حَاكِمٌ يُسَخِّرُ قِوَى ٱلطَّبِيعَةِ

يَتَأَثَّرُ ٱلْآلَافُ ٱلَّذِينَ أَطْعَمَهُمْ يَسُوعُ تَأَثُّرًا بَالِغًا بِقُدْرَتِهِ ٱلْعَجَائِبِيَّةِ.‏ فَيَسْتَنْتِجُونَ أَنَّهُ «بِٱلْحَقِيقَةِ ٱلنَّبِيُّ ٱلْآتِي إِلَى ٱلْعَالَمِ»،‏ أَيِ ٱلْمَسِيَّا،‏ وَيَرَوْنَ فِيهِ حَاكِمًا شَعْبِيًّا.‏ (‏يوحنا ٦:‏١٤؛‏ تثنية ١٨:‏١٨‏)‏ فَيَعْتَزِمُونَ أَنْ يَأْخُذُوهُ بِٱلْقُوَّةِ وَيُنَصِّبُوهَ مَلِكًا.‏

غَيْرَ أَنَّهُ يُدْرِكُ مَا يُخَطِّطُونَ لَهُ.‏ فَيَصْرِفُهُمْ وَيَأْمُرُ تَلَامِيذَهُ أَنْ يَرْجِعُوا إِلَى ٱلْمَرْكَبِ وَيُبْحِرُوا نَحْوَ بَيْتَ صَيْدَا وَمِنْهَا إِلَى كَفَرْنَاحُومَ.‏ أَمَّا هُوَ فَيَمْضِي إِلَى ٱلْجَبَلِ لِيُصَلِّيَ وَحْدَهُ تِلْكَ ٱللَّيْلَةَ.‏

وَلٰكِنْ قُبَيْلَ بُزُوغِ ٱلْفَجْرِ،‏ وَتَحْتَ أَشِعَّةِ ٱلْقَمَرِ ٱلْفِضِّيَّةِ،‏ يَرَى يَسُوعُ مِنْ بَعِيدٍ أَنَّ ٱلرُّسُلَ فِي مَأْزِقٍ.‏ فَقَدْ هَبَّتْ رِيحٌ قَوِيَّةٌ وَتَعَالَتِ ٱلْأَمْوَاجُ،‏ وَهُمْ ‹مُنْهَكُونَ فِي ٱلتَّجْذِيفِ،‏ لِأَنَّ ٱلرِّيحَ ضِدُّهُمْ›.‏ (‏مرقس ٦:‏٤٨‏)‏ فَيَنْزِلُ مِنَ ٱلْجَبَلِ وَيَتَّجِهُ نَحْوَهُمْ مَاشِيًا عَلَى ٱلْبَحْرِ،‏ عِلْمًا بِأَنَّهُمْ «كَانُوا قَدْ جَذَّفُوا نَحْوَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ أَوْ ثَلَاثِينَ غَلْوَةً [٤ أَوْ ٥ كِيلُومِتْرَاتٍ]».‏ (‏يوحنا ٦:‏١٩‏)‏ وَحِينَ يَرَوْنَهُ يُوشِكُ أَنْ يَتَجَاوَزَهُمْ،‏ يَصْرُخُونَ مِنَ ٱلْخَوْفِ:‏ «إِنَّهُ خَيَالٌ!‏».‏ —‏ مرقس ٦:‏٤٩‏.‏

فَيُطَمْئِنُهُمْ:‏ «تَشَجَّعُوا،‏ هٰذَا أَنَا.‏ لَا تَخَافُوا».‏ لٰكِنَّ بُطْرُسَ يَطْلُبُ مِنْهُ:‏ «يَا رَبُّ،‏ إِنْ تَكُنْ أَنْتَ،‏ فَمُرْنِي أَنْ آتِيَ إِلَيْكَ عَلَى ٱلْمِيَاهِ».‏ فَيَقُولُ لَهُ:‏ «تَعَالَ».‏ إِذَّاكَ،‏ يَنْزِلُ بُطْرُسُ مِنَ ٱلْمَرْكَبِ،‏ وَيَمْشِي صَوْبَ يَسُوعَ عَلَى ٱلْمَاءِ.‏ وَلٰكِنْ حِينَ يُرَكِّزُ ٱنْتِبَاهَهُ عَلَى عَاصِفَةِ ٱلرِّيحِ،‏ يَخَافُ وَيَبْتَدِئُ يَغْرَقُ وَيَصْرُخُ:‏ «يَا رَبُّ،‏ خَلِّصْنِي!‏».‏ فَيَمُدُّ يَسُوعُ يَدَهُ وَيُمْسِكُ بِهِ وَيَقُولُ:‏ «يَا قَلِيلَ ٱلْإِيمَانِ،‏ لِمَاذَا ٱسْتَسْلَمْتَ لِلشَّكِّ؟‏».‏ —‏ متى ١٤:‏​٢٧-‏٣١‏.‏

وَحَالَمَا يَصْعَدَانِ إِلَى ٱلْمَرْكَبِ تَسْكُنُ ٱلرِّيحُ.‏ فَتَغْمُرُ ٱلدَّهْشَةُ ٱلتَّلَامِيذَ.‏ وَلٰكِنْ هَلْ دَهْشَتُهُمْ فِي مَحَلِّهَا؟‏!‏ فَلَوْ فَهِمُوا «مَعْنَى ٱلْأَرْغِفَةِ»،‏ أَيِ ٱلْعَجِيبَةِ ٱلَّتِي ٱجْتَرَحَهَا يَسُوعُ قَبْلَ سُوَيْعَاتٍ حِينَ أَطْعَمَ ٱلْآلَافَ،‏ لَمَا تَعَجَّبُوا لِأَنَّهُ سَارَ عَلَى ٱلْمَاءِ أَوْ هَدَّأَ ٱلرِّيحَ.‏ إِثْرَ ذٰلِكَ،‏ يَنْحَنُونَ لَهُ ٱحْتِرَامًا قَائِلِينَ:‏ «أَنْتَ حَقًّا ٱبْنُ ٱللّٰهِ!‏».‏ —‏ مرقس ٦:‏٥٢؛‏ متى ١٤:‏٣٣‏.‏

وَلَا يَمْضِي وَقْتٌ طَوِيلٌ حَتَّى يَصِلُوا إِلَى سَهْلٍ خَصِيبٍ أَخَّاذٍ ٱسْمُهُ جِنِّيسَارِتُ جَنُوبَ كَفَرْنَاحُومَ.‏ وَمَا إِنْ يُرْسُونَ ٱلْمَرْكَبَ وَيَتَرَجَّلُونَ مِنْهُ حَتَّى يَتَعَرَّفَ ٱلنَّاسُ إِلَى يَسُوعَ.‏ فَيَأْتُونَهُ هُمْ وَآخَرُونَ مِنَ ٱلْمِنْطَقَةِ ٱلْمُحِيطَةِ بِٱلسُّقَمَاءِ لِيَشْفِيَهُمْ.‏ وَحَالَمَا يَلْمُسُ ٱلْمَرْضَى وَلَوْ هُدْبَ رِدَائِهِ يَتَعَافَوْنَ تَمَامًا.‏

فِي هٰذِهِ ٱلْأَثْنَاءِ،‏ يَكْتَشِفُ ٱلَّذِينَ شَهِدُوا عَجِيبَةَ ٱلْأَرْغِفَةِ وَٱلسَّمَكَتَيْنِ أَنَّ يَسُوعَ رَحَلَ.‏ فَإِذَا بِهِمْ يَسْتَقِلُّونَ مَرَاكِبَ صَغِيرَةً تَصِلُ مِنْ طَبَرِيَّةَ،‏ وَيُبْحِرُونَ إِلَى كَفَرْنَاحُومَ بَحْثًا عَنْهُ.‏ وَحِينَ يَجِدُونَهُ يَسْأَلُونَهُ:‏ «رَابِّي،‏ مَتَى وَصَلْتَ إِلَى هُنَا؟‏».‏ (‏يوحنا ٦:‏٢٥‏)‏ فَيُوَبِّخُهُمْ لِسَبَبٍ وَجِيهٍ كَمَا سَنَرَى.‏