الفصل ٤
البحث عن المجهول بواسطة السحر والارواحية
١ ماذا اخبر بولس الاثينويين في أريوس باغوس؟ ولماذا؟
«ايها الرجال الاثينويون اراكم من كل وجه كأنكم متديِّنون كثيرا.» (اعمال ١٧:٢٢) كان ذلك ما اخبر به الرسول المسيحي بولس جمعا مجتمعا في أريوس باغوس، او تلة المريخ، في مدينة اثينا القديمة، اليونان. وأبدى بولس تلك الملاحظة لانه كان قد رأى في وقت ابكر ان «المدينة مملوءة اصناما.» (اعمال ١٧:١٦) فماذا سبق فرأى؟
٢ ماذا اظهر تديُّن الاثينويين؟
٢ دون شك سبق بولس فرأى تنوُّعا من الآلهة اليونانية والرومانية في تلك المدينة المكتظة بأناس من شعوب شتى، وكان واضحا ان حياة الناس منغمسة في عبادتهم للمعبودات. وخوفا من ان يهملوا مصادفةً تكريم ايّ معبود مهم او قوي يمكن بالتالي ان يستشيط غضبا، شمل الاثينويون حتى ‹الها مجهولا› في عبادتهم. (اعمال ١٧:٢٣) وذلك اظهر بوضوح تديُّنهم.
٣ هل يقتصر التديُّن على الاثينويين؟
٣ طبعا، ان التديُّن، وخصوصا لمعبودات مجهولة، لا يقتصر على اثينويي القرن الاول. فطوال آلاف السنين سيطر على كل الجنس البشري تقريبا. وفي اجزاء كثيرة من العالم يكاد يتعلق كل وجه من حياة الناس بطريقة مباشرة او غير مباشرة بمعبود ما او بالارواح. وكما رأينا في الفصل السابق فان اساطير قدامى المصريين، اليونان، الرومان، الصينيين، وغيرهم كانت متأصِّلة عميقا في الافكار عن الآلهة والارواح، التي قامت بدور مهم في الشؤون الشخصية والقومية. وخلال العصور الوسطى كانت القصص عن السيميائيين alchemists، العائفين، والساحرات متفشية في كل حيِّز العالم المسيحي. والوضع هو نفسه اليوم الى حد بعيد.
الطقوس والخرافات اليوم
٤ ما هي بعض العادات الشعبية التي ترتبط كما يظهر بالمعبودات او الارواح؟
٤ سواء ادرك الناس ذلك او لا فان امورا كثيرة يفعلونها ترتبط بممارسات او معتقدات خرافية، وبعضها يتعلق بمعبودات او ارواح. مثلا، هل عرفتم ان لحفظ يوم الميلاد نشأته في علم التنجيم، الذي يُلصِق اهمية كبيرة بالتاريخ الدقيق لميلاد المرء؟ وماذا عن كعكة يوم الميلاد؟ يبدو انها تتعلق بالالاهة اليونانية ارطاميس، التي كان يُحتفل بيوم ميلادها مع كعكات عسل قمرية الشكل تعلوها شموع. او هل عرفتم ان لبس السواد في المآتم كان في الاصل حيلة للافلات من انتباه الارواح الشريرة التي كان يقال انها متربصة في مناسبات كهذه؟ وبعض الافريقيين السود يطلون انفسهم بالبياض، ويلبس النائحون في بلدان اخرى ألوانا غريبة لئلا تعرفهم الارواح.
٥ ما هي بعض الخرافات الشائعة التي تعرفونها؟
٥ واضافة الى هذه العادات الشعبية فان الناس في كل مكان لديهم خرافاتهم ومخاوفهم. ففي الغرب، ان كسر مرآة، رؤية قط اسود، المشي تحت سلَّم، وتبعا لمكان وجودكم، ان يوم الثلاثاء او الجمعة الموافق للـ ١٣ من الشهر يُنظر اليها كلها بوصفها فؤولا تنذر بشيء شرير. وفي الشرق، يلبس اليابانيون الكيمونو والجانب الايسر مطويّ فوق الايمن، لان الطريقة الاخرى محفوظة للجثث. وتُبنى بيوتهم دون نوافذ او ابواب مواجهة للشمال الشرقي لئلا تجد الابالسة، التي يقال انها تأتي من ذلك الاتجاه، المدخل. وفي الفيليپين ينزع الناس احذية الموتى ويضعونها بجانب الارجل قبل الدفن لكي يرحب بهم «القديس» بطرس. والناس الكبار السن يطلبون من الصغار ان يُحسنوا التصرف بالايضاح ان الشكل على القمر هو «القديس» ميخائيل، مراقبا ومدوِّنا افعالهم.
٦ الى ايّ حد يتورط الناس في الارواحية اليوم؟
٦ ولكنّ الايمان بالارواح والمعبودات لا يقتصر على عادات وخرافات غير مؤذية حسب الظاهر. ففي كلا المجتمعَين البدائي والعصري يلجأ الناس الى شتى الوسائل للسيطرة على الارواح المخيفة او تهدئتها ولكسب رضى الخيِّرة. وعلى نحو طبيعي، قد نفكر اولا في الناس في الادغال والجبال النائية الذين يستشيرون الوسطاء الارواحيين، الاطباء الارواحيين، والشامان (كهنة السحر) عند المرض او غير ذلك في الشدة الرهيبة. ولكنّ الناس في المدن الكبيرة والصغيرة يذهبون ايضا الى المنجمين، مستحضري الارواح، قرّاء البخت، والمتكهِّنين للاستعلام عن المستقبل او للحصول على المساعدة في اتخاذ القرارات المهمة. والبعض، مع انهم ينتمون اسميا الى دين او آخر، يتبعون ممارسات كهذه بحماسة. وكثيرون آخرون جعلوا الارواحية، السحر الاسود، وعلوم الغيب دينهم.
٧ اية اسئلة يلزم ان نتأمل فيها؟
٧ وما هو مصدر او نشأة كل تلك الممارسات والخرافات؟ هل هي مجرد طرائق مختلفة للاقتراب الى اللّٰه؟ والاهم، ماذا تفعل للذين يتبعونها؟ لايجاد الاجوبة عن هذه الاسئلة يجب ان نلتفت الى الوراء متفحصين تاريخ الانسان وننال لمحة الى طرائق عبادته الاولى.
ابتغاء المجهول
٨ اية صفة فريدة تفرز البشر عن المخلوقات الدنيا؟
٨ على نقيض ما يمكن ان يدَّعيه علماء التطور يملك الانسان بُعدا روحيا يجعله مختلفا عن المخلوقات الدنيا ومتفوقا عليها. فهو مولود مع الحافز الى البحث عن المجهول. وهو يجاهد ابدا في اسئلة كهذه: ما هو معنى الحياة؟ ماذا يحدث بعد ان يموت المرء؟ ما هي علاقة الانسان بالعالم المادي وفي الواقع بالكون؟ وهو مسوق ايضا من الرغبة في ابتغاء شيء اسمى او اقوى من نفسه بغية اكتساب سيطرة معيَّنة على بيئته وحياته. — مزمور ٨:٣، ٤؛ جامعة ٣:١١؛ اعمال ١٧:٢٦-٢٨.
٩ كيف يصف احد العلماء ‹الروحيَّة›؟
٩ وايڤار لِسنَر في كتابه الانسان، اللّٰه والسحر عبَّر عن ذلك هكذا: «لا يسع المرء إلا ان يتعجب من المثابرة التي كافح بها الانسان، في كل تاريخه، للامتداد خارج نفسه. فطاقاته لم تُوجَّه قط نحو ضرورات الحياة فقط. لقد كان دائما يسعى، يتلمَّس طريقه اكثر، يطمح الى المتعذّر المنال. ان هذا الحافز الغريب والمتأصل في الكائن البشري هو روحيَّته.»
١٠ ماذا يُظهر ان للانسان حافزا طبيعيا الى طلب اللّٰه؟
١٠ طبعا، ان الذين لا يؤمنون باللّٰه لا ينظرون الى الامور بتلك الطريقة تماما. وهم عموما ينسبون هذا الميل البشري الى حاجات الانسان، نفسيَّة كانت ام غير ذلك، كما رأينا في الفصل ٢. ومع ذلك، أليس اختبارنا المشترك عند مواجهة خطر او وضع ميؤوس منه ان ردَّة الفعل الاولى لمعظم الناس هي مناشدة اللّٰه او قوة عليا طلبا للعون؟ ان هذا صحيح اليوم تماما كما كان في الازمنة الماضية. ولذلك تابع لِسنَر قائلا: «لا يمكن لاحد اجرى بحثا بين اقدم الشعوب البدائية ان يفشل في الفهم انهم جميعا تصوَّروا اللّٰه، انهم يملكون وعيا مفعما بالحياة لكائن اسمى.»
١١ ما هي نتيجة جهد الانسان في طلب المجهول؟ (قارنوا رومية ١:١٩-٢٣.)
١١ أما كيف جاهدوا لإشباع تلك الرغبة الفطرية في طلب المجهول فهو مسألة اخرى تماما. فالصيادون والرعاة البدو ارتعدوا من قوة الوحوش البرية. والمزارعون انسجموا على نحو خصوصي مع التغييرات في الطقس والفصول. وسكان الادغال تجاوبوا على نحو مختلف تماما عن الناس العائشين في الصحاري او الجبال. وفي وجه هذه المخاوف والحاجات المتنوعة طوَّر الناس تنويعا محيِّرا من الممارسات الدينية كانوا يرجون بواسطتها مناشدة الآلهة الخيِّرة وتهدئة المخيفة.
١٢ اية اوجه مشتركة يمكن رؤيتها في ممارسات الناس الدينية في كل مكان؟
١٢ ولكن على الرغم من التنوُّع الكبير هنالك اوجه مشتركة يمكن ادراكها في هذه الممارسات الدينية. وبينها توقير وخوف الارواح المقدسة وقوى ما فوق الطبيعة، استعمال السحر، عِرافة المستقبل بالعلامات والفؤول، التنجيم، والاساليب المختلفة لقراءة البخت. واذ نفحص هذه الاوجه سنرى انها قامت بدور رئيسي في صياغة التفكير الديني للناس حول العالم وفي كل العصور، بمن فيهم الناس اليوم ايضا.
الارواح المقدسة وقوى ما فوق الطبيعة
١٣ ماذا يمكن ان يكون قد التبس على الناس في الازمنة القديمة؟
١٣ ان حياة الناس في الازمنة الباكرة بدت ملآنة بالألغاز. فكانوا محاطين بحوادث غير قابلة للتفسير ومربكة. مثلا، لم يستطيعوا فهم سبب المرض المفاجئ لشخص قوي البنية تماما، او سبب فشل السماء في الإمطار في الفصل العادي، او سبب اخضرار شجرة عارية، عديمة الحياة كما يبدو، وظهورها مفعمة بالحياة في وقت معيَّن من السنة. وحتى ظِلّ المرء، خفقة قلبه، ونفَسه كانت ألغازا.
١٤ و ١٥ بسبب النقص في الفهم والتوجيه، الى ماذا نسب الانسان على الارجح ما هو غير قابل للتفسير؟ (قارنوا ١ صموئيل ٢٨:٣-٧.)
١٤ وبالميل الروحي الفطري للانسان كان طبيعيا ان ينسب هذه الامور والاحداث الغامضة الى قوة فوق الطبيعة. ومع ذلك، اذ كان ينقصه التوجيه والفهم المناسبان سرعان ما امتلأ عالمه بالانفس، الارواح، الاشباح، والابالسة. مثلا، ان هنود ألڠونْكوِن في شمالي اميركا يدعون نفْس الشخص أُتَهتشوك، التي تعني «ظِلّه،» ويعتقد الملاييّون في جنوب شرقي آسيا انه عندما يموت انسان تفلت نفسه من منخريه. واليوم، ان الاعتقاد بالارواح وبالانفس الراحلة — ومحاولات الاتصال بها بطريقة ما — هو عالمي تقريبا.
١٥ وبالطريقة نفسها فان الاشياء الاخرى في البيئة الطبيعية — الشمس، القمر، النجوم، المحيطات، الانهار، الجبال — بدا انها حيَّة وأنها تؤثر تأثيرا مباشرا في النشاطات البشرية. وبما انه ظهر ان هذه الاشياء تشغل عالما خاصا بها، جرى تشخيصها كأرواح ومعبودات، بعضها خيِّرة ومساعدة، والاخرى شريرة ومؤذية. وعبادة الاشياء المخلوقة صارت تشغل مكانة بارزة في كل الاديان تقريبا.
١٦ كيف ظهرت عبادة الارواح، المعبودات، والاشياء المقدسة؟
١٦ يمكننا ان نجد معتقدات من هذا النوع في اديان كل حضارة قديمة تقريبا. فالبابليون والمصريون عبدوا آلهتهم للشمس، القمر، والبروج. والحيوانات ووحوش البرية كانت ايضا بين اشياء التكريم عندهم. والهندوس مشهورون بمجموعة آلهتهم التي تُعَدّ بالملايين. وقد كان للصينيين دائما جبالهم المقدسة وآلهة انهارهم، وهم يعبِّرون عن ورعهم البنوي في عبادة الاسلاف. والدرويديون القدامى للجزر البريطانية اعتبروا اشجار السنديان مقدسة، وقدَّموا توقيرا خصوصيا للهَدال النامي على السنديان. وفي وقت لاحق ساهم اليونانيون والرومان في نصيبهم؛ وصار الايمان بالارواح، المعبودات، الانفس، الابالسة والاشياء المقدسة من كل الانواع راسخا بثبات.
١٧ كيف تكون عبادة الاشياء المخلوقة ظاهرة بعدُ للعيان اليوم؟
١٧ مع ان بعض الناس اليوم قد ينظرون الى كل تلك المعتقدات بوصفها خرافات، فان هذه الافكار لا تزال موجودة في الممارسات الدينية لشعوب كثيرة حول العالم. والبعض لا يزالون يعتقدون ان بعض الجبال، الانهار، الصخور ذات الاشكال الغريبة، الاشجار القديمة، والعديد من الاشياء الاخرى مقدسة، ويعبدونها كأشياء للتعبُّد. ويبنون المذابح، المزارات، والهياكل في تلك الاماكن. مثلا، ان نهر الغانج مقدس بالنسبة الى الهندوس، الذين احب امنية لهم هي الاستحمام فيه وهم احياء وتذرية رمادهم عليه بعد الموت. ويعتبر البوذيون انه اختبار فوق العادة ان يعبدوا في المزار في بود ڠايا، الهند، حيث يُقال ان البوذا نال التنوُّر تحت شجرة التنوُّر. والكاثوليك يتضرعون الى كاتدرائية سيدة ڠوادلوپ في المكسيك او يستحمون في المياه «المقدسة» في المزار في لورد، فرنسا، بحثا عن شفاء عجائبي. وتكريم الاشياء المخلوقة بدلا من الخالق لا يزال ظاهرا كثيرا للعيان اليوم. — رومية ١:٢٥.
بروز السحر
١٨ الى ماذا قاد الايمان بالارواح والمعبودات؟
١٨ حالما تأسس الاعتقاد بأن عالم الجَماد ملآن بالارواح، الصالحة والرديئة، قاد ذلك بسهولة الى الخطوة التالية — محاولات الاتصال بالصالحة من اجل التوجيه والبركات، وتهدئة الشريرة. وكانت النتيجة ممارسة السحر، الذي ازدهر في كل امة تقريبا في الماضي والحاضر. — تكوين ٤١:٨؛ خروج ٧:١١، ١٢؛ تثنية ١٨:٩-١١، ١٤؛ اشعياء ٤٧:١٢-١٥؛ اعمال ٨:٥، ٩-١٣؛ ١٣:٦-١١؛ ١٩:١٨، ١٩.
١٩ (أ) ما هو السحر؟ (ب) لماذا يبدو السحر قابلا للتصديق لاناس كثيرين؟
١٩ وفي معناه الاساسي اكثر، السحر هو جهد للسيطرة على قوى الطبيعة او ما فوق الطبيعة او إجبارها على فعل ما يأمرها به المرء. واذ لم يعرفوا السبب الحقيقي لكثير من الحوادث اليومية، اعتقد أناس المجتمعات الابكر ان تكرار كلمات سحرية معيَّنة او تعاويذ، او اجراء شعيرة ما، يمكن ان يحدث تأثيرات مرغوبة معيَّنة. وما أضفى مصداقية على هذا النوع من السحر هو ان بعض الشعائر نجح فعلا. مثلا، ذُكر ان الاطباء الارواحيين — ومن حيث الجوهر هم سحرة او عائفون — لجزر منتاواي غربي سومطرة فعالون على نحو مدهش في شفاء الناس المصابين بالاسهال. وكانت وصفتهم السحرية ان يضطجع المصابون ووجوههم نحو الارض قرب حافة جُرف ويلحسوا الارض من وقت الى آخر. وما الذي جعل ذلك ينجح؟ لقد احتوت التربة على الاجراف على الكاولين kaolin، الصلصال الابيض المستعمل عموما في بعض ادوية الاسهال اليوم.
٢٠ كيف صار السحر يهيمن على حياة الناس؟
٢٠ وبسرعة ابطلت بضعة نجاحات من هذا النوع كل الاخفاقات ورسَّخت صيت الممارسين. وسرعان ما صاروا اعضاء يُنظر اليهم برهبة وتقدير سام — كهنة، زعماء، شامان، اطباء ارواحيين، اطباء مشعوذين، وسطاء. وذهب الناس اليهم بمشاكلهم، كالشفاء ومنع المرض، ايجاد الاشياء الضائعة، اثبات هوية اللصوص، اتّقاء التأثيرات الشريرة، والانتقام. وأخيرا صارت هنالك مجموعة كبيرة من الممارسات الخرافية والشعائر التي تعالج هذه الامور اضافة الى الحوادث الاخرى في الحياة، كالولادة، بلوغ سن الرشد، الخطبة، الزواج، الموت، والدفن. وقوة وغموض السحر سرعان ما هيمنا على كل وجه من حياة الناس.
رقص المطر والرقى
٢١ و ٢٢ ما هو المقصود ‹بالسحر التقليدي›؟ اوضحوا.
٢١ على الرغم من التنوُّع الهائل في الممارسات السحرية للشعوب المختلفة فان الافكار الاساسية خلفها متشابهة على نحو ملحوظ. اولا، هنالك الفكرة بأن الشيء يُنتج على شاكلته، وأنه بالامكان انتاج الاثر المرغوب بمحاكاته. وهذا يدعى احيانا سحرا تقليديا. مثلا، عندما هدَّدت قلة المطر غلالهم، رقص هنود اوماها في اميركا الشمالية حول وعاء ماء. ثم شرب واحد منهم بعض الماء وبصقه في الهواء مقلِّدا الرذاذ او الوابل. او قد يتقلَّب رجل على الارض كدب جريح ليضمن نجاحه في صيده للدببة.
٢٢ وثمة اناس آخرون لديهم شعائر متقنة اكثر، بما فيها التراتيل والتقدمات. فالصينيون يصنعون تنّينا ورقيا او خشبيا كبيرا، اله المطر عندهم، ويدورون به في موكب استعراضي، او يُخرجون صنم معبودهم من الهيكل ويضعونه في الشمس لكي يشعر بالحرارة وربما يرسل المطر. وشعيرة شعب نْغوني في شرق افريقيا تشمل سكب الجعة في قدر مدفونة في الارض في هيكل المطر وبعدئذ الصلاة، «ايها السيد تشوتا، لقد قسَّيت قلبك علينا، ماذا تريد ان نفعل؟ لا بد اننا فانون بالتأكيد. امنح اولادك الامطار، اليك الجعة التي اعطيناك.» ثم يشربون الجعة الباقية. ويتبع ذلك ترنيم ورقص وهز اغصان غُمست في الماء.
٢٣ كيف تطوَّرت الشعوذة ورقي الرقى؟ (قارنوا لاويين ١٩:٣١؛ ٢٠:٦، ٢٧؛ تثنية ١٨:١٠-١٣.)
٢٣ والفكرة الاخرى خلف الممارسات السحرية هي ان الاشياء التي كانت للشخص تستمر في التأثير فيه حتى بعد ان يجري فصلها عنه. وهذا قاد الى ممارسة رقي رقية على الشخص بالتأثير في شيء كان ذات مرة لذلك الشخص. وحتى في اوروپا وانكلترا في القرنين الـ ١٦ والـ ١٧ كان الناس لا يزالون يؤمنون بالساحرات والسحّارين الذين يستطيعون تسبيب الاذى للناس بهذا النوع من القوة. وقد شملت الاساليب امورا مثل صنع تمثال شمعي للشخص وغرز الدبابيس فيه، كتابة اسمه على قطعة ورق وبعدئذ حرقها، دفن قطعة من ثيابه، او فعل اشياء اخرى بشعره، قُلامات اظفاره، عرقه، او حتى برازه. ومدى هذه الممارسات وغيرها يمكن رؤيته بواقع سن قوانين برلمانية في انكلترا في السنوات ١٥٤٢، ١٥٦٣، و ١٦٠٤ تعلن ان الشعوذة جرم يستحق الاعدام. فبطريقة او بأخرى مارس الناس هذا الشكل من السحر في كل امة تقريبا في كل العصور.
المستقبل في العلامات والفؤول
٢٤ (أ) ما هي العِرافة؟ (ب) كيف مارس البابليون العِرافة؟
٢٤ في اغلب الاحيان يُستعمل السحر لكشف معلومات مخفيَّة او للتحديق الى المستقبل بالعلامات والفؤول. وهذا معروف بالعِرافة، وقد كان البابليون مشهورين بها. واستنادا الى كتاب السحر، الاعتقاد بما فوق الطبيعة، والدين، «كانوا بارعين في فنون العلم المسبَق، التكهن بالمستقبل من اكباد وأمعاء الحيوانات المذبوحة، من النار والدخان، ومن لمعان الحجارة الكريمة؛ وانبأوا بالحوادث من خرير الينابيع ومن شكل النباتات. . . . وعلامات الجو، المطر، الغيوم، الريح، والبرق فُسِّرت كنُذُر بالشر؛ وقعقعة الاثاث والالواح الخشبية انبأت بحوادث مستقبلية. . . . والذباب والحشرات الاخرى، اضافة الى الكلاب، كانت حاملات رسائل تتعلق بعلوم الغيب.»
٢٥ كيف اشار حزقيال ودانيال الى ممارسة العِرافة في بابل القديمة؟
٢٥ يذكر سفر حزقيال في الكتاب المقدس انه في احدى الحملات العسكرية، «ملك بابل قد وقف على أمّ الطريق على رأس الطريقين ليعرف عِرافة. صقل السهام سأل بالترافيم نظر الى الكبد.» (حزقيال ٢١:٢١) والمجوس، العائفون، والكهنة الممارسون السحر كانوا ايضا جزءا قانونيا من البلاط البابلي. — دانيال ٢:١-٣، ٢٧، ٢٨.
٢٦ ماذا كان احد اشكال العِرافة الشائعة بين اليونانيين؟
٢٦ وتلهَّت ايضا شعوب الامم الاخرى، الشرقية والغربية على السواء، بأشكال كثيرة من العِرافة. فاستشار اليونانيون مهابط الوحي عندهم في الحوادث السياسية الكبيرة اضافة الى الشؤون الخاصة الدنيوية كالزواج، السفر، والاولاد. وأشهر هذه كان مهبط الوحي في دلفي. والاجوبة، التي كان يُعتقد انها من الاله اپوللو، كانت تزوَّد بواسطة الكاهنة، او پيثيا، بأصوات غير مفهومة ويفسرها الكهنة لخلق آيات مبهمة. والمثال التقليدي هو الجواب المُعطى لكريسوس، ملك ليديا، الذي ذكر: «كريسوس اذا عَبَر الهايليس فسيُدمِّر امبراطورية قديرة.» وتبيَّن ان الامبراطورية القديرة التي دُمِّرت كانت امبراطوريته. لقد مُني كريسوس بالهزيمة على يدي كورش الفارسي عندما عَبَر الهايليس ليغزو كبَّدوكية.
٢٧ الى ايّ حد انهمك الرومان في العِرافة؟
٢٧ وفي الغرب بلغت حرفة العِرافة ذروة عند الرومان، الذين كانوا مشغولين بالفؤول ونُذُر الشؤم في كل ما فعلوه تقريبا. وآمن الناس من كل طبقة اجتماعية بعلم التنجيم، الشعوذة، الطلاسم، قراءة البخت، وأشكال اخرى كثيرة من العِرافة. واستنادا الى مرجع في التاريخ الروماني، ادوَرْد ڠيبون، «ان شتى طرائق العبادة، التي سادت في العالم الروماني، اعتبرها الناس كلها صحيحة على حد سواء.» والسياسي والخطيب الشهير شيشرون كان خبيرا بالتفتيش عن الفؤول في طيران الطيور. ولاحظ المؤرخ الروماني پترونيوس انه بالحكم حسب الاديان والعبادات الكثيرة في بعض المدن الرومانية، لا بد انه كانت هنالك آلهة اكثر من الناس فيها.
٢٨ كيف مارس الصينيون العِرافة في الازمنة القديمة؟
٢٨ وفي الصين نُبشت اكثر من ٠٠٠,١٠٠ قطعة من عظامٍ وأصدافٍ لمهابط الوحي يرجع تاريخها الى الالف الثاني قم (سلالة شانڠ الحاكمة). وقد استعملها كهنة شانڠ في السعي وراء التوجيه الالهي في كل شيء من الطقس الى حركة الجنود. وكتب الكهنة اسئلة بخط قديم على هذه العظام. ثم سخَّنوا العظام وفحصوا الشقوق التي ظهرت ودوَّنوا الاجوبة على العظام نفسها. ويعتقد بعض العلماء ان الكتابة الصينية تطورت من ذلك الخط القديم.
٢٩ ايّ مبدإ للعِرافة مرسوم في يي جينڠ؟
٢٩ ان اقدم رسالة بحث صينية معروفة جيدا عن العِرافة هي يي جينڠ I Ching (القائمة القانونية للتغييرات)، التي يقال ان اول امبراطورَين لجو كتباها، وِن وانڠ وجو كونڠ، في القرن الـ ١٢ قم. وهي تحتوي على تفاسير مفصَّلة لتفاعل القوتين المتضادتين يِن ويانڠ (المظلم-الساطع، السلبي-الايجابي، الانثى-الذكر، القمر-الشمس، الارض-السماء، وهلم جرا)، اللتين لا يزال صينيون كثيرون يعتقدون انهما المبدأان المسيطران وراء كل شؤون الحياة. وهي تقدم الصورة ان كل شيء متغير ابدا ولا شيء دائم. وللنجاح في اية مهمة لا بد ان يعي المرء كل تغيّرات اللحظة ويعمل بانسجام معها. وهكذا فان الناس يطرحون الاسئلة ويُلقون القُرع وبعدئذ يلتفتون الى يي جينڠ لاجل الاجوبة. وعلى مر القرون، كان يي جينڠ الاساس لكل اساليب قراءة البخت، ضرب الرمل، وأشكال العِرافة الاخرى في الصين.
من علم الفلك الى التنجيم
٣٠ صفوا تطور علم الفلك الباكر.
٣٠ ان انتظام الشمس، القمر، النجوم، والكواكب كان لامد طويل مصدر روعة للناس على الارض. وقد اكتُشفت قوائم للنجوم يرجع تاريخها الى سنة ١٨٠٠ قم في بلاد ما بين النهرين. وعلى اساس معلومات كهذه استطاع البابليون ان يتكهنوا بحوادث فلكية كثيرة، كخسوف القمر، طلوع وغروب البروج، وحركات معيَّنة للكواكب. والمصريون، الاشوريون، الصينيون، الهنود، اليونانيون، الرومان، والشعوب القديمة الاخرى رصدوا على نحو مشابه السماء واحتفظوا بسجلات مفصَّلة للحوادث الفلكية. ومن هذه السجلات بنوا رُزناماتهم ونظَّموا نشاطاتهم السنوية.
٣١ كيف انجب علم الفلك التنجيم؟
٣١ ومن الارصاد الفلكية صار ملحوظا ان حوادث معيَّنة على الارض تبدو متزامنة مع حوادث سماوية معيَّنة. مثلا، ان تغيُّر الفصول تبع بشكل وثيق حركة الشمس، والمياه ارتفعت وانحسرت في مد وجزر في توافق مع القمر، والطوفان السنوي للنيل تبع دائما ظهور الشِّعْرى اليمانية، ألمع نجم. وكان الاستنتاج الطبيعي ان الاجسام السماوية تقوم بدور مهم في تسبيب هذه الحوادث وغيرها على الارض. وفي الواقع، دعا المصريون الشِّعْرى اليمانية بجالبة النيل. والاعتقاد ان النجوم تؤثر في الحوادث على الارض ادّى بسرعة الى الفكرة بأنه يمكن الاعتماد على الاجسام السماوية للانباء بالمستقبل. وهكذا انجب علم الفلك التنجيم. وما لبث ان ابقى الملوك والاباطرة منجمين رسميين في بلاطهم لاستشارة النجوم في الشؤون القومية المهمة. ولكنّ عامة الشعب على نحو مماثل راقبوا النجوم في ما يتعلق ببختهم الشخصي.
٣٢ بأية طرائق مارس البابليون التنجيم؟
٣٢ ومرة ثانية يظهر البابليون في الصورة. فقد نظروا الى النجوم بصفتها المساكن السماوية للآلهة، تماما كما ان الهياكل هي مساكنها الارضية. وهذا انشأ مفهوم تجميع النجوم في بروج اضافة الى الاعتقاد بأن الاضطرابات في السموات، كالكسوف والخسوف او ظهور بعض النجوم الساطعة او المذنَّبات، انما تنذر بالاسى والحرب على الارض. وقد وُجدت مئات التقارير من المنجمين الى الملوك بين المصنوعات اليدوية التي نُبشت في بلاد ما بين النهرين. وذكرت بعض هذه، مثلا، ان الخسوف القمري الوشيك هو علامة ان عدوا معيَّنا سيُمنى بهزيمة او ان ظهور كوكب معيَّن في برج معيَّن سيؤدي الى «سخط عظيم» على الارض.
٣٣ ماذا قال اشعياء عن البابليين ‹راصدي النجوم›؟
٣٣ ومدى اتكال البابليين على هذا الشكل من العِرافة يمكن رؤيته اكثر في كلمات تهكُّم النبي اشعياء بهم عند الإنباء بدمار بابل: «قفي في رقاكِ وفي كثرة سحوركِ التي فيها تعبت منذ صباك . . . ليقف قاسمو السماء الراصدون النجوم المعرِّفون عند رؤوس الشهور ويخلصوكِ مما يأتي عليكِ.» — اشعياء ٤٧:١٢، ١٣.
٣٤ من هم «المجوس» الذين اتوا الى الطفل يسوع؟
٣٤ ومن بابل جرى تصدير التنجيم الى مصر، اشور، فارس، اليونان، روما، وشبه جزيرة العرب. وفي الشرق كانت للهندوس والصينيين ايضا انظمة تنجيمهم المتقنة. و «المجوس» الذين يخبر المبشِّر متَّى انهم اتوا الى الطفل يسوع هم «(منجمون، عج) من المشرق.» (متى ٢:١، ٢) ويعتقد بعض العلماء ان اولئك المنجمين ربما كانوا من مدرسة التنجيم الكلدانية والمادية-الفارسية من فرتّيا، التي كانت مقاطعة لفارس وصارت لاحقا الامبراطورية الفرتّية المستقلة.
٣٥ ماذا تطوَّر في التنجيم منذ زمن اليونانيين؟
٣٥ ولكنّ اليونانيين هم الذين طوَّروا التنجيم الى الشكل الذي يمارَس اليوم. ففي القرن الثاني بم قام كلوديوس بطليموس، فلكي يوناني في الاسكندرية، مصر، بجمع كل المعلومات الفلكية الموجودة في اربعة كتب، مدعوة الكتب الاربعة، خدمت بصفتها النص الاساسي للتنجيم حتى الآن. ومن هذا تطوَّر ما يُدعى عموما بالتنجيم المولِدي، وهو نظام للتكهن بمستقبل الشخص بدراسة جدول ولادته، او خريطة البروج — جدول يُظهر مواقع الشمس، القمر، وشتى الكواكب بين البروج كما تُرى من مكان ولادة الشخص لحظة ولادته.
٣٦ ما هو الدليل على ان التنجيم صار محترَما؟
٣٦ وبحلول القرنين الـ ١٤ والـ ١٥ حظي التنجيم بقبول واسع في الغرب. والجامعات علَّمته كفرع من الدراسة يتطلَّب معرفة عملية للّغات والرياضيات. وكان يُنظر الى المنجمين كعلماء. وكتابات شيكسپير زاخرة بالتلاميح الى التأثيرات المتعلقة بالتنجيم في الشؤون البشرية. واحتفظ كل بلاط ملكي وكثيرون من النبلاء بمنجمين لهم للاستشارة الفورية. وقلَّما كان يجري الشروع في ايّ مشروع — سواء كان حربا، بناء، عملا، او سفرا — دون استشارة النجوم اولا. فالتنجيم كان قد صار محترَما.
٣٧ كيف اثَّر تقدُّم العلم في التنجيم؟
٣٧ ومع ان عمل الفلكيين امثال كوپرنيكوس وڠاليليو، الى جانب تقدُّم الاستطلاع العلمي، قد شوَّه جدا سمعة التنجيم كعلم صحيح، فقد بقي حيا الى هذا اليوم. (انظروا الاطار، الصفحة ٨٥.) وبالنسبة الى رؤساء الدولة اضافة الى الانسان العادي، سواء كانوا من الامم المتقدمة تكنولوجيا او القرى النائية في البلدان النامية، فان هذه الحرفة الغامضة، التي ابدأها البابليون وطوَّرها اليونانيون ووسَّعها اكثر العرب، لا تزال تمارس نفوذا واسعا اليوم.
القدَر مكتوب على الوجه والكف
٣٨ ماذا ادّى الى اشكال اضافية للعِرافة تتعلق باليد والوجه البشريين؟
٣٨ اذا كانت مراقبة السموات من اجل العلامات والفؤول عن المستقبل تبدو غير ملموسة، فهنالك طرائق اخرى اسرع والوصول اليها اسهل بالنسبة الى اولئك الذين يتلهَّون بفن العِرافة. وقد صرَّح زُهَر، او سِفِر ها-زُهَر (عبرانية، كتاب السَّناء)، نصٌّ للصوفية اليهودية للقرن الـ ١٣: «في القبة التي تغلِّف الكون نرى صورا كثيرة مُشكَّلة من النجوم والكواكب. انها تكشف الامور الخفيَّة والالغاز العميقة. وعلى نحو مشابه، على جلْدنا الذي يحيط بالكائن البشري توجد اشكال وخصائص هي النجوم لاجسادنا.» وأدَّت هذه الفلسفة الى طرائق اضافية للعِرافة، او الإنباء بالمستقبل، بفحص الوجه وكف اليد من اجل علامات نبوية. وفي الشرق وفي الغرب كليهما لا تزال ممارسات كهذه منتشرة. ولكن من الواضح ان نشأتها متأصلة في التنجيم والسحر.
٣٩ ما هي الفِراسة، وكيف جرى تطبيقها؟
٣٩ الفِراسة هي قراءة البخت بفحص قَسَمات الوجه، كشكل العينين، الانف، الاسنان، والاذنين. وفي ستراسبورڠ في سنة ١٥٣١، قام رجل اسمه جون من إنداجين بنشر كتاب عن الموضوع زوَّد فيه نقوشا واضحة للوجوه بأشكال متنوعة للعينين، الانف، الاذنين، وهلم جرا، الى جانب تفاسيره. والممتع انه اقتبس كلمات يسوع المسيح في متى ٦:٢٢، «فان كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيِّرا،» كأساس للقول ان العيون الكبيرة، النيِّرة، والمستديرة تدل على الاستقامة والعافية، فيما العيون الغائرة والصغيرة هي علامات للحسد، الضغينة، والشك. ولكن في كتاب مشابه، خلاصة جامعة للفِراسة، نُشر في سنة ١٥٣٣، ادَّعى المؤلف برتولوميو كوكل ان العينين الكبيرتين والمستديرتين تدلان على شخص متقلِّب وكسول.
٤٠ (أ) ما هي فِراسة الكف؟ (ب) كيف جرى الاستنجاد بالكتاب المقدس لدعم فِراسة الكف؟
٤٠ استنادا الى العرَّافين، بعد الرأس تعكس اليد القوى التي من فوق اكثر من ايّ جزء آخر من الجسد. وهكذا فان قراءة خطوط اليد لتحديد شخصية المرء وقدَره هي شكل شعبي آخر للعِرافة — فِراسة الكف، ويشار اليها عموما بقراءة الكف. وقارئو الكف للعصور الوسطى فتشوا الكتاب المقدس لدعم حرفتهم. وأتوا بآيات مثل «يختم على يد كل انسان؛ ليعلم كل الناس عمله» و «في يمينها طول ايام وفي يسارها الغنى والمجد.» (ايوب ٣٧:٧، مج؛ امثال ٣:١٦) وانتفاخات او نتوءات اليد كانت تؤخذ ايضا بعين الاعتبار لانه كان يُظن انها تمثل الكواكب وبالتالي تكشف شيئا عن الفرد ومستقبله.
٤١ كيف يمارس الناس في الشرق العِرافة؟
٤١ وقراءة البخت بدراسة أسارير الوجه واليد شعبية جدا في الشرق. واضافة الى القراء المحترفين والمشيرين الذين يقدمون خدماتهم، يكثر وجود الهواة والذين يفعلون ذلك لانفسهم لان الكتب والمطبوعات من كل مستوى متوافرة على نحو واسع. وفي احيان كثيرة يتلهّى الناس بقراءة الكف كمصدر للتسلية، ولكنّ كثيرين يأخذون مثل هذه الامور بجدية. ومع ذلك، بشكل عام، نادرا ما يقنع الناس باستخدام مجرد وسيلة واحدة للعِرافة. فعندما يواجهون مشاكل خطيرة او قرارات مهمة يذهبون الى هيكلهم، سواء كان بوذيا، طاويا، شنتويا، او غير ذلك، لاستطلاع رأي الآلهة، ثم الى منجِّم لاستشارة النجوم، الى قارئ بخت لقراءة كفّهم والتفرُّس في وجههم، وبعد كل ذلك يعودون الى البيت ليستطلعوا رأي اسلافهم الراحلين. وفي مكان ما يرجون ايجاد جواب يبدو ملائما لهم.
مجرد لهو بريء؟
٤٢ الى ماذا قادت الناسَ رغبتهم الطبيعية في معرفة المستقبل؟
٤٢ طبيعي ان يريد كل امرئ معرفة ما يخبئه المستقبل. والرغبة في تأمين بخت حسن وتجنب ما يمكن ان يكون مؤذيا هي ايضا عالمية. من اجل ذلك تطلَّع الناس في كل العصور الى الارواح والمعبودات للتوجيه. وبفعل ذلك صاروا منهمكين في الارواحية، السحر، التنجيم، والممارسات الخرافية الاخرى. ووضع الناس في الماضي أحرازا وطلاسم لحماية انفسهم، والتفتوا الى الاطباء الارواحيين والشامان من اجل الشفاء. ولا يزال الناس اليوم يحملون ميداليات «القديس» كريستوفر او يضعون تمائم «السعد،» ولديهم جلساتهم الارواحية، لوحات ويجا، الكرات البلورية، خرائط البروج، وورق اللعب المستعمل للتنبؤ. وفي ما يتعلق بالارواحية والخرافة يبدو ان الجنس البشري لم يتغير.
٤٣ (أ) كيف يشعر كثيرون ازاء الارواحية، السحر، والعِرافة؟ (ب) اية اسئلة عن الممارسات الخرافية تلزم الاجابة عنها؟
٤٣ طبعا، يدرك اناس كثيرون ان هذه ليست سوى خرافات وأنه ليس لها اساس واقعي. وقد يضيفون انهم يفعلونها للَّهو. حتى ان آخرين يحاجّون ان السحر والعِرافة مفيدان فعلا لانهما يزوِّدان ضمانا نفسيا للناس الذين لولاهما لربما ارعبتهم جدا العقبات التي يواجهونها في الحياة. ولكن هل ذلك كله مجرد لهو بريء او عون نفساني؟ ما هو حقا مصدر الممارسات الارواحية والسحرية التي تأملنا فيها في هذا الفصل اضافة الى الاخرى الكثيرة التي لم نذكرها؟
٤٤ من حيث الاساس، ماذا يمكن القول عن الاساس لكل تلك الممارسات؟
٤٤ في معرض فحص شتى اوجه الارواحية، السحر، والعِرافة، لاحظنا انها مرتبطة ارتباطا وثيقا بالمعتقدات المتعلقة بالانفس الراحلة ووجود الارواح، الصالحة والردية. وهكذا، من حيث الاساس، فان الايمان بالارواح، السحر، والعِرافة مؤسس على شكل من تعدد الآلهة متأصل في عقيدة خلود النفس البشرية. وهل ذلك اساس سليم ليُبنى عليه دين المرء؟ هل تعتبرون العبادة المؤسسة على قاعدة كهذه مقبولة؟
٤٥ ايّ سؤال عن الطعام المقدَّم للاوثان جابه مسيحيي القرن الاول؟
٤٥ جابه المسيحيون في القرن الاول الاسئلة عينها. لقد كانوا محاطين باليونانيين والرومان، مع آلهتهم ومعبوداتهم الكثيرة اضافة الى شعائرهم الخرافية. وكانت احدى الشعائر ممارسة تقديم الطعام للاوثان وبعد ذلك الاشتراك في اكل الطعام. فهل كان يلزم ايّ شخص يحب الاله الحقيقي ويهتم بارضائه ان يساهم في شعائر كهذه؟ لاحظوا كيف اجاب الرسول بولس عن هذا السؤال.
٤٦ بماذا آمن بولس والمسيحيون الاولون عن اللّٰه؟
٤٦ «فمن جهة اكل ما ذبح للاوثان نعلم ان ليس وثن في العالم وان ليس اله آخر الا واحدا. لانه وان وُجد ما يُسمى آلهة سواء كان في السماء او على الارض كما يوجد آلهة كثيرون وارباب كثيرون. لكن لنا اله واحد الآب الذي منه جميع الاشياء ونحن له.» (١ كورنثوس ٨:٤-٦) فبالنسبة الى بولس ومسيحيي القرن الاول لم يكن الدين الحقيقي عبادة آلهة كثيرة، لم يكن تعدد آلهة، بل كان تعبدا ‹للاله الواحد الآب› فقط، الذي يكشف الكتاب المقدس اسمه عندما يقول: «ويعلموا انك اسمك يهوه وحدك العلي على كل الارض.» — مزمور ٨٣:١٨.
٤٧ كيف كشف بولس الهوية الحقيقية ‹للآلهة والارباب في السماء او على الارض›؟
٤٧ ولكن يجب ان نلاحظ انه على الرغم من ان الرسول بولس قال «ليس وثن،» لم يقل ان ‹الآلهة› و ‹الارباب› التي يلتفت اليها الناس بسحرهم، عرافتهم، وذبائحهم هي غير موجودة. اذًا، ما هي النقطة؟ اوضح بولس ذلك لاحقا في الرسالة عينها عندما كتب: «بل ان ما يذبحه الامم فانما يذبحونه للشياطين لا للّٰه.» (١ كورنثوس ١٠:٢٠) نعم، بواسطة آلهتهم وأربابهم، كان الامم يعبدون في الواقع الشياطين — مخلوقات ملائكية، او روحانية، تمردت على الاله الحقيقي وتضافرت مع قائدها، الشيطان ابليس. — ٢ بطرس ٢:٤؛ يهوذا ٦؛ رؤيا ١٢:٧-٩.
٤٨ اي خطر من علوم الغيب لا يزال موجودا اليوم، وكيف يمكن تجنبه؟
٤٨ في احيان كثيرة يشفق الناس على الشعوب المدعوة بدائية التي كانت مستعبدة لخرافاتها ومخاوفها. ويقولون ان الذبائح الدموية والطقوس المتوحشة تنفِّرهم. وذلك على نحو صائب. ولكننا الى هذا اليوم لا نزال نسمع عن الودّونية، العبادات الشيطانية، وحتى الذبائح البشرية. ومع ان هذه قد تكون حالات متطرفة إلا انها تُظهر ان الاهتمام بعلوم الغيب لا يزال حيا كثيرا جدا. وقد يبدأ ‹باللهو البريء› والفضول، ولكن غالبا ما تكون النتيجة المأساة والموت. فكم يكون حكيما الالتفات الى تحذير الكتاب المقدس: «اصحوا واسهروا لان ابليس خصمكم كأسد زائر يجول ملتمسا من يبتلعه هو.» — ١ بطرس ٥:٨؛ اشعياء ٨:١٩، ٢٠.
٤٩ ماذا سيكون هدف الاستقصاء في الفصول اللاحقة من هذا الكتاب؟
٤٩ اذ تأملنا في كيفية ابتداء الدين، التنوع في الاساطير القديمة، وشتى اشكال الارواحية، السحر، والخرافة، سنلفت انتباهنا الآن الى اديان العالم الرئيسية الرسمية اكثر — الهندوسية، البوذية، الطاوية، الكونفوشيوسية، الشنتوية، اليهودية، كنائس العالم المسيحي، والاسلام. فكيف ابتدأت؟ ماذا تعلِّم؟ ايّ تأثير لها في مؤمنيها؟ سيجري التأمل في هذه الاسئلة وغيرها في الفصول التالية.
[النبذة في الصفحة ٧٦]
بعض السحر بدا انه ينجح
[الاطار في الصفحة ٨٥]
هل التنجيم علمي؟
يدَّعي التنجيم ان الشمس، القمر، النجوم والكواكب تستطيع التأثير في الشؤون على الارض وأن وضع هذه الاجسام السماوية لحظة ولادة المرء يقوم بدور في حياة المرء. ولكنّ الاكتشافات العلمية تقدِّم تحديات هائلة:
▪ ان عمل الفلكيين امثال كوپرنيكوس، ڠاليليو، وكپلر قد اظهر بوضوح ان الارض ليست مركز الكون. ومعروف الآن ايضا ان النجوم التي تبدو في برج ليست حقا مقيَّدة في مجموعة في اغلب الاحيان. فبعضها قد يكون بعيدا في الفضاء، في حين قد تكون الاخرى قريبة نسبيا. وهكذا فان مميِّزات دائرة البروج لشتى البروج هي خيالية محض.
▪ ان الكواكب اورانوس، نپتون، وپلوتو كانت مجهولة عند الفلكيين الاوائل لانها لم تُكتشف حتى اختراع المقراب (التلسكوپ). اذًا، كيف فسرت «تأثيراتها» الجداولُ الفلكية المعدَّة قبل قرون؟ واضافة الى ذلك، لماذا يكون «تأثير» كوكب «خيِّرا» وآخر «رديئا،» في حين يعرف العلم الآن انها من حيث الاساس كلها كُتل من الصخر او الغازات العديمة الحياة، مندفعة بسرعة في الفضاء؟
▪ يخبرنا علم الوراثة ان الاساس لخصائص شخصيتنا لا يتشكَّل عند الولادة بل عند الحبَل، عندما تتحد احدى ملايين الخلايا المنوية من الاب ببُيَيضة واحدة من الام. ومع ذلك يحدِّد التنجيم خريطة بروج المرء وفقا للحظة الولادة. وهذا الفرق المؤلف من حوالي تسعة اشهر يجب ان يعطي المرء ميزات لشخصية مختلفة تماما بتعابير تنجيمية.
▪ ان توقيت رحلة الشمس بين البروج كما يراها راصد ارضي هو الآن متأخر نحو شهر واحد عما كان عليه قبل ٠٠٠,٢ سنة عندما أُعدَّت جداول وقوائم التنجيم. وهكذا فان التنجيم يحسب الشخص المولود في اواخر حزيران او اوائل تموز كمولود برج السرطان (حساس جدا، متقلب المزاج، متحفظ). ولكنّ الشمس في الواقع هي في برج الجوزاء في ذلك الوقت، مما يجب ان يجعل الشخص غير متحفظ، ظريفا، عذب الحديث.
فمن الواضح ان التنجيم ليس له اساس معقول او علمي يعتمد عليه.
[الصور في الصفحة ٧١]
المرايا المكسورة، القططة السوداء، وبعض الأعداد هي اساس للخرافات. والرقم الصيني الذي يقابل «اربعة» يُلفظ مثل «مَوت» بالصينية واليابانية
[الصورتان في الصفحة ٧٤]
الى اليسار، كاتدرائية سيدة ڠوادلوپ، المكسيك، حيث يصلّي الكاثوليك لاجل الشفاء العجائبي.
الى اليمين، ستونْهِنج، انكلترا، حيث يقال ان الدرويديين القدامى عبدوا الشمس
[الصورة في الصفحة ٨٠]
بعض الناس يستشيرون الشامان والاطباء المشعوذين
[الصور في الصفحة ٨١]
الآخرون لديهم جلساتهم الارواحية، لوحات ويجا، الكرات البلورية، ورق اللعب المستعمل للتنبؤ، وقراء البخت
[الصورتان في الصفحة ٨٢]
العِرافة في الشرق، باستعمال نقوش على صدف السلاحف ورمز يِن-يانڠ، لها تاريخ طويل
[الصور في الصفحة ٨٧]
يستشير اناس كثيرون خرائط البروج، معتقدين ان موقع الشمس، القمر، الكواكب، والنجوم لحظة الولادة يؤثر في حياتهم
[الصورتان في الصفحة ٩٠]
بإخراج عصا البخت من الوعاء بالهز، يحصل الشخص المتعبِّد على رسالة وتفسير