عندما جاء الى اورشليم بتعيين خصوصي ليعيد بناء اسوار المدينة وبواباتها. (نح ٢:٥-٩) لكنَّ اسرائيليين كثيرين بقوا منتشرين في كل انحاء الامبراطورية، كما يُرى من سفر استير. — اس ٣:٨؛ ٨:٨-١٤؛ ٩:٣٠.
صحيح ان اسرائيل لم تستعد سيادتها السابقة كأمة مستقلة، لكنها شكلت كيانا سياسيا عبرانيا يتمتع بمقدار من الحرية تحت الحكم الفارسي. فقد عُيِّن حكام (كزربابل ونحميا) وحكام مساعدون من بين الاسرائيليين. (نح ٢:١٦-١٨؛ ٥:١٤، ١٥؛ حج ١:١) وظل شيوخ اسرائيل ورؤساء الاسباط يلعبون دور مستشاري الشعب وممثليهم. (عز ١٠:٨، ١٤) كما اعيد تنظيم الكهنة بالاعتماد على سجلات النسب القديمة التي حُفظت بعناية. ومع قيام اللاويين بمسؤوليتهم من جديد، قُدِّمت الذبائح وحُفظت المطالب الاخرى التي فرضها عهد الشريعة. — عز ٢:٥٩-٦٣؛ ٨:١-١٤؛ نح ٨:١-١٨.
عندما سقطت الامبراطورية الفارسية وصارت اليونان الدولة العالمية، وجدت اسرائيل نفسها ممزقة بسبب الصراع بين البطالسة في مصر والسلوقيين في سورية. وخلال حكم انطيوخوس الرابع (ابيفانوس)، قرر السلوقيون استئصال العبادة والعادات اليهودية. وبلغت محاولات انطيوخوس ذروتها سنة ١٦٨ قم حين نُصب مذبح وثني فوق مذبح الهيكل في اورشليم وكُرس للإله اليوناني زيوس (زفس). ولكن كان لهذه الحادثة الفظيعة رد فعل معاكس، اذ كانت الشرارة التي فجَّرت الثورة المكابية. وبعد ثلاث سنوات، في نفس اليوم والشهر، اعاد القائد اليهودي المنتصر يهوذا المكابي تكريس الهيكل المطهَّر ليهوه في عيد أُطلق عليه اسم حانوكاه، وصار اليهود يحتفلون به منذ ذلك الوقت.
شهد القرن التالي اضطرابا داخليا كبيرا ادى الى ابتعاد اسرائيل اكثر فأكثر عن الترتيبات الادارية المنظمة بحسب الاسباط، كما نص عليها عهد الشريعة. ففي هذه الفترة تقلبت احوال الحكم الذاتي للمكابيين او الحشمونيين، ونشأ حزب الصدوقيين الموالي للحشمونيين وحزب الفريسيين المناهض لهم. وفي النهاية طُلب من روما، الدولة العالمية آنذاك، ان تتوسط؛ فتدخل القائد غنايوس بومبي. وبعد حصار دام ثلاثة اشهر احتل اورشليم سنة ٦٣ قم وضمّ اليهودية الى الامبراطورية. وعيَّنت روما هيرودس الكبير ملكا على اليهود نحو سنة ٣٩ قم، فقضى كليا على الحكم الحشموني بعد ثلاث سنوات تقريبا. وقبل موت هيرودس بوقت قصير، وُلد يسوع سنة ٢ قم «مجدا لشعب [اللّٰه] اسرائيل». — لو ٢:٣٢.
خلال القرن الاول بم، توزَّع الحكم الامبراطوري الروماني على اسرائيل بين حكام المقاطعات والحكام المدعوين بروكيوراتور. ويأتي الكتاب المقدس على ذكر حكام مقاطعات مثل فيلبس وليسانيوس وهيرودس انتيباس (لو ٣:١)، وحكام مثل بنطيوس بيلاطس وفيلكس وفستوس (اع ٢٣:٢٦؛ ٢٤:٢٧)، اضافة الى الملكَين اغريباس الاول والثاني (اع ١٢:١؛ ٢٥:١٣). اما على الصعيد الداخلي، فقد بقي هناك ما يشبه تنظيم الاسباط القائم على سلاسل النسب. ويُرى ذلك من امر القيصر اوغسطس بأن يتسجَّل كل اسرائيلي في مدينة بيت آبائه. (لو ٢:١-٥) كما بقي «الشيوخ» والموظفون من الكهنة اللاويين يتمتعون بنفوذ قوي عند الشعب (مت ٢١:٢٣؛ ٢٦:٤٧، ٥٧؛ اع ٤:٥، ٢٣)، مع انهم كثيرا ما استبدلوا المطالب المكتوبة في الشريعة بتقاليد الناس. — مت ١٥:١-١١.
وفي هذا الجو وُلدت المسيحية. في البداية اتى يوحنا المعمِّد، الذي مهَّد الطريق امام يسوع، وردَّ كثيرين من الاسرائيليين الى يهوه. (لو ١:١٦؛ يو ١:٣١) ثم واصل يسوع ورسله عمل الإنقاذ هذا بين «خراف بيت اسرائيل الضائعة»، ففتحوا عيون الناس على التقاليد المزيَّفة وعلى فوائد عبادة اللّٰه النقية. (مت ١٥:٢٤؛ ١٠:٦) لكنَّ بقية فقط اعترفت بأن يسوع هو المسيا وخلصت. (رو ٩:٢٧؛ ١١:٧) وهؤلاء هم الذين رحبوا به فرحين باعتباره «ملك اسرائيل». (يو ١:٤٩؛ ١٢:١٢، ١٣) اما الاغلبية، الذين رفضوا ان يؤمنوا بيسوع (مت ٨:١٠؛ رو ٩:٣١، ٣٢)، فأيدوا قادتهم الدينيين الذين صرخوا: «اقضِ عليه! اقضِ عليه! علِّقه على خشبة!»، «ليس لنا ملك إلا قيصر». — يو ١٩:١٥؛ مر ١٥:١١-١٥.
لكن سرعان ما تبيَّن ان هذا الولاء الشديد الظاهري لقيصر كان مزيَّفا. فقد اشعلت الفئات المتعصبة في اسرائيل ثورة تلو الاخرى، ومع كل ثورة كانت الولايات تقع ضحية اعمال انتقامية عنيفة على يد الرومان. لكنَّ هذه الاعمال عملت بدورها على تأجيج بغض اليهود للحكم الروماني. وفي النهاية صار الوضع خطيرا جدا حتى ان القوى الرومانية المحلية عجزت عن احتوائه. فزحف سستيوس غالوس حاكم سورية على اورشليم بجيش اقوى للإبقاء على الهيمنة الرومانية.
بعد اضرام النار في بيزيثا الواقعة شمال الهيكل، عسكر غالوس امام القصر الملكي جنوب غرب الهيكل. وفي ذلك الوقت كان بإمكانه ان يقتحم المدينة بسهولة، كما يقول يوسيفوس، لكنَّ تأخره فسح المجال للثوار كي يعززوا قوَّتهم. بعد ذلك جعلت الوحدات الامامية للجنود الرومان من اتراسها غطاء واقيا فوقهم كظهر السلحفاة وبدأوا ينقبون الاسوار. وهذه المرة ايضا، عندما اوشك الرومان ان ينجحوا، انسحبوا في خريف سنة ٦٦ بم. وعن هذا الانسحاب يقول يوسيفوس ان «سستيوس ... سحب جيوشه فجأة وقطع الامل رغم انه لم يتعرض لأية هزيمة، وبخلاف كل التقديرات تراجع عن المدينة». (الحرب اليهودية، ٢:٥٤٠ [١٩:٧]) وهذا الهجوم الذي تبعه انسحاب مفاجئ شكَّل علامة للمسيحيين هناك وأتاح لهم «الهرب الى الجبال» كما امرهم يسوع. — لو ٢١:٢٠-٢٢.
في السنة التالية (٦٧ بم)، ابتدأ فسبازيان في قمع انتفاضة اليهود، لكنَّ موت نيرون المفاجئ سنة ٦٨ مهَّد السبيل ليصير فسبازيان امبراطورا. فعاد الى روما سنة ٦٩ وعهد الى ابنه تيطس بمواصلة الحملة. وفي السنة التالية، اي ٧٠ بم، دخل الرومان الى اورشليم ودمروها. وبعد ثلاث سنوات سقط آخر حصن يهودي في مسعدة بيد الرومان. ويقول يوسيفوس انه خلال كامل الحملة التي شُنت على اورشليم مات ٠٠٠,١٠٠,١ يهودي، اغلبهم من الوبإ والمجاعة، وأُخذ ٠٠٠,٩٧ اسرى وجُعلوا عبيدا في كل انحاء الامبراطورية. — الحرب اليهودية، ٦:٤٢٠ (٩:٣).
لمعرفة هوية «اسباط اسرائيل الاثني عشر» المذكورين في متى ١٩:٢٨ ولوقا ٢٢:٣٠، انظر «السبط» («تدينون اسباط اسرائيل الاثني عشر»).
٣- الاسباط التي شكَّلت مرتَين مملكة اسرائيل الشمالية المنفصلة.
بعد موت شاول نحو سنة ١٠٧٨ قم انقسمت المملكة لأول مرة. فقد اعترف سبط يهوذا بداود ملكا، اما بقية الاسباط فنصَّبت ايشبوشث بن شاول ملكا. غير ان ايشبوشث اغتيل بعد سنتَين. (٢ صم ٢:٤، ٨-١٠؛ ٤:٥-٧) وعلى مر الوقت أُصلح الوضع وصار داود ملكا على كل الاسباط الـ ١٢. — ٢ صم ٥:١-٣.
وفي وقت لاحق خلال مُلك داود، عندما أُخمدت ثورة ابشالوم ابنه، اعترفت كل الاسباط مجددا بداود ملكا عليها. ولكن خلال عودة الملك الى عرشه، نشأ خلاف حول عدم اتباع الاصول او البروتوكول. فتخاصمت الاسباط العشرة الشمالية، التي دعيت اسرائيل، مع رجال يهوذا حول هذه المسألة. — ٢ صم ١٩:٤١-٤٣.
اتحدت الاسباط الـ ١٢ كلها لدعم سليمان بن داود في مُلكه. ولكن حدث الانقسام الثاني للمملكة عند موته نحو سنة ٩٩٨ قم. فالملك رحبعام، الذي جلس على عرش ابيه سليمان في اورشليم، لم ينل التأييد إلا من سبطَي بنيامين ويهوذا. اما اسرائيل، المؤلفة من الاسباط العشرة الاخرى الواقعة الى الشمال والشرق، فاختارت يربعام ملكا عليها. — ١ مل ١١:٢٩-٣٧؛ ١٢:١-٢٤؛ الخريطة في المجلد ١، ص ٩٤٧.
في البداية جُعلت عاصمة اسرائيل في شكيم. ثم انتقلت العاصمة الى ترصة، ثم الى السامرة في ايام الملك عمري، وبقيت هناك طوال السنوات الـ ٢٠٠ التالية. (١ مل ١٢:٢٥؛ ١٥:٣٣؛ ١٦:٢٣، ٢٤) ادرك يربعام ان العبادة الموحَّدة هي ما يوحِّد الشعب. ولكي يمنع الاسباط المنشقَّة من الذهاب الى هيكل اورشليم لتقديم العبادة، صنع عجلَين ذهبيَّين. ولم يضعهما في العاصمة بل في طرفَي ارض اسرائيل: الاول في بيت ايل جنوبا والآخر في دان شمالا. كما انه اقام كهنة ليسوا من سبط لاوي لكي يرشدوا الاسرائيليين ويعلِّموهم عبادة العجلَين الذهبيَّين والشياطين التي تشبه التيوس. — ١ مل ١٢:٢٨-٣٣؛ ٢ اخ ١١:١٣-١٥.
كان ما فعله يربعام خطية كبيرة جدا في نظر يهوه. (٢ مل ١٧:٢١، ٢٢) ولو بقي امينا ليهوه ولم يتحول الى العبادة الصنمية المنحطة، لسمح اللّٰه لسلالته بالاستمرار. لكنَّ ما حصل هو ان بيته خسر العرش حين اغتيل ابنه ناداب بعد اقل من سنتَين من موت يربعام. — ١ مل ١١:٣٨؛ ١٥:٢٥-٢٨.
لقد سارت مملكة اسرائيل على خطى ملكها. ودون حساب تِبني (١ مل ١٦:٢١، ٢٢)، حكم في اسرائيل ١٩ ملكا من ٩٩٧ الى ٧٤٠ قم. تسعة فقط خلفهم ابناؤهم، وواحد لا غير امتدت سلالته الحاكمة الى اربعة اجيال. وسبعة منهم حكموا سنتَين او اقل، حتى ان بعضهم ملكَ اياما معدودة. وقد انتحر واحد منهم ومات اربعة ميتة مبكرة، فيما اغتيل ستة آخرون على يد رجال طموحين عادوا وجلسوا على عرش ضحاياهم. ومع ان احسنهم جميعا كان ياهو، الذي فرَّح يهوه حين ازال عبادة البعل الكريهة التي روَّجها آخاب وإيزابل، إلا انه «لم يهتم ... بالسير في شريعة يهوه إله اسرائيل من كل قلبه»، بل سمح بأن تستمر عبادة عجلَي يربعام في كل الارض. — ٢ مل ١٠:٣٠، ٣١.
كان يهوه دون ادنى شك صبورا مع اسرائيل. فطوال تاريخهم الذي دام ٢٥٧ سنة، لم يتوقف عن ارسال خدامه لتحذير الحكام والشعب من شر طرقهم، ولكن دون جدوى. (٢ مل ١٧:٧-١٨) وقد ضمَّ هؤلاء الخدام المخلصون للّٰه الانبياء ياهو (غير الملك)، ايليا، ميخايا، أليشع، يونان، عوديد، هوشع، عاموس، وميخا. — ١ مل ١٣:١-٣؛ ١٦:١، ١٢؛ ١٧:١؛ ٢٢:٨؛ ٢ مل ٣:١١، ١٢؛ ١٤:٢٥؛ ٢ اخ ٢٨:٩؛ هو ١:١؛ عا ١:١؛ مي ١:١.
كان اصعب على اسرائيل، مقارنةً بيهوذا، ان تحمي نفسها من الغزو. صحيح ان عدد سكانها بلغ الضعفَين، ولكن كان عليها ان تحرس ارضا تبلغ مساحتها ثلاثة اضعاف مساحة يهوذا تقريبا. وبالاضافة الى الحروب التي شنتها ضد يهوذا من حين الى آخر، كثيرا ما اندلعت الحرب على حدودها الشمالية والشرقية مع سوريا، فضلا عن الضغوط التي تعرضت لها على يد اشور. وقد بدأ شلمنأسر الخامس الحصار الاخير للسامرة في السنة السابعة لمُلك هوشِع، غير ان المدينة لم تسقط بيد الاشوريين إلا بعد ثلاث سنين تقريبا، وذلك سنة ٧٤٠ قم. — ٢ مل ١٧:١-٦؛ ١٨:٩، ١٠.
كانت سياسة الاشوريين، التي بدأها تغلث فلاسر الثالث خليفة شلمنأسر، تقوم على ترحيل الاسرى من اراضيهم المحتلة وإحضار شعوب من انحاء اخرى من الامبراطورية ليسكنوا مكانهم. وهذا الامر اعاق حدوث ثورات. وفي حالة اسرائيل، فإن الامم الاخرى التي أُحضرت الى ارضها اندمجت بعضها في بعض من الناحيتَين العرقية والدينية، وصاروا يُعرفون بعد ذلك بالسامريين. — ٢ مل ١٧:٢٤-٣٣؛ عز ٤:١، ٢، ٩، ١٠؛ لو ٩:٥٢؛ يو ٤:٧-٤٣.
لكنَّ سقوط اسرائيل لم يعنِ النهاية الكاملة للاسباط الشمالية العشرة. فمن الواضح ان الاشوريين ابقوا اشخاصا من هذه الاسباط في ارض اسرائيل. ولا شك ان آخرين هربوا من عبادة الاصنام في اسرائيل ولجأوا الى ارض يهوذا قبل سنة ٧٤٠ قم، فكان المتحدرون منهم بين الاسرى الذي أُخذوا الى بابل سنة ٦٠٧ قم. (٢ اخ ١١:١٣-١٧؛ ٣٥:١، ١٧-١٩) ولا شك ايضا ان متحدرين من الذين اسرهم الاشوريون (٢ مل ١٧:٦؛ ١٨:١١) عُدُّوا بين البقية العائدة التي شكلت اسباط اسرائيل الـ ١٢ سنة ٥٣٧ قم وما بعدها. — ١ اخ ٩:٢، ٣؛ عز ٦:١٧؛ هو ١:١١؛ قارن حز ٣٧:١٥-٢٢.
٤- ارض الموعد التي حكم عليها الملوك الاسرائيليون (١ اخ ٢٢:٢؛ ٢ اخ ٢:١٧)، او المنطقة الجغرافية المعيَّنة لأمة اسرائيل (كامل الاسباط الـ ١٢) بالتباين مع اراضي الامم الاخرى. — ١ صم ١٣:١٩؛ ٢ مل ٥:٢؛ ٦:٢٣.
بعد انقسام الامة، صارت عبارة «ارض اسرائيل» تُستعمل احيانا للاشارة الى منطقة المملكة الشمالية، وذلك للتمييز بينها وبين منطقة مملكة يهوذا. (٢ اخ ٣٠:٢٤، ٢٥؛ ٣٤:١، ٣-٧) وبعد سقوط المملكة الشمالية حافظ الاسم اسرائيل على استمراريته من خلال يهوذا، المملكة الوحيدة الباقية التي ضمَّت المتحدرين من اسرائيل (يعقوب). لذلك كانت عبارة «ارض اسرائيل» التي استعملها النبي حزقيال تشير بشكل رئيسي الى ارض مملكة يهوذا وعاصمتها اورشليم. (حز ١٢:١٩، ٢٢؛ ١٨:٢؛ ٢١:٢، ٣) وهذه المنطقة الجغرافية هي التي خربت كليا مدة ٧٠ سنة ابتداء من سنة ٦٠٧ قم (حز ٢٥:٣)، وإنما كانت بقية امينة ستُجمع اليها من جديد. — حز ١١:١٧؛ ٢٠:٤٢؛ ٣٧:١٢.
لمعرفة التفاصيل عن الخصائص الجغرافية والمناخية لإسرائيل، اضافةً الى مساحتها وموقعها ومواردها الطبيعية وميزاتها الاخرى، انظر مقالة «فِلَسْطِين».