الفصل ٢١
«إِنِّي طَاهِرٌ مِنْ دَمِ ٱلْجَمِيعِ»
غَيْرَةُ بُولُسَ فِي ٱلْكِرَازَةِ وَمَشُورَتُهُ إِلَى ٱلشُّيُوخِ
مُؤَسَّسٌ عَلَى ٱلْأَعْمَال ٢٠:١-٣٨
١-٣ (أ) صِفُوا ٱلظُّرُوفَ ٱلْمُحِيطَةَ بِمَوْتِ أَفْتِيخُوسَ. (ب) مَاذَا فَعَلَ بُولُسُ، وَمَاذَا تَكْشِفُ هٰذِهِ ٱلْحَادِثَةُ عَنْهُ؟
يَحْتَشِدُ ٱلْإِخْوَةُ فِي عُلِّيَّةٍ بِتَرُوَاسَ مُصْغِينَ إِلَى خِطَابِ بُولُسَ ٱلْوَدَاعِيِّ. إِنَّهَا لَيْلَتُهُ ٱلْأَخِيرَةُ مَعَهُمْ. لٰكِنَّ ٱلْخِطَابَ يَطُولُ . . . وَيَطُولُ . . . حَتَّى يَنْتَصِفَ ٱللَّيْلُ. اَلسُّرُجُ كَثِيرَةٌ تَتَرَاقَصُ شُعَلُهَا يَمِينًا وَيَسَارًا لِتُنِيرَ ٱلْمَكَانَ. وَلٰكِنْ مَعَ ٱلْوَقْتِ يَشْتَدُّ ٱلْحَرُّ أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ، وَرُبَّمَا تَعْبَقُ بِٱلْغُرْفَةِ رَائِحَةُ ٱلدُّخَانِ أَيْضًا. وَفِيمَا يُطِيلُ ٱلرَّسُولُ ٱلْكَلَامَ، يَغْلِبُ ٱلنُّعَاسُ عَلَى شَابٍّ يُدْعَى أَفْتِيخُوسَ كَانَ جَالِسًا عَلَى حَرْفِ ٱلنَّافِذَةِ. وَفَجْأَةً يَقَعُ مَا لَمْ يَكُنْ فِي ٱلْحُسْبَانِ: فَٱلشَّابُّ أَفْتِيخُوسُ يَهْوِي أَرْضًا مِنَ ٱلطَّبَقَةِ ٱلثَّالِثَةِ!
٢ لَا نَسْتَغْرِبُ إِنْ كَانَ لُوقَا ٱلطَّبِيبُ هُوَ أَوَّلَ مَنْ هَبَّ لِتَفَقُّدِ أَفْتِيخُوسَ. إِلَّا أَنَّ حَالَةَ ٱلشَّابِّ وَاضِحَةٌ تَمَامًا: إِنَّهُ «مَيِّتٌ»! (اع ٢٠:٩) فَهَلْ يَرْجِعُ ٱلْإِخْوَةُ إِلَى بُيُوتِهِمْ حَزَانَى؟ كَلَّا عَلَى ٱلْإِطْلَاقِ! فَهَا بُولُسُ يَرْتَمِي عَلَى أَفْتِيخُوسَ، ثُمَّ يَأْمُرُ ٱلْحُضُورَ قَائِلًا: «كُفُّوا عَنْ إِثَارَةِ ٱلضَّجِيجِ لِأَنَّ نَفْسَهُ فِيهِ». نَعَمْ، لَقَدْ صَنَعَ ٱلرَّسُولُ عَجِيبَةً وَأَعَادَ ٱلشَّابَّ إِلَى ٱلْحَيَاةِ! — اع ٢٠:١٠.
٣ فِي هٰذِهِ ٱلْحَادِثَةِ، تَجَلَّتْ قُدْرَةُ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ. وَلٰكِنْ لِمَ صَنَعَ بُولُسُ أَسَاسًا هٰذِهِ ٱلْعَجِيبَةَ؟ فَهُوَ أَوَّلًا وَآخِرًا لَمْ يَكُنْ مَلُومًا عَلَى مَوْتِ أَفْتِيخُوسَ. اَلْوَاقِعُ هُوَ أَنَّ ٱلرَّسُولَ لَمْ يُرِدْ أَنْ تُفْسِدَ هٰذِهِ ٱلْفَاجِعَةُ ٱلْمُنَاسَبَةَ ٱلْهَامَّةَ أَوْ أَنْ تُعْثِرَ أَيًّا مِنَ ٱلْحَاضِرِينَ. وَبِإِقَامَةِ أَفْتِيخُوسَ، كَانَتْ لِلْجَمَاعَةِ تَعْزِيَةٌ، وَتَنَشَّطَ أَعْضَاؤُهَا لِمُتَابَعَةِ خِدْمَتِهِمْ بَعْدَ مُغَادَرَةِ بُولُسَ. وَمِنَ ٱلْوَاضِحِ أَنَّ ٱلرَّسُولَ لَمْ يَنْظُرْ بِٱسْتِخْفَافٍ إِلَى حَيَاةِ ٱلْآخَرِينَ. قَالَ فِي وَقْتٍ لَاحِقٍ: «إِنِّي طَاهِرٌ مِنْ دَمِ ٱلْجَمِيعِ». (اع ٢٠:٢٦) فَلْنَتَأَمَّلْ إِذًا كَيْفَ يُفِيدُنَا مِثَالُهُ.
«خَرَجَ لِيُسَافِرَ إِلَى مَقْدُونِيَةَ» (اعمال ٢٠:١، ٢)
٤ أَيُّ مِحْنَةٍ شَدِيدَةٍ أَلَمَّتْ بِبُولُسَ؟
٤ قَرَأْنَا فِي ٱلْفَصْلِ ٱلسَّابِقِ أَنَّ بُولُسَ عَانَى ٱلْأَمَرَّيْنِ فِيمَا كَانَ فِي أَفَسُسَ. فَكِرَازَتُهُ هُنَاكَ أَثَارَتْ ضَجَّةً قَوِيَّةً، إِذْ إِنَّ صَاغَةَ ٱلْفِضَّةِ ٱلَّذِينَ كَسَبُوا مَعِيشَتَهُمْ مِنْ عِبَادَةِ أَرْطَامِيسَ أَثَارُوا ٱضْطِرَابًا ضِدَّهُ. «وَبَعْدَ أَنْ هَمَدَ ٱلشَّغَبُ، ٱسْتَدْعَى بُولُسُ ٱلتَّلَامِيذَ، فَشَجَّعَهُمْ وَوَدَّعَهُمْ، ثُمَّ خَرَجَ لِيُسَافِرَ إِلَى مَقْدُونِيَةَ». — اع ٢٠:١.
٥، ٦ (أ) كَمْ مِنَ ٱلْوَقْتِ رُبَّمَا قَضَى بُولُسُ فِي مَقْدُونِيَةَ، وَمَاذَا فَعَلَ مِنْ أَجْلِ ٱلْإِخْوَةِ هُنَاكَ؟ (ب) أَيُّ مَوْقِفٍ حَافَظَ عَلَيْهِ بُولُسُ مِنْ رُفَقَائِهِ ٱلْمُؤْمِنِينَ؟
٥ فِي طَرِيقِهِ إِلَى مَقْدُونِيَةَ، عَرَّجَ ٱلرَّسُولُ عَلَى مَرْفَإِ تَرُوَاسَ آمِلًا أَنْ يَأْتِيَ إِلَيْهِ تِيطُسُ، مُوْفَدُهُ إِلَى كُورِنْثُوسَ. (٢ كو ٢:١٢، ١٣) وَلٰكِنْ حِينَ تَأَكَّدَ أَنَّ تِيطُسَ لَنْ يَأْتِيَ، تَابَعَ طَرِيقَهُ إِلَى مَقْدُونِيَةَ حَيْثُ أَمْضَى سَنَةً عَلَى ٱلْأَرْجَحِ، ‹مُشَجِّعًا ٱلْإِخْوَةَ بِكَلَامٍ كَثِيرٍ›.a (اع ٢٠:٢) وَهُنَاكَ ٱلْتَقَى أَخِيرًا بِتِيطُسَ ٱلَّذِي حَمَلَ إِلَيْهِ أَخْبَارًا سَارَّةً عَنْ تَجَاوُبِ ٱلْكُورِنْثِيِّينَ مَعَ ٱلرِّسَالَةِ ٱلْأُولَى إِلَيْهِمْ. (٢ كو ٧:٥-٧) فَٱنْدَفَعَ ٱلرَّسُولُ إِذَّاكَ إِلَى كِتَابَةِ رِسَالَةٍ أُخْرَى، نُشِيرُ إِلَيْهَا ٱلْيَوْمَ بِٱسْمِ ٢ كُورِنْثُوسَ.
٦ مِنَ ٱلْجَدِيرِ بِٱلذِّكْرِ أَنَّ بُولُسَ «شَجَّعَ» إِخْوَتَهُ فِي أَفَسُسَ وَمَقْدُونِيَةَ، حَسْبَمَا يُخْبِرُنَا لُوقَا. وَهٰذَا ٱلتَّفْصِيلُ يَرْسُمُ صُورَةً وَاضِحَةً عَنْ مَوْقِفِ ٱلرَّسُولِ مِنْ رُفَقَائِهِ ٱلْمُؤْمِنِينَ. فَبِعَكْسِ ٱلْفَرِّيسِيِّينَ ٱلَّذِينَ ٱزْدَرَوْا بِعَامَّةِ ٱلشَّعْبِ، ٱعْتَبَرَ بُولُسُ ٱلْخِرَافَ رُفَقَاءَ لَهُ فِي ٱلْعَمَلِ. (يو ٧:٤٧-٤٩؛ ١ كو ٣:٩) وَقَدْ حَافَظَ عَلَى هٰذِهِ ٱلنَّظْرَةِ حَتَّى عِنْدَمَا قَدَّمَ لَهُمْ مَشُورَةً قَوِيَّةً. — ٢ كو ٢:٤.
٧ كَيْفَ يَقْتَدِي ٱلنُّظَّارُ ٱلْمَسِيحِيُّونَ ٱلْيَوْمَ بِمِثَالِ بُولُسَ؟
٧ وَفِي أَيَّامِنَا، يَسْعَى ٱلشُّيُوخُ وَٱلنُّظَّارُ ٱلْجَائِلُونَ لِلِٱقْتِدَاءِ بِبُولُسَ. فَهُمْ يَهْدِفُونَ إِلَى تَقْوِيَةِ مَنْ يَحْتَاجُونَ إِلَى مُسَاعَدَةٍ، حَتَّى عِنْدَ تَوْبِيخِهِمْ. كَمَا يُحَاوِلُونَ أَنْ يَتَعَاطَفُوا مَعَ ٱلْإِخْوَةِ وَيُشَجِّعُوهُمْ، لَا أَنْ يَدِينُوهُمْ. عَلَّقَ أَخٌ خَدَمَ لِسَنَوَاتٍ نَاظِرًا جَائِلًا بِٱلْقَوْلِ: «يَرْغَبُ مُعْظَمُ إِخْوَتِنَا وَأَخَوَاتِنَا أَنْ يَسْلُكُوا حَسَنًا، لٰكِنَّهُمْ غَالِبًا مَا يُصَارِعُونَ ٱلتَّثَبُّطَ وَٱلْقَلَقَ وَٱلْإِحْسَاسَ بِٱلْعَجْزِ أَمَامَ مَشَاكِلِهِمْ». وَٱلنُّظَّارُ ٱلْمَسِيحِيُّونَ قَادِرُونَ أَنْ يَمُدُّوا هٰؤُلَاءِ ٱلْإِخْوَةَ بِٱلتَّشْجِيعِ. — عب ١٢:١٢، ١٣.
«خُطَّةٌ خَبِيثَةٌ كَانَتْ تُحَاكُ ضِدَّهُ» (اعمال ٢٠:٣، ٤)
٨، ٩ (أ) مَاذَا عَرْقَلَ خُطَطَ بُولُسَ فِي ٱلْإِبْحَارِ إِلَى سُورِيَّةَ؟ (ب) مَا بَعْضُ ٱلْأَسْبَابِ ٱلْمُحْتَمَلَةِ لِلْعَدَاوَةِ ٱلَّتِي أَكَنَّهَا ٱلْيَهُودُ لِبُولُسَ؟
٨ مِنْ مَقْدُونِيَةَ تَوَجَّهَ بُولُسُ إِلَى كُورِنْثُوسَ.b وَبَعْدَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، هَمَّ بِٱلذَّهَابِ إِلَى كَنْخَرِيَا حَيْثُ كَانَ فِي نِيَّتِهِ أَنْ يُبْحِرَ إِلَى سُورِيَّةَ ثُمَّ يَتَوَجَّهَ إِلَى أُورُشَلِيمَ لِيُوصِلَ ٱلتَّبَرُّعَاتِ أَخِيرًا إِلَى إِخْوَتِهِ ٱلْمُحْتَاجِينَ.c (اع ٢٤:١٧؛ رو ١٥:٢٥، ٢٦) لٰكِنَّ حَدَثًا لَمْ يَكُنْ فِي ٱلْحُسْبَانِ بَدَّلَ خُطَطَهُ. فَٱلْأَعْمَال ٢٠:٣ تَكْشِفُ أَنَّ «خُطَّةً خَبِيثَةً كَانَتْ تُحَاكُ ضِدَّهُ مِنَ ٱلْيَهُودِ».
٩ وَلَا نَسْتَغْرِبُ أَنَّ ٱلْيَهُودَ أَضْمَرُوا ٱلْعِدَاءَ لِبُولُسَ. فَهُوَ فِي نَظَرِهِمْ مُرْتَدٌّ عَنْ دِيَانَتِهِمْ. وَكِرَازَتُهُ سَابِقًا أَدَّتْ إِلَى ٱهْتِدَاءِ كِرِيسْبُسَ، ٱلْعُضْوِ ٱلْبَارِزِ فِي مَجْمَعِ كُورِنْثُوسَ. (اع ١٨:٧، ٨؛ ١ كو ١:١٤) وَمَا حَصَلَ لَاحِقًا زَادَهُمْ حَنَقًا عَلَيْهِ. فَقَدْ شَكَوْهُ إِلَى غَالِيُونَ وَالِي أَخَائِيَةَ، غَيْرَ أَنَّ هٰذَا ٱلْأَخِيرَ رَدَّ ٱلدَّعْوَى مُعْتَبِرًا أَنَّهَا غَيْرُ مُبَرَّرَةٍ. (اع ١٨:١٢-١٧) أَمَّا ٱلْآنَ فَلَعَلَّهُمْ عَرَفُوا أَوِ ٱسْتَنْتَجُوا أَنَّ ٱلرَّسُولَ مُوشِكٌ أَنْ يُبْحِرَ مِنْ مَرْفَإِ كَنْخَرِيَا ٱلْمُجَاوِرِ. فَعَمَدُوا إِلَى تَدْبِيرِ مَكِيدَةٍ لِيَكْمُنُوا لَهُ هُنَاكَ. فَمَا عَسَاهُ يَفْعَلُ ٱلْآنَ؟
١٠ هَلْ كَانَ تَفَادِي ٱلْمُرُورِ بِكَنْخَرِيَا عَمَلًا جَبَانًا؟ أَوْضِحُوا.
١٠ تَجَنُّبًا لِلْمَخَاطِرِ ٱلْمُحْتَمَلَةِ وَحِرْصًا عَلَى ٱلْأَمْوَالِ ٱلْمُؤْتَمَنِ عَلَيْهَا، قَرَّرَ بُولُسُ عَدَمَ ٱلذَّهَابِ إِلَى كَنْخَرِيَا. عِوَضَ ذٰلِكَ آثَرَ ٱلرُّجُوعَ عَبْرَ مَقْدُونِيَةَ، مَعَ ٱلْعِلْمِ أَنَّ ٱلسَّفَرَ بَرًّا ٱنْطَوَى هُوَ ٱلْآخَرُ عَلَى مَخَاطِرَ جَمَّةٍ. فَغَالِبًا مَا كَمَنَ قُطَّاعُ ٱلطُّرُقِ لِلْمُسَافِرِينَ؛ وَٱلْفَنَادِقُ نَفْسُهَا لَمْ تَكُنْ آمِنَةً. لٰكِنَّ بُولُسَ ٱخْتَارَ أَهْوَنَ ٱلشَّرَّيْنِ وَفَضَّلَ مَخَاطِرَ ٱلسَّفَرِ بَرًّا عَلَى تِلْكَ ٱلَّتِي تَنْتَظِرُهُ فِي كَنْخَرِيَا. وَٱلشُّكْرُ لِلّٰهِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُسَافِرًا وَحْدَهُ. فَمِنْ بَيْنِ رُفَقَائِهِ فِي هٰذِهِ ٱلسَّفْرَةِ نَعُدُّ: أَرِسْتَرْخُسَ، تُرُوفِيمُسَ، تِيخِيكُسَ، تِيمُوثَاوُسَ، سَكُونْدُسَ، سُوبَاتَرُسَ، وَغَايُسَ. — اع ٢٠:٣، ٤.
١١ كَيْفَ يَتَّخِذُ ٱلْمَسِيحِيُّونَ ٱلْيَوْمَ ٱلتَّدَابِيرَ لِحِمَايَةِ أَنْفُسِهِمْ قَدْرَ ٱلْإِمْكَانِ، وَأَيُّ مِثَالٍ رَسَمَهُ يَسُوعُ فِي هٰذَا ٱلْمَجَالِ؟
١١ تَشَبُّهًا بِبُولُسَ، يَتَّخِذُ ٱلْمَسِيحِيُّونَ ٱلْيَوْمَ ٱحْتِيَاطَاتِهِمْ أَثْنَاءَ ٱلْكِرَازَةِ. فَفِي بَعْضِ ٱلْمَنَاطِقِ، لَا يَتَنَقَّلُونَ فِي ٱلْمُقَاطَعَةِ مُنْفَرِدِينَ، بَلْ يَخْدُمُونَ فِي فِرَقٍ أَوْ عَلَى ٱلْأَقَلِّ ٱثْنَيْنِ ٱثْنَيْنِ. وَمَا نَظْرَتُهُمْ إِلَى ٱلِٱضْطِهَادِ؟ يُدْرِكُ ٱلشُّهُودُ أَنْ لَا مَفَرَّ مِنْ أَنْ يُضْطَهَدُوا. (يو ١٥:٢٠؛ ٢ تي ٣:١٢) مَعَ ذٰلِكَ، هُمْ لَا يَتَعَمَّدُونَ تَعْرِيضَ أَنْفُسِهِمْ لِلْخَطَرِ. وَفِي هٰذَا ٱلْمَجَالِ، مِنَ ٱلْمُفِيدِ ٱلتَّأَمُّلُ فِي مِثَالِ يَسُوعَ. فَذَاتَ مَرَّةٍ، رَاحَ ٱلْمُقَاوِمُونَ فِي أُورُشَلِيمَ يَرْفَعُونَ حِجَارَةً لِيَرْمُوهُ بِهَا. فَمَا كَانَ مِنْهُ إِلَّا أَنْ «تَوَارَى وَخَرَجَ مِنَ ٱلْهَيْكَلِ». (يو ٨:٥٩) وَفِي وَقْتٍ لَاحِقٍ، حِينَ خَطَّطَ ٱلْيَهُودُ لِقَتْلِهِ، «لَمْ يَعُدْ يَسُوعُ يَتَجَوَّلُ عَلَانِيَةً بَيْنَ ٱلْيَهُودِ، بَلْ مَضَى مِنْ هُنَاكَ إِلَى ٱلْكُورَةِ ٱلْقَرِيبَةِ مِنَ ٱلْبَرِّيَّةِ». (يو ١١:٥٤) بِٱخْتِصَارٍ، ٱتَّخَذَ يَسُوعُ ٱلتَّدَابِيرَ لِحِمَايَةِ نَفْسِهِ قَدْرَ ٱلْإِمْكَانِ مَا دَامَ ذٰلِكَ لَا يَتَعَارَضُ مَعَ مَشِيئَةِ ٱللّٰهِ لَهُ. وَهٰذَا بِٱلضَّبْطِ مَا يَفْعَلُهُ ٱلْمَسِيحِيُّونَ ٱلْعَصْرِيُّونَ. — مت ١٠:١٦.
«كَانَتْ لَهُمْ تَعْزِيَةٌ لَا حَدَّ لَهَا» (اعمال ٢٠:٥-١٢)
١٢، ١٣ (أ) كَيْفَ أَثَّرَتْ قِيَامَةُ أَفْتِيخُوسَ فِي ٱلْجَمَاعَةِ؟ (ب) أَيُّ رَجَاءٍ مُؤَسَّسٍ عَلَى ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ يُعَزِّي فِي أَيَّامِنَا مَنْ غَيَّبَ ٱلْمَوْتُ عَزِيزًا عَلَى قَلْبِهِمْ؟
١٢ اِجْتَازَ بُولُسُ وَرُفَقَاؤُهُ مَقْدُونِيَةَ مَعًا، ثُمَّ ٱفْتَرَقُوا عَلَى مَا يَبْدُو. بَعْدَئِذٍ يُخْبِرُنَا لُوقَا: «أَتَيْنَا إِلَيْهِمْ فِي تَرُوَاسَ فِي غُضُونِ خَمْسَةِ أَيَّامٍ».d (اع ٢٠:٦) فَكَمَا يَظْهَرُ، عَادَ ٱلرِّجَالُ وَٱجْتَمَعُوا فِي تَرُوَاسَ.e وَكَانَ فِي هٰذِهِ ٱلْمَدِينَةِ أَنَّ ٱلشَّابَّ أَفْتِيخُوسَ أُقِيمَ مِنَ ٱلْمَوْتِ، بِحَسَبِ مَا رَأَيْنَا فِي مُسْتَهَلِّ ٱلْفَصْلِ. وَيَا لَلْفَرْحَةِ ٱلَّتِي غَمَرَتِ ٱلْإِخْوَةَ حِينَ عَادَ رَفِيقُهُمْ إِلَى ٱلْحَيَاةِ! فَٱلسِّفْرُ يُطْلِعُنَا أَنَّهُمْ تَعَزَّوْا «تَعْزِيَةً لَا حَدَّ لَهَا». — اع ٢٠:١٢.
١٣ طَبْعًا، لَا نَشْهَدُ فِي أَيَّامِنَا عَجَائِبَ كَهٰذِهِ. إِلَّا أَنَّ رَجَاءَ ٱلْقِيَامَةِ ٱلْمُؤَسَّسَ عَلَى ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ يُقَدِّمُ «تَعْزِيَةً لَا حَدَّ لَهَا» لِمَنْ يَفْقِدُونَ عَزِيزًا عَلَى قَلْبِهِمْ. (يو ٥:٢٨، ٢٩) فَكِّرْ فِي مَا يَلِي: رَغْمَ أَنَّ بُولُسَ أَقَامَ أَفْتِيخُوسَ، عَادَ هٰذَا ٱلشَّابُّ وَمَاتَ بَعْدَ مُدَّةٍ بِسَبَبِ ٱلنَّقْصِ ٱلْبَشَرِيِّ. (رو ٦:٢٣) لٰكِنَّ ٱلْمُقَامِينَ فِي عَالَمِ ٱللّٰهِ ٱلْجَدِيدِ يَرْجُونَ ٱلْعَيْشَ إِلَى ٱلْأَبَدِ! وَكَذٰلِكَ ٱلْمُقَامُونَ لِيَحْكُمُوا مَعَ يَسُوعَ فِي ٱلسَّمَاءِ ‹يَلْبَسُونَ ٱلْخُلُودَ› كَمَا تُخْبِرُنَا ٱلْأَسْفَارُ ٱلْمُقَدَّسَةُ. (١ كو ١٥:٥١-٥٣) لِذٰلِكَ لَدَى ٱلْمَسِيحِيِّينَ جَمِيعًا، سَوَاءٌ كَانُوا مِنَ ٱلْمَمْسُوحِينَ أَوْ مِنَ ‹ٱلْخِرَافِ ٱلْأُخَرِ›، سَبَبٌ وَجِيهٌ لِيَتَعَزَّوْا «تَعْزِيَةً لَا حَدَّ لَهَا». — يو ١٠:١٦.
«عَلَانِيَةً وَمِنْ بَيْتٍ إِلَى بَيْتٍ» (اعمال ٢٠:١٣-٢٤)
١٤ مَاذَا قَالَ بُولُسُ لِشُيُوخِ أَفَسُسَ عِنْدَمَا ٱلْتَقَاهُمْ فِي مِيلِيتُسَ؟
١٤ سَافَرَ بُولُسُ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ تَرُوَاسَ إِلَى أَسُّوسَ فَمِيتِيلِينِي فَخِيُوسَ فَسَامُوسَ وُصُولًا إِلَى مِيلِيتُسَ. وَكَانَ ٱلرَّسُولُ يُسْرِعُ لِلْوُصُولِ إِلَى أُورُشَلِيمَ فِي يَوْمِ ٱلْخَمْسِينَ. وَهٰذَا مَا يُفَسِّرُ لِمَ «قَرَّرَ أَنْ يُبْحِرَ مُتَجَاوِزًا أَفَسُسَ». غَيْرَ أَنَّهُ رَغِبَ فِي ٱلتَّحَدُّثِ إِلَى شُيُوخِ تِلْكَ ٱلْمَدِينَةِ. لِذَا طَلَبَ مِنْهُمْ مُوَافَاتَهُ فِي مِيلِيتُسَ. (اع ٢٠:١٣-١٧) وَعِنْدَ وُصُولِهِمْ، قَالَ لَهُمْ: «أَنْتُمْ تَعْرِفُونَ جَيِّدًا مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ وَطِئَتْ قَدَمِي إِقْلِيمَ آسِيَا، كَيْفَ كُنْتُ مَعَكُمْ كُلَّ ٱلزَّمَانِ، عَابِدًا لِلرَّبِّ بِكُلِّ ٱتِّضَاعٍ عَقْلِيٍّ وَدُمُوعٍ وَمِحَنٍ أَصَابَتْنِي مِنْ خُطَطِ ٱلْيَهُودِ ٱلْخَبِيثَةِ، فِيمَا لَمْ أُمْسِكْ عَنْ إِخْبَارِكُمْ بِكُلِّ مَا هُوَ مُفِيدٌ، وَلَا عَنْ تَعْلِيمِكُمْ عَلَانِيَةً وَمِنْ بَيْتٍ إِلَى بَيْتٍ. إِنَّمَا شَهِدْتُ كَامِلًا لِلْيَهُودِ وَٱلْيُونَانِيِّينَ بِٱلتَّوْبَةِ إِلَى ٱللّٰهِ وَٱلْإِيمَانِ بِرَبِّنَا يَسُوعَ». — اع ٢٠:١٨-٢١.
١٥ مَا بَعْضُ حَسَنَاتِ ٱلْخِدْمَةِ مِنْ بَيْتٍ إِلَى بَيْتٍ؟
١٥ وَفِي زَمَنِنَا، يَسْتَعْمِلُ شُهُودُ يَهْوَهَ طُرُقًا مُتَعَدِّدَةً لِإِيصَالِ ٱلْبِشَارَةِ إِلَى ٱلنَّاسِ. فَعَلَى غِرَارِ بُولُسَ نَقْصِدُهُمْ حَيْثُمَا وُجِدُوا، سَوَاءٌ فِي مَحَطَّاتِ ٱلْبَاصِ أَوِ ٱلشَّوَارِعِ ٱلْمُزْدَحِمَةِ أَوِ ٱلْأَسْوَاقِ. غَيْرَ أَنَّ ٱلتَّبْشِيرَ مِنْ بَيْتٍ إِلَى بَيْتٍ يَبْقَى ٱلطَّرِيقَةَ ٱلرَّئِيسِيَّةَ ٱلَّتِي نَسْتَعْمِلُهَا. لِمَاذَا؟ أَوَّلًا، يَعْكِسُ هٰذَا ٱلْأُسْلُوبُ عَدْلَ ٱللّٰهِ، إِذْ يُهَيِّئُ لِلْجَمِيعِ دُونَ مُحَابَاةٍ فُرْصَةَ سَمَاعِ رِسَالَةِ ٱلْمَلَكُوتِ بِٱنْتِظَامٍ. ثَانِيًا، يُتِيحُ لِأَصْحَابِ ٱلْقُلُوبِ ٱلطَّيِّبَةِ أَنْ يَنَالُوا ٱلْمُسَاعَدَةَ إِفْرَادِيًّا، كُلٌّ بِحَسَبِ حَاجَتِهِ. فَضْلًا عَنْ ذٰلِكَ، تَبْنِي ٱلْكِرَازَةُ مِنْ بَيْتٍ إِلَى بَيْتٍ إِيمَانَ وَٱحْتِمَالَ ٱلْمُبَشِّرِينَ. فَلَا عَجَبَ إِذًا أَنْ تُصْبِحَ ٱلْغَيْرَةُ فِي ٱلشَّهَادَةِ «عَلَانِيَةً وَمِنْ بَيْتٍ إِلَى بَيْتٍ» عَلَامَةً فَارِقَةً تُمَيِّزُ ٱلْمَسِيحِيِّينَ ٱلْحَقِيقِيِّينَ ٱلْيَوْمَ.
١٦، ١٧ كَيْفَ أَعْرَبَ بُولُسُ عَنِ ٱلشَّجَاعَةِ، وَكَيْفَ يَقْتَدِي ٱلْمَسِيحِيُّونَ ٱلْيَوْمَ بِمِثَالِهِ؟
١٦ بِٱلْعَوْدَةِ إِلَى حَدِيثِ بُولُسَ مَعَ شُيُوخِ أَفَسُسَ، أَوْضَحَ ٱلرَّسُولُ أَنَّهُ يَجْهَلُ ٱلْمَخَاطِرَ ٱلَّتِي تَنْتَظِرُهُ عِنْدَ عَوْدَتِهِ إِلَى أُورُشَلِيمَ. لٰكِنَّهُ تَابَعَ: «لَا أَحْسِبُ نَفْسِي ذَاتَ قِيمَةٍ، كَأَنَّمَا هِيَ عَزِيزَةٌ عَلَيَّ، حَسْبِي أَنْ أُنْهِيَ شَوْطِي وَٱلْخِدْمَةَ ٱلَّتِي أَخَذْتُهَا مِنَ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ، لِأَشْهَدَ كَامِلًا بِبِشَارَةِ نِعْمَةِ ٱللّٰهِ». (اع ٢٠:٢٤) فَبُولُسُ مَا كَانَ لِيَسْمَحَ لِأَيِّ عَائِقٍ، كَٱلْمَشَاكِلِ ٱلصِّحِّيَّةِ أَوِ ٱلْمُقَاوَمَةِ ٱلشَّرِسَةِ، أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ إِتْمَامِ تَعْيِينِهِ.
١٧ بِشَكْلٍ مُمَاثِلٍ، يَحْتَمِلُ ٱلْمَسِيحِيُّونَ ٱلْعَصْرِيُّونَ ٱلشَّدَائِدَ مَهْمَا كَانَ نَوْعُهَا. فَبَعْضُهُمْ يُوَاجِهُونَ ٱلِٱضْطِهَادَ وَٱلْحَظْرَ ٱلْحُكُومِيَّ. وَبَعْضُهُمْ يُصَارِعُونَ بِشَجَاعَةٍ أَمْرَاضًا جَسَدِيَّةً أَوْ نَفْسِيَّةً تُنْهِكُ قِوَاهُمْ. أَمَّا ٱلشَّبَابُ فِي ٱلْمَدَارِسِ فَيُضَيِّقُ عَلَيْهِمْ رُفَقَاؤُهُمْ لِكَيْ يُسَايِرُوا فِي إِيمَانِهِمْ. وَلٰكِنْ عَلَى غِرَارِ بُولُسَ يُعْرِبُ شُهُودُ يَهْوَهَ عَنِ ٱلثَّبَاتِ، بِصَرْفِ ٱلنَّظَرِ عَنِ ٱلْعَوَائِقِ ٱلَّتِي تَعْتَرِضُ سَبِيلَهُمْ. فَهُمْ مُصَمِّمُونَ عَلَى ‹ٱلشَّهَادَةِ كَامِلًا بِبِشَارَةِ نِعْمَةِ ٱللّٰهِ›.
«اِنْتَبِهُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَلِجَمِيعِ ٱلرَّعِيَّةِ» (اعمال ٢٠:٢٥-٣٨)
١٨ كَيْفَ بَقِيَ بُولُسُ طَاهِرًا مِنْ دَمِ ٱلْجَمِيعِ، وَكَيْفَ يُمْكِنُ لِشُيُوخِ أَفَسُسَ ٱلِٱقْتِدَاءُ بِهِ؟
١٨ بَعْدَئِذٍ وَجَّهَ بُولُسُ إِلَى شُيُوخِ أَفَسُسَ تَنْبِيهًا صَرِيحًا، مُسْتَشْهِدًا بِمِثَالِهِ هُوَ. فَبَعْدَ أَنْ أَعْلَمَهُمْ أَنَّهُمْ لَنْ يَرَوْهُ ثَانِيَةً عَلَى ٱلْأَرْجَحِ، قَالَ: «إِنِّي طَاهِرٌ مِنْ دَمِ ٱلْجَمِيعِ، لِأَنِّي لَمْ أُمْسِكْ عَنْ إِخْبَارِكُمْ بِكُلِّ مَشُورَةِ ٱللّٰهِ». فَكَيْفَ لِشُيُوخِ أَفَسُسَ أَنْ يَقْتَدُوا بِهِ وَيَبْقَوْا أَطْهَارًا مِنْ دَمِ ٱلْجَمِيعِ؟ أَوْصَاهُمُ ٱلرَّسُولُ: «اِنْتَبِهُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَلِجَمِيعِ ٱلرَّعِيَّةِ ٱلَّتِي عَيَّنَكُمْ فِيهَا ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ نُظَّارًا، لِتَرْعَوْا جَمَاعَةَ ٱللّٰهِ ٱلَّتِي ٱشْتَرَاهَا بِدَمِ ٱبْنِهِ». (اع ٢٠:٢٦-٢٨) ثُمَّ حَذَّرَهُمْ مِنْ أَشْخَاصٍ شَبِيهِينَ ‹بِذِئَابٍ جَائِرَةٍ› سَيَنْسَلُّونَ إِلَى ٱلْجَمَاعَةِ وَ «يَتَكَلَّمُونَ بِأُمُورٍ مُعَوَّجَةٍ لِيَجْتَذِبُوا ٱلتَّلَامِيذَ وَرَاءَهُمْ». فَمَاذَا عَلَيْهِمْ فِعْلُهُ لِمُوَاجَهَةِ هٰذَا ٱلْخَطَرِ؟ حَضَّهُمْ بُولُسُ: «اِبْقَوْا مُسْتَيْقِظِينَ، وَٱذْكُرُوا أَنِّي ثَلَاثَ سِنِينَ، لَيْلًا وَنَهَارًا، لَمْ أَكُفَّ عَنْ أَنْ أُنَبِّهَ كُلَّ وَاحِدٍ بِدُمُوعٍ». — اع ٢٠:٢٩-٣١.
١٩ أَيُّ ٱرْتِدَادٍ نَشَأَ بِحُلُولِ نِهَايَةِ ٱلْقَرْنِ ٱلْأَوَّلِ، وَإِلَامَ أَدَّى ذٰلِكَ فِي ٱلْقُرُونِ ٱللَّاحِقَةِ؟
١٩ بِحُلُولِ نِهَايَةِ ٱلْقَرْنِ ٱلْأَوَّلِ، كَانَتِ ‹ٱلذِّئَابُ ٱلْجَائِرَةُ› قَدْ ظَهَرَتْ فِي ٱلْجَمَاعَةِ. فَنَحْوَ سَنَةِ ٩٨ بم، كَتَبَ ٱلرَّسُولُ يُوحَنَّا: «يُوجَدُ أَضْدَادٌ لِلْمَسِيحِ كَثِيرُونَ . . . مِنَّا خَرَجُوا، وَلٰكِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مِنَّا؛ فَإِنَّهُمْ لَوْ كَانُوا مِنَّا، لَبَقُوا مَعَنَا». (١ يو ٢:١٨، ١٩) أَمَّا بِحُلُولِ ٱلْقَرْنِ ٱلثَّالِثِ، فَكَانَ ٱلِٱرْتِدَادُ قَدْ أَدَّى إِلَى نَشْأَةِ صَفِّ رِجَالِ ٱلدِّينِ. وَفِي ٱلْقَرْنِ ٱلرَّابِعِ، أَضْفَى ٱلْإِمْبَرَاطُورُ قُسْطَنْطِين طَابَعًا رَسْمِيًّا عَلَى هٰذِهِ «ٱلْمَسِيحِيَّةِ» ٱلْفَاسِدَةِ. وَحِينَ تَبَنَّى ٱلْقَادَةُ ٱلدِّينِيُّونَ طُقُوسًا وَثَنِيَّةً وَأَلْبَسُوهَا قِنَاعًا مَسِيحِيًّا، كَانُوا فِي ٱلْحَقِيقَةِ «يَتَكَلَّمُونَ بِأُمُورٍ مُعَوَّجَةٍ». وَلَا تَزَالُ آثَارُ هٰذَا ٱلِٱرْتِدَادِ حَيَّةً فِي تَعَالِيمِ وَتَقَالِيدِ ٱلْعَالَمِ ٱلْمَسِيحِيِّ.
٢٠، ٢١ كَيْفَ أَعْرَبَ بُولُسُ عَنْ رُوحِ ٱلتَّضْحِيَةِ بِٱلذَّاتِ، وَكَيْفَ يَقْتَدِي بِهِ ٱلشُّيُوخُ ٱلْمَسِيحِيُّونَ فِي زَمَنِنَا؟
٢٠ بِٱلْمُقَابِلِ، عَاشَ بُولُسُ حَيَاةً تَتَبَايَنُ تَبَايُنًا صَارِخًا مَعَ حَيَاةِ مَنْ حَاوَلُوا لَاحِقًا ٱسْتِغْلَالَ ٱلرَّعِيَّةِ. فَقَدْ عَمِلَ لِإِعَالَةِ نَفْسِهِ كَيْ لَا يُثَقِّلَ عَلَى ٱلْجَمَاعَةِ. وَٱلْجُهُودُ ٱلَّتِي بَذَلَهَا مِنْ أَجْلِ رُفَقَائِهِ ٱلْمُؤْمِنِينَ لَمْ تَكُنْ بِهَدَفِ ٱلرِّبْحِ ٱلْمَادِّيِّ. وَقَدْ حَضَّ ٱلرَّسُولُ شُيُوخَ أَفَسُسَ عَلَى ٱلتَّشَبُّهِ بِهِ وَإِظْهَارِ رُوحِ ٱلتَّضْحِيَةِ بِٱلذَّاتِ عِنْدَمَا ذَكَرَ: «لَا بُدَّ أَنْ تَعْضُدُوا ٱلضُّعَفَاءَ، وَلَا بُدَّ أَنْ تَذْكُرُوا كَلِمَاتِ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ حِينَ قَالَ: ‹اَلسَّعَادَةُ فِي ٱلْعَطَاءِ أَكْثَرُ مِنْهَا فِي ٱلْأَخْذِ›». — اع ٢٠:٣٥.
٢١ وَعَلَى غِرَارِ بُولُسَ، يَتَحَلَّى ٱلشُّيُوخُ ٱلْيَوْمَ بِرُوحِ ٱلتَّضْحِيَةِ بِٱلذَّاتِ. فَبِخِلَافِ رِجَالِ دِينِ ٱلْعَالَمِ ٱلْمَسِيحِيِّ ٱلَّذِينَ يَسْتَغِلُّونَ رَعَايَاهُمْ، يُنْجِزُ هٰؤُلَاءِ ٱلْمُؤْتَمَنُونَ عَلَى ‹رِعَايَةِ جَمَاعَةِ ٱللّٰهِ› مَسْؤُولِيَّاتِهِمْ مُتَرَفِّعِينَ عَنِ ٱلْأَنَانِيَّةِ. فَلَا مَكَانَ لِلْكِبْرِيَاءِ وَٱلطُّمُوحِ ٱلْأَنَانِيِّ فِي ٱلْجَمَاعَةِ ٱلْمَسِيحِيَّةِ، لِأَنَّ مَنْ يَطْلُبُونَ «مَجْدَ أَنْفُسِهِمْ» يَفْشَلُونَ عَلَى ٱلْمَدَى ٱلْبَعِيدِ. (ام ٢٥:٢٧) فَعَاقِبَةُ ٱلِٱجْتِرَاءِ ٱلْوَحِيدَةُ هِيَ ٱلْهَوَانُ. — ام ١١:٢.
٢٢ مَاذَا حَبَّبَ بُولُسَ إِلَى شُيُوخِ أَفَسُسَ؟
٢٢ لَا شَكَّ أَنَّ ٱلْإِخْوَةَ أَحَبُّوا بُولُسَ لِأَنَّهُ هُوَ أَحَبَّهُمْ أَوَّلًا. فَعِنْدَمَا حَانَتْ لَحْظَةُ ٱلْوَدَاعِ، «كَانَ بُكَاءٌ كَثِيرٌ مِنَ ٱلْجَمِيعِ، وَوَقَعُوا عَلَى عُنُقِ بُولُسَ وَقَبَّلُوهُ». (اع ٢٠:٣٧، ٣٨) وَبِشَكْلٍ مُمَاثِلٍ، يُكِنُّ شُهُودُ يَهْوَهَ ٱلْيَوْمَ كُلَّ ٱلْمَحَبَّةِ وَٱلتَّقْدِيرِ لِمَنْ يَبْذُلُونَ أَنْفُسَهُمْ مِنْ أَجْلِ ٱلرَّعِيَّةِ. وَخِتَامًا، بَعْدَ ٱلتَّمَعُّنِ فِي مِثَالِ بُولُسَ ٱلرَّائِعِ، أَلَا تُوَافِقُ أَنَّهُ مَا كَانَ يَتَبَجَّحُ أَوْ يُبَالِغُ حِينَمَا قَالَ: «إِنِّي طَاهِرٌ مِنْ دَمِ ٱلْجَمِيعِ»؟ — اع ٢٠:٢٦.
a اُنْظُرِ ٱلْإِطَارَ «رَسَائِلُ بُولُسَ مِنْ مَقْدُونِيَةَ».
b مِنَ ٱلْمُرَجَّحِ أَنَّ بُولُسَ كَتَبَ رِسَالَتَهُ إِلَى أَهْلِ رُومَا خِلَالَ زِيَارَتِهِ هٰذِهِ إِلَى كُورِنْثُوسَ.
c اُنْظُرِ ٱلْإِطَارَ «بُولُسُ يَنْقُلُ إِعَانَاتٍ».
d يَسْتَعْمِلُ لُوقَا ضَمِيرَ ٱلْمُتَكَلِّمِ فِي ٱلْأَعْمَال ٢٠:٥، ٦، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى مَا يَبْدُو أَنَّهُ ٱجْتَمَعَ بِبُولُسَ فِي فِيلِبِّي حَيْثُ كَانَ ٱلرَّسُولُ قَدْ تَرَكَهُ قَبْلَ مُدَّةٍ. — اع ١٦:١٠-١٧، ٤٠.