ملكوت اللّٰه
هو ما تتجلَّى وتُمارَس به سيادة اللّٰه الكونية على مخلوقاته، او الوسيلة التي يستخدمها لهذا القصد. (مز ١٠٣:١٩) وتُستعمل عبارة «ملكوت اللّٰه»، او «مملكة اللّٰه»، تحديدا عند الاشارة الى ممارسة اللّٰه سيادته من خلال مملكة يترأسها ابنه المسيح يسوع.
الكلمة المترجمة في الاسفار اليونانية المسيحية الى «ملكوت» و «مملكة» هي باسيلييا، وتعني «مملكة، منطقة او دولة يحكمها ملك؛ سلطة المَلك، سيادته، مُلكه؛ جلالة مَلكيَّة، عِزَّة المَلك». (المعجم اليوناني التحليلي، ١٩٠٨، ص ٦٧) غالبا ما يستعمل مرقس ولوقا عبارة «ملكوت اللّٰه» او «مملكة اللّٰه»، في حين يستعمل متى العبارة المناظرة «ملكوت السموات» حوالي ٣٠ مرة. — قارن مر ١٠:٢٣ و لو ١٨:٢٤ بـ مت ١٩:٢٣، ٢٤؛ انظر «السماء» (السموات الروحية)؛ «المملكة».
حكومة اللّٰه، ببنيتها وطريقة عملها، هي حكومة ثيوقراطية (من اليونانية ثِيوس، إله، و كراتوس، حُكم)، اي حكم اللّٰه. وتُنسب كلمة «ثيوقراطية» الى المؤرِّخ اليهودي يوسيفوس الذي عاش في القرن الاول بم. فمن الواضح انه صاغها واستعملها في كتابه ضد أبيون (٢، ١٦٤، ١٦٥ [١٧] [بالانكليزية]). كتب عن الحكومة التي تأسست في سيناء لتحكم على اسرائيل: «عهد بعض الاشخاص بالسلطة السياسية العليا الى النظام الملكي، وغيرهم الى حكم الاقلية، وغيرهم ايضا الى عامة الشعب. اما مشترعنا فلم يجذبه اي نوع من هذه الحكومات بل اعطى دستوره بنية يمكن تسميتها — اذا استعملنا كلمة خارجة عن المألوف — ‹الثيوقراطية [باليونانية ثِيوكراتيان]›، واضعا كل السيادة والسلطان بين يدَي اللّٰه». طبعا، لتكون الحكومة ثيوقراطية بالمعنى المطلق يجب ان يكون مؤسسها اللّٰه وليس اي مشترع بشري، مثل موسى. ويُظهر سجل الاسفار المقدسة ان الحكومة التي تأسست في سيناء كانت كذلك.
اصل العبارة: من الواضح ان الكلمة «ملِك» (بالعبرانية ميليك) صارت جزءا من لغة البشر بعد الطوفان. وأول مملكة ارضية كانت المملكة التي اسسها نمرود، «صياد جبار مقاوم ليهوه». (تك ١٠:٨-١٢) ومنذ ذلك الوقت وحتى ايام ابراهيم، نشأت امم ودول-مدن وكَثُر الملوك البشر. لكنَّ اللّٰه لم يؤسس ايًّا من هذه الممالك الارضية ولا هي مثَّلت حكمه، باستثناء مملكة ملكي صادق ملك شليم وكاهنها (الذي كان رمزا نبويًّا للمسيا [تك ١٤:١٧-٢٠؛ عب ٧:١-١٧]). ايضا، جعل البشر الآلهة المزيَّفة التي عبدوها ملوكا، ونسبوا اليها القدرة على اعطاء البشر السلطة ليحكموا. وحين طبَّق يهوه اللقب «ملك [ميليك]» على نفسه، كما يرد في الاسفار العبرانية التي دُوِّنت بعد الطوفان، كان في الحقيقة يستخدم اللقب الذي طوَّره البشر واستعملوه. وبذلك اظهر ان البشر يجب ان يعتبروه هو «الملك» ويطيعوه، وليس الحكام البشر المجترئين ولا الآلهة التي صنعوها. — ار ١٠:١٠-١٢.
طبعا، كان يهوه الحاكم الاسمى قبل وقت طويل من تأسيس الممالك البشرية، وحتى قبل وجود البشر. فقد احترمه الملايين من ابنائه الملائكة وأطاعوه بصفته خالقهم والإله الحقيقي الوحيد. (اي ٣٨:٤-٧؛ ٢ اخ ١٨:١٨؛ مز ١٠٣:٢٠-٢٢؛ دا ٧:١٠) اذًا، مهما كان لقبه، فقد اعترفت مخلوقاته، من بداية الخليقة، انه الوحيد الذي ارادته هي العُليا بحق.
حُكم اللّٰه في بداية تاريخ البشر: عرف ايضا الانسانان الاولان آدم وحواء ان يهوه هو اللّٰه، خالق السماء والارض. وقد اعترفا بسلطته وبحقه ان يصدر الاوامر، ان يطلب من البشر فعل امور والامتناع عن اخرى، ان يحدِّد لهم الارض التي يسكنون فيها ويعتنون بها، وأن يعطيهم السلطة على مخلوقات اخرى. (تك ١:٢٦-٣٠؛ ٢:١٥-١٧) ومع ان آدم كان قادرا على صياغة كلمات جديدة (تك ٢:١٩، ٢٠)، ما من دليل على انه ابتكر اللقب «ملك [ميليك]» ليطلقه على إلهه وخالقه، مع انه اعترف ان يهوه هو صاحب السلطة العليا.
وكما تكشف الفصول الاولى من سفر التكوين، مارس اللّٰه سلطته على الانسان في جنة عدن بطريقة لطيفة، ولم يقيِّد حريته بشكل صارم. وكان يجب ان يطيع الانسان اللّٰه مثلما يطيع الابن اباه. (قارن لو ٣:٣٨.) ولم تكن لدى الانسان مجموعة كبيرة من القوانين ليتبعها. (قارن ١ تي ١:٨-١١.) فمطالب اللّٰه كانت بسيطة ولها قصد. ايضا، ما من دليل على ان آدم كان يشعر بأنه مكبوت وكأن هناك مَن يراقبه دائما وينتقده على كل عمل يقوم به. بل يبدو ان اللّٰه كان يتواصل مع الانسان الكامل من حين الى آخر حسب الحاجة. — تك ١-٣.
الإنباء بطريقة جديدة يتجلَّى فيها حكم اللّٰه: عندما خالف الزوجان الاولان علنا وصية اللّٰه، بتحريض من احد ابنائه الروحانيين، كانا في الحقيقة يتمردان على سلطة اللّٰه. (تك ٣:١٧-١٩؛ انظر «الاشجار» [الاستعمال المجازي].) والموقف الذي اتخذه عدو (بالعبرانية شاطان) اللّٰه الروحاني زرع شكًّا وأنشأ قضية يلزم بتُّها. فالقضية هي حق يهوه بأن يكون سيد الكون. (انظر «يهوه» [القضية العظمى هي قضية اخلاقية].) وبما ان هذه القضية نشأت على الارض، فمن الملائم ان تكون هي المكان الذي تُبتّ فيه. — رؤ ١٢:٧-١٢.
عندما اصدر يهوه اللّٰه الحكم على المتمرِّدين الاوائل، استعمل لغة رمزية ليعطي نبوة. وهذه النبوة اظهرت قصده ان يستخدم وسيلة، ‹نسلا›، تسحق في النهاية القوى المتمرِّدة. (تك ٣:١٥) وهكذا كان حكم يهوه سيتجلَّى بشكل جديد او يتَّخذ وجها جديدا للرد على التمرُّد الذي حصل. وحين كشف يهوه تدريجيا عن «الاسرار المقدسة لملكوت السموات» (مت ١٣:١١) تبيَّن ان هذا الوجه الجديد سيشمل تشكيل حكومة فرعية تتألف من فريق حاكم يترأسه حاكم يمثِّل يهوه. وتحقيق الوعد بأن يكون هناك «نسل» يتمّ من خلال مملكة المسيح يسوع وشركائه المختارين. (رؤ ١٧:١٤؛ انظر «يسوع المسيح» [دوره المهم في قصد اللّٰه].) ومنذ الوعد العدني، صارت التطورات التدريجية المتعلقة بقصد اللّٰه ان يأتي ‹النسل› الذي سيملك في مملكة اللّٰه، محورا رئيسيا في الكتاب المقدس ووسيلة لفهم ما يعمله يهوه لخدامه وللبشر عموما.
انه امر مميَّز ان يمنح اللّٰه سلطة كبيرة لمخلوقات بهذه الطريقة. (مت ٢٨:١٨؛ رؤ ٢:٢٦، ٢٧؛ ٣:٢١) فمسألة استقامة كل مخلوقات اللّٰه، اي تعبُّدهم له من كل قلبهم وولائهم لرئاسته، شكَّلت جزءا مهما من القضية التي اثارها عدو اللّٰه. (انظر «الاستقامة» [دورها في القضية العظمى].) ايضا، ان ثقة الخالق بمخلوقاته لدرجة ان يمنحها سلطة كبيرة الى هذا الحد هي بحد ذاتها شهادة رائعة على سمو المبادئ التي يرتكز عليها حكمه. وهذا يساهم في تبرئة سيادته ويفضح كذب ادِّعاءات عدوِّه.
الحاجة الى حكم إلهي صارت واضحة: بسبب الاحوال التي نشأت ما بين بداية تمرُّد البشر والطوفان، صار واضحا ان البشر يحتاجون الى توجيه إلهي. فالخلافات والاعتداءات الجسدية وجرائم القتل تفشَّت بسرعة في المجتمع. (تك ٤:٢-٩، ٢٣، ٢٤) ولا يخبرنا الكتاب المقدس الى اي حد مارس آدم الخاطئ، الذي عاش ٩٣٠ سنة، سلطته كأب على عائلته التي كبرت بسرعة. لكنه يخبرنا انه بحلول الجيل السابع صار الشر فظيعا جدا. (يه ١٤، ١٥) وبحلول زمن نوح، الذي وُلد بعد حوالي ١٢٠ سنة من موت آدم، تدهورت الاوضاع الى درجة ان ‹الارض امتلأت عنفا›. (تك ٦:١-١٣) وما ساهم في ذلك هو اختلاط مخلوقات روحانية بالمجتمع البشري بطريقة تخالف ارادة اللّٰه وقصده. — تك ٦:١-٤؛ يه ٦؛ ٢ بط ٢:٤، ٥؛ انظر «النَّفِيلِيم».
رغم ان الارض صارت مركزا للتمرُّد، لم يتخلَّ يهوه عن سلطته عليها. والطوفان هو دليل ان اللّٰه كانت لا تزال لديه السلطة والقدرة ان ينفِّذ ارادته على الارض، كما ينفِّذها في كل الكون. وخلال فترة ما قبل الطوفان اظهر رغبته ان يوجِّه الاشخاص الذين عبدوه مثل هابيل وأخنوخ ونوح. وتُظهر قصة نوح خصوصا ان اللّٰه يمارس حكمه على الانسان الذي يرغب في اطاعته. فقد اعطى اللّٰه نوحا وصايا وتوجيهات، وحماه وباركه هو وعائلته. كما اعطت هذه القصة دليلا على سلطة اللّٰه على باقي مخلوقاته الارضية: الحيوانات والطيور. (تك ٦:٩–٧:١٦) ايضا، اظهر اللّٰه بوضوح انه لن يسمح للبشر البعيدين عنه ان يُفسدوا الارض الى ما لا نهاية. وأظهر انه لا يدع شيئا يمنعه من تنفيذ حكمه العادل على الاشرار بالطريقة والوقت اللذين يراهما مناسبَين. اضافة الى ذلك، برهن انه يقدر ان يتحكَّم بكل عناصر الارض، بما فيها الغلاف الجوي. — تك ٦:٣، ٥-٧؛ ٧:١٧–٨:٢٢.
اول مجتمع بعد الطوفان ومشاكله: يبدو ان المجتمع البشري اتَّبع نظاما ابويا بعد الطوفان، وهو نظام يمسك فيه الآباء بزمام السلطة، مما زوَّد نوعا من الاستقرار. كما كان على البشر ان ‹يملأوا الارض›. (تك ٩:١، ٧) وعنى ذلك انه عليهم ان يُنجبوا الاولاد ويوسِّعوا منطقة السكن لتشمل كل الكرة الارضية. وهذان العاملان كانا سيحدَّان منطقيا من المشاكل الاجتماعية. فإذا نشأت اي مشكلة كانت ستبقى ضمن نطاق العائلة. ايضا، كان من غير المحتمل ان تنشأ المشاكل التي تنتج عادةً من الاحتكاك الذي يسبِّبه الاكتظاظ السكاني. لكنَّ مشروع بابل الذي بدأ نمرود بتنفيذه بدون اذن يهوه تطلَّب امرا معاكسا: ان يسكن البشر معا في نفس المنطقة وألا ‹يتبدَّدوا على وجه كل الارض›. (تك ١١:١-٤؛ انظر «اللغة».) ايضا، خرج نمرود عن النظام الابوي وأسس اول «مملكة» (بالعبرانية ماملاكاه). وقد كان كوشيًّا متحدِّرا من حام، اجتاح ارض اشور التابعة للساميين وبنى لنفسه مدنًا هناك. — تك ١٠:٨-١٢.
عندما بلبل اللّٰه ألسنة الناس، اوقف تجمُّعهم في سهول شنعار. لكنَّ نموذج الحكم الذي بدأه نمرود اتَّبعته العائلات عموما في الاراضي التي هاجرت اليها. وفي ايام ابراهيم (٢٠١٨-١٨٤٣ قم)، حكمت ممالك من بلاد ما بين النهرين في آسيا وصولا الى مصر، حيث كان الملك يُدعى «فرعون» بدل ميليك. غير ان هذه الممالك لم تمنح الناس الشعور بالامان. فسرعان ما شكَّل الملوك تحالفات عسكرية، وخاضوا حملات الى مناطق بعيدة تميَّزت بالعنف والنهب والخطف. (تك ١٤:١-١٢) وهاجم المثليون الاشخاص الغرباء في بعض المدن. — تك ١٩:٤-٩.
وهكذا، في حين ان البشر تجمَّعوا معا بحثا عن الامان (قارن تك ٤:١٤-١٧)، سرعان ما وجدوا انه من الضروري ان يبنوا اسوارا حول مدنهم، حتى انهم حصَّنوها للتصدي لأي هجوم مسلَّح. وأقدم السجلات المعروفة، التي وُجد العديد منها في منطقة بلاد ما بين النهرين حيث حكمت اولا مملكة نمرود، تزخر بالروايات عن الخلافات بين البشر، والطمع والمؤامرات والقتل. كما ان اقدم القوانين المدوَّنة التي عُثر عليها، مثل قوانين لبت عشتار وإيشنونا وحمورابي، تُظهر ان حياة الانسان صارت معقَّدة جدا. فتسبَّب احتكاك الناس بعضهم ببعض بعدة مشاكل منها: السرقة، الغش، الصعوبات في التعاملات التجارية، الخلافات على الاملاك ودفع الايجار، المسائل المتعلقة بالديون والفوائد، الخيانة الزوجية، التكاليف والاخطاء الطبية، قضايا الاعتداء، والعديد غيرها. ومع ان حمورابي دعا نفسه «الملك الكفؤ» و «الملك الكامل»، غير ان حكمه وقوانينه، مثلها مثل كل الممالك السياسية القديمة، لم تتمكن من حل مشاكل البشر الخطاة. (نصوص الشرق الادنى القديمة، تحرير ج. ب. بريتشارد، ١٩٧٤، ص ١٥٩-١٨٠ [بالانكليزية]؛ قارن ام ٢٨:٥.) وفي كل هذه الممالك كان الدين مهمًّا، غير انهم لم يعبدوا الإله الحقيقي. ورغم ان الكهنة عملوا بشكل لصيق مع الطبقة الحاكمة وكسبوا رضاهم، لم يحسِّن ذلك اخلاق الناس. والنقوش المسمارية للكتابات الدينية القديمة خالية تماما من اي توجيه روحي او اخلاقي. كما ان هذه النقوش فضحت الآلهة التي عُبدت وأظهرت انها عدائية، عنيفة، شهوانية، وليست لديها مقاييس او اهداف صائبة. فكان الناس يحتاجون الى مملكة يهوه اللّٰه ليعيشوا بسلام وسعادة.
ايام ابراهيم والمتحدِّرين منه: لا شك ان الاشخاص الذين اعتبروا يهوه اللّٰه رأسا عليهم واجهوا هم ايضا المشاكل والخلافات. لكنَّ اللّٰه ساعدهم على احتمالها او حلِّها بطريقة تنسجم مع مقاييسه العادلة ودون ان تُهان كرامتهم. فقد منحهم الحماية والقوة. (تك ١٣:٥-١١؛ ١٤:١٨-٢٤؛ ١٩:١٥-٢٤؛ ٢١:٩-١٣، ٢٢-٣٣) لذلك، بعد ان ذكر صاحب المزمور ان «احكام [يهوه] في كل الارض»، قال عن ابراهيم وإسحاق ويعقوب: «كانوا قليلي العدد، قليلين جدا، ومتغربين في [كنعان]. فساروا من امة الى امة، ومن مملكة الى شعب آخر. لم يدع [يهوه] انسانا يغبنهم، بل من اجلهم وبَّخ ملوكا، قائلا: ‹لا تمسُّوا مسحائي، وإلى انبيائي لا تسيئوا›». (مز ١٠٥:٧-١٥؛ قارن تك ١٢:١٠-٢٠؛ ٢٠:١-١٨؛ ٣١:٢٢-٢٤، ٣٦-٥٥.) وهذا ايضا برهان على ان اللّٰه كان لا يزال يمارس سيادته على الارض، وكان يفرضها بطريقة تتلاءم مع الاتمام التدريجي لقصده.
لم ينتمِ الآباء الاجلاء الامناء الى اي من الدول-المدن او الممالك في كنعان او اراضٍ اخرى. فبدل ان يبحثوا عن الامان في مدينة يحكمها ملك بشري، عاشوا في خيام «غرباء ونزلاء في تلك الارض». وانتظروا بإيمان «المدينة التي لها اساسات حقيقية، التي اللّٰه بانيها وصانعها». فقد قبلوا اللّٰه حاكما عليهم، وانتظروا ترتيبه السماوي المقبل (الوسيلة التي تتخذ من سيادته وإرادته اساسا لها، والتي سيستخدمها ليحكم على الارض)، رغم ان تحقُّق هذا الامل كان لا يزال ‹بعيدا›. (عب ١١:٨-١٠، ١٣-١٦) لذلك استطاع يسوع الذي اختاره اللّٰه ملكا ان يقول لاحقا: «ابراهيم ... ابتهج آملا ان يرى يومي، فرآه وفرح». — يو ٨:٥٦.
حين اسس يهوه العهد مع ابراهيم (تك ١٢:١-٣؛ ٢٢:١٥-١٨)، خطا خطوة اضافية في اتمام وعده المتعلق بـ «نسل» المملكة. (تك ٣:١٥) وفي ما يتعلق بهذا العهد، انبأ ايضا ان ‹ملوكا سيخرجون› من ابراهيم (ابرام) وزوجته. (تك ١٧:١-٦، ١٥، ١٦) ورغم ان المتحدِّرين من عيسو حفيد ابراهيم شكَّلوا ممالك وقبائل يحكمها شيوخ، كرَّر اللّٰه الوعد النبوي ليعقوب، حفيد ابراهيم الآخر، قائلا ان ملوكا سيأتون منه. — تك ٣٥:١١، ١٢؛ ٣٦:٩، ١٥-٤٣.
تأسيس امة اسرائيل: في الوقت المناسب بعد عدة قرون (تك ١٥:١٣-١٦)، تدخَّل يهوه اللّٰه لمصلحة المتحدِّرين من يعقوب الذين صار عددهم بالملايين. (انظر «الخُرُوج» [عدد الاشخاص وقت الخروج]) فحماهم خلال حملة الإبادة التي امرت بها الحكومة المصرية (خر ١:١٥-٢٢)، وحرَّرهم اخيرا من العبودية القاسية للنظام المصري. (خر ٢:٢٣-٢٥) فكان هذا الحاكم المصري قد رفض بازدراء امر اللّٰه الذي نقله له ممثِّلاه موسى وهارون، واعتبره آتيا من مصدر لا سلطة له على الشؤون المصرية. ولأنه ظلَّ يرفض الاعتراف بسيادة يهوه، اظهر يهوه قوته بجلب ضربات على مصر. (خر ٧ الى ١٢) وهكذا برهن ان سلطته على عناصر الارض ومخلوقاتها اعظم من سلطة اي ملك في كل الارض. (خر ٩:١٣-١٦) والضربات التي جلبها يهوه على فرعون ليظهر له قوته بلغت ذروتها حين قضى على جيش فرعون بطريقة لم يتمكن اي من ملوك الامم المحاربين المتكبِّرين ان يقلِّدوها على الاطلاق. (خر ١٤:٢٦-٣١) فكان لدى موسى والاسرائيليين سبب وجيه ليرنِّموا: «يهوه يملك الى الدهر والابد». — خر ١٥:١-١٩.
بعد ذلك، اعطى يهوه برهانا آخر على سلطته على الارض ومصادر المياه والطيور، وأظهر قدرته على حماية شعبه ودعمهم حتى في ارض قاحلة ومحيط عدائي. (خر ١٥:٢٢–١٧:١٥) وبعد كل ما فعله، قال للشعب الذي حرَّره انهم اذا اطاعوا سلطته والتزموا بعهده، يصيرون ملكا خاصا له من بين كل الشعوب، «لأن الارض كلها لي». فكان يمكن ان يصيروا «مملكة كهنة وأمة مقدسة». (خر ١٩:٣-٦) وعندما اعلنوا رسميا انهم يوافقون ان يخضعوا لسيادة يهوه، لعب يهوه دور الملك المشترع بإعطائهم احكاما ملكية على شكل مجموعة كبيرة من الشرائع. وخلال ذلك اظهر قوته ومجده بطريقة مبهرة اوقعت الرهبة في نفوسهم. (خر ١٩:٧–٢٤:١٨) وكان المسكن او خيمة الاجتماع، وخصوصا صندوق العهد، يشير الى حضور الحاكم السماوي غير المنظور بينهم. (خر ٢٥:٨، ٢١، ٢٢؛ ٣٣:٧-١١؛ قارن رؤ ٢١:٣.) ورغم ان موسى ورجالا معيَّنين آخرين حكموا في غالبية القضايا تحت توجيه شريعة اللّٰه، كان يهوه يتدخَّل شخصيا في بعض الاحيان ليصدر الاحكام وينفِّذ العقوبات في الذين يكسرون الشريعة. (خر ١٨:١٣-١٦، ٢٤-٢٦؛ ٣٢:٢٥-٣٥) اما ترتيب الكهنة الذي اعدَّه يهوه فقد ساعد الشعب ان يحافظ على علاقة جيدة مع حاكمهم السماوي. كما انه دعمهم فيما يبذلون جهدهم ليبلغوا المقاييس الرفيعة لعهد الشريعة. (انظر «الكاهن».) بناء على ذلك، كانت الحكومة التي تحكم على شعب اسرائيل ثيوقراطية بكل معنى الكلمة. — تث ٣٣:٢، ٥.
وبما ان يهوه هو اللّٰه والخالق، وكل الارض ملك له، وهو «ديان كل الارض» (تك ١٨:٢٥)، فقد اعطى كنعان لنسل ابراهيم. (تك ١٢:٥-٧؛ ١٥:١٧-٢١) ولأنه صاحب السلطة التنفيذية، امر الاسرائيليين ان يستملكوا ارض الكنعانيين الذين حكم عليهم بالموت، وأن ينفِّذوا فيهم حكمه. — تث ٩:١-٥؛ انظر «كنعان، الكنعاني» رقم ٢ (اجتياح اسرائيل لأرض كنعان).
فترة القضاة: بعد ان هزم الاسرائيليون ممالك كنعان العديدة، كان يهوه اللّٰه طوال ثلاثة قرون ونصف الملك الوحيد عليهم. وفي بعض الفترات، اختار قضاة ليقودوا الامة او اجزاء منها في الحرب والسلام. حين انتصر القاضي جدعون على المديانيين طلب منه الشعب ان يصير حاكما عليهم، لكنه رفض معترفا ان يهوه هو حاكمهم الحقيقي. (قض ٨:٢٢، ٢٣) غير ان ابنه الطَّموح ابيمالك صار لوقت قصير ملكا على جزء صغير من الامة، لكنَّ نهايته كانت مأساوية. — قض ٩:١، ٦، ٢٢، ٥٣-٥٦.
يُقال عن فترة القضاة بشكل عام: «في تلك الايام لم يكن ملك في اسرائيل. فكان كل واحد يعمل ما هو صائب في عينيه». (قض ١٧:٦؛ ٢١:٢٥) لا يعني ذلك انه لم تكن هناك ضوابط قضائية. فكان في كل مدينة قضاة هم شيوخ يعالجون المسائل والمشاكل القانونية ويحكمون بعدل للشعب. (تث ١٦:١٨-٢٠؛ انظر «المحكمة».) وترتيب الكهنة اللاويين زوَّد التوجيه الروحي وعلَّم الشعب شريعة اللّٰه. كما كان لدى رئيس الكهنة الاوريم والتُّميم، اداة يستشير بواسطتها اللّٰه في المسائل الصعبة. (انظر «رئيس الكهنة»؛ «الكاهن»؛ «الاوريم والتُّميم».) والشخص الذي يستفيد من كل هذه التدابير ويعرف شريعة اللّٰه ويطبِّقها، ينال توجيها سليما يدرِّب به ضميره. وفي هذه الحالة، حين «يعمل ما هو صائب في عينيه» لن تكون النتائج سيئة. لقد سمح يهوه للشعب ان يقرِّروا هم بأنفسهم هل سيسمعون كلمته ويطبِّقون شرائعه ام لا. ولم يكن هناك ملك بشري يشرف على عمل قضاة كل مدينة او يأمر المواطنين ان يشاركوا في مشاريع معيَّنة او يقودهم للدفاع عن الامة. (قارن قض ٥:١-١٨.) لذلك، حين نشأت اوضاع سيئة، كان السبب ان الغالبية لم يرغبوا ان يسمعوا كلمة ملكهم السماوي ويطيعوا شرائعه ويستفيدوا من تدابيره. — قض ٢:١١-٢٣.
طلبُ ملك بشري: بعد حوالي ٤٠٠ سنة على الخروج من مصر، وأكثر من ٨٠٠ سنة على العهد الذي قطعه اللّٰه مع ابراهيم، طلب الاسرائيليون ملكا بشريا يقودهم مثل الامم الاخرى. وطلبهم هذا عنى انهم رفضوا مُلك يهوه عليهم. (١ صم ٨:٤-٨) طبعا، توقَّع الشعب ان يؤسس اللّٰه مملكة انسجاما مع وعده لابراهيم ويعقوب. وهناك عدة اسباب زادت هذا الامل: النبوة عن يهوذا التي قالها يعقوب وهو على فراش الموت (تك ٤٩:٨-١٠)، الكلمات التي قالها يهوه للاسرائيليين بعد خروجهم من مصر (خر ١٩:٣-٦)، ما ورد في عهد الشريعة (تث ١٧:١٤، ١٥)، وحتى بعض كلمات الرسالة التي جعل اللّٰه بلعام ينقلها (عد ٢٤:٢-٧، ١٧). كما ان حنة والدة صموئيل الامينة عبَّرت عن هذا الامل في صلاتها. (١ صم ٢:٧-١٠) لكنَّ يهوه لم يكن بعد قد كشف كاملا «السر المقدَّس» عن مملكته. ولم يكن قد حدَّد وقت تأسيسها. كما انه لم يكشف عن بنيتها وتركيبتها، إن كانت ارضية ام سماوية. لذلك تخطَّى الشعب حدودهم حين طلبوا ملكا بشريا.
لا شك ان خطر اعتداءات الفلسطيين والعمونيين ساهم في رغبة الاسرائيليين في الحصول على ملك منظور يقودهم. وبطلبهم هذا اعربوا عن قلة ايمان بقدرة اللّٰه على حمايتهم وتوجيههم وتأمين حاجاتهم كأمة او كأفراد. (١ صم ٨:٤-٨) لقد كان دافعهم خاطئا. إلا ان يهوه لبَّى طلبهم، ليس من اجلهم بشكل خاص، بل ليتمِّم قصده بأن يكشف تدريجيا عن «السر المقدس» المرتبط بمملكته المقبلة التي سيحكم فيها «النسل». لكنَّ حكم ملك بشري له ثمنه ومشاكله، وقد اخبر يهوه الشعب بذلك. — ١ صم ٨:٩-٢٢.
والملوك الذين عيَّنهم يهوه بعد ذلك كانوا سيمثِّلونه على الارض. إلا ان هذا لم يقلِّل بأي شكل من سلطة يهوه على الشعب. فالعرش كان عرش يهوه، وهم جلسوا عليه كملوك يمثِّلون حكمه. (١ اخ ٢٩:٢٣) لقد امر يهوه باختيار الملك الاول، شاول (١ صم ٩:١٥-١٧)، وفي الوقت نفسه فضح قلَّة ايمان الشعب. — ١ صم ١٠:١٧-٢٥.
ليكون المُلك ناجحا، كان على المَلك والشعب ان يحترموا سلطة اللّٰه. وإذا طلبوا التوجيه والحماية من اي مصدر آخر، فسيهلك الشعب والملك ايضا. (تث ٢٨:٣٦؛ ١ صم ١٢:١٣-١٥، ٢٠-٢٥) ووجب على الملك ان لا يتكل على قوته العسكرية، ان لا يكثِّر لنفسه الزوجات، وأن لا تسيطر عليه الرغبة في الغنى. وكان يجب ان يمارس مُلكه بطريقة تنسجم كاملا مع ما يرد في الشريعة. وبناء على ما امر به يهوه، كان على الملك ان يكتب نسخته الخاصة من الشريعة ويقرأ فيها يوميا. وهكذا يخاف يهوه خوفا سليما ويحترم سلطته، يبقى متواضعا، ويحافظ على استقامته. (تث ١٧:١٦-٢٠) وإذا فعل ذلك وأحب اللّٰه من كل قلبه وأحب قريبه كنفسه، فسيجلب حكمه البركات، ولن يكون هناك سبب ليتشكَّى الشعب من الظلم او الاوضاع الصعبة. ومثلما سمح يهوه للشعب ان يكشفوا عما في قلبهم، سمح ايضا للملوك ان يقرِّروا هم بأنفسهم هل سيعترفون بسلطة اللّٰه ويطبِّقون شرائعه ام لا.
مُلك داود المثالي: لم يحترم شاول الذي من سبط بنيامين سلطة «جلال اسرائيل» وترتيباته، فخسر رضى يهوه وحرم سلالته من المُلك. (١ صم ١٣:١٠-١٤؛ ١٥:١٧-٢٩؛ ١ اخ ١٠:١٣، ١٤) وحين صار العرش لداود الذي من سبط يهوذا، تم وجه آخر من النبوة التي قالها يعقوب وهو على فراش الموت. (تك ٤٩:٨-١٠) ورغم ان داود ارتكب الاخطاء بسبب الضعف البشري، كان حكمه مثاليا بسبب تعبُّده القلبي ليهوه اللّٰه وإذعانه بتواضع للسلطة الإلهية. (مز ٥١:١-٤؛ ١ صم ٢٤:١٠-١٤؛ قارن ١ مل ١١:٤؛ ١٥:١١، ١٤.) فعندما جُمعت التبرعات لبناء الهيكل، صلَّى داود الى اللّٰه امام كل الجماعة قائلا: «لك، يا يهوه، العظمة والقدرة والبهاء والسمو والوقار، لأن لك كل ما في السماء والارض. لك الملكوت يا يهوه، وقد ارتفعت رأسا على الجميع. بفضلك الغنى والمجد، وأنت تتسلط على كل شيء، وفي يدك القوة والقدرة، وفي يدك تعظيم الجميع وتقويتهم. والآن يا إلهنا، نشكرك ونسبِّح اسمك البهي». (١ اخ ٢٩:١٠-١٣) ووصية داود الاخيرة لابنه سليمان تُظهر نظرته الصائبة الى العلاقة بين المُلك على الارض واللّٰه مصدر هذا المُلك. — ١ مل ٢:١-٤.
وعندما نقل داود صندوق العهد، الذي يدلُّ على حضور يهوه، الى العاصمة اورشليم، رنَّم: «لتفرح السموات، ولتبتهج الارض، وليقولوا بين الامم: ‹يهوه قد ملك!›». (١ اخ ١٦:١، ٧، ٢٣-٣١) مع ان يهوه بدأ يحكم منذ بداية الخليقة، تقول هذه الترنيمة انه «قد ملك». فبما ان يهوه يقدر ان يجعل حكمه يتجلى بطُرق خصوصية او يستخدم ادوات معيَّنة لتمثيله، يُمكن ان يُقال انه «قد ملك» في مناسبة معيَّنة او وقت معيَّن.
عهد لمملكة: صنع يهوه عهدا مع داود لمملكة ستتأسس في سلالته وتملك الى الابد. قال له: «أقيم بعدك نسلك ... وأثبِّت مملكته. ... ويكون بيتك ومملكتك راسخَين الى الدهر امامك، وعرشك يكون ثابتا الى الدهر». (٢ صم ٧:١٢-١٦؛ ١ اخ ١٧:١١-١٤) وهذا العهد الذي صار ساري المفعول من خلال سلالة ملكية متحدِّرة من داود شكَّل خطوة اضافية نحو اتمام وعد اللّٰه الذي اعطاه في عدن بقيام مملكة سيحكم فيها ‹النسل› المنبأ به. (تك ٣:١٥) كما انه اعطى وسيلة اضافية لتحديد هوية هذا ‹النسل› حين يأتي. (قارن اش ٩:٦، ٧؛ ١ بط ١:١١.) والملوك الذين عيَّنهم اللّٰه ليشغلوا هذا المنصب ينطبق عليهم التعبير «مسيَّا» الذي يعني ‹مسيحا›، اي مختارا. (١ صم ١٦:١؛ مز ١٣٢:١٣، ١٧) اذًا، من الواضح ان المملكة الارضية التي اسسها يهوه لتحكم على اسرائيل كانت رمزا او نموذجا مصغَّرا للمملكة المقبلة التي يترأسها المسيَّا، يسوع المسيح، «ابن داود». — مت ١:١.
انحطاط مملكتَي اسرائيل وسقوطهما: لقد حادت امة اسرائيل عن طرق يهوه المستقيمة. فتدهورت الاوضاع بعد حكم ثلاثة ملوك وبداية حكم الرابع، مما تسبَّب باستياء الشعب وأدَّى الى الثورة وانقسام الامة الى مملكتَين: شمالية وجنوبية (٩٩٧ قم). لكنَّ عهد يهوه مع داود بقي ساري المفعول من خلال ملوك مملكة يهوذا الجنوبية. وعلى مر السنين، لم يحكم إلا القليل من الملوك الامناء على يهوذا. اما في مملكة اسرائيل الشمالية فلم يحكم اي ملك امين. وكان تاريخ المملكة الشمالية مليئا بالصنمية والمؤامرات والاغتيالات، وكثيرا ما تعاقب فيها الملوك بسرعة. وقد عانى الشعب من الظلم والقمع. وبسبب تمرُّد هذه المملكة على يهوه، سمح لملك اشور ان يسحقها بعد حوالي ٢٥٠ سنة من تأسيسها (٧٤٠ قم). — هو ٤:١، ٢؛ عا ٢:٦-٨.
اما مملكة يهوذا فقد تمتعت باستقرار اكبر بسبب سلالة داود الملكية، لكنها في النهاية صارت فاسدة اكثر بكثير من المملكة الشمالية. فقد انجرف الشعب الى الصنمية ورفضوا كلمة يهوه وسلطته رغم جهود ملوك يخافون اللّٰه، مثل حزقيا ويوشيا. (اش ١:١-٤؛ حز ٢٣:١-٤، ١١) وفضح انبياء يهوه اعمال الحكام والشعب في رسائل التحذير التي نقلوها اليهم: الظلم، الطغيان، الطمع، الغش، الرشوة، الانحراف الجنسي، الجريمة، وسفك الدم، اضافة الى النفاق الديني الذي حوَّل هيكل اللّٰه الى «مغارة لصوص». (اش ١:١٥-١٧، ٢١-٢٣؛ ٣:١٤، ١٥؛ ار ٥:١، ٢، ٧، ٨، ٢٦-٢٨، ٣١؛ ٦:٦، ٧؛ ٧:٨-١١) وما من شيء كان يمكن ان يمنع تحطُّم هذه المملكة الخائنة، لا جهود الكهنة المرتدِّين ولا التحالفات السياسية مع امم اخرى. (ار ٦:١٣-١٥؛ ٣٧:٧-١٠) فدمَّر البابليون العاصمة اورشليم سنة ٦٠٧ قم وتركوا يهوذا ارضا مقفرة. — ٢ مل ٢٥:١-٢٦.
مُلك يهوه لم يُمسّ: طوال تاريخ امة اسرائيل، اكَّد لهم يهوه ان ما يهمه هو ان يخدموه ويطيعوه بإرادتهم. (تث ١٠:١٢-٢١؛ ٣٠:٦، ١٥-٢٠؛ اش ١:١٨-٢٠؛ حز ١٨:٢٥-٣٢) وقد ارشدهم، وبَّخهم، ادَّبهم، حذَّرهم، وعاقبهم، لكنه لم يستخدم القوة ليجبر الملك او الشعب ان يعيشوا باستقامة. اذًا، دمار مملكتَي اسرائيل ويهوذا لم يدل بأي شكل من الاشكال على ان حُكم يهوه اللّٰه سيئ. ولم يدل ابدا على ان يهوه إله ضعيف. فالاوضاع السيئة التي عانوها، العذاب الذي عاشوه، والكوارث التي لحقت بهم جلبوها هم على انفسهم، لأنهم قسَّوا قلوبهم بعناد وأصرُّوا على الاستقلال عن اللّٰه. وكان ذلك غباء سبَّب لهم الضرر. — مرا ١:٨، ٩؛ نح ٩:٢٦-٣١، ٣٤-٣٧؛ اش ١:٢-٧؛ ار ٨:٥-٩؛ هو ٧:١٠، ١١.
استخدم يهوه سلطته ليكبح دولتَي اشور وبابل العنيفتَين والشرستَين الى ان حان وقته المحدَّد، حتى انه حرَّكهما ليتمِّما نبواته. (حز ٢١:١٨-٢٣؛ اش ١٠:٥-٧) وكان حُكم صاحب السلطة المطلقة عادلا حين رفع اخيرا حمايته عن الامة. (ار ٣٥:١٧) ولم يتفاجأ خدام اللّٰه الطائعون حين دُمِّرت اسرائيل ويهوذا لأن النبوات كانت قد حذَّرتهم بذلك. وقد زاد «بهاء عظمة» يهوه بإذلال الحكام المتكبِّرين. (اش ٢:١، ١٠-١٧) لكنَّ الاهم هو ان يهوه اظهر قدرته على حماية الافراد الذين اتكلوا عليه كملك، حتى حين تعرَّضوا للجوع والمرض والقتل الجماعي، وحين اضطهدهم الذين يكرهون العدل والحق. — ار ٣٤:١٧-٢١؛ ٢٠:١٠، ١١؛ ٣٥:١٨، ١٩؛ ٣٦:٢٦؛ ٣٧:١٨-٢١؛ ٣٨:٧-١٣؛ ٣٩:١١–٤٠:٥.
حذَّر يهوه آخر ملك على اسرائيل بأن تاجه، الذي يرمز الى تعيينه ملكا يمثِّل يهوه، سيُرفع عن رأسه. ولن يكون هناك ملك من سلالة داود ‹حتى يأتي الذي له الحق الشرعي فيعطيه يهوه اياه›. (حز ٢١:٢٥-٢٧) وهكذا، لم تعد المملكة التي ترمز الى مُلك يهوه موجودة. ومن جديد، عاد شعب اللّٰه يترقَّبون «النسل» الذي سيأتي، اي المسيا.
دمَّرت دولتا اشور وبابل السياسيتان مملكتَي اسرائيل ويهوذا المرتدتَين. ومع ان اللّٰه قال انه «يُنهض» او ‹يجلب› هاتَين الدولتَين على المملكتَين اللتين حكم عليهما (تث ٢٨:٤٩؛ ار ٥:١٥؛ ٢٥:٨، ٩؛ حز ٧:٢٤؛ عا ٦:١٤)، من الواضح ان ذلك كان شبيها بما فعله مع فرعون حين ‹قسَّى› قلبه. (انظر «المعرفة المسبقة، التعيين المسبق» [المعرفة والتعيين المسبقان بشأن الافراد].) فاللّٰه ‹جلب› هاتَين القوَّتَين العسكريتَين بمعنى انه سمح لهما ان ينفِّذا الرغبة الموجودة في قلبهما (اش ١٠:٧؛ مرا ٢:١٦؛ مي ٤:١١)، ورفع «يد» الحماية عن الاراضي التي يطمعان فيها. (تث ٣١:١٧، ١٨؛ قارن عز ٨:٣١ بـ عز ٥:١٢؛ نح ٩:٢٨-٣١؛ ار ٣٤:٢.) فأطلق يهوه الاسرائيليين المرتدين، الذين رفضوا بعناد ان يخضعوا لشريعته وإرادته، ليموتوا ‹بالسيف والوبإ والمجاعة›. (ار ٣٤:١٧) لكنَّ هذا لا يعني ان اللّٰه صار راضيا عن هاتَين الامتَين الوثنيتَين، ولا يعني ان ‹ايديهما طاهرة› في عينَيه. فقد دمَّرتا بدون رحمة المملكتَين الشمالية والجنوبية، والعاصمة اورشليم وهيكلها المقدَّس. لذلك، كان من حق يهوه، قاضي كل الارض، ان يتَّهمهما بأنهما ‹نهبا ميراثه›، ويحكم عليهما بنفس المصير الذي سبَّباه لشعب عهده. — اش ١٠:١٢-١٤؛ ١٣:١، ١٧-٢٢؛ ١٤:٤-٦، ١٢-١٤، ٢٦، ٢٧؛ ٤٧:٥-١١؛ ار ٥٠:١١، ١٤، ١٧-١٩، ٢٣-٢٩.
رؤى عن مملكة اللّٰه في ايام دانيال: تشدِّد نبوة دانيال بكاملها على سيادة اللّٰه الكونية، وتعطي فهما اوضح لقصد يهوه. فخلال السبي، فيما كان دانيال يعيش في عاصمة الدولة العالمية التي دمَّرت يهوذا، استخدمه اللّٰه ليكشف معنى رؤيا رآها الملك البابلي. وقد انبأت هذه الرؤيا بتعاقب دول عالمية وزوالها اخيرا على يد مملكة ابدية يؤسسها يهوه. ولا شك ان حاشية الملك نبوخذنصر، الملك نفسه الذي هزم اورشليم، تفاجأت حين سجد امام الاسير دانيال ليقدِّم له الاكرام وليعترف ان إلهه هو «رب الملوك». (دا ٢:٣٦-٤٧) ايضا، في رؤيا نبوخذنصر التي رآها في حلمه عن ‹الشجرة المقطوعة›، اكَّد يهوه ان «العلي هو الحاكم في مملكة الناس، فيعطيها لمن يشاء ويقيم عليها ادنى الناس». (دا ٤؛ انظر شرح هذه الرؤيا تحت «الازمنة المعيَّنة للامم».) وحين تمّ ما يتعلَّق بالملك نبوخذنصر من هذا الحلم، اعترف مرة اخرى ان إله دانيال هو «ملك السماء» الذي «يفعل كما يشاء في جند السماء وسكان الارض. ولا يوجد مَن يمنع يده او يقول له: ‹ماذا تفعل؟›». — دا ٤:٣٤-٣٧.
ونحو نهاية سيطرة الامبراطورية البابلية على العالم، رأى دانيال رؤى نبوية عن امبراطوريات ستحكم الواحدة تلو الاخرى لها خصائص تشبه الحيوانات. ورأى ايضا محكمة يهوه السماوية العظيمة وهي منعقدة وتُصدر الحكم على الدول العالمية وتعلن انها لا تستحق ان تحكم. كما انه رأى «مثل ابن انسان ... أُعطي سلطانا وسموًّا وملكوتا، لتخدمه جميع الشعوب والامم والالسنة» في مملكته التي لن تزول. وشهد ايضا الحرب التي تشنُّها الدولة العالمية الاخيرة على ‹القدوسين› والتي ستؤدي الى ابادتها وإعطاء «المملكة والسلطان وعظمة الممالك تحت كل السماء ... لشعب قدوسي العلي» يهوه اللّٰه. (دا ٧، ٨) وهكذا، صار واضحا ان ‹النسل› الموعود به سيتألف من هيئة حكومية لا تشمل فقط ملكا، ‹ابن الانسان›، بل ايضا حكاما معاونين، «قدوسي العلي».
ايام بابل ومادي وفارس: لقد عدَّ اللّٰه ايام امبراطورية بابل الجبَّارة وأنهاها، ونفَّذ الماديون والفرس حُكمه الذي لا رجوع عنه بشكل مفاجئ وغير متوقَّع. (دا ٥:١٧-٣٠) وخلال الفترة التي سيطرت فيها مادي وفارس كشف يهوه المزيد عن مملكة المسيا. فأشار الى وقت ظهور المسيا، وأنبأ بأن المسيا ‹سيُقطع›. كما انبأ بدمار مدينة اورشليم وهيكلها المقدس مرة ثانية. (دا ٩:١، ٢٤-٢٧؛ انظر «السبعون اسبوعا».) ايضا، مثلما فعل يهوه اللّٰه خلال حكم البابليين، برهن من جديد انه قادر على حماية الذين يعترفون بسيادته. فقد حماهم من غضب المسؤولين الحكوميين وخطر الموت حين اظهر سلطته على عناصر الارض ووحوشها. (دا ٣:١٣-٢٩؛ ٦:١٢-٢٧) وعندما حان الوقت، فتح بوابات بابل على مصراعَيها امام شعب عهده ليتحرَّروا ويرجعوا الى ارضهم كي يعيدوا بناء بيت يهوه هناك. (٢ اخ ٣٦:٢٠-٢٣) ولأن يهوه حرَّر شعبه، قيل لصهيون: «قد ملك إلهك!». (اش ٥٢:٧-١١) بعد ذلك، أُحبطت المؤامرات على شعبه، وأُبطلت مساعي الرسميين لتشويه سمعتهم، وأُوقفت الاحكام الظالمة الصادرة بحقهم. فيهوه كان قد دفع عدة ملوك فُرس ليساهموا في اتمام ما يريده. — عز ٤–٧؛ نح ٢، ٤، ٦؛ اس ٣–٩.
وهكذا، طوال آلاف السنين بقي قصد يهوه اللّٰه يتحقَّق، هذا القصد الذي لا يمكن تغييره او مقاومته. ومهما حدث على الارض، برهن يهوه انه يمسك بزمام الامور، وأنه دائما متقدِّم على البشر المقاومين والشيطان. ولم يسمح لأي شيء ان يعرقل اتمام قصده، او ما يريده. وكانت امة اسرائيل وتاريخها رمزا نبويا، وأظهرا كيف سيتعامل اللّٰه مع البشر في المستقبل. كما انهما ابرزا انه لا يمكن التمتع بالانسجام والسلام والسعادة دون الاعتراف برئاسة اللّٰه والخضوع لها من كل القلب. لقد جمعت الاسرائيليين امور مشتركة مثل النَّسب واللغة والبلد. كما واجهوا نفس الاعداء. لكنهم لم يعرفوا الوحدة والقوة والعدل ولم يتمتعوا بحياتهم إلَّا عندما عبدوا يهوه اللّٰه وخدموه بولاء وأمانة. وحين ضعفت علاقتهم به تدهورت الامة بسرعة.
مملكة اللّٰه ‹تقترب›: بما ان المسيا كان سيتحدَّر من ابراهيم وإسحاق ويعقوب، وسيكون من سبط يهوذا و «ابن داود»، كان يجب ان يكون «ابن انسان» كما تقول نبوة دانيال، اي ان يولد كإنسان. و «لمَّا جاء تمام الزمان»، ارسل يهوه اللّٰه ابنه، فوُلد من امرأة واستوفى كل الشروط القانونية ليرث «عرش داود ابيه». (غل ٤:٤؛ لو ١:٢٦-٣٣؛ انظر «سلسلة نسب يسوع المسيح».) وقبل ستة اشهر من ولادته، وُلد يوحنا الذي صار المعمِّد والذي كان سيسبق يسوع. (لو ١:١٣-١٧، ٣٦) وقد أظهرت تعابير والدتَي هذين الابنَين انهما كانتا تنتظران الحكم الالهي بشوق. (لو ١:٤١-٥٥، ٦٨-٧٩) والكلمات التي قالها الملائكة المرسلون لإعلان مغزى ولادة يسوع اشارت ايضا الى اعمال اللّٰه المجيدة. (لو ٢:٩-١٤) كما ان ما قاله سمعان وحنة في الهيكل عبَّر عن الامل بالخلاص. (لو ٢:٢٥-٣٨) ويكشف سجل الكتاب المقدس والمراجع الدنيوية ان اليهود كانوا عموما يتوقَّعون مجيء المسيا في وقت قريب. لكن بالنسبة الى كثيرين منهم، كان همُّهم الاساسي ان يتحرَّروا من سيطرة الرومان القاسية. — انظر «المسيا».
كانت مهمة يوحنا ان «يردَّ قلوب» الاشخاص الى يهوه وعهوده وإلى ‹الامتياز ان يؤدُّوا له دون خوف خدمة مقدسة بولاء وبر›، وهكذا يُعِدّ ليهوه «شعبا مهيَّأ». (لو ١:١٦، ١٧، ٧٢-٧٥) وأكَّد للناس انهم يواجهون حكما إلهيًّا، وأخبرهم انه «اقترب ملكوت السموات» ومن المُلحّ ان يتوبوا ويطيعوا شريعة اللّٰه ويفعلوا ما يريده. وهذا ايضا ابرز مقياس اللّٰه ان يقبل فقط اشخاصا يطيعونه بإرادتهم، اشخاصا يعترفون ان طرقه وشرائعه صائبة ويقدِّرونها. — مت ٣:١، ٢، ٧-١٢.
صار يسوع «المسيا» حين جاء الى يوحنا ليعتمد ونال تعيينه بواسطة روح اللّٰه القدس. (مت ٣:١٣-١٧) وهكذا صار الملك المعيَّن الذي اقرَّت محكمة يهوه ان له الحق الشرعي ليرث عرش داود، العرش الذي لم يحق لأحد ان يجلس عليه لأكثر من ٦٠٠ سنة. (انظر «يسوع المسيح» [معموديته].) اضافة الى ذلك، صنع يهوه عهدا لمملكة سماوية مع ابنه الذي كان راضيا عنه. وفي هذا العهد يكون يسوع ملكا وكاهنا في نفس الوقت، مثل ملكي صادق ملك شليم قديما. (مز ١١٠:١-٤؛ لو ٢٢:٢٩؛ عب ٥:٤-٦؛ ٧:١-٣؛ ٨:١؛ انظر «العهد».) وبما ان هذا الملك الكاهن هو ‹نسل ابراهيم› الموعود به، فهو وكيل اللّٰه الرئيسي الذي سيبارك اشخاصا من جميع الامم. — تك ٢٢:١٥-١٨؛ غل ٣:١٤؛ اع ٣:١٥.
في بداية حياة يسوع على الارض، استخدم يهوه قوته وسلطته كملك لصالح ابنه. فقد غيَّر طريق المنجِّمين القادمين من الشرق لكي لا يُخبروا الملك هيرودس المستبد بمكان وجود الطفل. وجعل والدَي يسوع يهربان الى مصر قبل ان يبدأ الذين ارسلهم هيرودس بتنفيذ المذبحة في اطفال بيت لحم. (مت ٢:١-١٦) وبما ان النبوة الاولى في عدن انبأت بعداوة بين ‹النسل› الموعود به و ‹نسل الحية›، فقد عنت محاولة قتل يسوع ان عدو اللّٰه الشيطان ابليس كان يحاول ان يُفشل قصد يهوه، انما دون جدوى. — تك ٣:١٥.
بعد ان اعتمد يسوع وأمضى ٤٠ يوما في صحراء اليهودية، واجهه المقاوم الرئيسي لسيادة يهوه. وبطريقة ما، اعطاه هذا العدو الروحاني اقتراحات ماكرة ليجعله يقوم بأعمال تكسر كلمة يهوه وتخالف ارادته. حتى ان الشيطان عرض ان يمنح المسيح يسوع سلطة على كل ممالك الارض دون ان يبذل اي جهد ودون ان يتعذب مقابل عمل عبادة واحد له. وعندما رفض يسوع عرض الشيطان، اعترف ان يهوه هو المتسلط الحقيقي الوحيد الذي يحق له منح السلطة والذي يستحق العبادة. عندئذ، بدأ عدو اللّٰه يخطِّط ليحارب ممثِّل اللّٰه بوسائل اخرى، فاستخدم وكلاء بشرا بعدة طرق كما فعل سابقا في حالة ايوب. — اي ١:٨-١٨؛ مت ٤:١-١١؛ لو ٤:١-١٣؛ قارن رؤ ١٣:١، ٢.
بأي معنى كانت مملكة اللّٰه «في وسط» الذين بشَّرهم يسوع؟
لقد وثق يسوع بقدرة يهوه ان يحميه ويُنجحه، لذلك حين بدأ خدمته اعلن لشعب عهد يهوه: «قد تم الزمان المعين، واقترب ملكوت اللّٰه». (مر ١:١٤، ١٥) ولنفهم بأي معنى ‹اقتربت› المملكة، مهم ان ننتبه الى ما قاله يسوع لبعض الفريسيين: «ها إن ملكوت اللّٰه في وسطكم». (لو ١٧:٢١) يعلِّق قاموس المفسِّر للكتاب المقدس على هذه الآية: «صحيح ان هذه الآية تُقتبس كثيرا كدليل على ان يسوع علَّم عن ‹التصوُّف› او ‹الاستبطانية›، إلا ان هذا التفسير يرتكز بشكل رئيسي على الترجمة [الإنكليزية] القديمة، ‹داخل› مع ضمير مضاف اليها [مج، دي]، والتي فُهمت خطأً ان يسوع كان يتوجَّه بالمفرد قائلا ‹داخلك› وليس ‹داخلكم›. لكنَّ الضمير المستعمل هنا باليونانية [إيمون] هو بصيغة الجمع (فيسوع كان يتكلم مع الفريسيين — الآية ٢٠) ... والنظرية ان مملكة اللّٰه هي حالة عقلية، او حالة الخلاص الشخصي، تتناقض مع قرينة الآية ومع ما يُظهره كامل العهد الجديد عن هذه الفكرة». (تحرير ج. أ. باتريك، ١٩٦٢، المجلد ٢، ص ٨٨٣ [بالانكليزية]) وبما ان كلمة «مملكة [باسيلييا]» يمكن ان تشير الى «جلالة مَلكيَّة»، فمن الواضح ان يسوع عنى انه كان في وسطهم بصفته ممثِّل اللّٰه الملكي والشخص الذي اختاره اللّٰه ليأخذ منصب الملك. وهو كان بينهم بهذه الصفة، كما انه كان يملك السلطة ليُنجز اعمالا تُظهر سلطة اللّٰه الملكية وليُهيِّئ اشخاصا يختارهم لمناصب في مملكته القادمة. بهذا المعنى ‹اقتربت› المملكة؛ وهذه كانت فرصة لا تُعوَّض.
حكومة لديها القوة والسلطة: فهم تلاميذ يسوع ان المملكة هي حكومة فعلية للّٰه، لكنهم لم يفهموا نطاق حكمها. فقد قال نثنائيل ليسوع: «رابي، انت ابن اللّٰه، انت ملك اسرائيل». (يو ١:٤٩) وعرف التلاميذ ما انبأت به نبوة دانيال عن ‹القدوسين›. (دا ٧:١٨، ٢٧) كما وعد يسوع رسله انهم سيجلسون على ‹عروش›. (مت ١٩:٢٨) وقد سعى يعقوب ويوحنا للحصول على مركزَين مهمَّين في حكومة المسيا. ويسوع اعترف انه ستكون هناك مراكز مهمة لكنه قال ان اباه، الحاكم صاحب السلطة المطلقة، هو مَن يقوم بهذه التعيينات. (مت ٢٠:٢٠-٢٣؛ مر ١٠:٣٥-٤٠) اذًا، مع ان تلاميذ يسوع فهموا خطأ ان حكم المسيا سيكون على الارض فقط وسيشمل اسرائيل الجسدي بالتحديد، حتى انهم عبَّروا عن ذلك يوم صعود يسوع المُقام الى السماء (اع ١:٦)، إلَّا انهم فهموا ان مملكة المسيا هي حكومة. — قارن مت ٢١:٥؛ مر ١١:٧-١٠.
برهن ممثِّل يهوه الملكي بوضوح وبطرق عديدة عن سلطة يهوه كملك على مخلوقاته الارضية. فبواسطة روح اللّٰه، اي قوته العاملة، سيطر يسوع على الريح والبحر، النبات، السمك، وحتى على العناصر العضوية في الطعام متسببا في تزايده. وهذه الاعمال العظيمة جعلت تلاميذه يحترمون سلطته احتراما عميقا. (مت ١٤:٢٣-٣٣؛ مر ٤:٣٦-٤١؛ ١١:١٢-١٤، ٢٠-٢٣؛ لو ٥:٤-١١؛ يو ٦:٥-١٥) وأعظم ما عمله انه استعمل السلطة التي منحه اياها اللّٰه على الاجسام البشرية. فشفى كل انواع المرض، العمى والبرص وغيرهما، وأعاد الموتى الى الحياة. (مت ٩:٣٥؛ ٢٠:٣٠-٣٤؛ لو ٥:١٢، ١٣؛ ٧:١١-١٧؛ يو ١١:٣٩-٤٧) والبُرص الذين شفاهم ارسلهم الى الكهنة المعيَّنين من اللّٰه، لكنهم عموما غير مؤمنين، «شهادة لهم» اي ليبرهنوا لهم انهم شُفوا. (لو ٥:١٤؛ ١٧:١٤) وأخيرا، اظهر سلطة اللّٰه على الارواح الجبارة. وقد اعترف الشياطين بالسلطة التي منحها اللّٰه ليسوع. وبدل ان يخاطروا بتحدِّي السلطة التي تدعمه، اختاروا ان يطيعوا اوامره بالخروج من الذين سيطروا عليهم. (مت ٨:٢٨-٣٢؛ ٩:٣٢، ٣٣؛ قارن يع ٢:١٩.) وبما ان روح اللّٰه هو الذي طرد الشياطين، عنى ذلك ان مملكة اللّٰه ‹ادركت› سامعيه، اي جاءت اليهم. — مت ١٢:٢٥-٢٩؛ قارن لو ٩:٤٢، ٤٣.
كل ذلك كان برهانا اكيدا على ان يسوع لديه سلطة ملكية وأن هذه السلطة ليست من مصدر ارضي بشري سياسي. (قارن يو ١٨:٣٦؛ اش ٩:٦، ٧.) وعندما شهد الرسولان اللذان ارسلهما يوحنا المعمِّد حين كان مسجونا هذه الاعمال العظيمة، قال لهما يسوع ان يرجعا الى يوحنا ويخبراه بما رأيا وسمعا تأكيدا على ان يسوع هو فعلا «الآتي» الذي ينتظرون مجيئه. (مت ١١:٢-٦؛ لو ٧:١٨-٢٣؛ قارن يو ٥:٣٦.) وتلاميذ يسوع ايضا رأوا وسمعوا الادلة على سلطته الملكية التي طالما تمنَّى الانبياء ان يشهدوها. (مت ١٣:١٦، ١٧) اضافة الى ذلك، استطاع يسوع ان يمنح سلطة لتلاميذه ليصنعوا هم ايضا اعمالا عظيمة كممثِّلين عنه. وقد اعطى ذلك وزنا للرسالة التي اعلنوها: «قد اقترب ملكوت السموات». — مت ١٠:١، ٧، ٨؛ لو ٤:٣٦؛ ١٠:٨-١٢، ١٧.
الدخول الى المملكة: شدَّد يسوع على الفترة الخصوصية التي اتت والتي ستفسح المجال لأمر جديد. قال عن يوحنا المعمِّد الذي مهَّد الطريق له: «لم يقم بين المولودين من النساء اعظم من يوحنا المعمدان، ولكن مَن هو اصغر في ملكوت السموات هو اعظم منه. ومن ايام يوحنا المعمدان الى الآن ملكوت السموات هو الهدف الذي يسعى [بيازِتِه] نحوه الناس، والذين يسعون بعزم [بياستِه] يأخذونه عنوة. [قارن يج؛ جد.] فإن الجميع، الانبياء والشريعة، تنبأوا الى يوحنا». (مت ١١:١٠-١٣) وهذا يعني ان ايام خدمة يوحنا، التي كانت ستنتهي قريبا بإعدامه، وسمت نهاية فترة وبداية اخرى. يقول قاموس فاين التفسيري لكلمات العهدين القديم والجديد عن الفعل اليوناني بيازومِه المستعمَل في هذه الآية: «يدلّ الفعل على الجهد الدؤوب». (١٩٨١، المجلد ٣، ص ٢٠٨ [بالانكليزية]) وعن متى ١١:١٢ يقول العالِم الالماني هاينريخ ماير: «بهذه الطريقة يوصَف هذا السعي والاجتهاد الدؤوبان والمستمران في سبيل مملكة المسيا القريبة ... هذا الاهتمام بالمملكة شديد جدا ويحثُّ على العمل (ولم يعُد يشتمل على الترقُّب دون فعل شيء). وبالتالي فإن الـ [بياستِه] هم مؤمنون [وليس مهاجمين اعداء] يجاهدون ليحصلوا عليها». — كتاب مرجعي نقدي وتفسيري لإنجيل متى لواضعه ماير، ١٨٨٤، ص ٢٢٥ (بالانكليزية).
بناء على ذلك، لن يكون سهلا على اي شخص ان يصير عضوا في مملكة اللّٰه. فالمسألة لا تشبه الوصول الى مدينة بواباتها مفتوحة ولا يوجد ما يعيق او يمنع الدخول اليها. فالسيد العظيم يهوه اللّٰه وضع حواجز تمنع دخول غير المستحقين. (قارن يو ٦:٤٤؛ ١ كو ٦:٩-١١؛ غل ٥:١٩-٢١؛ اف ٥:٥.) والذين سيدخلون عليهم ان يسيروا في طريق ضيِّق، يجدوا البوابة الضيِّقة، يستمروا في الطلب، يستمروا في البحث، يستمروا في دق الباب، فيُفتح لهم. والطريق سيكون ‹ضيِّقا› بالنسبة اليهم بمعنى انه يمنع مَن يسير فيه من فعل امور تؤذيه او تؤذي غيره. (مت ٧:٧، ٨، ١٣، ١٤؛ قارن ٢ بط ١:١٠، ١١.) كما انهم قد يضطرون ان يخسروا مجازيا عينًا او يدًا ليستطيعوا الدخول. (مر ٩:٤٣-٤٧) وهذه المملكة لن تكون بلوتوقراطية (حكم الاثرياء) بحيث يستطيع الشخص ان يشتري رضى الملك. فمن الصعب على شخص غني (باليونانية پلوسيوس) ان يدخلها. (لو ١٨:٢٤، ٢٥) ولن تكون مملكة ارستقراطية بشرية، فالمراكز البارزة لا تنفع. (مت ٢٣:١، ٢، ٦-١٢، ٣٣؛ لو ١٦:١٤-١٦) والذين يبدون «اوَّلين» بفضل خلفيتهم وسجلهم الدينيَّين المرموقَين سيكونون «آخِرين»، اما ‹الآخِرون فسيكونون اولين› في نيل الامتيازات المتعلقة بمملكة اللّٰه. (مت ١٩:٣٠–٢٠:١٦) فالفريسيون البارزون المنافقون، الذين هم واثقون ان مراكزهم تمنحهم الافضلية على غيرهم، سيرون العاهرات وجامعي الضرائب التائبين يسبقونهم الى مملكة اللّٰه. (مت ٢١:٣١، ٣٢؛ ٢٣:١٣) وكل المنافقين الذين لا يحترمون كلمة اللّٰه وإرادته، مع ان يسوع اظهرهما بوضوح، سيرفضهم يسوع حين يقولون له: «يا رب، يا رب»، وسيرد عليهم: «اني ما عرفتكم قط! ابتعدوا عني ايها المتعدون على الشريعة». — مت ٧:١٥-٢٣.
ان الذين يضعون مملكة اللّٰه ووصاياه اولا والامور المادية في مرتبة ثانوية هم الذين يدخلون هذه المملكة. (مت ٦:٣١-٣٤) وهم يحبون فعل الصواب ويكرهون الشر، مثل الملك الذي عيَّنه اللّٰه، المسيح يسوع. (عب ١:٨، ٩) والذين يشعرون ان لديهم حاجة روحية، الرحماء، الذين قلوبهم طاهرة، ويسعون وراء السلام، مع ان الناس يضطهدونهم ويهينونهم، سيكونون اعضاء في هذه المملكة. (مت ٥:٣-١٠؛ لو ٦:٢٣) و ‹النير› الذي دعا يسوع هؤلاء الاشخاص ان يحملوه عنى خضوعهم لسلطته الملكية. لكنَّ النير هيِّن وحمله خفيف على الذين هم مثل الملك ‹ودعاء ومتضعو القلب›. (مت ١١:٢٨-٣٠؛ قارن ١ مل ١٢:١٢-١٤؛ ار ٢٧:١-٧.) ولا بد ان ما قاله اراح قلوب الذين سمعوه لأنه اكَّد لهم ان حكمه لن يكون مثل حكم العديد من الملوك قبله، الاسرائيليين وغير الاسرائيليين. فذلك جعلهم يؤمنون انهم لن يخضعوا خلال حكمه للضرائب المرهِقة او العبودية او اي شكل من اشكال الاستغلال. (قارن ١ صم ٨:١٠-١٨؛ تث ١٧:١٥-١٧، ٢٠؛ اف ٥:٥.) وكما اظهرت كلمات يسوع لاحقا، لن يكون رأس المملكة الآتية وحده غير اناني لدرجة ان يقدِّم حياته من اجل شعبه. فكل الذين يحكمون معه سيكونون مستعدِّين ان يَخدموا الناس بدل ان يُخدموا. — مت ٢٠:٢٥-٢٨؛ انظر «يسوع المسيح» (اعماله وصفاته).
الخضوع طوعا ضروري: احترم يسوع سلطة ابيه وإرادته السامية احتراما عميقا. (يو ٥:٣٠؛ ٦:٣٨؛ مت ٢٦:٣٩) وكان على اتباعه اليهود ان يطيعوا عهد الشريعة ويشجِّعوا الآخرين على طاعته ما دام ساري المفعول. ومَن لا يفعل ذلك لا يكون مقبولا في مملكة اللّٰه. لكن يجب ان يكون هذا الاحترام وهذه الطاعة من القلب. وهذا لا يعني حفظا شكليا او جزئيا يركِّز فقط على اعمال محدَّدة تطلبها الشريعة، بل يعني حفظ المبادئ الاساسية في الشريعة بما فيها العدل والرحمة والامانة. (مت ٥:١٧-٢٠؛ ٢٣:٢٣، ٢٤) والكاتب الذي اعترف بمركز يهوه وبأن «محبته بكل القلب وبكل الفهم وبكل القوة ومحبة القريب كالنفس، افضل بكثير من جميع المحرقات والذبائح»، قال له يسوع: «لست بعيدا عن ملكوت اللّٰه». (مر ١٢:٢٨-٣٤) وبهذه الطريقة اظهر يسوع بشكل واضح ان يهوه اللّٰه يطلب فقط رعايا يعبدونه بإرادتهم، ويفضِّلون طرقه الصالحة، ويرغبون بكل قلبهم ان يخضعوا لسلطته السامية.
علاقتا عهد: في الليلة الاخيرة التي قضاها يسوع مع تلاميذه اخبرهم عن ‹عهد جديد› مع اتباعه سيصير ساري المفعول نتيجة ذبيحته الفدائية. (لو ٢٢:١٩، ٢٠؛ قارن ١٢:٣٢.) وسيكون هو وسيط هذا العهد بين السيد العظيم يهوه وأتباع يسوع. (١ تي ٢:٥؛ عب ١٢:٢٤) ايضا، صنع مع اتباعه عهدا «لملكوت» ليصيروا ملوكا معه. — لو ٢٢:٢٨-٣٠؛ انظر «العهد».
يسوع غلب العالم: صحيح ان اعتقال يسوع ومحاكمته وإعدامه جعلته يبدو ملكا ضعيفا، لكنَّ اللّٰه سمح بهذه الامور لأنها كانت في الحقيقة اتماما قويا للنبوات. (يو ١٩:١٠، ١١؛ لو ٢٤:١٩-٢٧، ٤٤) وقد برهن يسوع بولائه واستقامته حتى الموت ان «حاكم العالم»، عدو اللّٰه، الشيطان، ليست له «يد» على يسوع، وأن يسوع ‹قد غلب العالم›. (يو ١٤:٢٩-٣١؛ ١٦:٣٣) ويهوه برهن عن سلطته المطلقة حتى حين كان ابنه معلَّقا على الخشبة. فقد ذهب نور الشمس فترة من الوقت، وحصل ايضا زلزال وانشقَّت الستارة الداخلية في الهيكل الى اثنَين. (مت ٢٧:٥١-٥٤؛ لو ٢٣:٤٤، ٤٥) وفي اليوم الثالث، اعطى برهانا اكبر على سيادته حين اقام ابنه الى حياة روحانية، رغم ان كبار الكهنة والفريسيين ثبَّتوا الحجر جيدا على مدخل قبر يسوع ووضعوا حراسا هناك، وكأن ذلك سيمنع قيامته. — مت ٢٨:١-٧.
«مملكة ابن محبته»: بعد عشرة ايام من صعود يسوع الى السماء، في يوم الخمسين سنة ٣٣ بم، نال تلاميذه دليلا انه «رُفع الى يمين اللّٰه» حين سكب عليهم الروح القدس. (اع ١:٨، ٩؛ ٢:١-٤، ٢٩-٣٣) وهكذا صار ‹العهد الجديد› ساري المفعول عليهم، وصاروا نواة «امة مقدسة» جديدة هي اسرائيل الروحي. — عب ١٢:٢٢-٢٤؛ ١ بط ٢:٩، ١٠؛ غل ٦:١٦.
صار يسوع الآن جالسا عن يمين ابيه ورأس هذه الجماعة. (اف ٥:٢٣؛ عب ١:٣؛ في ٢:٩-١١) وتُظهر الاسفار المقدسة انه من يوم الخمسين سنة ٣٣ بم فصاعدا حكمت مملكة روحية على تلاميذه. فحين كتب الرسول بولس رسالته الى المسيحيين في كولوسي في القرن الاول، اشار الى ان يسوع كان قد استلم مملكة. قال: «انقذنا [اللّٰه] من سلطة الظلام، ونقلنا الى مملكة ابن محبته». — كو ١:١٣؛ قارن اع ١٧:٦، ٧.
اذًا، منذ يوم الخمسين سنة ٣٣ بم، تحكم مملكة المسيح الروحية على اسرائيل الروحي، اي المسيحيين الذين وُلدوا بروح اللّٰه وصاروا ابناء اللّٰه الروحيين. (يو ٣:٣، ٥، ٦) وعندما ينال هؤلاء المسيحيون المولودون بالروح مكافأتهم السماوية لن يعودوا رعايا ارضيين لمملكة المسيح الروحية، بل سيصيرون ملوكا مع المسيح في السماء. — رؤ ٥:٩، ١٠.
‹مملكة ربنا ومسيحه›: في اواخر القرن الاول بم، كتب الرسول يوحنا رؤيا إلهية رأى فيها المستقبل حين يجعل يهوه اللّٰه حكمه يتجلَّى بطريقة جديدة بواسطة ابنه. عندئذ، كما عندما جلب داود صندوق العهد الى اورشليم، سيُقال ان يهوه ‹اخذ قدرته العظيمة وابتدأ يملك›. وفي ذلك الوقت، ستعلن اصوات عالية في السماء: «قد صارت مملكة العالم لربنا ولمسيحه، فسيملك الى ابد الآبدين». — رؤ ١١:١٥، ١٧؛ ١ اخ ١٦:١، ٣١.
لقد اكَّد «ربنا»، السيد العظيم يهوه، سلطته على «مملكة العالم» حين جعل سيادته على ارضنا تتجلَّى بطريقة جديدة. فقد اعطى ابنه، يسوع المسيح، حصَّة في هذه المملكة بحيث تُدعى ‹مملكة ربنا ومسيحه›. وهذه المملكة اهم من «مملكة ابن محبته» التي تتحدَّث عنها كولوسي ١:١٣، ونطاق حكمها اوسع. لقد تأسست «مملكة ابن محبته» يوم الخمسين سنة ٣٣ بم، وهي تحكم منذ ذلك الحين على تلاميذ المسيح المختارين. اما ‹مملكة ربنا ومسيحه› فتأسست عند نهاية «الازمنة المعيَّنة للامم» وحكمها يشمل كل البشر على الارض. — لو ٢١:٢٤.
عندما نال يسوع المسيح حصَّته في «مملكة العالم»، بدأ بالاجراءات الضرورية ليزيل مقاومي سلطة اللّٰه. حصلت اول معركة في السماء حيث هزم الشيطان وأبالسته وطرحهم الى الارض. وأدَّى ذلك الى الاعلان: «الآن صار خلاص إلهنا وقدرته وملكوته وسلطة مسيحه». (رؤ ١٢:١-١٠) وخلال الوقت القصير الباقي للشيطان، يستمر هذا العدو الرئيسي في اتمام نبوة التكوين ٣:١٥ بمحاربة «باقي نسل» المرأة، «القديسين» الذين سيحكمون مع المسيح. (رؤ ١٢:١٣-١٧؛ قارن رؤ ١٣:٤-٧؛ دا ٧:٢١-٢٧.) غير ان «احكام [يهوه] البارة» ستصير معروفة، ودينونته ستأتي على شكل ضربات على الذين يقاومونه، ما يؤدي الى دمار بابل العظيمة الرمزية، المضطهِد الاول لخدام اللّٰه على الارض. — رؤ ١٥:٤؛ ١٦:١–١٩:٦.
بعد ذلك سترسل ‹مملكة ربنا ومسيحه› جيوشها السماوية لتحارب حكام كل الممالك الارضية وجيوشها وتقضي عليهم في معركة هرمجدون. (رؤ ١٦:١٤-١٦؛ ١٩:١١-٢١) وسيكون ذلك استجابة للصلاة الى اللّٰه: «ليأت ملكوتك. لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الارض». (مت ٦:١٠) بعد ذلك، سيُطرح الشيطان في المهواة وتبدأ فترة طولها ألف سنة يحكم فيها المسيح يسوع ومعاونوه ملوكا وكهنة على سكان الارض. — رؤ ٢٠:١، ٦.
المسيح «يسلِّم المملكة»: يصف الرسول بولس ايضا حكم المسيح خلال حضوره. فبعد ان يُقيم المسيح ‹الذين له› من الموت، يبيد «كل حكم وكل سلطة وقوة» (تشير منطقيا الى كل الحكومات والسلطات والقوات التي تقاوم ارادة اللّٰه). ثم، في نهاية حكمه الالفي، «يسلِّم المملكة الى إلهه وأبيه»، ويخضع هو نفسه ايضا «للذي أَخضع له كل شيء، ليكون اللّٰه كل شيء للكل». — ١ كو ١٥:٢١-٢٨.
بما ان المسيح سوف «يسلِّم المملكة الى إلهه وأبيه» فبأي معنى تكون مملكته «ابدية» كما يرد تكرارا في الاسفار المقدسة؟ (٢ بط ١:١١؛ اش ٩:٧؛ دا ٧:١٤؛ لو ١:٣٣؛ رؤ ١١:١٥) بمعنى انها «لن تنقرض ابدا»، انجازاتها ستبقى الى الابد، وهو سيبقى مكرَّما الى الابد لأنه لعب دور المسيا الملك. — دا ٢:٤٤.
خلال الحكم الالفي، سيشمل حكم المسيح على الارض عمله ككاهن لمصلحة البشر الطائعين. (رؤ ٥:٩، ١٠؛ ٢٠:٦؛ ٢١:١-٣) وهكذا سيُنهي سيطرة الخطية والموت اللذين يملكان على البشر الطائعين الخاضعين لشريعتهما. وما يساهم في ذلك هو هبة اللّٰه وصلاحه. (رو ٥:١٤، ١٧، ٢١) وبما ان سكان الارض سيتخلَّصون كاملا من الخطية والموت، فلن تعود هناك حاجة ليلعب يسوع ايضا دور ‹المعين عند الآب›، اي ان يصالح البشر الناقصين الخطاة مع اللّٰه. (١ يو ٢:١، ٢) وهكذا سيرجع البشر الى الحالة الاصلية التي تمتَّع بها الانسان الكامل آدم في عدن. فحين كان كاملا لم يلزمه وسيط يصالحه مع اللّٰه. كذلك، عند نهاية حكم يسوع الالفي سيتاح لسكان الارض، بل سيكونون ملزَمين، ان يمثلوا امام يهوه اللّٰه القاضي الاعظم، دون الحاجة الى اي وسيط قانوني او معين. وهكذا يصير يهوه، صاحب السلطة العظمى، «كل شيء للكل». وهذا يعني ان قصد اللّٰه ان «يجمع ثانية كل الاشياء في المسيح، ما في السموات وما على الارض» سيكون قد تمَّ كاملا. — ١ كو ١٥:٢٨؛ اف ١:٩، ١٠.
وسيكون حكم يسوع الالفي قد تمَّم القصد منه. فالارض التي كانت مركز تمرُّد ستصير مكانا كاملا طاهرا لا نزاع عليه تحت سلطة سيد الكون. ولن تظل هناك مملكة فرعية بين يهوه والبشر الطائعين.
بعد ذلك، ستُمتحن استقامة كل هؤلاء الرعايا الارضيين وتعبُّدهم امتحانا اخيرا. فسيُحرَّر الشيطان من المهواة. والذين يستسلمون لإغرائه سيثيرون نفس القضية التي نشأت في عدن: هل يحق للّٰه ان يكون سيد الكون. وسيَظهر ذلك حين يهاجمون ‹مخيم القديسين والمدينة المحبوبة›. ولكن بما ان محكمة السماء بتَّت هذه القضية وأغلقت الملف، فلن يُسمح بأن يطول التمرُّد. والذين لن يقفوا بولاء الى جانب اللّٰه لن يستطيعوا ان يستنجدوا بالمسيح يسوع كمعين يصالحهم مع اللّٰه. فيهوه اللّٰه سيكون «كل شيء» لهم، ولن يقدروا ان يستأنفوا حكمه او يطلبوا وسيطا. وكل المتمردين، ارواحا وبشرا، سيصدر فيهم الحكم الإلهي ‹بالموت الثاني›. — رؤ ٢٠:٧-١٥.