الفصل ١٩
النمو معا في المحبة
عند الكتابة الى الرفقاء المسيحيين بيَّن رسل يسوع المسيح حاجة الافراد الى النمو ليس فقط في المعرفة الدقيقة بل ايضا في المحبة. والاساس لذلك هو المحبة التي اظهرها اللّٰه نفسه ومحبة التضحية بالذات للمسيح، الذي على خطاه حاولوا ان يسيروا. (يوحنا ١٣:٣٤، ٣٥؛ افسس ٤:١٥، ١٦؛ ٥:١، ٢؛ فيلبي ١:٩؛ ١ يوحنا ٤:٧-١٠) فكانوا اخوَّة، وعندما كانوا يساعدون احدهم الآخر، كانت ربط المحبة تصير اقوى ايضا.
عندما سبَّبت المجاعة مشقة اقتصادية للاخوة في اليهودية، اعطى المسيحيون في سورية واليونان من ممتلكاتهم لاعانتهم. (اعمال ١١:٢٧-٣٠؛ رومية ١٥:٢٦) وعندما اضطُهد البعض، فان الالم الذي اختبروه شعر به بشدة المسيحيون الآخرون، وهؤلاء سعوا الى تقديم المساعدة. — ١ كورنثوس ١٢:٢٦؛ عبرانيين ١٣:٣.
طبعا، جميع البشر لديهم القدرة على المحبة، وهنالك آخرون الى جانب المسيحيين ينهمكون في اعمال اللطف الانساني. لكنَّ الناس في العالم الروماني اقرّوا بأن المحبة التي اظهرها المسيحيون كانت مختلفة. وترتليان، الذي كان ضليعا في القانون، اقتبس تعليقات اشخاص من العالم الروماني، قائلا: «‹انظروا،› يقولون، ‹كيف يحبون بعضهم بعضا . . . وكيف انهم على استعداد ليموتوا احدهم عن الآخر.›» (الدفاع، ٣٩، ٧) وجون هيرست، في مؤلَّفه تاريخ الكنيسة المسيحية (المجلد ١، الصفحة ١٤٦)، يخبر ان الناس في قرطاجة والاسكندرية القديمتين، خلال فترات الوبإ، كانوا يُبعِدون عن مكان وجودهم المصابين وينزعون عن جثث الاموات ايّ شيء ربما كان ذا قيمة. وعلى سبيل التباين، كما يخبر، كان المسيحيون في تلك الاماكن يعطون من ممتلكاتهم، يعتنون بالمرضى، ويدفنون الموتى.
فهل ينهمك شهود يهوه في الازمنة العصرية في اعمال تُظهر مثل هذا الاهتمام بخير الآخرين؟ اذا كان الامر كذلك، فهل ينجزها مجرد افراد قليلين متفرقين، ام ان الهيئة ككل تشجِّع وتدعم مثل هذه الجهود؟
المساعدة الحبية في الجماعات المحلية
بين شهود يهوه يُعتبر الاعتناء باليتامى والارامل في الجماعة، وكذلك بأيٍّ من الاشخاص الامناء الذين يختبرون محنة شديدة، جزءا من عبادتهم. (يعقوب ١:٢٧؛ ٢:١٥-١٧؛ ١ يوحنا ٣:١٧، ١٨) والحكومات الدنيوية عموما تصنع التدابير للمستشفيات، ايواء المسنين، وترتيبات الانعاش للعاطلين عن العمل في المجتمع بصورة عامة، وشهود يهوه يدعمون مثل هذه الترتيبات بدفع ضرائبهم بضمير حي. ولكن، اذ يدركون ان ملكوت اللّٰه فقط يمكن ان يحل مشاكل الجنس البشري بشكل دائم، يقف شهود يهوه انفسهم ومواردهم بشكل رئيسي لتعليم الآخرين عن ذلك. وهذه خدمة حيوية لا تزوِّدها اية حكومة بشرية.
وفي اكثر من ٠٠٠,٦٩ جماعة لشهود يهوه حول العالم، يُعتنى عادةً بالحاجات الخصوصية التي تنشأ بسبب التقدُّم في السن وعجز الافراد على اساس شخصي. وكما هو ظاهر في ١ تيموثاوس ٥:٤، ٨، تقع المسؤولية بشكل رئيسي على كل مسيحي للاعتناء بأهل بيته. فالاولاد، الحفدة، او الاقرباء اللصيقون الآخرون يعربون عن المحبة المسيحية بتزويد المساعدة للمسنين والعجزة وفقا لحاجاتهم. وجماعات شهود يهوه لا تضعف هذا الشعور بالمسؤولية بتولّي امر الالتزامات العائلية. ولكن اذا لم يكن هنالك اقرباء لصيقون، او اذا كان اولئك الذين تقع على عاتقهم المسؤولية لا يستطيعون حمل العبء وحدهم، يساعد الآخرون في الجماعة بمحبة. وحيث يكون ضروريا، يمكن ان تصنع الجماعة ككل تدبيرا لمساعدة اخ او اخت محتاج له سجل طويل من الخدمة الامينة. — ١ تيموثاوس ٥:٣-١٠.
والانتباه الى هذه الحاجات لا يُترك للصدفة. ففي جلسات مدرسة خدمة الملكوت، التي يحضرها الشيوخ تكرارا منذ السنة ١٩٥٩، مُنح التزامهم امام اللّٰه من هذه الناحية كرعاة للرعية اعتبارا خصوصيا بصورة متكررة. (عبرانيين ١٣:١، ١٦) ليس انهم اغفلوا عن هذه الحاجة قبل ذلك الوقت. ففي السنة ١٩١١، مثلا، زوَّدت جماعة اولدهام في لانكاشير، انكلترا، معونة مادية لاولئك الذين كانوا يواجهون بينهم مشاكل اقتصادية قاسية. إلا انه منذ ذلك الحين، نمت الهيئة العالمية النطاق، ازداد عدد الذين يعانون مشاكل قاسية، وصار شهود يهوه اكثر ادراكا لما يبيِّن الكتاب المقدس وجوب فعله في مثل هذه الحالات. وخصوصا في السنين الاخيرة ناقشت كل الجماعات في اجتماعاتها مسؤوليات كل مسيحي تجاه ذوي الحاجات الخصوصية بينهم — المسنين، العجزة، العائلات ذات الوالد المتوحد والذين هم في ضيقة اقتصادية.a
والاهتمام الذي يُظهره الشهود الافراد نحو الآخرين يتجاوز الى حد بعيد القول، «استدفئا واشبعا.» فهم يعربون عن اهتمام شخصي حبي. (يعقوب ٢:١٥، ١٦) تأملوا في امثلة قليلة.
عندما اصيبت شابة سويدية، وهي واحدة من شهود يهوه، بالتهاب السحايا في اثناء زيارتها اليونان في السنة ١٩٨٦، اختبرت هي ايضا ما تعنيه حيازة اخوة وأخوات مسيحيين في بلدان عديدة. فقد أُعلم والدها في السويد. وحالا اتصل بشيخ في الجماعة المحلية لشهود يهوه في السويد ومن خلاله بشاهد في اليونان. والى ان تمكنت من العودة الى السويد بعد ثلاثة اسابيع، لم يتأخر الرفقاء الجدد للشاهدة الشابة في اليونان قط عن خدمة حاجاتها.
وعلى نحو مماثل، عندما احتاج شاهد مسن، ارمل في والاسْبرڠ، اونتاريو، كندا، الى مساعدة، اظهرت عائلة كان قد ساعدها روحيا تقديرها بجعله جزءا من العائلة. وبعد سنين قليلة عندما انتقلوا الى خليج باري، ذهب معهم. وعاش معهم وهم اعتنوا به بمحبة طوال ١٩ سنة، الى ان مات في السنة ١٩٩٠.
وفي مدينة نيويورك اعتنى زوجان من الشهود برجل مسن كان يحضر الاجتماعات في قاعة ملكوتهم، فاعلَين ذلك طوال نحو ١٥ سنة، حتى موته في السنة ١٩٨٦. وعندما اصيب بالسكتة الدماغية قاما عنه بالتسوق، التنظيف، الطبخ، وغسل الثياب. وعاملاه كما لو انه ابوهما.
وثمة حاجات من نوع آخر ايضا تُعطى انتباها حبيا. فقد باع زوجان من الشهود في الولايات المتحدة بيتهما وانتقلا الى مونتانا لمساعدة الجماعة هناك. ولكن، على مر الوقت، تطورت مشاكل صحية خطيرة، وصار الاخ عاطلا عن العمل، واستُنفدت مواردهما المالية. فكيف كانا سيتدبران الامر؟ صلَّى الاخ الى يهوه طلبا للمساعدة. وما ان انتهى من الصلاة حتى قرع احد الرفقاء الشهود الباب. فخرجا معا لتناول فنجان من القهوة. وعندما عاد الاخ وجد اطعمة مكدَّسة على طاولة المطبخ. ومع الاطعمة كان هنالك ظرف يحتوي على مال وملاحظة تقول: «من اخوتكما وأخواتكما، الذين يحبونكما كثيرا.» فقد ادركت الجماعة حاجتهما، واشتركوا جميعا في سدّها. واذ تأثرا هو وزوجته عميقا بمحبتهم لم يتمكنا من منع الدموع وشكرا يهوه، الذي مثاله للمحبة يحفز خدامه.
ان الاهتمام السخي الذي يظهره شهود يهوه لأولئك المعوزين بينهم صار معروفا على نحو واسع. وأحيانا كان المحتالون يستغلون ذلك. ولذلك كان على الشهود ان يتعلَّموا ان يكونوا حذرين، فيما لا يخمدون رغبتهم في مساعدة المستحقين.
عندما تترك الحرب الناس معدِمين
في انحاء عديدة من الارض، تُرك الناس معدِمين نتيجة الحرب. وتسعى هيئات الغوث الى تزويد المساعدة، لكنَّ هذه الانظمة غالبا ما تعمل ببطء. وشهود يهوه لا يتبنَّون النظرة ان العمل الذي تقوم به مثل هذه الوكالات يعفيهم من المسؤولية تجاه اخوتهم المسيحيين في هذه المناطق. فعندما يعرفون ان اخوتهم محتاجون، لا ‹يغلقون احشاءهم› عن مثل هؤلاء بل يعملون ما في وسعهم بسرعة لجلب الراحة لهم. — ١ يوحنا ٣:١٧، ١٨.
وخلال الحرب العالمية الثانية، حتى في البلدان التي اثقلها النقص في الاغذية، كان الشهود في الريف الذين لا تزال لديهم مؤن غذائية يشتركون فيها مع الاخوة المتضايقين اكثر في المدن. وفي النَّذَرلند جرى ذلك بمجازفة كبيرة بسبب القيود القاسية التي فرضها النازيون. وفي مهمة اغاثة كهذه في احدى المناسبات كان ڠَريت بومِرْمان يقود فريقا من الاخوة على دراجات نقل محمَّلة طعاما مغطى بالقماش المشمع. وفجأة صادفوا نقطة تفتيش في مدينة ألكْمار. «لم يكن هنالك خيار سوى التوكل على يهوه كاملا،» قال ڠَريت. ودون الابطاء كثيرا، نادى الضابطَ بصوت عالٍ قائلا: “Wo ist Amsterdam?” (اية طريق تؤدي الى امستردام؟) فتنحَّى الضابط عن الطريق وأشار الى الامام وهو يصرخ “Geradeaus!” (الى الامام مستقيما!) “Danke schön!” (شكرا لك!) كان ردّ ڠَريت فيما اجتازت قافلة دراجات النقل بكاملها بأقصى سرعة وكان جمع مندهش يراقب. وفي مناسبة اخرى نجح الشهود في جلب حمولة مركب كاملة من البطاطا الى اخوتهم في امستردام.
وداخل معسكرات الاعتقال في اوروپا اظهر شهود يهوه هذه الروح. ففيما كان مسجونا في معسكر قرب امرسفورت، في النَّذَرلند، نحل جسم فتى في الـ ١٧ من العمر حتى صار هيكلا عظميا يمشي. ولكنه في السنوات اللاحقة لم ينسَ قط انه بعد ارغامهم على التمرن تحت المطر المنهمر حتى منتصف الليل ثم حرمانهم الطعام تمكَّن شاهد من جزء آخر في المعسكر من الوصول اليه ووضع قطعة من الخبز في يده. وفي معسكر اعتقال ماوتهاوزن في النمسا، كثيرا ما كان شاهد، يتطلب تعيينه ان يذهب من قسم الى آخر في المعسكر، يجازف بحياته بأخذ الطعام الذي وفَّره الشهود من حصصهم الضئيلة الى الشهود الآخرين الذين كانوا محرومين اكثر.
عقب الحرب لم يكن لدى شهود يهوه الذين خرجوا من السجون ومعسكرات الاعتقال الالمانية ايّ شيء سوى ثياب السجن التي كانوا يلبسونها. وممتلكات كثيرين ممَّن لم يكونوا في السجن كانت قد دُمِّرت. وكان هنالك نقص في الطعام، اللباس، والوقود في معظم انحاء اوروپا. وشهود يهوه في هذه البلدان سرعان ما نظَّموا الاجتماعات الجماعية وشرعوا يساعدون الآخرين روحيا بإخبارهم بشارة ملكوت اللّٰه. لكنهم انفسهم كانوا في حاجة الى المساعدة بطرائق اخرى. فكثيرون منهم كانوا ضعفاء جدا من جرّاء الجوع حتى انه كثيرا ما اغمي عليهم خلال الاجتماعات.
هنا كانت حالة لم يواجهها الشهود من قبل على نطاق واسع كهذا. ولكن في الشهر نفسه الذي انتهت فيه الحرب رسميا في منطقة الپاسيفيك، عقد شهود يهوه محفلا خصوصيا في كليڤلَنْد، اوهايو، ناقشوا فيه ما يلزم فعله لاغاثة اخوتهم المسيحيين في البلدان التي مزَّقتها الحرب وكيفية الشروع في ذلك. والمحاضرة المبهجة «عطيته التي لا يعبَّر عنها،» التي ألقاها ف. و. فرانز، قدَّمت مشورة من الاسفار المقدسة سدّت كاملا حاجات الحالة.b
وفي غضون اسابيع قليلة، حالما جرى السماح بأيّ سفر في المنطقة، كان ن. ه. نور، رئيس جمعية برج المراقبة، و م. ج. هنشل في طريقهما الى اوروپا لرؤية الاحوال بشكل مباشر. وحتى قبل ان يغادرا في تلك الرحلة كانت ترتيبات الاغاثة قيد العمل.
والشحنات الباكرة انطلقت من سويسرا والسويد. وتبعها المزيد من كندا، الولايات المتحدة، وبلدان اخرى. وعلى الرغم من ان عدد الشهود في البلدان التي كانت قادرة على تزويد مثل هذه المساعدة بلغ آنذاك نحو ٠٠٠,٨٥ فقط، شرعوا في ارسال الملابس والطعام الى الرفقاء الشهود في المانيا، انكلترا، ايطاليا، بلجيكا، بلغاريا، پولندا، تشيكوسلوڤاكيا، الدنمارك، رومانيا، الصين، فرنسا، فنلندا، الفيليپين، النَّذَرلند، النَّروج، النمسا، هنڠاريا، واليونان. ولم يكن ذلك مسعى لمرة واحدة. فقد استمرت شحنات الاعانة لسنتين ونصف السنة. وبين كانون الثاني ١٩٤٦ وآب ١٩٤٨ شحنوا ٢٤٧,٠٥٦,١ پاوندا (١١٤,٤٧٩ كلڠ) من الملابس، ١١٠,١٢٤ ازواج من الاحذية، و ٨٧٣,٧١٨ پاوندا (٠٨١,٣٢٦ كلڠ) من الطعام كهبات للرفقاء الشهود. ولم يُسحب شيء من الاموال من اجل النفقات الادارية. فقد اجرى الفرز والرزم متطوعون غير مأجورين. والاموال المتبرَّع بها استُخدمت كلها لمساعدة الذين أُعدَّت لهم.
طبعا، ان الحاجة الى اعانة اللاجئين والآخرين ممَّن تُركوا معوزين بسبب الحرب لم تنتهِ آنذاك في اربعينات الـ ١٩٠٠. فقد حدثت مئات الحروب منذ السنة ١٩٤٥. واستمر شهود يهوه في اظهار الاهتمام الحبي نفسه. وجرى ذلك خلال وبعد حرب بيافرا في نَيجيريا، من السنة ١٩٦٧ الى السنة ١٩٧٠. وزُوِّدت معونة مماثلة في موزَمبيق خلال ثمانينات الـ ١٩٠٠.
وفي لَيبيريا ايضا كانت هنالك مجاعة نتيجة الحرب التي ابتدأت في السنة ١٩٨٩. واذ كان الناس يهربون احتشد مئات اللاجئين في مجمَّع برج المراقبة في مونروڤيا. فجرى الاشتراك في ما توفَّر من الطعام هناك، وكذلك الماء من البئر، مع الشهود والجيران غير الشهود على السواء. وبعدئذ، حالما سمحت الظروف، وصل مزيد من مؤن الاغاثة من الشهود في سيراليون وساحل العاج في افريقيا الغربية، النَّذَرلند وايطاليا في اوروپا، والولايات المتحدة.
ومرة اخرى، في السنة ١٩٩٠، بعد ان تركت الحرب في لبنان اجزاء من بيروت تبدو كما لو ان زلزالا ضربها، نظَّم الشيوخ بين شهود يهوه لجنة اغاثة للحالات الطارئة لمنح المساعدة اللازمة للاخوة. ولم يضطروا الى طلب متطوعين؛ فكل يوم كان كثيرون يعرضون مساعدتهم.
وخلال فترة من الاضطراب السياسي والاقتصادي الكبير في اوروپا، ارسل شهود يهوه في تشيكوسلوڤاكيا، النمسا، هنڠاريا، ويوڠوسلاڤيا اكثر من ٧٠ طنا من المواد اللازمة الى اخوتهم المسيحيين في رومانيا في السنة ١٩٩٠.
تبع ذلك مزيد من بعثات الاغاثة الى اوروپا الشرقية. فقد طلبت الهيئة الحاكمة من مكتب فرع جمعية برج المراقبة في الدنمارك ان ينظِّموا اعانة للشهود المحتاجين في أوكرانيا. فأُشعرت الجماعات وكانت توّاقة الى العطاء. وفي ١٨ كانون الاول ١٩٩١، وصلت الى لْڤيڤ خمس شاحنات وعربتان مقفلتان يقودها شهود متطوعون محمَّلة ٢٢ طنا من المؤن — تعبير عن الاهتمام الحبي باخوتهم المسيحيين. واذ استمرت الى السنة ١٩٩٢، وصلت شحنات ايضا من الشهود في النمسا — اكثر من ١٠٠ طن من الطعام واللباس. والمزيد من المؤن أُرسل من الشهود في النَّذَرلند — اولا ٢٦ طنا من الطعام، وبعد ذلك قافلة من ١١ شاحنة تحتوي على الملابس، ثم مزيد من الطعام لتلبية الحاجة المستمرة. وكان المتسلِّمون شاكرين للّٰه وتطلعوا اليه طلبا للحكمة في استعمال ما جرى تزويده. واتحدوا في الصلاة قبل تفريغ الشاحنات ومرة اخرى عند انجاز المهمة. وشحنات اعانة كبيرة اخرى ارسلها الشهود في ايطاليا، فنلندا، السويد، وسويسرا. وفي اثناء سير ذلك كله، ادَّت الاحوال المضطربة بين الجمهوريات التي كانت تؤلِّف سابقا يوڠوسلاڤيا الى نشوء الحاجة هناك. فشُحنت ايضا مؤن الطعام، اللباس، والادوية الى تلك المنطقة. وفي غضون ذلك، فتح الشهود في المدن هناك بيوتهم للاعتناء بأولئك الذين دُمِّرت منازلهم.
احيانا يكون اولئك الذين هم في مسيس الحاجة الى المساعدة موجودين في اماكن نائية، وتكون حالتهم غير معروفة بشكل واسع. وقد صح ذلك في ٣٥ عائلة من شهود يهوه في ڠواتيمالا. فقد غزت قراهم عصابات متحاربة. وعندما تمكنوا اخيرا من العودة في السنة ١٩٨٩، احتاجوا الى المساعدة لاعادة البناء. ولتكميل المساعدة التي وفَّرتها الحكومة لاعادة اللاجئين، شكَّل مكتب فرع جمعية برج المراقبة لجنة طوارئ لتقديم العون لعائلات الشهود هؤلاء، وتطوع نحو ٥٠٠ شاهد آخر من ٥٠ جماعة للمساعدة في اعادة البناء.
وهنالك حالات اخرى تؤدي بالناس ايضا الى حاجة ماسة جدا دون خطإ من جهتهم. فالزلازل، الاعاصير، والفيضانات انما هي حوادث متكررة. وكمعدل، يقال ان العالم يصاب بأكثر من ٢٥ كارثة رئيسية كل سنة.
عندما تضرب القوى الطبيعية بعنف
عندما تنشأ حالات طارئة رئيسية تؤثر في شهود يهوه بسبب الكوارث، تُتَّخذ اجراءات فورية لتزويد المساعدة اللازمة. والشيوخ المحليون تعلَّموا انه عند مواجهة حالات كهذه يجب ان يبذلوا جهدا حثيثا للاتصال بكل فرد في الجماعة. ومكتب فرع جمعية برج المراقبة الذي يشرف على عمل الملكوت في تلك المنطقة يتحقق فورا من الوضع ثم يرسل تقريرا الى المركز الرئيسي العالمي. وحيث تلزم مساعدة اكثر مما يمكن تزويده محليا، تُصنع ترتيبات منسَّقة بدقة، حتى على نطاق اممي احيانا. والهدف ليس محاولة رفع مستوى معيشة اولئك المتضررين بل مساعدتهم على حيازة ضرورات الحياة التي اعتادوها.
ان مجرد تقرير عن الكارثة على التلفزيون يكفي لدفع شهود كثيرين الى الاتصال هاتفيا بالشيوخ المسؤولين في المنطقة لعرض خدماتهم او لتزويد المال او المواد. وقد يرسل آخرون اموالا الى مكتب الفرع او المركز الرئيسي العالمي بغية استعمالها لاغراض الاغاثة. فهم يعرفون ان المساعدة لازمة، ويريدون ان يساهموا. وحيث توجد حاجة اعظم، قد تُعلِم جمعية برج المراقبة الاخوة في منطقة محدودة ليتمكنوا من المساعدة قدر المستطاع. وتُشكَّل لجنة اغاثة لتنسيق معالجة الامور في منطقة الكارثة.
وهكذا عندما دمَّر زلزال قوي معظم ماناڠْوا، نيكاراڠْوا، في كانون الاول ١٩٧٢، اجتمع نظار جماعات شهود يهوه في تلك المنطقة في غضون ساعات لتنسيق مساعيهم. وجرى تفحص فوري لحالة كل شاهد في المدينة. وفي ذلك اليوم نفسه ابتدأت مؤن الاغاثة تصل من الجماعات المجاورة؛ ثم اتت بسرعة من كوستاريكا، هُندوراس، والسلڤادور. وأُقيمت اربع عشرة نقطة لتوزيع الاعانة في ضواحي ماناڠْوا. والمال والمؤن من الشهود في انحاء عديدة من العالم نُقلت الى نيكاراڠْوا عن طريق المركز الرئيسي الاممي لجمعية برج المراقبة. ووُزع الطعام والامدادات الاخرى (بما فيها الشموع، الثقاب، والصابون) بحسب حجم كل اسرة، اذ كانت كل عائلة تُعطى مؤونة سبعة ايام. وفي ذروة العمليات أُطعم نحو ٠٠٠,٥ شخص — الشهود، عائلاتهم، والاقرباء الذين يمكثون هم عندهم. واستمرت عمليات الاغاثة عشرة اشهر. ولدى رؤية ما كان يجري، وفَّرت وكالات الحكومة والصليب الاحمر الطعام، الخيام، والامدادات الاخرى ايضا.
وفي السنة ١٩٨٦ اجبرت الانفجارات البركانية ٠٠٠,١٠ شخص على اخلاء جزيرة إيزو-اوشيما، قرب ساحل اليابان، والسفن التي كانت تنقل اللاجئين التقاها شهود يهوه الذين كانوا يفتشون باجتهاد ليجدوا اخوتهم الروحيين. قال احد اللاجئين: «عندما غادرنا اوشيما، لم نكن نحن انفسنا نعرف الى اين نتجه.» فقد حدث كل شيء بسرعة كبيرة. «ولكن فيما كنا ننزل من السفينة رأينا لافتة تقول، ‹شهود يهوه.› . . . فاغرورقت عينا زوجتي اذ غمرها شعور بالارتياح لوجود اخوتنا هناك لملاقاتنا على الرصيف.» وبعد ملاحظة كيفية الاعتناء بالشهود اللاجئين، ليس فقط عند وصولهم بل بعد ذلك ايضا، قال حتى الناس الذين نبذونهم سابقا: «قد احسنتم اذ التصقتم بهذا الدين.»
يبذل الشهود كل جهد لادخال المساعدة الى المناطق المنكوبة بالسرعة الممكنة. ففي السنة ١٩٧٠، عندما ضرب الپيرو احد اكثر الزلازل تدميرا في تاريخ البلد، أُرسلت على الفور اموال الاغاثة للحالات الطارئة من المركز الرئيسي العالمي في نيويورك، تبعها ١٥ طنا من الملابس. ولكن حتى قبل وصول تلك الشحنة ساق الشهود قافلة من العربات تحمل مؤن الاغاثة الى المنطقة التي دُمِّرت فيها المدن والقرى، فاعلين ذلك في غضون ساعات بعد فتح الطرقات. وعلى التوالي في الايام والاسابيع التي تلت زوَّدوا المساعدة اللازمة، ماديا وروحيا على السواء، لمختلف الفرق في جبال الأنديز. وفي السنة ١٩٨٠، عندما هزَّ اجزاء من ايطاليا زلزال عنيف مساء ٢٣ تشرين الثاني، وصلت اول حمولة شاحنة من المؤن المرسلة من الشهود الى المنطقة المنكوبة في اليوم التالي عينه. فأنشأوا فورا مطبخهم، الذي منه كان يجري يوميا توزيع الطعام الذي تطهوه الاخوات. وعلَّق احد مراقبي جهود الاغاثة في احدى الجزر الكاريبية: «لقد عمل الشهود بسرعة اكثر من الحكومة.» ربما يصح ذلك احيانا، ولكنَّ شهود يهوه يقدِّرون بالتأكيد مساعدة الرسميين الذين يسهِّلون مساعيهم لبلوغ مثل هذه المناطق المنكوبة بسرعة.
خلال فترة من المجاعة في آنڠولا في السنة ١٩٩٠، عُلِم ان الشهود هناك كانوا في حاجة ماسة الى الطعام واللباس. لكنَّ الوصول اليهم كان يمكن ان يشكِّل مشكلة بسبب الحظر على شهود يهوه في ذلك البلد لسنين عديدة. ومع ذلك فان اخوتهم المسيحيين في جنوب افريقيا حمَّلوا شاحنة ٢٥ طنا من مؤن الاغاثة. وفي الطريق زاروا قنصلية آنڠولا فمُنحوا اذنا في عبور الحدود. وبغية الوصول الى الاخوة كان يجب ان يجتازوا ٣٠ حاجزا عسكريا، وحيث نُسف جسر، كان يجب ان يعبروا نهرا في طور الفيضان على جسر وقتي اقيم مكانه. وعلى الرغم من ذلك كله، سُلِّمت كامل الشحنة بأمان.
في اوقات الكارثة يُنجَز اكثر من مجرد شحن مؤن الاغاثة الى المنطقة. فعندما دمَّرت الانفجارات والنيران منطقة في احدى ضواحي مدينة مكسيكو في السنة ١٩٨٤، وصل الشهود بسرعة لتزويد المساعدة. لكنَّ شهودا كثيرين في المنطقة لم تكن معرفة مكانهم ممكنة، ولذلك رتَّب الشيوخ بحثا منظَّما لتحديد مكان كل فرد. فالبعض تشتتوا في اماكن اخرى. ومع ذلك، واصل الشهود بحثهم حتى وجدوا اماكنهم جميعا. فمُنحت المساعدة حسبما كان لازما. وفي حالة اخت فقدت زوجها وابنا لها، شمل ذلك الاهتمام بترتيبات الدفن ثم تزويد الدعم الكامل، ماديا وروحيا، للاخت وأولادها الباقين.
غالبا ما يلزم اكثر بكثير من الامدادات الطبية، وجبات قليلة من الطعام، وبعض الملابس. ففي السنة ١٩٨٩ دمَّرت عاصفة بيوت ١١٧ شاهدا في ڠوادلوپ وألحقت اضرارا جسيمة ببيوت ٣٠٠ آخرين. وسرعان ما اتى شهود يهوه في المارتينيك لمساعدتهم؛ ثم شحن الشهود في فرنسا اكثر من ١٠٠ طن من مواد البناء كتقدمة لمساعدتهم. وفي جزيرة سانت كروا، عندما قالت شاهدة كانت قد خسرت بيتها لزملاء العمل ان الرفقاء الشهود آتون من پورتو ريكو للمساعدة، قالوا: «لن يفعلوا لك شيئا. فأنت زنجية، ولست اسپانية مثلهم.» وكم فوجئ زملاء العمل هؤلاء عندما صار لديها سريعا بيت جديد تماما! وعقب زلزال في كوستاريكا في السنة ١٩٩١، عمل الشهود المحليون والمتطوعون الامميون معا لمساعدة الرفقاء الشهود في منطقة الكارثة. ودون ان يتوقعوا شيئا بالمقابل، اعادوا بناء ٣١ بيتا و ٥ قاعات ملكوت ورمَّموا اخرى. قال مراقبون: ‹الفرق الاخرى تتكلم عن المحبة؛ أما انتم فتظهرونها.›
والفعَّالية التي بها بذل شهود يهوه جهود الاغاثة كثيرا ما اذهلت المشاهدين. ففي كاليفورنيا، الولايات المتحدة الاميركية، في السنة ١٩٨٦ انهار سدّ على نهر يوبا وأجبرت السيول عشرات الآلاف من الناس على مغادرة منازلهم. فاتصل الشيوخ المسيحيون في المنطقة بالمركز الرئيسي في نيويورك، وتشكَّلت لجنة اغاثة. وحالما بدأت المياه بالانخفاض، كان مئات المتطوعين على استعداد للعمل. وقبل ان تتمكن وكالات الاغاثة الدنيوية من مباشرة العمل، كانت بيوت الشهود ترمَّم. فلماذا تمكنوا من التحرك بمثل هذه السرعة؟
كان احد العوامل الرئيسية استعداد الشهود للتطوع حالا دون اجر فضلا عن تبرُّعهم بالمواد اللازمة. وكان العامل الآخر خبرتهم في التنظيم والعمل معا، اذ يفعلون ذلك قانونيا لادارة محافلهم وبناء قاعات ملكوت جديدة. ولكن هنالك عامل حيوي آخر وهو انهم يولون الكثير من التفكير لما يعنيه الكتاب المقدس عندما يقول، «لتكن محبتكم بعضكم لبعض شديدة.» — ١ بطرس ٤:٨.
والتبرعات التي تُقدَّم لسدّ مثل هذه الحاجات كثيرا ما تأتي من افراد لديهم هم انفسهم القليل جدا. وكما تقول رسائلهم المرفقة في كثير من الاحيان: ‹الهبة صغيرة، لكنَّ قلبنا بكامله متسع لاخواتنا واخوتنا.› ‹ليتني كنت استطيع ان ارسل اكثر، لكنَّ ما سمح لي يهوه بحيازته اودّ الاشتراك فيه.› وكمسيحيي القرن الاول في مكدونية، يلتمسون بحرارة امتياز الاشتراك في تزويد ضرورات الحياة للمعوزين. (٢ كورنثوس ٨:١-٤) وعندما تُرك اكثر من ٠٠٠,٢٠٠ كوري دون مسكن نتيجة الفيضان في السنة ١٩٨٤، تجاوب شهود يهوه في جمهورية كوريا بسخاء حتى ان مكتب الفرع اضطر ان يعلن انه لم تعد هنالك حاجة الى مزيد من المساعدة.
يمكن للمراقبين ان يروا بسهولة ان ما يدفع الشهود هو اكثر من مجرد الشعور بالمسؤولية او الميل العام الى حب الخير. فهم يحبون حقا اخوتهم وأخواتهم المسيحيين.
وبالاضافة الى الاعتناء بالحاجات الجسدية يمنح شهود يهوه انتباها خصوصيا لحاجات اخوتهم الروحية في المناطق المنكوبة. فالترتيبات تُصنع بأسرع ما يمكن لاستئناف اجتماعات الجماعة. وفي اليونان، في السنة ١٩٨٦، تطلَّب ذلك نصب خيمة كبيرة خارج مدينة كالاماتا لاستعمالها كقاعة ملكوت، وخيام اصغر في مواقع مختلفة لدروس الكتاب الجماعية وسط الاسبوع. وبشكل مماثل، بعد الاعتناء بالحاجات الجسدية للناجين من التدفق الوحلي المخرِّب في آرميرو، كولومبيا، في السنة ١٩٨٥، استُخدمت الاموال الباقية لبناء قاعات ملكوت جديدة لثلاث جماعات في المنطقة.
وحتى فيما يكون مثل هذا العمل لاعادة البناء جاريا، يستمر شهود يهوه في تعزية الآخرين بالاجوبة المانحة الاكتفاء التي تعطيها كلمة اللّٰه عن اسئلتهم حول القصد من الحياة، سبب الكوارث والموت، والرجاء للمستقبل.
وجهود الشهود للاغاثة لا يُقصَد بها الاعتناء بالحاجات الجسدية لكل فرد في المنطقة المنكوبة. فبحسب غلاطية ٦:١٠ تُبذَل هذه بشكل رئيسي من اجل «اهل الايمان.» وفي الوقت نفسه، يساعدون الآخرين بسرور حسب طاقتهم. وقد فعلوا ذلك، مثلا، عند تزويد الطعام لضحايا الزلزال في ايطاليا. وفي الولايات المتحدة، عند مساعدة ضحايا الفيضانات والعواصف، نظَّفوا ورمَّموا ايضا بيوت الجيران المضطربين للشهود. وعندما يُسألون عن سبب انجاز اعمال اللطف هذه للغرباء، يجيبون ببساطة انهم يحبون جيرانهم. (متى ٢٢:٣٩) وعقب اعصار مخرِّب في جنوبي فلوريدا، الولايات المتحدة الاميركية، في السنة ١٩٩٢، صار برنامج الشهود للاغاثة المنظَّم جيدا مشهورا حتى ان بعض المؤسسات التجارية والافراد غير الشهود الذين ارادوا ان يساهموا بشكل ذي معنى في مؤن الاغاثة سلَّموا هذه للشهود. فقد عرفوا ان هبتهم لن تبقى في مخزون احتياطي، ولن تُستخدم للربح، ولكنها ستفيد حقا ضحايا الاعصار، الشهود وغير الشهود على السواء. واستعدادهم لمساعدة غير الشهود وقت الكارثة قُدِّر كثيرا في داڤاو دِل نورتي، في الفيليپين، حتى ان رسميي البلدة اصدروا بيانا يعبِّرون فيه عن ذلك.
ولكن، لا يحب كل فرد المسيحيين الحقيقيين. وكثيرا ما يكونون هدفا للاضطهاد الشديد. وهذا الوضع ايضا يجلب تدفقا سخيا من الدعم الحبي للرفقاء المسيحيين.
في وجه الاضطهاد الوحشي
شبَّه الرسول بولس الجماعة المسيحية بالجسد البشري وقال: «تهتم الاعضاء اهتماما واحدا بعضها لبعض. فان كان عضو واحد يتألم فجميع الاعضاء تتألم معه.» (١ كورنثوس ١٢:٢٥، ٢٦) هكذا يكون رد فعل شهود يهوه عندما يسمعون اخبارا عن اضطهاد اخوتهم المسيحيين.
ففي المانيا خلال الحقبة النازية، اتخذت الحكومة اجراءات قمع قاسية ضد شهود يهوه. وكان هنالك نحو ٠٠٠,٢٠ شاهد فقط في المانيا آنذاك، فريق صغير نسبيا يحتقره هتلر. فلزم عمل موحَّد. وفي ٧ تشرين الاول ١٩٣٤، اجتمعت كل جماعة لشهود يهوه سرا في كل انحاء المانيا، صلَّوا معا، وأرسلوا رسالة الى الحكومة تذكر تصميمهم على الاستمرار في خدمة يهوه. ثم خرج كثيرون من الحاضرين ليشهدوا بجرأة لجيرانهم عن اسم يهوه وملكوته. وفي اليوم نفسه اجتمع ايضا شهود يهوه في باقي الارض في جماعاتهم، وبعد صلاة متحدة، ارسلوا برقيات الى حكومة هتلر دعما لاخوتهم المسيحيين.
وفي السنة ١٩٤٨، بعد ان كُشف عن الاضطهاد الذي يثيره رجال الدين على شهود يهوه في اليونان، تلقى رئيس جمهورية اليونان ومختلف وزراء الحكومة آلاف الرسائل من شهود يهوه لاجل اخوتهم المسيحيين. وهذه وردت من الفيليپين، اوستراليا، اميركا الشمالية والجنوبية، ومناطق اخرى.
وعندما شهَّرت مجلة استيقظ! الاساليب التعسفية المستخدمة ضد الشهود في اسپانيا في السنة ١٩٦١، غمرت رسائل الاحتجاج السلطات هناك. فصَدم الرسميين ان يجدوا ان الناس حول العالم عرفوا تماما ما كانوا يفعلونه، ونتيجة لذلك، على الرغم من استمرار الاضطهاد، ابتدأ بعض رجال الشرطة يتعاملون مع الشهود بمزيد من التحفظ. وفي مختلف البلدان الافريقية ايضا تسلَّم الرسميون رسائل من الشهود في انحاء كثيرة اخرى من العالم عندما علِموا بالمعاملة الوحشية التي يختبرها اخوتهم وأخواتهم المسيحيون هناك.
واذا لم يكن التجاوب المؤاتي من الحكومة وشيكا فان الشهود المضطهَدين لا يُنسَون. وبسبب الاستمرار في الاضطهاد الديني سنين عديدة، غُمِرت بعض الحكومات تكرارا برسائل الالتماس والاحتجاج. وقد صح ذلك في الارجنتين. ففي احدى المناسبات في السنة ١٩٥٩ اخذ وزير الشؤون الخارجية والاديان احد اخوتنا الى غرفة توجد فيها عدة خزائن كتب ملآنة رسائل انهالت من كل انحاء العالم. وقد اذهله ان يكتب شخص من مكان بعيد جدا كفيجي ملتمسا حرية العبادة في الارجنتين.
وفي بعض الحالات مُنح مزيد من الحرية عندما ادرك الحكام ان الناس حول العالم يعرفون ما يفعلونه وأن هنالك كثيرين يهتمون حقا بما يجري. وصح ذلك في لَيبيريا سنة ١٩٦٣. فقد تلقى مندوبو المحفل في بانْڠا من عسكر الحكومة معاملة وحشية. فانهالت على رئيس جمهورية لَيبيريا رسائل احتجاج من مختلف انحاء العالم، وتدخلت وزارة الخارجية الاميركية لان مواطنا اميركيا كان مشمولا. وأخيرا ابرق رئيس الجمهورية تَبْمان الى المركز الرئيسي لجمعية برج المراقبة معبِّرا عن استعداده لاستقبال وفد من شهود يهوه لمناقشة الامور. واثنان من المندوبين — ميلتون هنشل وجون شاروك — كانا في بانْڠا. فاعترف السيد تَبْمان ان ما حدث كان «اعتداء» وقال: «انا آسف على حدوث ذلك.»
وعقب تلك المقابلة، صدر امر تنفيذي يُبلِغ «جميع الناس في كل البلد ان شهود يهوه سيكون لهم حق وامتياز الوصول بحرية الى اية ناحية من البلد لانجاز عملهم الارسالي وعبادتهم الدينية دون ان يتعرَّض لهم احد. وسيتمتعون بحماية القانون لشخصهم وممتلكاتهم على السواء وبالحق في عبادة اللّٰه بحرية حسبما تمليه عليهم ضمائرهم، متقيدين في الوقت نفسه بقوانين الجمهورية باظهار الاحترام للعلَم القومي عند رفعه او خفضه في الاحتفالات بالوقوف ساكنين.» ولكن لم يُطلَب ان يلقوا التحية، خلافا لضميرهم المسيحي.
أما في ملاوي، في السنة ١٩٩٢، فلم يكن مثل هذا البيان الرسمي وشيكا بعدُ، مع ان العنف ضد الشهود هناك انخفض الى حد كبير. وشهود يهوه هناك كانوا ضحايا الاضطهاد الديني الاكثر وحشية في التاريخ الافريقي. فقد اجتاحت البلد موجة اضطهاد كهذا في السنة ١٩٦٧؛ وبدأت اخرى باكرا في سبعينات الـ ١٩٠٠. فكُتبت عشرات الآلاف من الرسائل لاجلهم من كل انحاء العالم. وجرت اتصالات هاتفية. وأُرسلت برقيات كبلية. ولاسباب انسانية اندفع اشخاص بارزون كثيرون في العالم الى التعبير عن رأيهم جهارا.
وكانت الوحشية متطرفة جدا حتى ان نحو ٠٠٠,١٩ من شهود يهوه وأولادهم فرّوا عبر الحدود الى زامبيا في السنة ١٩٧٢. وجماعات الشهود المجاورة في زامبيا جمعوا بسرعة الطعام والدُّثُر لاخوتهم. والمال والمؤن التي وهبها شهود يهوه في كل انحاء العالم تدفقت الى مكاتب فروع برج المراقبة وجرى نقلها الى اللاجئين بواسطة مكتب المركز الرئيسي في نيويورك. فجرى تلقّي اكثر مما يلزم للاعتناء بكل حاجات اللاجئين في المخيم في سيندا ميسال. واذ انتشرت الاخبار في المخيم عن وصول شاحنات محمَّلة طعاما، لباسا، وقماشا مشمَّعا لتزويد الاغطية، لم يستطع الاخوة الملاويون حبس دموع الفرح بسبب هذا الدليل على محبة اخوتهم المسيحيين.
وعندما يُسجَن افراد منهم لا يتخلى عنهم الرفقاء الشهود، حتى ولا عندما يشمل الامر مخاطرة شخصية. فخلال الحظر في الارجنتين، عندما احتُجز فريق من الشهود ٤٥ ساعة، احضر لهم اربعة شهود آخرين الطعام واللباس، ولكن ليُسجَنوا هم انفسهم. وفي السنة ١٩٨٩ حاولت زوجة ناظر دائرة في بوروندي، عندما علمت بحالة اخوتها المسيحيين، ان تأخذ لهم الطعام الى السجن. ولكن أُلقي القبض عليها واحتُجزت رهينة مدة اسبوعين، لان رجال الشرطة كانوا يحاولون العثور على زوجها.
وفضلا عما يمكنهم فعله بكل هذه الطرائق فان المحبة لاخوتهم المسيحيين تدفع شهود يهوه الى رفع اصواتهم في الصلاة الى اللّٰه لاجلهم. وهم لا يصلّون ان يضع اللّٰه حدّا فوريا للحروب والنقص في الاغذية، لان يسوع المسيح سبق وأنبأ بمثل هذه الامور لزمننا. (متى ٢٤:٧) ولا يصلّون الى اللّٰه ليمنع كل اضطهاد، لان الكتاب المقدس يبيِّن بوضوح ان المسيحيين الحقيقيين سيُضطهدون. (يوحنا ١٥:٢٠؛ ٢ تيموثاوس ٣:١٢) لكنهم يلتمسون بحرارة ان يتقوى اخوتهم وأخواتهم المسيحيون ليثبتوا في الايمان في وجه اية مشقة تأتي عليهم. (قارنوا كولوسي ٤:١٢.) واذ يشهد السجل على قوتهم الروحية يعطي الدليل الوافر على ان مثل هذه الصلوات قد استُجيبت.
[الحاشيتان]
a انظروا برج المراقبة، ١ تموز ١٩٨١ «هل يمكن ان تساعدوا الارامل والاولاد العديمي الاب ‹في ضيقتهم›؟» (١٥ ايلول ١٩٨٠، بالانكليزية)؛ ١ حزيران ١٩٨٧، الصفحات ١٠-٢١ (١٥ تشرين الاول ١٩٨٦، بالانكليزية)؛ ١٥ تشرين الثاني ١٩٨٧ «ناظرين الى مصالح المتقدمين في السن،» ١ كانون الاول ١٩٨٧ «ممارسين التعبد التقوي في ما يتعلق بالوالدين المتقدمين في السن» (١ حزيران ١٩٨٧، الصفحات ٤-١٨، بالانكليزية)؛ ١٥ تموز ١٩٨٨، الصفحات ٢١-٢٣؛ ١ آذار ١٩٩٠، الصفحات ٢٠-٢٢.
b انظروا برج المراقبة، ١ كانون الاول ١٩٤٥، الصفحات ٣٥٥-٣٦٣ (بالانكليزية).
[النبذة في الصفحة ٣٠٥]
الانتباه الى حالات الحاجة الخصوصية لا يُترك للصدفة
[النبذة في الصفحة ٣٠٧]
المساعدة التي تنجم عن الاهتمام الشخصي الحبي
[النبذة في الصفحة ٣٠٨]
معالجة الحاجات الماسة الى الاغاثة
[النبذة في الصفحة ٣١٢]
بحث منظَّم لتحديد مكان كل شاهد في منطقة الكارثة
[النبذة في الصفحة ٣١٥]
فعل الخير لغير الشهود ايضا
[النبذة في الصفحة ٣١٧]
دموع الفرح بسبب المحبة التي اظهرها اخوتهم المسيحيون
[الاطار في الصفحة ٣٠٩]
«انتم تحبون حقا بعضكم بعضا»
بعد مراقبة المتطوعين الشهود في لبنان الذي مزقته الحرب وهم يرمِّمون كاملا بيتا متضررا كثيرا لاحدى اخواتهم المسيحيات، اندفع جيرانها الى السؤال: «من اين تأتي هذه المحبة؟ ايّ نوع من الناس انتم؟» وقالت امرأة مسلمة وهي تراقب تنظيف واصلاح بيت الشاهدة: «انتم تحبون حقا بعضكم بعضا. دينكم هو الدين الصحيح.»
[الاطار في الصفحة ٣١٦]
اخوة وأخوات حقيقيون
في ما يتعلق باللاجئين الشهود الكوبيين في فورت تْشافي، آركانساس، قالت «آركانساس ڠازِت»: «كانوا اول مَن أُعيد اسكانهم في بيوت جديدة لأن ‹اخوتهم وأخواتهم› الاميركيين — شهود يهوه الرفقاء — بذلوا جهدا خصوصيا لانقاذهم. . . . وعندما يدعو الشهود نظراءهم الروحيين في ايّ بلد ‹اخوة وأخوات،› فانهم يعنون ذلك حقا.» — عدد ١٩ نيسان ١٩٨١.
[الصورتان في الصفحة ٣٠٦]
بعد الحرب العالمية الثانية شحنوا الطعام واللباس الى الرفقاء الشهود المعوزين في ١٨ بلدا
الولايات المتحدة
سويسرا
[الصورتان في الصفحة ٣١١]
في السنة ١٩٩٠، وحَّد الشهود في البلدان المجاورة جهودهم لمساعدة الرفقاء المؤمنين في رومانيا
[الصورتان في الصفحة ٣١٠]
الشهود الذين نجوا من الزلزال في الپيرو بنوا مدينة ملجإهم وساعدوا بعضهم بعضا
امدادات الاغاثة التي اتى بها شهود آخرون (ادناه) كانت بين الامدادات الاولى التي تصل الى المنطقة
[الصور في الصفحة ٣١٣]
جهود الاغاثة كثيرا ما تشمل تزويد المواد والمتطوعين لمساعدة الرفقاء الشهود في اعادة بناء بيوتهم
ڠواتيمالا
پاناما
المكسيك
[الصورة في الصفحة ٣١٤]
جهود الشهود للاغاثة تشمل البناء الروحي. في كالاماتا، اليونان، وخارج المدينة على السواء، نُصبت سريعا الخيام للاجتماعات