اَلْفَصْلُ ٱلرَّابِعَ عَشَرَ
تَعَلَّمَ دَرْسًا فِي ٱلرَّحْمَةِ
١ أَيُّ رِحْلَةٍ كَانَتْ تَنْتَظِرُ يُونَانَ، وَكَيْفَ شَعَرَ حِيَالَ ٱلْوُجْهَةِ ٱلَّتِي كَانَ يَقْصِدُهَا؟
كَانَ لَدَى يُونَانَ مُتَّسَعٌ مِنَ ٱلْوَقْتِ لِلتَّفْكِيرِ. فَأَمَامَهُ رِحْلَةٌ طَوِيلَةٌ تَسْتَغْرِقُ نَحْوَ شَهْرٍ أَوْ رُبَّمَا أَكْثَرَ يَقْطَعُ خِلَالَهَا مَا يَزِيدُ عَلَى ثَمَانِمِئَةِ كِيلُومِتْرٍ سَيْرًا عَلَى ٱلْأَقْدَامِ. بَادِئَ ذِي بَدْءٍ، وَجَبَ أَنْ يَخْتَارَ بَيْنَ ٱلطُّرُقَاتِ ٱلْمُخْتَصَرَةِ أَوِ ٱلْأَطْوَلِ وَٱلْأَكْثَرِ أَمَانًا، ثُمَّ يَشُقَّ طَرِيقَهُ عَبْرَ عَدَدٍ لَا يُحْصَى مِنَ ٱلْوُدْيَانِ وَٱلدُّرُوبِ ٱلْجَبَلِيَّةِ. وَيُرَجَّحُ أَنَّهُ كَانَ سَيَلُفُّ حَوْلَ ٱلصَّحْرَاءِ ٱلسُّورِيَّةِ ٱلْوَسِيعَةِ، يَخُوضُ ٱلْأَنْهُرَ ٱلْفَيَّاضَةَ كَنَهْرِ ٱلْفُرَاتِ ٱلْعَظِيمِ، وَيَبِيتُ بَيْنَ ٱلْغُرَبَاءِ فِي مُدُنِ وَقُرَى أَرَامَ وَبِلَادِ مَا بَيْنَ ٱلنَّهْرَيْنِ وَأَشُّورَ. وَكُلَّمَا بَزَغَ فَجْرُ يَوْمٍ جَدِيدٍ، قَوِيَ شُعُورُهُ بِٱلْخَوْفِ مِنَ ٱلْوُجْهَةِ ٱلَّتِي يَقْصِدُهَا، مَدِينَةِ نِينَوَى ٱلَّتِي رَاحَ يَقْتَرِبُ مِنْهَا شَيْئًا فَشَيْئًا مَعَ كُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا.
٢ كَيْفَ عَلَّمَ يَهْوَهُ يُونَانَ أَنْ يَقْبَلَ ٱلتَّعْيِينَ ٱلَّذِي أَسْنَدَهُ إِلَيْهِ؟
٢ وَلٰكِنْ هٰذِهِ ٱلْمَرَّةَ، صَمَّمَ يُونَانُ أَلَّا يَتَرَاجَعَ وَيَهْرُبَ مِنْ تَعْيِينِهِ كَمَا فَعَلَ مِنْ قَبْلُ. فَكَمَا رَأَيْنَا فِي ٱلْفَصْلِ ٱلسَّابِقِ، عَلَّمَهُ يَهْوَهُ بِصَبْرٍ دَرْسًا لَنْ يَنْسَاهُ حِينَ أَرْسَلَ عَاصِفَةً هَوْجَاءَ فِي ٱلْبَحْرِ وَأَنْقَذَهُ عَجَائِبِيًّا بِوَاسِطَةِ سَمَكَةٍ ضَخْمَةٍ قَذَفَتْهُ سَالِمًا إِلَى ٱلشَّاطِئِ بَعْدَمَا بَقِيَ فِي جَوْفِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. فَمَلَأَهُ مَا حَدَثَ بِٱلرَّهْبَةِ وَٱلْمَهَابَةِ وَصَارَ أَكْثَرَ تَوَاضُعًا وَطَاعَةً. — يونان، الاصحاحان ١، ٢.
٣ أَيُّ صِفَةٍ أَظْهَرَهَا يَهْوَهُ لِيُونَانَ، وَمَا هُوَ ٱلسُّؤَالُ ٱلَّذِي يَنْشَأُ؟
٣ نَتِيجَةَ ذٰلِكَ، حِينَ طَلَبَ يَهْوَهُ مِنْ يُونَانَ مُجَدَّدًا أَنْ يَذْهَبَ إِلَى نِينَوَى، أَطَاعَ ٱلنَّبِيُّ أَمْرَهُ وَٱنْطَلَقَ فِي رِحْلَةٍ طَوِيلَةٍ نَحْوَ ٱلشَّرْقِ. (اقرأ يونان ٣:١-٣.) وَلٰكِنْ هَلْ كَانَ قَدْ سَمَحَ لِتَأْدِيبِ يَهْوَهَ أَنْ يُغَيِّرَ شَخْصِيَّتَهُ تَغْيِيرًا جَذْرِيًّا؟ مَثَلًا، رَحَمَهُ يَهْوَهُ لَمَّا أَنْقَذَهُ مِنَ ٱلْغَرَقِ، ٱمْتَنَعَ عَنْ مُعَاقَبَتِهِ عَلَى عِصْيَانِهِ، وَمَنَحَهُ فُرْصَةً أُخْرَى لِيَقُومَ بِتَعْيِينِهِ. فَهَلْ تَعَلَّمَ ٱلنَّبِيُّ أَنْ يَرْحَمَ ٱلْآخَرِينَ؟ لَيْسَ سَهْلًا عَلَى ٱلْبَشَرِ ٱلنَّاقِصِينَ أَنْ يَتَعَلَّمُوا إِظْهَارَ ٱلرَّحْمَةِ. فَلْنَرَ مَعًا أَيَّةُ عِبَرٍ نَسْتَخْلِصُهَا مِنْ قِصَّةِ يُونَانَ.
رِسَالَةُ دَيْنُونَةٍ تُسْفِرُ عَنْ نَتِيجَةٍ غَيْرِ مُتَوَقَّعَةٍ
٤، ٥ لِمَ أَشَارَ يَهْوَهُ إِلَى نِينَوَى بِأَنَّهَا «ٱلْمَدِينَةُ ٱلْعَظِيمَةُ»، وَمَاذَا يُعَلِّمُنَا ذٰلِكَ عَنْهُ؟
٤ لَمْ يَتَطَلَّعْ يُونَانُ إِلَى نِينَوَى مِنْ مِنْظَارِ يَهْوَهَ. فَٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ يَقُولُ: «كَانَتْ نِينَوَى مَدِينَةً عَظِيمَةً عِنْدَ ٱللّٰهِ». (يون ٣:٣) وَيُورِدُ يُونَانُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَوْلَ يَهْوَهَ عَنْ نِينَوَى إِنَّهَا «ٱلْمَدِينَةُ ٱلْعَظِيمَةُ». (يون ١:٢؛ ٣:٢؛ ٤:١١) فَلِمَ كَانَتْ عَظِيمَةً أَوْ مُهِمَّةً فِي عَيْنَيِ ٱللّٰهِ؟
٥ نِينَوَى مَدِينَةٌ عَرِيقَةٌ فِي ٱلْقِدَمِ، فَهِيَ بَيْنَ أُولَى ٱلْمُدُنِ ٱلَّتِي أَسَّسَهَا نِمْرُودُ بَعْدَ ٱلطُّوفَانِ. وَقَدِ ٱمْتَازَتْ بِمِسَاحَتِهَا ٱلشَّاسِعَةِ إِذْ ضَمَّتْ كَمَا يَتَّضِحُ مُدُنًا أُخْرَى عَدِيدَةً، فَكَانَ عَلَى ٱلْمَرْءِ أَنْ يَسِيرَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كَيْ يَقْطَعَهَا مِنْ جِهَةٍ إِلَى أُخْرَى. (تك ١٠:١١؛ يون ٣:٣) وَهِيَ أَيْضًا مَدِينَةٌ مَهِيبَةٌ ٱزْدَانَتْ بِٱلْمَعَابِدِ ٱلْفَخْمَةِ وَٱلْأَسْوَارِ ٱلضَّخْمَةِ وَغَيْرِهَا مِنَ ٱلصُّرُوحِ ٱلْعَظِيمَةِ. لٰكِنَّ أَيًّا مِنْ هٰذِهِ ٱلْمَزَايَا لَمْ يَجْعَلْهَا مُهِمَّةً فِي نَظَرِ يَهْوَهَ ٱللّٰهِ، فَمَا هَمَّهُ هُوَ ٱلشَّعْبُ. لَقَدْ كَانَ عَدَدُ سُكَّانِهَا كَبِيرًا جِدًّا بِٱلنِّسْبَةِ إِلَى تِلْكَ ٱلْحِقْبَةِ مِنَ ٱلزَّمَنِ. وَرَغْمَ كُلِّ شُرُورِهِمِ، ٱهْتَمَّ يَهْوَهُ لِأَمْرِهِمْ لِأَنَّهُ يُعِزُّ حَيَاةَ كُلِّ شَخْصٍ وَيَرَى أَنَّ فِي وُسْعِهِ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ خَطَايَاهُ وَتَعَلُّمَ فِعْلِ مَا هُوَ صَائِبٌ.
٦ (أ) لِمَ رُبَّمَا وَقَعَ ٱلْمَزِيدُ مِنَ ٱلْخَوْفِ فِي قَلْبِ يُونَانَ؟ (اُنْظُرْ أَيْضًا ٱلْحَاشِيَةَ.) (ب) مَاذَا نَتَعَلَّمُ عَنْ يُونَانَ مِنْ عَمَلِ ٱلْكِرَازَةِ ٱلَّذِي قَامَ بِهِ؟
٦ حِينَ وَطِئَ يُونَانُ أَخِيرًا أَرْضَ نِينَوَى، يُحْتَمَلُ أَنَّ عَدَدَ سُكَّانِهَا ٱلْهَائِلَ ٱلَّذِي يَرْبُو عَلَى ٠٠٠,١٢٠ نَسَمَةٍ أَوْقَعَ ٱلْمَزِيدَ مِنَ ٱلْخَوْفِ فِي قَلْبِهِ.a فَسَارَ يَوْمًا كَامِلًا مُتَوَغِّلًا فِي هٰذِهِ ٱلْمَدِينَةِ ٱلَّتِي تَعِجُّ بِٱلنَّاسِ، رُبَّمَا بَحْثًا عَنْ مَوْقِعٍ مُلَائِمٍ فِي وَسَطِهَا لِيُذِيعَ كَلَامَ يَهْوَهَ. وَلٰكِنْ بِأَيِّ لُغَةٍ خَاطَبَهُمْ؟ هَلْ تَعَلَّمَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِلِسَانِ ٱلْأَشُّورِيِّينَ أَمْ إِنَّ يَهْوَهَ وَهَبَهُ هٰذِهِ ٱلْمَقْدِرَةَ بِطَرِيقَةٍ عَجَائِبِيَّةٍ؟ لَا نَعْرِفُ ٱلْجَوَابَ. فَلَعَلَّهُ تَكَلَّمَ بِٱلْعِبْرَانِيَّةِ، لُغَتِهِ ٱلْأُمِّ، وَٱسْتَعَانَ بِشَخْصٍ آخَرَ يُتَرْجِمُ كَلَامَهُ. عَلَى أَيَّةِ حَالٍ، كَانَتْ رِسَالَتُهُ وَاضِحَةً وَبَسِيطَةً وَلَمْ تَكُنْ لِتَلْقَى عَلَى ٱلْأَرْجَحِ ٱسْتِحْسَانًا بَيْنَ أَهْلِ نِينَوَى. فَقَدْ رَاحَ يُنَادِي: «بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا تَنْقَلِبُ نِينَوَى». (يون ٣:٤) نَعَمْ، أَعْلَنَ يُونَانُ رِسَالَتَهُ بِكُلِّ جُرْأَةٍ وَكَرَّرَهَا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، مُعْرِبًا عَنْ شَجَاعَةٍ لَافِتَةٍ وَإِيمَانٍ رَائِعٍ يَحْتَاجُ إِلَيْهِمَا كُلُّ ٱلْمَسِيحِيِّينَ ٱلْيَوْمَ أَكْثَرَ مِنْ أَيِّ وَقْتٍ مَضَى.
كَانَتْ رِسَالَةُ يُونَانَ وَاضِحَةً وَبَسِيطَةً وَلَمْ تَكُنْ لِتَلْقَى عَلَى ٱلْأَرْجَحِ ٱسْتِحْسَانًا بَيْنَ أَهْلِ نِينَوَى
٧، ٨ (أ) كَيْفَ تَجَاوَبَ أَهْلُ نِينَوَى مَعَ رِسَالَةِ يُونَانَ؟ (ب) مَاذَا كَانَتْ رَدَّةُ فِعْلِ مَلِكِ نِينَوَى حِيَالَ كَلَامِ يُونَانَ؟
٧ اِسْتَأْثَرَ يُونَانُ بِٱنْتِبَاهِ أَهْلِ نِينَوَى. وَلَا شَكَّ أَنَّهُ تَرَقَّبَ رَدَّةَ فِعْلٍ عِدَائِيَّةً وَعَنِيفَةً، وَلٰكِنْ حَصَلَ مَا لَمْ يَكُنْ فِي حُسْبَانِهِ. فَقَدْ أَعَارَهُ ٱلشَّعْبُ أُذُنًا صَاغِيَةً وَٱنْتَشَرَتْ كَلِمَاتُهُ ٱنْتِشَارَ ٱلنَّارِ فِي ٱلْهَشِيمِ. وَلَمْ يَمْضِ وَقْتٌ طَوِيلٌ حَتَّى صَارَتْ نُبُوَّتُهُ عَنْ دَيْنُونَةِ ٱللّٰهِ حَدِيثَ ٱلسَّاعَةِ فِي ٱلْمَدِينَةِ بِأَكْمَلِهَا. (اقرأ يونان ٣:٥.) وَأَعْرَبَ ٱلْجَمِيعُ — ٱلْأَغْنِيَاءُ وَٱلْفُقَرَاءُ، ٱلرِّجَالُ وَٱلنِّسَاءُ، وَٱلصِّغَارُ وَٱلْكِبَارُ — عَنْ تَوْبَةٍ قَلْبِيَّةٍ وَٱمْتَنَعُوا عَنِ ٱلطَّعَامِ. وَسُرْعَانَ مَا تَنَاهَى ٱلْخَبَرُ إِلَى مَسَامِعِ ٱلْمَلِكِ.
٨ فَتَجَاوَبَ هُوَ ٱلْآخَرُ مَعَ رِسَالَةِ يُونَانَ وَخَافَ يَهْوَهَ ٱللّٰهَ. فَقَامَ عَنْ عَرْشِهِ وَخَلَعَ رِدَاءَهُ ٱلْمَلَكِيَّ ٱلْفَاخِرَ ثُمَّ تَغَطَّى بِٱلْمِسْحِ، ٱلرِّدَاءِ ٱلْخَشِنِ نَفْسِهِ ٱلَّذِي لَبِسَهُ أَفْرَادُ ٱلشَّعْبِ، وَ «جَلَسَ فِي ٱلرَّمَادِ». وَعَمَدَ هُوَ وَ ‹عُظَمَاؤُهُ›، أَيْ نُبَلَاؤُهُ، إِلَى إِصْدَارِ مَرْسُومٍ حَوَّلَ ٱلصَّوْمَ مِنْ بَادِرَةٍ شَعْبِيَّةٍ عَفْوِيَّةٍ إِلَى إِجْرَاءٍ رَسْمِيٍّ. فَأَمَرَ بِمُوجَبِهِ أَنْ يَلْبَسَ جَمِيعُ ٱلشَّعْبِ وَٱلْبَهَائِمِ ٱلْمُسُوحَ.b وَٱعْتَرَفَ بِتَوَاضُعٍ أَنَّ ٱلْأُمَّةَ ٱرْتَكَبَتِ ٱلْكَثِيرَ مِنَ ٱلشُّرُورِ وَٱلْأَعْمَالِ ٱلْعَنِيفَةِ. وَعَبَّرَ عَنْ أَمَلِهِ أَنْ يَرِقَّ ٱللّٰهُ لِحَالِهِمْ حِينَ يَرَى تَوْبَتَهُمْ، رَاجِيًا أَنْ ‹يَرْجِعَ عَنْ حُمُوِّ غَضَبِهِ لِئَلَّا يَهْلِكُوا›. — يون ٣:٦-٩.
٩ أَيَّةُ شُكُوكٍ يُثِيرُهَا ٱلنُّقَّادُ حَوْلَ تَوْبَةِ أَهْلِ نِينَوَى، وَكَيْفَ نَعْرِفُ أَنَّهُمْ مُخْطِئُونَ؟
٩ يَرَى بَعْضُ ٱلنُّقَّادِ أَنَّ ٱلسُّرْعَةَ ٱلَّتِي غَيَّرَ بِهَا شَعْبُ نِينَوَى مَوْقِفَهُمْ مُثِيرَةٌ لِلشُّكُوكِ. لٰكِنَّ عُلَمَاءَ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ يَرَوْنَ أَنَّ هٰذِهِ ٱلنَّقْلَةَ ٱلنَّوْعِيَّةَ لَيْسَتْ غَرِيبَةً عَنْ شُعُوبِ تِلْكَ ٱلْحَضَارَاتِ فِي ٱلْأَزْمِنَةِ ٱلْقَدِيمَةِ ٱلَّذِينَ آمَنُوا بِٱلْمُعْتَقَدَاتِ ٱلْخُرَافِيَّةِ وَٱتَّسَمُوا بِٱلِٱنْفِعَالِ وَسُرْعَةِ ٱلتَّأَثُّرِ. وَثَمَّةَ دَلِيلٌ آخَرُ عَلَى خَطَإِ هٰؤُلَاءِ ٱلنُّقَّادِ هُوَ أَنَّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحَ نَفْسَهُ أَشَارَ لَاحِقًا إِلَى تَوْبَةِ أَهْلِ نِينَوَى. (اقرأ متى ١٢:٤١.) وَهُوَ كَانَ عَلَى يَقِينٍ تَامٍّ مِمَّا قَالَهُ لِأَنَّهُ شَهِدَ هٰذِهِ ٱلْحَوَادِثَ بِأُمِّ عَيْنِهِ خِلَالَ وُجُودِهِ فِي ٱلسَّمَاءِ. (يو ٨:٥٧، ٥٨) إِذًا، لَا يَنْبَغِي أَنْ نَفْتَرِضَ أَلْبَتَّةَ أَنَّ تَوْبَةَ ٱلنَّاسِ مُسْتَحِيلَةٌ مَهْمَا بَدَوْا فِي نَظَرِنَا أَشْرَارًا وَعُنَفَاءَ. فَوَحْدَهُ يَهْوَهُ يَقْرَأُ مَا فِي ٱلْقُلُوبِ.
تَبَايُنٌ صَارِخٌ بَيْنَ رَحْمَةِ ٱللّٰهِ وَقَسْوَةِ ٱلْبَشَرِ
١٠، ١١ (أ) مَاذَا كَانَ مَوْقِفُ يَهْوَهَ مِنْ تَوْبَةِ أَهْلِ نِينَوَى؟ (ب) لِمَ نَحْنُ وَاثِقُونَ أَنَّ يَهْوَهَ لَمْ يُخْطِئْ فِي حُكْمِهِ؟
١٠ مَاذَا كَانَ مَوْقِفُ يَهْوَهَ مِنْ تَوْبَةِ أَهْلِ نِينَوَى؟ كَتَبَ يُونَانُ فِي وَقْتٍ لَاحِقٍ: «لَمَّا رَأَى ٱللّٰهُ أَعْمَالَهُمْ، أَنَّهُمْ رَجَعُوا عَنْ طَرِيقِهِمِ ٱلرَّدِيئَةِ، تَأَسَّفَ ٱللّٰهُ عَلَى ٱلْبَلِيَّةِ ٱلَّتِي قَالَ إِنَّهُ يُنْزِلُهَا بِهِمْ، وَلَمْ يُنْزِلْهَا». — يون ٣:١٠.
١١ هَلْ تَعْنِي هٰذِهِ ٱلْكَلِمَاتُ أَنَّ يَهْوَهَ كَانَ مُخْطِئًا فِي حُكْمِهِ عَلَى نِينَوَى؟ كَلَّا عَلَى ٱلْإِطْلَاقِ. فَٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ يَقُولُ إِنَّ عَدْلَهُ كَامِلٌ. (اقرإ التثنية ٣٢:٤.) فَبِبَسِيطِ ٱلْعِبَارَةِ، سَكَنَ غَضَبُهُ ٱلْبَارُّ ٱلَّذِي شَعَرَ بِهِ حِيَالَهُمْ. فَقَدْ لَمَسَ تَغْيِيرًا فِي قُلُوبِهِمْ، لِذَا رَأَى أَنَّ ٱلْعِقَابَ ٱلَّذِي كَانَ سَيُنْزِلُهُ بِهِمْ لَمْ يَعُدْ لَازِمًا وَقَرَّرَ أَنْ يَشْمُلَهُمْ بِرَحْمَتِهِ.
١٢، ١٣ (أ) كَيْفَ يُظْهِرُ يَهْوَهُ أَنَّهُ مُتَعَقِّلٌ وَمَرِنٌ وَرَحُومٌ؟ (ب) لِمَ لَمْ تَكُنْ نُبُوَّةُ يُونَانَ كَاذِبَةً؟
١٢ حَقًّا، إِنَّ يَهْوَهَ لَيْسَ إِلٰهًا قَاسِيًا مُتَصَلِّبًا وَبَارِدَ ٱلْمَشَاعِرِ كَمَا يُصَوِّرُهُ ٱلْقَادَةُ ٱلدِّينِيُّونَ فِي أَغْلَبِ ٱلْأَحْيَانِ، بَلْ إِلٰهٌ مُتَعَقِّلٌ وَمَرِنٌ وَرَحُومٌ. فَحِينَ يَنْوِي أَنْ يُعَاقِبَ ٱلْأَشْرَارَ، يَسْتَخْدِمُ أَوَّلًا مُمَثِّلِيهِ عَلَى ٱلْأَرْضِ كَيْ يُنْذِرُوهُمْ لِأَنَّهُ يَتُوقُ إِلَى رُؤْيَتِهِمْ يَتُوبُونَ وَيُغَيِّرُونَ طُرُقَهُمْ أُسْوَةً بِأَهْلِ نِينَوَى. (حز ٣٣:١١) قَالَ يَهْوَهُ لِنَبِيِّهِ إِرْمِيَا: «حِينَ أَتَكَلَّمُ فِي لَحْظَةٍ عَلَى أُمَّةٍ وَعَلَى مَمْلَكَةٍ لِأَسْتَأْصِلَهَا وَأُقَوِّضَهَا وَأُهْلِكَهَا، فَتَرْجِعُ تِلْكَ ٱلْأُمَّةُ عَنْ شَرِّهَا ٱلَّذِي بِسَبَبِهِ تَكَلَّمْتُ، فَإِنِّي أَتَأَسَّفُ عَلَى ٱلْبَلِيَّةِ ٱلَّتِي فَكَّرْتُ أَنْ أُنْزِلَهَا بِهَا». — ار ١٨:٧، ٨.
يَتُوقُ ٱللّٰهُ إِلَى رُؤْيَةِ ٱلْأَشْرَارِ يَتُوبُونَ وَيُغَيِّرُونَ طُرُقَهُمْ أُسْوَةً بِأَهْلِ نِينَوَى
١٣ بِنَاءً عَلَيْهِ، هَلْ يُمْكِنُ ٱلْقَوْلُ إِنَّ نُبُوَّةَ يُونَانَ كَاذِبَةٌ؟ بِٱلطَّبْعِ لَا، فَقَدْ أَتَمَّتِ ٱلْقَصْدَ مِنْهَا: تَحْذِيرَ ٱلشَّعْبِ مِنَ ٱلدَّيْنُونَةِ ٱلَّتِي ٱسْتَحَقُّوهَا بِسَبَبِ طُرُقِهِمِ ٱلرَّدِيئَةِ. إِلَّا أَنَّهُمْ غَيَّرُوا مَسْلَكَهُمْ وَتَابُوا عَنْ شُرُورِهِمْ. وَلٰكِنْ فِي حَالِ رَجَعُوا إِلَى سَابِقِ عَهْدِهِمْ كَانَ ٱللّٰهُ سَيُنْزِلُ بِهِمِ ٱلدَّيْنُونَةَ عَيْنَهَا وَيُهْلِكُهُمْ لَا مَحَالَةَ. وَهٰذَا مَا حَدَثَ فِي وَقْتٍ لَاحِقٍ. — صف ٢:١٣-١٥.
١٤ مَاذَا كَانَ رَدُّ فِعْلِ يُونَانَ حِينَ أَظْهَرَ يَهْوَهُ ٱلرَّحْمَةَ لِأَهْلِ نِينَوَى؟
١٤ وَمَاذَا كَانَ رَدُّ فِعْلِ يُونَانَ حِينَ لَمْ يُنَفِّذِ ٱللّٰهُ ٱلْعِقَابَ فِي ٱلْوَقْتِ ٱلَّذِي تَوَقَّعَهُ؟ تَذْكُرُ ٱلرِّوَايَةُ: «سَاءَ ذٰلِكَ يُونَانَ كَثِيرًا، وَٱحْتَدَمَ غَضَبًا». (يون ٤:١) حَتَّى إِنَّهُ صَلَّى إِلَى ٱللّٰهِ صَلَاةً بَدَتْ وَكَأَنَّهَا تَأْنِيبٌ لِلْإِلٰهِ ٱلْقَادِرِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ! فَقَدْ تَمَنَّى لَوْ بَقِيَ فِي مَوْطِنِهِ، وَٱدَّعَى أَنَّهُ عَرَفَ مِنَ ٱلْبِدَايَةِ أَنَّ يَهْوَهَ لَنْ يُوقِعَ ٱلْبَلِيَّةَ بِأَهْلِ نِينَوَى، وَتَذَرَّعَ أَيْضًا بِهٰذِهِ ٱلْحُجَّةِ لِيُبَرِّرَ هَرَبَهُ إِلَى تَرْشِيشَ. ثُمَّ طَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَأْخُذَ نَفْسَهُ قَائِلًا إِنَّ مَوْتَهُ خَيْرٌ مِنْ حَيَاتِهِ. — اقرأ يونان ٤:٢، ٣.
١٥ (أ) لِمَ رُبَّمَا غَرِقَ يُونَانُ فِي دَوَّامَةٍ مِنَ ٱلْمَشَاعِرِ ٱلسَّلْبِيَّةِ؟ (ب) كَيْفَ تَعَامَلَ يَهْوَهُ مَعَ نَبِيِّهِ ٱلْمُسْتَاءِ؟
١٥ وَلِمَاذَا ٱسْتَاءَ يُونَانُ إِلَى هٰذَا ٱلْحَدِّ؟ لَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَعْرِفَ كُلَّ مَا جَالَ فِي خَاطِرِهِ مِنْ أَفْكَارٍ، لٰكِنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّهُ أَعْلَنَ رِسَالَةَ ٱلدَّيْنُونَةِ أَمَامَ كُلِّ شَعْبِ نِينَوَى وَهُمْ صَدَّقُوا مَا قَالَهُ. وَلٰكِنْ مَا مِنْ دَيْنُونَةٍ آتِيَةٍ ٱلْآنَ. فَهَلْ خَافَ يُونَانُ أَنْ يَسْخَرَ مِنْهُ ٱلشَّعْبُ أَوْ يَعْتَبِرُوهُ نَبِيًّا كَذَّابًا؟ مَهْمَا كَانَتِ ٱلْأَسْبَابُ ٱلَّتِي ضَايَقَتْهُ، فَهُوَ لَمْ يُسَرَّ بِتَوْبَةِ ٱلنَّاسِ وَلَا بِرَحْمَةِ يَهْوَهَ. بَلْ غَرِقَ كَمَا يَبْدُو فِي دَوَّامَةٍ مِنْ مَشَاعِرِ ٱلْمَرَارَةِ وَٱلشَّفَقَةِ عَلَى ٱلذَّاتِ وَأَحَسَّ أَنَّ كِبْرِيَاءَهُ جُرِحَتْ. وَلٰكِنْ مِنَ ٱلْوَاضِحِ أَنَّ ٱلْإِلٰهَ ٱلرَّحِيمَ يَهْوَهَ ظَلَّ يَرَى فِي هٰذَا ٱلنَّبِيِّ ٱلْمُسْتَاءِ صِفَاتٍ حَسَنَةً. فَبَدَلَ أَنْ يُعَاقِبَهُ عَلَى قِلَّةِ ٱحْتِرَامِهِ، طَرَحَ عَلَيْهِ بِرِقَّةٍ سُؤَالًا فَاحِصًا: «أَبِحَقٍّ غَضَبُكَ؟». (يون ٤:٤) وَهَلْ أَجَابَ يُونَانُ؟ لَا يَأْتِي ٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ عَلَى ذِكْرِ شَيْءٍ مِنْ هٰذَا ٱلْقَبِيلِ.
١٦ فِي أَيَّةِ حَالَاتٍ قَدْ لَا يَتَّفِقُ ٱلْبَعْضُ مَعَ ٱللّٰهِ فِي وِجْهَاتِ ٱلنَّظَرِ، وَأَيُّ دَرْسٍ نَتَعَلَّمُهُ مِنْ مِثَالِ يُونَانَ؟
١٦ مِنَ ٱلسَّهْلِ أَنْ نَلُومَ يُونَانَ وَنَدِينَ تَصَرُّفَهُ، وَلٰكِنْ لِنُبْقِ فِي بَالِنَا أَنَّ ٱلْبَشَرَ ٱلنَّاقِصِينَ لَا يَتَّفِقُونَ مَعَ ٱللّٰهِ أَحْيَانًا فِي وِجْهَاتِ ٱلنَّظَرِ. فَٱلْبَعْضُ يَتَمَنَّوْنَ لَوْ أَنَّهُ حَالَ دُونَ وُقُوعِ مَأْسَاةٍ مَا، أَوْ أَنْزَلَ دَيْنُونَةً سَرِيعَةً بِٱلْأَشْرَارِ، أَوْ وَضَعَ حَدًّا مُنْذُ زَمَنٍ لِنِظَامِ ٱلْأَشْيَاءِ ٱلْعَالَمِيِّ هٰذَا. وَفِي حَالَاتٍ كَهٰذِهِ، يُعَلِّمُنَا مِثَالُ يُونَانَ دَرْسًا مُهِمًّا يَصِحُّ فِي كُلِّ ٱلْأَوْقَاتِ: نَحْنُ مَنْ يَلْزَمُ أَنْ نُعَدِّلَ وُجْهَةَ نَظَرِنَا، لَا يَهْوَهُ ٱللّٰهُ.
يَهْوَهُ يُعَلِّمُ يُونَانَ دَرْسًا قَيِّمًا
١٧، ١٨ (أ) مَاذَا فَعَلَ يُونَانُ بَعْدَمَا غَادَرَ نِينَوَى؟ (ب) كَيْفَ تَأَثَّرَ يُونَانُ بِعَجَائِبِ يَهْوَهَ ٱلْمُتَعَلِّقَةِ بِنَبْتَةِ ٱلْقَرْعِ؟
١٧ غَادَرَ ٱلنَّبِيُّ ٱلْمُتَثَبِّطُ مَدِينَةَ نِينَوَى، لٰكِنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ مَوْطِنَهُ بَلِ ٱتَّجَهَ شَرْقًا نَحْوَ جِبَالٍ مُطِلَّةٍ عَلَى ٱلْمِنْطَقَةِ. فَصَنَعَ هُنَاكَ مَظَلَّةً صَغِيرَةً وَجَلَسَ تَحْتَهَا يُرَاقِبُ ٱلْمَدِينَةَ. فَلَعَلَّهُ لَمْ يَفْقِدِ ٱلْأَمَلَ مِنْ رُؤْيَتِهَا تَتَدَمَّرُ وَتَفْنَى. فَكَيْفَ عَلَّمَ يَهْوَهُ هٰذَا ٱلرَّجُلَ ٱلْمُعَانِدَ دَرْسًا فِي ٱلرَّحْمَةِ؟
١٨ أَعَدَّ يَهْوَهُ أَثْنَاءَ ٱللَّيْلِ نَبْتَةَ قَرْعٍ ٱرْتَفَعَتْ فَوْقَ رَأْسِهِ. فَٱسْتَفَاقَ مِنْ نَوْمِهِ وَإِذْ بِهِ يَرَى نَبْتَةً وَارِفَةً عَرِيضَةَ ٱلْأَوْرَاقِ حَمَتْهُ مِنَ ٱلشَّمْسِ أَكْثَرَ بِكَثِيرٍ مِنَ ٱلْمَظَلَّةِ ٱلرَّقِيقَةِ ٱلَّتِي صَنَعَهَا. فَٱنْشَرَحَ صَدْرُهُ وَ «فَرِحَ . . . بِٱلْقَرْعَةِ فَرَحًا عَظِيمًا»، رُبَّمَا لِأَنَّهُ رَأَى فِي ظُهُورِهَا ٱلْعَجَائِبِيِّ دَلِيلًا عَلَى بَرَكَةِ ٱللّٰهِ وَرِضَاهُ. لٰكِنَّ يَهْوَهَ لَمْ يَقْصِدْ أَنْ يَقِيَهُ حَرَّ ٱلشَّمْسِ أَوْ يُسَكِّنَ غَضَبَهُ غَيْرَ ٱلْمُبَرَّرِ فَحَسْبُ، بَلْ أَرَادَ أَنْ يَمَسَّ قَلْبَهُ. فَأَتَى بِعَجِيبَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ، إِذْ أَعَدَّ دُودَةً لِتَضْرِبَ ٱلنَّبْتَةَ وَتَقْضِيَ عَلَيْهَا، ثُمَّ أَرْسَلَ «رِيحًا شَرْقِيَّةً لَافِحَةً» حَتَّى «كَادَ يُغْمَى» عَلَى يُونَانَ مِنْ شِدَّةِ ٱلْحَرِّ. فَٱنْهَارَتْ مَعْنَوِيَّاتُهُ وَطَلَبَ مِنَ ٱللّٰهِ ثَانِيَةً أَنْ يُمِيتَهُ. — يون ٤:٦-٨.
١٩، ٢٠ كَيْفَ حَاجَّ يَهْوَهُ يُونَانَ بِشَأْنِ نَبْتَةِ ٱلْقَرْعِ؟
١٩ سَأَلَ يَهْوَهُ يُونَانَ مُجَدَّدًا إِنْ كَانَ مُحِقًّا فِي غَضَبِهِ هٰذِهِ ٱلْمَرَّةَ مِنْ أَجْلِ ٱلْقَرْعَةِ. وَعِوَضَ أَنْ يَنْدَمَ ٱلنَّبِيُّ عَلَى مَوْقِفِهِ، بَرَّرَ نَفْسَهُ قَائِلًا: «بِحَقٍّ غَضَبِي إِلَى ٱلْمَوْتِ». عِنْدَئِذٍ آنَ ٱلْأَوَانُ لِيُلَقِّنَهُ يَهْوَهُ ٱلدَّرْسَ بِكُلِّ وُضُوحٍ وَصَرَاحَةٍ. — يون ٤:٩.
٢٠ فَحَاجَّهُ قَائِلًا إِنَّهُ أَشْفَقَ عَلَى نَبْتَةٍ نَمَتْ وَذَوَتْ بَيْنَ لَيْلَةٍ وَضُحَاهَا وَهُوَ لَمْ يَزْرَعْهَا أَوْ يَتْعَبْ فِيهَا. ثُمَّ ٱخْتَتَمَ بِٱلْكَلِمَاتِ ٱلتَّالِيَةِ: «أَفَلَا أُشْفِقُ أَنَا عَلَى نِينَوَى ٱلْمَدِينَةِ ٱلْعَظِيمَةِ، ٱلَّتِي يُوجَدُ فِيهَا أَكْثَرُ مِنْ مِئَةٍ وَعِشْرِينَ أَلْفًا مِنَ ٱلنَّاسِ لَا يَعْرِفُونَ يَمِينَهُمْ مِنْ يَسَارِهِمْ، مَا عَدَا بَهَائِمَ كَثِيرَةً؟». — يون ٤:١٠، ١١.c
٢١ (أ) أَيُّ دَرْسٍ عَمَلِيٍّ عَمِيقٍ عَلَّمَهُ يَهْوَهُ لِيُونَانَ؟ (ب) كَيْفَ تُسَاعِدُنَا رِوَايَةُ يُونَانَ أَنْ نَتَفَحَّصَ أَنْفُسَنَا بِصِدْقٍ؟
٢١ هَلْ تُدْرِكُ ٱلدَّرْسَ ٱلْعَمَلِيَّ ٱلْعَمِيقَ ٱلَّذِي كَانَ يَهْوَهُ يَرْمِي إِلَيْهِ؟ لَمْ يَبْذُلْ يُونَانُ أَيَّ جُهْدٍ لِيَعْتَنِيَ بِٱلنَّبْتَةِ، أَمَّا يَهْوَهُ فَكَانَ يَنْبُوعَ حَيَاةِ أَهْلِ نِينَوَى وَدَاعِمَهَا مِثْلَمَا هُوَ دَاعِمُ حَيَاةِ سَائِرِ ٱلْمَخْلُوقَاتِ عَلَى ٱلْأَرْضِ. فَكَيْفَ يُمْكِنُ لِمُجَرَّدِ نَبْتَةٍ أَنْ تَكُونَ أَكْثَرَ قِيمَةً فِي نَظَرِ يُونَانَ مِنْ حَيَاةِ ٠٠٠,١٢٠ نَسَمَةٍ فَضْلًا عَنْ كُلِّ مَوَاشِيهِمْ؟ أَوَلَيْسَ ٱلسَّبَبُ أَنَّهُ سَمَحَ لِلتَّفْكِيرِ ٱلْأَنَانِيِّ بِأَنْ يَتَسَلَّلَ إِلَى ذِهْنِهِ؟ فَفِي ٱلْوَاقِعِ، مَا كَانَ ٱلنَّبِيُّ لِيُشْفِقَ عَلَى ٱلنَّبْتَةِ لَوْ لَمْ يَسْتَفِدْ مِنْهَا شَخْصِيًّا. أَوَلَمْ يَكُنْ غَضَبُهُ عَلَى نِينَوَى نَابِعًا مِنْ دَافِعٍ أَنَانِيٍّ أَيْضًا، أَيِ ٱلرَّغْبَةِ فِي إِنْقَاذِ مَاءِ ٱلْوَجْهِ أَوْ بِكَلِمَاتٍ أُخْرَى إِثْبَاتِ صِحَّةِ كَلَامِهِ أَمَامَ أَهْلِهَا؟ إِنَّ قِصَّةَ يُونَانَ تُسَاعِدُنَا أَنْ نَتَفَحَّصَ أَنْفُسَنَا بِصِدْقٍ. فَمَنَ مِنَّا لَا تَتَنَازَعُهُ مُيُولٌ أَنَانِيَّةٌ كَهٰذِهِ؟ لِذَا نَحْنُ مُمْتَنُّونَ جِدًّا لِيَهْوَهَ لِأَنَّهُ يُعَلِّمُنَا بِصَبْرٍ أَنْ نَكُونَ أَكْثَرَ تَفَانِيًا وَتَعَاطُفًا وَرَحْمَةً فِي تَعَامُلِنَا مَعَ ٱلْآخَرِينَ، عَلَى غِرَارِهِ هُوَ.
٢٢ (أ) كَيْفَ تَأَثَّرَ يُونَانُ كَمَا يَتَّضِحُ بِإِرْشَادَاتِ يَهْوَهَ ٱلْحَكِيمَةِ عَنِ ٱلرَّحْمَةِ؟ (ب) أَيُّ دَرْسٍ يَحْسُنُ بِنَا أَنْ نَتَعَلَّمَهُ جَمِيعًا؟
٢٢ وَلٰكِنْ هَلِ ٱسْتَخْلَصَ يُونَانُ ٱلْمَغْزَى مِنْ هٰذَا ٱلدَّرْسِ؟ يُخْتَتَمُ ٱلسِّفْرُ ٱلَّذِي يَحْمِلُ ٱسْمَهُ بِٱلسُّؤَالِ ٱلَّذِي طَرَحَهُ يَهْوَهُ وَلٰكِنْ دُونَ ذِكْرِ أَيِّ جَوَابٍ. لِذٰلِكَ قَدْ يَعْتَرِضُ بَعْضُ ٱلنُّقَّادِ قَائِلِينَ إِنَّ يُونَانَ لَمْ يُجِبْ قَطُّ عَنْ سُؤَالِ يَهْوَهَ. لٰكِنَّ ٱلْحَقِيقَةَ أَنَّ سِفْرَهُ بِحَدِّ ذَاتِهِ هُوَ ٱلْجَوَابُ، فَٱلْأَدِلَّةُ تُشِيرُ أَنَّ يُونَانَ هُوَ كَاتِبُ ٱلسِّفْرِ ٱلَّذِي يَحْمِلُ ٱسْمَهُ. تَخَيَّلْ هٰذَا ٱلنَّبِيَّ قَدْ عَادَ سَالِمًا إِلَى مَوْطِنِهِ وَرَاحَ يَخُطُّ رِوَايَتَهُ. فَبَعْدَ أَنْ صَارَ أَكْبَرَ سِنًّا وَأَكْثَرَ حِكْمَةً وَتَوَاضُعًا، لَعَلَّهُ رَاحَ يَهُزُّ رَأْسَهُ نَدَمًا وَهُوَ يَكْتُبُ عَنْ أَخْطَائِهِ وَعِصْيَانِهِ وَرَفْضِهِ بِعِنَادٍ أَنْ يُعْرِبَ عَنِ ٱلرَّحْمَةِ. مِنَ ٱلْوَاضِحِ إِذًا أَنَّهُ تَعَلَّمَ مِنْ إِرْشَادَاتِ يَهْوَهَ ٱلْحَكِيمَةِ دَرْسًا قَيِّمًا: أَنْ يَكُونَ شَخْصًا رَحِيمًا. فَهَلْ نَقْتَدِي بِهِ؟ — اقرأ متى ٥:٧.
a يُقَدَّرُ أَنَّ عَدَدَ سُكَّانِ ٱلسَّامِرَةِ عَاصِمَةِ مَمْلَكَةِ إِسْرَائِيلَ ذَاتِ ٱلْعَشَرَةِ أَسْبَاطٍ تَرَاوَحَ بَيْنَ ٠٠٠,٢٠ وَ ٠٠٠,٣٠ نَسَمَةٍ فِي أَيَّامِ يُونَانَ، أَيْ أَقَلَّ مِنْ رُبْعِ سُكَّانِ نِينَوَى. فَيُحْتَمَلُ أَنَّ نِينَوَى وَهِيَ فِي أَوْجِ مَجْدِهَا كَانَتْ كُبْرَى مُدُنِ ٱلْعَالَمِ.
b قَدْ تَبْدُو هٰذِهِ ٱلْفِكْرَةُ غَرِيبَةً، وَلٰكِنْ لَهَا سَابِقَةٌ فِي ٱلْأَزْمِنَةِ ٱلْقَدِيمَةِ. فَقَدْ ذَكَرَ ٱلْمُؤَرِّخُ ٱلْيُونَانِيُّ هِيرُودُوتُسُ أَنَّ ٱلْفُرْسَ ٱلْقُدَمَاءَ كَانُوا يَنُوحُونَ عِنْدَ مَوْتِ أَحَدِ قَادَتِهِمِ ٱلْمَحْبُوبِينَ فَيَشْمُلُونَ حَيَوَانَاتِهِمْ بِعَادَاتِ نَوْحِهِمْ.
c حِينَ قَالَ ٱللّٰهُ إِنَّ هٰذَا ٱلشَّعْبَ لَا يَعْرِفُونَ يَمِينَهُمْ مِنْ يَسَارِهِمْ، أَشَارَ ذٰلِكَ إِلَى جَهْلِهِمِ ٱلْمُطْبِقِ بِمَقَايِيسِهِ مِثْلَ ٱلْأَوْلَادِ ٱلصِّغَارِ.