الفصل ٢٩
«مبغَضين من جميع الامم»
في الامسية الاخيرة التي قضاها يسوع مع رسله قبل موته، ذكَّرهم: «ليس عبد اعظم من سيده. إن كانوا قد اضطهدوني فسيضطهدونكم. وإن كانوا قد حفظوا كلامي فسيحفظون كلامكم. لكنهم انما يفعلون بكم هذا كله من اجل اسمي لأنهم لا يعرفون الذي ارسلني.» — يوحنا ١٥:٢٠، ٢١.
لم يكن يسوع يفكِّر في مجرد حالات منفردة من عدم التسامح. فقبل ثلاثة ايام فقط قال: «تكونون مبغَضين من جميع الامم لاجل اسمي.» — متى ٢٤:٩.
لكنَّ يسوع نصح أتباعه انهم عند مواجهة الاضطهاد لا يجب ان يلجأوا الى الاسلحة الجسدية. (متى ٢٦:٤٨-٥٢) ولا يجب ان يشتموا مضطهِديهم او يسعوا الى الانتقام. (رومية ١٢:١٤؛ ١ بطرس ٢:٢١-٢٣) أفلا يمكن ان يصير حتى اولئك المضطهِدون مؤمنين يوما ما؟ (اعمال ٢:٣٦-٤٢؛ ٧:٥٨–٨:١؛ ٩:١-٢٢) فالانتقام كان يجب ان يُترك للّٰه. — رومية ١٢:١٧-١٩.
من المعروف جيدا ان المسيحيين الاولين كانوا مضطهَدين بقسوة من الحكومة الرومانية. ولكن من الجدير بالملاحظة ايضا ان مضطهِدي يسوع المسيح الرئيسيين كانوا القادة الدينيين وأن بيلاطس البنطي، الحاكم الروماني، نفَّذ الحكم في يسوع لانهم طلبوا ذلك. (لوقا ٢٣:١٣-٢٥) وبعد موت يسوع، كان القادة الدينيون ثانية في طليعة الذين اضطهدوا أتباع يسوع. (اعمال ٤:١-٢٢؛ ٥:١٧-٣٢؛ ٩:١، ٢) ألم تكن الحالة كذلك ايضا في الازمنة الاحدث؟
رجال الدين يَدعون الى مناظرة علنية
اذ ازداد توزيع كتابات ت. ت. رصل بسرعة وبلغ عشرات الملايين من النسخ بلغات عديدة، لم يتمكَّن رجال الدين الكاثوليك والپروتستانت من ان يتجاهلوا بسهولة ما يقوله. واذ اغضبهم تشهير تعاليمهم كشيء غير مؤسس على الاسفار المقدسة، وثبطتهم خسارة الاعضاء، استخدم كثيرون من رجال الدين منابر وعظهم للتنديد بكتابات رصل. وأمروا رعاياهم بأن لا يقبلوا المطبوعات التي يوزِّعها تلاميذ الكتاب المقدس. وسعى عدد منهم الى اقناع الرسميين الحكوميين بإيقاف هذا العمل. وفي بعض الاماكن في الولايات المتحدة — بينها تامپا، فلوريدا؛ روك آيلند، ايلينُوي؛ ونستون-سالم، كارولينا الشمالية؛ وسْكرانتون، پنسلڤانيا — اشرفوا على الاحراق العلني للكتب التي كتبها رصل.
شعر بعض رجال الدين بالحاجة الى القضاء على تأثير رصل بتشهيره في مناظرة علنية. وبالقرب من المركز الرئيسي لنشاطه وافقت مجموعة من رجال الدين ان يكون الدكتور إ. ل. إيتن، قس كنيسة نورث أڤِنيو الاسقفية الميثودية في ألليڠيني، پنسلڤانيا، الناطق بلسانهم. وفي السنة ١٩٠٣ اقترح مناظرة علنية، وقبل الاخ رصل الدعوة.
عُرضت ست قضايا كما يلي: اكَّد الاخ رصل، لكنَّ الدكتور إيتن نفى، ان انفس الموتى هي في حالة عدم وعي؛ ان «المجيء الثاني» للمسيح يسبق العصر الالفي وأن القصد من ‹مجيئه الثاني› والعصر الالفي كليهما هو مباركة جميع قبائل الارض؛ وأيضا ان قدّيسي «عصر الانجيل» فقط يشتركون في القيامة الاولى لكنَّ الحشود الضخمة ستحظى بفرصة للخلاص بالقيامة اللاحقة. وأكَّد الدكتور إيتن، لكنَّ الاخ رصل نفى، انه لن تكون هنالك فترة امتحان بعد الموت لأيّ شخص؛ ان جميع المخلَّصين سيدخلون الى السماء؛ وأن الاشرار الذين لا سبيل الى تقويمهم سيخضعون للعذاب الابدي. وعُقدت سلسلة من ست مناظرات حول هذه القضايا، وجرت كل مناظرة امام حشد من الحضور في قاعة كارنيجي في ألليڠيني في السنة ١٩٠٣.
وماذا كان وراء هذا التحدي للمناظرة؟ اذ نظر ألبرت ڤاندنبرڠ الى المسألة نظرة تاريخية، كتب لاحقا: «كانت المناظرات تُدار بواسطة قس من طائفة پروتستانتية مختلفة يعمل كمشرف خلال كل مناقشة. وبالاضافة الى ذلك، جلس قسوس من كنائس مجاورة مختلفة على منبر الخطيب مع إيتن الموقَّر بحجة دعمه بالآيات ودعمه معنويا. . . . وتشكيل اتحاد غير رسمي من رجال دين پروتستانت دلَّ انهم كانوا يخافون من امكانية هداية رصل لاعضاء من طوائفهم.» — «تشارلز تاز رصل: نبي پيتسبورڠ، ١٨٧٩-١٩٠٩،» نُشر في المجلة التاريخية لپنسلڤانيا الغربية، كانون الثاني ١٩٨٦، ص ١٤.
ان مناظرات كهذه كانت قليلة نسبيا. ولم تعطِ النتائج التي رغب فيها اتحاد رجال الدين. والبعض من جماعة الدكتور إيتن الخاصة، اذ تأثروا بما سمعوه خلال سلسلة المناظرات في السنة ١٩٠٣، تركوا كنيسته واختاروا ان يقترنوا بتلاميذ الكتاب المقدس. حتى ان رجل دين كان حاضرا اعترف بأن رصل ‹ادار خرطوم المياه على الهاوية وأطفأ النار.› ومع ذلك شعر الاخ رصل نفسه بأن قضية الحق يمكن ان تُخدم بشكل افضل باستخدام الوقت والجهد في نشاطات غير المناظرات.
لم يكفَّ رجال الدين عن هجومهم. فعندما ألقى الاخ رصل خطابا في دَبلن، ايرلندا، وفي أتلي، يوركشير، انكلترا، اقاموا رجالا بين الحضور ليطلقوا بصوت عالٍ الاعتراضات والاتهامات الباطلة ضد رصل شخصيا. فعالج الاخ رصل هذه الحالات بلباقة، معتمدا دائما على الكتاب المقدس كمرجع لاجاباته.
كان رجال الدين الپروتستانت، بصرف النظر عن الطائفة، مقترنين بما يُعرف بالاتحاد الانجيلي. وممثلوهم في بلدان عديدة اثاروا الشعور العام ضد رصل وأولئك الذين يوزِّعون مطبوعاته. مثلا، في تكساس (الولايات المتحدة الاميركية)، وجد تلاميذ الكتاب المقدس ان كل واعظ، حتى في البلدات الاصغر والمقاطعات الريفية، كان مجهَّزا بالمجموعة نفسها من الاتهامات الباطلة ضد رصل والتحريفات نفسها لما يعلِّمه.
ولكن كانت لهذه الهجومات ضد رصل احيانا نتائج لم يتوقعها رجال الدين. ففي نيو برونزويك، كندا، عندما استخدم واعظ منبره لموعظة ازدرائية عن رصل، كان هنالك بين الحضور رجل قرأ شخصيا مطبوعات كتبها الاخ رصل. فكان مشمئزا عندما لجأ الواعظ الى الاكاذيب المتعمدة. وفي منتصف الموعظة تقريبا وقف الرجل، اخذ بيد زوجته، ونادى بناته السبع اللواتي يرتِّلن في الجوقة: «تعالَين يا بنات، سنذهب الى البيت.» فخرج التسعة جميعا، وكان القس يراقب فيما يغادر الرجل الذي بنى الكنيسة والذي كان الدعامة المالية للجماعة. وسرعان ما تفككت الجماعة، وغادر الواعظ.
اللجوء الى السخرية والافتراء
في جهودهم اليائسة للقضاء على تأثير ت. ت. رصل وعشرائه، استخف رجال الدين بالادعاء انه خادم مسيحي. ولاسباب مماثلة، اعتبر القادة الدينيون اليهود في القرن الاول الرسولين بطرس ويوحنا ‹انسانين عديمي العلم وعاميين.› — اعمال ٤:١٣.
لم يتخرج الاخ رصل من احدى مدارس العالم المسيحي اللاهوتية. لكنه قال بجرأة: «نتحدى [رجال الدين] ان يبرهنوا ان رسامتهم الهية او انهم اعتقدوا ذلك في وقت من الاوقات. فهم يعتقدون فقط انها رسامة، او تفويض، طائفية كل واحد من طائفته او فريقه. . . . ان الرسامة، او التفويض، من اللّٰه لايّ انسان ليكرز هي بمنحه الروح القدس. فكل مَن ينال الروح القدس ينال القوة والسلطة ليعلِّم ويكرز باسم اللّٰه. وكل مَن لا ينال الروح القدس لا يملك السلطة او الموافقة الالهية على كرازته.» — اشعياء ٦١:١، ٢.
ولكي يطعنوا في سمعته، كرز ونشر بعض رجال الدين اكاذيب جسيمة عنه. وإحدى الاكاذيب التي استعملوها تكرارا — وما زالوا يستعملونها — تشمل الوضع الزوجي للاخ رصل. والانطباع الذي سعوا الى نقله هو ان رصل كان فاسدا ادبيا. فما هي الوقائع؟
في السنة ١٨٧٩ تزوج تشارلز تاز رصل ماريا فرانْتسِس آكلي. وكانت لديهما علاقة جيدة طوال ١٣ سنة. ثم ابتدأ اطراء الآخرين لماريا وإثارتهم كبرياءها يُضعفان هذه العلاقة؛ ولكن عندما صار هدفهم واضحا، بدا انها استعادت اتزانها. حتى انها، بعد ان نشر عشير سابق اكاذيب عن الاخ رصل، طلبت اذنا من زوجها ان تزور عددا من الجماعات وتردّ على التهم، اذ جرى الادِّعاء بأنه يسيء معاملتها. لكنَّ الاستقبال الجيد الذي لقيته في تلك الرحلة في السنة ١٨٩٤ ساهم كما يبدو في تغيير رأيها في نفسها تدريجيا. فسعت الى الحصول على مزيد من السلطة في توجيه ما يصدر في برج المراقبة.a وعندما ادركت انه لن يُنشر شيء مما تكتبه ما لم يوافق زوجها، رئيس تحرير المجلة، على محتوياته (على اساس انسجامه مع الاسفار المقدسة)، انزعجت كثيرا. فبذل جهدا مخلصا لمساعدتها، لكنها تركته في تشرين الثاني سنة ١٨٩٧. ومع ذلك، زوَّدها بمكان تسكن فيه ووسيلة للاعالة. واذ مرَّت سنوات، وبعد مباشرتها الاجراءات القضائية في السنة ١٩٠٣، مُنحت في السنة ١٩٠٨ حكما، لا بطلاق شامل، بل بطلاق يمنحها حقا شرعيا في نيل نفقة دون ان تسكن معه.
واذ فشلت في اجبار زوجها على الاذعان لمطالبها، بذلت جهدا كبيرا بعد ان تركته في تشويه سمعته. ففي السنة ١٩٠٣ اصدرت نشرة ملآنة، لا بحقائق مؤسسة على الاسفار المقدسة، بل بإساءات تمثيل جسيمة للاخ رصل. وسعت الى استخدام قسوس من طوائف مختلفة لتوزيعها حيث كان تلاميذ الكتاب المقدس يعقدون اجتماعات خصوصية. ويستحق القسوس المدح لأن قليلين في ذلك الوقت كانوا مستعدين ليُستخدموا بهذه الطريقة. ولكن منذ ذلك الحين يُظهِر رجال دين آخرون روحا مختلفة.
في وقت ابكر كانت ماريا رصل قد دانت، شفهيا وكتابيا، اولئك الذين اتَّهموا الاخ رصل بسوء السلوك الذي تتهمه به هي نفسها الآن. واذ استعملوا بعض التقارير غير المثبتة التي قُدِّمت خلال الاجراءات القضائية في السنة ١٩٠٦ (والتي شُطبت من السجل بأمر من المحكمة)، نشر بعض المقاومين الدينيين للاخ رصل تهما معدَّة لتظهر انه رجل فاسد ادبيا وبالتالي غير مؤهل ليكون خادما للّٰه. لكنَّ سجل المحكمة يوضح ان تهما كهذه باطلة. ومحامي السيدة رصل سألها عما اذا كانت تعتقد ان زوجها مذنب بالزنا. فأجابت: «كلا.» والجدير بالملاحظة ايضا انه عندما استمعت لجنة من الشيوخ المسيحيين الى تهم السيدة رصل ضد زوجها في السنة ١٨٩٧، لم تشِر الى الامور التي ذكرتها لاحقا في المحكمة لكي تقنع هيئة المحلَّفين بوجوب منح طلاق، رغم ان هذه الاحداث المزعومة حصلت قبل ذلك الاجتماع.
بعد تسع سنوات من تقديم السيدة رصل القضية اولا الى المحكمة كتب القاضي جيمس مكفارلِن رسالة ردًّا على رجل كان يطلب نسخة من سجل المحكمة لكي يتمكن احد عشرائه من تشهير رصل. فأخبره القاضي بصراحة بأن ما يريده سيكون تبديدا للوقت والمال. ذكرت رسالته: «ان الاساس لطلبها ولحكم هيئة المحلَّفين كان ‹الاهانات› وليس الزنا. والشهادة، كما افهم، لا تُظهر ان رصل كان يعيش ‹حياة زنا مع شريك آخر.› وفي الواقع لم يكن هنالك شريك آخر.»
جاء اعتراف ماريا رصل المتأخر في اثناء مأتم الاخ رصل في قاعة كارنيجي في پيتسبورڠ في السنة ١٩١٦. فقد سارت في الممشى الى التابوت وهي ترتدي برقعا ووضعت هناك باقة من زنابق الوادي. وكان عليها شريط يحمل الكلمات، «الى زوجي الحبيب.»
من الواضح ان رجال الدين استعملوا التكتيك نفسه الذي استخدمه نظراؤهم في القرن الاول. ففي ذلك الحين حاولوا تدمير سمعة يسوع باتهامه بأنه يأكل مع الخطاة وأنه هو نفسه خاطئ ومجدِّف. (متى ٩:١١؛ يوحنا ٩:١٦-٢٤؛ ١٠:٣٣-٣٧) ان تهما كهذه لم تغيِّر الحقيقة عن يسوع، لكنها شهَّرت فعلا اولئك الذين لجأوا الى افتراء كهذا — وهي تشهِّر الذين يلجأون الى تكتيك مشابه اليوم — بأن اباهم الروحي هو ابليس، الذي يعني اسمه «المفتري.» — يوحنا ٨:٤٤.
انتهاز حمى الحرب لتحقيق اهدافهم
اذ اكتسحت الحمى القومية العالم خلال الحرب العالمية الاولى، وُجد سلاح جديد للاستعمال ضد تلاميذ الكتاب المقدس. فعداوة القادة الدينيين الپروتستانت والروم الكاثوليك امكن التعبير عنها وراء واجهة من الوطنية. فقد انتهزوا هستيريا زمن الحرب ليَسِموا تلاميذ الكتاب المقدس كمحرضين على الفتنة — التهمة نفسها التي وجَّهها قادة اورشليم الدينيون في القرن الاول ضد يسوع المسيح والرسول بولس. (لوقا ٢٣:٢، ٤؛ اعمال ٢٤:١، ٥) طبعا، لكي يوجِّه رجال الدين تهمة كهذه، يجب ان يكونوا هم انفسهم مؤيدين فعَّالين للمجهود الحربي، لكنَّ ذلك لم يبدُ مربكا لمعظمهم، رغم انه عنى ارسال الشبان ليقتلوا اعضاء من دينهم الخاص في بلد آخر.
وكان في تموز ١٩١٧، بعد موت رصل، ان جمعية برج المراقبة اصدرت كتاب السر المنتهي، تعليق على الرؤيا وحزقيال وكذلك نشيد الانشاد. وهذا الكتاب شهَّر بصراحة رياء رجال دين العالم المسيحي! ووُزِّع بشكل واسع في وقت قصير نسبيا. وفي اواخر كانون الاول ١٩١٧ وأوائل ١٩١٨، تولَّى تلاميذ الكتاب المقدس ايضا في الولايات المتحدة وكندا توزيع ٠٠٠,٠٠٠,١٠ نسخة من رسالة نارية في نشرة شهرية تلاميذ الكتاب المقدس. وهذه النشرة الصغيرة المصوَّرة بأربع صفحات كانت بعنوان «سقوط بابل،» وحملت العنوان الفرعي «لماذا يجب ان يتألم الآن العالم المسيحي — النتيجة النهائية.» وقد حدَّدت هوية الهيئتين الدينيتين الكاثوليكية والپروتستانتية معا بأنهما بابل العصرية التي يجب ان تسقط سريعا. ودعما لما قيل، قدَّمت من السر المنتهي تعليقا على النبوات التي تعبِّر عن الدينونة الالهية على «بابل السرية.» وفي الصفحة الاخيرة اظهر رسم كاريكاتوري جدارا ينهار. والحجارة الضخمة من الجدار حملت عبارات مثل «عقيدة الثالوث (‹٣×١=١›)،» «خلود النفس،» «نظرية العذاب الابدي،» «الپروتستانتية — العقائد، رجال الدين، الخ،» «الرومانية — البابوات، الكرادلة، الخ، الخ» — وكلها كانت تسقط.
غضب رجال الدين بسبب تشهير كهذا، تماما كما غضب رجال الدين اليهود عندما شهَّر يسوع رياءهم. (متى ٢٣:١-٣٩؛ ٢٦:٣، ٤) وفي كندا تجاوب رجال الدين بسرعة. ففي كانون الثاني ١٩١٨ وقَّع اكثر من ٦٠٠ رجل دين كندي عريضة تطالب الحكومة بحظر مطبوعات جمعية تلاميذ الكتاب المقدس من جميع الامم. وكما ورد في وينِّيپيڠ ايڤننڠ تريبيون، بعد ان ندَّد تشارلز جي. پاترسون، قس كنيسة القديس استفانوس في وينِّيپيڠ، من منبره بـ شهرية تلاميذ الكتاب المقدس، التي احتوت على المقالة «سقوط بابل،» اتصل به النائب العام جونسون ليحصل على نسخة. وبعد ذلك بقليل، في ١٢ شباط ١٩١٨، اصدرت الحكومة الكندية مرسوما يعتبره جريمة تستحق العقاب بالغرامة والسجن ان يمتلك الشخص كتاب السر المنتهي او النشرة المُشار اليها اعلاه.
في ذلك الشهر نفسه، في ٢٤ شباط، ألقى الاخ رذرفورد، رئيس جمعية برج المراقبة المنتخب حديثا، خطابا في الولايات المتحدة في قاعة تمْپِلْ في لوس انجلوس، كاليفورنيا. وكان موضوعه مذهلا: «العالم قد انتهى — ملايين من الاحياء الآن يمكن ان لا يموتوا ابدا.» وفي عرض الدليل ان العالم كما كان معروفا حتى ذلك الوقت قد انتهى حقا في السنة ١٩١٤، اشار الى الحرب الجارية آنذاك، مع المجاعة المرافقة، وبيَّن ذلك كجزء من العلامة التي انبأ بها يسوع. (متى ٢٤:٣-٨) ثم ركَّز الانتباه على رجال الدين، قائلا:
«بحسب الاسفار المقدسة، رجال الدين كصف هم الرجال الاكثر ملامة على الارض على الحرب الكبرى التي تؤلم الجنس البشري الآن. فطوال ٥٠٠,١ سنة علَّموا الناس العقيدة الشيطانية لحق الملوك الالهي في الحكم. وخلطوا السياسة بالدين، الكنيسة بالدولة؛ برهنوا على عدم الولاء لامتيازهم المعطى من اللّٰه ان ينادوا برسالة الملكوت المسيَّاني، ووقفوا انفسهم لتشجيع الحكام على الاعتقاد ان الملك يحكم بحق الهي، ولذلك مهما فعل يكون صائبا.» واذ اظهر نتيجة ذلك، قال: «تسلَّح ملوك اوروپا الطموحون من اجل الحرب، لانهم رغبوا في انتزاع مقاطعة الشعوب الاخرى؛ فهنَّأهم رجال الدين وقالوا: ‹افعلوا كما تريدون، لستم تفعلون خطأ؛ ومهما فعلتم يكون صائبا.›» ولكن لم يكن رجال الدين الاوروپيون الوحيدين الذين كانوا يفعلون ذلك، والمبشرون في اميركا عرفوا انهم كانوا يفعلون ذلك ايضا.
نُشر تقرير شامل عن هذه المحاضرة في اليوم التالي في مورنينڠ تريبيون في لوس انجلوس. فغضب رجال الدين حتى ان جمعية الخدام الدينيين عقدت اجتماعا في ذلك اليوم نفسه وأرسلت رئيسها الى مديري الجريدة لاعلامهم باستيائها الشديد. وعقب ذلك كانت هنالك فترة من المضايقة المستمرة لمكاتب جمعية برج المراقبة من قبل اعضاء مكتب استخبارات الحكومة.
وفي اثناء فترة الحماسة القومية هذه عُقد مؤتمر لرجال الدين في فيلادلفيا، في الولايات المتحدة، اتُّخذ فيه قرار يطالب بتعديل قانون التجسس بحيث يمكن للمجلس العسكري ان يحاكم المخالفين المتَّهَمين ويعاقبهم بالموت. واختير جون لورد اوبريان، المساعد الخاص للنائب العام من اجل المسائل المتعلقة بالحرب، لعرض الموضوع على مجلس الشيوخ. فلم يسمح رئيس الولايات المتحدة لمشروع القانون هذا بأن يصير قانونا. ولكنَّ اللواء جيمس فرانكلين بِل، في الجيش الاميركي، افشى عند حمو غضبه لـ ج. ف. رذرفورد و و. إ. ڤان آمبورڠ ما كان قد حدث في المؤتمر ونية استعمال مشروع القانون هذا ضد رسميي جمعية برج المراقبة.
والملفات الرسمية لحكومة الولايات المتحدة تظهر انه على الاقل من ٢١ شباط ١٩١٨ فصاعدا اشترك جون لورد اوبريان شخصيا في محاولات لاقامة دعوى على تلاميذ الكتاب المقدس. ويحتوي سجل الكونڠرس لـ ٢٤ نيسان و ٤ ايار على مذكرات من جون لورد اوبريان يؤكِّد فيها بقوة انه اذا سمح القانون بقول «ما هو صحيح، بدوافع صائبة، ولغايات مبرَّرة،» كما هو مذكور في ما يدعى التعديل الفرنسي لقانون التجسس وكما وافق عليه مجلس الشيوخ الاميركي، فلن يتمكن من ان يحاكم بنجاح تلاميذ الكتاب المقدس.
وفي ووسْتَر، ماساتشوستس، استغل ايضا ب. ف. وايلند «الموقَّر» حمى الحرب بالزعم ان تلاميذ الكتاب المقدس كانوا يروِّجون دعاية للعدو. ونشر مقالة في دايلي تلڠرام اعلن فيها: «ان احد واجباتكم الوطنية التي تواجهكم كمواطنين هو قمع جمعية تلاميذ الكتاب المقدس من جميع الامم، التي مركزها الرئيسي في بروكلين. انهم يروِّجون، تحت ستار الدين، دعاية المانية في ووسْتَر ببيع كتابهم، ‹السر المنتهي.›» وقال للسلطات بوقاحة انه من واجبهم ان يقبضوا على تلاميذ الكتاب المقدس ويمنعوهم من عقد اجتماعات اضافية.
شهد ربيع وصيف السنة ١٩١٨ اضطهادا واسعا لتلاميذ الكتاب المقدس في اميركا الشمالية وفي اوروپا على السواء. وكان بين المحرضين رجال دين المعمدانيين، الميثوديين، الاسقفيين، اللوثريين، الروم الكاثوليك، والكنائس الاخرى. فصادر الضباط مطبوعات الكتاب المقدس دون امر رسمي بالتفتيش، وأُلقي كثيرون من تلاميذ الكتاب المقدس في السجن. وآخرون طوردوا من الرعاع، ضُربوا، جُلدوا، طُلوا بالقار وغُطّوا بالريش، او كُسرت اضلاعهم او جُرِّحت رؤوسهم. والبعض أُلحق بهم عجز دائم. واحتُجز رجال ونساء مسيحيون في السجن دون تهمة او محاكمة. وأكثر من مئة حالة خصوصية لمعاملة وحشية كهذه أُخبر عنها في العصر الذهبي عدد ٢٩ ايلول ١٩٢٠ (بالانكليزية).
الاتهام بالتجسس
اتت الذروة في ٧ ايار ١٩١٨ عندما صدرت مذكرات فيديرالية في الولايات المتحدة لالقاء القبض على ج. ف. رذرفورد، رئيس جمعية برج المراقبة للكتاب المقدس والكراريس، وعشرائه الاحماء.
وفي اليوم السابق في بروكلين، نيويورك، قُدِّمت لائحتا اتهام ضد الاخ رذرفورد وعشرائه. فاذا لم يجرِ الوصول الى النتائج المرجوة من الدعوى الاولى، يمكن اتِّباع لائحة الاتهام الاخرى. ولائحة الاتهام الاولى، التي وجَّهت اتهامات ضد العدد الاكبر من الافراد، شملت اربع مواد اتهام: مادتان اتهمتاهم بالتآمر لانتهاك قانون التجسس المؤرَّخ في ١٥ حزيران ١٩١٧؛ ومادتان اتهمتاهم بمحاولة تنفيذ خططهم غير الشرعية او القيام بذلك فعلا. وجرى الادِّعاء بأنهم يتآمرون لتسبيب التمرد ورفض الخدمة العسكرية في القوات المسلَّحة الاميركية وأنهم يتآمرون لمنع الناس من التجنُّد والتطوُّع لخدمة كهذه فيما الامة في حالة حرب، وأنهم ايضا حاولوا ان يفعلوا او في الواقع فعلوا هذين الامرين كليهما. وذكرت لائحة الاتهام خصوصا طبع وتوزيع كتاب السر المنتهي. ولائحة الاتهام الثانية فسَّرت ارسال شِكّ الى اوروپا (كان سيُستخدم في عمل تعليم الكتاب المقدس في المانيا) بأنه ضارّ بمصالح الولايات المتحدة. وعندما أُخذ المدَّعى عليهم الى المحكمة، كانت لائحة الاتهام الاولى، التي شملت اربع مواد اتهام، هي التي جرى اتِّباعها.
ولكنَّ لائحة اتهام اخرى ضد ك. ج. وودوَرث و ج. ف. رذرفورد تحت قانون التجسس كانت في ذلك الوقت معلَّقة في سْكرانتون، پنسلڤانيا. ولكن بحسب رسالة من جون لورد اوبريان مؤرَّخة في ٢٠ ايار ١٩١٨، كان اعضاء في وزارة العدل يخافون ألا يوافق القاضي الاتحادي المحلي في الولايات المتحدة وِتمر، الذي كان سيُنظَر امامه في القضية، على استعمالهم قانون التجسس لقمع نشاط اناس، بسبب قناعات دينية مخلصة، قالوا اشياء يمكن ان يفسِّرها الآخرون كدعاية ضد الحرب. ولذلك علَّقت وزارة العدل قضية سْكرانتون مؤقتا في انتظار نتيجة القضية في بروكلين. ودبَّرت الحكومة ايضا الوضع بحيث يكون القاضي هارلَند ب. هاو، من ڤيرمونت، الذي كان جون لورد اوبريان يعرف انه يوافق على وجهة نظره في امور كهذه، هو مَن يقضي في المسألة في المحكمة الاتحادية المحلية في الولايات المتحدة في المنطقة الشرقية من نيويورك. وأُحيلت القضية الى المحاكمة في ٥ حزيران، والمدَّعيان العامَّان فيها هما أيزَك ر. أُولاند وتشارلز ج. بوكنر من الروم الكاثوليك. وخلال المحاكمة، كما لاحظ الاخ رذرفورد، تشاور الكهنة الكاثوليك تكرارا مع بوكنر وأُولاند.
واذ بوشرت القضية ظهر ان رسميي الجمعية وجامعَي الكتاب لم تكن في نيتهم اعاقة المجهود الحربي للبلد. والدليل المقدَّم في اثناء المحاكمة اظهر ان الخطط لكتابة الكتاب — وفي الواقع، كتابة معظم المخطوطة — جرت قبل ان تعلن الولايات المتحدة الحرب (في ٦ نيسان ١٩١٧) وأن العقد الاصلي للطبع وُقِّع قبل ان تصدر الولايات المتحدة القانون (في ١٥ حزيران) الذي يقال انهم انتهكوه.
ابرزت المحاكمة اضافات الى الكتاب جرت خلال نيسان وحزيران ١٩١٧ في اثناء إعداد النسخة وقراءة المسوَّدات. وهذه شملت اقتباسا من جون هاينس هولمز، رجل دين كان قد اعلن بقوة ان الحرب هي انتهاك للمسيحية. وكما اشار احد محامي الدفاع، كانت تعليقات رجل الدين هذه، المنشورة تحت عنوان بيان الى شعبي عشية الحرب، لا تزال تُباع في الولايات المتحدة في وقت المحاكمة. ولم يُحاكَم رجل الدين ولا الناشر على ذلك. لكنَّ تلاميذ الكتاب المقدس الذين اشاروا الى موعظته هم الذين اعتُبروا مسؤولين قانونيا عن الآراء المعبَّر عنها فيها.
لم يقل الكتاب للناس في العالم انه لا حق لهم في الاشتراك في الحرب. لكنه، في توضيح للنبوة، اقتبس مقتطفات من اعداد برج المراقبة للسنة ١٩١٥ تظهر التناقض الذاتي لرجال الدين الذين يدَّعون بأنهم خدام للمسيح لكنهم يتصرفون كعملاء تجنيد للامم في الحرب.
عندما عُلم ان الحكومة اعترضت على الكتاب، ارسل الاخ رذرفورد فورا برقية الى صاحب المطبعة لايقاف انتاجه، وفي الوقت نفسه أُرسل ممثل للجمعية الى قسم الاستخبارات في الجيش الاميركي لمعرفة سبب اعتراضهم. وعندما عُلم انه بسبب الحرب الجارية آنذاك اعتُبرت الصفحات ٢٤٧-٢٥٣ من الكتاب معترضا عليها، امرت الجمعية بحذف هذه الصفحات من جميع نسخ الكتاب قبل تقديمها الى العامة. وعندما اشعرت الحكومة المدَّعين العامِّين للمنطقة القضائية بأن التوزيع الاضافي سيكون انتهاكا لقانون التجسس (رغم ان الحكومة رفضت ان تعبِّر للجمعية عن رأيها في الكتاب في صيغته المعدَّلة)، امرت الجمعية بأن يُعلَّق مؤقتا كل التوزيع العام للكتاب.
لماذا مثل هذه العقوبة القاسية؟
بصرف النظر عن كل ذلك، في ٢٠ حزيران ١٩١٨، اصدرت هيئة المحلَّفين قرارا يجد كلًّا من المدَّعى عليهم مذنبا بكل مادة من مواد لائحة الاتهام. وفي اليوم التالي، حُكم على سبعةb منهم بأربع فترات سجن كلٌّ منها ٢٠ سنة يجري قضاؤها بشكل متزامن. وفي ١٠ تموز حُكم على الثامنc بأربع فترات سجن متزامنة من ١٠ سنوات. فالى ايّ حد كانت هذه الاحكام قاسية؟ في مذكرة الى النائب العام في ١٢ آذار ١٩١٩ اعترف رئيس الولايات المتحدة وودرو ولسون بأن «فترات السجن هي بشكل واضح اطول مما ينبغي.» وفي الواقع، ان الرجل الذي اطلق النار في ساراييڤو وقتل ولي عهد الامبراطورية النمساوية المجرية — الامر الذي اثار الحوادث التي اقحمت الامم في الحرب العالمية الاولى — لم يصدر ضده حكم اقسى. فقد حُكم عليه بـ ٢٠ سنة في السجن — لا اربع فترات سجن من ٢٠ سنة، كما في قضية تلاميذ الكتاب المقدس!
فماذا كان الدافع وراء فرض فترات السجن القاسية هذه على تلاميذ الكتاب المقدس؟ صرَّح القاضي هارلَند ب. هاو: «في رأي المحكمة، ان الدعاية الدينية التي ايَّدها ونشرها بقوة المدَّعى عليهم هؤلاء في كل انحاء الامة وكذلك بين حلفائنا هي خطر اعظم من فرقة عسكرية للجيش الالماني. . . . ان الشخص الذي يكرز بالدين يكون له عادةً تأثير كبير، واذا كان مخلصا يكون له تأثير اكبر ايضا. وهذا يزيد بدلا من ان يخفف من خطورة الخطإ الذي ارتكبوه. ولذلك، كشيء حكيم وحيد لفعله بأشخاص كهؤلاء، قرَّرت المحكمة ان تكون العقوبة قاسية.» ولكن من الجدير بالذكر ايضا انه قبل اصدار الحكم قال القاضي هاو ان البيانات التي قدَّمها المحامون دفاعا عن المدَّعى عليهم عبَّرت عن الشك وأساءت بشدة ليس فقط الى الموظفين القضائيين في الحكومة بل الى «جميع الخدام الدينيين في كل انحاء البلد.»
استُؤنف الحكم فورا الى محكمة الاستئناف الدورية للولايات المتحدة. لكنَّ القاضي هاو رفض بشكل استبدادي اطلاق السراح بكفالة بانتظار سماع هذا الاستئناف،d وفي ٤ تموز، قبل ان يُسمع الاستئناف الثالث والاخير من اجل اطلاق السراح بكفالة، نُقل الاخوة السبعة الاولون بسرعة الى الاصلاحية الفيديرالية في اتلانتا، جورجيا. وتبيَّن بعد ذلك ان هنالك ١٣٠ خطأ اجرائيا في تلك المحاكمة المتحيِّزة جدا. واستغرق اشهرا من العمل تحضير الاوراق المطلوبة لسماع الاستئناف. وفي هذه الاثناء انتهت الحرب. وفي ١٩ شباط ١٩١٩ ارسل الاخوة الثمانية في السجن مناشدة من اجل عفو تنفيذي الى وودرو ولسون، رئيس الولايات المتحدة. وأرسل مواطنون كثيرون رسائل اخرى الى النائب العام المعيَّن حديثا تحثّ على اطلاق سراح الاخوة. ثم في ١ آذار ١٩١٩، ردا على استفسار من النائب العام، اوصى القاضي هاو بـ «تخفيف فوري» للاحكام. وفيما كان ذلك سيخفِّف الاحكام، كان سيؤكِّد ايضا ذنب المدَّعى عليهم. وقبل التمكن من فعل ذلك، حصل محامو الاخوة على امر من المحكمة أُرسل الى محامي الولايات المتحدة الذي عرض القضية امام محكمة الاستئناف.
بعد تسعة اشهر من الحكم على رذرفورد وعشرائه — وبانتهاء الحرب — في ٢١ آذار ١٩١٩، امرت محكمة الاستئناف باطلاق سراح جميع المدَّعى عليهم الثمانية بكفالة، وفي ٢٦ آذار أُطلق سراحهم في بروكلين بكفالة ٠٠٠,١٠ دولار عن كل واحد. وفي ١٤ ايار ١٩١٩ حكمت محكمة الاستئناف الدورية للولايات المتحدة في نيويورك: «لم ينَل المدَّعى عليهم في هذه القضية المحاكمة العادلة والمنصفة التي يستحقونها، ولهذا السبب يُنقَض الحكم.» وأُعيدت القضية الى المحكمة من اجل محاكمة جديدة. ولكن في ٥ ايار ١٩٢٠، بعد ان مثل المدَّعى عليهم امام المحكمة، عند الطلب، خمس مرات، اعلن محامي الحكومة في جلسة علنية في بروكلين سحب الدعوى.e ولماذا؟ كما ظهر في مراسلة محفوظة في الارشيفات القومية للولايات المتحدة، كانت وزارة العدل تخاف من انه اذا عُرضت القضايا على هيئة محلَّفين غير متحيِّزة، مع توقف هستيريا الحرب، فستجري خسارة القضية. وذكر محامي الولايات المتحدة ل. و. روس في رسالة الى النائب العام: «اعتقد انه يكون افضل، لعلاقاتنا العامة، اذا اخذنا مبادرتنا الخاصة» وذكرنا ان القضية لن تجري متابعتها اكثر.
وفي اليوم نفسه، ٥ ايار ١٩٢٠، رُفضت ايضا لائحة الاتهام البديلة التي كانت قد قُدِّمت في ايار ١٩١٨ ضد ج. ف. رذرفورد وأربعة من عشرائه.
من حرَّض على ذلك حقا؟
هل حرَّض رجال الدين على كل هذا حقا؟ انكر جون لورد اوبريان ذلك. لكنَّ الذين عاشوا في ذلك الوقت عرفوا الوقائع جيدا. ففي ٢٢ آذار ١٩١٩ احتجَّت اللجوء الى العقل، صحيفة صادرة في جِرارد، كانساس: «اذ لاحقهم حقد رجال الدين ‹الارثوذكس،› أُدين وسُجن أتباع الراعي رصل دون اطلاق سراح بكفالة، مع انهم بذلوا كل جهد ممكن لمراعاة احكام قانون التجسس. . . . ونعلن ان أتباع الراعي رصل هؤلاء، بصرف النظر عما اذا كان قانون التجسس دستوريا من الناحية التقنية او مبرَّرا من الناحية الاخلاقية او لا، أُدينوا ظلما تحت احكامه. ودرس الدليل بعقل منفتح سيقنع بسرعة ايّ شخص بأن هؤلاء الرجال ليس فقط لم يكن قصدهم انتهاك القانون، ولكنهم لم ينتهكوه.»
بعد سنوات علَّق الدكتور راي ابرامز في كتاب كارزون يقدِّمون اسلحة: «انه ذو مغزى ان يشترك كثيرون من رجال الدين بشكل عدواني في محاولة التخلص من الرصليين [كما كان يسمَّى تلاميذ الكتاب المقدس بازدراء]. والنزاعات والاحقاد الدينية الطويلة العهد، التي لم تنل ايّ اعتبار في المحاكم في زمن السلم، وجدت الآن طريقها الى قاعة المحكمة تحت تأثير هستيريا زمن الحرب.» وذكر ايضا: «ان تحليلا لكامل القضية يقود الى الاستنتاج ان الكنائس ورجال الدين كانوا من حيث الاصل وراء الحركة لقمع الرصليين.» — ص ١٨٣-١٨٥.
لكنَّ نهاية الحرب لم تضع حدًّا لاضطهاد تلاميذ الكتاب المقدس. لقد فتحت عصرا جديدا منه.
الكهنة يضغطون على الشرطة
بانتهاء الحرب اثار رجال الدين قضايا اخرى لكي يوقفوا، اذا كان ممكنا بأية حال، نشاط تلاميذ الكتاب المقدس. ففي باڤاريا الكاثوليكية وأنحاء اخرى من المانيا جرى التحريض على اعتقالات عديدة في عشرينات الـ ١٩٠٠ بموجب قوانين البيع بالتجول. ولكن عندما كانت القضايا تصل الى محاكم الاستئناف، كان القضاة يؤيدون عادةً تلاميذ الكتاب المقدس. وأخيرا، بعدما غُمرت المحاكم بآلاف القضايا هذه، اصدرت وزارة الداخلية تعميما في السنة ١٩٣٠ الى جميع رسميي الشرطة يأمرهم بعدم الابتداء بإجراء قانوني ضد تلاميذ الكتاب المقدس بموجب قوانين البيع بالتجول. وهكذا لفترة قصيرة خفّ الضغط من هذا المصدر، وواصل شهود يهوه نشاطهم على نطاق مدهش في الحقل الالماني.
ومارس رجال الدين ايضا تأثيرا قويا في رومانيا خلال تلك السنوات. ونجحوا في تسبيب اصدار مراسيم تحظر مطبوعات ونشاط شهود يهوه. لكنَّ الكهنة كانوا خائفين من ان يستمر الناس في قراءة المطبوعات التي حصلوا عليها قبلا وبالتالي يعلموا بالتعاليم غير المؤسسة على الاسفار المقدسة والادّعاءات المخادعة للكنيسة. ولمنع ذلك كان الكهنة يذهبون فعليا مع الدرك من بيت الى بيت ليبحثوا عن اية مطبوعة وزَّعها شهود يهوه. حتى انهم كانوا يسألون الاولاد الصغار غير المرتابين عما اذا قبل والدوهم مطبوعات كهذه. واذا وُجد ايّ منها كان الاشخاص يهدَّدون بالضرب والسجن اذا قبلوا المزيد في المستقبل. وفي بعض القرى كان الكاهن رئيس البلدية وقاضي الصلح ايضا، ولم يكن ممكنا لأيّ شخص ان يرجو العدل ان لم يفعل ما يقوله الكاهن.
ان سجل بعض الرسميين الاميركيين في فعل ارادة رجال الدين خلال هذه الحقبة ليس افضل. مثلا، عقب قيام الاسقف الكاثوليكي اوهارا بزيارة لا ڠرانج، جورجيا، اعتقل المحافظ ومحامي البلدية العشرات من شهود يهوه في السنة ١٩٣٦. وخلال حجزهم أُجبروا على النوم بجانب كومة من السماد على فرش مرشوشة ببول البقر، أُطعموا طعاما فيه دود، وأُجبروا على العمل مع المساجين في شقّ الطرقات.
وفي پولندا ايضا استخدم رجال الدين الكاثوليك كل وسيلة تمكنوا من ابتكارها لاعاقة عمل شهود يهوه. فحرَّضوا الناس على العنف، احرقوا مطبوعات شهود يهوه علنا، اتهموهم بأنهم شيوعيون، وساقوهم الى المحكمة بتهمة ان مطبوعاتهم «تنتهك حرمة المقدَّسات.» ولكن لم يكن جميع الرسميين على استعداد لفعل ما يطلبونه. فالمدَّعي العام للمنطقة في محكمة الاستئناف في پوزن (پوزنان)، مثلا، رفض ان يحاكم واحدا من شهود يهوه اتهمه رجال الدين بأنه اشار الى رجال الدين الكاثوليك بصفتهم «هيئة الشيطان.» وأوضح المدَّعي العام نفسه ان الروح الفاسدة ادبيا التي انتشرت في العالم المسيحي كله منذ محكمة الكسندر السادس البابوية (١٤٩٢-١٥٠٣ بم) كانت حقا روح هيئة شيطانية. وعندما اتهم رجال الدين واحدا من شهود يهوه بالتجديف على اللّٰه بسبب توزيع مطبوعات برج المراقبة، طلب المدَّعي العام للمنطقة في محكمة الاستئناف في تورن (تورون) التبرئة قائلا: ‹ان شهود يهوه يتخذون الموقف نفسه تماما كما فعل المسيحيون الاولون. واذ يُساء تمثيلهم ويُضطهدون، يؤيدون المُثُل العليا في بنية عالمية فاسدة ومنحلة.›
وتظهر أرشيفات الحكومة الكندية انه استجابة لرسالة من قصر الكردينال الكاثوليكي ڤيلّنوڤ، من كْويبك، الى وزير العدل، أرنست لاپوانت، حُظر شهود يهوه في كندا في السنة ١٩٤٠. وبعد ذلك طلب رسميون حكوميون آخرون توضيحا كاملا لاسباب هذا الاجراء، لكنَّ اجابات لاپوانت لم تكن مقنعة على الاطلاق لكثيرين من اعضاء البرلمان الكندي.
وفي الناحية الاخرى من الكرة الارضية، كانت هنالك خطة مماثلة لرجال الدين. وأرشيفات الحكومة الاوسترالية تحتوي على رسالة من رئيس اساقفة سيدني للروم الكاثوليك الى النائب العام و. م. هيوز تحثُّ على الاعلان ان شهود يهوه غير شرعيين. وكُتبت هذه الرسالة في ٢٠ آب ١٩٤٠، قبل خمسة اشهر فقط من فرض الحظر. وبعد مراجعة الاساس المزعوم للحظر، قال لاحقا حضرة قاضي المحكمة العليا في اوستراليا وليمز ان ذلك له «اثر في جعل المدافعة عن مبادئ وعقائد الدين المسيحي غير شرعية وكل احتفال ديني يعقده المؤمنون بولادة المسيح اجتماعا غير شرعي.» وفي ١٤ حزيران ١٩٤٣ حكمت المحكمة بأن الحظر لم يكن منسجما مع القانون الاوسترالي.
وفي سويسرا طالبت صحيفة كاثوليكية بأن تصادر السلطات مطبوعات الشهود التي تعتبرها الكنيسة مسيئة. وهدَّدوا بأنه ان لم يجرِ ذلك فسينفِّذون القانون هم انفسهم. وهذا ما فعلوه تماما في انحاء كثيرة من العالم!
القادة الدينيون يلجأون الى العنف
شعر رجال الدين الكاثوليك في فرنسا بأنه لا تزال لديهم سيطرة قوية على الناس، وكانوا مصمِّمين الا يدعوا شيئا يعترض احتكار السلطة هذا. وخلال ١٩٢٤-١٩٢٥ كان تلاميذ الكتاب المقدس في بلدان عديدة يوزِّعون نشرة الاكليريكيون متَّهَمون. وفي السنة ١٩٢٥ عُيِّن موعد ليلقي ج. ف. رذرفورد في پاريس خطابا عن موضوع «تشهير خداع رجال الدين.» وفي ما يتعلق بما حدث في الاجتماع اخبر شاهد عيان: «كانت القاعة مكتظة. وظهر الاخ رذرفورد على المنصة، فحدث تصفيق حار. وعندما ابتدأ يتكلم اندفع فجأة الى القاعة نحو ٥٠ كاهنا وعضوا في الحركة الكاثوليكية، مسلَّحين بعصيّ، وهم ينشدون لا مارسيّيز [النشيد الوطني الفرنسي]. ورموا نشرات من اعلى الدرج. وصعد احد الكهنة الى المنصة. فطرحه شابان الى الارض. وثلاث مرات ترك الاخ رذرفورد المنصة ثم عاد. وأخيرا ترك ولم يعد. . . . وقُلبت الطاولات التي تعرض مطبوعاتنا ورُميت كتبنا هنا وهناك. لقد كانت فوضى تامة!» لكنَّ تلك الحادثة لم تكن الوحيدة.
شعر جاك كور تكرارا بعنف رجال الدين الكاثوليك فيما كان يشهد في ايرلندا. ففي احدى المناسبات سحبه الرعاع من السرير في منتصف الليل، بتحريض من كاهن الابرشية، ثم احرقوا كل مطبوعاته في الساحة العامة. وفي راسكراي في اقليم تيپيراري وصل ڤيكتور ڠِرد وجيم كوربي الى منزلهما ليجدا ان المقاومين قد سرقوا مطبوعاتهم، نقعوها في البنزين، وأوقدوها. ووقفت حول المشعلة الشرطة المحلية، رجال الدين، وأولاد من المنطقة، يغنُّون «ايمان آبائنا.»
وقبل ان يجتمع شهود يهوه في ماديسون سكوير ڠاردن في نيويورك في السنة ١٩٣٩، هدَّد أتباع الكاهن الكاثوليكي تشارلز كاڠلِن بإيقاف المحفل. فجرى اشعار الشرطة. وفي ٢٥ حزيران تكلَّم الاخ رذرفورد الى ٠٠٠,١٨ او اكثر في قاعة الاستماع هذه، والى عدد كبير من المستمعين للراديو من جميع الامم، عن موضوع «الحكومة والسلام.» وبعد ان ابتدأت المحاضرة احتشد ٢٠٠ او اكثر من الروم الكاثوليك والنازيين في الشرفة يقودهم كهنة كاثوليك عديدون. وعند اشارة معيَّنة اطلقوا صرخة مروِّعة، هاتفين «هايل هتلر!» و «ڤيڤا فرانكو!» واستخدموا كل انواع الكلام القبيح والتهديدات وهاجموا العديد من الحجَّاب الذين شرعوا في تهدئة الشغب. لم ينجح المشاغبون في ايقاف الاجتماع. واستمر الاخ رذرفورد في التكلم بقوة وبدون خوف. وعند ذروة الاضطراب اعلن: «لاحظوا اليوم النازيين والكاثوليك الذين يريدون ايقاف هذا الاجتماع، ولكن بنعمة اللّٰه لا يستطيعون ذلك.» وأيَّد الحضور ذلك بجولة بعد اخرى من التصفيق الحاد. صار الشغب جزءا دائما من التسجيل الصوتي الذي صُنع في تلك المناسبة، وقد سمعه الناس في انحاء عديدة من العالم.
ولكن حيثما امكن، كما في ايام محكمة التفتيش، استخدم رجال الدين الروم الكاثوليك الدولة لقمع ايّ شخص يجرؤ على الاعتراض على تعاليم وممارسات الكنيسة.
معاملة وحشية في معسكرات الاعتقال
كان ادولف هتلر حليفا طوعيا لرجال الدين. وفي السنة ١٩٣٣، السنة نفسها التي وُقِّعت فيها اتفاقية بين الڤاتيكان والمانيا النازية، شنَّ هتلر حملة لابادة شهود يهوه في المانيا. وبحلول السنة ١٩٣٥ حُرموا من حماية القانون في الامة بكاملها. ولكن مَن حرَّض على ذلك؟
اذ كتب كاهن كاثوليكي في دِر دوتشه ڤايڠ (جريدة تصدر باللغة الالمانية في لودز، پولندا)، قال في عددها الصادر في ٢٩ ايار ١٩٣٨: «هنالك الآن بلد واحد على الارض حيث المدعوون . . . تلاميذ الكتاب المقدس [شهود يهوه] تحت الحظر. انه المانيا! . . . وعندما تولَّى ادولف هتلر السلطة، وكرَّرت الاسقفية الكاثوليكية الالمانية طلبها، قال هتلر: ‹ان المدعوين تلاميذ الكتاب المقدس الجدّيين [شهود يهوه] هؤلاء هم مثيرون للمتاعب؛ . . . انا اعتبرهم دجالين؛ ولا احتمل ان يلوِّث القاضي الاميركي رذرفورد هذا الكاثوليك الالمان بهذه الطريقة؛ انا احلّ [شهود يهوه] في المانيا.›» — الحروف المائلة لنا.
وهل كانت الاسقفية الكاثوليكة الالمانية وحدها التي ارادت اتخاذ اجراء كهذا؟ كما ورد في Oschatzer Gemeinnützige، عدد ٢١ نيسان ١٩٣٣، تكلم القس اللوثري أوتو في خطاب اذاعي في ٢٠ نيسان عن «التعاون الاوثق» من جهة الكنيسة اللوثرية الالمانية لولاية سكسونيا مع القادة السياسيين للامة، ثم اعلن: «ان اولى نتائج هذا التعاون يمكن ان يُخبَر بها في الحظر الذي فُرض اليوم على جمعية تلاميذ الكتاب المقدس الجدّيين من جميع الامم [شهود يهوه] وأقسامها الفرعية في سكسونيا.»
وبعد ذلك اطلقت الدولة النازية العنان لاحد اكثر الاضطهادات بربرية ضد المسيحيين في التاريخ المسجَّل. فأُلقي آلاف من شهود يهوه — من المانيا، النمسا، پولندا، تشيكوسلوڤاكيا، النَّذَرلند، فرنسا، وبلدان اخرى — في معسكرات الاعتقال. وهناك أُخضعوا لاكثر المعاملات قساوة وسادية التي يمكن تصورها. ولم يكن غير عادي ان يُشتموا ويُرفسوا، ثم ان يُجبَروا على القيام بحركات شاقة تشمل حني الجسم عند الركبتين، القفز، والزحف ساعات دون انقطاع، حتى يُغمَى عليهم او ينهاروا من التعب الشديد، فيما يضحك الحرّاس بابتهاج. وأُجبر البعض على الوقوف عراة او بثياب قليلة في الفِناء في منتصف الشتاء. وجُلد كثيرون حتى أُغمي عليهم وتغطَّت ظهورهم بالدم. واستُخدم آخرون كحقول تجارب في الاختبارات الطبية. وعُلِّق البعض من معاصمهم وأذرعهم مربوطة وراء ظهرهم. ورغم ضعفهم بسبب الجوع ولباسهم غير الكافي في الطقس القارس، كانوا يُجبَرون على القيام بأشغال شاقة، عاملين ساعات طويلة، مستعملين غالبا ايديهم فيما كانت تلزم الرفوش والادوات الاخرى. والرجال والنساء على السواء أُسيئت معاملتهم على هذا النحو. وكانت اعمارهم تتراوح بين سنوات المراهقة والسبعينات. وكان معذِّبوهم يصرخون متحدّين يهوه.
وفي محاولة لاضعاف معنويات الشهود، امر قائد المعسكر في زاكسنهاوزن باعدام اوڠست ديكمان، شاهد حدث، في حضور جميع السجناء، مع وجود شهود يهوه في المقدِّمة حيث يكون الوقع شديدا عليهم. وبعد ذلك صُرف باقي السجناء ولكن كان على شهود يهوه ان يبقوا. وبتشديد كبير سألهم القائد، ‹مَن هو مستعد الآن لتوقيع البيان؟› — بيان ينكر فيه المرء ايمانه ويعبِّر عن الرغبة في الصيرورة جنديا. فلم يُجب احد من الشهود الـ ٤٠٠ او اكثر. ثم تقدَّم اثنان! كلا، لا ليوقِّعا، بل ليطلبا الغاء توقيعيهما اللذين أُعطيا قبل سنة تقريبا.
وفي معسكر بوكنْوُلد مورس ضغط مماثل. فقد ابلغ الضابط النازي رودل الشهود: «اذا رفض احدكم ان يقاتل ضد فرنسا او انكلترا، فستموتون كلكم!» وكانت تنتظر عند بيت الحراسة فرقتان من وحدات الحماية الـ SS مدجَّجتان بالسلاح. فلم يستسلم ولا واحد من الشهود. وتبعت ذلك معاملة قاسية، لكنَّ تهديد الضابط لم يُنفَّذ. وصار معروفا جيدا ان الشهود، فيما يقومون في المعسكر بأيّ نوع تقريبا من العمل يعيَّن لهم وعلى الرغم من معاقبتهم بالتجويع المنظَّم والعمل الشاق، يرفضون بثبات ان يفعلوا شيئا يدعم الحرب او موجَّها ضد رفيق سجين.
يعجز الكلام عن وصف اختباراتهم المريعة. لقد مات مئات منهم. وبعد تحرير الناجين من المعسكرات في نهاية الحرب كتب شاهد من فلاندر: «الرغبة الثابتة في العيش، الرجاء والثقة بيهوه، الذي هو كلي القدرة، والمحبة للثيوقراطية، هي التي مكَّنتنا من احتمال كل هذا واحراز النصر. — رومية ٨:٣٧.»
لقد أُبعد الوالدون عن اولادهم بلا رحمة. وأُبعد رفقاء الزواج احدهم عن الآخر، والبعض لم يسمعوا ثانية قط احدهم عن الآخر. وبعد وقت قصير من زواجه قُبض على مارتن پويتسنڠر وأُخذ الى المعسكر السيئ السمعة في داخاو، ثم الى ماوتهاوزن. وسُجنت زوجته، ڠيرتْرُوت، في رَڤنْسْبروك. ولم يريا واحدهما الآخر طوال تسع سنوات. واذ تذكَّر اختباراته في ماوتهاوزن، كتب لاحقا: «جرَّب الڠستاپو كل طريقة لحملنا على كسر ايماننا بيهوه. فنظام التجويع، الصداقات الخدَّاعة، الاعمال الوحشية، الاجبار على الوقوف في زنزانة ضيقة جدا يوما بعد يوم، التعليق بعمود طوله عشر اقدام (٣ م) من المعصمين وهما ملويَّان وراء الظهر، الجَلد — كل هذه وغيرها من الامور التي ذكْرها مخز جدا، جُرِّبت.» لكنه بقي وليا ليهوه. وكان بين الناجين ايضا، وخدم لاحقا كعضو في الهيئة الحاكمة لشهود يهوه.
مسجونون بسبب ايمانهم
لم يكن شهود يهوه في معسكرات الاعتقال لأنهم مجرمون. فعندما كان الضباط يريدون ان يحلق لهم احد، كانوا يستأمنون شاهدا على موسى الحلاقة، لأنهم يعرفون انه ما من شاهد يستعمل في وقت من الاوقات اداة كهذه كسلاح لايذاء انسان آخر. وفي معسكر الابادة أَوشڤيتس عندما كان ضباط وحدات الحماية الـ SS يحتاجون الى شخص ينظِّف بيوتهم او يعتني بأولادهم، كانوا يختارون الشهود، لأنهم يعرفون ان هؤلاء لن يحاولوا تسميمهم او يحاولوا الهرب. وعند اخلاء معسكر زاكسنهاوزن في نهاية الحرب وضع الحرّاس عربة فيها غنيمتهم وسط فريق من الشهود. ولماذا؟ لأنهم عرفوا ان الشهود لن يسرقوا منها.
سُجن شهود يهوه بسبب ايمانهم. ووُعدوا تكرارا باطلاق سراحهم من المعسكرات اذا وقَّعوا فقط بيانا ينكرون فيه معتقداتهم. وفعلت وحدات الحماية الـ SS كل ما في وسعها لاغراء او اجبار الشهود على توقيع بيان كهذا. فهذا ما ارادوه قبل كل شيء.
برهن جميع الشهود باستثناء قليلين ان استقامتهم لا تنثلم. لقد تألموا بسبب ولائهم ليهوه وإخلاصهم لاسم المسيح. واحتملوا تعذيب الاستجواب الذي أُنزل بهم. وأكثر من ذلك حافظوا ايضا على رُبُط قوية من الوحدة الروحية.
لم تكن روحهم روح الاهتمام بنجاة انفسهم مهما كلَّف الامر. لقد اظهروا محبة التضحية بالذات واحدهم للآخر. فعندما كان يضعف واحد منهم، كان الآخرون يعطونه من حصتهم القليلة من الطعام. وعندما كانوا يُحرَمون من كل معالجة طبية، كانوا يعتنون بمحبة واحدهم بالآخر.
ورغم كل جهود مضطهديهم لمنع ذلك، كانت تصل مواد درس الكتاب المقدس الى الشهود — مخفية في رزم الهدايا من الخارج، مَرويَّة بلسان السجناء الذين يصلون حديثا، وحتى مخبَّأة في الرِّجل الخشبية لسجين جديد، او بوسائل اخرى وهم في تعيينات العمل خارج المعسكرات. وكانت النسخ تُمرَّر من واحد الى آخر؛ وفي بعض الاحيان كانت تُنسخ سرا على آلات في مكاتب ضباط المعسكرات نفسها. حتى ان بعض الاجتماعات المسيحية كانت تُعقد في المعسكرات، رغم ان ذلك كان ينطوي على خطر كبير.
استمر الشهود يكرزون بأن ملكوت اللّٰه هو الرجاء الوحيد للجنس البشري — وقد فعلوا ذلك هناك في معسكرات الاعتقال! ونتيجة للنشاط المنظَّم داخل بوكنْوُلد سمع آلاف السجناء البشارة. وفي معسكر نوينڠاما، قرب هامبورڠ، خُطط باعتناء لحملة شهادة مكثَّفة ونُفِّذت في وقت باكر من السنة ١٩٤٣. وجُهِّزت بطاقات شهادة بمختلف اللغات التي يجري التكلم بها في المعسكر. وبُذلت الجهود للوصول الى كل معتقل. وصُنعت الترتيبات من اجل درس شخصي قانوني في الكتاب المقدس مع المهتمين. وكان الشهود غيورين في كرازتهم حتى ان بعض السجناء السياسيين تذمروا: «حيثما تذهبون، كل ما تسمعونه هو حديث عن يهوه!» وعندما أتت اوامر من برلين بتفريق الشهود بين السجناء الآخرين لاضعافهم، مكَّنهم ذلك فعلا من الشهادة لاشخاص اكثر.
وفي ما يتعلق بالشاهدات الامينات الـ ٥٠٠ او اكثر في رَڤنْسْبروك، كتبت ابنة اخي الجنرال الفرنسي شارل ديڠول بعد ان أُطلق سراحها: «انا معجبة حقا بهنَّ. لقد انتمين الى قوميات متنوعة: الالمانية، الپولندية، الروسية والتشيكية، واحتملن آلاما عظيمة جدا من اجل معتقداتهن. . . . وجميعهن اظهرن شجاعة كبيرة جدا وموقفهن نال اخيرا احترام حتى وحدات الحماية الـ SS. وكان بامكانهن نيل الحرية فورا لو انكرن ايمانهن. لكنهن، على العكس، لم يتوقفن عن المقاومة، حتى انهن نجحن في ادخال الكتب والنشرات الى المعسكر.»
وكيسوع المسيح، برهنوا انهم غلبوا العالم الذي حاول ان يضعهم في قالبه الشيطاني. (يوحنا ١٦:٣٣) وتقول كريستين كينڠ عنهم في كتاب الحركات الدينية الجديدة: صورة لفهم المجتمع: «قدَّم شهود يهوه تحديا للمفهوم الكلِّياني للمجتمع الجديد، وهذا التحدي، وكذلك الاصرار على بقائه، ازعج على نحو يمكن اثباته مهندسي النظام الجديد. . . . ان الاساليب القديمة العهد للاضطهاد، التعذيب، السجن والسخرية لم تكن تؤدي الى تحويل ايّ من الشهود الى الموقف النازي وكانت في الواقع تعطي نتائج عكسية ضد مثيريها. . . . بين هذين المتنافسين اللذين يطالبان بالولاء كان القتال مرا، وخصوصا لأن النازيين الاقوى جسديا كانوا بطرائق عديدة اقل يقينا، اقل رسوخا في اقتناعهم، اقل تأكدا من بقاء رايخهم للـ ٠٠٠,١ سنة. والشهود لم يشكّوا في رسوخهم، لان ايمانهم كان واضحا منذ زمن هابيل. وبينما كان على النازيين ان يخمدوا المقاومة ويقنعوا مؤيديهم، مقتبسين غالبا اللغة والتخيلات من المسيحية الطائفية، كان الشهود على يقين من ولاء اعضائهم الكامل الذي لا ينثني حتى الموت.» — نُشر في السنة ١٩٨٢.
عند نهاية الحرب خرج اكثر من الف شاهد ناجٍ من المعسكرات وإيمانهم سليم ومحبتهم بعضهم لبعض قوية. واذ اقتربت الجيوش الروسية، اخلى الحرّاس بسرعة زاكسنهاوزن. وجمعوا السجناء بحسب القومية. لكنَّ شهود يهوه بقوا معا كفريق واحد — ٢٣٠ منهم من هذا المعسكر. واذ اقترب الروس خلفهم، اضطرب الحرّاس. لم يكن هنالك طعام، والسجناء كانوا ضعفاء؛ ومع ذلك، كل مَن يتلكأ او ينهار بسبب الانهاك كان يُقتل. فانتشرت جثث الآلاف منهم على طول خط سيرهم. لكنَّ الشهود ساعدوا واحدهم الآخر بحيث لم يقع حتى الاضعف فيهم على الطريق! مع ان بعضهم كانت تتراوح اعمارهم بين ٦٥ و ٧٢ سنة. وحاول سجناء آخرون ان يسرقوا الطعام في الطريق، فرُمي كثيرون بالرصاص وهم يفعلون ذلك. وعلى سبيل التباين، انتهز شهود يهوه الفرص وهم في طريق الاجلاء لاخبار الناس عن مقاصد يهوه الحبية، وبعض هؤلاء، بدافع الشكر على الرسالة المعزية، زوَّدوهم وإخوتهم المسيحيين بالطعام.
رجال الدين يستمرون في المقاومة
بعد الحرب العالمية الثانية استمر رجال الدين في الجزء الشرقي من تشيكوسلوڤاكيا في التحريض على اضطهاد شهود يهوه. وفي اثناء السيطرة النازية كانوا قد اتهموا الشهود بأنهم شيوعيون؛ والآن ادَّعوا بأن الشهود ضد الحكومة الشيوعية. وأحيانا، عندما كان شهود يهوه يزورون بيوت الناس، كان الكهنة يحثّون المعلِّمين على اخراج مئات الاولاد من المدرسة ليرموا الشهود بالحجارة.
وبشكل مماثل، ثار الكهنة الكاثوليك في سانتا آنّا، السلڤادور، ضد الشهود في السنة ١٩٤٧. فبينما كان الاخوة يعقدون درسهم الاسبوعي في برج المراقبة رمى الصبيان حجارة عبر بوابة المبنى. ثم اتى الموكب ويقوده كهنة. كان البعض يحملون مشاعل؛ وكان آخرون يحملون صورا. وكانوا يصرخون: «لتحيَ العذراء!» «ليمت يهوه!» ولنحو ساعتين رشقوا المبنى بالحجارة.
وفي منتصف اربعينات الـ ١٩٠٠ أُسيئت ايضا معاملة شهود يهوه بشكل رهيب في كْويبك، كندا، على ايدي الرعاع الكاثوليك والرسميين على السواء. وكانت الوفود من قصر الاسقف تتوافد يوميا الى قسم الشرطة مطالبة الشرطة بالتخلص من الشهود. وتكرارا، قبل الاعتقال، شوهد رجال الشرطة يخرجون من الباب الخلفي للكنيسة. وفي السنة ١٩٤٩ طرد رعاع كاثوليك مرسلي شهود يهوه من جولييت، كْويبك.
ولكن لم يكن جميع الناس في كْويبك موافقين على ما يجري. واليوم هنالك قاعة ملكوت رائعة لشهود يهوه في احد الشوارع الرئيسية في جولييت. والمعهد اللاهوتي السابق هناك أُقفل، اشترته الحكومة، وحوَّلته الى كلية محلية. وفي مونتريال عقد شهود يهوه محافل اممية كبيرة، بحضور بلغ حتى ٠٠٨,٨٠ في السنة ١٩٧٨.
إلا ان الكنيسة الكاثوليكية استخدمت كل وسيلة ممكنة لتبقى مسيطرة على الناس بقبضة من حديد. وبالضغط على الرسميين الحكوميين، تأكَّدوا ان المرسلين الشهود أُمروا بمغادرة ايطاليا في السنة ١٩٤٩ وأن التصاريح التي حصل عليها الشهود من اجل المحافل هناك أُلغيت، حيثما امكن، خلال خمسينات الـ ١٩٠٠. وعلى الرغم من ذلك، استمرت اعداد شهود يهوه في الازدياد، وبحلول السنة ١٩٩٢ كان هنالك اكثر من ٠٠٠,١٩٠ مبشر شاهد في ايطاليا.
وكما في زمن محكمة التفتيش، كان رجال الدين في اسپانيا يتهمون ثم يتركون العمل القبيح لتقوم به الدولة. مثلا، في برشلونة، حيث شنَّ رئيس الاساقفة حملة عنيفة على الشهود في السنة ١٩٥٤، استخدم رجال الدين منابر وعظهم وكذلك المدارس والراديو ليقولوا للناس انه عندما يأتي الشهود لزيارتهم يجب ان يدعوهم الى الداخل — ثم يتصلوا بالشرطة فورا.
خاف الكهنة ان يتعلَّم الشعب الاسپاني ما في الكتاب المقدس وربما ان يظهروا ايضا للآخرين ما رأوه. فعندما سُجن مانويل مولا خيماينس في ڠرانادا في السنة ١٩٦٠ بسبب «جريمة» تعليم الآخرين عن الكتاب المقدس، ازال كاهن السجن (كاثوليكي) الكتاب المقدس الوحيد في مكتبة السجن. وعندما قدَّم سجين آخر لمانويل نسخة من الاناجيل، انتُزعت منه. غير ان الكتاب المقدس صار الآن في متناول العامة في اسپانيا، ولديهم الفرصة ليتحققوا هم بأنفسهم ما يقوله، وبحلول السنة ١٩٩٢ كان هنالك اكثر من ٠٠٠,٩٠ ممَّن تبنَّوا عبادة يهوه كشهود له.
وفي جمهورية الدومينيكان تعاون رجال الدين مع الدكتاتور تروخييو، مستخدمينه لتحقيق اهدافهم تماما كما كان يستخدمهم لمقاصده الخاصة. وفي السنة ١٩٥٠، بعد ان ندَّدت مقالات الصحف التي كتبها الكهنة بشهود يهوه، استدعى وزير الداخلية والشرطة ناظر فرع جمعية برج المراقبة. واذ كان ينتظر خارج المكتب، رأى ناظر الفرع كاهنين يسوعيين يدخلان ثم يغادران. وبعد ذلك مباشرة دُعي الى مكتب الوزير، وقرأ الوزير بعصبية قرارا يحظر نشاط شهود يهوه. وبعد رفع الحظر لوقت قصير في السنة ١٩٥٦، استخدم رجال الدين الراديو والصحافة على السواء لتشويه سمعة الشهود من جديد. فقُبض على جماعات بكاملها وأُمروا بأن يوقِّعوا بيانا ينكرون فيه ايمانهم ويعدون بالرجوع الى الكنيسة الكاثوليكية الرومانية. وعندما رفض الشهود، ضُربوا، رُفسوا، جُلدوا، وهُشِّمت وجوههم بأعقاب البنادق. لكنهم بقوا ثابتين، وازدادت اعدادهم.
وفي سوكريه، بوليڤيا، حدث عنف اكثر. ففي وقت محفل لشهود يهوه في السنة ١٩٥٥ احاطت عصابة من الصبية من مدرسة القلب الاقدس الكاثوليكية بمكان المحفل وأخذوا يصرخون ويرمون الحجارة. ومن مبنى الكنيسة عبر الشارع حثَّ مكبر قوي للصوت جميع الكاثوليك على الدفاع عن الكنيسة و «العذراء» ضد «الهراطقة الپروتستانت.» وحاول الاسقف والكهنة شخصيا ايقاف الاجتماع لكنَّ الشرطة امرتهم بالخروج من القاعة.
وقبل سنة، عندما كان شهود يهوه يعقدون محفلا في ريوبامبا، إكوادور، ابرز برنامجهم خطابا عاما بعنوان «المحبة، عملية في عالم اناني؟» لكنَّ كاهنا يسوعيا اثار العامة الكاثوليك، محرِّضا اياهم على منع هذا الاجتماع. وهكذا، اذ بدأ الخطاب، سُمع الرعاع يصرخون «لتحيَ الكنيسة الكاثوليكية!» و «ليسقط الپروتستانت!» ومن الجدير بالمدح ان الشرطة ردعتهم بسيوف مسلولة. لكنَّ الرعاع رشقوا مكان الاجتماع بالحجارة وفي ما بعد المبنى الذي يسكنه المرسلون.
كان رجال الدين الروم الكاثوليك في مقدمة الاضطهاد، ولكنهم لم يكونوا الوحيدين. فرجال الدين الروم الارثوذكس كانوا عنفاء مثلهم واستعملوا التكتيك نفسه في منطقة نفوذهم المحدودة اكثر. وبالاضافة الى ذلك، اعرب كثيرون من رجال الدين الپروتستانت عن روح مماثلة حيثما شعروا بأنه يمكنهم ذلك. مثلا، قادوا في إندونيسيا الرعاع الذين اوقفوا دروس الكتاب المقدس في البيوت الخاصة والذين ضربوا بوحشية شهود يهوه الحاضرين. وفي بعض البلدان الافريقية حاولوا التأثير في الرسميين ليطردوا شهود يهوه من البلد او ليحرموهم حرية التكلم بكلمة اللّٰه مع الآخرين. ورغم انهم قد يختلفون في امور اخرى، يتفق رجال الدين الكاثوليك والپروتستانت ككل في مقاومتهم شهود يهوه. حتى انهم احيانا يعملون معا في محاولة للتأثير في الرسميين الحكوميين لايقاف نشاط الشهود. وحيث تسيطر الاديان غير المسيحية، غالبا ما يستخدمون هم ايضا الحكومة لحماية شعبهم من ايّ تعرُّض للتعاليم التي يمكن ان تجعلهم يشكّون في دين مولدهم.
وأحيانا كانت هذه الفرق غير المسيحية تعمل مع المدَّعين المسيحية في التخطيط للمحافظة على الوضع الديني الراهن. ففي دِكين، في داهومي (الآن بينين)، تآمر كاهن الجوجو وكاهن كاثوليكي معا لجعل الرسميين يحظرون نشاط شهود يهوه في وقت باكر من خمسينات الـ ١٩٠٠. وبدافع اليأس لفَّقا تهما معدَّة لاثارة كل انواع المشاعر العدائية. فاتهما الشهود بأنهم يحرِّضون الناس على الثورة ضد الحكومة، بأنهم لا يدفعون الضرائب، بأنهم سبب عدم نجاح تعاويذ الجوجو في استنزال المطر، وبأنهم مسؤولون عن عدم فعَّالية صلوات الكاهن. لقد خاف جميع القادة الدينيين هؤلاء ان يتعلَّم شعبهم امورا تحرِّرهم من المعتقدات الخرافية ومن حياة الطاعة العمياء.
ولكن تدريجيا ضعف تأثير رجال الدين في اماكن عديدة. ولا يجد رجال الدين الآن ان الشرطة تدعمهم دائما عندما يضايقون الشهود. فعندما حاول كاهن للروم الارثوذكس ان يوقف محفلا لشهود يهوه بواسطة عنف الرعاع في لاريسا، اليونان، في السنة ١٩٨٦، تدخَّل المدَّعي العام في المنطقة القضائية مع فرقة كبيرة من الشرطة لمصلحة الشهود. وأحيانا كانت الصحافة صريحة تماما في شجبها اعمال التعصب الديني.
ومع ذلك، في انحاء كثيرة من العالم، ادَّت قضايا اخرى الى موجات من الاضطهاد. واحدى هذه القضايا شملت موقف شهود يهوه من الرموز القومية.
لأنهم يعبدون يهوه فقط
في الازمنة العصرية كان ان شهود يهوه في المانيا النازية اولا واجهوا على نحو بارز قضايا تتعلق بالاحتفالات القومية. فقد حاول هتلر ان يُخضع الامة الالمانية لنظام موحَّد بجعل التحية النازية «هايل هتلر!» الزامية. وكما ذكر الصحافي السويدي والمذيع في الـ BBC بْيِرن هالستروم، عندما كان شهود يهوه يُعتقلون في المانيا في اثناء العهد النازي، كانت التهم ضدهم تشمل عادةً «رفض تحية العلم وتقديم التحية النازية.» وسرعان ما ابتدأت الدول الاخرى تطلب من كل شخص ان يحيي علمها. فرفض شهود يهوه — لا بدافع عدم الولاء بل لاسباب تتعلق بالضمير المسيحي. فهم يحترمون العلم ولكنهم يعتبرون تحية العلم عمل عبادة.f
وبعد سجن نحو ٢٠٠,١ شاهد في المانيا في وقت باكر من العهد النازي بسبب رفض تقديم التحية النازية ومخالفة حيادهم المسيحي، أُسيئت معاملة الآلاف جسديا في الولايات المتحدة لأنهم امتنعوا عن تحية العلم الاميركي. وخلال اسبوع ٤ تشرين الثاني ١٩٣٥ أُخذ عدد من اولاد المدرسة في كانُنْزبورڠ، پنسلڤانيا، الى غرفة جهاز التدفئة المركزية في المدرسة، وجُلدوا لأنهم رفضوا التحية. وصُرفت المعلِّمة ڠريس إستِپ من عملها في تلك المدرسة للسبب نفسه. وفي ٦ تشرين الثاني رفض وليم وليليان ڠوبايتس تحية العلم وطُردا من المدرسة في ماينرزڤِل، پنسلڤانيا. فأقام والدهما دعوى لمنح ولديه حق دخول المدرسة ثانية. فحكمت المحكمة الاتحادية المحلية ومحكمة الاستئناف الدورية كلتاهما في القضية لمصلحة شهود يهوه. ولكن، في السنة ١٩٤٠، اذ كانت الامة على شفير الحرب، ايَّدت المحكمة العليا في الولايات المتحدة، في قضية المجلس التعليمي لمقاطعة ماينرزڤِل ضد ڠوبايتس، بقرار ٨ مقابل ١، تحية العلم الالزامية في المدارس الحكومية. فأدَّى ذلك الى اندلاع العنف ضد شهود يهوه في كل انحاء البلد.
كان هنالك الكثير من الهجومات العنيفة على شهود يهوه حتى ان السيدة إلينور روزڤلت (زوجة الرئيس ف. د. روزڤلت) ناشدت الشعب ان يكفَّ عن ذلك. وفي ١٦ حزيران ١٩٤٠، في برنامج اذاعي على الراديو غطَّى كل انحاء البلد، اشار الوكيل العام الاميركي، فرنسيس بيدل، بالتحديد الى الاعمال الوحشية التي ارتُكبت ضد الشهود وقال بأن هذه لن يُسمح بها. ولكنَّ ذلك لم يمنعها.
وفي كل ظرف يمكن تصوره — في الشوارع، في اماكن الاستخدام، عندما يزور الشهود البيوت في اثناء خدمتهم — كانت الاعلام تُمدُّ قدامهم، ويُطلب منهم ان يؤدّوا التحية لها — وإلا! وفي نهاية السنة ١٩٤٠، اخبر الكتاب السنوي لشهود يهوه: «كانت هيئة الكهنوت والرابطة الاميركية للمحاربين القدامى عنيفتين في إحداث اضرار لا يمكن وصفها بواسطة مثل هؤلاء الرعاع الذين اخذوا على عاتقهم تنفيذ القانون بأيديهم. فقد جرى الاعتداء على شهود يهوه، ضربهم، خطفهم، طردهم من البلدات، الاقاليم والولايات، طليهم بالقار وتغطيتهم بالريش، اجبارهم على شرب زيت الخروع، ربطهم معا ومطاردتهم كحيوانات عجماء في الشوارع، خصيهم وتشويههم، تعييرهم وإهانتهم من قِبل جموع واقعة تحت نفوذ الابالسة، سجنهم بالمئات بدون تهمة ووضعهم في سجون انفرادية وحرمانهم حق التكلم مع الاقرباء، الاصدقاء او المحامين. وسُجن مئات كثيرون آخرون وجعلوا في ما يُسمَّى ‹الاعتقال الوقائي›؛ أُطلقت النار على البعض ليلا؛ هُدِّد البعض بالشنق وضُربوا حتى فقدوا الوعي. وحدثت انواع عديدة من عنف الرعاع. فجُرِّد كثيرون من ثيابهم عنوة، صودرت كتبهم المقدسة ومطبوعاتهم الاخرى وأُحرقت علانية؛ حُطِّمت وأُحرقت سياراتهم، مقطوراتهم، بيوتهم وأماكن اجتماعاتهم . . . وفي حالات عديدة حيث كانت المحاكمات تجري في مجتمعات يسودها الرعاع، هوجم وضرب المحامون وكذلك الشهود وهم في المحكمة. وفي كل قضية تقريبا حيث حصل عنف الرعاع، لم يفعل الرسميون الحكوميون شيئا ورفضوا تقديم الحماية، وفي عشرات الحالات اشترك اعضاء من الشرطة مع الرعاع وأحيانا قادوا الرعاع فعلا.» ومن السنة ١٩٤٠ الى السنة ١٩٤٤ هاجم اكثر من ٥٠٠,٢ مجموعة من الرعاع العنفاء شهود يهوه في الولايات المتحدة.
وبسبب طرد اولاد شهود يهوه جملة من المدرسة كان ضروريا، لفترة من الوقت في اواخر ثلاثينات وأوائل اربعينات الـ ١٩٠٠، ان يديروا مدارسهم الخاصة في الولايات المتحدة وكندا بغية تثقيف اولادهم. وهذه سُمِّيت مدارس الملكوت.
واضطهدت بلدان اخرى ايضا الشهود بقساوة لأنهم امتنعوا عن تحية او تقبيل الرموز القومية. ففي السنة ١٩٥٩ مُنع اولاد شهود يهوه في كوستاريكا الذين لم ينهمكوا في ما يصفه القانون بـ ‹عبادة الرموز القومية› من الذهاب الى المدارس. وعومل بشكل مماثل الاولاد الشهود في پاراڠواي في السنة ١٩٨٤. وحكمت المحكمة العليا في الفيليپين في السنة ١٩٥٩ بأنه، رغم الاعتراضات الدينية، يمكن اجبار اولاد شهود يهوه على تحية العلم. ومع ذلك، في اغلب القضايا، تعاونت السلطات المدرسية هناك مع الشهود بحيث تمكَّن اولادهم من حضور المدرسة دون مخالفة ضمائرهم. وفي السنة ١٩٦٣ اتَّهم الرسميون في لَيبيريا، افريقيا الغربية، الشهود بعدم الولاء للدولة؛ فأوقفوا عنوة محفلا للشهود في بانڠا وطلبوا من كل شخص حاضر — اللَيبيريين والاجانب على السواء — ان يتعهَّد بالولاء للعلم الوطني. وفي السنة ١٩٧٦ ذكر تقرير بعنوان «شهود يهوه في كوبا» انه خلال السنتين الماضيتين أُرسل الف من الوالدين، الرجال والنساء على السواء، الى السجن لأن اولادهم لا يحيّون العلم.
لم يوافق الجميع على مثل هذه الاجراءات القمعية ضد اناس، لاسباب تتعلق بالضمير، يمتنعون باحترام عن الاشتراك في الاحتفالات الوطنية. وفي السنة ١٩٤١ ذكرت المنبر المفتوح، التي يصدرها فرع اتحاد الحريات المدنية الاميركي في كاليفورنيا الجنوبية: «انه الوقت لنعود الى رشدنا بشأن مسألة تحية العلم هذه. فشهود يهوه ليسوا اميركيين عديمي الولاء. . . . وليست عادتهم كسر القانون عموما، لكنهم يحيون حياة مرتَّبة ولائقة، قائمين بدورهم في المصلحة العامة.» وفي السنة ١٩٧٦ ذكر محرِّر عمود في الارجنتين، في صحيفة بونس إيريس هيرالد، بصراحة ان «معتقدات [الشهود] لا تسيء إلا الى الذين يعتقدون ان الوطنية هي قبل كل شيء مسألة تلويح بالعلم وإنشاد اناشيد، لا مسألة قلب.» وأضاف: «وجد هتلر وستالين ان [الشهود] لا يمكن قبولهم، فعاملاهم بفظاعة. وكثيرون من الدكتاتوريين الآخرين اذ كانوا يرغبون في نيل الخضوع حاولوا ان يقمعوهم. وفشلوا.»
من المعروف جيدا ان بعض الفرق الدينية ايَّدت العنف المسلَّح ضد الحكومات التي لا يوافقون عليها. لكنَّ شهود يهوه لم يشتركوا قط في اية فتنة سياسية في ايّ مكان على الارض. وليس بسبب عدم الولاء — بسبب دعم حكومة بشرية اخرى — يرفضون تحية الرمز الوطني. فهم يتخذون الموقف نفسه في كل بلد يوجدون فيه. وموقفهم ليس موقف عدم احترام. فهم لا يصفرون او يصرخون لخلق التشويش في الاحتفالات الوطنية؛ لا يبصقون على العلم، يدوسونه او يحرقونه. وهم ليسوا ضد الحكومة. وموقفهم مؤسس على ما قاله يسوع المسيح نفسه، كما هو مسجَّل في متى ٤:١٠: «للرب الهك تسجد واياه وحده تعبد.»
ان الموقف الذي يتخذه شهود يهوه هو كالموقف الذي اتخذه المسيحيون الاولون في ايام الامبراطورية الرومانية. وفي ما يتعلق بأولئك المسيحيين الاولين يذكر كتاب مبادئ تاريخ الكتاب المقدس: «عمل عبادة الامبراطور كان يتضمَّن رشّ ذرات قليلة من البخور او قطرات قليلة من الخمر على مذبح قائم امام تمثال للامبراطور. وربما في بعدنا الطويل عن الوضع لا نرى في العمل شيئا يختلف عن . . . رفع اليد في التحية للعلم او لحاكم دولة مشهور، تعبير مجاملة، احترام، ووطنية. وربما شعر عدد كبير من الناس في القرن الاول بهذه الطريقة تجاه ذلك ولكن ليس المسيحيون. فقد اعتبروا القضية كلها قضية عبادة دينية، الاعتراف بالامبراطور كإله وبالتالي الصيرورة عديمي الولاء للّٰه وللمسيح، ورفضوا فعل ذلك.» — إلمر و. ك. مُولد، ١٩٥١، ص ٥٦٣.
مبغَضون لأنهم «ليسوا جزءا من العالم»
لأن يسوع قال ان تلاميذه «ليسوا جزءا من العالم،» لا يشترك شهود يهوه في شؤونه السياسية. (يوحنا ١٧:١٦، عج؛ يوحنا ٦:١٥) وفي هذا ايضا يشبهون المسيحيين الاولين الذين يقول عنهم المؤرخون:
«لم تكن المسيحية الاولى مفهومة ولم يكن يُنظر اليها برضى من اولئك الذين يسودون العالم الوثني. . . . فقد رفض المسيحيون الاشتراك في بعض واجبات المواطنين الرومانيين. . . . وكانوا لا يشغلون الوظائف السياسية.» (في الطريق الى المدنية — تاريخ العالم، ا. ك. هكل و ج. جي. سيڠمن، ١٩٣٧، ص ٢٣٧، ٢٣٨) «كانوا يرفضون القيام بأيّ دور فعَّال في الادارة المدنية للحكم او الدفاع العسكري عن الامبراطورية. . . . وكان يستحيل على المسيحيين ان يصيروا جنودا او قضاة او ولاة دون ان ينكروا واجبا اقدس.» — تاريخ المسيحية، ادوارد ڠيبون، ١٨٩١، ص ١٦٢، ١٦٣.
لا ينظر العالم الى هذا الموقف برضى، وخصوصا في البلدان حيث يتطلَّب الحكام من الجميع ان يشتركوا في نشاطات معيَّنة كدليل على تأييد النظام السياسي. والنتيجة هي كما ذكر يسوع: «لو كنتم (جزءا) من العالم لكان العالم يحب خاصته. ولكن لأنكم لستم (جزءا) من العالم بل انا اخترتكم من العالم لذلك يبغضكم العالم.» — يوحنا ١٥:١٩.
في بعض البلدان يُعتبر التصويت في الانتخابات السياسية التزاما. والتخلُّف عن التصويت يعاقَب عليه بالغرامة، السجن، او بما هو اسوأ. لكنَّ شهود يهوه يؤيدون ملكوت اللّٰه المسيَّاني الذي هو، كما قال يسوع، ‹ليس جزءا من هذا العالم.› لذلك لا يشتركون في الشؤون السياسية لأمم هذا العالم. (يوحنا ١٨:٣٦) والقرار هو قرار شخصي؛ فهم لا يفرضون آراءهم على الآخرين. وحيث لا يوجد تسامح ديني، جعل الرسميون الحكوميون عدم اشتراك الشهود عذرا للاضطهاد الشديد. مثلا، في اثناء العهد النازي جرى ذلك في البلدان التي هي تحت سيطرتهم. وجرى ذلك ايضا في كوبا. غير ان الرسميين في بلدان عديدة كانوا اكثر تسامحا.
ولكن في بعض الاماكن كان اصحاب السلطة يطلبون من الجميع ان يعبِّروا عن التأييد للحزب السياسي المسيطر بالهتاف بشعارات معيَّنة. ولأنهم لم يفعلوا ذلك بسبب الضمير، ضُرب آلاف من شهود يهوه في الانحاء الشرقية من افريقيا، حُرموا معيشتهم، وطُردوا من بيوتهم خلال سبعينات وثمانينات الـ ١٩٠٠. إلا ان شهود يهوه في كل البلدان، رغم انهم مجتهدون ومطيعون للقانون، هم مسيحيون حياديون في ما يتعلق بالقضايا السياسية.
في ملاوي هنالك حزب سياسي واحد فقط، وامتلاك بطاقة الحزب يدل على العضوية. ورغم ان الشهود مثاليون في دفع ضرائبهم، رفضوا شراء بطاقات الحزب السياسي انسجاما مع معتقداتهم الدينية. ففعلهم ذلك هو انكار لايمانهم بملكوت اللّٰه. وبسبب ذلك، في اواخر السنة ١٩٦٧، بتشجيع من الرسميين الحكوميين، شنَّت عصابات من الاحداث في كل مكان من ملاوي هجوما شاملا على شهود يهوه لم يسبق له مثيل في قذارته ووحشيته السادية. فاغتُصبت اكثر من الف امرأة مسيحية تقيَّة. وبعضهن عُرِّين امام جمع كبير من الرعاع، ضُربن بالعصي وقبضات اليد، ثم اعتُدي عليهن جنسيا من شخص بعد آخر. ودُقَّت المسامير في اقدام الرجال وقضبان دواليب الدراجات في سيقانهم، ثم أُمروا بأن يركضوا. وفي كل انحاء البلد أُتلفت بيوتهم، اثاثهم، ثيابهم، ومؤن طعامهم.
ومرة ثانية، في السنة ١٩٧٢، تجددت هذه الاعمال الوحشية عقب الاجتماع السنوي لحزب الكونڠرس في ملاوي. وفي هذا الاجتماع تقرَّر رسميا حرمان شهود يهوه كل استخدام دنيوي وطردهم من بيوتهم. وحتى مناشدات المستخدِمين لاستبقاء هؤلاء العمَّال الموثوق بهم لم تنفع. والبيوت، المحاصيل، والحيوانات الداجنة صودرت او دُمِّرت. ومُنع الشهود من سحب الماء من بئر القرية. وأعداد كبيرة ضُربت، اغتُصبت، شُوِّهت، او قُتلت. وفي اثناء كل هذا الوقت كان يُهزأ بهم ويُسخر منهم بسبب ايمانهم. وأكثر من ٠٠٠,٣٤ هربوا من البلد اخيرا لئلا يُقتلوا.
ولكنَّ ذلك لم يكن قد انتهى. فمن بلد واحد اولا ثم من آخر أُجبروا على الرجوع عبر الحدود الى ايدي مضطهديهم، وانما ليختبروا مزيدا من الوحشية. ولكن، رغم ذلك كله، لم يسايروا، ولم يتخلَّوا عن ايمانهم بيهوه اللّٰه. وبرهنوا انهم كأولئك الخدام الامناء للّٰه الذين يقول عنهم الكتاب المقدس: «آخرون تجرَّبوا في هزء وجَلد ثم في قيود ايضا وحبس. رُجموا نُشروا جُرِّبوا ماتوا قتلا بالسيف طافوا في جلود غنم وجلود معزى معتازين مكروبين مُذلِّين. وهم لم يكن العالم مستحقا لهم.» — عبرانيين ١١:٣٦-٣٨.
مضطهَدون في جميع الامم
وهل خالفت امم قليلة نسبيا فقط في العالم ادِّعاءاتها الحرية بمثل هذا الاضطهاد الديني؟ كلا على الاطلاق! فقد حذَّر يسوع المسيح أتباعه: «تكونون مبغَضين من جميع الامم لاجل اسمي.» — متى ٢٤:٩.
خلال الايام الاخيرة من نظام الاشياء هذا، منذ السنة ١٩١٤، اشتد هذا البغض بشكل خصوصي. فبدأت كندا والولايات المتحدة بالهجوم بفرض حظر على مطبوعات الكتاب المقدس خلال الحرب العالمية الاولى، وسرعان ما انضمت اليهما الهند ونياسالَنْد (تدعى الآن ملاوي). وخلال عشرينات الـ ١٩٠٠ فُرضت قيود اعتباطية على تلاميذ الكتاب المقدس في اسپانيا، ايطاليا، رومانيا، هنڠاريا، واليونان. وفي بعض هذه الاماكن كان توزيع مطبوعات الكتاب المقدس محظورا؛ وحتى الاجتماعات الخاصة كانت احيانا ممنوعة. وانضم مزيد من البلدان الى الهجوم خلال ثلاثينات الـ ١٩٠٠، عندما فُرضت قوانين الحظر (بعضها على شهود يهوه، والأخرى على مطبوعاتهم) في استونيا، البانيا، بلغاريا، پولندا، بعض الكانتونات في سويسرا، لاتڤيا، ليثوانيا، النمسا، ما كان آنذاك يوڠوسلاڤيا، ساحل الذهب (الآن غانا)، المقاطعات الفرنسية في افريقيا، ترينيداد، وفيجي.
وخلال الحرب العالمية الثانية كان هنالك حظر على شهود يهوه، خدمتهم العلنية، ومطبوعاتهم للكتاب المقدس في انحاء كثيرة من العالم. وصحَّ ذلك ليس فقط في المانيا، ايطاليا، واليابان — التي كانت جميعها تحت حكم دكتاتوري — بل ايضا في البلدان العديدة التي صارت بشكل مباشر او غير مباشر تحت سيطرتها قبل او خلال هذه الحرب. وبين هذه البلدان كانت البانيا، بلجيكا، تشيكوسلوڤاكيا، جزر الهند الشرقية الهولندية (الآن إندونيسيا)، كوريا، النَّذَرلند، النَّروج، والنمسا. وخلال سنوات الحرب هذه اصدرت كلٌّ من الارجنتين، البرازيل، فرنسا، فنلندا، وهنڠاريا قرارات رسمية ضد شهود يهوه او نشاطهم.
لم تحظر بريطانيا مباشرة نشاط شهود يهوه خلال الحرب، لكنها ابعدت ناظر فرع جمعية برج المراقبة الاميركي المولد وحاولت ان تخنق نشاط الشهود بواسطة حظر زمن الحرب على شحنات مطبوعاتهم للكتاب المقدس. وفي كل الامبراطورية البريطانية والكومُنْولث البريطاني فُرض حظر تام على شهود يهوه او على مطبوعاتهم. وأوستراليا، باسوتولَنْد (الآن ليسوتو)، بتشْوانالَنْد (الآن بوتْسْوانا)، بورما (الآن ميانمار)، جامايكا، جزر بَهاما، جزر لِيوَرْد (جزر الهند الغربية البريطانية)، جنوب افريقيا، دومينيكا، روديسيا الجنوبية (الآن زمبابوي)، روديسيا الشمالية (الآن زامبيا)، ساحل الذهب (الآن غانا)، سنڠافورة، سْوازيلند، سيلان (الآن سْري لانكا)، ڠِييانا البريطانية (الآن ڠَيانا)، فيجي، قبرص، كندا، نياسالَنْد (الآن ملاوي)، نَيجيريا، نيوزيلندا، والهند كلها اتخذت مثل هذا الاجراء تعبيرا عن العداء نحو خدام يهوه.
وبعد انتهاء الحرب فترت حدة الاضطهاد من بعض المجموعات من الناس ولكن ازدادت من اخرى. وخلال السنوات الـ ٤٥ التالية، بالاضافة الى واقع رفض الاعتراف بشهود يهوه شرعيا في بلدان كثيرة، كان الحظر التام مفروضا عليهم او على نشاطاتهم في ٩ بلدان في آسيا، ٢٣ في افريقيا، ٣ في اميركا اللاتينية، ٨ في اوروپا، و ٤ في بعض دول الجزر. وفي السنة ١٩٩٢ كان شهود يهوه لا يزالون تحت القيود في ٢٤ بلدا.
لا يعني ذلك ان جميع الرسميين الحكوميين يقاومون شخصيا عمل شهود يهوه. فالعديد من الرسميين يؤيدون الحرية الدينية ويدركون ان الشهود هم مقتنى ثمين للمجتمع. ورجال كهؤلاء لا يوافقون اولئك الذين يحرِّضون على اجراء رسمي ضد الشهود. مثلا، قبل ان تصير ساحل العاج دولة مستقلة، عندما حاول كاهن كاثوليكي وقسيس ميثودي ان يؤثرا في رسمي لكي يطرد شهود يهوه من البلد، وجدا انهما يتحدثان الى رسميين غير مستعدين ليصيروا رهائن لرجال الدين. وعندما حاول رسمي تغيير قانون ناميبيا، في السنة ١٩٩٠، بغية التحامل على اللاجئين الذين كانوا معروفين بأنهم من شهود يهوه، لم يسمح المجلس التأسيسي بذلك. وفي بلدان عديدة، حيث كان شهود يهوه ذات مرة تحت الحظر، يتمتعون الآن بالاعتراف الشرعي.
ولكن، بطرائق متنوعة، في كل ناحية من الارض، شهود يهوه هم مضطهَدون. (٢ تيموثاوس ٣:١٢) وفي بعض الاماكن قد يأتي هذا الاضطهاد بصورة رئيسية من اصحاب البيوت المسيئين، الاقرباء المقاومين، او زملاء العمل او رفقاء الصف الذين يعربون عن عدم الخوف من اللّٰه. ولكن، بصرف النظر عمَّن هم المضطهِدون او كيف يحاولون تبرير ما يفعلونه، يدرك شهود يهوه ما هو حقا وراء اضطهاد المسيحيين الحقيقيين.
القضية
اوضحت مطبوعات برج المراقبة لزمن طويل ان اول اسفار الكتاب المقدس انبأ بلغة رمزية بعداوة او بغض الشيطان ابليس والذين تحت سيطرته لهيئة يهوه السماوية وممثليها الارضيين. (تكوين ٣:١٥؛ يوحنا ٨:٣٨، ٤٤؛ رؤيا ١٢:٩، ١٧) وخصوصا منذ السنة ١٩٢٥ اظهرت برج المراقبة من الاسفار المقدسة ان هنالك فقط هيئتين رئيسيتين — هيئة يهوه وهيئة الشيطان. وكما تذكر ١ يوحنا ٥:١٩ «العالم كله» — اي كل الجنس البشري خارج هيئة يهوه — «قد وُضع في الشرير.» ولهذا السبب يختبر جميع المسيحيين الحقيقيين الاضطهاد. — يوحنا ١٥:٢٠.
ولكن لماذا يسمح اللّٰه بذلك؟ هل يجري تحقيق ايّ خير؟ اوضح يسوع المسيح انه قبل ان يسحق كملك سماوي الشيطان وهيئته الشريرة سيكون هنالك فرز للناس من كل الامم، كما يفرز الراعي في الشرق الاوسط الخراف من الجداء. وسيُمنَح الناس فرصة ليسمعوا عن ملكوت اللّٰه وليتخذوا موقفهم الى جانبه. وعندما يُضطهَد المنادون بهذا الملكوت، يبرز السؤال بأكثر وضوح: هل يفعل اولئك الذين يسمعون عنه الخير ‹لاخوة› المسيح وعشرائهم وبالتالي يُظهرون المحبة للمسيح نفسه؟ ام هل ينضمون الى الذين يسيئون معاملة ممثلي ملكوت اللّٰه هؤلاء — او ربما يبقون صامتين فيما يفعل الآخرون ذلك؟ (متى ٢٥:٣١-٤٦؛ ١٠:٤٠؛ ٢٤:١٤) رأى البعض في ملاوي بوضوح مَن كانوا يخدمون الاله الحقيقي ولذلك ربطوا مصيرهم بمصير الشهود المضطهَدين. وفعَل الامر نفسه عدد غير قليل من السجناء وكذلك بعض الحرّاس في معسكرات الاعتقال الالمانية.
رغم توجيه اتهامات كاذبة ضدهم واساءة معاملتهم جسديا، ورغم تعييرهم بسبب ايمانهم باللّٰه، لا يشعر شهود يهوه بأن اللّٰه تخلّى عنهم. وهم يعرفون ان يسوع المسيح اختبر الامور نفسها. (متى ٢٧:٤٣) ويعرفون ايضا انه بولائه ليهوه، برهن يسوع ان ابليس كاذب وساهم في تقديس اسم ابيه. ورغبة كل شاهد ليهوه هي ان يفعل الامر نفسه. — متى ٦:٩.
ليست القضية ما اذا كان بامكانهم ان ينجوا من العذاب والموت. فقد انبأ يسوع المسيح بأن بعض أتباعه سيُقتلون. (متى ٢٤:٩) وقد قُتل هو نفسه. لكنه لم يساير قط خصم اللّٰه الرئيسي، الشيطان ابليس، «رئيس هذا العالم.» لقد غلب يسوع العالم. (يوحنا ١٤:٣٠؛ ١٦:٣٣) فالقضية اذًا هي ما اذا كان عبَّاد الاله الحقيقي سيبقون امناء له رغم اية مشقة قد يختبرونها. وشهود يهوه العصريون اعطوا دليلا وافرا على ان لهم الفكر نفسه الذي للرسول بولس، الذي كتب: «إن عشنا فللرب نعيش وإن متنا فللرب نموت. فإن عشنا وإن متنا فللرب نحن.» — رومية ١٤:٨.
[الحواشي]
a لم يفهم تلاميذ الكتاب المقدس بوضوح في ذلك الوقت ما يعرفه الشهود الآن من الكتاب المقدس في ما يتعلق بالرجال كمعلِّمين في الجماعة. (١ كورنثوس ١٤:٣٣، ٣٤؛ ١ تيموثاوس ٢:١١، ١٢) ونتيجة لذلك، كانت ماريا رصل محرِّرة مساعدة في برج المراقبة وكاتبة قانونية في اعمدتها.
b جوزيف ف. رذرفورد، رئيس جمعية برج المراقبة؛ وليم إ. ڤان آمبورڠ، امين سر وصندوق الجمعية؛ روبرت ج. مارتن، مدير المكتب؛ فردريك ه. رَبِسُن، عضو في لجنة تحرير برج المراقبة؛ أ. هوڠ ماكميلان، مدير في الجمعية؛ جورج ه. فيشر وكلايتَن ج. وودوَرث، جامِعا مواد السر المنتهي.
c جيوڤاني دَتشيكا، الذي كان يعمل في القسم الايطالي في مكتب جمعية برج المراقبة.
d رفض قاضي المحكمة الدورية مارتن ت. مانتُن، كاثوليكي روماني متحمس، استئنافا ثانيا من اجل اطلاق السراح بكفالة في ١ تموز ١٩١٨. وعندما نقضت لاحقا محكمة الاستئناف الفيديرالية الحكم على المدَّعى عليهم، اعطى مانتُن الصوت المعارض الوحيد. والجدير بالملاحظة انه في ٤ كانون الاول ١٩٣٩ ايَّدت محكمة استئنافية مشكَّلة خصوصا ادانة مانتُن بسبب اساءة استعمال السلطة القضائية، الغش، والاحتيال.
e أما ان هؤلاء الرجال كانوا مسجونين ظلما، وليسوا مجرمين، فيظهره الواقع ان ج. ف. رذرفورد بقي عضوا في نقابة محامي المحكمة العليا للولايات المتحدة منذ قبوله في ايار ١٩٠٩ حتى موته في السنة ١٩٤٢. وفي ١٤ قضية استُؤنفت الى المحكمة العليا من السنة ١٩٣٩ حتى السنة ١٩٤٢، كان ج. ف. رذرفورد واحدا من المحامين. وفي القضيتين المعروفتين بـ شنايدر ضد ولاية نيو جيرزي (في السنة ١٩٣٩) والمجلس التعليمي لمقاطعة ماينرزڤِل ضد ڠوبايتس (في السنة ١٩٤٠)، قدَّم شخصيا مرافعة شفهية امام المحكمة العليا. وأيضا، في اثناء الحرب العالمية الثانية، كان أ. ه. ماكميلان، احد الرجال الذين سُجنوا ظلما في ١٩١٨-١٩١٩، مقبولا من مدير دائرة السجون الفيديرالية كزائر قانوني للسجون الفيديرالية في الولايات المتحدة ليهتم بالمصالح الروحية للشبان الذين كانوا هناك بسبب اتخاذهم موقف الحياد المسيحي.
f تقول دائرة المعارف الاميركية، المجلَّد ١١، ١٩٤٢، الصفحة ٣١٦: «العلم، كالصليب، هو مقدَّس. . . . والقوانين والانظمة المتعلقة بالموقف البشري من المقاييس القومية تستعمل كلمات تعبيرية قوية مثل، ‹خدمة العلم،› . . . ‹التوقير للعلم،› ‹الولاء للعلم.›» وفي البرازيل، ذكرت دياريو دي جوستيسا، ١٦ شباط ١٩٥٦، الصفحة ١٩٠٤، انه في احتفال عام قال رسمي عسكري: «صارت الاعلام اله الدين الوطني . . . فالعلم يُكرم ويُعبد.»
[النبذة في الصفحة ٦٤٢]
مضطهِدو يسوع المسيح الرئيسيون كانوا القادة الدينيين
[النبذة في الصفحة ٦٤٥]
«ان الرسامة، او التفويض، من اللّٰه لايّ انسان ليكرز هي بمنحه الروح القدس»
[النبذة في الصفحة ٦٤٧]
كتاب «السر المنتهي» شهَّر بصراحة رياء رجال دين العالم المسيحي!
[النبذة في الصفحة ٦٥١]
هوجم رجال ونساء مسيحيون من الرعاع، أُلقوا في السجن، واحتُجزوا هناك دون تهمة او محاكمة
[النبذة في الصفحة ٦٥٢]
«فترات السجن هي بشكل واضح اطول مما ينبغي» — رئيس الولايات المتحدة وودرو ولسون
[النبذة في الصفحة ٦٥٦]
لم يكن ممكنا لأيّ شخص ان يرجو العدل ان لم يفعل ما يقوله الكاهن
[النبذة في الصفحة ٦٦٦]
كان الكهنة يحثّون المعلِّمين على اخراج الاولاد من المدرسة ليرموا الشهود بالحجارة
[النبذة في الصفحة ٦٦٨]
وحَّد رجال الدين القوى لمقاومة الشهود
[النبذة في الصفحة ٦٧١]
هاجم الرعاع شهود يهوه في الولايات المتحدة
[النبذة في الصفحة ٦٧٦]
في كل ناحية من الارض، شهود يهوه هم مضطهَدون
[الاطار في الصفحة ٦٥٥]
رجال الدين يظهرون مشاعرهم
ان ردود فعل النشرات الدورية الدينية تجاه الحكم على ج. ف. رذرفورد وعشرائه في السنة ١٩١٨ جديرة بالملاحظة:
◆ «السجل المسيحي»: «ان ما تهاجمه الحكومة هنا بصراحة تامة هو الادِّعاء انه يمكن نشر الافكار الدينية بحصانة مهما كانت جنونية ومؤذية. انه اعتقاد قديم باطل، وحتى الآن كنا عديمي الاكتراث بذلك كاملا. . . . ويَظهر ان الحكم هو نهاية الرصلية.»
◆ «المدوِّن الغربي،» مطبوعة معمدانية، قالت: «ليس مدهشا ان يُسجَن قائد هذه الفرقة الدينية المحبة للخصام في احدى المؤسسات للمتمردين. . . . ان المشكلة المحيِّرة حقا في هذا الخصوص هي ما اذا كان يجب ارسال المدَّعى عليهم الى مستشفى للمجانين او الى سجن.»
◆ «المجلة النقدية نصف الشهرية» لفتت الانتباه الى التعليق في «ايڤننڠ پوست» النيويوركية التي قالت: «نحن واثقون بأن معلِّمي الدين في كل مكان سينتبهون لرأي القاضي هذا ان تعليم ايّ دين غير الدين الذي يتفق تماما مع القوانين التشريعية هو جريمة خطيرة وتكون اكثر خطورة على خادم الانجيل اذا كان مخلصا.»
◆ «القارة» لقَّبت باستخفاف المدَّعى عليهم بـ «أتباع ‹الراعي› الراحل رصل» وحرَّفت معتقداتهم بالقول انهم ادَّعوا «ان الجميع ما عدا الخطاة يجب اعفاؤهم من محاربة قيصر المانيا.» وادَّعت انه وفقا للنائب العام في واشنطن، «اشتكت الحكومة الايطالية منذ مدة الى الولايات المتحدة ان رذرفورد وعشراءه . . . نشروا بين الجنود الايطاليين مقدارا من مطبوعات الدعاية ضد الحرب.»
◆ بعد اسبوع نشرت «القرن المسيحي» اغلبية مواد المقالة اعلاه حرفيا، مظهرة انهما على انسجام تام.
◆ اخبرت المجلة الكاثوليكية «الحق» بإيجاز عن الحكم الذي فُرض ثم عبَّرت عن مشاعر محرريها، قائلة: «ان مطبوعات هذه الجمعية ملآنة بوضوح هجومات خبيثة على الكنيسة الكاثوليكية وكهنوتها.» واذ حاولت ان تلصق تهمة «التحريض على الفتنة» بكل مَن يخالف علانية الكنيسة الكاثوليكية، اضافت: «يصير واضحا اكثر فأكثر ان روح التعصب مرتبطة بشكل وثيق بروح التحريض على الفتنة.»
◆ علَّق الدكتور راي ابرامز في كتابه «كارزون يقدِّمون اسلحة»: «عندما وصلت أخبار الحكم بعشرين سنة الى محرري الصحافة الدينية، فإن كل واحدة تقريبا من هذه المطبوعات، كبيرة وصغيرة، تهلَّلت فعلا بالحادث. وكنت عاجزا عن اكتشاف اية كلمات عطف في ايّ من الصحف الدينية التقليدية.»
[الاطار في الصفحة ٦٦١]
«اضطُهدوا لاسباب دينية»
«كان يوجد فريق من الناس في معسكر اعتقال ماوتهاوزن اضطُهدوا لاسباب دينية فقط: اعضاء طائفة ‹تلاميذ الكتاب المقدس الجدّيون،› او ‹شهود يهوه› . . . وكان رفضهم ليمين الولاء لهتلر ورفضهم القيام بأيّ نوع من الخدمة العسكرية — نتيجة سياسية لمعتقدهم — سببا لاضطهادهم.» Konzentrationslagers Mauthausen « — » Die Geschichte des (تاريخ معسكر اعتقال ماوتهاوزن)، دعمه بالوثائق هانس مارشالِك، ڤيينا، النمسا، ١٩٧٤.
[الاطار/الصورة في الصفحة ٦٦٠]
ترجمة البيان الذي حاولت وحدات الحماية الـ SS ان تجبر الشهود على توقيعه
معسكر الاعتقال . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
القسم ٢
بيان
انا . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
المولود بتاريخ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
في . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
بهذا أُدلي بالبيان التالي:
١- صرت اعرف ان جمعية تلاميذ الكتاب المقدس من جميع الامم تنادي بتعاليم خاطئة وتحت غطاء الدين تتبع اهدافا عدائية ضد الدولة.
٢- لذلك تركت الهيئة كليا وتحرَّرت تماما من تعاليم هذه الطائفة.
٣- بهذا اؤكد انني لن اشترك ثانية ابدا في نشاط جمعية تلاميذ الكتاب المقدس من جميع الامم. والاشخاص الذين يقتربون اليَّ بتعليم تلاميذ الكتاب المقدس، او الذين بأية طريقة يظهرون صِلاتهم بهم، ابلِّغ عنهم فورا. وكل المطبوعات من تلاميذ الكتاب المقدس التي تُرسَل الى عنواني اسلِّمها فورا الى اقرب مخفر للشرطة.
٤- سأحترم في المستقبل قوانين الدولة، وخصوصا في حالة الحرب سأدافع عن الوطن والسلاح في يدي، وأنضمّ بكل طريقة الى مجتمع الناس.
٥- أُعلمت بأنني سأُحتجز فورا مرة ثانية في السجن الوقائي اذا عملت بخلاف البيان المعطى اليوم.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ، مؤرَّخ . . . . . . . . . . .. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
التوقيع
[الاطار في الصفحة ٦٦٢]
رسائل من بعض الذين حُكم عليهم بالموت
من فرانز رايتر (الذي كان يواجه الموت بالمقصلة) الى امه، ٦ كانون الثاني ١٩٤٠، من مركز سجن برلين-پْلُتْزَنسي:
«انا مقتنع بشدة باعتقادي انني اعمل الصواب. ما زال بامكاني ان اغيِّر رأيي ما دمت هنا، ولكنَّ اللّٰه سيعتبر ذلك عدم ولاء. جميعنا هنا نتمنَّى ان نبقى امناء للّٰه، لمجده. . . . وكما اعرف، لو اقسمت اليمين [العسكرية] لارتكبت خطية تستحق الموت. ولكان ذلك شرا لي. فلا انال قيامة. لكنني التصق بما قاله المسيح: ‹من يخلّص حياته يهلكها. ومن يهلك حياته من اجلي يجدها.› والآن، يا امي العزيزة ويا جميع اخوتي وأخواتي، أُخبرت اليوم بالحكم عليَّ، فلا ترتاعوا، انه الموت، وسأُعدم غدا صباحا. انني استمد قوتي من اللّٰه، كما كانت الحال دائما مع كل المسيحيين الحقيقيين في الماضي. يكتب الرسل، ‹مَن يولد من اللّٰه لا يفعل خطية.› ويصحّ الامر نفسه فيَّ. لقد برهنت هذا لكم، ويمكنكم ان تعرفوا ذلك. امي العزيزة، لا تحزني. سيكون لخيركم جميعا ان تزدادوا في معرفة الاسفار المقدسة اكثر ايضا. واذا بقيتم ثابتين حتى الموت، فسنلتقي ثانية في القيامة. . . .
«ابنك فرانز
«حتى نلتقي ثانية.»
من بِرْتولت سابو، الذي أُعدم رميا بالرصاص، في كُرْمَند، هنڠاريا، في ٢ آذار ١٩٤٥:
«اختي العزيزة، ماريكا!
«بقي لي ساعة ونصف، وسأحاول ان اكتب اليك لكي تتمكني من اخبار والدَينا بحالتي، اذ سأواجه الموت بعد قليل.
«اتمنى لهما سلام العقل نفسه الذي اختبره في هذه اللحظات الاخيرة في هذا العالم الحافل بالكوارث. انها العاشرة الآن، وسأُعدم في الحادية عشرة والنصف؛ لكنني هادئ تماما. لقد وضعت حياتي المستقبلية بين يدي يهوه وابنه الحبيب، يسوع المسيح، الملك، اللذين لن ينسيا ابدا الذين يحبونهما باخلاص. انا اعرف ايضا انه ستكون هنالك قريبا قيامة للذين ماتوا، او بالاحرى رقدوا في المسيح. اريد ايضا ان اذكر خصوصا انني اتمنى لكم جميعا اسخى بركات يهوه بسبب المحبة التي اظهرتموها لي. من فضلك قبِّلي عني ابي وأمي، وأَنوش ايضا. لا يجب ان يقلقوا عليَّ؛ فسنرى احدنا الآخر ثانية عن قريب. يدي هادئة الآن، وأنا ذاهب لاستريح الى ان يناديني يهوه ثانية. وحتى الآن سأحافظ على النذر الذي نذرته له.
«انتهى وقتي الآن. ليكن اللّٰه معكم ومعي.
«مع فائق محبتي، . . .
«بيرتي»
[الاطار في الصفحة ٦٦٣]
مشهورون بالشجاعة والايمان الراسخ
◆ «على الرغم من كل الصعاب، كان الشهود في المعسكرات يجتمعون ويصلّون معا، ينتجون المطبوعات ويهدون الآخرين. واذ نالوا الدعم من اخوَّتهم، وأدركوا جيدا بخلاف كثيرين من السجناء الآخرين الاسباب التي من اجلها توجد هذه الاماكن وسبب تألمهم على هذا النحو، كان الشهود فريقا من السجناء صغيرا ولكن لا يُنسى، مميَّزين بعلامة المثلث الارجواني ومشهورين بشجاعتهم وايمانهم الراسخ.» هذا ما كتبته الدكتورة كريستين كينڠ في «الدولة النازية والاديان الجديدة: دراسات لخمس قضايا في عدم الموافقة.»
◆ يذكر «القيم والعنف في أَوشڤيتس،» لواضعته آنا پاڤلزينسكا: «كان هذا الفريق من المسجونين قوة عقائدية متينة وقد ربحوا معركتهم ضد النازية. فالفريق الالماني من هذه الطائفة كان جماعة صغيرة من المقاومة التي لا تضعف موجودة وسط امة مذعورة، وبروح عدم الرعب هذه نفسها عملوا في معسكر أَوشڤيتس. لقد تمكَّنوا من ربح احترام رفقائهم المسجونين . . . وموظفي السجن، وحتى ضباط وحدات الحماية الـ SS. وكل فرد كان يعرف انه ما من ‹بيبل فورشر› [شاهد ليهوه] ينفِّذ امرا يخالف معتقده الديني.»
◆ رودولف هوس، في سيرة حياته، الصادرة في كتاب «قائد أَوشڤيتس،» اخبر عن تنفيذ الحكم في بعض شهود يهوه بسبب رفضهم مخالفة حيادهم المسيحي. قال: «هكذا اتخيَّل وضع الشهداء المسيحيين الاولين وهم ينتظرون في الميدان لتمزقهم الحيوانات المفترسة اربا اربا. لقد مضوا الى الموت ووجوههم متغيِّرة كاملا، عيونهم موجَّهة الى السماء، وأيديهم مشبوكة ومرفوعة في الصلاة. وجميع الذين رأوهم يموتون تأثروا بعمق، وحتى فرقة الاعدام نفسها تأثرت.» (صدر هذا الكتاب في پولندا بعنوان Hössa-komendanta obozu oświęcimskiego « » Autobiografia Rudolfa .)
[الاطار في الصفحة ٦٧٣]
«ليسوا ضد البلد»
«ليسوا ضد البلد؛ انهم فقط مؤيدون ليهوه.» «لا يحرقون بطاقات التجنيد، يقومون بثورة . . . او ينهمكون في ايّ شكل من اشكال التحريض على الفتنة.» «استقامة وأمانة الشهود امران دائمان. ومهما يكن تفكير المرء في الشهود — وكثيرون من الناس يفكرون في امور سلبية كثيرة — فانهم يحيون حياة مثالية.» — «تلڠرام،» تورونتو، كندا، تموز ١٩٧٠.
[الاطار في الصفحة ٦٧٤]
مَن هو المسؤول؟
يعرف شهود يهوه ان مسؤوليتهم ان يكرزوا لا تعتمد على عمل جمعية برج المراقبة او اية مؤسسة شرعية اخرى. «لتُحظَر جمعية برج المراقبة وتُقفَل بالقوة مكاتب فروعها في مختلف البلدان بتدخل من الدولة! فذلك لا يلغي او يرفع المسؤولية الالهية عن الرجال والنساء المكرَّسين لفعل مشيئة اللّٰه والذين وضع عليهم روحه. فالامر ‹اكرزوا!› مكتوب بوضوح في كلمته. وهو يسمو فوق امر ايّ انسان.» («برج المراقبة،» عدد ١٥ كانون الاول ١٩٤٩، بالانكليزية) واذ يدركون ان اوامرهم تأتي من يهوه اللّٰه ويسوع المسيح، يواظبون على المناداة برسالة الملكوت بصرف النظر عن المقاومة التي يواجهونها.
[الاطار في الصفحة ٦٧٧]
مثل المسيحيين الاولين
◆ «لدى شهود يهوه دين يتَّخذونه بجدية اكثر بكثير من الغالبية العظمى للناس. ومبادئهم تذكِّرنا بالمسيحيين الاولين الذين كانوا مكروهين جدا من الناس والذين كانوا مضطهدين بوحشية كبيرة من الرومان.» — «مجلة منارة أكرون،» أكرون، اوهايو، ٤ ايلول ١٩٥١.
◆ «عاش [المسيحيون الاولون] حياة هادئة، اخلاقية، مثالية حقا. . . . ومن كل ناحية باستثناء تلك المسألة الواحدة لإحراق البخور كانوا مواطنين مثاليين.» «فيما بقي تقديم الذبائح للروح الحارسة للامبراطور امتحانا للوطنية، هل كان بامكان سلطات الدولة ان تتغاضى عن تمرد اولئك المسيحيين غير الوطنيين؟ ان المشكلة التي وجد المسيحيون انفسهم فيها نتيجة لذلك لم تكن مختلفة تماما عن المشكلة التي وجدت نفسها فيها، اثناء سنوات الحرب، تلك الطائفة الجريئة المعروفة بشهود يهوه في الولايات المتحدة بسبب قضية تحية العلم القومي.» — «٢٠ قرنا من المسيحية،» لواضعه پول هاتشينسون ووِنْفرد ڠاريسون، ١٩٥٩، ص ٣١.
◆ «لعل الشيء الابرز عن الشهود هو اصرارهم على ولائهم الاول للّٰه قبل اية سلطة اخرى في العالم.» — «هؤلاء ايضا يؤمنون،» للدكتور ت. س. برادن، ١٩٤٩، ص ٣٨٠.
[الصور في الصفحة ٦٤٤]
«ذا پيتسبورڠ ڠازِت» اعطت شهرة واسعة للمناظرات التي نتجت من تحدي الدكتور إيتن لـ ت. ت. رصل
[الصورة في الصفحة ٦٤٦]
نشر المقاومون بشكل واسع اكاذيب جسيمة عن الشؤون الزوجية لتشارلز وماريا رصل
[الصورتان في الصفحة ٦٤٨]
غضب رجال الدين عندما وُزِّعت ٠٠٠,٠٠٠,١٠ نسخة من هذه النشرة التي تشهِّر معتقداتهم وممارساتهم على ضوء كلمة اللّٰه
[الصور في الصفحة ٦٤٩]
زادت الصحف لهب اضطهاد تلاميذ الكتاب المقدس في السنة ١٩١٨
[الصورتان في الصفحة ٦٥٠]
في اثناء محاكمة مستخدمي المركز الرئيسي للجمعية التي جرت هنا، رُكِّز كثير من الانتباه على كتاب «السر المنتهي»
المحكمة الفيديرالية ومكتب البريد، بروكلين، نيويورك
[الصورة في الصفحة ٦٥٣]
حُكم عليهم بعقوبة اقسى من عقوبة القاتل الذي اشعلت طلقته نار الحرب العالمية الاولى. من اليسار الى اليمين: و. إ. ڤان آمبورڠ، ج. ف. رذرفورد، أ. ه. ماكميلان، ر. ج. مارتن، ف. ه. رَبِسُن، ك. ج. وودوَرث، ج. ه. فيشر، ج. دَتشيكا
[الصورتان في الصفحة ٦٥٧]
عندما عُقد محفل الشهود هذا في نيويورك في السنة ١٩٣٩، حاول ايقافه نحو ٢٠٠ مشاغب يقودهم كهنة كاثوليك
[الصور في الصفحة ٦٥٩]
في اثناء الحرب العالمية الثانية أُلقي آلاف من شهود يهوه في معسكرات الاعتقال هذه
شعار الجمجمة لحرس الحماية الـ SS (اليسار)
[الصورة في الصفحة ٦٦٥]
جزء من كتاب لدرس الكتاب المقدس صُغِّر فوتوڠرافيا، وُضع في علبة كبريت، وهُرِّب الى الشهود في احد معسكرات الاعتقال
[الصورتان في الصفحة ٦٦٤]
بعض الشهود الذين احتمل ايمانهم الاختبار القاسي لمعسكرات الاعتقال النازية
ماوتهاوزن
ڤايڤلسبورڠ
[الصورة في الصفحة ٦٦٧]
عنف الرعاع قرب مونتريال، كْويبك، في السنة ١٩٤٥. وقد تكرَّر مثل هذا العنف بتحريض من رجال الدين ضد الشهود خلال اربعينات وخمسينات الـ ١٩٠٠
[الصورة في الصفحة ٦٦٩]
اعتُقل آلاف من شهود يهوه (بمَن فيهم جون بوث، الظاهر هنا) وهم يوزِّعون مطبوعات الكتاب المقدس
[الصور في الصفحة ٦٧٠]
عقب قرار المحكمة العليا ضد الشهود في السنة ١٩٤٠، انتشر عنف الرعاع في كل انحاء الولايات المتحدة، أُوقفت الاجتماعات، ضُرب الشهود، ودُمِّرت الممتلكات
[الصورتان في الصفحة ٦٧٢]
في اماكن عديدة كان ضروريا تأسيس مدارس الملكوت لأن الاولاد الشهود كانوا يُطرَدون من المدارس الحكومية