الفصل التاسع
معاملة الآخرين كما يريد اللّٰه
١-٣ (أ) ماذا قد يتبادر الى ذهن مسيحيين كثيرين بشأن مدينة صور القديمة؟ (ب) كيف كانت التعاملات بين الملك حيرام وإسرائيل؟ (ج) ايّ امر بخصوص صور قد نرغب في بحثه؟
ماذا يتبادر الى ذهنك حين تسمع اسم مدينة صور القديمة؟ كثيرون من المسيحيين يتذكرون كيف تمّت النبوة عندما اخذ الإسكندر الكبير من انقاض صور البرّية وبنى ممرّا الى صور البحرية ودمّرها. (حزقيال ٢٦:٤، ١٢؛ زكريا ٩:٣، ٤) ولكن هل يجعلك اسم هذه المدينة تفكّر كيف يجب ان تعامل إخوتك الروحيين او الآخرين؟
٢ فكِّر: لماذا دُمِّرَت صور؟ يجيب الكتاب المقدس: «بسبب عصيان صور ثلاث مرات . . . لأنهم أسلموا سبيا كاملا الى أدوم، ولم يذكروا عهد الإخوة. فأُرسل نارا على سور صور». (عاموس ١:٩، ١٠) في البداية، كان حيرام ملك صور يُظهِر حسن نية تجاه داود، وقد زوّده المواد لبناء هيكل سليمان. وقطع سليمان ايضا عهدا مع حيرام وأعطاه مدنا في الجليل. وكان حيرام يدعوه «اخي». (١ ملوك ٥:١-١٨؛ ٩:١٠-١٣، ٢٦-٢٨؛ ٢ صموئيل ٥:١١) ولكن لاحقا، لم ‹تذكر صور عهد الاخوة› وباعت بعضا من شعب اللّٰه للعبودية. وقد لاحظ يهوه تعاملاتها هذه.
٣ فأيّ درس يمكننا ان نستخلصه عندما نعرف ان اللّٰه دان سكان صور الكنعانيين بسبب معاملتهم شعبه بقساوة؟ ان الدرس البالغ الاهمية الذي نتعلمه يتعلق بطريقة معاملتنا لإخوتنا الروحيين. ففي فصول سابقة من هذا الكتاب، تعلّمنا من الانبياء الاثني عشر بعض الامور بشأن معاملة الآخرين، مثل إظهار العدل في شؤوننا التجارية وكيفية البقاء طاهرين في سلوكنا. لكنَّ هذه الاسفار تحتوي على المزيد من المعلومات حول الطريقة التي بها يريد اللّٰه ان نعامل الآخرين.
لا تشمت بغيرك عندما تحلّ به مصيبة
٤ بأيّ معنى كان الادوميون «اخوة» لإسرائيل، ولكن كيف عاملوا ‹اخوتهم›؟
٤ يمكنك ان تتعلم درسا من إدانة اللّٰه لأدوم، امة مجاورة لإسرائيل: «ما كان يجب ان تتفرج في يوم اخيك، يوم مصيبته، ولا ان تشمت ببني يهوذا يوم هلاكهم». (عوبديا ١٢) في حين كان اهل صور «اخوة» للاسرائيليين في مجال التعاملات التجارية، كان الادوميون «اخوة» لإسرائيل بمعنى حرفي لأنهم متحدرون من عيسو، اخي يعقوب التوأم. حتى يهوه دعا الادوميين «اخوة» اسرائيل. (تثنية ٢:١-٤) لذلك، كان امرا بغيضا جدا ان يشمت الادوميون باليهود عندما حلّت بهم الكارثة على يد البابليين. — حزقيال ٢٥:١٢-١٤.
٥ في ايّ وضع قد نُظهِر روح الادوميين؟
٥ من الواضح ان اللّٰه لم يرضَ على معاملة الادوميين لإخوتهم اليهود. لذلك قد نسأل انفسنا: ‹كيف يقيِّم اللّٰه معاملتي لإخوتي؟›. وأحد المجالات المهمة التي ينبغي ان نفكر فيها هو كيف نعامل او ننظر الى اخ عندما تنشأ مشكلة معه. مثلا، لنفرض ان مسيحيًّا اساء اليك او كانت هنالك مشكلة بينه وبين احد اقربائك. فإذا كان لديك «سبب للتشكي»، فهل تضمر له الاستياء ولا تحاول نسيان المسألة او ايجاد حلّ لها؟ (كولوسي ٣:١٣؛ يشوع ٢٢:٩-٣٠؛ متى ٥:٢٣، ٢٤) ان موقفك هذا سيؤثر في تصرفاتك مع الاخ. فقد تتعامل معه ببرودة، اذ تتجنب معاشرته او تتكلم عنه بشكل سلبي. ولنفرض ايضا ان هذا الاخ اخطأ لاحقا، وربما صار بحاجة الى مشورة او تقويم من شيوخ الجماعة. (غلاطية ٦:١) فهل تعكس روح الادوميين وتشمت به؟ كيف يريد اللّٰه منك ان تتصرف؟
٦ بالتباين مع زكريا ٧:١٠، بماذا تنصحنا ميخا ٧:١٨؟
٦ كتب زكريا بالوحي الالهي ان يهوه يريد منا ‹ألا ندبِّر الشر في قلوبنا بعضنا لبعض›. (زكريا ٧:٩، ١٠؛ ٨:١٧) وتنطبق هذه النصيحة حين نشعر ان اخا قد جرحنا او اخطأ الى احد افراد عائلتنا. ففي هذه الحالة، من السهل ان ‹ندبِّر الشر في قلوبنا› ثم ان نُظهِره من خلال افعالنا. لكنَّ اللّٰه يريد منا ان نقتدي بمثاله الايجابي. تذكَّر ان ميخا قال ان يهوه ‹يعفو عن الذنب ويتجاوز عن التعدي›.a (ميخا ٧:١٨) فكيف نطبِّق هذه الكلمات عمليا؟
٧ لماذا قد نختار بكل بساطة ان ننسى الاساءة الموجّهة الينا؟
٧ رغم ان ما ارتُكب بحقنا او بحق قريبنا قد يجرحنا، ولكن الى ايّ حد هو خطير؟ يذكر الكتاب المقدس بعض الخطوات لحلّ الخلافات، بما في ذلك الخطية التي ارتُكبت بحق احد الاخوة. ولكن من الافضل في معظم الاحيان ‹التجاوز عن التعدي›، اي التغاضي عن الخطإ او الاساءة. اسأل نفسك: ‹هل هذه هي احدى المرات الـ ٧٧ التي يجب ان اغفر له فيها؟ لمَ لا انسى الخطأ بكل بساطة؟›. (متى ١٨:١٥-١٧، ٢١، ٢٢) حتى لو بدت لك الاساءة مهمة الآن، فهل تظل ذات اهمية بعد ألف سنة؟ يمكنك ان تتعلم درسا جوهريا من كلمات الجامعة ٥:٢٠ عن تمتع العامل بالطعام والشراب. يقول هذا العدد: «لا يذكر ايام حياته كثيرا؛ لأن اللّٰه يشغله بفرح قلبه». فتركيز هذا الرجل على الامور المفرحة التي لديه يساعده على نسيان المشاكل التي يصادفها في حياته اليومية. فهل يمكننا الاقتداء بهذا الموقف؟ اذا ركّزنا على الافراح التي نحصدها ضمن معشر إخْوتنا المسيحي، فقد نتمكن من نسيان القضايا التي ليست لها اهمية دائمة، القضايا التي لن نتذكرها في العالم الجديد. وشتان ما بين هذا الفرح وبين الشماتة والفرح بالصعوبات التي تحل بالآخرين او تذكُّر اساءاتهم لنا!
تكلَّم بالحق مع الآخرين
٨ ايّ تحدٍّ نواجهه في مجال التكلّم بالحق؟
٨ تُبرِز الاسفار النبوية الاثنا عشر ايضا ان اللّٰه يرغب بشدة ان نكون صادقين في تعاملاتنا. طبعا، نحن نبذل قصارى جهدنا للتكلم «بحق البشارة» مع الآخرين. (كولوسي ١:٥؛ ٢ كورنثوس ٤:٢؛ ١ تيموثاوس ٢:٤، ٧) لكنَّ التحدي الاكبر هو ان نتكلم دائما بالحق في احاديثنا اليومية مع عائلتنا وإخوتنا الروحيين، الاحاديث التي تدور حول شتى المواضيع والحالات. فلماذا يشكِّل ذلك تحديا؟
٩ متى يمكن ان نُغرى بعدم قول الحقيقة كاملة، ولكن ماذا ينبغي ان نسأل انفسنا؟
٩ مَن منا لم يتكلم او يتصرف مرة بفظاظة مع شخص آخر؟ وحين يُلفَت نظرنا الى ما فعلناه، لا شك اننا نشعر الى حد ما بالاحراج او الذنب. لذلك قد نسعى الى نكران هذا الخطإ او تقديم «اعذار» تحرِّف الحقيقة بغية تبرير تصرّفنا الخاطئ او جعله يبدو صائبا. او ربما نُغرى، في بعض الاوضاع المحرجة، بذكر بعض التفاصيل فقط وقولبتها بهدف تمويه الحقائق. فالكلمات التي نقولها يمكن ان تكون صحيحة من حيث الاساس، لكنها تعطي انطباعا مختلفا كليّا عن الحقيقة. وفي حين ان هذا قد لا يكون كذبا سافرا كالكذب الشائع في العالم اليوم، فهل هو فعلا ‹تكلّم بالحق مع قريبنا› او اخينا؟ (افسس ٤:١٥، ٢٥؛ ١ تيموثاوس ٤:١، ٢) وما هي نظرة اللّٰه برأيك الى مسيحي يصوغ كلماته بطريقة يعرف في قرارة نفسه انها تعطي إخوته انطباعا خاطئا لحملهم على تصديق شيء ليس صحيحا او دقيقا؟
١٠ كيف وصف نبيَّان من الانبياء الاثني عشر مسلكا شائعا في اسرائيل ويهوذا القديمتَين؟
١٠ ادرك الانبياء انه حتى الرجال والنساء المنتذرون ليهوه يتجاهلون احيانا ما يريده منهم. مثلا، نقل هوشع مشاعر اللّٰه تجاه البعض في ايامه، قائلا: «الخراب لهم لأنهم عصوني! أنا فديتهم، لكنهم تكلموا عليّ بالكذب». وإضافة الى تلفيق اكاذيب سافرة ومحبوكة جيدا عن يهوه، لجأ البعض الى «اللعن والخداع»، ربما محرِّفين الحقائق لتضليل الآخرين. (هوشع ٤:١، ٢؛ ٧:١-٣، ١٣؛ ١٠:٤؛ ١٢:١) وهذه الحالة التي وصفها هوشع كانت سائدة في السامرة في المملكة الشمالية. فهل كان الوضع افضل في يهوذا؟ يخبرنا ميخا: «اغنياؤها ملآنون عنفا، وسكانها يتكلمون بالكذب، ولسانهم ماكر في فمهم». (ميخا ٦:١٢) يحسن بنا ان نلاحظ كيف شجب هذان النبيَّان «الخداع» والذين «لسانهم ماكر في فمهم». لذلك ينبغي حتى للمسيحيين الذين لا يتعمّدون التفوّه بالكذب ان يسألوا انفسهم: ‹هل اعمد احيانا الى الخداع او يكون لساني ماكرا في فمي؟ ماذا يريد اللّٰه مني في هذا الخصوص؟›.
١١ ماذا يكشف الانبياء عمّا يريده اللّٰه بشأن كلامنا؟
١١ واستخدم اللّٰه الانبياء ايضا ليوضح ما يريده منا. تقول زكريا ٨:١٦: «هذه هي الامور التي عليكم ان تفعلوها: تكلموا بالحق بعضكم مع بعض. اقضوا في ابواب مدنكم بالحق وبقضاء السلام». في ايام زكريا، كانت الابواب اماكن عامة حيث عالج الشيوخ القضايا القضائية. (راعوث ٤:١؛ نحميا ٨:١) لكنَّ زكريا لم يقُل ان هذه هي الحالة الوحيدة التي يجب التكلّم فيها بصدق. فرغم انه علينا ان نكون صادقين في حالات كهذه، حثّنا زكريا ان ‹نتكلم بالحق بعضنا مع بعض›. ويشمل ذلك ان نكون صادقين في بيتنا حين نتكلم مع رفيق زواجنا او اقربائنا الاحماء. كما ينطبق على احاديثنا اليومية مع إخوتنا وأخواتنا الروحيين، سواء كنا نتكلم معهم وجها الى وجه، على الهاتف، او بطرائق اخرى. فمن حقهم التوقع ان ما نقوله لهم هو الحق. وينبغي ان يشدِّد الوالدون المسيحيون لأولادهم على اهمية تجنُّب الاكاذيب. وهكذا يكبر الاولاد وهم يدركون ان اللّٰه يتوقع منهم تجنُّب اللسان الماكر والكينونة صادقين في ما يقولونه. — صفنيا ٣:١٣.
١٢ ايّ دروس قيّمة بإمكاننا تعلّمها من الاسفار النبوية؟
١٢ ان الحدث او الراشد الذي لا يحيد عن التكلّم بالحق يطيع حضّ زكريا: «أحبوا الحق والسلام». (زكريا ٨:١٩) لاحِظ كيف وصف ملاخي الصفات التي رآها يهوه مجسَّدة في ابنه: «شريعة الحق كانت في فمه، وإثم لم يوجد في شفتيه. بسلام واستقامة سار معي». (ملاخي ٢:٦) ألا يريد يهوه الامور عينها منا؟ تذكَّر ان كلمته بأكملها هي في متناولنا، بما في ذلك اسفار الانبياء الاثني عشر بكل ما فيها من دروس بإمكاننا الاتِّعاظ بها.
تجنّب العنف في تعاملاتك
١٣ اية مشكلة اخرى تلقي ميخا ٦:١٢ الضوء عليها؟
١٣ كما رأينا في ميخا ٦:١٢، كانت احدى الطرائق التي اساء بواسطتها شعب اللّٰه القديم للآخرين هي انهم ‹تكلموا بالكذب وأن لسانهم كان ماكرا في فمهم›. لكنَّ هذا العدد حدَّد عيبا خطيرا آخر. فقد ذكر ان ‹الاغنياء كانوا ملآنين عنفا›. فكيف حدث ذلك، وأيّ درس نستخلصه؟
١٤، ١٥ ايّ سجل عنيف صنعته أمّتان مجاورتان لشعب اللّٰه؟
١٤ لنأخذ على سبيل المثال السمعة التي اشتهرت بها بعض الامم المجاورة لشعب اللّٰه. فإلى الشمال الشرقي كانت تقع اشور، وعاصمتها نينوى. كتب ناحوم عن هذه المدينة: «ويل لمدينة الدماء! كلها ملآنة خداعا وسلبا. لا تفارقها الفرائس». (ناحوم ٣:١) فقد عُرف الاشوريون بشنّهم حروبا ضارية وبمعاملتهم الوحشية لأسرى الحرب — اذ احرقوا بعض الاسرى او سلخوا جلدهم وهم احياء؛ وقلعوا عيون آخرين او جدعوا انوفهم، آذانهم، او اصابعهم. يقول كتاب آلهة، قبور، وعلماء (بالانكليزية): «لم ينطبع في ذهن البشر عن نينوى سوى القتل والنهب، والقمع، والاعتداء على الضعفاء؛ الحرب وكل اساليب العنف الجسدي». ولدينا شاهد عيان على هذا العنف (وربما مشارك فيه). وهذا الشخص هو ملك نينوى نفسه. فقد قال عن شعبه بعدما سمع رسالة يونان: «ليَتَغَطَّ بالمسوح الانسان والبهيمة، وليصرخوا الى اللّٰه بشدّة ويرجعوا كل واحد عن طريقه الرديئة وعن العنف الذي في ايديهم». — يونان ٣:٦-٨.b
١٥ ولم يكن العنف الفادح مقصورا على اشور فقط. فأدوم، الواقعة جنوب شرق يهوذا، استحقت الجزاء ايضا. ولماذا؟ يجيب الكتاب المقدس: «تصير . . . ادوم برية مقفرة، لأنهم عاملوا بني يهوذا بعنف وسفكوا دما بريئا في أرضهم». (يوئيل ٣:١٩) فهل اصغى الادوميون الى هذا التحذير وتوقفوا عن ممارسة العنف؟ بعد نحو قرنين، كتب عوبديا: «يرتاع جبابرتكَ يا تيْمان [مدينة ادومية]، . . . من اجل عنفكَ على اخيك يعقوب، . . . تنقرض الى الدهر». (عوبديا ٩، ١٠) ولكن ما القول في وضع شعب اللّٰه؟
١٦ ماذا يخبرنا عاموس وحبقوق عن الوضع في ايامهما؟
١٦ كشف عاموس الوضع السائد في السامرة، عاصمة المملكة الشمالية: «‹انظروا الاضطرابات الكثيرة في وسطها والغبن في داخلها. فهم لا يعرفون فعل الاستقامة›، يقول يهوه، ‹بل يخزنون العنف والسلب›». (عاموس ٣:٩، ١٠) قد تظن ان الحالة كانت مختلفة في يهوذا، مقرّ هيكل يهوه. لكنَّ حبقوق الذي عاش في يهوذا كشف الوضع هناك حين سأل اللّٰه: «الى متى اصرخ اليك من العنف وأنت لا تخلِّص؟ لماذا تريني السوء وتبصر الشقاء؟ لم السلب والعنف قدامي؟». — حبقوق ١:٢، ٣؛ ٢:١٢.
١٧ لماذا ربما تفشى الميل الى العنف بين شعب اللّٰه؟
١٧ فهل يمكن ان يكون العنف قد تفشى بين شعب اللّٰه لأنهم تأثروا بموقف اشور او ادوم او الامم الاخرى؟ كان سليمان قد حذّر من هذا الامر حين قال: «لا تحسد رجل العنف، ولا تختر من طرقه شيئا». (امثال ٣:٣١؛ ٢٤:١) ولاحقا، ذكر ارميا بوضوح: «هكذا قال يهوه: ‹لا تتعلموا طريق الامم›». — ارميا ١٠:٢؛ تثنية ١٨:٩.
١٨، ١٩ (أ) لو عاش حبقوق في ايامنا، فكيف كان سيشعر تجاه اشكال العنف السائدة؟ (ب) كيف تشعر انت تجاه العنف السائد اليوم؟
١٨ لو كان حبقوق عائشا في ايامنا، أفلن يروِّعه العنف السائد الآن؟ ان كثيرين من الناس مُحاطون بالعنف منذ حداثتهم. فالرسوم المتحركة التي تتسمر عليها عيون الصبيان والبنات زاخرة بالعنف، اذ تحاول احدى الشخصيات ان تسحق شخصية ثانية، تفجِّرها، او تدمِّرها بطرائق اخرى. كما ان احداثا كثيرين يربحون الجولات في ألعاب الفيديو وينتقلون من مرحلة الى اخرى بإطلاق النار على الاعداء، تفجيرهم، او سحقهم. ولكن رُبَّ معترض يقول: «هذه مجرد ألعاب». ان ذلك صحيح، لكنَّ هذه الالعاب العنيفة التي يلعبها المرء على الكمبيوتر في البيت او في محل ألعاب الفيديو تُغرِقه في العنف، اذ تصوغ مواقفه وردود فعله. فما اصحّ المشورة الموحى بها: «رجل العنف يغوي صاحبه، ويذهب به في طريق غير صالحة»! — امثال ١٦:٢٩.
١٩ صحيح ان حبقوق كان مُجبرا ان يُبصِر الشقاء و «العنف»، إلا ان ذلك احزنه كثيرا. وهذا ما يجب ان يدفعك الى طرح السؤال التالي على نفسك: ‹لو عاش حبقوق في ايامنا، فهل كان سيحبّ الجلوس معي والتفرّج على البرامج التلفزيونية التي اتابعها؟ او هل كان سيخصِّص الوقت لمشاهدة الاحداث الرياضية العنيفة، التي يرتدي اللاعبون في بعضها دروعا كتلك التي كان يلبسها المُجالِدون قديما؟›. وفي بعض هذه الالعاب، يشعر كثيرون بالاثارة نتيجة المواجهات العنيفة بين اللاعبين في الحلبة او الملعب او بين المعجَبين المهتاجين. وفي بعض الحضارات، يشاهد كثيرون افلام السينما والفيديو العنيفة المتمحورة حول الحروب او فنون القتال. وقد يبرِّر البعض ذلك بالقول ان هذه مجرد افلام تاريخية او افلام تعرِّفنا بماضي الامة الحضاري. ولكن هل يجعل ذلك العنف مقبولا اكثر؟ — امثال ٤:١٧.
٢٠ ايّ نوع من العنف اظهر ملاخي نظرة يهوه اليه؟
٢٠ يذكر ملاخي امرا آخر وثيق الصلة بهذا الموضوع وهو يتحدث عن نظرة يهوه الى غدر بعض اليهود لزوجاتهم: «‹انه يكره الطلاق›، يقول يهوه إله إسرائيل، ‹ومن يغطي بالعنف لباسه›». (ملاخي ٢:١٦) ان العبارة العبرانية المنقولة الى «يغطي بالعنف لباسه» فُهمت بعدة طرائق. فبعض العلماء يفهمونها بمعنى تلطيخ المرء لباسه بالدم عند مهاجمة شخص آخر بعنف. على اية حال، من الواضح ان ملاخي شجب اساءة معاملة رفيق الزواج. فقد اثار قضية العنف في العائلة وأظهر ان اللّٰه لا يرضى به.
٢١ ما هي بعض المجالات التي ينبغي ان يتجنب فيها المسيحيون العنف؟
٢١ ان الاساءة التي تحصل في البيت المسيحي، سواء كانت جسدية او شفهية، لا يمكن تبريرها، تماما كالاساءة التي تحصل في مكان عام. فاللّٰه يرى الاساءتين كلتيهما. (جامعة ٥:٨) وفي حين ان ملاخي تحدّث عن تعاملات الزوج العنيفة مع الزوجة، فما من مكان في الكتاب المقدس يبيح معاملة الرجل العنيفة لأولاده او لوالدَيه المسنَّين. كما انه لا يجيز للزوجة ان تعامل زوجها او اولادها او والدَيها بطريقة عنيفة. صحيح ان المشاكل قد تنشأ بين افراد العائلة الناقصين وتنتج التوتر والغضب احيانا، لكنَّ الكتاب المقدس ينصحنا: «اسخطوا، ولكن لا تخطئوا. لا تغرب الشمس على غيظكم». — افسس ٤:٢٦؛ ٦:٤؛ مزمور ٤:٤؛ كولوسي ٣:١٩.
٢٢ كيف نعرف ان بإمكاننا تجنُّب الصيرورة عنفاء حتى لو كنا مُحاطين بأشخاص عنفاء كثيرين؟
٢٢ قد يبرِّر البعض تصرفاتهم العنيفة قائلين: ‹انا عنيف لأنني تربيت في عائلة عنيفة›. او يقولون: ‹الناس في منطقتي او الذين ينتمون الى حضارتي هم مثلي سريعو الانفعال والغضب›. ولكن عندما شجب ميخا ‹الاغنياء الملآنين عنفا›، لم يلمِّح الى انه ليس في وسعهم تجنُّب الكينونة عنفاء لأنهم ترعرعوا وهم محاطون بالعنف. (ميخا ٦:١٢) فقد عاش نوح حين «امتلأت الارض عنفا»، وترعرع ابناؤه في هذه البيئة العنيفة. فهل تبنّوا طرقها العنيفة؟ كلا! فنوح «نال حظوة في عينَي يهوه»، وأبناؤه اقتدوا به ونجوا من الطوفان. — تكوين ٦:٨، ١١-١٣؛ مزمور ١١:٥.
٢٣، ٢٤ (أ) ماذا يساعدنا لئلا نكون معروفين بأننا اشخاص عنفاء؟ (ب) كيف ينظر يهوه الى الذين يعاملون الآخرين كما يريد؟
٢٣ حول العالم، يُعرَف شهود يهوه بأنهم اشخاص مسالمون لا عنفاء. فهم يحترمون ويطبِّقون قوانين قيصر التي تمنع اعمال العنف. (روما ١٣:١-٤) ويجاهدون ‹لطبع سيوفهم سككا› ويسعون في اثر السلام. (اشعيا ٢:٤) ويحاولون لبس «الشخصية الجديدة»، مما يساعدهم على تجنُّب العنف. (افسس ٤:٢٢-٢٦) كما انهم يقتدون بمثال الشيوخ المسيحيين الجيد الذين لا يجب ان يكونوا ‹ضرّابين›، اي عنفاء قولا او عملا. — ١ تيموثاوس ٣:٣؛ تيطس ١:٧.
٢٤ نعم، ينبغي ان نعامل الآخرين كما يريد اللّٰه. فهوشع يقول: «مَن هو حكيم فيفهم هذه الاشياء، وفطين فيعلمها؟ لأن طرق يهوه مستقيمة، والابرار هم الذين يسيرون فيها». — هوشع ١٤:٩.
a يقول احد العلماء بشأن ‹التجاوز عن التعدي› ان المجاز العبراني المستعمل «مستوحى من تصرف المسافر الذي يمرّ دون ان يلاحظ شيئا لا يرغب ان يوليه انتباهه. والفكرة [ليست ان اللّٰه لا ينتبه لأخطائنا] بل انه لا يلاحظ كلًّا منها على حدة بهدف المعاقبة؛ فهو لا يعاقب بل يسامح».
b على بُعد نحو ٣٥ كيلومترا جنوب شرق نينوى كانت تقع مدينة كلخ (نمرود) التي اعاد بناءها اشورناصِربال. وتُعرَض في المتحف البريطاني ألواح جدرانية من كلخ. نقرأ عن هذه الالواح: «وصف اشورناصِربال بأدق التفاصيل الاسلوب المتوحش والعنيف المتَّبع في حملاته العسكرية. فكان السجناء يُشنَقون او يُعلَّقون على اوتاد عند اسوار المدن المحاصَرة . . .؛ وكان يُسلَخ جلد الشبان والعذارى وهم احياء». — علم آثار الكتاب المقدس، بالانكليزية.