الدرس ٩
«أُعطيهم قلبًا واحدًا»
فكرة الدرس الرئيسية: نبوات حزقيال تُناقش موضوع الرد
١-٣ كيف كان البابليون يسخرون من خدام يهوه، ولماذا؟
تخيَّل نفسك يهوديًّا أمينًا تعيش في مدينة بابل. مرت ٥٠ سنة تقريبًا منذ أن أسركم البابليون. اليوم هو يوم سبت، فتُجهِّز نفسك كالعادة لتلتقي بيهود آخرين وتعبدوا يهوه معًا. وبينما تمشي على الطرقات المزدحمة، تمرُّ قرب معابد ضخمة ومزارات لا تُعَد. فترى أعدادًا هائلة من الناس يأتون إليها ليقدِّموا الذبائح ويُرتِّلوا الأناشيد للإله مردوك وآلهة كثيرة غيره.
٢ وأخيرًا، تجتاز كل هؤلاء الناس وتلتقي بأصدقائك اليهود.a فتجلسون في مكان هادئ بعيد عن الضجة، ربما قرب إحدى قنوات المياه في المدينة. فلا تسمعون إلا صوت المياه تضرب بالمراكب المصفوفة على جانب النهر. وفي جو الهدوء والسلام هذا، تُصلُّون وترنِّمون المزامير وتتأملون في كلمة اللّٰه معًا. وكم تتمنى في هذه اللحظات أن لا يجدكم أحد من البابليين ويقاطعكم كالعادة!
٣ أنت تعرف أن لدى البابليين تاريخًا طويلًا من الانتصارات العسكرية. وفي نظرهم، الفضل كله يعود إلى آلهتهم. ودمار أورشليم أكَّد لهم أن إلههم مردوك هو أقوى من إلهكم يهوه. لهذا السبب، يسخرون منكم ومن إلهكم. وأحيانًا يستهزئون قائلين: «رنِّموا لنا ترنيمة من ترنيمات صهيون». (مز ١٣٧:٣) كان هناك مزامير كثيرة تُخبر بفرح عن انتصارات صهيون على أعداء يهوه، وربما أحب البابليون أن يسخروا بالتحديد من هذه المزامير. إضافة إلى ذلك، كان هناك مزامير تتكلم عن البابليين أنفسهم. مثلًا، يقول المزمور ٧٩: «حوَّلوا أورشليم إلى كومة خراب . . . الذين حولنا يستهزئون بنا ويضحكون علينا». — مز ٧٩:١، ٣، ٤.
٤، ٥ أي أمل أعطته نبوة حزقيال للأسرى اليهود، وماذا سنُناقش في هذا الدرس؟ (أُنظر الصورة في بداية الدرس.)
٤ وفوق هذا كله، يأتيك يهود مرتدُّون يسخرون من إيمانك بيهوه وبأنبيائه. لكن كلامهم هذا لا يؤثِّر فيك. فالصلاة والترنيم يرفعان معنوياتك، وقراءة كلمة اللّٰه تشجِّعك كثيرًا. بالفعل، العبادة النقية تُنسي الشخص همومه. (مز ٩٤:١٩؛ رو ١٥:٤) في هذا الاجتماع، يجلب أحد رفاقك شيئًا مميزًا: كتابًا يتضمَّن نبوة حزقيال. وعندما يبدأ بقراءة النبوة بصوت عالٍ، تطير من الفرح وتروح تتخيل اليوم الذي سترجع فيه إلى أرضك وتشارك في ردِّ العبادة النقية.
٥ إن نبوات حزقيال مليئة بوعود عن رد العبادة النقية. لذلك سنُناقش الآن هذا الموضوع المفرح ونُجيب عن هذين السؤالَين: كيف تمَّت هذه الوعود على أيام الأسرى اليهود؟ وكيف تؤثِّر نبوات كهذه فينا اليوم؟ وسنرى أيضًا أن بعض النبوات سيكون لها إتمام أخير في المستقبل.
«إلى المنفى، إلى الأسر سيذهبون»
٦ كيف ظل يهوه يُحذِّر شعبه المتمرد؟
٦ عندما تكلَّم يهوه من خلال حزقيال، حدَّد كيف سيُعاقِب شعبه على تمرُّدهم. قال: «إلى المنفى، إلى الأسر سيذهبون». (حز ١٢:١١) حتى إن حزقيال مثَّل هذا العقاب مثلما رأينا في الدرس ٦. لكن هذه التمثيلية لم تكن أول تحذير. فمنذ أيام موسى، أي منذ ألف سنة تقريبًا، حذَّر يهوه شعبه أنهم إذا تمردوا عليه ولم يتوبوا، فسيذهبون إلى الأسر. (تث ٢٨:٣٦، ٣٧) كما أن إشعيا وإرميا أعطيا تحذيرات مشابهة. — إش ٣٩:٥-٧؛ إر ٢٠:٣-٦.
٧ كيف عاقب يهوه شعبه؟
٧ لم يتوقف يهوه أبدًا عن تحذير خدامه. ولكن للأسف، لا حياة لمَن تُنادي. وعلى مر السنين، حزن يهوه كثيرًا عندما رأى الوضع الذي وصل إليه شعبه. فبسبب قيادة الرعاة السيئين، صار شعبه متمردًا وفاسدًا ويعبد الأصنام. لذلك سمح يهوه أن يعانوا من مجاعة قاسية. وتخيَّل كم كان مذلًّا أن يعاني الإسرائيليون من مجاعة كهذه وسط «أرض تفيض بالحليب والعسل». (حز ٢٠:٦، ٧) بعد ذلك، نفَّذ يهوه ما أنبأ به منذ وقت طويل وسمح أن يُؤخَذ شعبه المتمرد إلى الأسر. فسنة ٦٠٧ قم، ضرب نبوخذنصر أورشليم ضربة قاضية. فدمَّرها ودمَّر هيكلها. وبالنتيجة، أُخذ ألوف من الإسرائيليين الناجين إلى الأسر في بابل. وهناك، عانوا من السخرية والمقاومة الموصوفتين في بداية هذا الدرس.
٨، ٩ كيف حذَّر اللّٰه الجماعة المسيحية من الارتداد؟
٨ وهل عانت الجماعة المسيحية أمرًا شبيهًا بالأسر في بابل؟ نعم. ومثلما حذَّر يهوه اليهود قديمًا، لم يتأخر أبدًا عن تحذير أتباع المسيح أيضًا. فقد قال يسوع لأتباعه في بداية خدمته على الأرض: «إحذروا من الأنبياء الكذَّابين الذين يأتون إليكم ويتظاهرون بأنهم خراف، لكنهم في الداخل ذئاب مفترسة». (مت ٧:١٥) وبعد عدة سنوات، كتب الرسول بولس بالوحي تحذيرًا مشابهًا قائلًا: «أنا أعرف أنه بعدما أذهب، ستدخل بينكم ذئاب شرسة لن تعامل الرعية برقة، ومن بينكم أنتم سيظهر رجال يتكلمون بأمور مُلتوية ليجرُّوا التلاميذ وراءهم». — أع ٢٠:٢٩، ٣٠.
٩ لكن المسيحيين لم يُترَكوا دون مساعدة. فقد تعلَّموا كيف يُميِّزون هؤلاء الرجال الخطيرين ويتجنبونهم. كما طُلب من الشيوخ المسيحيين أن لا يسمحوا لأي واحد من المرتدين أن يبقى داخل الجماعة. (١ تي ١:١٩؛ ٢ تي ٢:١٦-١٩؛ ٢ بط ٢:١-٣؛ ٢ يو ١٠) ولكن مثلما كان الوضع قديمًا في إسرائيل ويهوذا، ابتعد مسيحيون كثيرون تدريجيًّا عن يهوه وأداروا ظهورهم لتحذيراته المُحبَّة. ونحو نهاية القرن الأول، كان الارتداد قد تغلغل في الجماعة. ويوحنا كان آخر رسول عاش في تلك الفترة. وقد عرف أن الفساد والتمرد انتشرا بشكل واسع في الجماعة المسيحية. وكان يوحنا الحاجز الوحيد الباقي في وجه هذه الموجة. (٢ تس ٢:٦-٨؛ ١ يو ٢:١٨) فماذا حصل بعد موته؟
١٠، ١١ كيف تمَّ مَثَل يسوع عن القمح والزوان من القرن الثاني بعد الميلاد فصاعدًا؟
١٠ بعد موت يوحنا، بدأ مَثَل يسوع عن القمح والزوان يتم. (إقرأ متى ١٣:٢٤-٣٠.) فقد زرع الشيطان في الجماعة «زوانًا»، أي مسيحيين مزيَّفين، وانتشر فيها الفساد بسرعة. تخيَّل كم حزن يهوه عندما رأى وضع الجماعة المسيحية التي أسَّسها ابنه. فهي صارت ملوَّثة بعبادة الأصنام، وبالأعياد والممارسات المرتبطة بالأديان المزيفة. كما تبنَّت معتقدات خاطئة مأخوذة من أديان تحت تأثير الشيطان ومن فلاسفة لا يؤمنون باللّٰه. فماذا فعل يهوه؟ تمامًا مثلما فعل مع شعبه الخائن إسرائيل. ففي وقت ما خلال القرن الثاني بعد الميلاد، سمح أن يُؤخَذ شعبه هذه المرة أيضًا إلى الأسر. ومنذ ذلك الوقت، صار عدد المسيحيين الحقيقيين (القمح) قليلًا جدًّا ولم يعد ممكنًا التمييز بينهم وبين الزوان. وهكذا، أُخذَت الجماعة المسيحية الحقيقية إلى الأسر في بابل العظيمة التي ترمز إلى كل الأديان المزيفة. أما المسيحيون المزيفون، فصاروا جزءًا لا يتجزَّأ من بابل العظيمة. وفيما ازداد عدد المسيحيين المزيفين أكثر فأكثر، بدأ العالم المسيحي يظهر على الساحة.
١١ خلال العصور المظلمة، عندما كان العالم المسيحي مُسيطرًا، كان هناك عدد قليل من المسيحيين الحقيقيين، أي الذين شبَّههم يسوع ‹بالقمح› في مَثَله. ومِثل اليهود الأسرى الموصوفين في حزقيال ٦:٩، تذكَّر هؤلاء المسيحيون الإله الحقيقي. فبعضهم قاوموا بشجاعة المعتقدات الخاطئة التي كان ينشرها العالم المسيحي، فواجهوا الاضطهاد والسخرية. لكن يهوه لم يترك شعبه إلى الأبد في هذا الظلام الروحي. فمثلما فعل مع إسرائيل قديمًا، عبَّر عن غضبه إلى الدرجة المناسبة وللوقت المناسب. (إر ٤٦:٢٨) إضافة إلى ذلك، لم يترك يهوه شعبه دون أمل. لنرَ مثلًا كيف أعطى أملًا لليهود الأسرى في بابل قديمًا بأنه سيُنهي أسرهم.
«يتوقَّف غضبي»
١٢، ١٣ ماذا دفع يهوه أن يُنهي غضبه على شعبه أيام حزقيال؟
١٢ مثلما رأينا، غضب يهوه على شعبه وعبَّر عن غضبه هذا بكل وضوح. لكنه أكَّد لهم أيضًا أن العقاب الذي كانوا يستحقونه لن يدوم إلى الأبد. لاحِظ مثلًا هذه الكلمات التي قالها يهوه: «عندئذٍ يتوقَّف غضبي عليهم ويهدأ سخطي وأرتاح. وحين أنتهي من صبِّ غضبي عليهم، سيعرفون أني أنا يهوه تكلَّمت لأني أطلب العبادة لي وحدي». (حز ٥:١٣) فماذا سيدفع يهوه أن يُنهي غضبه؟
١٣ من بين الذين أُخذوا إلى الأسر، لم يكن هناك فقط أشخاص متمردون بل كان هناك أيضًا أشخاص أمناء. كما أن اللّٰه أنبأ من خلال حزقيال أن البعض من شعبه سيُعيدون حساباتهم في الأسر. فهؤلاء اليهود التائبون سيندمون على الأمور الفظيعة التي ارتكبوها تجاه يهوه. لذلك سيترجونه أن يسامحهم ويرضى عنهم. (حز ٦:٨-١٠؛ ١٢:١٦) ومن بين الأسرى الأمناء، كان هناك حزقيال وأيضًا النبي دانيال ورفاقه الثلاثة. وقد استطاع دانيال أن يرى بداية الأسر ونهايته أيضًا لأنه عاش حياة طويلة. وفي دانيال الفصل ٩، نقرأ عن الصلاة التي قدَّمها هذا النبي ليطلب من يهوه أن يسامح شعب إسرائيل على خطاياهم. ولا شك أن مشاعره هذه عبَّرت عن مشاعر ألوف الأسرى الذين أرادوا أن يسامحهم يهوه ويباركهم من جديد. فهل تتخيل كم فرح الشعب عندما سمعوا وعود التحرير والرد؟
١٤ لماذا كان يهوه سيردُّ شعبه إلى أرضهم؟
١٤ ولكن هناك سبب مهم أكثر بعد لتحرير شعب اللّٰه وردِّ العبادة النقية. فأسرهم الطويل كان سينتهي لا لأنهم يستحقون التحرير، بل لأن الوقت قد حان ليُقدِّس يهوه اسمه أمام كل الأمم. (حز ٣٦:٢٢) الوقت قد حان ليفهم البابليون مرة وإلى الأبد أن آلهتهم الشيطانية، مثل الإله مردوك، هي مجرد كذبة، وهناك سيدًا عظيمًا واحدًا على كل الكون هو يهوه. لنناقش الآن خمسة وعود أوحى يهوه إلى حزقيال أن ينقلها إلى اليهود. في البداية، سنرى كيف أثَّر كل وعد في اليهود الأمناء ثم سنرى كيف تمَّت هذه الوعود إتمامًا أعظم.
١٥ أي تغييرات أجراها الشعب في عبادتهم بعدما عادوا إلى أورشليم؟
١٥ الوعد ١. إزالة عبادة الأصنام وكل الممارسات الدينية المقرفة. (إقرأ حزقيال ١١:١٨؛ ١٢:٢٤.) مثلما ناقشنا في الدرس ٥، تلوَّثت أورشليم وهيكلها بممارسات دينية خاطئة، مثل عبادة الأصنام. وهكذا صار الشعب فاسدًا وبعيدًا عن يهوه. لكن يهوه أنبأ من خلال حزقيال أن هناك أملًا للأسرى بأن يشاركوا من جديد في عبادته التي ستكون نقية وغير ملوَّثة. وكل البركات الأخرى المرتبطة بالرد تعتمد على موضوع أساسي: رد عبادة اللّٰه النقية.
١٦ ماذا وعد يهوه شعبه بخصوص الأرض التي سيسكنون فيها؟
١٦ الوعد ٢. العودة إلى أرضهم. قال يهوه للأسرى: «أُعطيكم أرض إسرائيل». (حز ١١:١٧) وهذا الوعد كان مميزًا جدًّا. لماذا؟ لأن البابليين، الذين أهانوا شعب اللّٰه في الأسر، لم يعطوهم أي أمل في العودة إلى أرضهم الحبيبة. (إش ١٤:٤، ١٧) لكن وعد يهوه لم يتوقف هنا. فهو وعدهم أن تكون أرضهم مثمرة وتُعطي غلة كبيرة شرط أن يظلوا أمناء له. وهكذا سيكون لدى الشعب طعام كثير وعمل نافع. فالمجاعة والذل والمآسي ستصير من الماضي. — إقرأ حزقيال ٣٦:٣٠.
١٧ ماذا وعد يهوه بخصوص الذبائح؟
١٧ الوعد ٣. البدء من جديد بتقديم الذبائح على مذبح يهوه. مثلما رأينا في الدرس ٢، كانت الذبائح والتقدمات تحت الشريعة جزءًا أساسيًّا من العبادة النقية. ويهوه سيقبل تقدمات العائدين إلى أورشليم شرط أن يظلوا طائعين وطاهرين روحيًّا. وهكذا ستُغفر خطايا الشعب وسيظلون قريبين من إلههم. فقد وعدهم يهوه: «سيعبدني كل بيت إسرائيل، سيعبدونني جميعهم. وهناك سأرضى عنكم وأطلب تبرعاتكم وأول تقدماتكم، كل هداياكم المقدسة». (حز ٢٠:٤٠) إذًا، كانت العبادة النقية ستُرَد بكل معنى الكلمة وتجلب معها بركات كثيرة لشعب اللّٰه.
١٨ كيف كان يهوه سيهتم بشعبه؟
١٨ الوعد ٤. إزالة الرعاة السيئين. أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت شعب اللّٰه أن يُخطئوا إلى هذه الدرجة كان تأثير الرجال الفاسدين الذين أخذوا القيادة. لكن يهوه وعد شعبه أن يُغيِّر هذا الوضع. قال عن هؤلاء الرعاة السيئين: «سأمنعهم من الاهتمام بخرافي . . . سأُنقذ خرافي من فمهم». ثم وعد شعبه الأمين: «سأعتني بخرافي». (حز ٣٤:١٠، ١٢) وقد تمَّم يهوه وعده حين استعمل رجالًا أمناء وأولياء ليرعوا شعبه.
١٩ هل كان شعب اللّٰه موحَّدًا، وماذا وعد يهوه في هذا الخصوص؟
١٩ الوعد ٥. الوحدة بين خدام يهوه. تخيَّل كم حزن خدام يهوه الأمناء قبل الأسر عندما رأوا الانقسامات بين شعب اللّٰه. فبسبب الأنبياء الكذابين والرعاة الفاسدين، تمرَّد الشعب على الأنبياء الأمناء الذين كانوا يُمثِّلون يهوه، حتى إن الشعب انقسموا في ما بينهم. لكن يهوه وعد من خلال حزقيال: «أُعطيهم قلبًا واحدًا، وأضع فيهم روحًا جديدة». (حز ١١:١٩) وهذا الوعد كان من أروع الوعود. فلا أحد من الأعداء سيهزم شعب اللّٰه شرط أن يظلوا في وحدة مع إلههم ومع واحدهم الآخر. وكأمة واحدة، سيُمجِّدون يهوه من جديد بدل أن يُهينوه ويُسيئوا إليه.
٢٠، ٢١ كيف تمَّت وعود اللّٰه عندما عاد الأسرى؟
٢٠ وهل تمَّت هذه الوعود الخمسة عندما عاد اليهود من الأسر؟ لنُبقِ في بالنا ما قاله يشوع قديمًا: «كل الوعود الصالحة التي أعطاكم إياها يهوه إلهكم تحقَّقت. لم يفشل ولا وعد واحد منها؛ كل كلمة فيها تحقَّقت». (يش ٢٣:١٤) ومثلما وفى يهوه بوعوده أيام يشوع، وفى أيضًا بوعوده عندما عاد الأسرى إلى أرضهم.
٢١ ترك اليهود عبادة الأصنام وكل الممارسات المرتبطة بالأديان المزيفة. وهكذا اقتربوا من جديد إلى يهوه. وبعكس كل التوقعات، عادوا إلى أرضهم وزرعوها وصار لحياتهم معنى. ومن أول الأمور التي قاموا بها هو ردُّ مذبح يهوه في أورشليم وتقديم ذبائح يرضى عنها اللّٰه. (عز ٣:٢-٦) ويهوه بارك شعبه برعاة روحيين كالكاهن والناسخ عزرا، الحاكمَين نحميا وزربابل، رئيس الكهنة يشوع، والأنبياء الشجعان حجَّاي وزكريا وملاخي. وظلَّ الشعب موحدًا طوال الفترة التي أطاع فيها توجيه يهوه وإرشاداته؛ لقد تمتَّعوا بوحدة لم يُحسُّوا بها منذ وقت طويل، طويل جدًّا. — إش ٦١:١-٤؛ إقرأ إرميا ٣:١٥.
٢٢ كيف نعرف أن أول إتمام لنبوات الرد لم يكن إلا لمحة عن إتمام أعظم؟
٢٢ لا شك أن أول إتمام لوعود يهوه عن الرد كان مشجعًا جدًّا. لكن هذا الإتمام لم يكن إلا لمحة عن إتمام أعظم بكثير. لماذا نقول ذلك؟ كان يهوه سيتمم هذه الوعود شرط أن يظل شعبه يسمع له ويطيعه. ولكن مع الوقت، تمرَّد اليهود مرة ثانية وتوقفوا عن إطاعة اللّٰه. مع ذلك، لنُبقِ في بالنا ما قاله يشوع عن وعود يهوه. فهي تتحقق دائمًا. وهذا يعني أن هذه الوعود ستتم إتمامًا أعظم وتدوم فترة أطول. لنرَ كيف تحقَّق ذلك.
«سأرضى عنكم»
٢٣، ٢٤ متى وكيف بدأت «فترة رد كل الأشياء»؟
٢٣ خلال درسنا للكتاب المقدس، فهمنا أن عالم الشيطان دخل في أيامه الأخيرة سنة ١٩١٤. طبعًا، هذا خبر محزن للعالم الشرير ولكن ليس لخدام اللّٰه. بل أكثر من ذلك، يمكننا أن نقول إن فترة مفرحة بدأت سنة ١٩١٤: «فترة رد كل الأشياء». (أع ٣:٢١) لماذا نقول ذلك؟ فكِّر قليلًا: ماذا حصل في السماء سنة ١٩١٤؟ تسلَّم يسوع المسيح المُلك وصار هو المسيا الملك. وما علاقة هذا الحدث بموضوع الرد؟ لنتذكَّر أن يهوه وعد الملك داود أن سلالته ستظل تحكم إلى الأبد. (١ أخ ١٧:١١-١٤) لكن هذه السلالة توقفت عن الحكم سنة ٦٠٧ قم عندما دمَّر البابليون أورشليم وأنهوا حكم الملوك الآتين من سلالة داود.
٢٤ لكن يسوع ترك السماء وصار «ابن الإنسان» ووُلد من نسل داود. وهكذا صار لمملكة داود وريث شرعي. (مت ١:١؛ ١٦:١٣-١٦؛ لو ١:٣٢، ٣٣) لذلك سنة ١٩١٤، عيَّن يهوه يسوع ملكًا في السماء. وهكذا بدأت «فترة رد كل الأشياء». فصار بإمكان يهوه الآن أن يستخدم هذا الملك الكامل ليُكمِل عمل الرد.
٢٥، ٢٦ (أ) متى انتهت سنوات الأسر الطويلة في بابل العظيمة، وكيف نعرف ذلك؟ (أُنظر أيضًا الإطار «ما المميَّز في سنة ١٩١٩؟».) (ب) ماذا بدأ يتم منذ سنة ١٩١٩؟
٢٥ شارك يسوع أباه في تفحُّص العبادة النقية على الأرض. وكانت هذه من أولى المهمات التي أنجزها المسيح بعدما صار ملكًا. (مل ٣:١-٥) فمثلما أنبأ يسوع في مَثَله عن القمح والزوان، كان مستحيلًا لوقت طويل جدًّا التمييز بين القمح والزوان، أي بين المسيحيين المختارين الحقيقيين والمسيحيين المزيفين.b ولكن الآن بدأ «موسم الحصاد» سنة ١٩١٤، وصار الفرق بينهما واضحًا جدًّا. فلعشرات السنين، قبل سنة ١٩١٤، فضح تلاميذ الكتاب المقدس الأمناء الأخطاء الفظيعة التي ارتكبها العالم المسيحي. كما بدأوا يبتعدون أكثر فأكثر عن هذه المؤسسة الفاسدة. لقد جاء الوقت الذي حدَّده يهوه ليردَّ العبادة النقية. لذلك في أوائل سنة ١٩١٩، أي بعد سنوات قليلة من بداية «موسم الحصاد»، تحرَّر شعب اللّٰه كليًّا من الأسر في بابل العظيمة. (مت ١٣:٣٠) وأخيرًا، انتهى أسرهم الطويل!
٢٦ ومنذ ذلك الوقت، بدأت نبوات الرد في حزقيال تتم إتمامًا أعظم من أي إتمام رآه شعب اللّٰه في الماضي. لذلك سنُناقش الآن كيف تمَّت هذه الوعود الخمسة إتمامًا أعظم.
٢٧ كيف خلَّص يهوه شعبه من عبادة الأصنام؟
٢٧ الوعد ١. إزالة عبادة الأصنام وكل الممارسات الدينية المقرفة. في نهاية القرن الـ ١٩ وبداية القرن الـ ٢٠، كان مسيحيون أمناء يجتمعون معًا ليدرسوا الكتاب المقدس. ونتيجة هذا الدرس، بدأوا يتخلون عن ممارسات دينية خاطئة. فاكتشفوا مثلًا أن تعاليم مثل الثالوث وخلود النفس وعقيدة جهنم لم تكن مؤسسة على الكتاب المقدس وأن أصولها مرتبطة بالأديان المزيفة. كما عرف هؤلاء التلاميذ أن استعمال الصور والتماثيل في العبادة هو جزء من عبادة الأصنام. ومع الوقت، فهم شعب اللّٰه أن استعمال الصليب أيضًا في العبادة هو نوع من الصنمية. — حز ١٤:٦.
٢٨ بأي معنى ردَّ يهوه شعبه إلى أرضهم؟
٢٨ الوعد ٢. ردُّ شعب اللّٰه إلى الأرض الروحية. فيما كان شعب اللّٰه يبتعد أكثر فأكثر عن الأديان البابلية، وجد المسيحيون الأمناء أنفسهم في أرض روحية خصَّصها لهم اللّٰه. وهذه الأرض هي حالة أو بيئة ملائمة يتمتعون فيها ببركات كثيرة ولا يُعانون مجددًا من الجوع الروحي. (إقرأ حزقيال ٣٤:١٣، ١٤.) ومثلما سنرى في الدرس ١٩، يُبارك يهوه هذه الأرض بكمية استثنائية من الطعام الروحي. — حز ١١:١٧.
٢٩ كيف انطلق عمل التبشير بقوة سنة ١٩١٩؟
٢٩ الوعد ٣. البدء من جديد بتقديم الذبائح على مذبح يهوه. في القرن الأول الميلادي، عرف المسيحيون أن الذبائح الحيوانية لم تعد مطلوبة. ولكن كان هناك ذبائح أثمن بكثير يطلبها منهم اللّٰه. ففي نظره، الكلمات التي يستعملونها ليُسبِّحوه ويُعلِّموا الآخرين عنه هي ذبائح ثمينة جدًّا. (عب ١٣:١٥) لا شك أن شعب اللّٰه كان بحاجة إلى هيئة منظَّمة تقوده في تقديم ذبائح ثمينة كهذه. ولكن خلال فترة الأسر الطويلة، لم يكن خدام يهوه منظَّمين ليقوموا بهذا العمل. مع ذلك، بدأ الوضع يتغيَّر نحو نهاية الأسر. فآنذاك كان شعب اللّٰه قد بدأ يقدِّم ذبائح تسبيح للّٰه. فهم كانوا يُسبِّحون اللّٰه بفرح في اجتماعاتهم ويُبشِّرون الناس بكل حماسة. ومنذ سنة ١٩١٩، صار «العبد الأمين الحكيم» يُشدِّد على أهمية عمل التبشير ويُنظِّمه تدريجيًّا. (مت ٢٤:٤٥-٤٧) ومع الوقت، ازداد عدد خدام اللّٰه وملأوا مذبح يهوه بذبائحهم.
٣٠ ماذا فعل يسوع كي يؤمِّن لشعبه رعاة جيدين؟
٣٠ الوعد ٤. إزالة الرعاة السيئين. حرَّر المسيح شعب اللّٰه من رعاة العالم المسيحي المزيفين والأنانيين والظالمين. والأمر نفسه حصل ضمن قطيع المسيح. فكل راعٍ تمثَّل برعاة العالم المسيحي المزيفين خسر مسؤوليته. (حز ٢٠:٣٨) وبما أن يسوع هو الراعي الصالح، كان حريصًا أن يهتم بخرافه من هذه الناحية. لذلك عيَّن سنة ١٩١٩ العبد الأمين الحكيم. وهذا الفريق الصغير من المسيحيين المختارين الأولياء أخذوا القيادة في تأمين الطعام الروحي لشعب اللّٰه. وهكذا اهتموا جيدًا بهم. ومع الوقت، تدرَّب شيوخ ليتعلَّموا كيف يساعدون في رعاية «رعية اللّٰه». (١ بط ٥:١، ٢) والوصف الذي أوحى يهوه إلى حزقيال أن يكتبه في حزقيال ٣٤:١٥، ١٦ يُستعمَل كثيرًا ليُذكِّر الرعاة المسيحيين بالمقياس الذي وضعه يهوه اللّٰه ويسوع المسيح.
٣١ كيف تمَّم يهوه النبوة في حزقيال ١١:١٩؟
٣١ الوعد ٥. الوحدة بين خدام يهوه. على مرِّ السنين، انقسم العالم المسيحي إلى عشرات آلاف المذاهب والطوائف. وكل طائفة لديها تعاليمها الخاصة التي تتضارب كليًّا مع تعاليم الطوائف الأخرى. بالمقابل، بعدما ردَّ يهوه شعبه من الأسر، عمل عجيبة مذهلة. فهو وعد من خلال حزقيال: «أُعطيهم قلبًا واحدًا». (حز ١١:١٩) وقد تمَّم هذا الوعد بطريقة رائعة. فالمسيح لديه أتباع من كل العالم، وهم من خلفيات ثقافية ودينية واجتماعية متنوعة. ولكن رغم هذا الاختلاف، يتعلَّم كل تلاميذ المسيح نفس الحقائق ويقومون بنفس العمل بانسجام مذهل. في آخر ليلة من حياة يسوع على الأرض، صلَّى إلى يهوه من كل قلبه وطلب منه أن يكون أتباعه موحَّدين. (إقرأ يوحنا ١٧:١١، ٢٠-٢٣.) وفي أيامنا، لبَّى يهوه طلب يسوع بأعظم طريقة على الإطلاق.
٣٢ كيف تشعر حين ترى نبوات الرد تتم؟ (أُنظر أيضًا الإطار «نبوات عن الأسر والرد».)
٣٢ ألست سعيدًا لأنك تعيش في هذا الوقت المميز؟ فنحن نرى بعيوننا كيف تتم نبوات حزقيال عن الرد في كل مجالات عبادتنا. ونحن أكيدون أن يهوه راضٍ عن شعبه، تمامًا مثلما أنبأ قديمًا من خلال حزقيال: «سأرضى عنكم». (حز ٢٠:٤١) فعلًا، إنه امتياز كبير أن نكون جزءًا من شعب موحَّد ينال طعامه المغذي في الوقت المناسب ويُسبِّح يهوه في كل العالم، شعب تحرَّر من الأسر الروحي بعد مئات السنين. لكن إتمام نبوات حزقيال لم ينتهِ هنا. فهناك إتمام أعظم بعد.
«مثل جنة عدن»
٣٣-٣٥ (أ) ماذا عنت النبوة في حزقيال ٣٦:٣٥ لليهود في الأسر؟ (ب) ماذا تعني هذه النبوة لشعب يهوه اليوم؟ (أُنظر أيضًا الإطار «فترة رد كل الأشياء».)
٣٣ مثلما رأينا، بدأت «فترة رد كل الأشياء» سنة ١٩١٤ عندما صار يسوع ملكًا وعادت سلالة داود إلى المُلك. (حز ٣٧:٢٤) بعدئذٍ، أعطى يهوه السلطة للمسيح كي يردَّ العبادة النقية بين شعب اللّٰه بعد مئات السنين من الأسر الروحي. ولكن هل كان عمل الرد سيتوقَّف في تلك المرحلة؟ أبدًا. فهذا العمل كان سيستمر بطريقة مذهلة في المستقبل. ونبوات حزقيال تُعطينا تفاصيل مشوِّقة جدًّا عن هذا الموضوع.
٣٤ فكِّر مثلًا في هذه الكلمات التي أوحى يهوه إلى حزقيال أن يكتبها: «سيقول الناس: ‹الأرض المهجورة صارت مثل جنة عدن›». (حز ٣٦:٣٥) وماذا عنى هذا الوعد لحزقيال ورفاقه اليهود؟ طبعًا، لم يتوقعوا أن تتحوَّل أرضهم إلى جنة حرفية وأن يظن الناس فعلًا أنها الجنة الأصلية التي زرعها يهوه بنفسه. (تك ٢:٨) لكنهم فهموا دون شك أن يهوه يَعِدهم أن الأرض التي سيعودون إليها ستكون جميلة ومثمرة.
٣٥ وماذا يعني هذا الوعد لنا اليوم؟ نحن أيضًا لا نتوقَّع أن يتم الآن هذا الوعد حرفيًّا وسط عالم الشيطان. لكننا نستنتج أن هذه الكلمات تتم اليوم بمعنى روحي. فيهوه ردَّ أرضًا روحية، وهي حالة أو بيئة نعيش فيها كخدام ليهوه لنخدم إلهنا خدمة مثمرة ونضع خدمته المقدسة أولًا في حياتنا. وهذه الأرض الروحية تتحسَّن تدريجيًّا، وتُشبه أكثر فأكثر جنة عدن. ولكن ماذا عن المستقبل؟
٣٦، ٣٧ أي وعود ستتحقق حين تتحول الأرض إلى جنة؟
٣٦ بعد حرب هرمجدون العظيمة، سيُوسِّع يسوع عمل الرد ليشمل حتى الأرض الحرفية. فخلال حكمه الذي سيمتد ألف سنة، سيُوجِّه البشر ليُحوِّلوا كوكب الأرض إلى جنة، تمامًا مثلما أراد اللّٰه من الأساس. وفي النهاية، ستصير الأرض كلها مثل جنة عدن. (لو ٢٣:٤٣) وآنذاك، سيعيش البشر دون أن يؤذوا بعضهم بعضًا ودون أن يؤذوا الأرض. لن يكون هناك أي خطر أو تهديد في أي مكان. تخيَّل حياتك مثلًا حين يُطبِّق يهوه هذا الوعد: «سأعمل معهم عهد سلام وأُزيل الحيوانات المتوحشة من الأرض، فيسكنون بأمان في البرية وينامون في الغابات». — حز ٣٤:٢٥.
٣٧ هل تتخيَّل ذلك؟ ستكون قادرًا أن تزور أي مكان في هذه الأرض الواسعة دون أن تشعر بالخوف. فلن تؤذيك الحيوانات ولن يكون هناك أي خطر عليك. ستكون قادرًا أن تمشي وحدك في أكبر الغابات وتتمتع برؤية جمالها الساحر. ولن تفكِّر مرتين قبل أن تنام في هذه الغابات؛ ستنام وبالك مرتاح لأنك متأكد أنك ستستيقظ في اليوم التالي بكامل نشاطك دون أن يؤذيك أي حيوان.
٣٨ كيف تشعر حين تتأمل في وعود اللّٰه في حزقيال ٢٨:٢٦؟
٣٨ تخيَّل أيضًا مشاعرنا حين يتم هذا الوعد: «سيسكنون في [الأرض] بأمان ويبنون بيوتًا ويغرسون كرومًا. هم سيسكنون بأمان حين أُنفِّذ حكمي في كل جيرانهم الذين يعاملونهم باحتقار. فيعرفون أني أنا يهوه إلههم». (حز ٢٨:٢٦) بعدما يُزيل يهوه كل أعدائه، سيكون هناك سلام وأمان في كل الأرض. كما أننا سنهتم بالأرض والبيئة، وفي نفس الوقت سنبني بيوتًا مريحة لنعيش فيها نحن والذين نحبهم، وسنزرع كرومًا ونتلذَّذ بثمارها.
٣٩ ماذا يؤكِّد لك أن نبوات حزقيال عن الفردوس ستتحقق؟
٣٩ هل تشعر أن هذه الوعود مجرد أحلام؟ في هذه الحالة، تذكَّر الإنجازات التي حصلت خلال «فترة رد كل الأشياء». فرغم مقاومة الشيطان الشرسة، استطاع يسوع بفضل يهوه أن يردَّ العبادة النقية في أسوإ مرحلة من تاريخ هذا العالم. ألا يضمن لنا ذلك أن كل وعود اللّٰه في سفر حزقيال ستتم بالتأكيد؟!
a كان أكثرية الأسرى اليهود يعيشون خارج مدينة بابل، كالنبي حزقيال الذي عاش قرب نهر كَبار. (حز ٣:١٥) ولكن كان عدد قليل من الأسرى اليهود يعيشون في مدينة بابل، من بينهم «الذين من عائلة الملك وعائلات النبلاء». — دا ١:٣، ٦؛ ٢ مل ٢٤:١٥.
b مثلًا، تحدَّى كثيرون الكنيسة الكاثوليكية في القرن الـ ١٦ وشاركوا في الإصلاح. لكننا لا نقدر أن نحدِّد مَن منهم كان من المسيحيين المختارين.