فارِس، الفُرس
بلاد وشعب يُذكر تكرارا مع الماديين، سواء في الكتاب المقدس او في التاريخ الدنيوي. جمعت بين الماديين والفرس صلة قرابة، وكانوا كما يتضح من القبائل الآرية (الهندو-ايرانية) القديمة. وهذا ما يجعل الفرس متحدرين من يافث، ربما عبر ماداي، السلف المشترك الذي ينتمي اليه الماديون ايضا. (تك ١٠:٢) وفي احد النقوش، يقول داريوس الكبير عن نفسه انه «فارسي، ابن فارسي، آري، من النسل الآري». — تاريخ الامبراطورية الفارسية، بقلم ا. اولمستيد، ١٩٤٨، ص ٢٣١.
تتحدث النقوش الاشورية المختصة بزمن شلمنأسر الثالث (الذي عاصر كما يتضح ياهو ملك اسرائيل) عن غزو لمادي وأخذ جزية من ملوك «فَرْسُوَا»، وهي منطقة كانت تقع كما يظهر غرب بحيرة أُرمية ومتاخمة لأشور. ويرى علماء كثيرون ان «فَرْسُوَا» هو الاسم الذي كان يطلق آنذاك على بلاد الفرس، مع ان علماء آخرين يربطون الاسم بالفرثيين. على اية حال، يحدَّد موقع الفرس في نقوش لاحقة على مسافة ابعد باتجاه الجنوب، اذ يقال انهم يسكنون «فَرْسَا» جنوب شرق عيلام، في ما هو اليوم اقليم فارس في ايران. كما كان الفرس موجودين في أنشان، وهي مقاطعة او مدينة على حدود عيلام ربما كانت سابقا واقعة ضمن نطاق نفوذها.
وهكذا يبدو ان الفرس في فجر تاريخهم ما كانوا يشغلون سوى الجزء الجنوبي الغربي من الهضبة الايرانية الواسعة، وكانت تحدهم عيلام ومادي في الشمال الغربي، فرثيا في الشمال، كرمان في الشرق، والخليج العربي في الجنوب والجنوب الغربي. وباستثناء الاراضي الساحلية الحارة والرطبة على الخليج العربي، ضمت الارض بشكل رئيسي القسم الجنوبي لسلسلة جبال زڠروس الوعرة، وهو قسم تشقه اودية طويلة وخصبة جدا تغطي الغابات منحدراتها. والمناخ في الاودية معتدل، ولكن في الانحاء المرتفعة من الهضبة يشتد البرد في الاراضي القاحلة التي تعصف بها الرياح خلال اشهر الشتاء. ويبدو ان الفرس كانوا، كالماديين، يركزون على تربية الماشية بالاضافة الى الاهتمام بالزراعات الاساسية. وقد افتخر الملك الفارسي داريوس الكبير بموطنه واصفا اياه بأنه مكان «جميل يعج بالناس والخيول». — دائرة المعارف البريطانية، ١٩٥٩، المجلد ١٧، ص ٦٠٣.
عاش الفرس في الاصل حياة بسيطة يغلب عليها الترحال، ولكن خلال عهد الامبراطورية صار عندهم شغف بالرفاهية وإحاطة النفس بمظاهر الفخفخة. (قارن اس ١:٣-٧؛ ايضا ٨:١٥ التي تصف الثياب التي أُعطيت لمردخاي.) ويظهر الفرس في المنحوتات في پرسيپوليس لابسين ثيابا متهدلة تصل الى الكاحل وممنطقة عند الوسط، وهم ينتعلون احذية غير طويلة الساق لها اربطة. اما الماديون فيصوَّرون لابسين رداء ضيقا طويل الكمين يصل الى حدود الركبة. (الصورة في المجلد ٢، ص X) ويبدو ان الفرس والماديين على السواء لبسوا السراويل، ويُصوّر الجنود الفرس لابسين سراويل وأقمصة ذات كمين فوق درع من صفائح الحديد. وقد كانوا فرسانا مهرة، ولعب الخيالة دورا هاما في الاستراتيجيات الحربية.
تُصنف اللغة الفارسية ضمن الاسرة الهندو اوروبية، وفيها ما يدل على ارتباطها بالسنسكريتية الهندية. وقد بدأ الفرس في مرحلة من تاريخهم يستعملون اسلوب الكتابة المسمارية، وإنما مع عدد مخفض كثيرا من الرموز مقارنة بمئات الرموز المستعملة في الكتابة المسمارية البابلية والاشورية. وفي حين كانت بعض النقوش خلال حكم الامبراطورية الفارسية مكتوبة بالفارسية القديمة مع ترجمات بالاكادية وبلغة تسمى عموما «العيلامية» او «الشوشنية»، كانت الوثائق الرسمية المستخدمة في ادارة اقاليم الامبراطورية تسجَّل عموما بالارامية باعتبارها لغة عالمية. — عز ٤:٧.
تطور امبراطورية مادي وفارس: (الخريطة في المجلد ٢، ص ٣٢٧ [بالانكليزية]) يبدو ان عددا من الاسر النبيلة كانت تحكم الفرس، شأنهم في ذلك شأن الماديين. ومن احدى هذه الاسر اتت سلالة الملوك الاخمينيين، وهي السلالة الملكية التي تحدر منها كورش الكبير مؤسس الامبراطورية الفارسية. وقد قام كورش، الذي وُلد من اب فارسي وأمّ مادية بحسب قول هيرودوتس وزينوفون، بتوحيد الفرس تحت لوائه. (هيرودوتس، ١:١٠٧، ١٠٨؛ كيروبيديا، ١، ٢، ١) وحتى ذلك الوقت كان الماديون هم المسيطرين على الفرس، لكن كورش احرز انتصارا سريعا على الملك المادي أستياجس واستولى على عاصمته اكبتانا (سنة ٥٥٠ قم). (قارن دا ٨:٣، ٢٠.) وهكذا صارت الامبراطورية المادية في يد الفرس.
مع ان الماديين بقوا خاضعين للفرس طوال الفترة التي استمرت فيها السلالة الاخمينية، ما من شك في ان الامبراطورية التي نشأت كانت ذات طبيعة مزدوجة. لذلك يذكر كتاب تاريخ الامبراطورية الفارسية (ص ٣٧): «لم تُنسَ قط تلك العلاقة الوثيقة بين الفرس والماديين. فقد بقيت اكبتانا المنهوبة مقرا ملكيا مفضلا. وكُرّم الماديون مثلما كُرّم الفرس، اذ وُضعوا في مراكز رفيعة واختيروا ليقودوا الجيوش الفارسية. وكان الاجانب يذكرون دائما الماديين والفرس معا، وعندما ارادوا الاكتفاء بكلمة واحدة قالوا ‹الماديون›».
في ايام كورش، توسعت امبراطورية مادي وفارس غربا، اذ بلغت بحر إيجه اثر انتصار الفرس على كريسوس (قارون) ملك ليديا وإخضاع بعض المدن الساحلية اليونانية. لكن اهم غزوات كورش حدثت سنة ٥٣٩ قم، وذلك حين ترأس تحالف القوات المادية والفارسية والعيلامية واحتل بابل الجبارة، اتماما لنبوات الكتاب المقدس. (اش ٢١:٢، ٩؛ ٤٤:٢٦–٤٥:٧؛ دا ٥:٢٨) وبسقوط بابل انتهى التفوق السامي الذي دام طويلا، لتحل محله اول دولة عالمية مهيمِنة من اصل آري (من يافث). كما ان هذه الدولة اخضعت ارض يهوذا (اضافة الى سورية وفينيقية) لسلطة مادي وفارس. وبفضل مرسوم كورش، سُمح لليهود المسبيين بالعودة سنة ٥٣٧ قم الى ارضهم التي بقيت خربة ٧٠ سنة بالتمام. — ٢ اخ ٣٦:٢٠-٢٣؛ انظر «كُورُش».
العواصم الفارسية: تمشيا مع الطبيعة المزدوجة للامبراطورية، صار شخص ماديّ يدعى داريوس حاكما لمملكة الكلدانيين المنهزمة، مع انه لم يكن على الارجح مستقلا عن سلطة كورش. (دا ٥:٣١؛ ٩:١؛ انظر «دارِيُوس» رقم ١.) وبقيت بابل مدينة ملكية في امبراطورية مادي وفارس، اضافة الى كونها مركزا دينيا وتجاريا. ولكن يبدو عموما ان الاباطرة الفرس ما كانوا مستعدين لتحمل فصول الصيف الحارة هناك، ولذلك نادرا ما كانت بابل اكثر من مقر شتوي لهم. وتوجد ادلة اثرية تُظهر ان كورش، بعد احتلاله بابل، عاد بسرعة الى احمثا (اكبتانا، وهي همدان اليوم) الواقعة على ارتفاع اكثر من ٩٠٠,١ م (٢٠٠,٦ قدم) فوق سطح البحر، عند سفح جبل ألوَند، حيث تعوّض فصول الصيف اللطيفة عن كثافة الثلوج وشدة البرد في الشتاء. وفي احمثا عُثر على مذكرة كورش المتعلقة بإعادة بناء هيكل اورشليم بعد مرور عدة سنوات على اصدارها. (عز ٦:٢-٥) وعلى مسافة ٦٥٠ كلم (٤٠٠ ميل) تقريبا جنوب شرق احمثا، وعلى نفس الارتفاع تقريبا، كانت تقع العاصمة الفارسية السابقة پاسارْڠاديه. وقرب پاسارْڠاديه، قام لاحقا الاباطرة الفرس داريوس وزركسيس وأرتحشستا الطويل اليد ببناء مدينة پرسيپوليس الملكية، وجهّزوها بشبكة واسعة من الانفاق الممتدة تحت الارض لتوفير المياه العذبة كما يتضح. والعاصمة الاخرى هي سوسة (شوشن) الواقعة قرب نهر كرخة في عيلام القديمة، والتي كانت تشغل موقعا وسطيا استراتيجيا بين بابل وأحمثا وپرسيپوليس. وهنا بنى داريوس الكبير قصرا فخما استُخدم عموما ليكون مقرا شتويا لأن حرارة الصيف في سوسة كانت شديدة للغاية مثلما كانت الحال في بابل. ولكن على مر الوقت، صارت سوسة المركز الاداري الفعلي للامبراطورية. — انظر «شُوشَن».
الدين والقانون: مع انه كان بإمكان الحكام الفرس ان يتصرفوا بوحشية ملوك اشور وبابل الساميين، يبدو انهم حاولوا (في البداية على الاقل) ان يعربوا عن شيء من الانسانية والالتزام بالقانون في تعاملاتهم مع الشعوب التي احتلوا اراضيها. ويبدو ان دينهم انطوى على بعض المفاهيم الاخلاقية. فبعد الههم الرئيسي أهورا مزدا، اتى معبود بارز يدعى مِثرا الذي كان معروفا ليس فقط بإله الحرب بل ايضا بإله العقود، الاله الذي تبقى عيناه وأذناه دائما يقظة لكشف امر اي شخص يخالف اتفاقا. (انظر «الآلهة والإلاهات».) وقد كتب المؤرخ اليوناني هيرودوتس (١:١٣٦، ١٣٨) عن الفرس: «انهم يعلّمون صبيانهم من سن الخامسة حتى العشرين ثلاثة امور فقط: ركوب الخيل ورمي السهام والصدق. . . . فهم يعتبرون الكذب ابغض الامور». وفي حين ان تاريخ الحكام الفرس لا يبرزهم بمظهر المترفعين عن النفاق ورسم المكائد، فإن التزامهم الراسخ بعقيدة ‹الوفاء بالوعد› السائدة بين القبائل ربما انعكس في حرصهم الشديد على عدم انتهاك «شريعة الماديين والفرس». (دا ٦:٨، ١٥؛ اس ١:١٩؛ ٨:٨) وهكذا عندما وُجد مرسوم كورش بعد نحو ١٨ سنة من تاريخ اصداره، اعترف الملك داريوس بشرعية موقف اليهود بشأن بناء الهيكل وأمر بالتعاون الكامل معهم. — عز ٦:١-١٢.
تميز نظام الامبراطورية الفارسية بكفاءة ادارية ملحوظة. فبالاضافة الى مجلس شورى الملك، او اللجنة الاستشارية، المؤلف من «سبعة رؤساء فارس ومادي» (اس ١:١٤؛ عز ٧:١٤)، وُجد مرازبة معينون على مناطق رئيسية او بلدان مثل: مادي، عيلام، فرثيا، بلاد بابل، اشور، بلاد العرب، ارمينيا، كبدوكية، ليديا، ايونيا، بالاضافة الى مصر والحبشة وليبيا بعد توسع الامبراطورية. ومُنح هؤلاء المرازبة قدرا من الاستقلال في حكم مرزباناتهم، بما في ذلك ادارة الشؤون القضائية والمالية ضمن اراضيهم. (انظر «المرزبان».) ويبدو انه وُجد ضمن المرزبانة ولاة اقاليم تابعون (بلغ عدد هذه الاقاليم ١٢٧ في ايام الملك احشويروش)، وضمن الاقاليم وُجد رؤساء على الشعوب التي تؤلف سكان الاقاليم. (عز ٨:٣٦؛ اس ٣:١٢؛ ٨:٩) وعلى الارجح، من اجل تخطي مشكلة وجود عاصمة الامبراطورية على مسافة بعيدة بعض الشيء عن وسط اراضيها المترامية الاطراف، أنشئ نظام سريع للاتصالات بواسطة خدمة البريد الملكي التي تستعين بسعاة يركبون على جياد البريد، فيجعلون العرش على تواصل مع كل الاقاليم. (اس ٨:١٠، ١٤) وكانت هناك طرق ملكية سريعة امتدت احداها من شوشن الى ساردس في آسيا الصغرى.
من موت كورش الى موت داريوس: انتهى حكم كورش الكبير سنة ٥٣٠ قم حين مات في احدى حملاته العسكرية. فخلفه على العرش ابنه قمبيز الذي تمكن من فتح مصر. ومع ان الكتاب المقدس لا يشير اليه باسم قمبيز، من الواضح انه «احشويروش» الذي ارسل اليه مقاومو عمل بناء الهيكل تهما باطلة ضد اليهود، كما يرد في عزرا ٤:٦.
يوجد بعض الالتباس في الظروف التي تدور حول نهاية حكم قمبيز. فبحسب احدى الروايات التي اوردها داريوس الكبير في نقش بهيستون، والتي سردها هيرودوتس وآخرون مع بعض الاختلافات، امر قمبيز بقتل اخيه برديا (يدعوه هيرودوتس سمرديس) سرا. وبعد ذلك، حين كان قمبيز في مصر غائبا عن البلاد، تظاهر مجوسي يدعى ڠوماتا (ايضا يدعوه هيرودوتس سمرديس) بأنه برديا (سمرديس) واغتصب العرش، كما استطاع ان يحصل على اعتراف رسمي به كملك. ومات قمبيز خلال عودته من مصر، فأمّن المغتصب مركزه على العرش. (هيرودوتس، ٣:٦١-٦٧) اما الرواية الاخرى التي يفضلها بعض العلماء فتقول ان برديا لم يُقتل، وإنه هو (وليس شخصا انتحل اسمه) الذي اغتصب العرش خلال غياب قمبيز.
على اية حال، بلغ مُلك قمبيز نهايته سنة ٥٢٢ قم، ولم يدم حكم مغتصب العرش (سواء أكان برديا ام ڠوماتا، سمرديس الزائف) اكثر من سبعة اشهر، اذ انتهى سنة ٥٢٢ قم باغتياله ايضا. ولكن يبدو انه خلال هذا المُلك القصير وصلت الى العرش الفارسي تهمة ثانية موجهة الى اليهود، ويدعو الكتاب المقدس الملك الحاكم في ذلك الوقت «ارتحشستا» (ربما لقب او اسم يحمله الملك عند اعتلاء العرش). وفي هذه المرة نجحت التهم الموجهة في فرض حظر ملكي على مواصلة بناء الهيكل. (عز ٤:٧-٢٣) وبقي عمل بناء الهيكل متوقفا «الى السنة الثانية من مُلك داريوس مَلك فارس». — عز ٤:٢٤.
يتبين ان داريوس الاول (الذي يدعى داريوس هستاسپس او داريوس الكبير) دبّر او حرّض على قتل الحاكم الجالس على عرش فارس، وأخذ المُلك لنفسه. وخلال مُلكه استؤنف العمل بعد الحصول على موافقته في بناء الهيكل بأورشليم، واكتمل تشييد الهيكل في السنة السادسة لمُلكه (في اوائل سنة ٥١٥ قم). (عز ٦:١-١٥) وقد تميز حكم داريوس بتوسع اطراف الامبراطورية. فقد بسط الهيمنة الفارسية حتى الهند شرقا وحتى تراقيا ومقدونية غربا.
بحلول هذا الوقت على الاقل، كان الحكام الفرس قد تمموا الرموز النبوية في دانيال ٧:٥ و ٨:٤، حيث تُصوَّر الامبراطورية المادية والفارسية، المشبهة بدب وبكبش ايضا، انها تستولي على الاراضي في ثلاثة اتجاهات رئيسية: الشمال والغرب والجنوب. لكن قوات داريوس مُنيت بهزيمة في ماراثون سنة ٤٩٠ قم في حملة شنها على اليونان. ومات داريوس سنة ٤٨٦ قم. — انظر «دارِيُوس» رقم ٢.
ملك زركسيس وأرتحشستا: من الواضح ان زركسيس بن داريوس هو الملك الذي يدعوه سفر استير احشويروش. وتتفق انجازاته مع ما يوصف به الملك الفارسي الرابع الذي «يثير الجميع على مملكة اليونان». (دا ١١:٢) فقد هاجم احشويروش البَر اليوناني الرئيسي بجحافل من الجيوش سنة ٤٨٠ قم ردا على هزيمة الفرس في ماراثون. وبعد تحقيق نصر مكلف في ثرموپيلي وتدمير اثينا، هُزمت قوات احشويروش في سلاميس وبعد ذلك في پلاتيا، فعاد ادراجه الى فارس.
تميز حكم احشويروش ببعض الاصلاحات الادارية وإكمال الكثير من اعمال البناء التي استهلها ابوه في پرسيپوليس. (قارن اس ١٠:١، ٢.) والقصص اليونانية عن انتهاء حكم احشويروش تمحورت حول نشوء مشاكل زوجية وحدوث بلبلة بين الحريم وسيطرة مزعومة لبعض رجال حاشيته عليه. وقد تعكس هذه الروايات، وإنما بطريقة مشوشة ومحرفة جدا، بعض الوقائع الاساسية التي يوردها سفر استير، مثل خلع الملكة وشتي واستبدالها بأستير وترفيع مردخاي الى مركز سلطة اعلى في المملكة. (اس ٢:١٧؛ ١٠:٣) وبحسب الروايات الدنيوية، اغتيل احشويروش على يد احد رجال حاشيته.
يُعرف ارتحشستا الطويل اليد، خليفة احشويروش، بأنه اجاز لعزرا ان يعود الى اورشليم حاملا معه تبرعا كبيرا لدعم الهيكل هناك. وقد حدث ذلك في السنة السابعة لأرتحشستا (٤٦٨ قم). (عز ٧:١-٢٦؛ ٨:٢٤-٣٦) اما في سنته الـ ٢٠ (٤٥٥ قم)، فأُذن لنحميا ان يذهب الى اورشليم لإعادة بناء المدينة. (نح ١:٣؛ ٢:١، ٥-٨) وفي وقت لاحق عاد نحميا مؤقتا الى بلاط ارتحشستا في السنة الـ ٣٢ لهذا الملك (٤٤٣ قم). — نح ١٣:٦.
يوجد بعض التضارب في الكتابات التاريخية حول حكم احشويروش وحكم ارتحشستا. فالمراجع تجعل سنة ٤٦٥ قم سنة اعتلاء ارتحشستا العرش. ويُرى من بعض الوثائق ان حكم ابيه احشويروش كان لا يزال مستمرا في السنة الـ ٢١ لملكه. والمتعارف عليه ان حكم احشويروش يُحسب من سنة ٤٨٦ قم، تاريخ موت ابيه، وأن سنة مُلكه الاولى بدأت سنة ٤٨٥ قم. وغالبا ما يقال ان سنته الـ ٢١ وسنة اعتلاء ارتحشستا العرش هي سنة ٤٦٥ قم. وبالنسبة الى ارتحشستا، يقول العلماء عموما ان آخر سنة من حكمه بدأت سنة ٤٢٤ قم. وتذكر بعض الوثائق ان هذه السنة هي السنة الـ ٤١ لمُلك ارتحشستا. وإذا كان ذلك صحيحا، فهو يعني ان سنة اعتلائه العرش هي ٤٦٥ قم وأن سنة مُلكه الاولى بدأت سنة ٤٦٤ قم.
ولكن توجد ادلة متينة تجعل من السنة ٤٧٥ قم سنة احشويروش الاخيرة وسنة اعتلاء ارتحشستا العرش. وتُستقى هذه الادلة من ثلاثة مصادر: يونانية وفارسية وبابلية.
الدليل من المصادر اليونانية: ثمة حادثة مسجلة في التاريخ اليوناني يمكن ان تساعدنا على تحديد تاريخ ابتداء ملك ارتحشستا. فقد خسر رجل الدولة والبطل العسكري اليوناني ثيميسْتوكليس حظوته لدى مواطنيه وهرب الى فارس طلبا للامان. وبحسب المؤرخ اليوناني ثوسيديديس (١، ١٣٧، ٣) الذي نال شهرة بسبب بدقته، قام ثيميسْتوكليس في ذلك الوقت «بإرسال رسالة الى الملك ارتحشستا بن احشويروش، الذي كان قد وصل مؤخرا الى العرش». وتذكر سِيَر پلوتارك (ثيميسْتوكليس، ٢٧، ١) ان «ثوسيديديس وخارون اللمبسَكيّ يرويان ان احشويروش كان ميتا وأن ثيميسْتوكليس اجرى مقابلته مع ابنه ارتحشستا». كان خارون شخصا من الرعايا الفرس عاصر فترة انتقال الحكم من احشويروش الى ارتحشستا. ومن شهادة ثوسيديديس وخارون اللمبسَكيّ، نرى انه عندما وصل ثيميسْتوكليس الى فارس، كان قد مضى وقت قصير على تولي ارتحشستا الحكم.
يمكننا ان نعرف وقت ابتداء ارتحشستا بالحكم اذا حسبنا رجوعا من وقت موت ثيميسْتوكليس. صحيح ان المراجع لا تتفق كلها على تاريخ واحد لموته، لكن المؤرخ ديودورس الصقلي (ديودورس الصقلي، ١١، ٥٤، ١؛ ١١، ٥٨، ٣) يأتي على ذكر موته خلال سرده لأمور حدثت «عندما كان پراكسيرڠوس ارخونًا في اثينا». كان پراكسيرڠوس هو الارخون، اي الحاكم الاول، في اثينا سنة ٤٧١/٤٧٠ قم. (تقويم التاريخ اليوناني والروماني، بقلم آلان ا. سامويل، ميونيخ، ١٩٧٢، ص ٢٠٦) وبحسب قول ثوسيديديس، قام ثيميسْتوكليس بعد وصوله الى فارس بدرس اللغة مدة سنة استعدادا لمقابلته ارتحشستا. وإثر ذلك سمح له الملك بأن يستقر في فارس ومنحه الكثير من الامتيازات. وإذا كان ثيميسْتوكليس قد مات سنة ٤٧١/٤٧٠ قم، فلا بد ان استقراره في فارس لم يحدث بعد سنة ٤٧٢ قم، ولا بد انه وصل اليها قبل سنة، اي في سنة ٤٧٣ قم. وفي ذلك الوقت كان ارتحشستا «قد وصل مؤخرا الى العرش».
بشأن تاريخ موت احشويروش واعتلاء ارتحشستا العرش، كتب م. دو كوتورڠا: «لقد رأينا ان احشويروش، بحسب تقويم ثوسيديديس التاريخي، مات نحو نهاية سنة ٤٧٥ قم؛ وأن ثيميسْتوكليس، بحسب قول المؤرخ نفسه، وصل الى آسيا الصغرى بُعيد اعتلاء ارتحشستا الطويل اليد العرش». — France de Impérial l’Institut de Belles-Lettres et Inscriptions des l’Académie à savants divers par présentés Mémoires، السلسلة الاولى، المجلد ٦، الجزء الثاني، باريس، ١٨٦٤، ص ١٤٧.
وتلقى هذه الفكرة دعما في ما قاله ا. ليڤك: «لذلك لا بد ان يكون احشويروش قد مات، استنادا الى التاريخ الاسكندري، سنة ٤٧٥ قم بعد احدى عشرة سنة من الحكم. ويؤكد المؤرخ يوستينوس (٣، ١) ما يورده هذا التاريخ وما يقوله ثوسيديديس. فهو يذكر انه في وقت مقتل احشويروش، كان ابنه ارتحشستا مجرد ولد، پوير [فتى]، ويصح ذلك اذا كان احشويروش قد مات سنة ٤٧٥. فقد كان ارتحشستا آنذاك في الـ ١٦ من العمر، اما في سنة ٤٦٥ فيكون عمره ستا وعشرين سنة، وهذه السن لا تتناسب مع التعبير الذي استعمله يوستينوس. وبما ان ارتحشستا، على اساس هذا التقويم التاريخي، بدأ يحكم سنة ٤٧٥، تكون سنة ٤٥٥ السنة الـ ٢٠ لمُلكه لا سنة ٤٤٥ كما يشاع عموما». — apologétique Revue، باريس، المجلد ٦٨، ١٩٣٩، ص ٩٤.
ولكن اذا كان داريوس قد مات سنة ٤٨٦ قم وأحشويروش قد مات سنة ٤٧٥ قم، فكيف يُشرح ما تورده بعض الوثائق القديمة ان احشويروش حكم ٢١ سنة؟ من المعروف جيدا ان الملك وابنه قد يتشاركان في الحكم. وإذا كان هذا ما حدث في حالة داريوس وأحشويروش، يمكن للمؤرخين ان يحسبوا سنوات حكم احشويروش إما ابتداء من مشاركته اباه في الحكم او من تاريخ موت ابيه. وإذا حكم احشويروش مدة ١٠ سنوات مع ابيه و ١١ سنة وحده، يمكن ان تذكر بعض المصادر انه حكم ٢١ سنة وأن تذكر مصادر اخرى انه حكم ١١ سنة.
وهناك دليل قوي على ان احشويروش اشترك في الحكم مع ابيه داريوس. فالمؤرخ اليوناني هيرودوتس (٧:٣) يقول: «اعتبر داريوس ان طلبه [اي طلب احشويروش المُلك] مبرر، فأعلنه ملكا. لكني اظن انه كان سيجعل منه ملكا ولو بدون الاخذ بالنصيحة». ويُظهر ذلك ان احشويروش جُعل ملكا خلال حكم ابيه داريوس.
الدليل من المصادر الفارسية: ان وجود مشاركة في الحكم بين احشويروش وداريوس يمكن ان يُرى بشكل خصوصي في النقوش الفارسية القليلة البروز التي اكتُشفت. فقد عُثر في پرسيپوليس على عدة نقوش ناتئة تمثل احشويروش واقفا خلف عرش ابيه ومرتديا ملابس مشابهة لملابس ابيه ورأسه على نفس المستوى. وهذا الامر غير عادي لأن رأس الملك يبقى عادة اعلى من سائر الاشخاص. كما يُذكر في نقش جديد لأحشويروش من پرسيپوليس (بقلم ارنست إ. هرتسفلد، ١٩٣٢) ان النقوش والابنية الموجودة في پرسيپوليس تلمح الى وجود مشاركة في الحكم بين احشويروش وداريوس ابيه. كتب هرتسفلد في الصفحة ٨ من كتابه: «ان فحوى نقوش احشويروش الفريدة في پرسيپوليس التي لا يميَّز في معظمها بين اعماله هو وأعمال ابيه، وكذلك الرابط الفريد الموجود بين المباني التي شيدها الاثنان بحيث يستحيل معرفة الى من يمكن نسبها، أإلى داريوس ام الى احشويروش، يلمحان دائما الى وجود مشاركة لأحشويروش في الحكم. كما يتجلى هذا الرابط في منحوتتين في پرسيپوليس». وعن احدى هاتين المنحوتتين، قال هرتسفلد: «يصوَّر داريوس بكل الرموز الملكية متوّجا على اريكة كالمنصة عالية يحملها افراد يمثلون شتى شعوب امبراطوريته. وخلفه في النقش، اي الى يمينه في الحقيقة، يقف احشويروش بنفس الرموز الملكية فيما يده اليسرى موضوعة على الظهر العالي للعرش. وهذه الوضعية توحي بأكثر من مجرد خلافة. انها تعني مشاركة في الحكم».
اما بالنسبة الى تاريخ النقوش البارزة التي تصور داريوس وأحشويروش بهذا الشكل، فقد ذكرت آن فاركاس في النحت الاخميني (استانبول، ١٩٧٤، ص ٥٣) ان «هذه النقوش ربما وُضعت في الخزنة خلال بناء الجناح الاضافي الاول، اي في ٤٩٤/٤٩٣–٤٩٢/٤٩١ قم، فهذا كان افضل وقت لنقل تلك القطع الحجرية الضخمة. ولكن بصرف النظر عن تاريخ نقلها الى الخزنة، فإن هذه المنحوتات ربما تكون قد نُقشت في تسعينات ذلك القرن الخامس قم».
الدليل من المصادر البابلية: وُجد في بابل الدليل على ان احشويروش بدأ يشارك اباه في الحكم خلال تسعينات القرن الخامس قم. فقد كشفت الحفريات هناك عن وجود قصر لأحشويروش انتهى العمل فيه سنة ٤٩٦ قم. وفي هذا الشأن كتب أ. ت. اولمستيد في تاريخ الامبراطورية الفارسية (ص ٢١٥): «نعلم انه بحلول ٢٣ تشرين الاول ٤٩٨، كان بيت ابن الملك [اي بيت احشويروش بن داريوس] في مرحلة البناء في بابل، ولا شك ان هذا هو قصر داريوس في القسم الاوسط الذي سبق ان وصفناه. وبعد سنتين [في ٤٩٦ قم]، نجد في وثيقة تجارية من بورسيپا المجاورة اشارة الى ان العمل في ‹القصر الجديد› قد انتهى».
وثمة لوحان صلصاليان غير اعتياديين قد يحملان شهادة اضافية على مشاركة احشويروش في الحكم مع داريوس. احدهما هو عبارة عن نص تجاري حول استئجار مبنى في سنة اعتلاء احشويروش العرش. وهذا اللوح مؤرخ في الشهر الاول من السنة، اي نيسان القمري. (فهرس الالواح البابلية المتأخرة في مكتبة بودليان، اوكسفورد، بقلم ر. كامبل طومسون، لندن، ١٩٢٧، ص ١٣، اللوح ذو الرمز 124 A.) واللوح الآخر يحمل التاريخ «شهر آب القمري (؟)، سنة اعتلاء احشويروش العرش». واللافت ان هذا اللوح الاخير لا يصف احشويروش بلقب «ملك بابل، ملك البلاد»، وهو اللقب الشائع في ذلك الوقت. — erläutert und übersetzt Verwaltungsurkunden und -Rechts Neubabylonische، بقلم م. سان نيكولو و آ. أنغناد، ليپتزيڠ، ١٩٣٤، المجلد ١، الجزء ٤، ص ٥٤٤، اللوح رقم ٦٣٤ ذو الرمز 4397 VAT.
يوقع هذان اللوحان المرء في الحيرة. فسنة اعتلاء الملك العرش تبدأ عادة بعد موت السلف. ولكن توجد ادلة تظهر ان سلف احشويروش (داريوس) عاش حتى الشهر السابع من سنته الاخيرة، في حين ان هاتين الوثيقتين من سنة اعتلاء احشويروش العرش تحملان تاريخين يسبقان الشهر السابع (الاولى تذكر الشهر الاول، والثانية تذكر الشهر الخامس). لذلك فإن هاتين الوثيقتين لا تشيران الى فترة اعتلاء احشويروش العرش بعد موت ابيه بل الى سنة اعتلائه العرش خلال مشاركته في الحكم مع داريوس. وإذا كانت سنة اعتلاء العرش تلك في ٤٩٦ قم، حين اكتمل قصر احشويروش في بابل، فهذا يعني ان سنته الاولى كمشارك في الحكم بدأت في نيسان القمري التالي سنة ٤٩٥ قم، وأن سنته الـ ٢١ والاخيرة بدأت سنة ٤٧٥ قم. وفي هذه الحالة يكون مُلك احشويروش قد تألف من ١٠ سنوات من الحكم مع داريوس (من ٤٩٦ الى ٤٨٦ قم) ومن ١١ سنة من المُلك بمفرده (من ٤٨٦ الى ٤٧٥ قم).
من ناحية اخرى، يُجمع المؤرخون على القول ان السنة الاولى لمُلك داريوس الثاني بدأت في ربيع سنة ٤٢٣ قم. ويُظهر احد الالواح البابلية ان داريوس الثاني كان جالسا على العرش في اليوم الـ ٤ من الشهر الـ ١١ في سنة اعتلائه العرش، اي في ١٣ شباط ٤٢٣ قم. (تقويم التاريخ البابلي، ٦٢٦ قم–٧٥ بم، بقلم ر. پاركر و و. ه. دابرشتاين، ١٩٧١، ص ١٨) ولكن يُظهر لوحان ان ارتحشستا استمر يحكم بعد اليوم الـ ٤ من الشهر الـ ١١ من سنته الـ ٤١. فأحدهما مؤرخ في اليوم الـ ١٧ من الشهر الـ ١١ من سنته الـ ٤١. (ص ١٨) والآخر مؤرخ في الشهر الـ ١٢ من سنته الـ ٤١. (العهد القديم والدراسات السامية، تحرير هارپر، براون، ومور، ١٩٠٨، المجلد ١، ص ٣٠٤، اللوح رقم ١٢ ذو الرمز 5505 ,CBM) ولذلك لم يُخلَف ارتحشستا في سنة مُلكه الـ ٤١ بل بقي حاكما فيها كلها. ويُظهر ذلك ان ارتحشستا حكم دون شك اكثر من ٤١ سنة وأنه يجب ألا تُحسب سنة مُلكه الاولى من ٤٦٤ قم.
والدليل على ان حكم ارتحشستا الطويل اليد تعدى سنته الـ ٤١ نجده في وثيقة تجارية من بورسيپا مؤرخة في السنة الـ ٥٠ لأرتحشستا. (فهرس الالواح البابلية في المتحف البريطاني، المجلد ٧: ألواح من سيپار ٢، بقلم ا. ليكتي و أ. ك. ڠرايسِن، ١٩٨٧، ص ١٥٣، اللوح ذو الرمز 65494 B. M.) وأحد الالواح يربط بين نهاية حكم ارتحشستا وبداية حكم داريوس الثاني ذاكرا هذا التاريخ: «السنة الـ ٥١، سنة اعتلاء العرش، الشهر الـ ١٢، اليوم الـ ٢٠، داريوس، ملك البلاد». (البعثة البابلية من جامعة بنسلفانيا، المجموعة أ: النصوص المسمارية، المجلد ٨، الجزء ١، بقلم ألبرت ت. كلاي، ١٩٠٨، ص ٣٤، ٨٣، واللوحة ٥٧، اللوح رقم ١٢٧ ذو الرمز 12803 CBM) وبما ان سنة المُلك الاولى لداريوس الثاني كانت في ٤٢٣ قم، فهذا يعني ان السنة الـ ٥١ لأرتحشستا كانت في ٤٢٤ قم وأن سنة مُلكه الاولى كانت في ٤٧٤ قم.
وهكذا تتفق شهادات من مصادر يونانية وفارسية وبابلية على ان سنة اعتلاء ارتحشستا العرش كانت في ٤٧٥ قم، وأن سنة مُلكه الاولى في ٤٧٤ قم. وبالتالي فإن السنة الـ ٢٠ لأرتحشستا، التي فيها يبدأ حساب الـ ٧٠ اسبوعا الواردة في دانيال ٩:٢٤، توافق سنة ٤٥٥ قم. وعلى اساس دانيال ٩:٢٥، اذا حسبنا ٦٩ اسبوعا من السنين (٤٨٣ سنة) من سنة ٤٥٥ قم، نصل الى سنة هامة تتعلق بمجيء المسيا القائد.
فمن ٤٥٥ قم الى ١ بم توجد ٤٥٥ سنة كاملة. وإذا اضفنا السنوات الـ ٢٨ الباقية (للوصول الى المجموع ٤٨٣ سنة)، نصل الى سنة ٢٩ بم، وهي بالتحديد سنة معمودية يسوع الناصري في الماء ومسحه بالروح القدس وابتداء خدمته العامة بوصفه المسيا، او المسيح. — لو ٣:١، ٢، ٢١، ٢٢.
حتى سقوط الامبراطورية وانقسامها: يورد ديودورس الصقلي المعلومات التالية بشأن خلفاء ارتحشستا الطويل اليد على عرش فارس: «في آسيا مات الملك زركسيس بعد ان حكم سنة واحدة، او شهرين بحسب بعض السجلات، وخلفه اخوه سوجديانوس على العرش ومَلك سبعة اشهر، اذ قُتل على يد داريوس الذي مَلك تسع عشرة سنة». (ديودورس الصقلي، ١٢، ٧١، ١) والاسم الاصلي لداريوس هذا (المعروف بداريوس الثاني) هو اوخس، لكنه تبنى الاسم داريوس حين صار ملكا. ويبدو انه «داريوس» المذكور في نحميا ١٢:٢٢.
وبعد داريوس الثاني ملكَ ارتحشستا الثاني (المدعو منيمون)، وخلال حكمه تمردت مصر وتدهورت العلاقات مع اليونان. وبعد مُلك دام من ٤٠٤ الى ٣٥٩ قم، خلفه ابنه ارتحشستا الثالث (المدعو ايضا اوخس) الذي تنسب اليه فترة حكم من نحو ٢١ سنة (٣٥٨-٣٣٨ قم)، والذي يقال انه كان اكثر ملوك فارس تعطشا الى الدم. وأبرز انجازاته هو اجتياحه مصر من جديد. ثم يذكر التاريخ الدنيوي ان أرسيس ملك سنتين، وداريوس الثالث (كودومانوس) خمس سنوات، وخلال فترة مُلكه قُتل فيليب ملك مقدونية (٣٣٦ قم) وخلفه ابنه الاسكندر. وفي سنة ٣٣٤ قم بدأ الاسكندر بمهاجمة الامبراطورية الفارسية، فهزم القوات الفارسية اولا عند ڠرانيكوس في الزاوية الشمالية الغربية لآسيا الصغرى، ثم هزمهم في إيسوس في الزاوية المقابلة في آسيا الصغرى (٣٣٣ قم). وفي النهاية، بعدما اجتاح اليونانيون فينيقية ومصر، سُحقت آخر محاولات الدفاع التي قام بها الفرس في كوكميلة عام ٣٣١ قم، وهكذا حلت نهاية الامبراطورية الفارسية.
بعد موت الاسكندر والانقسام اللاحق للامبراطورية، سيطر سلوقس نيكاتور على القسم الاكبر من الاراضي الآسيوية التي شكلت فارس الجزء الاوسط فيها. وكانت هذه بداية سلالة الملوك السلوقيين التي استمرت حتى سنة ٦٤ قم. ويبدو ان شخصية «ملك الشمال» النبوية في نبوة دانيال تمثلت في البداية بسلوقس نيكاتور، في مقابل سلالة الملوك البطالسة في مصر الذين كانوا اول من لعب دور «ملك الجنوب» الرمزي. — دا ١١:٤-٦.
بسبب غزوات الفرثيين الذين اخذوا يجتاحون ارض فارس خلال القرنين الثالث والثاني قم، حُصر الملوك السلوقيون في القسم الغربي من حيز نفوذهم. وفي القرن الثالث بم هُزموا امام الساسانيين الذين استمروا يحكمون حتى الفتح العربي في القرن السابع.
تورد نبوة حزقيال (٢٧:١٠) الفرس بين رجال الحرب الذين خدموا في جيش صور المزدهرة وساهموا في بهائها. كما تُذكر فارس بين الامم التي تشكل جزءا من الحشود التي يوجهها «جوج من ارض ماجوج» الرمزي ضد شعب عهد يهوه. — حز ٣٨:٢، ٤، ٥، ٨، ٩.
[الصورة]
ثوران برأس انسان قرب مدخل مدينة پرسيپوليس