الفصل ٢٣
«اِسْمَعُوا دِفَاعِي»
بُولُسُ يُدَافِعُ عَنِ ٱلْحَقِّ أَمَامَ ٱلرَّعَاعِ وَٱلسَّنْهَدْرِيمِ
مُؤَسَّسٌ عَلَى ٱلْأَعْمَال ٢١:١٨–٢٣:١٠
١، ٢ مَاذَا أَتَى بِٱلرَّسُولِ بُولُسَ إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَأَيَّ تَحَدِّيَاتٍ يُوَاجِهُ هُنَاكَ؟
وَأَخِيرًا . . . يَصِلُ ٱلرَّسُولُ مَدِينَةَ أُورُشَلِيمَ. أُورُشَلِيمُ، تِلْكَ ٱلْمَدِينَةُ ٱلَّتِي خَطَّتْ فُصُولًا فِي تَارِيخِ شَعْبِ ٱللّٰهِ. هَا هُوَ ٱلْآنَ يَمْشِي فِي شَوَارِعِهَا ٱلضَّيِّقَةِ ٱلْمُزْدَحِمَةِ، مُفْتَكِرًا فِي شَعْبِهَا ٱلْعَائِشِ عَلَى ٱلْأَمْجَادِ ٱلْغَابِرَةِ. وَمَعَ ٱلْأَسَفِ، يَعْرِفُ بُولُسُ أَنَّ مَسِيحِيِّينَ كَثِيرِينَ عَالِقُونَ هُمْ أَيْضًا فِي شِبَاكِ ٱلْمَاضِي وَعَاجِزُونَ عَنْ مُوَاكَبَةِ مَقَاصِدِ يَهْوَهَ ٱلتَّقَدُّمِيَّةِ. فِي ٱلْأَصْلِ، صَمَّمَ ٱلرَّسُولُ لَمَّا كَانَ فِي أَفَسُسَ عَلَى زِيَارَةِ أُورُشَلِيمَ لِمُسَاعَدَةِ إِخْوَتِهِ ٱلْمُعْوِزِينَ رَغْمَ ٱلْمَخَاطِرِ ٱلْمُحْدِقَةِ بِهِ. (اع ١٩:٢١) لٰكِنَّهُ ٱلْآنَ يَلْمُسُ حَاجَةً أَقْوَى وَأَشَدَّ. فَإِخْوَتُهُ يُعَانُونَ مِنْ عَوَزٍ رُوحِيٍّ!
٢ وَمَاذَا تُخَبِّئُ ٱلْأَيَّامُ لِلرَّسُولِ فِي أُورُشَلِيمَ؟ مِنْ نَاحِيَةٍ، سَيُوَاجِهُ تَحَدِّيًا مَصْدَرُهُ أَتْبَاعُ ٱلْمَسِيحِ أَنْفُسُهُمْ. فَبَعْضُهُمْ مُضْطَرِبٌ جَرَّاءَ مَا يُشَاعُ عَنْهُ. لٰكِنَّ ٱلتَّحَدِّيَاتِ ٱلْكُبْرَى سَتَأْتِي مِنْ أَعْدَاءِ ٱلْمَسِيحِ. فَهٰؤُلَاءِ سَيَتَّهِمُونَهُ ٱتِّهَامَاتٍ بَاطِلَةً وَيَضْرِبُونَهُ وَيُهَدِّدُونَ بِقَتْلِهِ. لَا رَيْبَ إِذًا أَنَّ ٱلرَّسُولَ فِي وَضْعٍ لَا يُحْسَدُ عَلَيْهِ. رَغْمَ ذٰلِكَ، يَسْتَغِلُّ ٱلصُّعُوبَاتِ ٱلَّتِي تُوَاجِهُهُ لِلدِّفَاعِ عَنِ ٱلْبِشَارَةِ. وَفِي وَجْهِ هٰذِهِ ٱلتَّحَدِّيَاتِ، يَرْسُمُ بُولُسُ مِثَالًا فِي ٱلتَّوَاضُعِ وَٱلشَّجَاعَةِ وَٱلْإِيمَانِ لِجَمِيعِ ٱلْمَسِيحِيِّينَ ٱلْيَوْمَ. فَلْنَتَأَمَّلْ سَوِيًّا فِي مُجْرَيَاتِ ٱلْأَحْدَاثِ.
«أَخَذُوا يُمَجِّدُونَ ٱللّٰهَ» (اعمال ٢١:١٨-٢٠أ)
٣-٥ (أ) أَيَّ ٱجْتِمَاعٍ حَضَرَ بُولُسُ فِي أُورُشَلِيمَ، وَمَاذَا نُوقِشَ خِلَالَهُ؟ (ب) مَاذَا تَتَعَلَّمُ مِنِ ٱجْتِمَاعِ بُولُسَ مَعَ ٱلشُّيُوخِ فِي أُورُشَلِيمَ؟
٣ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلَّذِي تَلَا وُصُولَ بُولُسَ وَرِفَاقِهِ إِلَى أُورُشَلِيمَ، ذَهَبُوا لِمُقَابَلَةِ ٱلشُّيُوخِ ٱلْمُشْرِفِينَ عَلَى ٱلْجَمَاعَةِ. وَهُنَا لَا يَأْتِي ٱلسِّجِلُّ عَلَى ذِكْرِ أَيٍّ مِنَ ٱلرُّسُلِ ٱلْبَاقِينَ عَلَى قَيْدِ ٱلْحَيَاةِ. فَلَعَلَّهُمْ سَافَرُوا جَمِيعًا لِلْخِدْمَةِ فِي مَنَاطِقَ أُخْرَى. غَيْرَ أَنَّ يَعْقُوبَ أَخَا يَسُوعَ كَانَ لَا يَزَالُ فِي ٱلْمَدِينَةِ. (غل ٢:٩) وَعَلَى ٱلْأَرْجَحِ، تَرَأَّسَ هُوَ ٱلِٱجْتِمَاعَ ٱلَّذِي حَضَرَهُ «ٱلشُّيُوخُ كُلُّهُمْ»، إِضَافَةً إِلَى بُولُسَ. — اع ٢١:١٨.
٤ بِدَايَةً، سَلَّمَ بُولُسُ عَلَى ٱلشُّيُوخِ «وَشَرَعَ يَرْوِي بِٱلتَّفْصِيلِ مَا فَعَلَهُ ٱللّٰهُ بَيْنَ ٱلْأُمَمِ بِوَاسِطَةِ خِدْمَتِهِ». (اع ٢١:١٩) وَلَا شَكَّ أَنَّهُمْ تَشَجَّعُوا جِدًّا بِمَا سَمِعُوهُ كَمَا نَتَشَجَّعُ نَحْنُ أَيْضًا حِينَ نَسْمَعُ عَنْ تَقَدُّمِ ٱلْعَمَلِ فِي بُلْدَانٍ أُخْرَى. — ام ٢٥:٢٥.
٥ وَعَلَى ٱلْأَرْجَحِ، ذَكَرَ بُولُسُ فِي مَعْرِضِ حَدِيثِهِ أَنَّهُ يَحْمِلُ تَبَرُّعَاتٍ مِنْ أُورُوبَّا. وَلَا بُدَّ أَنَّ ٱهْتِمَامَ ٱلْإِخْوَةِ فِي ٱلْمَنَاطِقِ ٱلْبَعِيدَةِ بَثَّ ٱلْفَرَحَ وَٱلِٱمْتِنَانَ فِي قُلُوبِ سَامِعِي بُولُسَ. فَلَمَّا سَمِعُوا تَقْرِيرَهُ، «أَخَذُوا يُمَجِّدُونَ ٱللّٰهَ». (اع ٢١:٢٠أ) بِشَكْلٍ مُمَاثِلٍ، يَتَأَثَّرُ مَنْ يُعَانُونَ ٱلْيَوْمَ جَرَّاءَ ٱلْكَوَارِثِ ٱلطَّبِيعِيَّةِ أَوِ ٱلْأَمْرَاضِ ٱلْخَطِيرَةِ مِنْ كَلِمَاتِ ٱلْإِخْوَةِ ٱلْمُشَجِّعَةِ وَٱلْمُسَاعَدَةِ ٱلَّتِي يُقَدِّمُونَهَا فِي حِينِهَا.
«غَيُورُونَ لِلشَّرِيعَةِ» (اعمال ٢١:٢٠ب، ٢١)
٦ أَيُّ مُشْكِلَةٍ أُطْلِعَ عَلَيْهَا بُولُسُ؟
٦ أَطْلَعَ ٱلشُّيُوخُ بُولُسَ عَلَى مُشْكِلَةٍ فِي ٱلْيَهُودِيَّةِ تَعْنِيهِ مُبَاشَرَةً. قَالُوا: «أَنْتَ تَرَى، أَيُّهَا ٱلْأَخُ، كَمْ أَلْفٍ مِنَ ٱلْيَهُودِ قَدْ آمَنُوا، وَكُلُّهُمْ غَيُورُونَ لِلشَّرِيعَةِ. وَقَدْ سَمِعُوا مَا يُشَاعُ عَنْكَ أَنَّكَ تُعَلِّمُ كُلَّ ٱلْيَهُودِ ٱلَّذِينَ بَيْنَ ٱلْأُمَمِ ٱلِٱرْتِدَادَ عَنْ مُوسَى، قَائِلًا لَهُمْ أَلَّا يَخْتِنُوا أَوْلَادَهُمْ وَلَا يَسِيرُوا فِي ٱلْعَوَائِدِ ٱلْمُتَّبَعَةِ».a — اع ٢١:٢٠ب، ٢١.
٧، ٨ (أ) أَيُّ نَظْرَةٍ خَاطِئَةٍ تَبَنَّاهَا مَسِيحِيُّونَ كَثِيرُونَ فِي ٱلْيَهُودِيَّةِ؟ (ب) لِمَ لَمْ يُعْتَبَرِ ٱلْمَسِيحِيُّونَ ٱلْعِبْرَانِيُّونَ ٱلَّذِينَ تَبَنَّوْا نَظْرَةً خَاطِئَةً أَيَّامَ بُولُسَ مُرْتَدِّينَ؟
٧ بَادِئَ ذِي بَدْءٍ، لِمَ ظَلَّ مَسِيحِيُّونَ كَثِيرُونَ غَيُورِينَ لِلشَّرِيعَةِ ٱلْمُوسَوِيَّةِ حَتَّى بَعْدَ مُضِيِّ أَكْثَرَ مِنْ ٢٠ سَنَةً عَلَى إِبْطَالِهَا؟ (كو ٢:١٤) أَوَلَمْ يَبْعَثِ ٱلرُّسُلُ وَٱلشُّيُوخُ ٱلْمُجْتَمِعُونَ فِي أُورُشَلِيمَ سَنَةَ ٤٩ بم بِرِسَالَةٍ إِلَى ٱلْجَمَاعَاتِ تُوضِحُ أَنْ لَا حَاجَةَ لِلْمُؤْمِنِينَ ٱلْأُمَمِيِّينَ إِلَى ٱلِٱخْتِتَانِ وَٱتِّبَاعِ ٱلشَّرِيعَةِ؟! (اع ١٥:٢٣-٢٩) هٰذَا صَحِيحٌ، غَيْرَ أَنَّ ٱلرِّسَالَةَ لَمْ تَأْتِ عَلَى ذِكْرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَصْلٍ يَهُودِيٍّ ٱلَّذِينَ لَمْ يَسْتَوْعِبْ جُزْءٌ كَبِيرٌ مِنْهُمْ أَنَّ ٱلشَّرِيعَةَ مَا عَادَتْ سَارِيَةَ ٱلْمَفْعُولِ.
٨ فَهَلْ جَرَّدَتْ هٰذِهِ ٱلنَّظْرَةُ ٱلْخَاطِئَةُ ٱلْإِخْوَةَ ٱلْعِبْرَانِيِّينَ مِنْ أَهْلِيَّتِهِمْ أَنْ يُدْعَوْا مَسِيحِيِّينَ؟ كَلَّا. فَنَحْنُ لَا نَتَكَلَّمُ عَنْ أَشْخَاصٍ كَانُوا عَبَدَةَ أَصْنَامٍ وَلَا يَزَالُونَ يُرِيدُونَ ٱتِّبَاعَ عَادَاتِهِمِ ٱلدِّينِيَّةِ ٱلْوَثَنِيَّةِ. فَيَهْوَهُ نَفْسُهُ هُوَ مَنْ وَضَعَ ٱلشَّرِيعَةَ ٱلَّتِي يُجِلُّونَهَا. وَهِيَ لَا تَشْتَمِلُ عَلَى أَيَّةِ عَنَاصِرَ شَيْطَانِيَّةٍ أَوْ سَيِّئَةٍ بِحَدِّ ذَاتِهَا. مَعَ ذٰلِكَ، ٱرْتَبَطَتْ هٰذِهِ ٱلشَّرِيعَةُ بِٱلْعَهْدِ ٱلْقَدِيمِ. أَمَّا ٱلْمَسِيحِيُّونَ فَهُمْ تَحْتَ ٱلْعَهْدِ ٱلْجَدِيدِ. وَمَا عَادَ حِفْظُ ٱلشَّرِيعَةِ يُجْدِي ٱلْعُبَّادَ ٱلْحَقِيقِيِّينَ نَفْعًا. مِنَ ٱلْوَاضِحِ إِذًا أَنَّ ٱلْمَسِيحِيِّينَ ٱلْعِبْرَانِيِّينَ ٱلْغَيُورِينَ لِلشَّرِيعَةِ لَمْ يَفْهَمُوا كَامِلًا هٰذِهِ ٱلْحَقِيقَةَ وَٱفْتَقَرُوا إِلَى ٱلثِّقَةِ بِٱلْجَمَاعَةِ ٱلْمَسِيحِيَّةِ. لِذَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُقَوْلِبُوا تَفْكِيرَهُمْ وَفْقَ ٱلنُّورِ ٱلرُّوحِيِّ ٱلْجَدِيدِ.b — ار ٣١:٣١-٣٤؛ لو ٢٢:٢٠.
«لَيْسَ شَيْءٌ مِمَّا يُشَاعُ . . . صَحِيحًا» (اعمال ٢١:٢٢-٢٦)
٩ مَاذَا عَلَّمَ بُولُسُ بِشَأْنِ ٱلشَّرِيعَةِ ٱلْمُوسَوِيَّةِ؟
٩ وَمَاذَا عَنِ ٱلْإِشَاعَاتِ ٱلْقَائِلَةِ إِنَّ بُولُسَ يُعَلِّمُ ٱلْيَهُودَ بَيْنَ ٱلْأُمَمِ «أَلَّا يَخْتِنُوا أَوْلَادَهُمْ وَلَا يَسِيرُوا فِي ٱلْعَوَائِدِ ٱلْمُتَّبَعَةِ»؟ كَانَ بُولُسُ رَسُولًا لِلْأُمَمِ. وَٱنْسِجَامًا مَعَ قَرَارِ ٱلْهَيْئَةِ ٱلْحَاكِمَةِ، بَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ غَيْرُ مُلْزَمِينَ بِٱلْخُضُوعِ لِلشَّرِيعَةِ. كَمَا خَطَّأَ كُلَّ مَنْ حَاوَلَ إِقْنَاعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلْأُمَمِيِّينَ بِٱلِٱخْتِتَانِ دَلَالَةً عَلَى خُضُوعِهِمْ لَهَا. (غل ٥:١-٧) إِضَافَةً إِلَى ذٰلِكَ، كَرَزَ ٱلرَّسُولُ لِلْيَهُودِ فِي ٱلْمُدُنِ ٱلَّتِي زَارَهَا. وَلَا بُدَّ أَنَّهُ فَسَّرَ لِلْمُتَجَاوِبِينَ بَيْنَهُمْ أَنَّ مَوْتَ يَسُوعَ عَتَّقَ ٱلشَّرِيعَةَ، وَأَنَّ ٱلْمَرْءَ يَتَبَرَّرُ بِٱلْإِيمَانِ وَلَيْسَ بِأَعْمَالِ هٰذِهِ ٱلشَّرِيعَةِ. — رو ٢:٢٨، ٢٩؛ ٣:٢١-٢٦.
١٠ أَيُّ مَوْقِفٍ مُتَّزِنٍ تَبَنَّاهُ بُولُسُ فِي مَا يَتَعَلَّقُ بِٱلشَّرِيعَةِ وَٱلْخِتَانِ؟
١٠ بِٱلْمُقَابِلِ، تَفَهَّمَ بُولُسُ ٱلْأَشْخَاصَ ٱلَّذِينَ ٱرْتَاحُوا لِحِفْظِ بَعْضِ ٱلْعَوَائِدِ ٱلْيَهُودِيَّةِ، كَٱلتَّوَقُّفِ عَنِ ٱلْعَمَلِ يَوْمَ ٱلسَّبْتِ أَوِ ٱلِٱمْتِنَاعِ عَنْ بَعْضِ ٱلْأَطْعِمَةِ. (رو ١٤:١-٦) وَفِي مَسْأَلَةِ ٱلْخِتَانِ، لَمْ يَضَعِ ٱلرَّسُولُ قَوَاعِدَ مُحَدَّدَةً. حَتَّى إِنَّهُ طَلَبَ مِنْ تِيمُوثَاوُسَ ٱلَّذِي كَانَ أَبُوهُ يُونَانِيًّا أَنْ يَخْتَتِنَ، لِكَيْلَا يَتَحَفَّظَ ٱلْيَهُودُ فِي ٱلتَّعَامُلِ مَعَهُ. (اع ١٦:٣) فَٱلْخِتَانُ مَسْأَلَةٌ شَخْصِيَّةٌ يَعُودُ لِكُلِّ ٱمْرِئٍ حُرِّيَّةُ ٱتِّخَاذِ ٱلْقَرَارِ بِشَأْنِهَا. قَالَ بُولُسُ لِلْغَلَاطِيِّينَ: «لَا قِيمَةَ لِلْخِتَانِ وَلَا لِلْغَلَفِ، بَلْ لِلْإِيمَانِ ٱلْعَامِلِ بِٱلْمَحَبَّةِ». (غل ٥:٦) وَلٰكِنْ فِي حَالِ ٱعْتَبَرَ أَحَدٌ ٱلْخِتَانَ شَرْطًا لِنَيْلِ ٱلرِّضَى ٱلْإِلٰهِيِّ أَوْ أَقْدَمَ عَلَى هٰذِهِ ٱلْخُطْوَةِ ٱنْصِيَاعًا لِلشَّرِيعَةِ، فَذٰلِكَ يَكُونُ دَلَالَةً عَلَى قِلَّةِ إِيمَانِهِ.
١١ أَيُّ إِرْشَادٍ قَدَّمَهُ ٱلشُّيُوخُ لِبُولُسَ، وَعَلَامَ ٱشْتَمَلَ كَمَا يَبْدُو؟ (اُنْظُرِ ٱلْحَاشِيَةَ.)
١١ صَحِيحٌ أَنَّ ٱلشَّائِعَاتِ كَانَتْ مُلَفَّقَةً بِٱلْكَامِلِ، إِلَّا أَنَّهَا أَزْعَجَتِ ٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَصْلٍ يَهُودِيٍّ. لِذَا قَدَّمَ ٱلشُّيُوخُ لِبُولُسَ ٱلِٱقْتِرَاحَ ٱلتَّالِيَ: «عِنْدَنَا أَرْبَعَةُ رِجَالٍ عَلَيْهِمْ نَذْرٌ. خُذْ هٰؤُلَاءِ وَتَطَهَّرْ مَعَهُمْ بِحَسَبِ ٱلطُّقُوسِ وَٱهْتَمَّ بِنَفَقَاتِهِمْ لِكَيْ يَحْلِقُوا رُؤُوسَهُمْ. وَهٰكَذَا يَعْرِفُ ٱلْجَمِيعُ أَنْ لَيْسَ شَيْءٌ مِمَّا يُشَاعُ عَنْكَ صَحِيحًا، بَلْ أَنَّكَ تَسْلُكُ بِتَرْتِيبٍ، وَأَنَّكَ أَنْتَ أَيْضًا تَحْفَظُ ٱلشَّرِيعَةَ».c — اع ٢١:٢٣، ٢٤.
١٢ كَيْفَ أَعْرَبَ بُولُسُ عَنِ ٱلْمُرُونَةِ وَٱلتَّعَاوُنِ فِي تَجَاوُبِهِ مَعَ مَشُورَةِ شُيُوخِ أُورُشَلِيمَ؟
١٢ كَانَ فِي وِسْعِ بُولُسَ أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَى ٱلنَّصِيحَةِ، مُشِيرًا أَنَّ ٱلْمُشْكِلَةَ ٱلْحَقِيقِيَّةَ لَمْ تَكْمُنْ فِي ٱلشَّائِعَاتِ، بَلْ فِي غَيْرَةِ أُولٰئِكَ ٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَصْلٍ يَهُودِيٍّ لِلشَّرِيعَةِ ٱلْمُوسَوِيَّةِ. غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ مُسْتَعِدًّا لِلتَّحَلِّي بِٱلْمُرُونَةِ شَرْطَ أَلَّا يُسَايِرَ عَلَى حِسَابِ ٱلْمَبَادِئِ ٱلْإِلٰهِيَّةِ. كَتَبَ فِي وَقْتٍ سَابِقٍ: «صِرْتُ . . . لِلَّذِينَ تَحْتَ ٱلشَّرِيعَةِ كَأَنِّي تَحْتَ ٱلشَّرِيعَةِ، مَعَ أَنَّنِي شَخْصِيًّا لَسْتُ تَحْتَ ٱلشَّرِيعَةِ، لِأَرْبَحَ ٱلَّذِينَ تَحْتَ ٱلشَّرِيعَةِ». (١ كو ٩:٢٠) وَبِٱلْفِعْلِ، تَعَاوَنَ ٱلرَّسُولُ فِي هٰذِهِ ٱلْحَادِثَةِ مَعَ شُيُوخِ أُورُشَلِيمَ ‹كَأَنَّهُ تَحْتَ ٱلشَّرِيعَةِ›. وَمِثَالُهُ ٱلْحَسَنُ يَدْفَعُنَا نَحْنُ أَيْضًا أَنْ نَتَعَاوَنَ مَعَ ٱلشُّيُوخِ وَلَا نُصِرَّ عَلَى آرَائِنَا. — عب ١٣:١٧.
«لَيْسَ بِجَدِيرٍ أَنْ يَحْيَا!» (اعمال ٢١:٢٧–٢٢:٣٠)
١٣ (أ) لِمَ أَثَارَ بَعْضُ ٱلْيَهُودِ جَلَبَةً فِي ٱلْهَيْكَلِ؟ (ب) كَيْفَ أُنْقِذَتْ حَيَاةُ بُولُسَ؟
١٣ لَمْ تَسِرِ ٱلْأُمُورُ عَلَى مَا يُرَامُ فِي ٱلْهَيْكَلِ. فَلَمَّا أَوْشَكَتْ أَيَّامُ ٱلتَّطْهِيرِ أَنْ تَنْتَهِيَ، رَأَى يَهُودٌ مِنْ آسِيَا بُولُسَ وَٱتَّهَمُوهُ زُورًا بِإِدْخَالِ أُمَمِيِّينَ إِلَى ٱلْهَيْكَلِ، مِمَّا أَوْقَعَ ٱلْمَدِينَةَ فِي ٱضْطِرَابٍ كَبِيرٍ. وَلَوْ لَمْ يَتَدَخَّلْ قَائِدُ ٱلْجُنْدِ ٱلرُّومَانِيُّ، لَضُرِبَ ٱلرَّسُولُ حَتَّى ٱلْمَوْتِ. فَهَلِ ٱنْتَهَتِ ٱلْقِصَّةُ هُنَا؟ كَلَّا. فَقَائِدُ ٱلْجُنْدِ ٱعْتَقَلَ بُولُسَ ٱلَّذِي لَمْ يَسْتَعِدْ حُرِّيَّتَهُ إِلَّا بَعْدَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سَنَوَاتٍ. وَظَلَّ ٱلرَّسُولُ فِي دَائِرَةِ ٱلْخَطَرِ حَتَّى وَهُوَ مُعْتَقَلٌ. فَعِنْدَمَا سَأَلَ ٱلْقَائِدُ ٱلرُّومَانِيُّ ٱلْيَهُودَ عَنْ سَبَبِ ٱلْهُجُومِ عَلَى بُولُسَ، رَاحَ كُلٌّ يَصِيحُ مُجِيبًا بِشَيْءٍ. وَبِسَبَبِ ٱلْجَلَبَةِ، لَمْ تَتَوَضَّحْ لَهُ ٱلْمَسْأَلَةُ. ثُمَّ تَفَاقَمَ ٱلْوَضْعُ حَتَّى ٱضْطُرَّ ٱلْجُنُودُ أَنْ يَحْمِلُوهُ بَعِيدًا عَنِ ٱلْمَكَانِ. وَلٰكِنْ قُبَيْلَ دُخُولِ ٱلثُّكْنَةِ، قَالَ بُولُسُ لِلْقَائِدِ ٱلرُّومَانِيِّ: «أَرْجُو مِنْكَ أَنْ تَسْمَحَ لِي بِأَنْ أُكَلِّمَ ٱلشَّعْبَ». (اع ٢١:٣٩) فَوَافَقَ ٱلْقَائِدُ وَٱبْتَدَأَ ٱلرَّسُولُ يُدَافِعُ عَنْ إِيمَانِهِ بِشَجَاعَةٍ.
١٤، ١٥ (أ) مَاذَا أَوْضَحَ بُولُسُ لِلْيَهُودِ؟ (ب) مَاذَا فَعَلَ قَائِدُ ٱلْجُنْدِ ٱلرُّومَانِيُّ لِيَكْتَشِفَ سَبَبَ غَضَبِ ٱلْيَهُودِ؟
١٤ اِسْتَهَلَّ بُولُسُ كَلَامَهُ بِٱلْقَوْلِ: «اِسْمَعُوا دِفَاعِي». (اع ٢٢:١) وَقَدِ ٱخْتَارَ أَنْ يُكَلِّمَهُمْ بِٱلْعِبْرَانِيَّةِ، فَهَدَأَ رَوْعُهُمْ وَرَاحُوا يُصْغُونَ إِلَيْهِ. ثُمَّ شَرَحَ لَهُمْ صَرَاحَةً لِمَ أَصْبَحَ مِنْ أَتْبَاعِ ٱلْمَسِيحِ، ذَاكِرًا وَقَائِعَ يُمْكِنُهُمُ ٱلتَّحَقُّقُ مِنْهَا إِذَا مَا شَاءُوا. فَرَوَى أَنَّهُ دَرَسَ عِنْدَ قَدَمَيِ ٱلْمُعَلِّمِ ٱلشَّهِيرِ غَمَالَائِيلَ وَأَنَّهُ ٱضْطَهَدَ أَتْبَاعَ ٱلْمَسِيحِ، ٱلْأَمْرُ ٱلَّذِي عَرَفَهُ بَعْضُ حُضُورِهِ عَلَى ٱلْأَرْجَحِ. ثُمَّ قَصَّ عَلَيْهِمْ مَا حَدَثَ مَعَهُ وَهُوَ مُتَّجِهٌ إِلَى دِمَشْقَ. فَقَدْ تَرَاءَى لَهُ ٱلْمَسِيحُ ٱلْمُقَامُ وَتَحَدَّثَ إِلَيْهِ. أَمَّا رِفَاقُهُ فِي ٱلسَّفَرِ فَرَأَوْا نُورًا سَاطِعًا وَسَمِعُوا صَوْتًا لٰكِنَّهُمْ لَمْ «يُمَيِّزُوا» مَا يَسْمَعُونَ. (اع ٩:٧؛ ٢٢:٩، الترجمة العربية المبسطة) وَبِسَبَبِ هٰذِهِ ٱلرُّؤْيَا، فَقَدَ بُولُسُ نَظَرَهُ وَلَزِمَ أَنْ يَقُودَهُ رِفَاقُهُ إِلَى دِمَشْقَ. وَهُنَاكَ أَعَادَ إِلَيْهِ بَصَرَهُ رَجُلٌ مَعْرُوفٌ عِنْدَ يَهُودِ تِلْكَ ٱلْمِنْطَقَةِ يُدْعَى حَنَانِيَّا.
١٥ بِعْدَئِذٍ تَابَعَ بُولُسُ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ يَسُوعَ تَرَاءَى لَهُ فِي ٱلْهَيْكَلِ بَعْدَ عَوْدَتِهِ إِلَى أُورُشَلِيمَ. وَمَا إِنْ سَمِعَ ٱلْيَهُودُ ذٰلِكَ حَتَّى ثَارَتْ ثَائِرَتُهُمْ وَشَرَعُوا يَصِيحُونَ: «اِنْزِعْ مِثْلَ هٰذَا مِنَ ٱلْأَرْضِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِجَدِيرٍ أَنْ يَحْيَا!». (اع ٢٢:٢٢) إِذَّاكَ طَلَبَ قَائِدُ ٱلْجُنْدِ إِدْخَالَهُ إِلَى ٱلثُّكْنَةِ خَوْفًا عَلَى حَيَاتِهِ. ثُمَّ أَمَرَ أَنْ يَسْتَجْوِبُوهُ تَحْتَ ٱلْجَلْدِ لِيَعْرِفَ مَا سَبَبُ غَضَبِ ٱلْيَهُودِ. غَيْرَ أَنَّ بُولُسَ ٱسْتَعَانَ بِحِمَايَةٍ يَكْفِلُهَا لَهُ ٱلْقَانُونُ، إِذْ كَشَفَ أَنَّهُ مُوَاطِنٌ رُومَانِيٌّ. وَبِشَكْلٍ مُمَاثِلٍ، يَسْتَفِيدُ عُبَّادُ يَهْوَهَ عَصْرِيًّا مِنَ ٱلْحِمَايَةِ ٱلَّتِي يُوَفِّرُهَا لَهُمُ ٱلْقَانُونُ لِلدِّفَاعِ عَنْ إِيمَانِهِمْ. (اُنْظُرِ ٱلْإِطَارَيْنِ «اَلْقَانُونُ وَٱلْمُوَاطِنِيَّةُ فِي ٱلدَّوْلَةِ ٱلرُّومَانِيَّةِ»، وَ«مَعَارِكُ قَانُونِيَّةٌ فِي أَيَّامِنَا».) وَحِينَ عَلِمَ ٱلْقَائِدُ أَنَّ بُولُسَ مُوَاطِنٌ رُومَانِيٌّ، أَدْرَكَ أَنَّهُ مُضْطَرٌّ أَنْ يَلْجَأَ إِلَى وَسِيلَةٍ أُخْرَى لِٱسْتِقَاءِ ٱلْمَعْلُومَاتِ. فَأَمَرَ ٱلْمَحْكَمَةَ ٱلْيَهُودِيَّةَ ٱلْعُلْيَا، ٱلْمَعْرُوفَةَ بِٱلسَّنْهَدْرِيمِ، بِعَقْدِ جَلْسَةٍ ٱسْتِثْنَائِيَّةٍ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلتَّالِي لِيَمْثُلَ بُولُسُ أَمَامَهَا.
«أَنَا فَرِّيسِيٌّ» (اعمال ٢٣:١-١٠)
١٦، ١٧ (أ) صِفُوا مَا حَدَثَ حِينَ خَاطَبَ بُولُسُ ٱلسَّنْهَدْرِيمَ. (ب) كَيْفَ رَسَمَ بُولُسُ مِثَالًا فِي ٱلتَّوَاضُعِ عِنْدَمَا ضُرِبَ؟
١٦ اِسْتَهَلَّ بُولُسُ مُرَافَعَتَهُ أَمَامَ ٱلسَّنْهَدْرِيمِ بِٱلْكَلِمَاتِ ٱلتَّالِيَةِ: «أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ ٱلْإِخْوَةُ، لَقَدْ سَلَكْتُ أَمَامَ ٱللّٰهِ بِكُلِّ ضَمِيرٍ نَقِيٍّ إِلَى هٰذَا ٱلْيَوْمِ». (اع ٢٣:١) وَمَا كَادَ يُنْهِي كَلَامَهُ حَتَّى «أَمَرَ حَنَانِيَّا، رَئِيسُ ٱلْكَهَنَةِ، ٱلْوَاقِفِينَ بِجَانِبِهِ أَنْ يَضْرِبُوهُ عَلَى فَمِهِ». (اع ٢٣:٢) إِهَانَةٌ سَافِرَةٌ لَا تَتْرُكُ مَجَالًا لِلشَّكِّ فِي تَحَيُّزِهِمْ. فَقَدْ حَسَمُوا قَرَارَهُمْ وَٱعْتَبَرُوهُ كَاذِبًا حَتَّى قَبْلَ أَنْ يَتَفَوَّهَ بِكَلِمَةٍ لِيُدَافِعَ عَنْ نَفْسِهِ! لَا عَجَبَ إِذًا أَنْ يَرُدَّ قَائِلًا: «سَيَضْرِبُكَ ٱللّٰهُ، أَيُّهَا ٱلْحَائِطُ ٱلْمُكَلَّسُ! أَتَجْلِسُ لِتُحَاكِمَنِي بِحَسَبِ ٱلشَّرِيعَةِ، وَفِي ٱلْوَقْتِ نَفْسِهِ تَأْمُرُ بِضَرْبِي، مُتَعَدِّيًا عَلَى ٱلشَّرِيعَةِ؟». — اع ٢٣:٣.
١٧ صُدِمَ بَعْضُ ٱلْحَاضِرِينَ مِمَّا حَدَثَ؛ وَلٰكِنْ عِوَضَ أَنْ يَسْتَهْجِنُوا ضَرْبَ بُولُسَ، ٱسْتَنْكَرُوا رَدَّةَ فِعْلِهِ! سَأَلُوهُ: «أَتَشْتُمُ رَئِيسَ كَهَنَةِ ٱللّٰهِ؟». فَجَاءَ جَوَابُ ٱلرَّسُولِ دَرْسًا فِي ٱلتَّوَاضُعِ وَٱحْتِرَامِ ٱلشَّرِيعَةِ. أَجَابَ: «لَمْ أَكُنْ أَعْرِفُ، أَيُّهَا ٱلْإِخْوَةُ، أَنَّهُ رَئِيسُ كَهَنَةٍ. لِأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: ‹رَئِيسُ شَعْبِكَ لَا تَقُلْ فِيهِ سُوءًا›».d (اع ٢٣:٤، ٥؛ خر ٢٢:٢٨) ثُمَّ تَبَنَّى بُولُسُ إِسْتِرَاتِيجِيَّةً مُخْتَلِفَةً كُلِّيًّا. فَإِذْ لَاحَظَ أَنَّ ٱلسَّنْهَدْرِيمَ مُؤَلَّفٌ مِنْ فَرِّيسِيِّينَ وَصَدُّوقِيِّينَ، قَالَ: «أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ ٱلْإِخْوَةُ، أَنَا فَرِّيسِيٌّ ٱبْنُ فَرِّيسِيِّينَ. وَعَلَى رَجَاءِ قِيَامَةِ ٱلْأَمْوَاتِ أَنَا أُحَاكَمُ». — اع ٢٣:٦.
١٨ لِمَ قَالَ بُولُسُ إِنَّهُ فَرِّيسِيٌّ، وَكَيْفَ نَتَّبِعُ أُسْلُوبًا مُمَاثِلًا فِي بَعْضِ ٱلْحَالَاتِ؟
١٨ قَدْ يَتَبَادَرُ إِلَى ذِهْنِنَا سُؤَالَانِ. اَلسُّؤَالُ ٱلْأَوَّلُ: لِمَ قَالَ بُولُسُ إِنَّهُ فَرِّيسِيٌّ؟ اَلْجَوَابُ: لِأَنَّهُ كَانَ «ٱبْنَ فَرِّيسِيِّينَ»، أَيْ مُتَحَدِّرًا مِنْ عَائِلَةٍ تَنْتَمِي إِلَى هٰذِهِ ٱلْبِدْعَةِ. وَعَلَيْهِ، يُحْتَمَلُ أَنَّ كَثِيرِينَ ظَلُّوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ هٰذِهِ ٱلنَّظْرَةَ.e اَلسُّؤَالُ ٱلثَّانِي: كَيْفَ قَالَ بُولُسُ إِنَّهُ يُشَاطِرُ ٱلْفَرِّيسِيِّينَ إِيمَانَهُمْ بِٱلْقِيَامَةِ؟ فَهُمْ عَلَى مَا يُقَالُ آمَنُوا أَنَّ نَفْسًا وَاعِيَةً تَبْقَى حَيَّةً بَعْدَ ٱلْمَوْتِ، وَأَنْفُسَ ٱلْأَبْرَارِ تَعِيشُ ثَانِيَةً فِي أَجْسَامٍ بَشَرِيَّةٍ. اَلْجَوَابُ: لَمْ يَتَبَنَّ بُولُسُ بِٱلطَّبْعِ مَفَاهِيمَ كَهٰذِهِ. فَقَدْ آمَنَ بِعَقِيدَةِ ٱلْقِيَامَةِ كَمَا عَلَّمَهَا يَسُوعُ. (يو ٥:٢٥-٢٩) مَعَ ذٰلِكَ، وَافَقَ ٱلرَّسُولُ ٱلْفَرِّيسِيِّينَ أَنَّ هُنَاكَ حَيَاةً بَعْدَ ٱلْمَوْتِ، خِلَافًا لِلصَّدُّوقِيِّينَ ٱلَّذِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا بِٱلْقِيَامَةِ. وَبِإِمْكَانِنَا نَحْنُ كَذٰلِكَ أَنْ نَتَّبِعَ نَهْجًا مُمَاثِلًا فِي مُنَاقَشَاتِنَا مَعَ مَنْ يُؤْمِنُونَ بِٱللّٰهِ، فَنُخْبِرُهُمْ أَنَّنَا نَحْنُ أَيْضًا مُؤْمِنُونَ. صَحِيحٌ أَنَّ إِيمَانَهُمْ بِٱللّٰهِ يَخْتَلِفُ عَنْ إِيمَانِنَا ٱلْمُؤَسَّسِ عَلَى ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ، وَلٰكِنْ فِي نِهَايَةِ ٱلْمَطَافِ كِلَانَا يُؤْمِنُ بِوُجُودِ خَالِقٍ.
١٩ مَا سَبَبُ ٱلْبَلْبَلَةِ ٱلَّتِي ٱنْتَهَى إِلَيْهَا ٱجْتِمَاعُ ٱلسَّنْهَدْرِيمِ؟
١٩ اِنْقَسَمَ ٱلسَّنْهَدْرِيمُ بِسَبَبِ كَلَامِ بُولُسَ. يَذْكُرُ ٱلسِّجِلُّ: «حَدَثَ صِيَاحٌ عَالٍ، وَقَامَ بَعْضُ ٱلْكَتَبَةِ مِنْ فَرِيقِ ٱلْفَرِّيسِيِّينَ وَشَرَعُوا يُخَاصِمُونَ بِحِدَّةٍ، قَائِلِينَ: ‹لَا نَجِدُ خَطَأً فِي هٰذَا ٱلْإِنْسَانِ. أَمَّا إِنْ كَانَ قَدْ كَلَّمَهُ رُوحٌ أَوْ مَلَاكٌ . . .›». (اع ٢٣:٩) إِذَّاكَ تَفَاقَمَتِ ٱلْبَلْبَلَةُ أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ. فَٱلصَّدُّوقِيُّونَ لَمْ يَقْبَلُوا بَتَاتًا ٱلْفَرْضِيَّةَ ٱلْقَائِلَةَ بِأَنَّ مَلَاكًا تَكَلَّمَ مَعَ بُولُسَ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُؤْمِنُوا أَسَاسًا بِوُجُودِ مَلَائِكَةٍ. (اُنْظُرِ ٱلْإِطَارَ «اَلصَّدُّوقِيُّونَ وَٱلْفَرِّيسِيُّونَ».) فَٱضْطُرَّ قَائِدُ ٱلْجُنْدِ ٱلرُّومَانِيُّ أَنْ يَتَدَخَّلَ مُجَدَّدًا لِيُنْقِذَ ٱلرَّسُولَ. (اع ٢٣:١٠) وَهَلْ بَلَغَ بُولُسُ إِذَّاكَ بَرَّ ٱلْأَمَانِ؟ كَلَّا عَلَى ٱلْإِطْلَاقِ! فَلْنُتَابِعْ مُجْرَيَاتِ ٱلْأَحْدَاثِ فِي ٱلْفَصْلِ ٱلتَّالِي.
a لِلِٱهْتِمَامِ بِرُوحِيَّاتِ هٰذَا ٱلْعَدَدِ ٱلْغَفِيرِ مِنَ ٱلْمَسِيحِيِّينَ ٱلْيَهُودِيِّي ٱلْأَصْلِ، لَا بُدَّ أَنَّ جَمَاعَاتٍ عَدِيدَةً تَشَكَّلَتْ وَكَانَتْ تَجْتَمِعُ فِي بُيُوتِ ٱلْإِخْوَةِ.
b بَعْدَ بِضْعِ سَنَوَاتٍ، كَتَبَ ٱلرَّسُولُ بُولُسُ رِسَالَتَهُ إِلَى ٱلْعِبْرَانِيِّينَ مُبَرْهِنًا تَفَوُّقَ ٱلْعَهْدِ ٱلْجَدِيدِ. وَفِي تِلْكَ ٱلرِّسَالَةِ، أَبْرَزَ أَنَّ هٰذَا ٱلْعَهْدَ عَتَّقَ ٱلْعَهْدَ ٱلسَّابِقَ. عِلَاوَةً عَلَى ذٰلِكَ، قَدَّمَ بُولُسُ بِتَحْلِيلِهِ ٱلْمُقْنِعِ لِلْمَسِيحِيِّينَ مِنْ أَصْلٍ يَهُودِيٍّ حُجَجًا مُفْحِمَةً تُسَاعِدُهُمْ فِي ٱلرَّدِّ عَلَى ٱلْقَائِلِينَ إِنَّ ٱلشَّرِيعَةَ ٱلْمُوسَوِيَّةَ لَا تَزَالُ سَارِيَةَ ٱلْمَفْعُولِ. كَمَا قَوَّتْ كَلِمَاتُهُ دُونَ شَكٍّ إِيمَانَ بَعْضِ ٱلْمَسِيحِيِّينَ ٱلَّذِينَ شَدَّدُوا فَوْقَ ٱللُّزُومِ عَلَى ٱلشَّرِيعَةِ ٱلْمُوسَوِيَّةِ. — عب ٨:٧-١٣.
c يَقْتَرِحُ بَعْضُ ٱلْعُلَمَاءِ أَنَّ ٱلرِّجَالَ كَانَ عَلَيْهِمْ نَذْرُ نَذِيرٍ. (عد ٦:١-٢١) صَحِيحٌ أَنَّ ٱلشَّرِيعَةَ ٱلْمُوسَوِيَّةَ ٱلَّتِي قُطِعَ بِمُوجَبِهَا نَذْرٌ كَهٰذَا أُبْطِلَتْ، وَلٰكِنْ لَرُبَّمَا فَكَّرَ بُولُسُ أَنْ لَا ضَيْرَ فِي إِيفَاءِ نَذْرٍ قُطِعَ لِيَهْوَهَ، فَلَا خَطَأَ بِٱلتَّالِي إِنْ دَفَعَ نَفَقَاتِ هٰؤُلَاءِ ٱلرِّجَالِ وَرَافَقَهُمْ. وَفِي حِينِ أَنَّنَا لَا نَعْرِفُ بِٱلتَّحْدِيدِ نَوْعَ ٱلنَّذْرِ ٱلْمَقْصُودِ، فَمِنَ ٱلْمُسْتَبْعَدِ فِي مُطْلَقِ ٱلْأَحْوَالِ أَنْ يَكُونَ ٱلرَّسُولُ قَدْ وَافَقَ عَلَى تَقْدِيمِ ذَبِيحَةٍ (كَمَا فِي نَذْرِ ٱلنَّذِيرِ) لِتَطْهِيرِ هٰؤُلَاءِ ٱلرِّجَالِ مِنَ ٱلْخَطِيَّةِ. فَبَعْدَ تَقْدِيمِ ذَبِيحَةِ يَسُوعَ ٱلْكَامِلَةِ، لَمْ تَعُدْ ذَبَائِحُ كَهٰذِهِ تُكَفِّرُ عَنِ ٱلْخَطَايَا. وَمَعَ أَنَّنَا لَا نَمْلِكُ كَامِلَ ٱلْمُعْطَيَاتِ، فَنَحْنُ مُتَأَكِّدُونَ أَنَّ بُولُسَ مَا كَانَ لِيَقْبَلَ بِفِعْلِ أَمْرٍ يَنْتَهِكُ ضَمِيرَهُ.
d يَقْتَرِحُ ٱلْبَعْضُ أَنَّ بَصَرَ بُولُسَ ٱلشَّحِيحَ حَالَ دُونَ تَعَرُّفِهِ إِلَى رَئِيسِ ٱلْكَهَنَةِ. أَوْ رُبَّمَا أَطَالَ ٱلْغَيْبَةَ عَنْ أُورُشَلِيمَ إِلَى حَدِّ أَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ مَنْ يَشْغَلُ حَالِيًّا مَرْكَزَ رَئِيسِ ٱلْكَهَنَةِ. أَوْ لَعَلَّهُ بِبَسَاطَةٍ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ مُلَاحَظَةِ مَنْ أَصْدَرَ ٱلْأَمْرَ بِضَرْبِهِ بِسَبَبِ ٱلزَّحْمَةِ فِي ٱلْقَاعَةِ.
e حِينَ ٱجْتَمَعَ ٱلرُّسُلُ وَٱلشُّيُوخُ عَامَ ٤٩ بم لِيُنَاقِشُوا هَلْ يَجِبُ أَنْ يَخْضَعَ ٱلْأُمَمِيُّونَ لِلشَّرِيعَةِ ٱلْمُوسَوِيَّةِ، عَرَّفَ لُوقَا بَعْضَ ٱلْمَسِيحِيِّينَ ٱلْحَاضِرِينَ آنَذَاكَ عَلَى أَنَّهُمْ «مِنْ بِدْعَةِ ٱلْفَرِّيسِيِّينَ ٱلَّذِينَ كَانُوا قَدْ آمَنُوا». (اع ١٥:٥) فَعَلَى مَا يَبْدُو، قَرَنَ ٱلنَّاسُ إِلَى حَدٍّ مَا هٰؤُلَاءِ ٱلْمَسِيحِيِّينَ بِخَلْفِيَّتِهِمْ كَفَرِّيسِيِّينَ.