«مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ جُزْءًا مِنْ هٰذَا ٱلْعَالَمِ»
«لِهٰذَا أَتَيْتُ إِلَى ٱلْعَالَمِ، لِأَشْهَدَ لِلْحَقِّ». — يو ١٨:٣٧.
اَلتَّرْنِيمَتَانِ: ١٠٩، ١٠٢
١، ٢ (أ) كَيْفَ هُوَ حَالُ ٱلْعَالَمِ ٱلْيَوْمَ؟ (ب) أَيَّةُ أَسْئِلَةٍ تُنَاقِشُهَا هٰذِهِ ٱلْمَقَالَةُ؟
تَتَذَكَّرُ أُخْتٌ مِنْ جَنُوبِ أُورُوبَّا: «مُنْذُ صِغَرِي لَمْ أَرَ إِلَّا ٱلظُّلْمَ. لِذَا عَارَضْتُ ٱلنِّظَامَ ٱلْحَاكِمَ فِي بَلَدِي، وَتَبَنَّيْتُ آرَاءً مُتَطَرِّفَةً. وَطَوَالَ سَنَوَاتٍ، عِشْتُ مَعَ إِرْهَابِيٍّ». وَفِي إِفْرِيقْيَا ٱلْجَنُوبِيَّةِ، أَيَّدَ أَخٌ ٱسْتِعْمَالَ ٱلْعُنْفِ قَبْلَمَا تَعَرَّفَ إِلَى ٱلْحَقِّ. يُخْبِرُ: «اِعْتَبَرْتُ قَبِيلَتِي أَسْمَى مِنْ غَيْرِهَا، وَٱنْضَمَمْتُ إِلَى أَحَدِ ٱلْأَحْزَابِ. فَتَعَلَّمْنَا أَنْ نَقْتُلَ مُعَارِضِينَا بِٱلرِّمَاحِ، وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبِيلَتِنَا». وَتَتَذَكَّرُ أُخْتٌ مِنْ أُورُوبَّا ٱلْوُسْطَى: «بِسَبَبِ تَعَصُّبِي، كَرِهْتُ كُلَّ ٱلْجِنْسِيَّاتِ وَٱلْأَدْيَانِ ٱلْأُخْرَى».
٢ إِنَّ أَعْدَادًا مُتَزَايِدَةً مِنَ ٱلنَّاسِ ٱلْيَوْمَ تَتَبَنَّى مَوَاقِفَ كَهٰذِهِ. فَٱلِٱنْقِسَامَاتُ ٱلسِّيَاسِيَّةُ تَكْثُرُ، وَٱلْحَرَكَاتُ ٱلِٱسْتِقْلَالِيَّةُ ٱلْعَنِيفَةُ تَنْتَشِرُ، وَٱلْكَرَاهِيَةُ نَحْوَ ٱلْأَجَانِبِ تَشْتَدُّ فِي بُلْدَانٍ عَدِيدَةٍ. فَٱلنَّاسُ «غَيْرُ مُسْتَعِدِّينَ لِقُبُولِ أَيِّ ٱتِّفَاقٍ»، تَمَامًا كَمَا أَنْبَأَ ٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ. (٢ تي ٣:١، ٣) فَكَيْفَ نُحَافِظُ عَلَى وَحْدَتِنَا فِي هٰذَا ٱلْعَالَمِ ٱلْمُنْقَسِمِ؟ نَتَعَلَّمُ ٱلْكَثِيرَ مِنْ مِثَالِ يَسُوعَ. فَقَدْ عَاشَ هُوَ أَيْضًا فِي فَتْرَةٍ مَلِيئَةٍ بِٱلِٱضْطِرَابَاتِ ٱلسِّيَاسِيَّةِ. لِذَا سَنُنَاقِشُ ٱلْأَسْئِلَةَ ٱلتَّالِيَةَ: لِمَاذَا لَمْ يُؤَيِّدْ يَسُوعُ ٱلْحَرَكَاتِ ٱلِٱنْفِصَالِيَّةَ؟ كَيْفَ عَلَّمَنَا أَلَّا نَنْحَازَ إِلَى أَيِّ طَرَفٍ سِيَاسِيٍّ؟ وَكَيْفَ أَظْهَرَ أَنْ لَا مُبَرِّرَ لِلْعُنْفِ؟
مَوْقِفُ يَسُوعَ مِنَ ٱلْحَرَكَاتِ ٱلِٱسْتِقْلَالِيَّةِ
٣، ٤ (أ) مَاذَا أَرَادَ يَهُودٌ كَثِيرُونَ أَيَّامَ يَسُوعَ؟ (ب) كَيْفَ أَثَّرَتْ هٰذِهِ ٱلرَّغْبَةُ عَلَى ٱلتَّلَامِيذِ؟
٣ أَيَّامَ يَسُوعَ، رَغِبَ يَهُودٌ كَثِيرُونَ فِي ٱلِٱسْتِقْلَالِ عَنْ رُومَا. فَٱلْغَيَارَى مَثَلًا، وَهُمْ حِزْبٌ سِيَاسِيٌّ مُتَطَرِّفٌ، حَرَّضُوا ٱلشَّعْبَ عَلَى ٱلِٱسْتِقْلَالِ. حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ لَجَأَ إِلَى ٱلْعُنْفِ لِيُحَقِّقُوا أَهْدَافَهُمْ. وَقَدْ تَبَنَّى ٱلْعَدِيدُ مِنْهُمْ أَفْكَارَ يَهُوذَا ٱلْجَلِيلِيِّ، وَهُوَ رَجُلٌ ٱدَّعَى أَنَّهُ ٱلْمَسِيَّا وَأَضَلَّ كَثِيرِينَ لٰكِنَّهُ أُعْدِمَ عَلَى يَدِ ٱلرُّومَانِ. فَٱلْمُؤَرِّخُ ٱلْيَهُودِيُّ فِلَافِيُوس يُوسِيفُوس يَذْكُرُ أَنَّ يَهُوذَا «حَرَّضَ مُوَاطِنِي بَلَدِهِ عَلَى ٱلثَّوْرَةِ»، حَتَّى إِنَّهُ وَصَفَهُمْ بِٱلْجُبَنَاءِ لِأَنَّهُمْ دَفَعُوا ٱلْجِزْيَةَ لِلرُّومَانِ. — اع ٥:٣٧.
٤ كَمَا أَنَّ عَامَّةَ ٱلشَّعْبِ ٱنْتَظَرُوا أَنْ يَأْتِيَ مَسِيَّا يُحَرِّرُهُمْ مِنَ ٱلرُّومَانِ. (لو ٢:٣٨؛ ٣:١٥) فَقَدْ ظَنُّوا أَنَّهُ سَيُؤَسِّسُ مَمْلَكَةً فِي إِسْرَائِيلَ، وَيُعِيدُ إِلَى أُمَّتِهِمْ مَجْدَهَا. وَعِنْدَئِذٍ يَرْجِعُ مَلَايِينُ ٱلْيَهُودِ ٱلْمُشَتَّتِينَ إِلَى وَطَنِهِمْ. حَتَّى إِنَّ يُوحَنَّا ٱلْمَعْمَدَانَ سَأَلَ يَسُوعَ: «أَأَنْتَ ٱلْآتِي أَمْ نَتَرَقَّبُ آخَرَ؟». (مت ١١:٢، ٣) فَرُبَّمَا تَسَاءَلَ هَلْ يَأْتِي شَخْصٌ آخَرُ لِيُحَرِّرَ ٱلْيَهُودَ. وَتَلَامِيذُ يَسُوعَ أَيْضًا عَبَّرُوا عَنْ أَفْكَارٍ مُشَابِهَةٍ. فَبَعْدَ قِيَامَتِهِ، ٱلْتَقَاهُ تِلْمِيذَانِ فِي ٱلطَّرِيقِ إِلَى عِمْوَاسَ، وَأَخْبَرَاهُ أَنَّهُمَا كَانَا يَرْجُوَانِ أَنْ يُنْقِذَ إِسْرَائِيلَ. (اقرأ لوقا ٢٤:٢١.) وَبَعْدَ ذٰلِكَ بِوَقْتٍ قَصِيرٍ، سَأَلَهُ ٱلرُّسُلُ: «يَا رَبُّ، أَفِي هٰذَا ٱلْوَقْتِ تَرُدُّ ٱلْمَمْلَكَةَ إِلَى إِسْرَائِيلَ؟». — اع ١:٦.
٥ (أ) لِمَ رَغِبَ أَهْلُ ٱلْجَلِيلِ أَنْ يُنَصِّبُوا يَسُوعَ مَلِكًا؟ (ب) كَيْفَ صَحَّحَ يَسُوعُ تَفْكِيرَهُمْ؟
٥ وَرُبَّمَا بِسَبَبِ تِلْكَ ٱلْآمَالِ، رَغِبَ أَهْلُ ٱلْجَلِيلِ أَنْ يُنَصِّبُوا يَسُوعَ مَلِكًا. وَلَا بُدَّ أَنَّهُمُ ٱعْتَبَرُوهُ أَيْضًا قَائِدًا مِثَالِيًّا لِأَنَّهُ عَلَّمَ بِبَرَاعَةٍ، شَفَى ٱلْمَرْضَى، وَأَطْعَمَ ٱلْجِيَاعَ. فَبَعْدَمَا أَطْعَمَ حَوَالَيْ ٠٠٠,٥ رَجُلٍ، تَعَجَّبَ ٱلنَّاسُ جِدًّا، حَتَّى إِنَّهُمْ كَانُوا «عَلَى وَشْكِ أَنْ يَأْتُوا وَيَأْخُذُوهُ عَنْوَةً لِيَجْعَلُوهُ مَلِكًا». لٰكِنَّ يَسُوعَ أَدْرَكَ ذٰلِكَ. لِذَا «ٱنْصَرَفَ وَعَادَ إِلَى ٱلْجَبَلِ وَحْدَهُ». (يو ٦:١٠-١٥) وَتُتَابِعُ ٱلرِّوَايَةُ أَنَّهُمْ وَجَدُوهُ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلتَّالِي عَلَى ٱلضَّفَّةِ ٱلْأُخْرَى مِنْ بَحْرِ ٱلْجَلِيلِ. لٰكِنَّ حَمَاسَتَهُمْ كَانَتْ قَدْ خَفَّتْ عَلَى ٱلْأَرْجَحِ. فَأَوْضَحَ لَهُمْ أَنَّهُ أَتَى إِلَى ٱلْأَرْضِ لِيَهْتَمَّ بِحَاجَاتِ ٱلنَّاسِ ٱلرُّوحِيَّةِ، لَا ٱلْمَادِّيَّةِ. وَأَوْصَاهُمْ: «اِعْمَلُوا لَا لِلطَّعَامِ ٱلَّذِي يَفْنَى، بَلْ لِلطَّعَامِ ٱلَّذِي يَبْقَى لِلْحَيَاةِ ٱلْأَبَدِيَّةِ». — يو ٦:٢٥-٢٧.
٦ كَيْفَ أَوْضَحَ يَسُوعُ أَنَّهُ لَمْ يَسْعَ إِلَى مَنْصِبٍ سِيَاسِيٍّ عَلَى ٱلْأَرْضِ؟ (اُنْظُرِ ٱلصُّورَةَ ١ فِي بِدَايَةِ ٱلْمَقَالَةِ.)
٦ وَقَبْلَ أَنْ يَمُوتَ يَسُوعُ، أَدْرَكَ أَنَّ بَعْضَ أَتْبَاعِهِ يَتَوَقَّعُونَ أَنْ يَصِيرَ مَلِكًا فِي أُورُشَلِيمَ. فَأَخْبَرَهُمْ مَثَلَ ٱلْأَمْنَاءِ لِيُصَحِّحَ تَفْكِيرَهُمْ. فَشَبَّهَ نَفْسَهُ ‹بِإِنْسَانٍ شَرِيفِ ٱلنَّسَبِ› سَافَرَ فِي رِحْلَةٍ تَسْتَغْرِقُ وَقْتًا طَوِيلًا. (لو ١٩:١١-١٣، ١٥) وَيَسُوعُ أَظْهَرَ أَيْضًا لِلْحَاكِمِ ٱلرُّومَانِيِّ بُنْطِيُوسَ بِيلَاطُسَ أَنَّهُ مُحَايِدٌ سِيَاسِيًّا. فَبِيلَاطُسُ سَأَلَهُ: «أَأَنْتَ مَلِكُ ٱلْيَهُودِ؟». (يو ١٨:٣٣) فَكَمَا يَبْدُو، خَافَ أَنْ يُسَبِّبَ يَسُوعُ ٱضْطِرَابَاتٍ سِيَاسِيَّةً. لٰكِنَّهُ أَجَابَ: «مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ جُزْءًا مِنْ هٰذَا ٱلْعَالَمِ». (يو ١٨:٣٦) فَيَسُوعُ لَمْ يَتَدَخَّلْ فِي ٱلسِّيَاسَةِ لِأَنَّ مَمْلَكَتَهُ سَمَاوِيَّةٌ. وَأَوْضَحَ أَنَّهُ أَتَى إِلَى ٱلْأَرْضِ ‹لِيَشْهَدَ لِلْحَقِّ›. — اقرأ يوحنا ١٨:٣٧.
٧ مَاذَا يُصَعِّبُ عَلَيْنَا أَنْ نَبْقَى مُحَايِدِينَ فِي قَلْبِنَا؟
٧ لَقَدْ فَهِمَ يَسُوعُ مَا هُوَ تَعْيِينُهُ عَلَى ٱلْأَرْضِ. وَحِينَ نُرَكِّزُ نَحْنُ أَيْضًا عَلَى تَعْيِينِنَا ٱلْكِرَازِيِّ، نَمْتَنِعُ عَنْ تَأْيِيدِ أَيِّ طَرَفٍ سِيَاسِيٍّ، حَتَّى فِي قَلْبِنَا. لٰكِنَّ هٰذَا لَيْسَ سَهْلًا. لَاحَظَ نَاظِرُ دَائِرَةٍ: «اَلنَّاسُ فِي مِنْطَقَتِنَا يَزْدَادُونَ تَطَرُّفًا. فَرُوحُ ٱلْقَوْمِيَّةِ مُنْتَشِرَةٌ، وَكَثِيرُونَ مُقْتَنِعُونَ أَنَّ ٱلِٱسْتِقْلَالَ سَيُحَسِّنُ حَيَاتَهُمْ. لٰكِنِّي أَشْكُرُ يَهْوَهَ أَنَّ ٱلْإِخْوَةَ يُحَافِظُونَ عَلَى وَحْدَتِهِمْ، لِأَنَّهُمْ يُرَكِّزُونَ عَلَى ٱلْكِرَازَةِ بِٱلْمَلَكُوتِ. فَهُمْ يَتَّكِلُونَ عَلَى ٱللّٰهِ لِيُنْهِيَ ٱلظُّلْمَ وَيَحُلَّ مَشَاكِلَهُمْ».
بَقِيَ يَسُوعُ مُحَايِدًا فِي ٱلنِّزَاعَاتِ ٱلسِّيَاسِيَّةِ
٨ أَيُّ ظُلْمٍ عَانَاهُ يَهُودٌ كَثِيرُونَ أَيَّامَ يَسُوعَ؟
٨ غَالِبًا مَا يَدْفَعُ ٱلظُّلْمُ ٱلنَّاسَ أَنْ يَتَحَمَّسُوا لِآرَاءٍ سِيَاسِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ. مَثَلًا، كَانَتِ ٱلضَّرَائِبُ مَوْضُوعًا حَسَّاسًا فِي أَيَّامِ يَسُوعَ. وَفِي ٱلْوَاقِعِ، ثَارَ يَهُوذَا ٱلْجَلِيلِيُّ عَلَى ٱلرُّومَانِ لِأَنَّهُمْ أَجْرَوُا ٱكْتِتَابًا بِهَدَفِ جَمْعِ ٱلضَّرَائِبِ. وَبِٱلْفِعْلِ، ٱضْطُرَّ ٱلشَّعْبُ أَنْ يَدْفَعُوا ضَرَائِبَ كَثِيرَةً عَلَى ٱلْأَرَاضِي وَٱلْبُيُوتِ وَغَيْرِهَا. وَمَا زَادَ ٱلطِّينَ بِلَّةً هُوَ فَسَادُ جُبَاةِ ٱلضَّرَائِبِ. فَكَانُوا يَشْتَرُونَ مَنَاصِبَهُمْ فِي مَزَادَاتٍ عَلَنِيَّةٍ، ثُمَّ يَسْتَغِلُّونَهَا لِجَنْيِ ٱلْأَرْبَاحِ. زَكَّا مَثَلًا كَانَ كَبِيرَ جُبَاةِ ٱلضَّرَائِبِ فِي أَرِيحَا، وَٱغْتَنَى بِٱبْتِزَازِ ٱلنَّاسِ. — لو ١٩:٢، ٨.
٩، ١٠ (أ) كَيْفَ حَاوَلَ أَعْدَاءُ يَسُوعَ أَنْ يُوَرِّطُوهُ فِي قَضِيَّةٍ سِيَاسِيَّةٍ؟ (ب) مَاذَا نَتَعَلَّمُ مِنْ رَدِّ يَسُوعَ؟ (اُنْظُرِ ٱلصُّورَةَ ٢ فِي بِدَايَةِ ٱلْمَقَالَةِ.)
٩ وَقَدْ حَاوَلَ أَعْدَاءُ يَسُوعَ أَنْ يُوَرِّطُوهُ فِي قَضِيَّةِ ٱلضَّرَائِبِ. فَسَأَلُوهُ: «أَيَحِلُّ دَفْعُ ضَرِيبَةِ ٱلرَّأْسِ؟»، وَهِيَ ضَرِيبَةٌ قِيمَتُهَا دِينَارٌ فُرِضَتْ عَلَى كُلِّ ٱلْيَهُودِ. (اقرأ متى ٢٢:١٦-١٨.) وَٱلْيَهُودُ كَرِهُوهَا جِدًّا لِأَنَّهَا ذَكَّرَتْهُمْ بِخُضُوعِهِمْ لِلرُّومَانِ. لِذَا سَأَلَهُ عَنْهَا «أَعْضَاءُ حِزْبِ هِيرُودُسَ» بِهَدَفِ ٱلْإِيقَاعِ بِهِ. فَإِذَا عَارَضَ دَفْعَهَا، يَتَّهِمُونَهُ بِإِثَارَةِ ٱلْفِتْنَةِ. أَمَّا فِي حَالِ أَيَّدَهُ، فَيَتَوَقَّفُ ٱلنَّاسُ عَنِ ٱتِّبَاعِهِ. فَمَاذَا فَعَلَ؟
١٠ حَرِصَ يَسُوعُ أَلَّا يَنْحَازَ إِلَى أَيِّ طَرَفٍ. قَالَ: «أَوْفُوا . . . مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ، وَمَا لِلّٰهِ لِلّٰهِ». (مت ٢٢:٢١) فَرَغْمَ أَنَّهُ عَرَفَ دُونَ شَكٍّ بِفَسَادِ جُبَاةِ ٱلضَّرَائِبِ، لَمْ يُرَكِّزْ عَلَيْهِ. بَلْ رَكَّزَ عَلَى مَلَكُوتِ ٱللّٰهِ، لِأَنَّهُ ٱلْحَلُّ ٱلْحَقِيقِيُّ لِمَشَاكِلِ ٱلْبَشَرِ. وَهٰكَذَا رَسَمَ ٱلْمِثَالَ لِكُلِّ أَتْبَاعِهِ. فَلَا يَجِبُ أَنْ يُؤَيِّدُوا أَيَّ قَضِيَّةٍ سِيَاسِيَّةٍ، مَهْمَا بَدَتْ عَادِلَةً أَوْ مُحِقَّةً. فَٱلْمَسِيحِيُّونَ يُرَكِّزُونَ عَلَى مَلَكُوتِ ٱللّٰهِ وَبِرِّهِ. لِذَا لَا يُطَالِبُونَ بِإِنْهَاءِ ٱلْمَظَالِمِ، وَلَا يَكُونُ لَهُمْ آرَاءٌ فِيهَا أَسَاسًا. — مت ٦:٣٣.
١١ مَا هِيَ أَفْضَلُ طَرِيقَةٍ لِنُحَارِبَ ٱلظُّلْمَ؟
١١ تَعَصَّبَ كَثِيرُونَ قَبْلًا لِآرَاءٍ سِيَاسِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ، لٰكِنَّهُمْ تَغَيَّرُوا بَعْدَمَا عَرَفُوا ٱلْحَقَّ. تَتَذَكَّرُ أُخْتٌ فِي بَرِيطَانِيَا ٱلْعُظْمَى: «بَعْدَمَا دَرَسْتُ عِلْمَ ٱلِٱجْتِمَاعِ فِي ٱلْجَامِعَةِ، تَبَنَّيْتُ آرَاءً مُتَطَرِّفَةً. فَبَدَأْتُ أُطَالِبُ بِحُقُوقِ ٱلسُّودِ لِأَنَّنَا ظُلِمْنَا كَثِيرًا عَلَى مَرِّ ٱلتَّارِيخِ. وَمَعَ أَنِّي رَبِحْتُ ٱلْمُجَادَلَاتِ بِسُهُولَةٍ، غَالِبًا مَا شَعَرْتُ بِٱلْإِحْبَاطِ. فَآنَذَاكَ لَمْ أُدْرِكْ أَنَّ ٱلْعَدْلَ لَنْ يَتَحَقَّقَ إِلَّا حِينَ تَزُولُ ٱلْعُنْصُرِيَّةُ مِنْ قُلُوبِ ٱلنَّاسِ. لٰكِنِّي لَمَّا دَرَسْتُ ٱلْكِتَابَ ٱلْمُقَدَّسَ، رَأَيْتُ أَنَّ عَلَيَّ أَنْ أَبْدَأَ بِقَلْبِي. وَفِي ٱلْوَاقِعِ، سَاعَدَتْنِي أُخْتٌ بَيْضَاءُ بِصَبْرٍ فِي هٰذَا ٱلْمَجَالِ. وَأَنَا ٱلْآنَ فَاتِحَةٌ عَادِيَّةٌ فِي جَمَاعَةٍ بِلُغَةِ ٱلْإِشَارَاتِ، وَأَسْعَى لِأُبَشِّرَ شَتَّى ٱلنَّاسِ».
«رُدَّ سَيْفَكَ إِلَى مَكَانِهِ»
١٢ مِنْ أَيِّ «خَمِيرٍ» حَذَّرَ يَسُوعُ أَتْبَاعَهُ؟
١٢ غَالِبًا مَا ٱخْتَلَطَ ٱلدِّينُ بِٱلسِّيَاسَةِ أَيَّامَ يَسُوعَ. يَذْكُرُ كِتَابُ اَلْحَيَاةُ ٱلْيَوْمِيَّةُ فِي فِلَسْطِينَ زَمَنَ ٱلْمَسِيحِ (بِٱلْإِنْكِلِيزِيَّةِ): «اَلطَّوَائِفُ ٱلدِّينِيَّةُ ٱلْيَهُودِيَّةُ كَانَتْ عُمُومًا مِثْلَ ٱلْأَحْزَابِ ٱلسِّيَاسِيَّةِ ٱلْيَوْمَ». لِذٰلِكَ حَذَّرَ يَسُوعُ تَلَامِيذَهُ: «أَبْقُوا عُيُونَكُمْ مَفْتُوحَةً، وَٱحْذَرُوا خَمِيرَ ٱلْفَرِّيسِيِّينَ وَخَمِيرَ هِيرُودُسَ». (مر ٨:١٥) وَهُنَا ذَكَرَ يَسُوعُ ٱلْفَرِّيسِيِّينَ ٱلَّذِينَ أَيَّدُوا ٱسْتِقْلَالَ ٱلْيَهُودِ. كَمَا أَشَارَ إِلَى هِيرُودُسَ، أَيْ «أَعْضَاءِ حِزْبِ هِيرُودُسَ» عَلَى ٱلْأَرْجَحِ. وَبِحَسَبِ رِوَايَةِ مَتَّى، تَحَدَّثَ يَسُوعُ أَيْضًا عَنِ ٱلصَّدُّوقِيِّينَ. وَهٰؤُلَاءِ أَرَادُوا أَنْ يَبْقَى ٱلْوَضْعُ عَلَى حَالِهِ، لِأَنَّهُمْ تَمَتَّعُوا بِسُلْطَةٍ وَاسِعَةٍ تَحْتَ حُكْمِ ٱلرُّومَانِ. أَمَّا ‹ٱلْخَمِيرُ› ٱلَّذِي حَذَّرَ مِنْهُ يَسُوعُ، فَهُوَ تَعَالِيمُ هٰذِهِ ٱلْفِئَاتِ ٱلثَّلَاثِ. (مت ١٦:٦، ١٢) وَٱللَّافِتُ أَنَّهُ أَعْطَى هٰذَا ٱلتَّحْذِيرَ مُبَاشَرَةً بَعْدَمَا أَرَادَ ٱلنَّاسُ أَنْ يُنَصِّبُوهُ مَلِكًا.
١٣، ١٤ (أ) كَيْفَ أَدَّى ٱخْتِلَاطُ ٱلدِّينِ بِٱلسِّيَاسَةِ إِلَى ٱلْعُنْفِ وَٱلظُّلْمِ؟ (ب) لِمَ ٱلظُّلْمُ لَيْسَ مُبَرِّرًا لِلْعُنْفِ؟ (اُنْظُرِ ٱلصُّورَةَ ٣ فِي بِدَايَةِ ٱلْمَقَالَةِ.)
١٣ إِنَّ ٱخْتِلَاطَ ٱلدِّينِ بِٱلسِّيَاسَةِ كَثِيرًا مَا يُؤَدِّي إِلَى ٱلْعُنْفِ. مَثَلًا، سَعَى كِبَارُ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلْفَرِّيسِيُّونَ لِقَتْلِ يَسُوعَ. فَقَدْ رَأَوْا فِيهِ خَصْمًا يُهَدِّدُ سُلْطَتَهُمْ. وَأَحَدُ ٱلْأَسْبَابِ هُوَ أَنَّهُ عَلَّمَ تَلَامِيذَهُ أَنْ يَبْقَوْا مُحَايِدِينَ. قَالُوا: «إِنْ تَرَكْنَاهُ هٰكَذَا، يُؤْمِنُ بِهِ ٱلْجَمِيعُ، فَيَأْتِي ٱلرُّومَانُ وَيَأْخُذُونَ مَوْضِعَنَا وَأُمَّتَنَا». (يو ١١:٤٨) لِهٰذَا ٱلسَّبَبِ، دَبَّرَ رَئِيسُ ٱلْكَهَنَةِ قَيَافَا مَكِيدَةً لِقَتْلِهِ. — يو ١١:٤٩-٥٣؛ ١٨:١٤.
١٤ فَأَرْسَلَ قَيَافَا جُنُودًا لِيَقْبِضُوا عَلَى يَسُوعَ لَيْلًا. وَقَدْ عَرَفَ يَسُوعُ بِخُطَّتِهِمِ ٱلْخَبِيثَةِ. لِذَا خِلَالَ عَشَائِهِ ٱلْأَخِيرِ مَعَ تَلَامِيذِهِ، طَلَبَ مِنْهُمْ أَنْ يُحْضِرُوا سُيُوفًا. وَكَانَ سَيْفَانِ كَافِيَيْنِ لِيُعَلِّمَهُمْ دَرْسًا مُهِمًّا. (لو ٢٢:٣٦-٣٨) فَبِٱلْفِعْلِ، أَتَى جَمْعٌ لِيَقْبِضُوا عَلَيْهِ لَاحِقًا تِلْكَ ٱللَّيْلَةَ. وَغَضِبَ بُطْرُسُ جِدًّا مِنْ هٰذَا ٱلْإِجْرَاءِ ٱلظَّالِمِ، حَتَّى إِنَّهُ ٱسْتَلَّ سَيْفًا وَضَرَبَ بِهِ وَاحِدًا مِنَ ٱلْجَمْعِ. (يو ١٨:١٠) لٰكِنَّ يَسُوعَ قَالَ لَهُ: «رُدَّ سَيْفَكَ إِلَى مَكَانِهِ، لِأَنَّ كُلَّ ٱلَّذِينَ يَأْخُذُونَ ٱلسَّيْفَ بِٱلسَّيْفِ يَهْلِكُونَ». (مت ٢٦:٥٢، ٥٣) وَهٰذَا ٱلدَّرْسُ ٱلْمُهِمُّ يَنْسَجِمُ مَعَ صَلَاةِ يَسُوعَ تِلْكَ ٱللَّيْلَةَ. فَقَدْ طَلَبَ أَلَّا يَكُونَ تَلَامِيذُهُ جُزْءًا مِنَ ٱلْعَالَمِ. (اقرأ يوحنا ١٧:١٦.) فَيَهْوَهُ وَحْدَهُ يَحِقُّ لَهُ أَنْ يُحَارِبَ ٱلظُّلْمَ.
١٥، ١٦ (أ) كَيْفَ سَاعَدَتْ كَلِمَةُ ٱللّٰهِ مَسِيحِيِّينَ كَثِيرِينَ أَنْ يَتَجَنَّبُوا ٱلِٱنْقِسَامَاتِ؟ (ب) كَيْفَ يَخْتَلِفُ شَعْبُ يَهْوَهَ عَنِ ٱلْعَالَمِ ٱلْيَوْمَ؟
١٥ وَهٰذَا ٱلدَّرْسُ تَعَلَّمَتْهُ أَيْضًا ٱلْأُخْتُ فِي جَنُوبِ أُورُوبَّا ٱلْمَذْكُورَةُ سَابِقًا. تُخْبِرُ: «لَقَدْ رَأَيْتُ أَنَّ ٱلْعُنْفَ لَا يُحَقِّقُ ٱلْعَدْلَ. وَٱلَّذِينَ يَلْجَأُونَ إِلَيْهِ غَالِبًا مَا يَفْقِدُونَ حَيَاتَهُمْ، أَوْ يَمْتَلِئُونَ بِٱلْمَرَارَةِ وَٱلْحِقْدِ. أَمَّا أَنَا، فَسَعِيدَةٌ جِدًّا لِأَنِّي تَعَلَّمْتُ أَنَّ ٱللّٰهَ وَحْدَهُ سَيَجْلُبُ ٱلْعَدْلَ ٱلْحَقِيقِيَّ. وَهٰذَا مَا أُبَشِّرُ بِهِ مُنْذُ ٢٥ سَنَةً». وَٱلْأَخُ مِنْ إِفْرِيقْيَا ٱلْجَنُوبِيَّةِ بَادَلَ رُمْحَهُ ‹بِسَيْفِ ٱلرُّوحِ، أَيْ كَلِمَةِ ٱللّٰهِ›. وَهُوَ يَكْرِزُ بِرِسَالَةِ ٱلسَّلَامِ لِجِيرَانِهِ، بِغَضِّ ٱلنَّظَرِ عَنْ قَبِيلَتِهِمْ. (اف ٦:١٧) وَمَاذَا عَنِ ٱلْأُخْتِ مِنْ أُورُوبَّا ٱلْوُسْطَى؟ بَعْدَمَا أَصْبَحَتْ وَاحِدَةً مِنْ شُهُودِ يَهْوَهَ، تَزَوَّجَتْ أَخًا مِنْ عِرْقٍ كَرِهَتْهُ فِي ٱلْمَاضِي. لَقَدْ تَغَيَّرَ هٰؤُلَاءِ ٱلثَّلَاثَةُ لِأَنَّهُمْ أَرَادُوا أَنْ يَتَمَثَّلُوا بِٱلْمَسِيحِ.
١٦ وَهٰذِهِ ٱلتَّغْيِيرَاتُ فِي غَايَةِ ٱلْأَهَمِّيَّةِ. فَٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ يُشَبِّهُ ٱلْبَشَرِيَّةَ بِبَحْرٍ هَائِجٍ مُضْطَرِبٍ. (اش ١٧:١٢؛ ٥٧:٢٠، ٢١؛ رؤ ١٣:١) فَٱلْقَضَايَا ٱلسِّيَاسِيَّةُ تَسْتَفِزُّ ٱلنَّاسَ وَتُفَرِّقُهُمْ وَتُحَرِّضُهُمْ عَلَى ٱلْعُنْفِ. أَمَّا نَحْنُ، فَنُحَافِظُ عَلَى سَلَامِنَا وَوَحْدَتِنَا. وَلَا شَكَّ أَنَّ يَهْوَهَ يَفْرَحُ كَثِيرًا حِينَ يَرَانَا مُوَحَّدِينَ فِي هٰذَا ٱلْعَالَمِ ٱلْمُنْقَسِمِ. — اقرأ صفنيا ٣:١٧.
١٧ (أ) كَيْفَ نُقَوِّي وَحْدَتَنَا؟ (ب) مَاذَا تُنَاقِشُ ٱلْمَقَالَةُ ٱلتَّالِيَةُ؟
١٧ كَخُلَاصَةٍ إِذًا، نُقَوِّي وَحْدَتَنَا ٱلْمَسِيحِيَّةَ حِينَ: (١) نَتَّكِلُ عَلَى مَلَكُوتِ ٱللّٰهِ لِيُزِيلَ ٱلظُّلْمَ، (٢) لَا نَنْحَازُ إِلَى أَيِّ طَرَفٍ سِيَاسِيٍّ، وَ (٣) نَرْفُضُ ٱلْعُنْفَ. لٰكِنَّ ٱلتَّحَامُلَ خَطَرٌ آخَرُ يُهَدِّدُ وَحْدَتَنَا. لِذَا سَنَرَى فِي ٱلْمَقَالَةِ ٱلتَّالِيَةِ كَيْفَ نَتَغَلَّبُ عَلَيْهِ، تَمَثُّلًا بِٱلْمَسِيحِيِّينَ ٱلْأَوَائِلِ.