زامبيا
افريقيا اشبه بحلة مطرّزة فضفاضة. فهذه القارة تمتد من ساحل البحر المتوسط برماله البيضاء الى الخط الساحلي الابيض في رأس الرجاء الصالح الذي لفحته الريح ورسمته الامواج المُزبِدة المتكسرة على الشواطئ، مرورا بالصحراء الكبرى الذهبية والغابات الزمردية. وهي تضم عُشر سكان العالم، وتجري فيها انهار كثيرة كالنيل والنيجر والكونغو والزمبيزي. كما تخبئ بين ثناياها مخزونا هائلا من الذهب، النحاس، والحجارة الكريمة.
تقع زامبيا حيث تلتقي الغابة المدارية المطيرة في حوض الكونغو بمراعي السافانا المتموجة التي تشكل هضبة في وسط افريقيا. ويقول البعض ان هذا البلد يشبه فراشة ضخمة مائلة الى احد جانبيها حطّت على خريطة. وحدوده غير العادية التي خلّفها عهد الاستعمار تحيط بأرض تتجاوز مساحتها ثلاثة ارباع مليون كيلومتر مربع، مساحة اكبر من مساحة ولاية تكساس في الولايات المتحدة الاميركية.
يمتد الاخدود العظيم شمالي شرقي زامبيا، كما اصبحت تُسمّى اليوم. ويجري نهر زمبيزي الضخم غربها وجنوبها. حتى اواخر القرن الـ ١٩، كانت هذه البقعة من الارض في منأى عن الاجانب الذين نهبوا ذهب وعاج افريقيا وأخذوا منها العبيد. ولكن في سنة ١٨٥٥، ساهم المستكشف دايڤيد ليڤنْڠْستون، وهو ابن رجل اسكتلندي يعمل في مصنع، في فتح اعين العالم على هذه المنطقة الممتدة وراء «الدخان الهادر» — الاعجوبة المهيبة التي دعاها ليڤنْڠْستون لاحقا شلالات فيكتوريا اكراما لفيكتوريا ملكة انكلترا.
وسرعان ما جاءها مرسلو العالم المسيحي الذين روّجوا بحماسة «المسيحية والتجارة والمدنية»، ساعين الى بلوغ قلب القارة. غير ان الاساليب التي استخدموها انعكست سلبا على خدمتهم. ولكن بعد وقت قصير، اتاها اشخاص استطاعوا بمعونة اللّٰه ان يوَصّوا بأنفسهم كخدام اللّٰه الحقيقيين. — ٢ كورنثوس ٦:٣-١٠.
الايام الباكرة
بحلول سنة ١٨٩٠، تشكّلت خمس هيئات ارسالية في المقاطعة التي تُسمى اليوم زامبيا. ومع بداية القرن التالي، كان عدد متزايد من الافارقة يشعرون بالقلق نتيجة نموّ القوة الاستعمارية والنشاط التجاري، الامر الذي جعلهم يسعون الى نيل الارشاد والتوجيه. كما ظهرت حركات دينية غريبة في انحاء كثيرة من القارة. لكنّ المساعدة الروحية الحقيقية كانت في متناول الناس. ففي سنة ١٩١١، حصل ذوو القلوب المستقيمة في زامبيا على نُسَخ من كتب دروس في الاسفار المقدسة. وسرعان ما انتشرت شمالا حقائق الكتاب المقدس الموجودة في هذه الكتب على يد اشخاص لم يكونوا جميعا مخلصين في خدمتهم للّٰه.
سنة ١٩١٠، قام تشارلز تاز رصل المشرف على عمل الكرازة بالملكوت آنذاك بإرسال وليَم و. جونستون، اخ رزين يُعتمَد عليه من غلاسكو في اسكتلندا، ليساعد الاخوة في نياسالَند (ملاوي اليوم). ومن المؤسف ان الاشخاص القليلين الذين سبقوه، سواء من الاجانب او من اهل البلد، حرّفوا حقائق الاسفار المقدسة فيما سعوا الى ترويج مصالحهم الانانية. وفي السنوات التالية، قَدِم الى روديسيا الشمالية (زامبيا اليوم) كارزون ورعاة مزعومون روّجوا مزيجا يروق الناس من التعاليم الدينية ووعود التحرير والممارسات النجسة. وفي حين كان الاخ جونستون يساعد الذين في نياسالَند، واصفا اياهم بأن «لديهم رغبة قوية في معرفة كلمة اللّٰه بشكل اعمق»، لم يولِ المقاطعات الواقعة غربا (زامبيا) إلا القليل من اهتمامه المباشر. صحيح ان مطبوعات الكتاب المقدس كانت تصل الى روديسيا الشمالية بالبريد وبواسطة اشخاص انتقلوا اليها من اجل العمل، لكنّ عمل الكرازة بالملكوت في تلك السنوات بقي الى حد بعيد دون اشراف.
فترة من الارتياب
ساد الارتياب اوائل عشرينات القرن العشرين. فالحركات المحلية المدعوة «حركات برج المراقبة» لعبت دورا كبيرا في تشكيك الناس في الخدمة المسيحية الحقيقية التي قام بها خدام اللّٰه. وقد أُخبِر عن تبادل الزوجات وأعمال خاطئة اخرى ارتُكِبت بين اشخاص يعرفون القليل عن حق الكتاب المقدس ويدّعون باطلا انهم من تلاميذ الكتاب المقدس، كما دُعي شهود يهوه آنذاك. ولكن، كما يبدو، كانت هنالك فِرَق كثيرة تلتصق بإخلاص بمبادئ الكتاب المقدس وتكرز بغيرة، الامر الذي برهن انها تعمل بموجب الحق.
كان من الصعب تمييز الاشخاص المهتمين جدِّيا بخدمة اللّٰه. ولكن سنة ١٩٢٤، وصل الى مكتب تلاميذ الكتاب المقدس في كَيب تاون بجنوب افريقيا بريطانيان هما توماس والدر وجورج فيلپس. فطاف الاخ والدر، رجل في اوائل ثلاثيناته، في روديسيا الشمالية وروديسيا الجنوبية ليحدِّد هوية الاشخاص المرتبطين باسم برج المراقبة. وفي السنة التالية عُيِّن وليَم دوسن من اوروبا لزيارة الفِرَق النامية. وقد ذكر ان بعض الرعاة المزعومين كانوا يعمِّدون بحماسة اشخاصا كثيرين يفتقر معظمهم الى فهم وتقدير حق الكتاب المقدس. كما كتب لاحقا لولِن فيلپس (لا يمت بصلة قرابة الى جورج فيلپس): «بات جليّا ان الاكثرية الساحقة كانوا كشعب نينوى ‹لا يعرفون يمينهم من يسارهم›». (يونان ٤:١١) فكثيرون كانوا مخلصين، ولكن بسبب عدم توفر المطبوعات باللغات المحلية صَعُب على الناس ان يفهموا الحق. وعندما فشلت المحاولات المتكررة للحصول على ترخيص من الدولة بالاشراف الدائم على العمل، اتَّخذ المكتب في كَيب تاون القرار ان يحدّ من الكرازة العلنية والمعموديات. وكتب الاخ والدر رسالة الى فِرَق المهتمين حاضًّا اياهم على العمل بموجب هذا الترتيب المؤقت ريثما يُعيَّن ممثِّل دائم لتلاميذ الكتاب المقدس. غير انه لم يثنِ عن درس الكتاب المقدس والاجتماع معا من اجل العبادة.
الكرازة على طول خط السكة الحديدية
طوال قرون استخدمت الشعوب المحلية احتياطي النحاس الموجود على سطح الارض في مجال التزيين وصنع المعدات. وفي اواسط عشرينات القرن العشرين، بدأت شركة جنوب افريقيا البريطانية تستثمر الاحتياطي الهائل المخبأ في باطن الارض. ولم تكن هذه الشركة تسيطر على المقاطعة فحسب، بل ايضا تحتكر حقوق التعدين. فنشأت الحاجة الى عمال. وهكذا نزح الآلاف من الارياف الى البلدات والمدن الحديثة العهد والواقعة على طول خط السكة الحديدية الذي كان الهدف منه اصلا ان يربط كَيب تاون بالقاهرة.
يتذكر جيمس لوكا موانڠو: «كان تأسيس الفِرَق، كما دُعيَت الجماعات آنذاك، يختلف كثيرا عما يحدث اليوم. وقبل سنة ١٩٣٠، كانت الاجتماعات التي تُعقَد لدرس الكتاب المقدس تقتصر على الفِرَق الصغيرة. وكان بعض المهتمين على اتصال بمكتب كَيب تاون، في حين ارسل آخرون طلبات المطبوعات الى بروكلين مباشرة. وبما ان المطبوعات كانت باللغة الانكليزية، صَعُب على كثيرين ان يفهموا الحق بالطريقة الصحيحة». لكنّ هذه الفِرَق احرزت تقدُّما رغم كونها صغيرة عموما. كما حوّلت اهتمامها الى عمل التبشير المنظم فأصبحت اكثر غيرة وتصميما على الاشتراك فيه. إلا ان ذلك لم يمرّ دون ان يلاحظه رجال دين العالم المسيحي.
حملة قمع
بحلول ايار (مايو) ١٩٣٥، كانت الفِرَق الدينية المهيمنة تطالب بإلحاح بتعديل قانون العقوبات في روديسيا الشمالية، بحيث يُعتبَر استيراد وتوزيع ما وُصِف بالمطبوعات المثيرة للفتنة جرما خطيرا. ومن الجدير بالذكر ان الذين يقررون ما هو مثير للفتنة او هدام يكونون تحت تأثير قناعاتهم السياسية او الدينية. وكما تبيّن لاحقا، كان المقاومون دون شك يبحثون عن ذريعة لحظر عمل شهود يهوه.
عندما اثار الاعلان عن ضرائب جديدة اعمال الشغب في المجتمعات التي تعمل في التعدين، اعتبر المقاومون ذلك فرصة لاتِّهام الشهود بأنهم مناهضون للدولة. وكان الشهود قد عقدوا محفلا في لوساكا في وقت سابق من الشهر نفسه. فادّعى المقاومون كما يظهر ان المحفل الصغير مرتبط بطريقة ما بالاضطرابات التي حدثت في منطقة تبعد اكثر من ٣٠٠ كيلومتر شمالا. يتذكر طومسون كانڠاليه الذي كان شابا في ذلك الوقت: «ادركنا ان المشاكل تلوح في الافق. لذلك عوض الانهماك في الكرازة، قرّرنا ان نبقى داخل البيت ونتمرّن على ترانيم الملكوت. وقد عرفنا انه لا ينبغي ان نشارك في الاضرابات او اعمال العنف». مع ذلك اعتُقِل بعض الاخوة وأُرغِموا في بلدات عديدة على ترك بيوتهم، كما صودِرت او أُتلِفت مطبوعات الكتاب المقدس التي يملكونها. فضلا عن ذلك، اصدر الحاكم بيانا يحظر ٢٠ مطبوعة من مطبوعاتنا.
عُيِّنت ايضا لجنة تحقيق لتقصّي اسباب الاضطرابات. وقد اعترف المفوض الحكومي في المنطقة الاكثر تضررا: «شهود يهوه وجمعية برج المراقبة بشكل عام لم يشاركوا في الاضراب». فلم يتورّط ايّ شاهد ليهوه في اعمال الشغب. لكنّ كتاب المسيحيون في منطقة حزام النحاس (بالانكليزية) ذكر: «لجنة التحقيق . . . قبلت الكثير من الادعاءات الخطيرة معتمدةً على براهين واهية جدا. وبناء على تقريرها، حُظِرت مطبوعات شهود يهوه. وقد شنّ الزعماء [القبليّون] في بعض المناطق حملات قمع قوية، كما احرقوا اماكن الاجتماعات التابعة لبرج المراقبة».
في تلك الاثناء، لجأ مكتب كَيب تاون مرارا الى الوزير البريطاني المسؤول عن المستعمرات ملتمسا ان «يُسمَح [للشهود] بممارسة حقوقهم المعطاة من اللّٰه بأن يعبدوا يهوه اللّٰه كما يمليه عليهم ضميرهم دون ايّ تدخل». وطالبوا ايضا بوجود مكتب دائم وبتعيين ممثِّل، وقد بارك يهوه جهودهم. ففي آذار (مارس) ١٩٣٦، وافق الوزير البريطاني على تأسيس مكتب في لوساكا وتعيين لولِن فيلپس ممثِّلا.
المطالب الاربعة
كان تأسيس المكتب في لوساكا انتصارا مهمًّا. غير ان الحاكم امتنع عن منح شهود يهوه الاعتراف الشرعي كهيئة دينية ريثما تُقدَّم أدلة كافية تُظهر ان الجماعات تخضع لإشراف منظّم. وفي السنوات التالية، عمل الاخ فيلپس بنشاط مع الاخوة الامناء على مساعدة وتقوية الاشخاص المخلصين وطرد مروِّجي الممارسات التي تخالف الاسفار المقدسة. كما نال الفاتحون التدريب في المسائل العقائدية والادبية والتنظيمية، ثم شرعوا يساعدون الفِرَق والجماعات.
تحدّث احد الاخوة عن هذه الفترة، قائلا: «كانت سنة ١٩٤٠ السنة الافضل في نظر الناشرين في زامبيا. ففي هذه السنة سُمِح مجددا بالمعمودية بعد ان مُنِعت سنة ١٩٢٥».
يتذكر جيمس موانڠو: «كان يلزم آنذاك ان يتعلم تلميذ الكتاب المقدس عمّا سمّيناه المطالب الاربعة قبل السماح له بالمعمودية. وبعد ذلك كان يسأله عن معناها الاخ الذي يتولى المعمودية او اخ آخر يعيّنه خادم الفرقة. وكان المطلب الاول سماع الحق، الثاني التوبة، الثالث تعلُّم كلمة اللّٰه، والرابع الانتذار. وعندما يفهم التلميذ جيدا هذه المطالب الاربعة يصبح بإمكانه ان يعتمد. لقد اتُّبع هذا الاجراء للتأكد ان الذين يجري تغطيسهم يدركون جدّية الخطوة التي يقدمون عليها».
حظر المطبوعات
خلال الحرب العالمية الثانية بشكل خاص، اساء الرسميون الحكوميون فهم حياد الشهود معتقدين انه معارضة لسياسة التجنيد التي اتبعتها الحكومة. وفي كانون الاول (ديسمبر) ١٩٤٠، اتسعت لائحة المنشورات المحظورة لتشمل جميع المطبوعات التي اصدرها شهود يهوه. كما حُظِر ادخال مطبوعاتنا الى البلد. وفي ربيع سنة ١٩٤١، وجهت الحكومة انذارا الى الناس بتسليم ما يملكونه من مطبوعات لبرج المراقبة وإلّا تعرّضوا للمقاضاة وربما للسجن.
يتذكر سولومون لييَامبيلا الذي خدم كناظر جائل وحضر لاحقا مدرسة جلعاد: «كنا نخبِّئ المطبوعات في زوارق في نهر زمبيزي ونربط الكتب الى الجهة السفلية للسرير، حتى اننا اخفينا بعضها في مخزون الدُّخن ودقيق الذرة».
ويخبر اخ آخر: «كان علينا ان ندفن كتبنا في الارض. لكنّ الكتاب المقدس البيريّ الذي قدّرناه كثيرا لم يكن محظورا، لذلك لم نضطر الى اخفائه. لكننا فقدنا كتبا عديدة اذ اكل النمل الابيض بعضها وسلب السارقون البعض الآخر. ولأننا ترددنا على الاماكن حيث دفنّا الكتب، ظن السارقون اننا نخفي هناك اشياء نفيسة. أذكر انني ذهبت ذات يوم لأدرس في الدغل، فوجدت كتبنا مبعثرة. فجمعناها وخبّأناها مجددا في مكان آخر».
وجّه لولِن فيلپس بجرأة شكوى الى الحاكم بشأن المطبوعات المحظورة. وإذ كان الاخ فيلپس قد زُجّ في السجن في وقت سابق من تلك السنة لرفضه تأدية الخدمة العسكرية، حُكِم عليه ان يبقى مسجونا ستة اشهر اضافية. قال متطوع خدم وقتيا في مكتب لوساكا: «زارنا مرارا اشخاص من قسم التحقيقات الجنائية، وغالبا ما كان الاخ فيلپس يُستدعى الى مركز الشرطة». مع ذلك، استمر الاخ فيلپس يشجع الجماعات على التنظيم الجيد ويبث فيها روح الغيرة. وعندما اصبح هنالك اخوة اكفاء، دُرِّبوا وأُرسِلوا للعمل كخدام جائلين. فساهموا في بلوغ ذروة قدرها ٤٠٩,٣ ناشرين سنة ١٩٤٣.
تقدُّم متواصل نحو حريات اكبر
بعد الحرب، طالب فرعَا شهود يهوه في بريطانيا وجنوب افريقيا وزارة المستعمرات في لندن بالترخيص لمطبوعاتنا. ولدى تسلُّم الحكومة عريضة وقّعها اكثر من ٠٠٠,٤٠ شخص تعبيرا عن تأييدهم للعمل التعليمي الذي يقوم به شهود يهوه، حذفت بعض المطبوعات من لائحة المنشورات المحظورة. غير ان مجلة برج المراقبة بقيت تحت الحظر.
في كانون الثاني (يناير) ١٩٤٨، زار البلد للمرة الاولى ناثان نور ومِلتون هنشل من المركز الرئيسي لشهود يهوه في بروكلين. وبعد حضورهما محفلا في لوساكا دام اربعة ايام، اجتمعا بوزير الشؤون القومية والمدعي العام اللذين اخبراهما ان القيود المتبقية ستُرفَع قريبا. وكم فرح الاخوة عندما اصبح اخيرا عمل شعب يهوه معترَفا به شرعيا! وفي ١ ايلول (سبتمبر) ١٩٤٨ تأسس مكتب فرع جديد باسم شهود يهوه لا جمعية برج المراقبة. وقد اصبحت السلطات والسكان، حتى الاخوة انفسهم، يميِّزون بوضوح بين شهود يهوه وأتباع فِرَق «برج المراقبة» المحلية التي لا تمت الى الشهود بأية صلة.
خلال السنوات الاربعين السابقة، قام الخصوم الدينيون الذين قلّما اهتموا بتعليم الناس ليصيروا تلاميذ للمسيح بتركيز جهودهم على هدم ايمان مَن استمعوا الى البشارة. كما شوَّهوا صورة شهود يهوه بوصفهم اياهم ‹بالمخادعين›. فكان على الشهود طوال فترة طويلة ان يبرهنوا انهم اشخاص صادقون يخدمون اللّٰه. (٢ كورنثوس ٦:٨) وإذ توقعوا نيل حريات اكبر بعد الحرب، صنعوا ترتيبات مشجعة للاهتمام بالزيادات في الفترة المقبلة.
الخدمة الارسالية
«ان احد الاوجه المكافئة للخدمة الارسالية هو ان يرى المرء كيف يستخدم يهوه رجالا ونساء من كل الشعوب لإنجاز قصده. ومن المفرح رؤية التقدير الذي يُظهِره اولئك الذين ينالون المساعدة الروحية»، كما ذكر إيان (جون) فِرْڠَسُن الذي خدم في زامبيا سنوات كثيرة. ففي حين يكون مرسَلو الاديان الاخرى منشغلين في الغالب بمسائل اجتماعية واقتصادية، يركِّز مرسَلو شهود يهوه على تلمذة اناس ليصيروا مسيحيين. وإذ يتمم هؤلاء المرسَلون هذا التفويض الالهي، يقدِّمون الدليل على امتلاكهم «محبة بلا رياء». — ٢ كورنثوس ٦:٦.
وثمة اشخاص هم خير مثال للروح الارسالية مثل وليَم جونستون الذي قَدِم الى افريقيا الجنوبية قبل سنوات قليلة من نشوب الحرب العالمية الاولى وتنقل في كل ارجاء المنطقة. وهنالك ايضا پيت دو ياهِر وپاري وليمز وغيرهم ممن وصلوا في اوائل سنة ١٩٢١ الى سولزبوري (هاراري اليوم)، عاصمة روديسيا الجنوبية (زمبابوي) المجاورة لزامبيا. وفي اواسط عشرينات القرن الـ ١٩، وجّه جورج فيلپس، توماس والدر، ووليَم دوسن اهتمامهم الى روديسيا الشمالية. فضلا عن ذلك، يوجد اشخاص وُلِدوا في روديسيا الشمالية ولكنهم التقوا تلاميذ الكتاب المقدس اثناء عملهم في الخارج، فعادوا اليها لنشر ‹البشارة بالخيرات›. (روما ١٠:١٥) فقد ساهم مَناسا نكوما وأوليفر كابونڠو الى حد بعيد في نشر البشارة في تلك الايام الباكرة. وفي منجم فحم وانكي (هوانڠي اليوم) بشمال زمبابوي التقى جوزف موليموا من زامبيا بتلاميذ الكتاب المقدس، وقد خدم لاحقا بأمانة في زامبيا الغربية. كما خدم فْرِد كابومبو كأول ناظر جائل في تلك المنطقة. وهؤلاء الاخوة كانوا روادا حقيقيين بذلوا جهودا حثيثة لبلوغ الاماكن التي بالكاد وصلتها البشارة او التي لم يُكرَز فيها قط، ووضعوا اساسا متينا للنمو في المستقبل.
مع اقتراب نهاية الحرب العالمية الثانية، لبّى تشارلز هوليداي من جنوب افريقيا دعوة وجّهها اليه جورج فيلپس في مكتب كَيب تاون لزيارة فِرَق المهتمين في المقاطعة الغربية. فاصطحب الاخ هوليداي احد الاخوة المحليين ليكون مترجما له، وسافرا كلاهما في قطار مُحمَّل خشبا، في زورق، وفي سيارة صغيرة تسير على سكة حديدية وتُشغَّل باليد. وعندما وصلا الى سِنانغا، بلدة صغيرة تقع على مسافة نحو ٢٥٠ كيلومترا شمالي شلالات فيكتوريا، رحّب بهما جمع غفير. وقد تكبّد البعض مشقة السفر اياما عديدة ليصلوا الى البلدة اذ كانوا متشوقين الى سماع هذا الزائر وهو يوضح حقائق الكتاب المقدس.
وصول مرسلي جلعاد
وصل الى زامبيا سنة ١٩٤٨ مرسلان هما هاري ارنوت وإيان فِرْڠَسُن. وكان الاخوة آنذاك يوجهون اهتمامهم الى آلاف الاوروبيين الذين انتقلوا الى هذا البلد لأسباب ترتبط بعمليات تعدين النحاس. وكان التجاوب مبهجا، فقد شهدت تلك السنة زيادة بنسبة ٦١ في المئة في عدد الشهود النشاطى في خدمة الحقل.
وفي اماكن كثيرة، كان من الشائع ان يعدّ المرسلون لوائح انتظار بالاشخاص الذين ارادوا دروسا في الكتاب المقدس. وقد حصل مكتب الفرع على شاحنة صغيرة عمرها عشر سنوات تحمل ماركة دودج. فاستعمل هذه الشاحنة مرسلان يخدمان كناظرَين جائلَين للوصول الى اماكن خارج المراكز الصناعية. ذكر تقرير من الفرع: «كانت [الشاحنة] مفيدة جدا رغم انها عادت احيانا الى مكتب الفرع على ثلاث عجلات او جارّة وراءها نصف هيكلها».
بحلول سنة ١٩٥١، كان في البلد ستة مرسلين. وفي كانون الاول (ديسمبر) ١٩٥٣، وصل ستة آخرون كانوا على استعداد لتقديم المساعدة، بينهم ڤالورا وجون مايلز اللذان خدما في زامبيا ست سنوات قبل انتقالهما الى زمبابوي ثم الى ليسوتو. وفي السنوات التالية وصل المزيد من المرسلين: جوزف هوريلَك، جون وإيان رانتن، يوجين كينستشوك، پول اوندايكو، پيتر وڤيرا پاليسر، أيڤِس مورڠان، وغيرهم. وقد بذل جميع هؤلاء جهودا حبية في عملهم، فكان من الضروري ان يقدِّموا التضحيات ويصنعوا التعديلات لكي يكونوا فعالين في خدمتهم الخصوصية.
«لا يزال طفلا!»
«كنت على ثقة من وجود خطإ ما». هذا ما قاله واين جونسون متذكِّرا المشاعر التي اعترته لدى تعيينه للخدمة في زامبيا. تخرّج واين من الصف الـ ٣٦ لمدرسة جلعاد، ووصل الى زامبيا برفقة إيرل آرتشِبولد في اوائل سنة ١٩٦٢. واليوم بعد ان اصبح خادما جائلا في كندا ترافقه زوجته ڠريس، يتذكر تلك الايام قائلا: «كنت بعمر ٢٤ سنة فقط، وبدوت ايضا اصغر سنًّا من ذلك. وفيما كنت اتعلم لغة تْشيتشايوا، سمعت الاخوات يهمسن بلغتهن حين رأينني للمرة الاولى: ‹لا يزال طفلا!›».
يقول واين: «ادركت انه علي ان اتكل كثيرا على يهوه وهيئته». ويضيف: «اردت ان يعرف الجميع انني، انسجاما مع روح الكلمات في الاعمال ١٦:٤، كنت فقط انقل الارشادات والمعلومات التي اعدّها يهوه وهيئته. كما حاولت ان اتصرف بطريقة مقبولة في نظر الآخرين. واليوم، عندما افكر في الماضي، لا ازال اتساءل كيف مُنِحت هذا الامتياز العظيم».
الترحيل
كانت ستينات وسبعينات القرن العشرين سنوات حافلة بالتغييرات. فقد اجتاحت البلاد من حين الى آخر موجة من الاضطهاد. وبعد نيل زامبيا استقلالها سنة ١٩٦٤، واجه الاخوة صعوبات متزايدة بسبب تحية العلم والنشيد الوطني. وفي اواخر ستينات القرن العشرين، اعتبر بعض السياسيين ان تأثير المرسلين مناهض لأهداف الحكومة. يوضح تقرير للفرع ما حدث آنذاك: «باكرا في صباح ٢٠ كانون الثاني (يناير) ١٩٦٨، بدأ النظار في معظم الجماعات الناطقة بالانكليزية يتصلون هاتفيا بمكتب الفرع لإبلاغه انهم تلقّوا اوامر بالترحيل. وهذه الاوامر لم تشمل شهود يهوه الاجانب فحسب، بل ايضا مواطنين زامبيين، بينهم جورج مورتون وأيزاك شيپونڠو».
وتسارعت الاحداث بعد ذلك. فعند الساعة العاشرة من صباح اليوم نفسه، جاء الى مكتب الفرع رجال شرطة من دائرة الهجرة لتسليم اوامر الترحيل لخمسة ازواج من المرسلين. يتذكر المرسَل فرانك لويس: «سرعان ما وجدناهم واقفين عند الباب الامامي من مكتب الفرع. وكان قد تقرَّر مسبقا ان يغادر الاخوة المرسلون من الباب الخلفي منطلقين الى بيت احد الاخوة لتطبيق الاجراءات المقرّر تنفيذها عند مواجهة الحظر. ولكننا ترددنا في المغادرة لأن اختا مرسلة في الطابق العلوي كانت مريضة جدا بالملاريا. غير ان الاخوة المحليين اصرّوا ان نغادر، واعديننا بالاهتمام بها. وكنا على ثقة من انهم سيفون بوعدهم.
«كم بدا غريبا ان نقرأ في صحيفة تايمز اوف زامبيا ان برج المراقبة، كما سمّونا، اصبحت الآن تحت الحظر وأن ‹قادتها› مختبئون! لقد اوردت الصحيفة اسماءنا في الصفحة الاولى، وأضافت ان السلطات تبحث عنا في البلدة من بيت الى بيت. اما الاخوة المحليون الذين بقوا في المكتب فقاموا بمهمة رائعة. فقد نقلوا الملفات والمطبوعات الى اماكن مختلفة. وعند انجاز ذلك، عدنا الى الفرع في اليوم التالي لنسلِّم انفسنا».
تمركز حارس من الشرطة عند مكتب الفرع، وسرعان ما سُلِّمت اوامر الترحيل لبعض المرسلين وغيرهم من الخدام ذوي الجنسيات الاجنبية. اوضح الاخ لويس: «كنا بين آخر الذين غادروا». وأضاف: «لا نزال نشعر بغصّة في حلقنا عندما نفكر في فريق الاخوات اللواتي لم نتعرف بهن شخصيا ولكنهن اتين من كالولوشي مع اولادهن مشيا على الاقدام، قاطعين مسافة ٢٥ كيلومترا ليودِّعونا ويصافحونا!».
موجة ترحيل ثانية
مرت فترة طويلة من الزمن بعد تلك الاحداث. وفي يوم من ايام سنة ١٩٧٥، وصلت الشرطة فجأة. كان ألبرت موسوندا البالغ من العمر ٢٢ سنة يعمل كمتطوع في قسم المحاسبة ببيت ايل. قال الاخ موسوندا الذي اصبح الآن عضوا في لجنة الفرع في زامبيا: «اعطوا المرسلين مهلة تقلّ عن يومين لمغادرة البلد».
ويضيف جون جايسن: «في كانون الاول (ديسمبر) ١٩٧٥، تلقينا رسالة موجزة من دائرة الهجرة أُمرنا فيها بمغادرة البلاد في غضون ٣٦ ساعة». فاستُعين بمحامٍ محلي لتقديم طلب رسمي بإعادة النظر في المسألة. وهكذا مُدِّدت المهلة بحيث أُتيح للمرسلين ان يجمعوا بعض مقتنياتهم الشخصية. يتابع الاخ جايسن: «بعد ذلك كان علينا ان نترك شعبا احببناه كثيرا».
وتتذكر دايلَس، زوجة ألبرت: «رافقْنا اخوتنا الى مطار ساوثداون لتوديعهم. فاستقل جون جايسن الطائرة الى كينيا، في حين ذهب إيان فِرْڠَسُن الى اسبانيا». فما الذي سبَّب موجة الترحيل الثانية هذه؟
اعتبر كثيرون ان محفل سنة ١٩٧٥ هو القشة التي قصمت ظهر البعير. فقد «كان احد اكبر المحافل التي انعقدت في تلك الفترة العصيبة. وحضره ما يزيد على ٠٠٠,٤٠ شخص»، كما يذكر جون جايسن. لكنّ اجتماعا سياسيا صادف ان عُقِد في مكان مجاور. ودعا بعض الحاضرين في هذا الاجتماع الى اتخاذ اجراء صارم ضد شهود يهوه بسبب حيادهم في الشؤون السياسية. فقد عُزِي انخفاض عدد الحضور في هذا الاجتماع السياسي الى محفل شهود يهوه، كما يقول الاخ جايسن.
عودة المرسلين
لم يُسمَح للمرسلين بالدخول مجددا الى زامبيا إلا بعد مرور عشر سنوات. وقد تميّزت ثمانينات القرن العشرين بتخفيف القيود وبمزيد من الاستقرار السياسي. ففي سنة ١٩٨٦، قَدِم من غامبيا ادوارد فينتش وزوجته. وكان المزيد من المرسلين سيأتون ايضا، بينهم ألفرد وهيلين كِي، وديتمار وسابين شْميت.
وفي ايلول (سبتمبر) ١٩٨٧، وصل دارِل وسوزان شارپ من زائير (جمهورية الكونغو الديموقراطية اليوم) عبر جنوب افريقيا. لقد تخرّجا من جلعاد سنة ١٩٦٩ وانخرطا في العمل الجائل في كل انحاء الكونغو. وكانا معتادَين على الحياة في وسط افريقيا. ودارِل هو رجل قوي البنية بدأ خدمته الخصوصية كامل الوقت منذ اكثر من ٤٠ سنة. يقول: «كان بيت المرسلين الذي سكنّا فيه سنوات عديدة يقع على مسافة قصيرة من الحدود في لوبومباشي، وكنا نسافر بانتظام الى زامبيا».
وتُعاود سوزان ذكريات حية عن تلك الفترة. فهي تقول: «بسبب المجاعات التي ألمّت بالكونغو في اوائل سبعينات القرن العشرين، كان علينا الذهاب الى زامبيا كل بضعة اشهر للتموُّن». وتضيف: «في اوائل سنة ١٩٨٧، طلبت الهيئة الحاكمة منا ان نغادر الكونغو للخدمة في تعيين آخر. اين؟ في زامبيا!». وبسبب القيود الاضافية التي فُرِضت على نشاط الزوجين شارپ في الكونغو، افرحهما كثيرا الانتقال الى بلد يحظى فيه الاخوة بحرية دينية متزايدة.
ولكن كان يلزم صنع بعض التعديلات في خدمة الحقل وفي الفرع. فبسبب الحظر الجزئي الذي فُرِض على الخدمة العلنية، كان معظم الاخوة يقومون فقط بعقد دروس في الكتاب المقدس. وكانت فكرة الكرازة جهرا من بيت الى بيت — وجه اساسي للخدمة العلنية التي يقوم بها شهود يهوه — غير مألوفة لدى ناشرين كثيرين، حتى انها جعلتهم يشعرون بالارتباك. لهذا السبب شُجِّع الاخوة ان يصيروا اكثر جرأة في عمل الكرازة من بيت الى بيت، وخصوصا لأن الحالة في البلد اصبحت اقل توترا ولم تعد نشاطاتنا تهمّ الشرطة.
المضي قدما دون تراجع
قلقت لجنة الفرع بشأن توقف النمو اثناء سبعينات القرن العشرين. فبسبب التقاليد المحلية، صعُب على الاخوة ان يدرسوا مع اولادهم. وبما ان الشهادة من بيت الى بيت كانت محظورة، اصبح من الشائع ان يرتب الوالدون ليدرس مع اولادهم ناشرون آخرون. وكان هؤلاء الوالدون بدورهم يدرسون مع اولاد غيرهم من الاخوة. لكنّ الوقت كان قد حان لاتخاذ قرارات جريئة. فشُجِّع الناشرون في السنوات التالية على نبذ التقاليد والممارسات غير المؤسسة على الاسفار المقدسة. وكانت الجماعات تنال البركات عند تجاوبها مع هذا التشجيع. وقد بذل الاخوة جهودا دؤوبة لجعل حياتهم على انسجام مع مبادئ الكتاب المقدس ومع معشر الاخوة العالمي.
في السنوات الخمس التي تلت موجة الترحيل عام ١٩٧٥، انخفض عدد الناشرين بنسبة ١١ في المئة تقريبا. بالمقابل، اثناء السنوات الخمس التي تلت عودة المرسلين عام ١٩٨٦، ارتفعت ذروة الناشرين بنسبة تزيد على ٥٠ في المئة. ومنذ تلك السنة اصبح عدد الناشرين النشاطى اكثر من ضعفين.
قال ناظر جائل سابق يدعى سيلاس شيڤْوِيكا في رسالة وجهها الى الفرع: «منذ خمسينات القرن العشرين فصاعدا، ساعد المرسلون المدرَّبون في جلعاد الآخرين على التقدم الى النضج. وكان هؤلاء المرسلون كثيري الصبر، التفهُّم، واللطف. وباقترابهم الى الناشرين ادركوا ما يلزم تقويمه». وهذه المساعدة الحبية العديمة الرياء التي يقدِّمها المرسلون لا تزال تحفز النمو المتزايد الذي نشهده اليوم.
الكلمة المطبوعة
يبرهن شهود يهوه العصريون انهم خدام اللّٰه باستخدامهم «اسلحة البر في اليد اليمنى واليسرى»، كما فعل بولس ورفاقه. (٢ كورنثوس ٦:٧) فهم يشنون حربا روحية متسلحين على الدوام «بأسلحة» بارة او وسائل بارة لترويج العبادة الحقة.
في الايام الباكرة، كانت مطبوعاتنا متوفرة باللغة الانكليزية فقط. ورغم ان البعض في افريقيا الجنوبية اشتركوا في برج المراقبة في وقت باكر (سنة ١٩٠٩)، يُعزى انتشار حق الكتاب المقدس الى الكرازة الشفهية. ذكر اخ عاش في تلك الفترة: «في كل قرية يوجد [مكان لقاء] لسماع قضايا تهمّ الناس. وهناك كان الاخ الجائل يقرأ الفقرات بالانكليزية ويترجمها الى اللغة المحكية بأسلوب يسهل فهمه. كما جرت مناقشة الاسئلة التي طُرحت». لكنّ نقل الحقائق بدقة يعتمد الى حد بعيد على مقدرة ودوافع الشخص الذي يقوم بالترجمة. لذلك برزت الحاجة ان تكون مطبوعات الكتاب المقدس متوافرة بشكل منتظم ودائم بلغة الاشخاص المهتمين بغية تعزيز الوحدة وترويج المعرفة الدقيقة.
المطبوعات تصبح متوفرة
شهدت اوائل ثلاثينات القرن العشرين صدور كتاب قيثارة اللّٰه وبعض الكراريس بلغة تْشيتشايوا. وبحلول سنة ١٩٣٤، كان العدد القليل من الناشرين النشاطى قد وزّعوا اكثر من ٠٠٠,١١ مطبوعة، امر ازعج المقاومين الذين كانوا لاحقا سيختلقون «المتاعب بمرسوم». (مزمور ٩٤:٢٠) رغم ذلك، مع انتهاء سنة ١٩٤٩ حين لم تعد مجلة برج المراقبة تحت الحظر، كانت طبعة شهرية باللغة السيبمبية تُنسَخ وتُرسَل بالبريد الى المشتركين.
يتذكر جوناس مانجوني عمله في المجلة في اوائل خمسينات القرن العشرين، قائلا: «عملت وحدي في الترجمة الى اللغة السيبمبية». ويضيف: «كنت اتسلم النسخة الانكليزية، اترجمها، وأصحِّح اخطائي. ثم اطبعها مجددا على الستانسِل وأصنع نُسخا منها. لقد استغرق ذلك وقتا طويلا؛ ففي بعض الاحيان لزم صنع ٠٠٠,٧ نسخة من كل عدد. وكنت انتج كل مجلة يدويا وأثبِّت اوراقها معا بالدبّاسة، ثم أرسل المجلات بالبريد الى الجماعات. كما ان وضع الطوابع البريدية على لفائف المجلات وأخذها الى مكتب البريد في صناديق كرتونية كان مهمة شاقة».
في تلك الايام، كانت التكنولوجيا محدودة. غير ان الذين اشتغلوا في الترجمة اظهروا التفاني في عملهم، مدركين الفوائد الناتجة منه. على سبيل المثال، فيما كان جيمس موانڠو منشغلا بالعمل الجائل، عمل ايضا في الترجمة، مدوِّنا ترجمته على ضوء الشمعة في معظم الاحيان. قال: «لم اشعر بالتعب الى حد يعيقني عن القيام بهذا العمل». وأضاف: «سرّني ان اعرف ان جهودي ساهمت في تزويد اخوتي بالطعام الروحي وساعدَتهم على التقدم الى النضج».
«تبادل الايادي»
يتطلب نقل الحق بالشكل الصائب ان يفهم المترجم بدقة ليس فقط لغته الأم بل ايضا النص الانكليزي. قال آرون ماپولانڠا: «في الترجمة، هنالك عبارات يختلف معناها عن المعنى الحرفي الذي تنقله الكلمات. أذكر مناقشة دارت بيننا حول عبارة انكليزية في احدى المطبوعات تعني حرفيا ‹تبادل الايادي› وتشير الى انتقال المسؤوليات من ايليا الى أليشع. لقد ترجم احد الاخوة هذه العبارة بشكل حرفي. لكنني شككت في ما اذا كان هذا معناها الحقيقي. وبعد التشاور مع اخوة آخرين، ادركنا معناها الصحيح. أذكر ايضا اننا نُصحنا ألا نترجم بشكل حرفي — كلمة مقابل كلمة — لئلا يكون اسلوبنا شبيها بأسلوب اللغة الانكليزية. فبذلنا الجهد لنتجنب الترجمة الحرفية ونتبع اسلوب اللغة التي نترجم بها».
التكنولوجيا تسهّل العمل
منذ سنة ١٩٨٦، اصبح نظام التنضيد التصويري الالكتروني المتعدِّد اللغات متوفرا في مكاتب الفروع. وقد ساهم هذا النظام كثيرا في تسريع الترجمة والتدقيق وجمع الحروف. بعد ذلك، صار يُستخدَم على نطاق واسع برنامج «نظام برج المراقبة للترجمة» والادوات المساعدة على الترجمة. واليوم، هنالك فِرَق تقوم بالترجمة الى عدد من اللغات المحلية الرئيسية، وهي تزوِّد مطبوعات مؤسسة على الكتاب المقدس يفهمها معظم الزامبيين. وستلعب ترجمة العالم الجديد وغيرها من «اسلحة البر» باستمرار دورا فعالا في مساعدة ذوي القلوب المستقيمة على نيل المعرفة عن يهوه. — ٢ كورنثوس ٦:٧.
مساعدة اللاجئين
ينعم كثيرون في افريقيا بحياة سعيدة وهادئة. ولكن من المحزن ان المزيد والمزيد من الناس يُبتلون بالحروب. فبين ليلة وضحاها، يصبح الجيران اعداء، يُضطر الابرياء الى الفرار من منازلهم، وتُدمَّر المجتمعات. فيبحث اللاجئون عن ملاذ آمن بعدما تخلّوا عن كل ما لديهم باستثناء القليل من المقتنيات المادية التي يحملونها معهم. هذا ما يختبره ملايين الافارقة اليوم.
في آذار (مارس) ١٩٩٩، تدفّق آلاف الناس على زامبيا هربا من النزاع في جمهورية الكونغو الديموقراطية. وكما يحدث في حروب كثيرة، قامت القوات العسكرية المتقدِّمة بنهب الممتلكات وأجبرت الرجال على حمْل احمال ثقيلة وأساءت معاملة النساء والاولاد. وبما ان شهود يهوه أبَوا نَقْل السلاح، أُذِلّ كثيرون منهم وضُرِبوا بوحشية. يتذكر كاتاتو سونڠا، وهو فاتح عادي غيور في اواسط خمسيناته: «ارغموني على التمدد ارضا على مرأى من النساء والاولاد وجلدوني حتى فقدت الوعي».
وبغية تجنب هذه المعاملة السيئة، لاذت عائلات كثيرة بالفرار. فأضاع ماپينڠو كيتامبو ابناءه أثناء هربهم في الادغال. يوضح: «لم يكن لدينا وقت للبحث عن احد. فما كان منا إلا ان تابعنا سيرنا رغم قلقنا الشديد على احبائنا». وقد اجتاز كثيرون مئات الكيلومترات سيرا على الاقدام او راكبين الدراجات بغية الوصول الى برّ الامان.
غصّت بلدة كاپوتا الصغيرة باللاجئين، وكان بينهم نحو ٠٠٠,٥ شخص من الاخوة وعائلاتهم الذين انهكتهم الرحلة الطويلة والمضنية. لكنّ ناشري الملكوت المئتين الساكنين في البلدة اظهروا بفرح الضيافة المسيحية لإخوتهم وأخواتهم رغم انهم لم يكونوا مهيأين لاستقبال اللاجئين. يتذكر لاجئ يُدعى ماندا نْتومپا: «تأثرنا كثيرا بالمحبة والضيافة اللتين أُظهِرتا لنا. فالاخوة المحليون فتحوا بيوتهم لنا ما إن عرفوا اننا من شهود يهوه. وكأرملة صَرْفَة، كانوا على استعداد ليتقاسموا معنا القليل من الطعام الذي يملكونه».
وعلى مقربة من شواطئ بحيرة مويرو في الشمال، اهتم عدد صغير من الشهود المحليين بمئات اللاجئين وأمّنوا لهم الطعام والمأوى بطريقة منظّمة. كما زوّدتهم الجماعات المجاورة بالمنيهوت والسمك. وأخيرا، بعد ثلاثة اشهر، أُدرِجَت اسماء الشهود الكونغوليين في اللوائح الرسمية ونُقِلوا الى مخيّم للّاجئين.
ان الذين يهربون من بلدهم بسبب نزاع عنيف نادرا ما يأخذون معهم كتبا ومجلات. ففي الغالب، يُضطر هؤلاء ان يتركوا وراءهم مقتنيات يعتبرونها قيِّمة جدا فيما يفرّون يائسين الى شط الامان. لكنّ الوضع يختلف مع شعب اللّٰه. فقد تمكن البعض ان يأخذوا معهم مطبوعاتهم رغم الخوف الذي اعتراهم اثناء هربهم. مع ذلك، فإن الكتب المقدسة والمطبوعات المؤسسة على الكتاب المقدس كانت قليلة. ففي اجتماع بلغ عدد الحضور فيه ١٥٠ شخصا، كان يوجد عموما خمسة كتب مقدسة فقط. فكيف استطاع الحاضرون الاشتراك في الاجتماعات؟ يوضح احد الاخوة: «كان مَن يملكون كتبا مقدسة يفتحون الآيات، في حين استمع الآخرون بانتباه شديد. وهكذا اشترك الجميع في تسبيح يهوه وتشجيع واحدهم الآخر بتقديم التعليقات».
الاهتمام بالحاجات المادية
كان معظم اللاجئين من النساء والاولاد. وفي الغالب، كانت صحتهم ضعيفة ولم يكن لديهم ما يأكلونه. فكيف قدّم شهود يهوه المساعدة لهم؟ اخبرت صحيفة تايمز اوف زامبيا: «من المفرح ان جمعية شهود يهوه في زامبيا ارسلت متطوعين وعمّال اغاثة الى البلد الذي دُعي سابقا زائير للتخفيف من اعباء اللاجئين في منطقة البحيرات العظمى». كما أوضحت المقالة ان الشهود من بلجيكا، سويسرا، وفرنسا «زوّدوا اللاجئين بما مجموعه ٥٠٠ كيلوغرام من الدواء، ١٠ اطنان من المنتجات التي تحتوي على الفيتامينات، ٢٠ طنا من الطعام، اكثر من ٩٠ طنا من الملابس، ٥٠٠,١٨ زوج من الاحذية، و ٠٠٠,١ غطاء. وقد بلغت القيمة الاجمالية لهذه الاشياء نحو مليون دولار اميركي».
يتذكر الاخ نْتومپا: «عندما وصلت مؤن الاغاثة، فرحنا جميعا وتقوّى ايماننا كثيرا. فيا للهيئة المُحِبة التي ننتمي اليها! وهذا الدليل القوي على المحبة غيّر وجهات نظر افراد كثيرين غير مؤمنين من عائلات اخوتنا. ومنذ ذلك الوقت ينضم البعض منهم الينا ويحرزون تقدُّما كبيرا كعبّاد للّٰه». ومن الجدير بالذكر ان مؤن الاغاثة مُنِحت لجميع اللاجئين دون تمييز.
في اواخر سنة ١٩٩٩، ازداد عدد المهجَّرين الموجودين في البلد متجاوزا الـ ٠٠٠,٢٠٠ شخص. وذكرت صحيفة محلية: «اصبحت زامبيا من اول البلدان التي يلوذ اليها اللاجئون الافارقة هربا من النزاعات». وقد بذلت السلطات جهدها لسد حاجات اللاجئين، لكنّ مشاعر الاحباط والاستياء التي اعترتهم ادّت الى احتجاجات عنيفة. ورغم ان شهود يهوه لم يقوموا بأي عمل يخلّ بالامن، تحدثت السلطات في المخيّم الى ناظر الدائرة إثر احد اعمال الشغب واتّهمته بأنه لم يفعل سوى القليل لمساعدتها على حفظ النظام. فأجاب ناظر الدائرة بلطف انما بحزم: «بلى ساعدتكم! هل تتصورون كم كان الوضع سيتفاقم لو انضم الى الرعاع ٠٠٠,٥ شخص آخرون؟ أوليس حريّا بالتقدير عدم اشتراك ٠٠٠,٥ لاجئ على الاقل في اعمال الشغب لأنهم من الشهود؟! وهؤلاء هم اخوتي».
من المعروف ان شهود يهوه يساهمون في استقرار مجتمع اللاجئين. ذكر احد الرسميين الحكوميين: «سمعنا ان شهود يهوه متدينون جدا، وقمنا بتعيين كثيرين منهم كرؤساء اقسام. ومنذ ذلك الحين، ينعم المخيّم بالهدوء بسبب المساعدة التي يقدمونها. كما ان الجميع يركِّزون اهتمامهم على قراءة الكتاب المقدس. اشكر اللّٰه على بقاء هؤلاء الناس معنا وعلى السلام الذي يعمّ المخيّم».
اطاعة شريعة اللّٰه التي تحرِّم الدم
لطالما تبرهنت الحكمة العملية في وصية الاسفار المقدسة ‹ان نمتنع على الدوام عن الدم›. ومع ذلك، كان لدى الناس في افريقيا السوداء آراء سلبية وأفكار خاطئة بشأن العناية الطبية بدون دم. (اعمال ١٥:٢٨، ٢٩) ومن المحزن ان ذلك عرّض شهود يهوه لمعاملة قاسية ومُذِلّة. على سبيل المثال، كان من الشائع ان يُنقَل الدم ليلا الى ولد في المستشفى دون علم والدَيه.
كان مايكل في السادسة من عمره عندما أُدخِل الى المستشفى بسبب اصابته بفقر دم حاد. وكانت جدته جينالا موكوساو تقوم برعايته. فأمر الاطباء بنقل الدم اليه، لكنّ الاخت موكوساو رفضت الموافقة على قرارهم. فتعرضت للتهويل وسوء المعاملة اربعة ايام. قالت: «توسلت اليهم وأريتهم بطاقة توجيه طبي التي احملها، ولكنهم أبَوا الاستماع. كما اتهمني الممرِّضون بأنني ساحرة اريد قتل حفيدي».
وبسبب هذه التصرفات العدائية، تردد البعض في دخول المستشفى. فكثيرون من الاطباء تجاهلوا حق المريض في فهم الاجراءات الطبية المقترَحة والموافقة عليها. اما الاطباء القليلون الذين رغبوا في تقديم المساعدة فعرّضوا انفسهم للانتقاد اللاذع وأيضا لنبذ زملائهم بسبب ممارسة ما دعاه كثيرون اساليب طبية غير مقبولة. أضِف الى ذلك ان البنى التحتية البدائية وعدم توافر بدائل للدم شكّلت المزيد من التحديات. ولكن مع الوقت، اصبحت آراء بعض العاملين في حقل الطب اقل تصلُّبا. على سبيل المثال، سنة ١٩٨٩ قال المسؤول الاعلى في الجسم الطبي الذي يعتني بالعاملين في تعدين النحاس انه «لا ينبغي نقل الدم غصبا عن الشخص».
لجان لها تأثير قوي
سنة ١٩٩٥، تأسس في زامبيا قسم خدمات معلومات المستشفيات، كما تشكلت لجان الاتصال بالمستشفيات التابعة له. لكنّ قليلين فقط توقعوا ان يكون لهذه اللجان تأثير عميق في موقف المجتمع الطبي من المعالجة بدون دم ومن حقوق المرضى. وبعض المهمات المُناطة باللجان هي زيارة المستشفيات، مقابلة الاطباء، وتقديم عروض للعاملين في مجال الصحة — كل ذلك بهدف تعزيز التعاون والحؤول دون حدوث خلافات. وكانت العروض التي قُدِّمت متقنة جدا، مما اثار اعجاب الفريق الطبي. ففي مستشفى جنوب البلد، قال للاخوة شخص بارز في مجال الطب: «لا شك انكم اطباء، ولكنكم لا تريدون الكشف عن ذلك».
ذكر طبيب هولندي يعمل في مستشفى في غرب زامبيا: «ناقشنا قبل اسبوعين الوسائل التي تخفض استعمال الدم الى الحد الادنى تلافيا للمخاطر المرتبطة به. وقد تحدث الينا اليوم خبراء عن هذه المسألة». ولم يمرّ وقت طويل حتى بدأ العاملون في حقل الطب الذين شاهدوا العروض ينصحون زملاءهم ان يشاهدوها هم ايضا. فقد لقي البرنامج استحسان المجتمع الطبي، وحلّ التعاون تدريجيا محلّ الخلافات.
كان على بعض اعضاء اللجان ان يتغلبوا على مشاعر عدم الجدارة عند التحدث الى الاطباء الذين اعتُبِروا طوال سنوات بمثابة آلهة. يتذكر الاخ سمارت فيري الذي خدم كعريف في لجنة لوساكا: «لم أكن ذا خلفية طبية، وشعرت ان ثقتي بنفسي معدومة».
ولكن مع الوقت، كوفئ الاخوة على مثابرتهم وثقتهم بيهوه. يتذكر عضو آخر في احدى اللجان تلك الايام، قائلا: «ذهب ثلاثة منا للقاء طبيب واسع النفوذ عمِل كوزير للصحة، وكانت اعصابنا مشدودة جدا. فصلينا الى يهوه في الممر امام مكتب الطبيب، طالبين منه ان يساعدنا على التكلم بجرأة. ثم دخلنا الى مكتب الطبيب وأجرينا مناقشة جيدة معه، فتبيّن انه متعاون جدا. وهكذا أدركت ان يهوه يدعمنا وما من سبب لنخاف».
والدليل على التعاون المتزايد بين لجان الاتصال بالمستشفيات والمجتمع الطبي هو استعداد الاطباء لمعالجة حالات صعبة ما كانوا ليقبلوا معالجتها قبل سنوات بدون نقل دم. ففي تشرين الاول (اكتوبر) ٢٠٠٠، اتخذ جرّاحان قرارا جريئا ان يُجروا لبياتريس — طفلة بعمر ستة اشهر من جمهورية الكونغو الديموقراطية — عملية لفتح انسداد في اقنية الصفراء. ورغم ان هذه العملية أُجريت بنجاح بدون نقل دم، فقد سببت موجة من الدعايات المضادة.
لكنّ ما ادلى به الى الصحافة البروفسور لوپاندو مونكونڠاي، رئيس الفريق الذي اجرى العملية، احدث تغييرا جذريا. فقد اظهر بوضوح احترامه لموقف والدَي بياتريس، الامر الذي ساهم كثيرا في التخفيف من انتقاد وسائل الاعلام. وبعد شهرين، عُرِض فيلم وثائقي تلفزيوني يتمحور حول هذه القضية، وقد عكس نظرة ايجابية الى موقفنا من مسألة المعالجة والجراحة بدون دم.
«اجروا العملية بسرعة»
قليلون هم الاطباء الذين استمروا يرتابون في موقف الشهود من الدم، الموقف الذي يمليه عليهم ضميرهم الحي. فمعظم الاطباء اليوم يدركون ان الوسائل البديلة آمنة وبسيطة وفعالة، حتى في ارياف افريقيا. وقد تعلّم مرضى كثيرون ان يدافعوا عن حقوقهم بجرأة، الامر الذي تطلب ان يطّلعوا على المسائل المهمة وينالوا التدريب اللازم لشرح موقفهم الذي يمليه عليهم ضميرهم.
والاولاد ايضا أُعطوا «لسان المتعلمين». (اشعيا ٥٠:٤) مثلا، عانى صبي بعمر ثماني سنوات اسمه ناثان من التهاب العظم والنّقي في فخذه الايسر. وقبل خضوعه للجراحة قال لفريق من الاطباء: «من فضلكم اجروا العملية بسرعة لكيلا اخسر دما كثيرا. لا تنقلوا إلي الدم، وإلا فلن يسامحكم والداي ولا يهوه». وبعد العملية، مدح احد افراد فريق الجراحة والدَي ناثان على التدريب الذي منحاه لابنهما. ذكر الطبيب بتواضع: «انها المرة الاولى التي يذكِّرني فيها مريض صغير بأهمية احترام اللّٰه».
ذكر الرسول بولس: «نوَصّي بأنفسنا كخدام اللّٰه، . . . بسهر ليال». وكثيرا ما يسهر خدام اللّٰه الليالي بسبب اهتمامهم بالرفقاء المؤمنين ومن اجل تقدُّم العبادة الحقة. (٢ كورنثوس ٦:٣-٥) يصحّ ذلك خصوصا في الذين يخدمون في لجان الاتصال بالمستشفيات. ولا شك ان الآخرين يلاحظون روح التضحية بالذات التي يعربون عنها. قالت احدى الاخوات: «يعجز لساني عن التعبير عن تقديري على نحو واف. فمن المشجِّع والمعزّي ملاحظة روح التضحية بالذات التي يتصف بها الاخوة في لجان الاتصال بالمستشفيات الذين هبّوا الى مساعدتي على الفور وكانوا دائما على استعداد ليقدِّموا لي العون حينما احتجت اليهم. وعندما ذهبتُ الى غرفة العمليات للمرة الثانية في غضون ٢٤ ساعة، لم يعترني الخوف مطلقا. فقد قوّتني كثيرا الكلمات المشجعة التي تفوّه بها هؤلاء الاخوة». نعم، رغم الاقاويل ‹الرديئة›، يستمر شهود يهوه في التوصية بأنفسهم كخدام اللّٰه بتعاونهم الطوعي مع المجتمع الطبي. (٢ كورنثوس ٦:٨) وهم يتقوّون بالاقوال ‹الحسنة›، مصمِّمين على البقاء طائعين للوصية الالهية ‹ان نمتنع على الدوام عن الدم›.
مدرسة تدريب الخدام
قال سايرِس نيانڠو، احد اعضاء لجنة الفرع في زامبيا: «في بلدان عديدة، قد ينظر الناس بارتياب الى مجموعة مؤلفة من ٢٥ شابا او نحو ذلك معتبرينهم مصدرا محتملا للمشاكل». وأضاف: «اما مجموعات الرجال المسيحيين المنتذرين والمفعمين بالحياة الذين يتلقون التدريب بنجاح في مدرسة تدريب الخدام بصفوفها الـ ٣١، فيبرهنون انهم بركة للمجتمعات التي يخدمون فيها». وهنالك اكثر من ٦٠٠ متخرِّج من هذه المدرسة العالمية النطاق ينهمكون في مختلف اوجه الخدمة كامل الوقت في البلدان الستة لإفريقيا الجنوبية. كما ان اكثر من نصف النظار الجائلين في زامبيا قد تخرّجوا من هذه المدرسة. فلماذا تُعتبَر مدرسة تدريب الخدام ضرورية؟ وما الذي تنجزه؟
منذ تخرّج الصف الاول سنة ١٩٩٣، ازداد عدد الناشرين النشاطى في زامبيا نحو ٦٠ في المئة. لذلك هنالك حاجة الى رجال اكفاء يهتمون بالجماعات، ولا سيما ان المجتمع يمارس ضغطا قويا على الاخوة ليتبعوا تقاليد وعادات تتعارض مع مبادئ الكتاب المقدس. ذكر احد المتخرجين مشددا على الحاجة الى رجال مقتدرين يقومون بعمل الرعاية والتعليم: «احدى المشاكل التي يعانيها حقلنا هي ان الناس يميلون الى اتخاذ موقف متساهل من الاعمال الاثيمة. وقد تعلمتُ انه من الضروري ان نكون حازمين في الالتصاق بما هو صواب وألّا نزيد على ما هو مكتوب».
في بادئ الامر، يكون التلاميذ غير معتادين على كثرة المعلومات التي تُناقَش وعمق المواضيع التي تُدرَس. لكنّ المعلِّمين تواقون الى تقديم المساعدة. قال احدهم، وهو يدعى سارِل هارت: «أعتبر تعليم كل صف اشبه بمهمة دليل سياحي يرافق مجموعة من الاشخاص في جولة عبر ممر جبلي. في البداية، يكون الجميع غرباء ويحاولون التعوّد على المحيط غير المألوف الذي يوحي بالرهبة. وفي بعض الاحيان، تعترض سبيلهم صخور ضخمة. ولكن حين يتخطى التلاميذ العقبات ويتابعون السير الى الاعلى، ينظرون الى الوراء فيرون انهم تخطّوا الحواجز التي بدا من المتعذِّر تجاوزها، فأضحت كأرض مستوية».
يعتبر كثيرون ان التقدُّم الروحي الذي احرزوه نتيجة حضورهم المدرسة هو تحوُّل جذري. قال إلاد الذي يخدم اليوم كفاتح خصوصي: «اعتقدت انني غير مؤهل للتعليم وأصغر من ان اتولى مسؤوليات اضافية في الجماعة. لكنّ المدرسة جعلتني ادرك ان باستطاعتي ان اكون شخصا مفيدا. كانت الجماعة التي عُيِّنت فيها اصلا تتألف من ١٦ ناشرا يواجهون المشاكل في ادارة دروس تقدمية في الكتاب المقدس. فرحنا نناقش بانتظام اقتراحات مفيدة ونتمرّن على العروض قبل الذهاب في الخدمة. وبحلول سنة ٢٠٠١، كان عدد الناشرين في الجماعة قد ارتفع الى ٦٠ ناشرا، فضلا عن فريق منعزل ضمّ ٢٠ ناشرا».
مقياس النجاح
ما هي بعض العوامل التي تساعد على النجاح في مدرسة تدريب الخدام؟ يوضح ريتشارد فرُد، وهو احد المعلمين في المدرسة: «في الواقع، اننا نشدد على اهمية الاتصاف بالتواضع على الدوام ونؤكد ان المرء لا يلزم ان يفكر في شأن نفسه اكثر مما ينبغي». ويضيف: «نتوقع من التلاميذ اظهار النضج، الرأفة، والقدرة على مواجهة التحديات الصعبة بوجه باسم. وإذا استطاع الاخوة ان يتعاملوا بلطف مع الآخرين، مظهرين رغبتهم ان يخدِموا لا ان يُخدَموا، فحينئذ نشعر ان المدرسة تنجز القصد منها».
ويعترف التلاميذ بصحة هذه الكلمات. قال ايمانويل الذي تخرج من الصف الـ ١٤: «ان نيلنا تعيينا في الجماعة لا يعني انه ينبغي ان نسارع الى تصحيح شتى الامور مهما كانت تافهة. عوضا عن ذلك، يجب ان يكون محور اهتمامنا الاشتراك مع الجماعة في اهم عمل على الاطلاق، الكرازة بالبشارة».
قال فاتح اسمه موزِز: «اصبحت ادرك ان يهوه يمكن ان يستخدم ايّ شخص متواضع وأن المعرفة والخبرة تكونان غير مهمّتين احيانا. فما يهمّه هو محبتنا لأفراد الجماعة والذين نلتقيهم في خدمة الحقل، الى جانب تعاوننا مع الآخرين».
التجمعات الكبيرة
قبل المسيحية، كانت اعياد امة اسرائيل و ‹محافلها المقدسة› مناسبات سعيدة ساعدت المحتفلين ان يركزوا على الامور الروحية. (لاويين ٢٣:٢١؛ تثنية ١٦:١٣-١٥) وينطبق الامر نفسه على التجمعات العصرية لشعب اللّٰه. ففي زامبيا مثلا، لا تُعقَد المحافل في مجمّع عصري انيق للالعاب الرياضية. بل يبني الاخوة ما يسمّونه قرية محافل، وهي تشمل سقائف صغيرة للمنامة.
على مرّ السنين، شُيِّدت في هذه المواقع ابنية أمتن. غير ان الايام الباكرة كانت مليئة بالمشاكل التي تطلبت حلولا ذكية. يتذكر ناظر كورة: «اعتاد الاخوة ان يبنوا لي في موقع المحفل الدائري كوخا مصنوعا من العشب عموما. وبعد ذلك كانوا ينصبون سورا حول مكان الجلوس. اما المقاعد فهي عبارة عن اكوام ترابية وُضِعت عليها ‹وسادات› من العشب. وفي بعض الاحيان، كان الاخوة يسوّون قمة كومة تراب خلّفها النمل الابيض لتصبح منصة، ثم يبنون فوقها سقيفة صغيرة يُقدَّم منها البرنامج».
ويخبر مرسَل اسمه پيتر پاليسر: «في احد المحافل، قرر الاخوة ان تكون المنصة اكثر ارتفاعا. فقام اخ ماهر في استخدام المتفجرات بإعداد ما يلزم، ثم نسف قمة تلة خلّفها النمل يبلغ ارتفاعها ٦ امتار. وهكذا حصلنا على كومة تراب بالارتفاع المناسب بنينا عليها منصّة».
بذل الجهود لحضور المحافل
معظم المواقع التي عُقِدت فيها المحافل كانت بعيدة عن الطرق الرئيسية ويصعب الوصول اليها. يخبر روبنسون شامولوما عن محفل حضره سنة ١٩٥٩، قائلا: «انطلق نحو ١٥ شخصا منا على الدراجات الى كابواي في المقاطعة الوسطى، حاملين معنا طعامنا المؤلف من دقيق الدُّخن والسمك المجفف. وكنا ننام في الدغل كل ليلة. وفي كابوي، ركبنا قطارا متوجهين الى موقع المحفل الذي وصلنا اليه بعد سفر دام اربعة ايام تقريبا».
يتحدث لامپ شيسنڠا عن اخ قطع مع اولاده الستة نحو ١٣٠ كيلومترا، ماشين على اقدامهم تارة وراكبين الدراجة تارة اخرى، بغية حضور المحفل. قال: «اعدّوا لرحلتهم طعاما مؤلفا من المنيهوت المشوي، الفول السوداني، وزبدة الفستق. واضطروا مرارا ان يخيِّموا في الدغل دون اية حماية».
عندما خدم واين جونسون كناظر كورة، لاحظ الجهد الذي بذله كثيرون لحضور المحفل. كتب: «قاد فاتح خصوصي دراجته طوال اسبوع تقريبا ليصل الى مكان المحفل، في حين ركب آخرون صندوق شاحنة. وقد وصل كثيرون باكرا، في بداية اسبوع المحفل. اثناء الليل كانوا يشعلون نارا يجلسون حولها ويرنِّمون. وفي بعض الاحيان كان عدد كبير جدا منا يذهبون في الخدمة، بحيث غطينا المقاطعة ثلاث مرات ذلك الاسبوع».
حضور المحافل رغم المقاومة
لا تزال التجمعات الكبيرة تمدّ الاخوة بالقوة والتشجيع. كما ان المحافل اليوم تحظى بكثير من الدعاية المؤاتية. ولكن اثناء الفترات التي اتسمت بالتغييرات السياسية، ولا سيما خلال ستينات وسبعينات القرن العشرين، كانت هذه المناسبات موضع ريبة. وقد بذلت بعض الشخصيات الحكومية ما في وسعها لوضع قيود على عبادتنا. على سبيل المثال، لم يستطع الاخوة ان يستحصلوا من الشرطة على الاذن اللازم لعقد اجتماعات عامة بسبب رفضهم انشاد النشيد الوطني. وفي وقت لاحق، فَرضت القيود الموضوعة على الشهود رقما محددا لا يجب ان يتجاوزه عدد الحاضرين. يتذكر دارلنڠتون سيفوكا قائلا: «كانت سنة ١٩٧٤ آخر سنة يجتمع فيها شهود يهوه في العراء». ويضيف: «منع وزير الداخلية عقد الاجتماعات العامة ما لم تتضمن النشيد الوطني ورفع العلم». ومع ذلك، سُمِح للاخوة بالاجتماع في قاعات ملكوت محلية مبنية على ارض مسيجة بالعشب. لذلك رتب الفرع ان يقدَّم برنامج المحفل الدائري في قاعات الملكوت، بحيث تحضره كل جماعة او جماعتين على حدة.
وعُقِدت المحافل الكورية ايضا على نطاق صغير. يخبر اخ شارك في تنظيم المحفل: «عوض عقد محفل كوري واحد كبير، كنا نعقد ٢٠ محفلا صغيرا». ويضيف: «دُرِّب اخوة كثيرون واستُخدِموا لإلقاء الخطابات وتولي مختلف المسؤوليات. وهكذا، عندما رُفِع الحظر، كان لدينا الكثير من الرجال ذوي الخبرة الذين يمكن الاعتماد عليهم في تنظيم المحافل».
المعموديات
منذ اوائل اربعينات القرن العشرين، بُذِلت الجهود للتأكد من ان الذين يعتمدون يدركون كاملا اهمية هذه الخطوة. فقد استصعب البعض ان يهجروا كاملا «بابل العظيمة» والممارسات الدينية الباطلة. (رؤيا ١٨:٢، ٤) وما ساهم في هذه المشكلة هو ان قليلين نسبيا اجادوا القراءة، كما ان الكثير من الجماعات لم تتسلم مؤونة كافية من المساعدات على درس الكتاب المقدس. لهذا السبب صار نظار الدوائر والكور يقابلون كل مرشح للمعمودية ليروا هل هو مؤهل ام لا. يقول جفري ويلر الذي تخرج من الصف الـ ٣٣ لجلعاد: «عند تقدُّم الامهات المرضعات الى المعمودية، كنا نتفحص بنظرنا الاطفال بين اذرعهن بحثا عن خرزة او تميمة تُظهر انهن يؤمنّ بالخرافات. وبسبب العدد الكبير من المرشحين للمعمودية، غالبا ما سهرنا الى منتصف الليل كل ايام اسبوع المحفل». لكنّ الحاجة الى هذه المقابلات تضاءلت نتيجة المساعدة الحبية التي منحها النظار الجائلون لشيوخ الجماعات، صدور مطبوعات مثل «سراج لرجلي كلامك»، والقيام بمزيد من التحسينات التنظيمية.
رهبة المسرح!
لا تزال المسرحيات التاريخية من الكتاب المقدس احد الاوجه المحببة اكثر في المحافل. فكل مشترك يبذل قصارى جهده لينقل مشاعر الشخصية التي يمثِّلها. وقليلون هم الزامبيون الذين لم يتقنوا ادوارهم. يقول فرانك لويس، مرسَل سابق وعضو حالي في عائلة بيت ايل في الولايات المتحدة: «المسرحيات الاولى لم تكن مسجلة. فكان على الاخوة الذين مثّلوا مختلف الشخصيات ان يحفظوا ادوارهم. أذكر انني ذهبت الى احد المحافل في المقاطعة الشمالية، وهناك عرضنا مسرحيتنا الاولى التي تناولت قصة يوسف. لم يصل نص المسرحية الى الاخوة بسبب تأخُّر البريد. فاضطررنا ان نعمل حتى ساعة متأخرة من الليل، مساعدين الاخوة على حفظ ادوارهم. اثناء عرض المسرحية، في المشهد الذي تصرخ فيه زوجة فوطيفار الى زوجها مدّعية ان يوسف حاول اغتصابها، اعترت رهبة المسرح الاخ الذي يلعب دور فوطيفار فغادر المنصة. وكنت وراء الكواليس اساعد الاخوة على تذكُّر ادوارهم حين رأيته يترك المنصة. فذكّرته فورا بالجمل الاولى التي عليه قولها ودفعته ليعود الى المسرح. حينئذ تفوّه دون تفكير بكلمات تعبِّر عن ازدرائه بالرجل الواقف امامه والمتهَم بمحاولة الاغتصاب. وكم كان بارعا في ذلك! صحيح انه كاد يكون لتلك الحادثة نتيجة سلبية في ذلك المحفل، ولكن كلّما قرأت رواية الكتاب المقدس هذه اقول لنفسي: ‹ربما هذا ما حدث فعلا. ربما ترك فوطيفار الغرفة غاضبا، هدّأ نفسه ثم عاد للتنديد بيوسف!›».
سنة ١٩٧٨، عندما خُفِّف الحظر الذي فرضته الحكومة طوال اربع سنوات والذي حدّ من حجم الحضور في المحافل، شكّل محفل «الايمان الظافر» تحديا كبيرا. يخبر ناظر جائل سابق: «في ذلك المحفل عرضنا جميع المسرحيات التي لم نستطع عرضها في السنوات السابقة التي أُجبِرنا فيها على الاجتماع في قاعات الملكوت. فدام المحفل خمسة ايام وتضمن خمس مسرحيات، مسرحية واحدة كل يوم. وهكذا عرضنا كل المسرحيات التي خسرناها قبلا. وهذا الترتيب أفرحنا جميعا، غير انه شكّل تحديا بالنسبة الى ممثل بيت ايل الذي وجب عليه ان يراجع جميع هذه المسرحيات. فقد كان هناك الكثير من العمل ليقوم به!».
قال عضو في لجنة الفرع: «يمكنني القول بصدق ان تلك المحافل هي اروع محافل حضرتها في حياتي». وأضاف: «في الصباح تخرج العائلات من سقائفها الصغيرة بمظهر مرتب ونظيف، آتين الى يهوه بأبهى حللهم. ورغم انهم يجلسون في الغالب في الشمس لا في الظل، فهم يبقون هناك اليوم كله ويصغون بانتباه شديد. فكم ذلك رائع حقا!». ان معاشرة شهود يهوه واحدهم الآخر جزء مهم من عبادتهم. (عبرانيين ١٠:٢٤، ٢٥) وسواء كان شعب يهوه يعاني ‹الأسى› بسبب المشاكل الشخصية او المقاومة الدينية ام لا، فهم يعلمون ان وجودهم في التجمعات الكبيرة يساهم في جعلهم ‹فرحين على الدوام›. — ٢ كورنثوس ٦:١٠.
بناء قاعات الملكوت
«بهذه الرسالة أجيز للجماعة المذكورة اعلاه امتلاك ارض خاصة بها. ستكون هذه الارض ملكية دائمة، وقد أذنتُ لهم ان يبقوا فيها ١٥٠ سنة. فلا ينبغي ان يزعجهم احد حتى مجيء الفردوس». — الزعيم كاليلالي.
منذ اوائل القرن الماضي، ادرك طالبو الحق في افريقيا الجنوبية الحاجة الى الاجتماع معا من اجل العبادة. ونحو سنة ١٩١٠، اخبر وليم جونستون بأن الفرق السريعة النمو بَنت اماكن للاجتماع بالمواد التي يشيع استخدامها في المنطقة. وكان بعض هذه الاماكن يتسع لـ ٦٠٠ شخص. ومع ان كثيرين تاقوا الى امتلاك اماكن للعبادة، كانت مشاعر البعض مختلفة. يتذكر هولند موشيمبا الذي تعلّم الحق في اوائل ثلاثينات القرن العشرين: «رغم التشجيع على الاجتماع من اجل العبادة، لم تُعلَّق اهمية كبيرة على امتلاك مكان نجتمع فيه بانتظام. فكنا نجتمع في ايّ مكان ملائم، سواء كان ذلك في ظل شجرة كبيرة او في فناء بيت احد الاخوة. وقد تذرع البعض بالآية في لوقا ٩:٥٨، متبنّين وجهة نظر تقول: بما ان يسوع نفسه لم يكن لديه قاعة اجتماع دائمة، فلماذا نتكبد عناء بناء واحدة؟».
قبل سنة ١٩٥٠، كانت معظم اماكن الاجتماعات ابنية بسيطة سريعة العطب مصنوعة من الخشب الخام والطين. لكنّ الوضع تبدل في تلك السنة. فقد أقنع إيان فِرْڠَسُن مدير منجم في منطقة حزام النحاس الناشطة بتخصيص قطعة ارض لبناء قاعة ملكوت. وهكذا بُنيَت اول قاعة ملكوت في ووساكيلي سنة ١٩٥٠. وبعد عشر سنوات، اعدّ الاخوة تصاميم موحّدة لأعمال البناء. وأول قاعة ملكوت بُنيَت وفق هذه التصاميم كانت عبارة عن مبنى متقن ذي سطح منبسط كلّف نحو ٠٠٠,١٢ كواتشا، الوحدة النقدية في زامبيا. ورغم ان هذا المبلغ اعتُبِر كبيرا في ذلك الوقت، فهو يعادل حاليا اقل من ثلاثة دولارات بسبب التضخم الاقتصادي!
استمر المناضلون الوطنيون يشنون حملات من العنف ضد الشهود بسبب رفضهم شراء بطاقات الحزب السياسية. وقد أُحرِقت اماكن العبادة الخاصة بهم. وإذ قلق بعض الاخوة بشأن التعرض لهجمات اخرى محتملة، فضّلوا الاجتماع في العراء على بناء القاعات. وفي اوائل سبعينات القرن العشرين، وُضِعت قيود اضافية على العمل، فبات صعبا اكثر فأكثر الحصول على قطع ارض. ورغم ان شهود يهوه كانوا معروفين بأنهم لا يؤيدون ايّ حزب سياسي، اصرّت السلطات في بعض المناطق ان تُرفَق بطاقات الحزب بأي طلب يُقدَّم.
يتذكر وستون سينكالا: «كان صعبا جدا الحصول على قطعة ارض، فكم بالاحرى الاستحصال على رخصة بناء! وعندما اخبرْنا المجلس البلدي اننا سنقاضيهم في المحكمة، ظنوا اننا نمزح. ولكننا وجدنا محاميا مقتدرا اوكلنا اليه القضية. وبعد سنتين، حكمت المحكمة لصالحنا وأمرت المجلس ان يأذن لنا بالحصول على قطع ارض. وهذه الدعوى فتحت امامنا الطريق لنيل الحريات في المستقبل».
الحصان الاسود
نادرا ما كانت الجماعات تُمنَح سندات قانونية لملكية الاراضي التي تُعطى لها. وفي الغالب، كان الاخوة يحصلون على قطعة ارض غير مستثمَرة. لكنهم لم يستطيعوا ان يشيِّدوا فيها مبنى دائما بدون اوراق رسمية. وبما ان مواد البناء كانت باهظة، استخدم كثيرون لبناء القاعات ألواحا حديدية او براميل نفط فارغة شُطِرت، سُطِّحت، ثم سُمِّرت على اطار خشبي. قال شيخ مشيرا الى احدى تلك القاعات: «طلينا الالواح الحديدية بالقار، فبدت القاعة من بعيد كحصان اسود كبير. وكان الحر داخلها لا يُطاق».
وذكر ناظر دائرة سابق: «عندما اتذكر السنوات الماضية، اشعر انه من غير اللائق ان تُسمى هذه البُنى قاعات ملكوت. فهي ليست ملائمة لتكون مكانا مخصصا لعبادة يهوه اللّٰه العلي».
قررت بعض الجماعات استئجار قاعات. وقد بدا ذلك حلًّا غير مكلف، إلّا انه سبب المشاكل. تتذكر ادريس موندي التي كانت تنتمي الى الجماعة الانكليزية الوحيدة في لوساكا في سبعينات القرن العشرين: «استأجرنا مكانا ليكون قاعة، ولكنه استُخدِم ايضا كمَرقَص. فكل يوم سبت كان الناس يشربون ويرقصون فيه حتى ساعات الصباح الاولى. فاضطُررنا الى المجيء باكرا ايام الآحاد لننظف المكان. وكانت رائحة البيرة والسجائر تفوح من القاعة، فلم يكن لائقا ان نعبد يهوه في مكان كهذا».
ويخبر جاكسون، زوج ادريس: «ذات يوم احد، فيما كان الاجتماع منعقدا، دخل شاب القاعة وتوجّه مباشرة الى المقدِّمة. ثم حمل صندوق بيرة كان قد تركه هناك الليلة السابقة وخرج دون ان يكترث بالحاضرين». فلا عجب إذًا ان يتشوق الاخوة الى امتلاك قاعات ملكوت خاصة بهم!
برنامج بناء ذو اهمية
فيما تجاوب المزيد من الناس مع رسالة الملكوت، ازدادت الحاجة الى امتلاك قاعات لائقة. وقد امتلأ بعض الاخوة حماسة وغيرة بشأن هذه المسألة. لكنهم بالكاد استطاعوا تأمين الطعام لعائلاتهم، فكم بالاحرى تسديد ثمن قاعة ملكوت! غير ان يهوه الذي لا تقصر يده ابدا كان يخبئ لهم مفاجأة سارة.
عندما اظهر استطلاع الحاجة الى اكثر من ٠٠٠,٨ قاعة ملكوت في ٤٠ بلدا ناميا حول العالم، قرّرت الهيئة الحاكمة ان تسرِّع اعمال البناء. لكنّ عددا قليلا فقط من الحرفيين امكنهم التفرّغ لمشاريع البناء في بعض المناطق. كما ان المعدات اللازمة كانت نادرة احيانا. ولم يستطع العديد من الجماعات في البلدان النامية تحمُّل عبء تسديد قروض كبيرة. بالاضافة الى ذلك، مع الزيادة السريعة في عدد الناشرين، صعُب على الفروع في بعض المناطق وضع برنامج بناء منظّم. وبعد اخذ كل ذلك في الاعتبار، شكّلت الهيئة الحاكمة لجنة تصميم وبناء في الولايات المتحدة للاشراف على برامج بناء قاعات الملكوت حول العالم. كما وُضِعت خطوط ارشادية لبناء قاعات الملكوت في البلدان ذات الموارد المحدودة، وعُيِّن متطوعون مهرة للعمل في مشاريع بناء خارج الولايات المتحدة.
في بعض الاحيان، لزم تعديل طرائق وتصاميم البناء التقليدية. على سبيل المثال، كانت النساء في زامبيا يساعدن في مشاريع البناء بتطوعهن لاستقاء الماء، نقل الرمل، والطبخ. غير ان فرق البناء رغبت في جعل الاخوات ينهمكن في عمل البناء بحد ذاته والاستفادة كاملا من كل القوة العاملة المتوفرة.
راقب زعيم في المقاطعة الشرقية اختا وهي تبني حائطا لقاعة ملكوت، فلم يصدق عينيه. هتف قائلا: «لم أرَ منذ ولادتي امرأة ترصف الآجرّ، وتفعل ذلك بهذه البراعة الكبيرة! انا سعيد جدا برؤية ذلك».
«مستشفانا الروحي»
كان لبرنامج البناء تأثير عميق في المجتمعات. فكثيرون ممن كانوا قبلا غير مبالين بشهود يهوه او مقاومين لهم تبنّوا وجهة نظر اكثر انفتاحا. على سبيل المثال، قاوم احد الزعماء في المقاطعة الشرقية في البداية بناء قاعات الملكوت في منطقته. لكنه قال لاحقا: «لم ارفض قبلا مشروعكم بسبب موقفي الشخصي منكم، فقد كنت متأثرا برجال دين الطوائف الاخرى. اما الآن فأنا ادرك انكم هنا لقصد نبيل. فهذا المبنى الجميل اصبح مستشفانا الروحي».
ان العمل الاساسي الذي ‹يكد› فيه المسيحيون هو الكرازة «ببشارة الملكوت». (٢ كورنثوس ٦:٥؛ متى ٢٤:١٤) ولكن كما يدفع الروح القدس شعب اللّٰه الى الكرازة، كذلك يحضّهم ان يكدّوا بنشاط في ترويج مصالح الملكوت ببناء اماكن لائقة للاجتماع. وقد قوّى بناء القاعات من عزم الجماعات على القيام بعمل الكرازة. قال احد الاخوة: «اصبحنا الآن نشعر بالثقة عندما نذهب في الخدمة وندعو الناس الى اجتماعاتنا، لأننا ندرك انهم سيأتون لا الى كوخ بل الى قاعة ملكوت تمجد يهوه».
وقال اخ آخر: «ربما لا نستأهل نحن قاعة الملكوت الجميلة هذه المبنية في الدغل، غير ان يهوه يستأهلها. يسرّني ان تجلب اماكن العبادة الافضل المجد ليهوه».
العمل الجائل
الاحتمال ضروري لخدام اللّٰه. (كولوسي ١:٢٤، ٢٥) والنظار الجائلون هم خير مثال للذين يبذلون انفسهم من اجل تقدُّم مصالح الملكوت. فهم يبرهنون انهم «عطايا في رجال» بكدّهم الحبي كرعاة يقوّون الجماعات. — افسس ٤:٨؛ ١ تسالونيكي ١:٣.
في اواخر ثلاثينات القرن العشرين، كان بعض الرجال المقتدرين ينالون التدريب ليكونوا خدام اقاليم ومناطق (اليوم نظار دوائر وكوَر). يخبر جيمس موانڠو: «السفر الى الجماعات لم يكن بالامر السهل». ويضيف: «صحيح اننا زُوِّدنا بالدراجات، ولكن كان على الاخوة مرافقتنا سيرا على الاقدام ليساعدونا في حمل حقائبنا. ولبلوغ وجهتنا كنا نمضي عدة ايام على الطريق. وقد قضينا اسبوعين مع كل جماعة».
«أُغمي عليه فورا»
كان السفر الى المناطق الريفية صعبا في الماضي كما هو الآن. وهذا ما اختبره اخ يدعى روبنسون شامولوما تجاوز عمره اليوم ثمانين سنة. فقد انخرط في الماضي في العمل الجائل مع زوجته جوليانا. وهو لا يزال يتذكر العاصفة الهوجاء الممطرة التي ادركته هو وزوجته في احد فصول الامطار. فبعدما سكنت العاصفة، اصبحت الطريق امامهما سالكة. ولكن كان عليهما عبور مكان تصل فيه الوحول الى مقعدي دراجتيهما! وحين وصلا الى الجماعة التالية، كانت جوليانا مُنهكة جدا وبالكاد استطاعت ان تستجمع قوتها لتشرب جرعة ماء.
يوضح اينوك شيرْوَا الذي اشترك في العمل الدائري والكوري كليهما في ستينات وسبعينات القرن العشرين: «كان يوم الاثنين يوما شاقا جدا، فهو يوم السفر. ولكن عند وصولنا الى الجماعات، كنا ننسى مشقة الرحلة. فوجودنا مع اخوتنا جعلنا نشعر بالسعادة».
لم تقتصر العوائق التي واجهها الاخوة على المشقات واجتياز المسافات الكبيرة. مثلا، ذهب لامپ شيسنڠا برفقة اخوين في رحلة لزيارة جماعة شمال البلد. وعلى احدى الطرقات المُغبَّرة شاهدوا حيوانا في البعيد. قال الاخ شيسنڠا: «لم يستطع الاخوان رؤيته بوضوح». وأضاف: «كان جاثما على الطريق وكأنه كلب. فسألت: ‹هل يمكنكما رؤيته؟ هل تريانه؟›. ثم ادرك احدهما انه اسد، فصرخ وأُغمي عليه فورا. فقررنا ان نبقى هناك بعض الوقت ريثما يتوارى الاسد في الدغل».
امضى جون جايسن وزوجته كاي في العمل الكوري جزءا من سنوات خدمتهما الـ ٢٦ التي قضياها في زامبيا. وقد تعلّما ان الصبر ضروري عند مواجهة اعطال ميكانيكية في السيارة. قال جون: «اذكر انني قدت سيارة بنوابض مكسورة مسافة تتجاوز الـ ١٥٠ كيلومترا. فلم نكن نملك قطع غِيار، ولم يكن هنالك مكان نُجري منه اتصالا هاتفيا طلبا للمساعدة. وقد تعطلت سيارتنا كليًّا اذ ارتفعت حرارة المحرك كثيرا، فوقفنا عاجزين ليس بيدنا حيلة. وكل ما استطعنا فعله هو استخدام ما لدينا من ماء لتبريد المحرك ولتحضير كوب شاي اخير. كنا في مكان منعزل نشعر بالتعب ونعاني من الحر. فجلسنا في السيارة وصلّينا الى يهوه طلبا للمساعدة. وعند الثالثة بعد الظهر، مرّت قربنا سيارة لصيانة الطرقات، اول سيارة تعبر المكان ذلك اليوم. وإذ لاحظ العمال ورطتنا، عرضوا ان يقطروا سيارتنا. فوصلنا الى اخوتنا قُبيل حلول الظلام».
تعلُّم الثقة
في ظروف كهذه سرعان ما يتعلم النظار الجائلون ألا يضعوا ثقتهم في مقدراتهم الشخصية او الامور المادية، بل في مصادر دعم يُعتمَد عليها اكثر — يهوه اللّٰه وإخوتهم المسيحيين. (عبرانيين ١٣:٥، ٦) يخبر جفري ويلر: «واجهنا تحديا بعد ثلاثة اسابيع فقط من انخراطنا في العمل الكوري». ويضيف: «كنا في موقع المحفل على استعداد لتقديم برنامج نهاية الاسبوع. وكنت قد ورثت موقدا يعمل على الكاز ولكن فيه خلل. كان يوما حارا وعاصفا. وفيما رحت أُشعِل الفرن، تأججت النار وعلت ألسنة اللهب. وفي غضون دقائق، لم اعد استطيع السيطرة على النار. فاشتعلت العجلة الامامية لسيارة اللاندروفر التي لنا. وسرعان ما احاطت ألسنة النار بكامل السيارة».
بالاضافة الى خسارة سيارتهما، واجه هذان الزوجان عدة مشاكل. يقول جفري: «كانت ثيابنا في صندوق فولاذي اسود داخل اللاندروفر. لذلك لم تحترق غير انها تجعدت. وقد اتى الاخوة الى جانب السيارة الذي لم تضطرم فيه النار وأنقذوا سريرنا، قميصا، وآلتي الكاتبة. فكم قدّرنا سرعة بديهتهم!». خسر هذان الزوجان مقتنياتهما في حريق السيارة، وما كانا ليعودا الى البلدة قبل شهرين. فكيف استطاعا تدبُّر امرهما؟ يذكر جفري: «أعارني احد الاخوة ربطة عنق. وألقيت الخطاب العام منتعلا الحذاء المطاطي الذي يُلبَس عادة فوق الحذاء العادي. وهكذا تخطينا هذه المشكلة التي اعترضتنا. حقا، بذل الاخوة كل ما في وسعهم لإراحة ناظر كورتهم العديم الخبرة».
سرير في مأمن من الافاعي
ان المحبة والاهتمام اللذين تظهرهما الجماعات التي ‹تتَّبع مسلك الضيافة› يقوّيان النظار الجائلين وزوجاتهم للاستمرار في مسلك التضحية بالذات. وكثيرة هي الروايات التي تتحدث عن جماعات تهيّئ رغم عوزها المادي تدابير حبية تُقدَّر بعمق. — روما ١٢:١٣؛ امثال ١٥:١٧.
عموما، يُعتبَر تأمين المنامة للنظار الجائلين امرا اساسيا يزوَّد دائما بروح المحبة. خدم فْرِد كاشيموتو كناظر دائرة في اوائل ثمانينات القرن العشرين. وهو يتذكر كيف وصل ليلا الى احدى القرى في المقاطعة الشمالية بزامبيا حيث استقبله الاخوة بحفاوة. بعد ذلك، دخل الجميع الى بيت صغير ووضع الاخوة حقائبه على طاولة كبيرة مصنوعة من جذوع الشجر علوها متر ونصف تقريبا. وحين اصبح الوقت متأخرا، سأل الاخ كاشيموتو: «اين سأنام؟».
اجاب الاخوة مشيرين الى الطاولة: «ها هو السرير هناك». فبسبب كثرة الافاعي، كما يظهر، هيّأ الاخوة سريرا اكثر امنا، مستخدمين لفائف العشب كفراش. فأمضى الاخ كاشيموتو الليل بهدوء.
في المناطق الريفية، غالبا ما تكون الهدايا من مُنتجات المزارع. يخبر جفري ويلر والابتسامة تعلو شفتيه: «في احدى المناسبات، اهدانا الاخوة دجاجة. فوضعناها قُبَيل حلول الظلام على عصا صغيرة فوق حفرة تُستعمل كمرحاض. لكنّ الدجاجة الغبية قفزت عن المجثَم وسقطت في البالوعة. فاستخدمنا مجرفة وتمكّنا من اخراجها حية. بعد ذلك غسلتها زوجتي بماء ساخن أضافت اليه الصابون وكمية كبيرة من المطهِّر. وفي نهاية الاسبوع طهوناها وكان طعمها لذيذا!».
أُظهِر كرم مماثل للزوجين جايسن. قال جون: «مرة بعد اخرى كان الاخوة يهدوننا دجاجة حية». ويضيف: «كان لدينا سلة صغيرة حملنا فيها الدجاجة اثناء تنقُّلنا في المنطقة المعيّنة لنا. وقد امتنعنا عن اكلها لأنها كانت تضع بيضة كل صباح. وفيما كنا نحزم امتعتنا للانتقال الى منطقة جديدة، جعلتنا نفهم انها تريد ان تأتي معنا».
عرض الافلام
سنة ١٩٥٤، بدأ عرض فيلم مجتمع العالم الجديد وهو يعمل وعدة افلام اخرى. فقد استُخدِمت هذه الافلام لإطلاق حملة تعليمية تحثّ على العمل. ذكر تقرير من مكتب الفرع آنذاك: «حضّت [هذه الحملة] كثيرين على بذل انفسهم في الخدمة وفي الجماعة على السواء». وبعد عرض احد الافلام، فيما كان بعض الاخوة يفكّون الاثاث في موقع المحفل، تبنّوا الشعار «لنقم بذلك على طريقة ‹مجتمع العالم الجديد وهو يعمل›»، اي «بنشاط!». وقد شاهد هذا الفيلم في السنة الاولى التي تلت اصداره اكثر من ٠٠٠,٤٢ شخص، بمن فيهم رسميون حكوميون ورجال بارزون في مجال التربية والتعليم، وقد نال هذا الفيلم اعجابهم. نتيجة لذلك، تعلّم اكثر من مليون شخص في زامبيا عن شهود يهوه وعن هيئتهم المسيحية.
يتذكر واين جونسون تأثير الافلام في الناس قائلا: «اجتذبت الافلام الناس من مناطق بعيدة وساهمت كثيرا في تعليمهم عن هيئة يهوه. وغالبا ما كان الحضور يصفقون بحماس على نحو مطوّل اثناء البرنامج».
طوال فترة من الوقت، كان احد الافلام يُعرَض في المحفل الدائري في امسية يوم السبت. وكان ذلك اختبارا مثيرا في مناطق الادغال. كما اثّرت الحملة تأثيرا قويا في الناس رغم ان الاشخاص الذين لا يعرفون شيئا عن الحياة في البلدان الاخرى اساءوا فهم بعض المشاهد. على سبيل المثال، صوّر احد الافلام الناس وهم يتدفقون من مخرج نفق القطار في مدينة نيويورك. فاعتقد كثيرون ان هذا المشهد يصوِّر القيامة. مع ذلك، ساعدت الافلام الناس على حيازة فكرة اوضح عن شهود يهوه. لكنّ الظروف كانت تتغيّر. فبسبب الرغبة المتزايدة في نيل الاستقلال كان كثيرون من الزامبيين سينقلبون على الاخوة. وكانت الجماعات والنظار الجائلون سيواجهون اوضاعا تستلزم مزيدا من الاحتمال.
التدخل السياسي
في ٢٤ تشرين الاول (اكتوبر) ١٩٦٤، نالت روديسيا الشمالية استقلالها عن بريطانيا وأصبحت جمهورية زامبيا. في تلك الاثناء اشتد التوتر السياسي. وقد أُسيء تفسير حياد شهود يهوه، فاعتُبِر تأييدا ضمنيا لاستمرار الحكم الاستعماري.
يتذكر لامپ شيسنڠا سفره الى منطقة بحيرة بانڠويولو في ذلك الوقت. فقد نوى ان يستقل مركبا الى الجزر لزيارة الصيادين الشهود. ولكن في بداية رحلته كان عليه ان يذهب بالباص الى شاطئ البحيرة. عندما ترجّل من الباص، طُلِب منه اظهار بطاقة الحزب السياسية. وطبعا، لم تكن لديه واحدة. فأخذ رجال حزبيون حقيبته. وعندما رأى احدهم صندوقا عليه كلمة «برج المراقبة»، نفخ بقوة في صفّارته وبدأ يصرخ: «برج المراقبة! برج المراقبة!».
عندئذ دفع احد المسؤولين الاخ لامپ الى داخل الباص مع حقائبه خشية حدوث اضطرابات. وكان قد احتشد في المكان جمع غفير، فبدأوا يرشقون الباص بالحجارة، وأصابوا الباب والعجلات والنوافذ. فانطلق السائق مسرعا ولم يتوقف حتى بلغ سامْفيا التي تبعد حوالي ٩٠ كيلومترا. غير ان الوضع هدأ اثناء الليل. وفي الصباح التالي، استقل لامپ المركب بكل هدوء منطلقا ليخدم الجماعات الصغيرة حول البحيرة.
يستمر النظار الجائلون في التوصية بأنفسهم كخدام اللّٰه «باحتمال الكثير». (٢ كورنثوس ٦:٤) يقول فانويل شيسنڠا الذي شملت دائرته منطقة محاذية لنهر زمبيزي: «الخدمة كناظر دائرة تتطلب اظهار التعبد للّٰه من كل النفس وامتلاك روح التضحية بالذات». فقد شمل التنقل بين الجماعات رحلات طويلة في زوارق عتيقة ينفذ اليها الماء. وهذه الزوارق كانت تسير في نهر حيث يمكن لفرس نهر غاضب ان يحطم زورقا وكأنه غصن يابس. فما الذي ساعد فانويل على الاحتمال في العمل الدائري؟ فيما كان الاخ فانويل يتأمل صورة لأفراد الجماعة الذين رافقوه الى ضفة النهر، اعترف بوجه باسم ان اخوته وأخواته هم احد العوامل التي دفعته الى الاحتمال. وقال متسائلا: «في ايّ مكان آخر في هذا العالم المضطرب يمكن ان يجد المرء وجوها سعيدة كوجوههم؟».
الحياد
كتب الرسول بولس: «الجندي لا يشغل نفسه بأمور الدنيا اذا اراد ان يرضي قائده». (٢ تيموثاوس ٢:٤، الترجمة العربية الجديدة) فيلزم ان يتجنب المسيحيون التورط مع هيئات العالم السياسية والدينية لكي يبقوا تماما تحت تصرُّف قائدهم يسوع المسيح. غير ان هذا الموقف يسبب تحديات و «ضيقات» للمسيحيين الحقيقيين الذين يرغبون في البقاء حياديين في شؤون العالم. — يوحنا ١٥:١٩.
اثناء الحرب العالمية الثانية، عومل كثيرون بوحشية لأنهم لم يعربوا عن «روح الوطنية». اخبر بنسون دجادج الذي اصبح لاحقا ناظرا جائلا غيورا: «رأينا رجالا مسنّين يُرمَون في شاحنة وكأنهم اكياس من الذرة بسبب رفضهم الخدمة العسكرية». وتابع: «سمعنا هؤلاء الرجال يقولون: ‹سنموت في سبيل اللّٰه›».
اثناء الحرب غالبا ما أُثيرت مسألة الحياد، حسبما يقول موكوسيكو سينالي الذي لم يكن معتمدا آنذاك. فهو يتذكر قائلا: «طُلِب من كل شخص ان ينكش الارض ليجمع جذور نبات المامبونڠو المعترش الذي يُنتج لثى قيِّما. بعد ذلك كانت الجذور تُقشَّر وتُدَق لصنع شرائط. وهذه الشرائط تُحزَم ثم تُعالَج لتصبح مادة بديلة للمطاط تُستخدَم في صناعة الجزمات التي ينتعلها الجنود. لكنّ الشهود رفضوا جمع الجذور لارتباط هذا العمل بالمجهود الحربي. فعوقبوا على عدم تعاونهم واعتُبِروا ‹اشخاصا غير مرغوبين›».
كان جوزف موليموا احد هؤلاء الاشخاص ‹غير المرغوبين›. وُلِد جوزف في روديسيا الجنوبية ثم انتقل سنة ١٩٣٢ الى المقاطعة الغربية في روديسيا الشمالية. وقد ادّعى البعض انه شجع الناس ان يحجموا عن زرع حقولهم لأن ‹الملكوت قريب›، تهمة باطلة نشرها رجل دين من ارسالية ماڤامبو كان يحتقر جوزف. فاعتُقِل هذا الاخير وكُبِّل مع شخص مختلّ عقليا على امل ان يعتدي عليه الرجل المختل. غير ان جوزف هدّأه. وبعد اطلاق سراح جوزف استمر يكرز ويزور الجماعات. وقد مات امينا في اواسط ثمانينات القرن العشرين.
تقوّوا لمواجهة المحن
بسبب روح القومية وجوّ التوتر في المجتمعات، تعرض للترهيب الاشخاص الذين لم يسمح لهم ضميرهم الطاهر ان يشتركوا في النشاط السياسي. ورغم ان الجو كان متوترا، اظهر محفل للبلد كله بعنوان «الخدام الشجعان»، عُقِد في كيتوي سنة ١٩٦٣، ان السلام والوحدة يسودان بين شهود يهوه. فقد اتى الى هذا المحفل الذي دام خمسة ايام حوالي ٠٠٠,٢٥ مندوب جلب بعضهم خِياما ومقطورات، واستمتعوا بحضور البرنامج بإحدى اللغات الاربع التي قُدِّم بها. وألقى مِلتون هنشل خطابا مهمًّا ركّز على علاقة المسيحي بالدولة. يخبر فرانك لويس: «نذكر انه طلب منا مساعدة اخوتنا على فهم مسألة الحياد. وكم فرحنا بالمشورة المقدَّمة في حينها! فقد واجه معظم الاخوة في زامبيا بنجاح الامتحانات العسيرة محافظين على امانتهم ليهوه».
في ستينات القرن العشرين، تعرّض شهود يهوه لاضطهاد عنيف واسع النطاق شمل تدمير الممتلكات. فقد هُدِمت منازلهم وقاعات ملكوتهم. ولكن من الجدير بالثناء ان الحكومة عالجت الوضع بسجن اعداد كبيرة من الذين قاموا بترهيب الشهود. وعندما اصبحت روديسيا الشمالية جمهورية زامبيا، اظهر شهود يهوه اهتماما خصوصيا ببند ورد في الدستور الجديد يضمن حقوق الانسان الاساسية. غير ان روح القومية التي اجتاحت البلد كانت ستسبب بعد وقت قصير المحن لأشخاص لا يتوقعون ايّ هجوم.
رموز قومية
في عهد الاستعمار كان اولاد شهود يهوه يعاقَبون عند امتناعهم عن تحية العلم — الراية البريطانية آنذاك — لاسباب دينية. كما عوقِبوا لرفضهم إنشاد النشيد الوطني. وبعد تقديم احتجاج الى السلطات لان موقف وزارة التربية. فقد كتبت قائلة: «ان وجهات نظر [فريقكم] المتعلقة بتحية العلم معروفة جيدا، وهي موضع احترام. وينبغي ألّا يتعرض ايّ ولد للعقاب على رفضه تأدية التحية». وقد بثّ الدستور الجمهوري الجديد الامل بتعزيز الحريات الاساسية، بما فيها حرية الضمير، الفكر، والدين. ولكن عندما اصبح للبلد علَم ونشيد وطني جديدان، اشتدت الروح الوطنية. وفُرِضت مجددا وبحماس شديد تأدية تحية العلم وإنشاد النشيد الوطني يوميا في المدارس. ورغم ان بعض الشهود الاحداث أُعفوا من ذلك، فقد ضُرِب كثيرون آخرون حتى انهم طُرِدوا من المدرسة.
لكنّ قانون التعليم الجديد الذي أُقِرّ سنة ١٩٦٦ ولّد الامل في النفوس. فقد تضمّن بندا يسمح لأحد الوالدَين او للوصي ان يطالب بإعفاء الولد من الخدمات او الاحتفالات الدينية. نتيجة لذلك، سُمِح لأولاد كثيرين ممن طُرِدوا من المدرسة بالعودة اليها. ولكن سرعان ما أُلحِقت بتكتّم شديد تشريعات اخرى بقانون التعليم. وبموجب هذه التشريعات، عُرِّفت الاعلام والاناشيد الوطنية بأنها رموز غير دينية تعزِّز الحس القومي. ورغم المناقشات التي اجراها الاخوة مع السلطات الحكومية، كان عدد الاولاد المطرودين من المدارس بسبب موقفهم الحيادي قد تجاوز الـ ٠٠٠,٣ في نهاية سنة ١٩٦٦.
لم يُسمَح لفَلِيا بالذهاب الى المدرسة
حان الوقت لامتحان شرعية الاجراءات التي اتُّخذت بحق الاولاد. فاختيرت قضية فَلِيا كاشاسو لتحقيق هذا الهدف. كانت فَلِيا تذهب بانتظام الى مدرسة بويانتانشي في حزام النحاس. لكنها طُرِدت من المدرسة رغم انها كانت معروفة كتلميذة مثالية. يخبر فرانك لويس كيف رُفِعت القضية الى المحكمة، قائلا: «تقدّم السيد ريتشموند سميث بالشكوى الى القضاء. لم تكن قضيتنا سهلة لأنها ضد الحكومة، ولكن عندما استمع السيد ريتشموند الى فَلِيا وهي توضِح لماذا لم تُحَيِّ العلم، اقتنع بتولّي القضية».
تقول دايلَس موسوندا التي كانت آنذاك تلميذة مدرسة في لوساكا: «عندما أُحيلت قضية فَلِيا الى المحكمة، كانت توقعاتنا كبيرة ان القضية ستسفر عن نتيجة ايجابية. وقد قَدِم بعض الاخوة من موفوليرا لحضور الجلسات. كما دُعينا انا وأختي الى حضورها. أذكر ان فَلِيا كانت في المحكمة ترتدي قبعة بيضاء وفستانا فاتح اللون. وقد توالت الجلسات على مدى ثلاثة ايام. في ذلك الوقت كان لا يزال في البلد بعض المرسَلين؛ فحضر الجلسات ايضا الاخ فيلپس والاخ فِرْڠَسُن. وقد اعتقدنا ان حضورهما مفيد».
اعلن رئيس المحكمة: «في هذه الدعوى ما من سبب للاعتقاد ان شهود يهوه يقصدون بتصرفاتهم الازدراء بالنشيد الوطني او العلم القومي». لكنه حكم ان تحية العلم وإنشاد النشيد الوطني هما من المراسِم غير الدينية، وأنه بموجب قانون التعليم لا يحق لفَلِيا المطالبة بالاعفاء منهما رغم ايمانها المخلص. فهذه المراسِم هي في رأيه ضرورية لتعزيز الامن القومي. ولكن لم يوضَّح مطلقا كيف ان فرض هذا المطلب على قاصر يخدم مصالح الناس. وهكذا، لم يُسمَح لفَلِيا بالذهاب الى المدرسة ما دامت متمسِّكة بمعتقداتها المسيحية.
تخبر دايلَس: «أُصبنا بخيبة كبيرة. غير اننا تركنا المسألة بين يدي يهوه». وقد ازدادت الضغوط مع الوقت، فتركت دايلَس وأختها المدرسة سنة ١٩٦٧. ومع انتهاء سنة ١٩٦٨ كان قد طُرِد نحو ٠٠٠,٦ ولد من اولاد شهود يهوه من المدرسة.
وضع قيود على التجمعات العامة
اقتضى قانون النظام العام الصادر سنة ١٩٦٦ ان تُفتتَح جميع الاجتماعات العامة بإنشاد النشيد الوطني. لذلك لم تعد دعوة الناس عموما الى المحافل امرا حكيما. وقد نفّذ الاخوة مطالب الحكومة بعقد الاجتماعات الكبيرة في اماكن خاصة مسيّجة بالعشب — في الغالب قرب قاعات الملكوت. لكنّ ذلك اثار فضول اعداد كبيرة من المهتمين، فاندفعوا الى التحقق مما يجري. نتيجة لذلك، ازداد عدد الحضور في الاجتماعات باطِّراد، حتى انه بلغ نحو ٠٢٥,١٢٠ شخصا في ذكرى موت المسيح سنة ١٩٦٧.
يتذكر لامپ شيسنڠا: «في تلك الفترة أُثيرت موجات من المقاومة العنيفة». ويضيف: «في منطقة سامْفيا، هاجم الرعاع الاخ مابو من جماعة كاتانشا وقتلوه. وفي بعض المناسبات، تعرض الاخوة للاعتداء في الاجتماعات، كما أُحرِق العديد من قاعات الملكوت. غير ان السلطات اعربت باستمرار عن احترامها للشهود. وقد اعتُقِل بعض المقاومين وعوقبوا».
لديهم سلاح طيران خاص!
استمر المقاومون في اطلاق الاتهامات الباطلة ضد شهود يهوه، مدّعين ان الشهود فاحشو الثراء وأنهم سيشكِّلون الحكومة القادمة. وذات يوم، وصل فجأة الى مكتب الفرع في كيتوي امين سر الحزب الحاكم. ولم يعلم الاخوة بزيارته حتى رأوا عددا كبيرا من رجال الشرطة يصلون الى البوابة. وعندما اجتمع بممثِّلي الفرع، شعر بالاستياء وقال بصوت عال: «ماذا تفعلون بهذه المباني التي أذِنّا لكم بتشييدها؟ هل هي مكاتبكم الحكومية؟».
استمر بعض رجال السلطة في تصديق الاشاعات الكاذبة. ففي المقاطعة الشمالية الغربية بزامبيا، حاولت الشرطة تفريق المجتمعين في محفل باستخدام غاز مسيِّل للدموع. إلّا ان الاخوة تمكّنوا من ارسال برقية عاجلة الى مكتب الفرع. وكان هناك مزارع مغترب يملك طائرة صغيرة، فأقلّ ممثِّلين من الفرع الى كابومبو للمساعدة على تهدئة الوضع وإزالة ايّ سوء فهم حاصل. لكن من المؤسف ان ذلك لم ينجح في تبديد شكوك البعض، اذ راحوا بعد ذلك يخبرون ان الشهود لديهم سلاح طيران خاص.
في موقع المحفل، جمع الاخوة بحرص اوعية الغاز المسيِّل للدموع المستعمَلة. وعندما زار ممثِّلو الفرع مسؤولين حكوميين للتعبير عن قلقهم بشأن ما حدث، استخدموا هذه الاوعية كدليل على استعمال القوة بلا مبرِّر. وقد تناولت وسائل الاعلام على نطاق واسع ذلك الحادث، وتحدثت عن ردّ الفعل السلمي الذي اظهره الشهود.
شرح موقفنا
تواصلت الجهود الحثيثة لحظر عمل شهود يهوه. وقد أراد الفرع شرح موقفنا الحيادي للحكومة. فاختير سمارت فيري وجوناس مانجوني لإلقاء محاضرة امام العديد من الوزراء في الحكومة. وأثناء المحاضرة، تهجّم احد الوزراء على الاخوين، قائلا: «ارغب في أخذكما الى الخارج وضربكما!». وأضاف: «هل تدركون ماذا فعلتم؟ لقد اخذتم خيرة مواطنينا، صفوة الناس، فماذا تبقّى لنا؟ القتلة والزناة والسارقون!».
فأجاب الاخوان على الفور: «لكنّ البعض منا كانوا كذلك! فقد كانوا سارقين وزناة وقتلة. وبفضل قوة الكتاب المقدس، صنع هؤلاء الاشخاص تغييرات في حياتهم فصاروا من خيرة مواطني زامبيا. لهذا السبب نناشدكم ان تدَعونا نكرز بحرية». — ١ كورنثوس ٦:٩-١١.
الترحيل والحظر الجزئي
أُمِر المرسَلون بمغادرة البلد، كما ذُكِر آنفا. قال فرانك لويس: «لن ننسى ابدا شهر كانون الثاني (يناير) ١٩٦٨.» وتابع: «اتصل احد الاخوة بنا هاتفيا ليخبرنا ان مسؤولا في دائرة الهجرة زاره قبل قليل. وقد سلّمه اوراق ترحيل تمهله سبعة ايام لإنهاء عمله في زامبيا والرحيل عنها. وسرعان ما تلقّينا اتصالا ثانيا وثالثا. وفي النهاية اتصل اخ ليبلغنا انه سمع ان المقيمين في مجمّع كبير في كيتوي سيتلقون اوامر الترحيل». وكما يظهر، اتُّخِذت هذه الاجراءات المتطرفة لضعضعة وحدة الشهود وتثبيطهم عن مواصلة نشاطهم الغيور.
في السنة التالية، اقرّ الرئيس نظام المحافظة على الامن العام الذي حظر عمل الكرازة من بيت الى بيت. وأمام هذا الحظر الفعلي كان من الضروري ان يعيد الاخوة تنظيم الخدمة ويركِّزوا اكثر على الشهادة غير الرسمية. فضلا عن ذلك، اصبحت خدمتنا للملكوت تدعى رسالتنا الشهرية، وتغيَّر عنوان الجزء «تقديم البشارة» ليصير «خدمتنا المحلية». وقد ساعد ذلك على تجنُّب لفت انتباه المراقبين الحكوميين. وفي نيسان (ابريل) ١٩٧١، اظهرت التقارير ذروة في الدروس البيتية في الكتاب المقدس بلغت ٠٠٠,٤٨ درس تقريبا، الامر الذي برهن بوضوح ان الجهود المبذولة لوضع قيود على العمل لم تنجح في تثبيط الاخوة.
يخبر كلايف ماونتفورد الذي رافق مرسَلين كثيرين اثناء خدمتهم والذي يعيش اليوم في انكلترا: «احدى الطرائق التي شهدنا بها هي نقل الناس في سياراتنا ومناقشة الحق معهم. كنا دائما نبقي المجلات في السيارة على مرأى من الاشخاص الذين نقلّهم».
رغم ان مناقشة الكتاب المقدس لم تكن محظورة، استلزمت القيودُ المفروضة علينا اخذ موافقة الشخص المهتم قبل زيارته. ولكن احيانا كان بالامكان تلافي هذه القيود بزيارة الاقرباء، رفقاء المدرسة السابقين، زملاء العمل، وغيرهم. وخلال الزيارة الاجتماعية، كان يمكن بلباقة تحويل الحديث الى مواضيع مؤسسة على الاسفار المقدسة. وبما ان العائلات كبيرة، كان بالامكان الاتصال بالكثير من الأقارب وغيرهم من اعضاء المجتمع غير المؤمنين.
اخبر مكتب الفرع قُبَيل سنة ١٩٧٥: «آلاف الناشرين لم ينهمكوا قط في الكرازة من بيت الى بيت. مع ذلك جرت تلمذة اشخاص جدد وتقديم شهادة رائعة». فبسبب القيود الموضوعة على الخدمة من بيت الى بيت، استخدم الاخوة طرائق اخرى للشهادة. وخير مثال لذلك اخ عمل كأمين سجل في احدى الدوائر الحكومية. فبما ان عمله شمل تسجيل اسماء الناس وبعض المعلومات عنهم، اظهر اهتماما خصوصيا بالذين يحملون اسماء من الكتاب المقدس. فكان يسألهم عما يعرفونه عن الاسم نفسه الذي يرد في الكتاب المقدس، الامر الذي اتاح له فرصا عديدة للشهادة. مثلا، جاءت اليه ذات يوم امّ وابنتها، ولاحظ ان اسم الفتاة هو عدن. فسأل الام هل تعرف ما هي «عدن»، لكنها ردّت بالنفي. فقدّم لها الجواب باختصار، مُظهِرا ان الارض في المستقبل القريب ستصير مثل الفردوس الاصلي في عدن. وإذ أُثير اهتمام المرأة، اعطته عنوان بيتها. ولاحقا اصبح زوجها ايضا يهتم بالحق. ثم بدأت العائلة تحضر الاجتماعات، وقد اعتمد بعض افرادها.
استفاد ناشرون آخرون من عملهم الدنيوي لإعطاء الشهادة. كان رويد يعمل في شركة تعدين. وقد استغل استراحة الغداء ليسأل زملاءه في العمل عما يعرفونه عن بعض الآيات. قال: «في رأيكم مَن هو ‹الصخر› المذكور في متى ١٦:١٨؟» او «مَن هو ‹حجر العثرة› الذي تتحدث عنه روما ٩:٣٢؟». وغالبا ما كانت فرق كبيرة من عمال المناجم تجتمع للاستماع الى شروحاته من الاسفار المقدسة. وبسبب هذه المناقشات غير الرسمية، تقدَّم عدد من زملاء رويد الى الانتذار والمعمودية.
ان الموقف الثابت الذي اتخذه احداثنا في المدرسة اتاح ايضا الفرص ليسمع الآخرون الحق. فعندما رفضت مجموعة من الاولاد الاشتراك في انشاد اغان وطنية، غضب المعلِّم وأمر التلاميذ بالوقوف خارج الصف. يتذكر احد الاولاد في تلك المجموعة: «لا بد ان الاستاذ ظن اننا لا نستطيع انشاد حتى ترانيمنا الدينية. وكما يبدو، اعتبر ذلك فرصة للاستهزاء بنا. فأمر التلاميذ ان يتجمعوا في فرق وفقا لطوائفهم الدينية. وطلب من كل فرقة انشاد ترنيمة او اثنتين من ترانيم كنيستها. وعندما لم تستطع فرقتان تذكُّر اية ترنيمة، التفت المعلِّم الينا. فبدأنا ننشد الترنيمة ‹هذا هو يوم يهوه›. ويبدو اننا رنّمنا بشكل رائع اذ ان الناس المارّين قرب المدرسة توقّفوا للاستماع الينا. ثم انشدنا الترنيمة ‹يهوه قد ملك!›. فصفّق الجميع، بمن فيهم المعلِّم، تصفيقا حادا. بعد ذلك عدنا الى الصف. فسألنا زملاؤنا في الصف اين تعلّمنا هاتين الترنيمتين الجميلتين. وقد رافقَنا بعضهم الى الاجتماعات وصاروا لاحقا شهودا نشاطى».
«موزِّعو الكتب»
برهن الاخوة في تلك الفترة انهم ‹حذرون كالحيات، وأبرياء كالحمام›. (متى ١٠:١٦) وبسبب مطبوعات الشهود المميّزة والكتب المساعِدة على الدرس التي استخدموها بحماس، اصبحوا يُلقَّبون بـ «موزِّعو الكتب». وكان عمل الكرازة بالملكوت يجري على قدم وساق رغم الجهود الدؤوبة التي بذلها المقاومون لإسكات الاخوة. وقد استمرت المقاومة العنيفة على نحو متقطع طوال سنوات، غير ان وطأتها خفّت في اوائل ثمانينات القرن العشرين.
اثناء السنوات الـ ٢٥ التي تلت الاستقلال، اعتمد نحو ٠٠٠,٩٠ شخص. غير ان عدد الناشرين النشاطى زاد نحو ٠٠٠,٤٢ شخص فقط. فما اسباب ذلك؟ صحيح ان البعض ماتوا وآخرين هاجروا، «لكنّ الخوف من الانسان كان ايضا من جملة الاسباب»، كما يخبر نلدي الذي خدم في مكتب الفرع في تلك الفترة. فقد اصبح كثيرون متقطعين او خاملين. بالاضافة الى ذلك، احدث الاستقلال تغييرا كبيرا. فصار يلزم ملء الوظائف الادارية الشاغرة في البلد التي حُفِظت سابقا للعمال الاجانب. وهكذا نشأت فرص جديدة في مجال السكن والتوظيف والتعليم، مما جعل عائلات كثيرة تحوِّل اهتمامها من الامور الروحية الى المساعي المادية.
رغم ذلك كله كان العمل يتقدَّم. كتب الملك سليمان الحكيم: «في الصباح ازرع زرعك، وإلى المساء لا تُرِح يدك؛ لأنك لا تعرف ايهما ينجح، أهذا المزروع هنا ام ذاك المزروع هناك، ام يكون كلاهما جيدَين على السواء». (جامعة ١١:٦) فقد سعى الاخوة ان يزرعوا زرع الحق الذي كان سينمو عندما تصبح الظروف مؤاتية. وبسبب الزيادات المطّردة، بات ضروريا ان تُشرى شاحنة جديدة سنة ١٩٧٦ لتسليم المزيد من المطبوعات. بالاضافة الى ذلك، بدأ سنة ١٩٨٢ العمل في تشييد مبانٍ جديدة للطباعة على مسافة كيلومترات من بيت ايل. وهذه التطورات الملائمة كانت ستضع الاساس للنمو في المستقبل.
قليلة هي البلدان الواقعة في وسط افريقيا التي تنعم كزامبيا بجو سلمي بعيد الى حد ما عن النزاعات الاهلية. وفي حين ان الظروف اصبحت اليوم مؤاتية جدا ‹للتبشير بالخيرات›، تساهم الذكريات عن ‹الضيقات› في حضّ الاشخاص الامناء ان يشغلوا انفسهم باستمرار ‹بجمع ثمر للحياة الابدية›. — روما ١٠:١٥؛ ٢ كورنثوس ٦:٤؛ يوحنا ٤:٣٦.
توسُّع الفرع
في ثلاثينات القرن العشرين، كان لولِن فيلپس والعاملون معه يقومون بتعييناتهم في مبنى مستأجَر في لوساكا مؤلف من غرفتين. ومعظم الاخوة ما كانوا ليتخيّلوا مجمّع بيت ايل الحالي الذي تبلغ مساحته ١١٠ هكتارات والذي يؤوي اكثر من ٢٥٠ متطوِّعا. وهؤلاء الاخوة والاخوات يسدّون الحاجات الروحية لأكثر من ٠٠٠,١٢٠ ناشر وفاتح. فإليك باختصار كيف حدث هذا النمو.
كما ذُكِر آنفا، بحلول سنة ١٩٣٦ كان موقف السلطات قد لان الى حد بعيد بحيث سمحت بإنشاء مخزن للمطبوعات في لوساكا. بُعَيد ذلك، اصبح ضروريا الانتقال الى بناء اكبر بهدف التوسُّع. فحصل الاخوة على مبنى سكني قرب المقرّ الرئيسي للشرطة. يتذكر جوناس مانجوني: «ضمّ المبنى غرفتي نوم». وأضاف: «جُعِلت غرفة الطعام دائرة الخدمة، والشرفة قسم الشحن». وسنة ١٩٥١، اخذ جوناس عطلة اسبوعين عن عمله الدنيوي ليخدم في بيت ايل. ولاحقا اصبح يخدم هناك بشكل دائم. يقول: «كان المكان حسن التنظيم يعمه جو من الفرح». ويتابع: «عملت في قسم الشحن مع الاخ فيلپس، وكنت اهتم بالاشتراكات وأضع الطوابع البريدية على لفائف المجلات. لقد كنا فرحين بخدمة الاخوة». وفي وقت لاحق، انضم هاري ارنوت الى لولِن فيلپس وعملا الى جانب اخوة محليين مثل جوب سيشَيلا، اندرو جون مولاباكا، جون موتالاي، پوتيفير كاتشيپا، ومورتون شيسولو.
كان حزام النحاس في زامبيا ينعم بقطاع تعدين مزدهر وبُنى تحتية سريعة التطور. لذلك نزح الناس الى منطقة التعدين من مختلف انحاء زامبيا. وهكذا تحوّل الاهتمام بشكل متزايد من لوساكا الى هذه المنطقة. فاقترح إيان فِرْڠَسُن شراء مبنى في بلدة تشتهر بنشاط التعدين. وهكذا انتقل مكتب الفرع سنة ١٩٥٤ الى جادة الملك جورج في لوانشيا. ولكن بعد وقت قصير لم يعد حجم المكان كافيا للاهتمام بالحقل الذي توسّع بسرعة ليشمل معظم اجزاء شرق افريقيا. وعندما زار زامبيا ناثان نور من المركز الرئيسي العالمي بسبب المحفل الكوري «الخدام اليقظون» الذي انعقد سنة ١٩٥٩، عاين مواقع محتملة لإنشاء فرع جديد وأعطى الموافقة على الشروع في عمل البناء. يخبر جفري ويلر: «ذهبنا انا وفرانك لويس ويوجين كينستشوك برفقة مهندس معماري الى الموقع الجديد في كيتوي لنحدد بالضبط موضع بيت ايل الجديد». وفي ٣ شباط (فبراير) ١٩٦٢، دُشِّن وكُرِّس ليهوه مكتب فرع جديد يضم مسكنا، غرفة طباعة، وقاعة ملكوت. وفي ختام برنامج تدشين المباني، ركّز هاري ارنوت، خادم الفرع آنذاك، على البناء الروحي الاكثر اهمية الذي يجب ان يعمل فيه كل واحد بجهد متحليا بالايمان، الرجاء، والمحبة.
بعد وقت قصير، لم تعد هذه المباني تفي بالحاجة بسبب ازدياد عدد ناشري الملكوت من ١٢٩,٣٠ الى نحو ٠٠٠,٥٧ في السنوات العشر التالية. يقول إيان فِرْڠَسُن: «شجعَنا الاخ نور على توسيع عمل الطباعة. فزرت الفرع في إلَنْسْفونْتايْن بجنوب افريقيا للتشاور مع الاخوة. بُعَيد ذلك، نُقِلت جوًّا مطبعة من هناك الى كيتوي».
بالاضافة الى المطبوعات والمجلات، كانت كيتوي تنتج خدمتنا للملكوت الشهرية للاخوة في كينيا ومناطق اخرى في شرق افريقيا. وسرعان ما اصبح المبنى المستخدَم للطباعة ضيِّقا، مما استلزم نقل المطبعة الى مكان آخر. وعندما اعترض المجلس البلدي على استخدامنا قطعة ارض شاغرة، منحنا احد الاخوة ارضا للبناء. وسنة ١٩٨٤ أُكمِل مبنى الطباعة. وطوال ثلاثة عقود، اعتُبِرت كيتوي مركزا روحيا لعمل الكرازة في زامبيا.
اثناء السنوات العصيبة التي تلت ترحيل المرسَلين، ازداد عدد العاملين في مكتب الفرع بحيث اصبح ١٤ عضوا من عائلة بيت ايل يسكنون هم وأُسَرهم خارج بيت ايل. كما كان ضروريا صنع التعديلات للاهتمام جيدا بالعمل في المستقبل. ومع الوقت، شُري بيتان واستؤجِر ثالث، الامر الذي جعل زيادة عدد اعضاء العائلة امرا ممكنا. رغم ذلك، كانت هنالك حاجة واضحة الى مبانٍ جديدة. والمفرح ان الظروف كانت ستتحسن كثيرا بعد وقت قصير. ففي سنة ١٩٨٦، أُوكِل الى اخوة في مناطق رئيسية ان يبحثوا عن قطعة ارض لبناء فرع جديد. فاستطاعوا الحصول على مزرعة مساحتها ١١٠ هكتارات تقع على مسافة حوالي ١٥ كيلومترا غرب العاصمة. وقد تبيّن ان خيارهم حكيم لأن المنطقة تحتوي على مخزون هائل من المياه الجوفية. ذكر دارِل شارپ: «اعتقد ان يهوه وجّهنا الى هذه البقعة الجميلة».
التدشين والنمو
يوم السبت الواقع فيه ٢٤ نيسان (ابريل) ١٩٩٣، اجتمع مئات الاشخاص ممن خدموا يهوه وقتا طويلا من اجل تدشين المباني الجديدة. وبالاضافة الى الاخوة والاخوات المحليين الـ ٠٠٠,٤، كان هنالك اكثر من ١٦٠ ضيفا من جنسيات مختلفة، بينهم مرسَلون اضطُرّوا الى الرحيل عن البلد قبل ٢٠ سنة. وقد حضر التدشين عضوان من الهيئة الحاكمة، احدهما ثيودور جارس الذي ألقى خطابا محوره «موصّون بأنفسنا كخدام اللّٰه». فذكّر الذين خدموا بأمانة سنوات عديدة انه لولا احتمالهم لما نشأت الحاجة الى البناء. وبالاشارة الى كلمات بولس الى الكورنثيين، شدّد ان الخادم الحقيقي ينمي ثمر الروح الذي يمكِّن المرء من احتمال المصاعب، المحن، والضيقات. ذكر: «انتم توصّون بأنفسكم كخدام اللّٰه». وتابع: «كان علينا بناء هذا الفرع الجديد بسبب توسُّع العمل».
سنة ٢٠٠٤، أُكمِل تشييد مبنى سكني جديد يتألف من اربع طبقات ويشمل ٣٢ غرفة. وقد جُدِّد مكان مخصص للطباعة مساحته حوالي ٠٠٠,١ متر مربع بحيث اصبح يتضمن ٤٧ مكتبا للترجمة وأماكن اضافية لخزن الملفات، فضلا عن غرف للاجتماعات ومكتبة.
رغم الظروف الاقتصادية العسيرة والمصاعب الاخرى، يصبح شهود يهوه بزامبيا اغنياء في خدمتهم للّٰه. وهم يعتبرونه امتيازا ان يتشاركوا مع الآخرين في غناهم الروحي. — ٢ كورنثوس ٦:١٠.
التوصية بالحق للجميع
ان مجتمع زامبيا الذي يعلِّق اهمية كبيرة على العائلة اتاح على مر السنين الفرصة لكثيرين ان يترعرعوا في طريق الحق. ثمة مثلٌ تقليدي من المقاطعة الغربية في زامبيا يقول: «البقرة لا تجد قرنيها ثقيلَين». وبعبارة اخرى، لا ينبغي للمرء ان يعتبر واجب العناية بعائلته عبئا ثقيلا. والوالدون المسيحيون يدركون مسؤوليتهم امام اللّٰه ويبرهنون انهم يؤثرون في اولادهم تأثيرا بنّاء، موصّين بالخدمة المسيحية قولا وعملا. واليوم، فإن شهودا كثيرين ممن يخدمون اللّٰه بغيرة هم متحدرون من هؤلاء الاولياء. — مزمور ١٢٨:١-٤.
يبتهج شهود يهوه في زامبيا بما أُنجِز بفضل صبر يهوه ودعمه. (٢ بطرس ٣:١٤، ١٥) في الايام الباكرة، ساعدتهم المعتقدات ‹الحقة› المؤسسة على الكتاب المقدس على اجتياز فترة راودتهم فيها الشكوك. و‹المحبة بلا رياء› التي يعربون عنها بشكل عملي لا تزال رباطا يجمع بين أناس اجتُذبوا من قبائل مختلفة، كما انها تؤدي دوما الى النمو الروحي دون معاناة الالم بلا مبرر. وباستخدام «اسلحة البر» للدفاع عن البشارة والاخبار بها «بلطف»، يفتحون اذهان الكثيرين بمن فيهم رجال السلطة، الامر الذي يؤدي في الغالب الى «سمعة حسنة». واليوم، هنالك اكثر من ١٠٠,٢ جماعة تأسست وتثبّتت «بمعرفة» لأن اشخاصا مقتدرين متخرجين من مدرسة تدريب الخدام يمنحونها الاشراف اللازم. ورغم ان «ضيقات» اكبر تكمن امام شهود يهوه، يمكنهم الوثوق بأنهم سيكونون ‹على الدوام فرحين› فيما يجتمعون معا. — ٢ كورنثوس ٦:٤-١٠.
في سنة الخدمة ١٩٤٠، اطاع وصيةَ يسوع ان يُحتفَل بذكرى موته نحوُ ٠٠٠,٥ شخص (نسبة ١ الى ٢٠٠ شخص تقريبا من السكان). اما في السنوات الاخيرة، فقد اظهر الاكرامَ ليهوه في تلك الامسية الخصوصية اكثرُ من نصف مليون شخص — ٣٨١,٥٧٠ شخصا سنة ٢٠٠٤ — اي واحد من كل ٢٠ شخصا تقريبا من السكان. (لوقا ٢٢:١٩) فكيف نَعِم شعب يهوه بهذه النتيجة الرائعة؟ يعود الفضل الى يهوه اللّٰه، المسؤول عن النمو الروحي. — ١ كورنثوس ٣:٧.
يؤدّي شهود يهوه في زامبيا واجبهم على اتمّ وجه. يقول عضو في لجنة الفرع: «اننا لا نخجل بالبشارة، بل نعتبرها امتيازا». ويرى الزائرون بوضوح ان الشهود يقومون بخدمتهم بتصميم واحترام. فلا عجب ان تبلغ نسبة الناشرين الى عدد السكان ١ الى ١٠٠! ومع ذلك، ما زال هنالك الكثير لفعله.
«اسم يهوه برج حصين. يركض اليه البار فيجد الحماية». (امثال ١٨:١٠) ولا يزال من الضروري ان يركض الذين قلوبهم مهيأة ويسارعوا الى الوقوف بجانب يهوه الآن. حاليا، يُعقَد في زامبيا نحو ٠٠٠,٢٠٠ درس في الكتاب المقدس كل شهر. وهذه الدروس ستساعد المزيد من الناس على الانتذار ليهوه والصيرورة خداما غيورين له. حقا، ان اكثر من ٠٠٠,١٢٠ شاهد نشيط في زامبيا لديهم سبب وجيه ليوصّوا بأنفسهم كخدام غيورين للّٰه.
[الاطار في الصفحة ١٦٨]
لمحة عن زامبيا
اليابسة: زامبيا بلد أرضه منبسطة، تكثر فيه الاشجار، وتحيط به اليابسة من كل الجهات. وهو يقع على هضبة يبلغ ارتفاعها نحو ٢٠٠,١ متر فوق سطح البحر. ويشكل نهر زمبيزي جزءا كبيرا من حدوده الجنوبية.
الشعب: معظم الزامبيين يعرفون القراءة والكتابة وينتمون الى أديان العالم المسيحي. وفي المناطق الريفية، يعيش الناس في بيوت مسقوفة بالعشب. ويزرعون في جوار تلك البيوت النباتات لإنتاج الطعام.
اللغة: الانكليزية هي اللغة الرسمية رغم ان هنالك اكثر من ٧٠ لغة محلية.
سبل العيش: يُعَدّ تعدين النحاس ومعالجته بين الانشطة الصناعية الرئيسية. وتشمل المنتجات الزراعية الذرة، الارزّ، والفستق.
الطعام: الذرة الصفراء طعام شائع. ويُعتبَر حساء الذرة الصفراء، أنْشيما، احد الاطباق المفضّلة لدى الزامبيين.
المُناخ: تتمتع زامبيا بمُناخ اكثر اعتدالا مما هو مُتوقّع في بلد بجنوب وسط افريقيا، وذلك بسبب ارتفاعها فوق سطح البحر. ولكنها تعاني الجفاف بين الحين والآخر.
[الاطار/الصورة في الصفحات ١٧٣–١٧٥]
حُكِم علي بالسجن ١٧ شهرا والجلد ٢٤ جلدة
كوسامو موانْزا
تاريخ الولادة: ١٨٨٦
تاريخ المعمودية: ١٩١٨
لمحة عن حياته: احتمل الاضطهاد والاخوة الدجالين. وخدم كفاتح وشيخ حتى انهى مسلكه الارضي سنة ١٩٨٩.
التحقت بالجيش وخدمت في فوج روديسيا الشمالية كعامل مستشفى في بداية الحرب العالمية الاولى. وأثناء اجازتي في كانون الاول (ديسمبر) ١٩١٧، التقيت رجلَين من تلاميذ الكتاب المقدس من روديسيا الجنوبية. فقدَّما لي ستة مجلدات من دروس في الاسفار المقدسة. وطوال ثلاثة ايام، قرأت بنهم المعلومات في هذه الكتب، ولم ارجع الى الحرب.
كان التراسل مع مكتب فرع شهود يهوه امرا صعبا، فعملنا انا والاخوة الذين كانوا معي بدون توجيه. فكنا نذهب من قرية الى قرية، نجمع الناس حولنا، نلقي موعظة، ونناقش الاسئلة التي يطرحها سامعونا. وفي وقت لاحق، اخترنا منطقةً شمالَ البلد يسهل الوصول اليها. ومن هذه المنطقة التي أُطلِق عليها اسم الجليل كنا ندعو المهتمين الى المجيء والاستماع الى شروحات الكتاب المقدس. وقد عُيِّنت انا للإشراف على العمل. ولكن من المؤسف ان كثيرين من الاخوة الدجالين ظهروا وتسببوا بحالة من التشويش.
كنا متشوقين الى الكرازة. غير ان جهودنا اثارت البلبلة في «مراعي» الارساليات الكاثوليكية والبروتستانتية في المنطقة. مع ذلك واصلنا عقد الاجتماعات الكبيرة. أذكر ما حدث حين اجتمع نحو ٦٠٠ شخص في التلال قرب إيسوكا في كانون الثاني (يناير) ١٩١٩. فبسبب الشك في حسن نوايانا، قَدِم رجال الشرطة والجنود وأتلفوا كتبنا المقدسة ومطبوعاتنا واعتقلوا كثيرين منا. فسُجِن البعض قرب كاساما وآخرون في إبالا او في ليڤنْڠْستون بأقصى الجنوب. وقد حُكِم على البعض بالسجن ثلاث سنوات. اما انا فحُكِم علي بالسجن ١٧ شهرا والجلد ٢٤ جلدة على مؤخرتي.
عند اطلاق سراحي، عدت الى قريتي وانهمكت مجددا في عمل الكرازة. وفي وقت لاحق اعتُقِلت مرة اخرى وسُجِنت بعد تعرُّضي لمزيد من الجلد. ولم تتوقف المقاومة إذ قرر الزعيم المحلي طرد الاخوة من القرية. فانتقلنا جميعا الى قرية اخرى حيث استقبلنا زعيمها بالترحاب. فأقمنا هناك وبنينا بإذن منه قريتنا الخاصة التي سمّيناها الناصرة. وسُمِح لنا بالبقاء شرط ألا يعكر نشاطنا السلام هناك. وكان الزعيم راضيا عن سلوكنا.
في اواخر سنة ١٩٢٤، عدت الى إيسوكا شمالا حيث ساعدني مفوض حكومي ودّي على تحسين فهمي للغة الانكليزية. في تلك الاثناء، ظهر قادة مزعومون وعلّموا الناس امورا معوّجة وأضلّوا كثيرين. إلا اننا استمررنا في عقد اجتماعاتنا بحذر في البيوت. وبعد عدة سنوات، تلقيت دعوة ان التقي لولِن فيلپس في لوساكا. فعيّنني لزيارة الجماعات الواقعة على الحدود بين زامبيا وتنزانيا. فذهبت الى مناطق بعيدة مثل مْبيّا في تنزانيا لكي أقوّي الاخوة. وبعد كل جولة، كنت اعود الى جماعتي المحلية. هذا ما قمت به الى ان عُيِّن نظار للدوائر في اربعينات القرن العشرين.
[الاطار/الصور في الصفحات ١٨٤–١٨٦]
مساعدة البلدان المجاورة في الشمال
سنة ١٩٤٨، تولى الفرع الجديد في روديسيا الشمالية الاشراف على عمل الكرازة بالملكوت في معظم اجزاء المنطقة التي كانت تُدعى افريقيا الشرقية البريطانية. وفي ذلك الوقت، لم يكن هنالك سوى ناشرين قليلين في المناطق الجبلية للبلدان المجاورة لزامبيا في الشمال. كما ان السلطات وضعت قيودا مشددة على دخول المرسلين الاجانب. فمَن كان سيساعد الاشخاص المتواضعين على تعلُّم الحق؟
عندما اعرب هاپّي شيسنڠا عن استعداده للخدمة كفاتح عادي في وسط زامبيا، فوجئ بتسلُّم دعوة الى الخدمة في مقاطعة منعزلة قرب إنجومباي في تنزانيا. يقول: «عندما قرأنا انا وزوجتي الكلمة ‹منعزلة› اعتقدنا اننا سنعمل مع ناشرين آخرين في منطقة نائية. ولكن سرعان ما عرفنا اننا اول الكارزين في ذلك المكان. وهناك لفتنا انتباه الناس الى الاسم يهوه وتعابير مثل هرمجدون في نُسخهم من الكتاب المقدس. فبدأوا يهتمون بما نقوله. وبعد وقت قصير، لقبوا زوجتي بهرمجدون ولقّبوني انا يهوه. وعندما انتقلنا في النهاية الى أروشا، تركنا وراءنا فريقا من الناشرين الاقوياء».
سنة ١٩٥٧، نال وليَم لامپ شيسنڠا التعيين ان يخدم كفاتح خصوصي في الجبال قرب مْبيّا في تنزانيا. يقول: «وصلنا انا وزوجتي ماري وولدانا في تشرين الثاني (نوفمبر). وإذ لم يكن هنالك غرف شاغرة في الفنادق المحلية، امضينا الليل كله في محطة الباص. لقد كانت تلك الليلة باردة وممطرة، غير اننا كنا متشوقين ان نعرف كيف سيوجه يهوه الامور. وفي صباح اليوم التالي، تركتُ عائلتي في المحطة لأبحث عن مكان نمكث فيه. لم يكن ببالي موضع محدد اقصده، لكنني اخذت معي نُسَخا من برج المراقبة. وقد وزّعت عدة مجلات قبل وصولي الى مكتب البريد والتقائي رجلا يدعى جونسون. سألني هذا الرجل: ‹من اين اتيتَ، وإلى اين تذهب؟›. فأخبرته انني اتيت لأكرز بالبشارة. وعندما عرف انني من شهود يهوه، قال انه من لوندازي في المقاطعة الشرقية بزامبيا وأنه شاهد معتمد ولكنه خامل. فرتّبنا انا وهذا الشاهد لنقل عائلتي وأغراضنا الى بيته. ومع الوقت، استعاد جونسون وزوجته قوتهما الروحية وساعدانا على تعلُّم اللغة السواحلية. وفي آخر الامر، عاد الى زامبيا وأصبح يكرز بالبشارة بنشاط. لقد علّمني هذا الاختبار ألا استخف ابدا بقدرة يهوه على مساعدتنا او استهين بالفرص المتاحة لمساعدة الآخرين».
بسبب انخراط برنارد موسينڠا في الخدمة كامل الوقت، انتقل هو وزوجته پولين وأولادهما الصغار الى بلدان مثل أوغندا، كينيا، وإثيوبيا. يتحدث برنارد عن زيارة قام بها لجزر سايشل قائلا: «سنة ١٩٧٦، عُيِّنتُ لزيارة فريق في جزيرة پرالان الجميلة. كان الناس هناك كاثوليكيين متشددين، وقد حصل الكثير من سوء الفهم بينهم وبين الاخوة. على سبيل المثال، رفض ابن صغير لناشر جديد ان يستعمل علامة الجمع في دروس الرياضيات موضحا: ‹انها صليب وأنا لا أومن بالصليب›. ونتيجة لذلك، اطلق القادة الدينيون الاتهام السخيف ان ‹شهود يهوه لا يسمحون لأولادهم بدرس الرياضيات›. لكننا اوضحنا معتقداتنا باحترام وأزلنا سوء الفهم هذا في اجتماع مع وزير التربية. كما نمّينا علاقة ودية به، الامر الذي اتاح للمرسلين دخول البلد».
[الصورة]
هاپّي موابا شيسنڠا
[الصورة]
وليَم لامپ شيسنڠا
[الصورة]
برنارد وپولين موسينڠا
[الاطار/الصورة في الصفحتين ١٩١، ١٩٢]
«انت تضيِّع مستقبلك!»
موكوسيكو سينالي
تاريخ الولادة: ١٩٢٨
تاريخ المعمودية: ١٩٥١
لمحة عن حياته: متخرِّج من جلعاد ومترجم سابق. يخدم حاليا كشيخ في احدى الجماعات.
في اليوم الذي اعتمدت فيه، تحدث إليّ المرسَل هاري ارنوت بشأن الحاجة الى مترجمين الى اللغة السيلوزية. فسألني: «هل يمكنك المساعدة؟». وسرعان ما تسلّمت رسالة تعيين ونسخة من مجلة برج المراقبة. فبدأت العمل بشوق تلك الامسية بالذات. كانت الترجمة عملا صعبا يتطلب ساعات طويلة من الكتابة بقلم حبر قديم. ولم يتوفر لي ايّ قاموس بالسيلوزية. كنت اعمل نهارا في مكتب البريد وليلا في الترجمة. وكنت اتسلّم احيانا رسالة من مكتب الفرع تقول: «من فضلك، أرسِل النصوص المترجمة على الفور». وغالبا ما فكرت: ‹لِمَ لا انخرط في الخدمة كامل الوقت؟›. وفي آخر الامر، استقلت من مكتب البريد. ورغم ان المسؤولين كانوا يثقون بي، اثارت استقالتي الشكوك في انني ربما اختلست المال. فأرسل مكتب البريد مفتشَين اوروبيَّين للتحقق من الامر. ولكن لم تكشف تحرياتهما اية مشاكل، غير انهما لم يفهما سبب استقالتي. فعرض علي ارباب عملي ترقية لكي ابقى في وظيفتي. وعندما رفضت حذّروني قائلين: «انت تضيِّع مستقبلك!».
لكنّ ذلك لم يكن صحيحا. فسنة ١٩٦٠ دُعيت الى بيت ايل. وبُعَيد ذلك تلقّيت دعوة الى حضور مدرسة جلعاد، فشعرت بالخوف. وعندما سافرت بالطائرة للمرة الاولى — متّجها الى باريس، ثم امستردام، وبعدها الى نيويورك — فكّرت في نفسي: ‹هل هذا ما يشعر به الممسوحون عندما يذهبون الى السماء؟›. وفي المركز الرئيسي العالمي، حظيت باستقبال حبي مسّ قلبي. فقد اعرب الاخوة عن التواضع ولم يكن لديهم ايّ تحامل. بعد ذلك، عُيِّنت مجددا في زامبيا حيث واصلت العمل في الترجمة.
[الاطار/الصورة في الصفحة ١٩٤]
اسرع من العقبان
كاتوكو نكوبونڠو رجل عاجز لا يستطيع المشي. وفي يوم احد، اثناء زيارة ناظر الدائرة، شاع خبر مفاده ان الثوار يتقدمون الى القرية التي يعيش فيها. فهرب اهل القرية جميعا، وكان آخر المغادرين ناظر الدائرة ميانڠا مابوشو. وفيما كان الاخ ميانڠا يركب دراجته للذهاب الى برّ الامان، سمع صوت استغاثة من كوخ مجاور يقول: «يا اخي، هل ستتركني هنا؟». وكان هذا الصوت صوت كاتوكو. فساعده ناظر الدائرة فورا على ركوب الدراجة ليخرجا من القرية.
اتجه هذان الرجلان جنوبا نحو زامبيا. وفي الطريق عبَرا مناطق وعرة. وكان على الاخ نكوبونڠو ان يصعد التلال الشديدة الانحدار زحفا على بطنه. يتذكر ناظر الدائرة: «رغم انني صعدت على قدميّ، وصل الاخ الى اعلى التلة قبلي. فقلت لنفسي: ‹هذا الرجل مُقعد، ولكنه يتنقل كما لو ان لديه جناحين!›. اخيرا، وصلنا الى مكان اكثر امنا حيث أُعطينا طعاما لنأكل. فطلبتُ من الاخ ان يصلّي. وأغرورقت عيناي بالدموع عندما سمعت التعابير القلبية التي تفوه بها. فقد صلّى مشيرا الى اشعيا، الاصحاح ٤٠، قائلا: ‹يا يهوه، كلامك حق. الصبيان يعيون ويكلون، والشبان يتعثرون تعثرا، اما الذين يرجونك فيُجدِّدون قوة. يرتفعون بأجنحة كالعقبان. يركضون ولا يكلون، يمشون ولا يعيون›. ثم اضاف: ‹اشكرك يا يهوه لأنك جعلتني اتنقل بشكل اسرع من العقبان التي تحلق في السموات›».
[الاطار/الصورة في الصفحتين ٢٠٤، ٢٠٥]
سروال قصير كاكيّ وحذاء رياضي بنيّ
فليمون كاسيپوه
تاريخ الولادة: ١٩٤٨
تاريخ المعمودية: ١٩٦٦
لمحة عن حياته: يخدم كناظر جائل ومعلِّم ومنسِّق في مدرسة تدريب الخدام في زامبيا.
درّبني جدّي على الخدمة. وفي كثير من الاحيان، كان يأخذني الى زملائي في المدرسة ويطلب مني ان اشهد لهم. كما اعتاد ان يعقد الدرس العائلي بانتظام، ولم يسمح لأحد بأن يغفو فيه. كنت دائما اتطلع بشوق الى حضور درسنا العائلي.
اعتمدت في نهر قرب منزلنا. وبعد شهر، ألقيت موضوعي الاول في الجماعة. أذكر انني ارتديت يومذاك سروالا قصيرا جديدا كاكيّ اللون وحذاء رياضيا بنيًّا. ولكن من المؤسف انني شددت ربطة حذائي كثيرا بحيث اصبح يضايقني، الامر الذي لاحظه خادم الجماعة. فجاء بلطف الى المنصة وأرخى الربطة في حين بقيت صامتا. قدّمت الموضوع بشكل جيد، وتعلمت درسا من هذا العمل اللطيف. حقا، لقد منحني يهوه الكثير من التدريب.
رأيت بأم عيني اتمام اشعيا ٦٠:٢٢. فالجماعات تزداد عددا، مما يستلزم مزيدا من الشيوخ والخدام المساعدين المجهَّزين جيدا لتولي المسؤوليات. ومدرسة تدريب الخدام تسدّ هذه الحاجة. ومن الممتع حقا تعليم هؤلاء الشبان. فضلا عن ذلك، تعلمت انه اذا أوكل يهوه اليك عملا، فسيمنحك بالتأكيد روحه القدس.
[الاطار/الصور في الصفحات ٢٠٧-٢٠٩]
«هذا ليس بالامر الشاق»
ادوارد وليندا فينتش
تاريخ الولادة: ١٩٥١
تاريخ المعمودية: ادوارد سنة ١٩٦٩ وليندا سنة ١٩٦٦
لمحة عن حياتهما: تخرّجا من الصف الـ ٦٩ لمدرسة جلعاد. ويخدم ادوارد حاليا كمنسق للجنة الفرع في زامبيا.
خلال فترة انعقاد احد المحافل، جلنا في الجزء الشمالي من البلد. وكانت الطرقات القليلة هناك عبارة عن ممرات غير معبدة. وعلى مسافة بضعة كيلومترات من القرية، رأينا اشخاصا يسيرون باتجاهنا. كان احدهم رجلا مسنا منحنيا يتوكأ على عكاز. وكانت فردتا حذائه المربوطتان احداهما بالاخرى تتدليان من على ظهره، هما وكيس امتعة صغير. عندما اقتربنا منهم، رأينا انهم جميعا يتقلدون شارات المحفل. فتوقفنا لنسألهم من اين جاءوا. عندئذ استوى قليلا الاخ المتقدم في السن وقال: يبدو انكم نسيتم. كنا معا في قرية شانسا لحضور المحفل. ونحن الآن على مقربة من بيتنا.
فسألناهم: متى غادرتم المحفل؟
— عند انتهاء البرنامج يوم الاحد.
— لكنّ اليوم يوم الاربعاء، ونحن في فترة بعد الظهر. فهل مشيتم طوال ثلاثة ايام؟
— نعم، كما اننا سمعنا زئير اسود ليلة امس.
— انتم جميعا جديرون بالثناء على الروح الرائعة التي تُظهِرونها والتضحية التي تبذلونها بغية حضور المحفل.
بعد ذلك، التقط الاخ المتقدم في السن اغراضه وبدأ يمشي. ثم قال: «هذا ليس بالامر الشاق». وأضاف: «شكرا لمكتب الفرع على هذا الموقع الجديد للمحفل. السنة الماضية كان علينا ان نمشي خمسة ايام. اما هذه السنة فمشينا ثلاثة ايام فقط».
تتذكر الاكثرية الجفاف الذي عانته زامبيا سنة ١٩٩٢. في تلك السنة كنا نحضر محفلا عُقِد على ضفاف نهر زمبيزي، على مسافة ٢٠٠ كيلومتر تقريبا من شلالات فيكتوريا باتجاه منبع النهر. وفي المساء، زرنا عائلات اجتمعوا بمعظمهم حول النار التي اضرموها امام سقائفهم الصغيرة. وكان فريق منهم مؤلف من حوالي ٢٠ شخصا ينشد ترانيم الملكوت. لقد علمنا انهم مشوا ثمانية ايام للوصول الى المحفل. لكنهم لم يشعروا انهم فعلوا شيئا استثنائيا. وقد سافروا مستخدمين حيواناتهم التي حمّلوها اولادا صغارا، طعاما، اواني للطبخ، وحاجيات اخرى. وكانوا ينامون حيثما ادركهم الليل.
في اليوم التالي، أُعلِن ان الجفاف أضرّ كثيرين وأن المساعدة تُمنَح للمحتاجين. وفي المساء، اتى الى كوخنا ثلاثة اخوة حفاة القدمين يلبسون ثيابا قديمة. فتوقعنا ان يخبرونا كيف تضرروا من الجفاف. لكنهم بدأوا يتحدثون عن الحزن الذي شعروا به عندما علموا بمعاناة بعض الاخوة. ثم اخرج احدهم من جيب سترته ظرفا محشوا بالمال وقال: «من فضلكم، لا تدعوهم يجوعون. خذوا هذا المال واشتروا لهم بعض الطعام». فتأثرنا كثيرا الى حد اننا عجزنا عن الكلام، حتى اننا لم نشكرهم. وغادروا قبل ان نتمكن من استيعاب ما يحدث. لم يأتِ هؤلاء الاخوة الى المحفل مستعدين لتقديم هذا التبرع، لذلك كانت تقدمتهم تضحية كبيرة. ولا شك ان اختبارات كهذه تقرِّبنا اكثر الى اخوتنا.
[الصور]
رغم المصاعب، يقطع كثيرون مسافات كبيرة لحضور المحافل
في الاعلى: تحضير العشاء في موقع المحفل
الى اليسار: خَبز الطعام في العراء
[الاطار/الصورة في الصفحات ٢١١–٢١٣]
مصممون على عقد المحفل
آرون ماپولانڠا
تاريخ الولادة: ١٩٣٨
تاريخ المعمودية: ١٩٥٥
لمحة عن حياته: خدم سابقا كمتطوع في عائلة بيت ايل، مترجم، وعضو في لجنة الفرع. وهو الآن رب عائلة يخدم كشيخ في الجماعة.
سنة ١٩٧٤، ذهبنا الى محفل عُقد على بعد ١٠ كيلومترات شرقي كاساما. ورغم ان الزعيم المحلي منحنا اذنا بالتجمُّع، اصرَّت الشرطة ان نتفرّق. وسرعان ما وصل الضابط القائد، رجل ضخم البنية، مع حوالي مئة شرطي وأحاطوا بمخيّمنا. لكننا تابعنا البرنامج فيما دارت في مكتب مبني بالعشب مناقشة حامية حول التراخيص ووجوب عزف النشيد الوطني.
عندما حان وقت تقديم الجزء المعيّن لي من البرنامج، تبعني الى المنصة الضابط القائد محاولا منعي من إلقاء الخطاب الاساسي. وكان الحضور يتساءلون ماذا سيحدث بعد ذلك. فوقف قليلا محدِّقا الى حضور عدده نحو ٠٠٠,١٢ شخص، ثم غادر المنصة وهو يحتدم غيظا. بعد انتهائي من تقديم الخطاب، وجدته ينتظر خلف المنصة وهو منزعج جدا. ثم امر رجاله ان يفرِّقوا المجتمعين. غير ان خلافا نشأ بين كبار رجال الشرطة فغادروا الموقع في عرباتهم. وبعد وقت قصير، عادوا حاملين هذه المرة كتابا كبيرا وضعه الضابط القائد امامي على الطاولة وطلب مني ان اقرأ مقطعا معلَّما، فقرأته بصمت.
ثم قلت: «ما يذكره هذا الكتاب صحيح. فهو يقول: ‹الشرطي مخوّل ان يفضّ ايّ اجتماع اذا كان يهدد الامن›». ثم أضفت وأنا انظر الى حزامه ومسدساته: «الشيء الوحيد الذي يشكل تهديدا هنا هو وجودك انت ورجالك المسلحين. اما من جهتنا فنحن لا نحمل سوى كتب مقدسة».
فالتفتَ فورا الى ضابط استخبارات وقال: «ألم أقل لك؟ لنذهب الآن!». فأخذوني الى مركز الشرطة.
لدى وصولنا الى مكتبه، امسك سماعة الهاتف وبدأ يتحدث الى ضابط آخر. كنا قبل ذلك نتحادث بالانكليزية. لكنه راح يتكلم على الهاتف بالسيلوزية. فلم يكن يعلم انها لغتي الام انا ايضا. لقد تحادثا عني في حين جلست انا بهدوء متجنبا ترك الانطباع انني افهم ما يقولانه. ثم اقفل الخط وقال: «الآن، اسمع ما سأقوله لك!».
فأجبت بالسيلوزية: «نعم يا سيدي، انا اسمع!». فبدت المفاجأة على وجهه، وجلس ناظرا إلي طويلا. ثم وقف وسار نحو برّاد كبير في زاوية مكتبه، وقدّم الي شرابا باردا. فأصبح الجو بيننا اقل توترا.
بعد ذلك، وصل احد الاخوة، وكان رجل اعمال محترَما في المنطقة. فقدَّمنا اقتراحات عملية هدّأت مخاوف الضابط، فانتهى ذلك الظرف العصيب. وبدعم يهوه، اصبحت ترتيبات المحافل اكثر سهولة.
[الاطار/الصورة في الصفحة ٢٢١]
نحيل نحول الاصبع
مايكل موكانو
تاريخ الولادة: ١٩٢٨
تاريخ المعمودية: ١٩٥٤
لمحة عن حياته: ناظر جائل سابق يخدم اليوم في بيت ايل بزامبيا.
شملت الدائرة المعيَّنة لي واديا يحده جرف. وغالبا ما كان يزعجني ذباب التسي تسي. ولتجنب الحشرات وحرّ النهار، كنت استيقظ عند الواحدة صباحا وأبدأ السير متسلقا التلال والجبال للوصول الى الجماعة التالية. وإذ كان عليّ المشي طويلا، لم احمل الكثير من الامتعة. ولم يكن في حوزتي سوى القليل من الطعام، لذلك اصبحت نحيلا نحول الاصبع. ففكر الاخوة في الكتابة الى مكتب الفرع طلبا لتغيير تعييني، اذ اعتقدوا انني سأموت عاجلا او آجلا. وعندما اخبروني بذلك قلت لهم: «هذا لطف منكم، ولكن ينبغي ان تتذكروا ان تعييني اتى من يهوه، وبإمكانه تغييره اذا شاء. وهل انا اول شخص يموت هنا؟ لذلك دعوني استمر في تعييني. وإذا متّ فما عليكم إلا ان تُبلغوا مكتب الفرع».
بعد ثلاثة اسابيع، تغيَّر تعييني. صحيح ان خدمة يهوه قد تشكِّل تحديا، ولكن عليك الاستمرار فيها. فيهوه هو الاله السعيد. وإذا كان خدامه تعساء، فبإمكانه اتخاذ اجراء ما لجعلهم يخدمونه بفرح.
[الاطار/الصورة في الصفحتين ٢٢٣، ٢٢٤]
نحن لا نؤمن بالخرافات
هاركينس موكينڠا
تاريخ الولادة: ١٩٥٤
تاريخ المعمودية: ١٩٧٠
لمحة عن حياته: خدم برفقة زوجته كناظر جائل. وهو حاليا عضو في بيت ايل بزامبيا.
اثناء قيامنا انا وزوجتي إيدا بالعمل الجائل، أخذنا معنا ابننا الوحيد البالغ من العمر سنتين. ولدى وصولنا الى احدى الجماعات، استقبلنا الاخوة بالترحاب. وفي صباح يوم الخميس، بدأ ابننا يبكي دون توقف. وفي الثامنة ذهبت الى اجتماع خدمة الحقل، تاركا اياه تحت رعاية إيدا الحبية. ولكن بعد ساعة، فيما كنت ادير درسا في الكتاب المقدس، بلغ مسامعي ان ابننا مات. فحزنّا كثيرا، وما زاد الطين بلّة هو ان بعض الاخوة استنتجوا انه وقع ضحية السحر. فحاولنا مساعدتهم على طرد هذا الخوف الذي يتملك الناس عموما في تلك المنطقة. غير ان الخبر انتشر في كل المقاطعة انتشار النار في الهشيم. فأوضحتُ لهم ان الشيطان لا يقوى على يهوه وخدامه الاولياء رغم انه واسع النفوذ. كما ان «الوقت والحوادث غير المتوقعة» تصيبنا كافة، فلا يجب ان نسارع الى التوصل الى استنتاجات مبنية على الخوف. — جامعة ٩:١١.
وفي اليوم التالي دفنّا ابننا، ثم عقدنا الاجتماع. فتعلّم الاخوة درسا مما حدث، وهو اننا لا نخاف الارواح الشريرة ولا نؤمن بالخرافات. ومع اننا تألمنا كثيرا لخسارتنا هذه، تابعنا خدمتنا في اسبوع النشاط الخصوصي ذاك ثم انتقلنا الى جماعة اخرى. وعوض ان تعزينا الجماعات في مصابنا، عزّيناهم نحن وشجعناهم بتذكيرهم ان الموت سيصبح في المستقبل القريب شيئا من الماضي.
[الاطار/الصورة في الصفحة ٢٢٨، ٢٢٩]
استجمعنا الشجاعة
لينارد موسوندا
تاريخ الولادة: ١٩٥٥
تاريخ المعمودية: ١٩٧٤
لمحة عن حياته: منهمك في الخدمة كامل الوقت منذ سنة ١٩٧٦. قضى ست سنوات في العمل الجائل وهو يخدم الآن في بيت ايل بزامبيا.
في السنوات التي سبقت سنة ١٩٨٥، كانت المقاومة السياسية في اقصى شمال البلد شديدة. وفي تلك السنة تقريبا كنت ازور الجماعات في هذه المنطقة. وكنت معيَّنا حديثا كناظر دائرة، وقد سنحت لي الفرصة ان أُعرب عن ايماني وشجاعتي. فذات يوم، فور انتهاء اجتماع خدمة الحقل، تأهبنا لزيارة قرية مجاورة. لكنّ احد الاخوة أبلغنا انه سمع عن نيّة سكان القرية بأجمعهم ان يضربوا شهود يهوه اذا حاولوا الكرازة هناك. صحيح ان الاخوة في أواخر ستينات وأوائل سبعينات القرن العشرين تعرضوا لهجمات الرعاع، لكنني لم اتصور ان مجتمعا بكامله سيقوم بأعمال عنيفة ضدنا في ذلك الوقت.
مع ذلك، عند سماع ما قاله الاخ، خاف بعض الناشرين وتخلفوا عن الذهاب. غير ان عددا كبيرا منا استجمعوا شجاعتهم وانطلقوا الى القرية. وكم اذهلنا ما حدث هناك! فقد وزّعنا مجلات كثيرة وأدرنا مناقشات ودية مع مَن التقيناهم. لكنّ بعض الذين رأونا ندخل القرية هربوا. فقد لاحظنا ان القدور تغلي وتفور دون اي رقيب والبيوت تُركت مفتوحة. وهكذا عوض ان نتعرض لهجوم، شهدنا انسحابا.
[الاطار/الصورة في الصفحتين ٢٣٢، ٢٣٣]
اضطُرِرت ان اهرب لأنجو بحياتي
دارلنڠتون سيفوكا
تاريخ الولادة: ١٩٤٥
تاريخ المعمودية: ١٩٦٣
لمحة عن حياته: خدم كفاتح خصوصي، ناظر جائل، ومتطوِّع في بيت ايل بزامبيا.
سنة ١٩٦٣، كانت موجة من الاضطرابات تجتاح البلد. وعندما كنا نذهب في خدمة الحقل آنذاك، غالبا ما كانت عصابات من الشباب ذوي الاهداف السياسية يسبقوننا محذرين الناس لئلا يستمعوا الينا ومهددينهم بتحطيم نوافذهم وأبوابهم في حال فعلوا ذلك.
في احدى الامسيات، بعد يومين فقط من معموديتي، قام فريق مؤلف من ١٥ حدثا بضربي ضربا مبرِّحا. فسال الدم من فمي وأنفي. وفي امسية اخرى، تعرضت انا وأحد الاخوة لهجوم من فريق يضم ٤٠ شخصا تقريبا كانوا قد تبعونا الى المكان الذي امكث فيه. فتذكرت ما اختبره الرب يسوع، الامر الذي مدّني بالقوة. كما ان الخطاب الذي ألقاه الاخ جون جايسن عند معموديتي أظهر بوضوح ان حياة المسيحي لن تكون خالية من المشاكل. وهكذا، عندما حصلت لي هذه الامور، لم تكن مباغتة وقد اعتبرتها مصدر تشجيع.
في ذلك الوقت، اراد رجال السياسة ان يدعمهم الشعب في نضالهم من اجل الاستقلال. وقد اعتبروا موقفنا الحيادي انحيازا الى جانب الاوروبيين والاميركيين. كما حرص القادة الدينيون المؤيدون للفرق السياسية ان يضخِّموا التقارير السلبية المتعلقة بنا. حقا، كانت الظروف صعبة قبل الاستقلال، ولم تتغير بعده. فقد خسر اخوة كثيرون عملهم لأنهم لم يحصلوا على بطاقات الحزب. كما ان البعض نزحوا من المدن وضواحيها الى قراهم وقبلوا بوظائف متدنية الاجر ليتفادوا ان يُطلب منهم تقديم التبرعات لدعم النشاطات السياسية.
عندما كنت مراهقا، اهتم برعايتي ابن خالة لي غير شاهد. إلّا ان موقفي الحيادي عرّض عائلته للتهويل والتهديد، فاعتراهم الخوف. وذات يوم، قال لي ابن خالتي قبل ذهابه الى العمل: «عندما اعود في المساء يجب ان تكون قد غادرت البيت». في بادئ الامر اعتقدت انه يمزح. فقد كان قريبي الوحيد في البلدة، ولم يكن لدي مكان آخر ألجأ اليه. ولكن سرعان ما ادركت انه جادّ في كلامه. فعندما عاد الى البيت ووجدني هناك استشاط غضبا والتقط بعض الحجارة وبدأ يطاردني. وكان يصرخ قائلا: «اذهب الى رفاقك الكلاب!». فاضطُرِرت ان اهرب لأنجو بحياتي.
سمع ابي اخباري وبعث إلي برسالة تقول: «اذا داومت على الالتصاق بموقفك الحيادي، فلا تطأ عتبة منزلي». وقد شكّل ذلك تحديا لي. فكنت آنذاك في الثامنة عشرة من عمري، وليس لي احد يؤويني. غير ان الجماعة قامت بذلك. غالبا ما اتأمل في كلمات الملك داود: «إن تركني ابي وأمي، فيهوه يضمني». (مزمور ٢٧:١٠) وهكذا، استطيع القول بصدق ان يهوه يفي بوعوده.
[الاطار/الصورة في الصفحتين ٢٣٦، ٢٣٧]
سلوكي جعلني أحظى باحترام معلمين كثيرين
جاكسون كاپوبي
تاريخ الولادة: ١٩٥٧
تاريخ المعمودية: ١٩٧١
لمحة عن حياته: يخدم كشيخ في الجماعة.
سنة ١٩٦٤، بدأ اولاد الاخوة يتعرضون للطرد من المدارس. وقد ساعد مكتب الفرع الوالدين ان يدركوا ضرورة إعداد اولادهم لمواجهة الوضع الراهن. أذكر كيف جلس ابي معي بعد مجيئي من المدرسة ليناقش خروج ٢٠:٤، ٥.
في التجمعات التي عقدتها المدرسة، كنت اقف في الخلف تفاديا للمواجهة. ولكن كان يُطلَب من الذين لا يُنشِدون النشيد الوطني ان يتقدموا نحو الامام. وعندما سألني مدير المدرسة لماذا لا أُنشد، استخدمت الكتاب المقدس لأجيبه. فصاح قائلا: «انت تستطيع القراءة لكنك لا تنشد النشيد الوطني!». ففي رأيه انا مدين للحكومة بالولاء لأنها زودتني بمدرسة تعلمني القراءة.
في شباط (فبراير) ١٩٦٧، طُرِدت من المدرسة. فشعرت بالخيبة لأنني كنت تلميذا مجتهدا يحب التعلُّم. لكنّ والدي أكد لي انني افعل الصواب، رغم ان زملاءه في العمل وأفراد العائلة غير المؤمنين مارسوا عليه ضغطا كبيرا. كذلك واجهت امي بعض الضغوط. فعندما كنت ارافقها للعمل في الحقول، كانت النساء الاخريات يهزأن بنا قائلات: «لِمَ لا يذهب هذا الولد الى المدرسة؟».
لكنّ تعليمي لم يتوقف. ففي سنة ١٩٧٢، بدأ يُشدَّد اكثر على الصفوف التي تعلِّم القراءة والكتابة في الجماعة. ومع مرور الوقت، اصبحت المدارس متساهلة. كان بيتنا يقع مقابل المدرسة، في الجانب الآخر من الطريق. وغالبا ما كان مدير المدرسة يأتي الينا ليأخذ ماء باردا للشرب او ليستعير مكانس لتنظيف غرف الصف. حتى انه جاء مرة لاستدانة المال. ولا بد ان اعمال اللطف التي قامت بها عائلتي مسّت قلبه. فذات يوم سأل: «هل يودّ ابنكما ان يتابع دراسته؟». فذكّره ابي انني ما زلت واحدا من شهود يهوه. فقال: «لا مشكلة». ثم سألني: «بأي صف تريد ان تلتحق؟». فاخترت الصف السادس. وهكذا عدت الى المدرسة عينها، وكان لدي نفس المدير وزملاء الصف. غير انني تفوقت على معظم التلاميذ في القراءة بفضل صفوف القراءة والكتابة التي عُقِدت في قاعة الملكوت.
ان اجتهادي وسلوكي الحسن جعلاني احظى باحترام معلمين كثيرين، فأصبحت مرحلة الدراسة اكثر سهولة. وقد درست بجد وخضعت لبعض الامتحانات، الامر الذي خوّلني ان اتولى وظيفة مهمة في المناجم وأن أُعيل عائلة في وقت لاحق. وكم يسرّني انني لم اساير في مبادئي بإنشاد النشيد الوطني!
[الاطار/الصورة في الصفحتين ٢٤١، ٢٤٢]
«أيُعقل ان نتوقف عن الكرازة؟»
جوناس مانجوني
تاريخ الولادة: ١٩٢٢
تاريخ المعمودية: ١٩٥٠
لمحة عن حياته: خدم في بيت ايل بزامبيا اكثر من ٢٠ سنة. وهو حاليا شيخ وفاتح عادي.
في خضمّ الحرب العالمية الثانية، عاد اخي من تنزانيا ومعه كتاب مقدس وعدد من الكتب، بينها الحكومة و المصالحة. وبما ان مطبوعات شهود يهوه كانت لا تزال محظورة، اهتممت بمعرفة سبب الضجة التي أُثيرت حولها. فقرأت كتاب المصالحة لكنني وجدته صعب الفهم. وبعد سنوات، زرت اخي وذهبت معه الى احد الاجتماعات. لم يكن هنالك قاعة ملكوت. فقد كان مكان الاجتماع ارضا اقتُلعت منها الشجيرات وسُيِّجت بالخيزران. كما لم يُستخدَم خلال الاجتماع ايّ مجمل مطبوع. ولكن كم كان ممتعا الاستماع الى محاضرة مأخوذة من الاسفار المقدسة مباشرة! فقد فُسِّر الكتاب المقدس بشكل يختلف عن تفسيرات الكنيسة التي ارتدتها، حيث كان الحاضرون يُظهرون شغفا بتحية العلم وقرع الطبول. فضلا عن ذلك، كانت المشاجرات تُثار في الكنيسة حول الفوارق القبلية واللغة التي ينبغي ان يُنشَد بها النشيد الوطني. اما في هذا الاجتماع فقد سمعت ترانيم جميلة تسبِّح يهوه ورأيت عائلات بكاملها جالسة تتناول الطعام الروحي.
بعد معموديتي واصلتُ عملي الدنيوي في مجال الطب. وكان علي ان اتنقّل من بلدة الى بلدة في مناطق المناجم. وفي سنة ١٩٥١، اخذت اجازة اسبوعين ساعدت خلالها الاخوة في مكتب الفرع في لوساكا. بُعَيد ذلك، دُعيت الى الخدمة في بيت ايل. في بادئ الامر عملت في قسم الشحن. وعندما انتقل المكتب لاحقا الى لوانشيا، عملت في المراسلات والترجمة. ورغم ان التغيير السياسي كان يلوح في الافق في اوائل ستينات القرن العشرين، استمر الاخوة يثمرون في الخدمة ويحافظون على حيادهم وسط التبدلات السياسية العنيفة التي شهدها البلد.
اجتمعتُ بالدكتور كينيث كاوندا، رئيس الوزراء آنذاك، في عدة مناسبات لأوضِح له سبب رفضنا الانضمام الى الاحزاب السياسية او شراء بطاقات الحزب. وإحدى تلك المناسبات كانت في آذار (مارس) ١٩٦٣، حين التمسنا مساعدته على انهاء محاولات التهويل التي قام بها المقاومون السياسيون. فطلب منا تزويده بمزيد من المعلومات. وبعد سنوات، دعانا الدكتور كاوندا الى مبنى البرلمان حيث حظينا بشرف التحدث الى رئيس الجمهورية وأهم وزرائه. وقد استمر الاجتماع حتى ساعة متأخرة من المساء. وفي حين لم يعترض الرئيس على وجود شهود يهوه كفريق ديني، سألنا هل بالامكان ان نكتفي بالاجتماع كسائر الاديان دون القيام بالكرازة. فأجبنا: «أيُعقل ان نتوقف عن الكرازة؟». وأضفنا: «يسوع كان يكرز. ولم يبنِ هيكلا كالفريسيين».
رغم مناشدتنا المسؤولين، فُرض حظر على بعض اوجه خدمتنا. ولكن كالعادة، وجدنا طرائق لننسب الفضل ونمنح الاكرام ليهوه، الاله الذي يستخدم خدامه لإنجاز قصده.
[الاطار/الصورة في الصفحتين ٢٤٥، ٢٤٦]
امتلكتُ رغبة شديدة في التعلُّم
دانيال ساكالا
تاريخ الولادة: ١٩٦٤
تاريخ المعمودية: ١٩٩٦
لمحة عن حياته: يخدم كشيخ في احدى الجماعات.
كنت عضوا في كنيسة «روح صهيون» عندما تسلّمت نسخة من كراس تعلَّموا القراءة والكتابة. ورغم انني كنت اميًّا، امتلكتُ رغبة شديدة في التعلُّم، مما جعلني اخصّص الكثير من الوقت لدرس هذه المطبوعة. وكنت اطلب من بعض الاشخاص مساعدتي على فهم الكلمات الجديدة. بهذه الطريقة احرزت تقدما، مع انه لم يكن لدي معلِّم. وبعد وقت قصير تعلّمت القواعد الاساسية للقراءة والكتابة.
بات بإمكاني قراءة الكتاب المقدس. فاكتشفت عدة اشياء تتعارض مع ممارسات كنيستي. كان صهري شاهدا ليهوه وقد ارسل إلي كراسة ارواح الموتى — هل يمكنها ان تساعدكم او تؤذيكم؟ هل هي موجودة حقا؟. وما قرأته فيها دفعني الى طرح بعض الاسئلة على القس في كنيستي. فذات يوم، عندما كنت في الكنيسة، قرأت تثنية ١٨:١٠، ١١ وسألت: «لماذا نفعل امورا يدينها الكتاب المقدس؟».
اجاب القس: «لدينا دور خاص نقوم به». فلم افهم قصده.
ثم قرأت جامعة ٩:٥ وسألت: «لماذا نشجع الناس ان يكرموا الموتى في حين يقول الكتاب المقدس ان الاموات ‹لا يعلمون شيئا›؟». فلم يُجِب القس ولا الحضور بأية كلمة.
في وقت لاحق، تحدث إلي بعض اعضاء الكنيسة قائلين: «لسنا شهودا ليهوه. فلِمَ نمتنع عن تقديم الاحترام للموتى ونتوقف عن اتِّباع عاداتنا؟». وقد حيَّرني ما سمعته. فرغم انني لم استخدم سوى الكتاب المقدس اثناء المناقشة، استنتجوا انني واحد من شهود يهوه! ومن ذلك الوقت فصاعدا، بدأت اذهب الى قاعة الملكوت برفقة زميلين من كنيستي السابقة. وفي غضون ثلاثة اشهر، نجحت في إقناع عدد من اقربائي اللصيقين بحضور الاجتماعات المسيحية. وقد اعتمد ثلاثة منهم، بينهم زوجتي.
[الجدول/الرسم البياني في الصفحتين ١٧٦، ١٧٧]
زامبيا — نبذة تاريخية
١٩١٠
١٩١١: وصول دروس في الاسفار المقدسة الى زامبيا.
١٩١٩: جلد وسجن كوسامو موانْزا وحوالي ١٥٠ آخرين.
١٩٢٥: مكتب كَيب تاون لتلاميذ الكتاب المقدس يحدّ من الكرازة والمعموديات.
١٩٣٥: الحكومة تضع قيودا على استيراد المطبوعات. عشرون مطبوعة تُحظَر.
١٩٣٦: تأسيس مكتب في لوساكا تحت اشراف لولِن فيلپس.
١٩٤٠
١٩٤٠: حظر الحكومة لاستيراد مطبوعاتنا وتوزيعها. استئناف المعموديات.
١٩٤٨: وصول اول المتخرجين من جلعاد الى البلد.
١٩٤٩: الحكومة ترفع الحظر عن برج المراقبة.
١٩٥٤: انتقال مكتب الفرع الى لوانشيا.
١٩٦٢: انتقال مكتب الفرع الى كيتوي.
١٩٦٩: حظر الحكومة لكرازتنا العلنية.
١٩٧٠
١٩٧٥: ترحيل المرسلين.
١٩٨٦: السماح ثانية للمرسلين بدخول البلد.
١٩٩٣: تدشين مباني الفرع الحالية في لوساكا.
٢٠٠٠
٢٠٠٤: تدشين البناء المضاف الى الفرع في لوساكا.
٢٠٠٥: ١٥١,١٢٧ ناشرا يخدمون بنشاط في زامبيا.
[الرسم البياني]
(انظر المطبوعة)
مجموع الناشرين
مجموع الفاتحين
٠٠٠,١٣٠
٠٠٠,٦٥
١٩١٠ ١٩٤٠ ١٩٧٠ ٢٠٠٠
[الخرائط في الصفحة ١٦٩]
(اطلب النص في شكله المنسق في المطبوعة)
جمهورية الكونغو الديموقراطية
زامبيا
كاپوتا
إبالا
إيسوكا
كاساما
سامْفيا
لوندازي
موفوليرا
كالولوشي
كيتوي
لوانشيا
كابواي
لوساكا
سِنانغا
نهر زمبيزي
ليڤنْڠْستون
بوتسوانا
زمبابوي
موزمبيق
ملاوي
[صورة تغطي كامل الصفحة ١٦٢]
[الصورة في الصفحة ١٦٧]
طومسون كانڠاليه
[الصورة في الصفحة ١٧٠]
لولِن فيلپس
[الصورة في الصفحة ١٧٨]
إيان فِرْڠَسُن، جون وكاي جايسن، ناثان نور، وهاري ارنوت سنة ١٩٥٢
[الصورة في الصفحة ١٩٣]
الى اليسار: ماندا نْتومپا وعائلته في مخيّم موانڠي للّاجئين سنة ٢٠٠١
[الصورة في الصفحة ١٩٣]
في الاسفل: مخيّم للّاجئين
[الصورة في الصفحة ٢٠١]
الصف الاول لمدرسة تدريب الخدام في زامبيا سنة ١٩٩٣
[الصورة في الصفحة ٢٠٢]
معلِّمان في مدرسة تدريب الخدام، هما فليمون كاسيپوه وريتشارد فرُد، يجتمعان بأحد التلاميذ
[الصورة في الصفحة ٢٠٦]
شُيِّدت مباني المحفل من الطين، العشب، او مواد محلية اخرى
[الصورة في الصفحة ٢١٥]
الى اليمين: مسرحية تاريخية من الكتاب المقدس سنة ١٩٩١
[الصورة في الصفحة ٢١٥]
في الاسفل: مرشحون للمعمودية في محفل «رسل السلام الالهي» الكوري سنة ١٩٩٦
[الصورة في الصفحة ٢٣٥]
السيد ريتشموند سميث مع فَلِيا كاشاسو ووالدها پول
[الصورة في الصفحة ٢٥١]
عمال فرحون يشتركون في بناء الفرع الحالي في لوساكا
[الصور في الصفحتين ٢٥٢ و ٢٥٣]
(١، ٢) قاعتا ملكوت بُنِيتا حديثا
(٣، ٤) فرع زامبيا في لوساكا
(٥) ستيڤن لَت عند تدشين المبنى المضاف الى الفرع في كانون الاول (ديسمبر) ٢٠٠٤
[الصورة في الصفحة ٢٥٤]
لجنة الفرع، من اليسار الى اليمين: ألبرت موسوندا، ألفرد كِي، ادوارد فينتش، سايرِس نيانڠو، ودارِل شارپ