الفصل ١٢
انسان غني في هَادِس
١، ٢ معلِّمو نار الهاوية يتجاهلون اية آيتين؟
بما ان هَادِس هي مجرد المدفن العام للبشر الأموات، فلماذا يتكلَّم الكتاب المقدس عن انسان غني يقاسي العذاب في نار هَادِس؟ هل يُظهر ذلك ان هَادِس، او على الأقل جزءا منها، هي مكان للعذاب الناري؟
٢ يشير معلِّمو نار الهاوية بحماس الى هذه الرواية كبرهان قاطع على ان هنالك حقا هاوية عذاب تنتظر الأشرار. ولكن، بفعلهم ذلك، يتجاهلون عبارات الكتاب المقدس الواضحة والمتكرِّرة مثل: «النفس التي تخطئ هي تموت.» (حزقيال ١٨:٤، ٢٠) و: «أمّا الموتى فلا يعلمون شيئا.» (جامعة ٩:٥) من الواضح ان هاتين العبارتين لا تدعمان فكرة عذاب «الأنفس المحكوم عليها» في هاوية نارية.
٣، ٤ تعليم الكتاب المقدس عن حالة الأموات يترك ايّ تباين بين رجال دين العالم المسيحي وطالبي الحق المخلصين؟
٣ لذلك فإن تعليم الكتاب المقدس عن حالة الأموات يترك كثيرين من رجال دين العالم المسيحي في موقف حرِج. فالكتاب نفسه الذي يدَّعون انهم يؤسسون تعاليمهم عليه، الكتاب المقدس، يتعارض مع عقائدهم. ومع ذلك، عن علم او غير علم، يشعرون بأنهم مجبرون على التفتيش في الكتاب المقدس ليتشبَّثوا بشيء يثبتون به نقطتهم، مُعمين بذلك انفسهم والآخرين عن الحق. وغالبا ما يجري ذلك عمدا.
٤ ومن ناحية اخرى، يريد طالبو الحق المخلصون ان يعرفوا ما هو صواب. فهم يدركون انهم انما يخدعون انفسهم اذا رفضوا اقساما من كلمة اللّٰه فيما يدَّعون انهم يؤسسون معتقداتهم على اجزاء اخرى. وهم يريدون ان يعرفوا ما يقوله الكتاب المقدس فعلا عن حالة الأموات. ولاكمال الصورة، يريدون ان يعرفوا معنى ما يقال عن الانسان الغني الذي اختبر العذاب في هَادِس، وكيف ينسجم ذلك مع باقي الكتاب المقدس.
٥ الى اية رواية في الكتاب المقدس غالبا ما يشير المؤمنون بهاوية نارية؟
٥ كان يسوع المسيح مَن تكلَّم عن انسان غني وأيضا عن مسكين اسمه لعازر. وكلماته موجودة في لوقا ١٦:١٩-٣١ وهي تقول:
«كان انسان غني وكان يلبس الأرجوان والبزَّ وهو يتنعم كل يوم مترفِّها. وكان مسكين اسمه لعازر الذي طُرح عند بابه مضروبا بالقروح. ويشتهي ان يشبع من الفتات الساقط من مائدة الغني. بل كانت الكلاب تأتي وتلحس قروحه. فمات المسكين وحملته الملائكة الى حضن ابراهيم.
«ومات الغني ايضا ودُفن. فرفع عينيه في (هَادِس) وهو في العذاب ورأى ابراهيم من بعيد ولعازر في حضنه. فنادى وقال يا أبي ابراهيم ارحمني وأَرسل لعازر ليبلَّ طرف اصبعه بماء ويبرِّد لساني لأني معذَّب في هذا اللهيب. فقال ابراهيم يا ابني اذكر انك استوفيت خيراتك في حياتك وكذلك لعازر البلايا. والآن هو يتعزَّى وأنت تتعذَّب. وفوق هذا كله بيننا وبينكم هوَّة عظيمة قد أُثبتت حتى ان الذين يريدون العبور من ههنا اليكم لا يقدرون ولا الذين من هناك يجتازون الينا. فقال اسألك اذًا يا أبت ان ترسله الى بيت أبي. لأن لي خمسة اخوة. حتى يشهد لهم لكيلا يأتوا هم ايضا الى موضع العذاب هذا. قال له ابراهيم عندهم موسى والأنبياء. ليسمعوا منهم. فقال لا يا أبي ابراهيم. بل اذا مضى اليهم واحد من الأموات يتوبون. فقال له إن كانوا لا يسمعون من موسى والأنبياء ولا إن قام واحد من الأموات يصدِّقون.»
٦ ماذا فعل الانسان الغني؟
٦ لاحظوا ما يقال عن الانسان الغني. لماذا كان يتعذَّب في هَادِس؟ ماذا فعل؟ لم يقل يسوع ان الانسان الغني عاش حياة منحطة، أليس كذلك؟ كل ما قاله يسوع هو ان الانسان كان غنيا، يرتدي لباسا حسنا ويتناول اطعمة فاخرة. فهل يستأهل سلوك كهذا بحد ذاته العقاب بالعذاب؟ صحيح ان تقصيرا خطيرا مشمول بموقف الانسان الغني من لعازر المسكين. فالانسان الغني افتقر الى الرأفة نحوه. ولكن هل ميَّزه هذا التقصير عن لعازر بشكل كاف.
٧ ماذا قال يسوع عن نوع الشخص الذي كان عليه لعازر؟
٧ فكِّروا في ما قاله يسوع عن لعازر. هل هنالك في الرواية ما يقودنا الى الاستنتاج انه، لو انعكس الوضع، لكان لعازر انسانا رؤوفا؟ وهل نقرأ ان لعازر بنى سجلا من الأعمال الحسنة لدى اللّٰه، مما ادّى الى اتيانه الى «حضن ابراهيم،» اي موقف الرضى الالهي؟ لم يقل يسوع ذلك. فقد وصف لعازر فقط بمسكين مريض.
٨ ماذا لا يعلِّمه الكتاب المقدس عن المساكين والأغنياء؟
٨ اذًا هل من المنطقي الاستنتاج ان جميع المساكين المرضى سينالون بركات الهية عند الموت، في حين ان جميع الأغنياء سيذهبون الى مكان للعذاب الواعي؟ كلا على الاطلاق. فكون المرء مسكينا ليس بحد ذاته علامة على رضى اللّٰه. على العكس، يحتوي الكتاب المقدس على عبارة الصلاة: «لا تعطِني فقرا ولا غنى.» (امثال ٣٠:٨) وكتب الملك داود عن زمانه: «لم أرَ صدِّيقا تُخلي عنه ولا ذرية له تلتمس خبزا.» — مزمور ٣٧:٢٥.
٩، ١٠ اية اسباب اخرى تظهر انه لا يمكننا ان نفهم هذا المثل حرفيا؟
٩ اذا فهمنا كلمات يسوع حرفيا، فلا بد ان نصل الى استنتاجات اخرى ايضا تجعل المثل غريبا حقا. وهذه تشمل: ان الذين يتمتعون بالسعادة السماوية هم في وضع يمكِّنهم من رؤية الذين يكابدون العذاب في هَادِس والتكلُّم اليهم. ان الماء العالق بطرف اصبع المرء لا يتبخَّر بنار هَادِس. وانه، على الرغم من شدَّة عذاب هَادِس، فمجرد قطرة من الماء تجلب الراحة للمتألم.
١٠ اذ تُفهم حرفيا، هل تبدو لكم هذه الأمور معقولة؟ ام هل تشعرون، عوضا عن ذلك، بأن ما قاله يسوع لم يُقصد ان يُفهم حرفيا؟ وهل هنالك طريقة للتأكُّد من ذلك؟
تحديد هويتَي «الغني» و «لعازر»
١١، ١٢ كيف نعرف ان كلمات يسوع عن الانسان الغني ولعازر هي مثل؟
١١ افحصوا القرينة. الى مَن كان يسوع يتكلَّم؟ في لوقا ١٦:١٤ يجري اخبارنا: «وكان الفريسيون ايضا يسمعون هذا كله وهم محبون للمال فاستهزأوا به.»
١٢ بما ان يسوع كان يتكلَّم في مسامع الفريسيين، فهل كان يسرد قضية واقعية ام كان يستعمل مجرد مثل؟ في ما يتعلق بأسلوب يسوع لتعليم الجموع، نقرأ: «وبدون مثل لم يكن يكلِّمهم.» (متى ١٣:٣٤) ولذلك لا بد ان تكون الرواية عن الانسان الغني ولعازر مثلا.
١٣ من الواضح ان هذا المثل كان موجَّها الى مَن؟
١٣ من الواضح ان هذا المثل كان موجَّها الى الفريسيين. فكصف كانوا كالانسان الغني. فقد احبوا المال، وكذلك الشهرة وألقاب الاطراء. قال عنهم يسوع: «وكل اعمالهم يعملونها لكي تنظرهم الناس. فيعرِّضون عصائبهم ويعظِّمون اهداب ثيابهم. ويحبون المتكأ الأول في الولائم والمجالس الأولى في المجامع. والتحيات في الأسواق وأن يدعوهم الناس سيدي سيدي.» — متى ٢٣:٥-٧.
١٤ كيف كان الفريسيون ينظرون الى الأشخاص الآخرين؟
١٤ كان الفريسيون يزدرون بالآخرين، وخصوصا العشارين، الزواني وغيرهم ممن لهم سمعة خطاة. (لوقا ١٨:١١، ١٢) ففي احدى المناسبات عندما عاد الخدام، الذين أُرسلوا لالقاء القبض على يسوع، فارغي اليدين لأنهم تأثَّروا بتعليمه، رفع الفريسيون صوتهم قائلين: «ألعلكم انتم ايضا قد ضللتم. ألعل احدا من الرؤساء او من الفريسيين آمن به. ولكنَّ هذا الشعب الذي لا يفهم الناموس هو ملعون.» — يوحنا ٧:٤٧-٤٩.
١٥ مَن مثَّل لعازر في المثل؟
١٥ ففي المثل اذًا يمثِّل لعازر المسكين في الواقع اولئك الأشخاص المتواضعين الذين احتقرهم الفريسيون ولكنهم تابوا وصاروا أتباعا ليسوع المسيح. وقد اظهر يسوع ان هؤلاء الخطاة المحتقَرين، عند توبتهم، ينالون موقف الرضى الالهي، في حين ان الفريسيين والقادة الدينيين البارزين الآخرين يخسرون ذلك كصف. قال: «الحق اقول لكم ان العشارين والزواني يسبقونكم الى ملكوت اللّٰه. لأن يوحنا جاءكم في طريق الحق فلم تؤمنوا به. وأما العشارون والزواني فآمنوا به. وأنتم اذ رأيتم لم تندموا اخيرا لتؤمنوا به.» — متى ٢١:٣١، ٣٢.
موت «الغني» و «لعازر»
١٦، ١٧ كما يُستعمل في الكتاب المقدس، ماذا يمكن ان يمثِّل الموت؟
١٦ ماذا يعني اذًا موت «الغني» و «لعازر»؟ لا يلزم ان نستنتج انه يشير الى موت فعلي. فكما يُستعمل في الكتاب المقدس، يمكن ان يمثِّل الموت ايضا تغييرا كبيرا في حالة الأفراد. على سبيل المثال: الأشخاص الذين يتبعون مسلك حياة مخالفا لمشيئة اللّٰه يجري التكلُّم عنهم بصفتهم «امواتا بالذنوب والخطايا.» أما عندما يأتون الى موقف مقبول امام اللّٰه كتلاميذ ليسوع المسيح فتجري الاشارة اليهم بأنهم يصيرون ‹احياء.› (افسس ٢:١، ٥؛ كولوسي ٢:١٣) وفي الوقت نفسه يصير مثل هؤلاء الأشخاص الأحياء «امواتا» بالنسبة الى الخطية. نقرأ: «احسبوا انفسكم امواتا (في ما يتعلق بالخطية) ولكن احياء للّٰه بالمسيح يسوع ربنا.» — رومية ٦:١١.
١٧ بما ان «الغني» و «لعازر» في مثل يسوع رمزيان بشكل واضح، فمن المنطقي ان يكون موتهما ايضا رمزيا. ولكن بأيّ معنى يموتان؟
١٨-٢١ (أ) بسبب الناموس الموسوي، في اية علاقة عهد باللّٰه كانت امة اسرائيل؟ (ب) لكي يصيروا جزءا من «عروس» المسيح، كان على اليهود ان يتحرَّروا من اي شيء؟ (ج) ماذا تقول رومية ٧:١-٦ عن هذه المسألة؟ (د) اية فرصة جديدة أُتيحت منذ ايام يوحنا المعمدان؟
١٨ ان المفتاح للاجابة عن هذا السؤال يكمن في ما قاله يسوع مباشرة قبل تقديم المثل: «كل مَن يطلِّق امرأته ويتزوج بأخرى يزني. وكل مَن يتزوج بمطلَّقة من رجل يزني.» (لوقا ١٦:١٨) قد يبدو ان هذه العبارة لا علاقة لها البتة بالمثل. ولكن ليست هذه هي الحال.
١٩ فبسبب الناموس الموسوي كانت امة اسرائيل في علاقة عهد باللّٰه وبالتالي يمكن التكلُّم عنها كزوجة له. مثلا، في ارميا ٣:١٤، الترجمة اليسوعية، يشير اللّٰه الى الأمة كزوجة غير امينة: «ارجعوا ايها البنون العصاة يقول الرب فإني بعل لكم.» وبعد ذلك، بمجيء يسوع، قُدِّمت لليهود فرصة الصيرورة جزءا من ‹عروسه.› ولهذا السبب قال يوحنا المعمدان لتلاميذه: «انتم انفسكم تشهدون لي اني قلت لست انا المسيح بل اني مرسل امامه. مَن له العروس فهو العريس. وأما صديق العريس الذي يقف ويسمعه فيفرح فرحا من اجل صوت العريس. اذًا فرحي هذا قد كمل. ينبغي ان ذلك [يسوع] يزيد وأني انا انقص.» — يوحنا ٣:٢٨-٣٠.
٢٠ ولكي يصيروا جزءا من «عروس» المسيح، كان على اليهود ان يتحرَّروا من الناموس الذي جعلهم، بلغة مجازية، زوجة للّٰه. وبدون تحرُّر كهذا، لم يكن بامكانهم ان يأتوا الى علاقة زوجة بالمسيح، اذ يكون ذلك علاقة زنى. والكلمات في رومية ٧:١-٦ تؤكِّد ذلك:
«أم تجهلون ايها الاخوة. لأني اكلِّم العارفين بالناموس. ان الناموس يسود على الانسان ما دام حيًّا. فإن المرأة التي تحت رجل هي مرتبطة بالناموس بالرجل الحيّ. ولكن إن مات الرجل فقد تحرَّرت من ناموس الرجل. فإذًا ما دام الرجل حيًّا تدعى زانية إن صارت لرجل آخر. ولكن إن مات الرجل فهي حرَّة من الناموس حتى انها ليست زانية إن صارت لرجل آخر.
«اذًا يا اخوتي انتم ايضا قد متُّم للناموس بجسد المسيح لكي تصيروا لآخر للذي قد أُقيم من الأموات لنثمر للّٰه. . . . وأما الآن فقد تحرَّرنا من الناموس اذ مات الذي كنا ممسكين فيه حتى نعبد بجدة الروح لا بعتق الحرف.»
٢١ في حين ان موت يسوع المسيح كان الأساس لتحرير اليهود من الناموس، فحتى قبل موته كان في وسع التائبين ان يأتوا الى موقف مرضي عند اللّٰه كتلاميذ لابنه. فرسالة وعمل يوحنا المعمدان ويسوع المسيح فتحا الباب لليهود لينتهزوا فرصة نيل الرضى الالهي ويسيروا في الطريق الى الميراث السماوي كأعضاء من عروس المسيح. وكما عبَّر يسوع نفسه عن ذلك: «من ايام يوحنا المعمدان الى الآن ملكوت السموات هو الهدف الذي يندفع نحوه الناس، والذين يندفعون الى الأمام يمسكون به.» — متى ١١:١٢، عج.
٢٢ بأي معنى مات «الغني» و «لعازر»؟
٢٢ لذلك فإن عمل ورسالة يوحنا المعمدان ويسوع المسيح بدأا يقودان الى تغيير كامل في حالة «الغني» و «لعازر» الرمزيين. فكلا الصفين ماتا بالنسبة الى حالتهما السابقة. فأتى صف «لعازر» التائب الى موقف الرضى الالهي، فيما صار صف «الغني» تحت السخط الالهي بسبب الاستمرار في عدم التوبة. وذات مرة كان صف «لعازر» قد نظر الى الفريسيين وغيرهم من القادة الدينيين لليهودية من اجل «الفتات» الروحي. ولكنَّ تقديم يسوع الحق لهم سدَّ حاجاتهم الروحية. وفي مقابلة التغذية الروحية التي زوَّدها يسوع بتلك التي للقادة الدينيين، يذكر الكتاب المقدس: «بُهتت الجموع من تعليمه. لأنه كان يعلِّمهم كمَن له سلطان وليس كالكتبة.» (متى ٧:٢٨، ٢٩) حقا، حدث انعكاس تام. وتبيَّن ان القادة الدينيين لليهودية ليس لديهم ما يقدِّمونه لصف «لعازر.»
٢٣، ٢٤ (أ) اي تغيير في الحالة حدث في يوم الخمسين سنة ٣٣ بم؟ (ب) ماذا يُقصد بـ ‹الهوَّة› المذكورة في المثل؟
٢٣ وفي يوم الخمسين سنة ٣٣ بعد الميلاد تمَّ التغيير في الحالتين. ففي ذلك الوقت حلَّ العهد الجديد محلّ عهد الناموس القديم. وأولئك الذين تابوا وقبلوا يسوع جرى تحريرهم آنذاك كاملا من عهد الناموس القديم. لقد ماتوا بالنسبة اليه. وفي يوم الخمسين هذا كان هنالك ايضا دليل جليّ على ان تلاميذ يسوع المسيح رُفِّعوا كثيرا فوق الفريسيين والقادة الدينيين البارزين الآخرين. فليس القادة الدينيون لليهودية بل اولئك التلاميذ هم الذين نالوا روح اللّٰه، ممكِّنا اياهم من التكلُّم «بعظائم اللّٰه» باللغات القومية للناس من اماكن متفرقة بشكل واسع. (اعمال ٢:٥-١١) وكم كان هذا اعرابا رائعا عن نيلهم بركة اللّٰه ورضاه! لقد اتى صف «لعازر» حقا الى الحالة المرضيَّة اذ صاروا النسل الروحي لابراهيم الأعظم، يهوه. وهذا الامر مثَّله مركز ‹الحضن.› — قارنوا يوحنا ١:١٨.
٢٤ أما الفريسيون والقادة الدينيون البارزون الآخرون غير التائبين، فقد كانوا امواتا بالنسبة الى موقفهم السابق للرضى الظاهري. لقد كانوا في «(هَادِس).» وبالبقاء غير تائبين، فُصلوا عن تلاميذ يسوع الأمناء كما بـ «هوَّة عظيمة.» وكانت هذه «هوَّة» دينونة اللّٰه البارَّة التي لا تتغيَّر. نقرأ عن ذلك في الأسفار المقدسة: «احكامك لُجَّة عظيمة.» — مزمور ٣٦:٦.
عذاب «الغني»
٢٥-٢٧ كيف عُذِّب «الغني»؟
٢٥ ان صف «الغني» عذِّب ايضا. كيف؟ بواسطة رسائل دينونة اللّٰه النارية التي نادى بها تلاميذ يسوع. — قارنوا رؤيا ١٤:١٠.
٢٦ لا يمكن ان يكون هنالك شك في ان الرسالة التي نادى بها تلاميذ يسوع عذَّبت القادة الدينيين. وقد حاولوا بيأس ايقاف المناداة. فعندما قدَّم رسل يسوع المسيح دفاعهم امام المحكمة اليهودية العليا المؤلفة من رجال دينيين بارزين، «حنق [القضاة] وجعلوا يتشاورون ان يقتلوهم.» (اعمال ٥:٣٣) وفي ما بعد كان لدفاع التلميذ استفانوس تأثير معذِّب مماثل في اعضاء تلك المحكمة. «حنقوا بقلوبهم وصرُّوا بأسنانهم عليه.» — اعمال ٧:٥٤.
٢٧ اراد اولئك القادة الدينيون ان يأتي تلاميذ يسوع ‹ويبرِّدوا لسانهم.› لقد ارادوا ان يترك صف «لعازر» «حضن» رضى اللّٰه ويقدِّم رسالته بطريقة لا تسبب لهم الانزعاج. وبصورة مماثلة، ارادوا ان يلطِّف صف «لعازر» رسالة اللّٰه لكيلا يوضع ‹اخوتهم الخمسة،› حلفاؤهم الدينيون، في ‹موضع عذاب.› نعم، لم يريدوا ان يتعذَّب ايٌّ من عشرائهم برسائل الدينونة.
٢٨ ماذا رفض رسل الرب يسوع المسيح ان يفعلوا؟
٢٨ ولكن، كما اشار مثل يسوع، لم يكن صف «الغني» ولا حلفاؤه الدينيون ليتحرَّروا من التأثيرات المعذِّبة للرسالة التي ينادي بها صف «لعازر.» لقد رفض رسل الرب يسوع المسيح ان يلطِّفوا الرسالة. ورفضوا ان يتوقفوا عن التعليم على اساس اسم يسوع. وكان جوابهم للمحكمة اليهودية العليا. «ينبغي ان يطاع اللّٰه اكثر من الناس.» — اعمال ٥:٢٩.
٢٩ كيف كان بإمكان حلفاء «الغني» الدينيين ان ينجوا من العذاب؟
٢٩ وإذا اراد حلفاء «الغني» الدينيون ان ينجوا من هذا العذاب، فبإمكانهم ذلك. فكان عندهم «موسى والأنبياء،» اي كانت عندهم الأسفار المقدسة الموحى بها التي كتبها موسى والأنبياء القدامى الآخرون. ولم تشِر تلك الأسفار المقدسة الموحى بها ولا مرة واحدة الى ايّ مكان حرفي للعذاب بعد الموت، ولكنها احتوت كل ما يلزم لتحديد هوية يسوع بصفته المسيّا او المسيح الموعود به. (تثنية ١٨:١٥، ١٨، ١٩؛ ١ بطرس ١:١٠، ١١) ولذلك، لو ان صف «الغني» و ‹اخوته الخمسة› انتبهوا لِـ «موسى والأنبياء،» لقبلوا يسوع بصفته المسيّا. ولوضعهم ذلك في الطريق الى الرضى الالهي وحماهم من التأثيرات المعذِّبة لرسالة دينونة اللّٰه.
العالم المسيحي يجب ان يعرف
٣٠ لماذا ليس هنالك سبب لكيلا يعرف رجال دين العالم المسيحي ان هذا هو مثل؟
٣٠ ليس هنالك سبب لكيلا يكون رجال دين العالم المسيحي حسني الاطلاع على هذا الفهم لمثل يسوع. وثمة تعليق پروتستانتي بارز، الكتاب المقدس للمفسِّر، يلفت الانتباه الى توضيح مماثل. فهو يظهر ان مفسِّرين كثيرين يعتقدون ان كلمات يسوع هي «ملحق مجازي يتصوَّر مقدما الصراع بين المسيحية الباكرة واليهودية الأرثوذكسية. والغني واخوته يمثّلون اليهود غير المؤمنين. ويبدو ان يسوع يؤكِّد انهم رفضوا بعناد ان يتوبوا على الرغم من الشهادة الواضحة له في الأسفار المقدسة وينبئ انهم سيفشلون في التأثر بقيامته. وما يمكن تخيُّله هو ان لوقا وقرَّاءه فرضوا تفسيرا كهذا على هذه الآيات.» وفي حاشية على لوقا الاصحاح ١٦، يعترف الكتاب المقدس الأورشليمي الكاثوليكي بأن هذا «مثل في شكل قصة دون اشارة الى اية شخصية تاريخية.»
٣١-٣٣ (أ) اية اسئلة مهمة تُطرح عن رجال دين العالم المسيحي؟ (ب) اية دروس حيوية نتعلَّمها من مثل الغني ولعازر؟ (ج) اية اسئلة شخصية يجب ان نطرحها على انفسنا؟
٣١ نظرا الى ذلك، يمكننا ان نسأل بالصواب: لماذا لم يعترف رجال دين العالم المسيحي على الأقل لرعايا كنيستهم بأن هذا مثل؟ ولماذا يستمر اولئك الذين يعرفون ان الكتاب المقدس لا يعلِّم خلود النفس البشرية في وضع تطبيق حرفي على مثل واضح؟ أليس ذلك عدم استقامة؟ ألا يظهرون استخفافا بكلمة اللّٰه، مخفين الوقائع عمدا؟
٣٢ يحتوي مثل الغني ولعازر على دروس حيوية لنا اليوم. فهل ننتبه لكلمة اللّٰه الموحى بها؟ وهل نرغب في اتِّباعها كتلاميذ منتذرين ليسوع المسيح؟ ان الذين يرفضون ذلك، كالفريسيين اليهود، لن ينجوا من التأثيرات المعذِّبة لرسالة دينونة اللّٰه ضدهم. وسيواصل خدامه الأولياء اعلان الحق، مشهِّرين الخطأ الديني بجرأة.
٣٣ فأين تقفون في هذه المسألة؟ هل تعتقدون انه يجب ان يكون هنالك فتور في تشهير كهذا، شاعرين بأنه يوجد صلاح في جميع الأديان؟ أم هل تشعرون بالسخط على اساءة تمثيل العالم المسيحي اللّٰه بعقائده الباطلة عن الأموات؟ هل تريدون ان تروا اسم اللّٰه يتبرَّأ من التعيير الذي جلبه عليه تعليم العقائد الباطلة؟ وهل ترغبون في رؤية عدم توفير ايّ جهد في سبيل تحرير ذوي القلوب المستقيمة من العبودية للأباطيل الدينية؟ اذا كان الامر كذلك، فستجدون ان قصد اللّٰه المتعلق بالأموات والأحياء معزٍّ جدا.