مَرْيَم
[ربما معناه: متمردة]:
١- ابنة عمرام ويوكابد زوجته (كلاهما من سبط لاوي)، وأخت موسى وهارون. (عد ٢٦:٥٩؛ ١ اخ ٦:١-٣) ومع انها لا تُذكر بالاسم، فلا شك انها هي التي يشار اليها بكلمة «اخته»، اي اخت موسى التي اخذت تراقبه لترى ما سيحل به حين كان طفلا موضوعا في سفط بين القصب على ضفة نهر النيل. (خر ٢:٣، ٤) وبعدما وجدت ابنة فرعون الطفل و «حنّت» عليه وأدركت انه «من اولاد العبرانيين»، سألتها مريم هل تدعو امرأة من العبرانيات لترضعه. فأمرتها ابنة فرعون ان تفعل. وهكذا «ذهبت الصبية ودعت امّ الولد» (يوكابد) التي استُخدمت اثر ذلك لتعتني بموسى الى ان يكبر. — خر ٢:٥-١٠.
تقود نساء اسرائيل في الترنيم: بعد عدة سنوات، وعقب رؤية انتصار يهوه على جيش فرعون عند البحر الاحمر، ولدى سماع ترنيم موسى ورجال اسرائيل، قادت «مريم النبية» نساء اسرائيل حين رقصن بفرح وفي ايديهن دفوف. وأخذت تجيب المرنمين الذين يقودهم موسى قائلة: «رنموا ليهوه لأنه قد تعالى جدا. الفرس وراكبه رماهما في البحر». — خر ١٥:١، ٢٠، ٢١.
تتذمر على موسى: عندما كان الاسرائيليون في البرية، تكلمت مريم وهارون على موسى بسبب زوجته الكوشية. فربما نشأت عند مريم وهارون رغبة تنم عن غيرة، رغبة في تولي سلطة اكبر نظرا الى المكانة البارزة التي تمتع بها موسى والتأثير الذي كان له في الشعب. لذا كانا يقولان: «أبموسى وحده تكلم يهوه؟ ألم يتكلم بنا ايضا؟». لكن يهوه كان يسمع، وقد أمر فجأة موسى ومريم وهارون بأن يذهبوا الى خيمة الاجتماع. وهناك ذكّر اللّٰه المتذمرَين ان اخاهما موسى هو خادمه الذي يتكلم اليه، لا بطريقة غير مباشرة بل «فما الى فم». ثم سأل يهوه مريم وهارون: «لماذا لم تخافا ان تتكلما على خادمي موسى؟»، وحمي غضبه عليهما. ثم ابتعدت السحابة من فوق الخيمة، «وإذا بمريم برصاء كالثلج». عندئذ التمس هارون الرحمة وتوسط موسى لها، فسمح يهوه بأن ترجع مريم الى المخيم بعد إذلالها بالحجر عليها سبعة ايام. — عد ١٢:١-١٥.
بما ان مريم وحدها ضُربت بالبرص، فقد يُستنتج انها هي مَن حرض على السلوك الخاطئ في تلك المناسبة. (انظر «هارُون».) وربما كانت خطية التذمر على موسى التي ارتكبتها اعظم من خطية هارون، ولعلها كانت قضية غيرة امرأة من اخرى (لأنهما بدأا يتكلمان على موسى بسبب زوجته الكوشية)؛ اثناء ذلك، وقف هارون الى جانب اخته لا زوجة اخيه. وبما ان مريم كانت تُعتبر نبية، فربما كان يُنظر اليها بصفتها المرأة الابرز في اسرائيل. لذلك خشيت ان ينتقص وجود زوجة موسى من مكانتها. ولكن بصرف النظر عن كل هذه الاحتمالات، ورغم انه لم يلق بمريم وهارون كليهما ان يتذمرا، كان من الخطإ ان تتذمر مريم بشكل خاص على موسى، لأن اللّٰه عين ان تكون المرأة خاضعة للرجل. (١ كو ١١:٣؛ ١ تي ٢:١١-١٤) وفي وقت لاحق، استُخدم تصرف مريم الخاطئ كمثال تحذيري عندما امر موسى الشعب في نهاية الرحلة في البرية ان يذعنوا لإرشادات الكهنة المتعلقة بالبرص، وحثهم ان يتذكروا ما فعله يهوه بمريم عند خروجهم من مصر. — تث ٢٤:٨، ٩.
ماتت مريم ودُفنت في قادِش في برية صين قبيل موت هارون. (عد ٢٠:١، ٢٨) وبعد قرون ذكّر يهوه، بواسطة نبيه ميخا، بالامتياز الذي تمتعت به مريم وأخواها عندما خرج اسرائيل من مصر. فقد قال: «اني اصعدتك من ارض مصر، وفديتك من بيت العبودية، وأرسلت امامك موسى وهارون ومريم». — مي ٦:٤.
٢- شخص متحدر من يهوذا. — ١ اخ ٤:١، ١٧، ١٨.
٣- امّ يسوع وابنة هالي، مع ان سلسلة النسب في سفر لوقا تذكر ان يوسف زوج مريم هو «ابن هالي». تذكر دائرة معارف مكلنتوك وسترونغ (١٨٨١، المجلد ٣، ص ٧٧٤ ]بالانكليزية[): «من المعروف ان اليهود كانوا يحسبون الذكور فقط عند تنظيم سلاسل انسابهم. وإذا تتابع نسل الجد ليصل الى الحفيد من خلال الابنة، يحذفون اسمها ويحسبون الصهر ابنا لجد الحفيد من جهة امه (عد ٢٦:٣٣؛ ٢٧:٤-٧)». ولا شك ان هذا السبب هو ما جعل المؤرخ لوقا يقول ان يوسف هو «ابن هالي». — لو ٣:٢٣.
كانت مريم من سبط يهوذا ومتحدرة من داود. لذا يمكن القول عن ابنها يسوع انه «تحدر من نسل داود بحسب الجسد». (رو ١:٣) وقد امتلك يسوع من خلال ابيه بالتبني، يوسف المتحدر من داود، حقا شرعيا في عرش داود؛ كما امتلك من خلال امه، بصفته «نسل» و «اصل» داود، الحق الوراثي الطبيعي في «عرش داود ابيه». — مت ١:١-١٦؛ لو ١:٣٢؛ اع ١٣:٢٢، ٢٣؛ ٢ تي ٢:٨؛ رؤ ٥:٥؛ ٢٢:١٦.
يذكر التقليد ان زوجة هالي، اي امّ مريم، تدعى حنة، وأن اخت حنة انجبت بنتا اسمها أليصابات التي هي امّ يوحنا المعمدان. وإذا كان هذا التقليد صحيحا، فهذا يعني ان أليصابات هي ابنة خالة مريم. وتؤكد الاسفار المقدسة نفسها وجود قرابة بين مريم وأليصابات التي كانت «من بنات هارون» من سبط لاوي. (لو ١:٥، ٣٦) فضلا عن ذلك، يظن البعض ان سالومة زوجة زبدي، التي كان ابناها يعقوب ويوحنا من رسل يسوع، هي اخت مريم. — مت ٢٧:٥٥، ٥٦؛ مر ١٥:٤٠؛ ١٦:١؛ يو ١٩:٢٥.
يزورها ملاك: نحو بداية سنة ٢ قم، ارسل اللّٰه الملاك جبرائيل الى العذراء مريم في بلدة الناصرة. وقد وجَّه اليها تحية استثنائية جدا قائلا: «طاب يومك، ايتها المنعم عليها، يهوه معك». وعندما قال انها ستحبل وتلد ابنا تدعوه يسوع، سألته مريم التي كانت آنذاك مخطوبة ليوسف: «كيف يكون هذا، وأنا ليس لي علاقة زوجية برجل؟». فأوضح الملاك: «روح قدس يأتي عليك، وقدرة العلي تظللك. لذلك ايضا يدعى المولود قدوسا، ابن اللّٰه». وإذ ابتهجت بالحدث المرتقب، اجابت بحشمة وتواضع لائقين: «هوذا أمَة يهوه! ليكن لي كما اعلنت». — لو ١:٢٦-٣٨.
ولتقوية ايمان مريم استعدادا لهذا الحدث البالغ الاهمية، قيل لها ان نسيبتها أليصابات حبلت في شيخوختها وبلغت الشهر السادس من حملها، وإنها لم تعد عاقرا بفضل قوة يهوه العجائبية. فذهبت مريم لزيارتها، وحين دخلت بيتها ارتكض الجنين فرحا في رحم أليصابات. عندئذ هنأت هذه الاخيرة مريم قائلة: «مباركة انت بين النساء، ومباركة ثمرة رحمك!». (لو ١:٣٦، ٣٧، ٣٩-٤٥) فاندفعت مريم الى التفوه بكلمات ملهمة تمجد يهوه على صلاحه. — لو ١:٤٦-٥٥.
رجعت مريم الى الناصرة بعدما اقامت نحو ثلاثة اشهر عند أليصابات في تلال اليهودية. (لو ١:٥٦) وعندما علم يوسف انها حامل (على الارجح اباحت هي اليه بذلك)، نوى ان يطلقها سرا بدلا من تعريضها للتشهير العلني. (اعتُبر المخطوبون كأنهم متزوجون، وكان يلزم اجراء طلاق لفسخ الخطبة.) لكن ملاك يهوه تراءى ليوسف وكشف له ان الذي حُبل به فيها هو من روح قدس. عندئذ اذعن يوسف للوصية الالهية وتزوج مريم، «ولم تكن له علاقة زوجية بها الى ان ولدت ابنا، ودعا اسمه يسوع». — مت ١:١٨-٢٥.
تلد يسوع في بيت لحم: تتوالى احداث هذه القصة ويُصدر القيصر اوغسطس مرسوما يُلزم فيه كل شخص بأن يكتتب في مسقط رأسه. وقد صدر المرسوم في ذلك الوقت بتدبير الهي، اذ كان لا بد ان تتم النبوة المتعلقة بمكان ولادة يسوع. (مي ٥:٢) وهكذا اخذ يوسف مريم، التي كان ‹حملها قد ثقل›، في رحلة شاقة تناهز الـ ١٥٠ كلم (٩٣ ميلا) من بيتهما في الناصرة شمالا الى بيت لحم جنوبا. وبما انه لم يكن لهما موضع في النزل، وُلد الطفل في احوال وضيعة للغاية وأُضجع في مذود. وقد حدث ذلك على الارجح نحو ١ تشرين الاول سنة ٢ قم. — لو ٢:١-٧؛ انظر الصورتين في المجلد ٢، ص X؛ «يسوع المسيح».
بعد سماع صوت ملاك يقول: «وُلد لكم اليوم مخلص، هو المسيح الرب، في مدينة داود»، اسرع رعاة الى بيت لحم. وهناك وجدوا العلامة: طفل مريم ‹مقمط ومُضجَع في مذود›. فأخبروا العائلة السعيدة ما كانت الجوقة الملائكية العظيمة قد رنمته: «المجد للّٰه في الاعالي، وعلى الارض السلام بين اناس الرضى». وكانت مريم «تحفظ كل هذا الكلام، متفكرة فيه في قلبها». — لو ٢:٨-٢٠.
في اليوم الثامن اخذت مريم ابنها ليُختن اطاعة لشريعة يهوه. وفي اليوم الـ ٤٠ اتت هي وزوجها بالطفل الى الهيكل في اورشليم لتقريب الذبيحة الموصى بها. وقد امرت الشريعة بأن تكون الذبيحة حملا وفرخ يمام او ترغلة؛ وإن لم يكن في وسع العائلة ان تقدم شاة، لزم ان تقرب زوج ترغل او فرخي يمام. وبما ان مريم قربت إما «زوج ترغل او فرخي يمام»، فمن الواضح ان يوسف لم يكن ميسور الحال. (لو ٢:٢١-٢٤؛ لا ١٢:١-٤، ٦، ٨) وقد رأى الطفلَ رجلٌ بار يدعى سمعان، فسبّح يهوه لأنه سمح له برؤية المخلص قبل ان يموت بسبب شيخوخته. ثم التفت الى مريم وقال: «وأنتِ سيجوز في نفسك سيف طويل». لم يعنِ هذا انها ستُطعن بسيف حرفي، بل انها ستقاسي الالم والعذاب نتيجة موت ابنها المنبإ به على خشبة الآلام. — لو ٢:٢٥-٣٥.
تعود الى الناصرة: في وقت لاحق حذر ملاكٌ يوسف من مكيدة دبرها هيرودس الكبير لقتل الصغير، وأمره بأن يهرب بيسوع الى مصر. (مت ٢:١-١٨) وبعد موت هيرودس، عادت العائلة واستقرت في الناصرة، حيث انجبت مريم في السنين التالية اولادا آخرين: اربعة بنين على الاقل وعددا من البنات. — مت ٢:١٩-٢٣؛ ١٣:٥٥، ٥٦؛ مر ٦:٣.
كان من عادة مريم ان ترافق يوسف كل سنة في رحلة الى اورشليم من اجل الاحتفال السنوي بعيد الفصح، قاطعين مسافة ١٥٠ كلم (٩٣ ميلا) تقريبا، رغم ان الشريعة لم تُلزم النساء بالحضور. (خر ٢٣:١٧؛ ٣٤:٢٣) وفي احدى هذه الرحلات، نحو سنة ١٢ بم، اكتشفت العائلة في طريق عودتها، بعد مسيرة يوم من اورشليم، ان الصبي يسوع مفقود. فعاد ابواه على الفور الى اورشليم وأخذا يبحثان عنه. وبعد ثلاثة ايام وجداه في الهيكل يسمع للمعلمين ويسألهم. فصاحت مريم: «يا ولدي، لماذا فعلت بنا هكذا؟ هوذا ابوك وأنا كنا في كرب نفتش عنك». فأجاب يسوع: «لماذا تفتشان عني؟ ألم تعلما انني لا بد ان اكون في بيت ابي؟». لا شك ان العثور على ابن اللّٰه في الهيكل هو امر منطقي، فهناك يستطيع ان يتلقى الارشاد من الاسفار المقدسة. وقد كانت مريم «تحفظ باعتناء كل هذا الكلام في قلبها». — لو ٢:٤١-٥١.
تبين ان هذا الصبي يسوع، البالغ من العمر ١٢ سنة، يملك معرفة مذهلة تفوق ما يُتوقع من ولد في سنه. فقد «كان كل الذين يسمعونه مبهوتين من فهمه وأجوبته». (لو ٢:٤٧) غير ان المعرفة والفهم اللذين امتلكهما يسوع في الاسفار المقدسة كانا نتيجة تدريب ابويه الممتاز. فلا بد ان مريم ويوسف دأبا على تعليم الصبي وتدريبه. وقد ربّياه «في تأديب يهوه وتوجيهه الفكري» ونمّيا فيه التقدير لعادة الذهاب الى المجمع كل سبت. — لو ٤:١٦؛ اف ٦:٤.
يسوع احترمها وأحبها: لم يعامل يسوع مريم معاملة مميزة جدا بعد معموديته. فلم يخاطبها مستعملا كلمة ‹امي› بل كلمة «امرأة». (يو ٢:٤؛ ١٩:٢٦) ولا يُقصد ابدا بهذه الكلمة التقليل من الاحترام كما يمكن ان توحي للبعض. فالكلمة المستعملة بهذه الطريقة في اللغة الالمانية، مثلا، يُقصد بها «سيدة». وصحيح ان مريم كانت امّ يسوع بحسب الجسد، ولكن منذ ولادته بالروح وقت معموديته، صار بشكل رئيسي ابن اللّٰه الروحي وصارت ‹امه› «اورشليم العليا». (غل ٤:٢٦) وشدد يسوع على ذلك عندما قاطعته مريم وأولادها الآخرون فيما كان يعلّم، طالبين منه ان يخرج الى حيث هم واقفون. فقد اظهر ان مَن يعتبرهم فعليا امه وأقرب اقربائه هم الاشخاص الذين ينتمون الى عائلته الروحية، وأن المسائل الروحية لها الاولوية فوق الاهتمامات الجسدية. — مت ١٢:٤٦-٥٠؛ مر ٣:٣١-٣٥؛ لو ٨:١٩-٢١.
عندما نفدت الخمر في عرس في قانا الجليل وقالت مريم ليسوع: «ليس عندهم خمر»، اجابها قائلا: «ما لي ولك يا امرأة؟ لم تأتِ ساعتي بعد». (يو ٢:١-٤) استخدم يسوع هنا جملة استفهامية قديمة ترد ثماني مرات في الاسفار العبرانية (يش ٢٢:٢٤؛ قض ١١:١٢؛ ٢ صم ١٦:١٠؛ ١٩:٢٢؛ ١ مل ١٧:١٨؛ ٢ مل ٣:١٣؛ ٢ اخ ٣٥:٢١؛ هو ١٤:٨) وست مرات في الاسفار اليونانية. (مت ٨:٢٩؛ مر ١:٢٤؛ ٥:٧؛ لو ٤:٣٤؛ ٨:٢٨؛ يو ٢:٤) فالسؤال «ما لي ولك؟» يعني: «ماذا يجمع بيني وبينك؟» او «ماذا يجمعك بي؟» او «ما شأني بك؟». وفي كل مرة يُستعمل فيها هذا السؤال، يُقصد به الاعتراض على الشيء المقترح او المحتمل حدوثه. وهكذا، صاغ يسوع بمحبة توبيخه الرقيق باستعمال هذا السؤال، مظهرا لأمه انه لا يأخذ التوجيهات منها بل من صاحب السلطان الاسمى الذي ارسله. (١ كو ١١:٣) وقد فهمت مريم الحساسة والمتواضعة الفكرة على الفور وقبلت التقويم. فتراجعت وتركت يسوع يأخذ القيادة، قائلة للخدم: «مهما يقل لكم فافعلوا». — يو ٢:٥.
كانت مريم واقفة عند خشبة الآلام حين عُلق يسوع. فيسوع بالنسبة اليها هو اكثر من ابن محبوب؛ انه المسيا، ربها ومخلصها، وابن اللّٰه. ويبدو ان مريم كانت ارملة في ذلك الوقت. وبما ان يسوع هو البكر في عائلة يوسف، فقد تمم مسؤوليته حين طلب من الرسول يوحنا، ابن خالته على الارجح، ان يأخذ مريم الى بيته ويعتني بها كما لو كانت امه. (يو ١٩:٢٦، ٢٧) ولكن لماذا لم يعهد يسوع بها الى احد اخوته من امه؟ لا يُذكر ان ايا منهم كان حاضرا آنذاك. كما انهم لم يكونوا قد آمنوا بعد بيسوع، الذي اعتبر ان العلاقة الروحية اهم من العلاقة الجسدية. — يو ٧:٥؛ مت ١٢:٤٦-٥٠.
تلميذة امينة: يُظهر الكتاب المقدس في آخر ذكر لمريم انها امرأة ايمان وتعبُّد استمرت تعاشر المؤمنين الآخرين معاشرة لصيقة بعد صعود يسوع الى السماء. فقد اجتمع الرسل الـ ١١ ومريم وآخرون في علية وكانوا «يداومون معا على الصلاة». — اع ١:١٣، ١٤.
٤- اخت مرثا ولعازر. وقد اكن يسوع مودة خصوصية لأصدقائه هؤلاء واعتاد ان يزورهم في بيت عنيا التي تبعد نحو ١٥ غلوة (٨,٢ كلم؛ ٧,١ ميل) عن جبل الهيكل في اورشليم وتقع عند المنحدر الشرقي لجبل الزيتون. (يو ١١:١٨) وفي احدى زياراته في السنة الثالثة لخدمته، كانت مرثا منشغلة اكثر من اللازم بتوفير الراحة الجسدية له تعبيرا عن حسن ضيافتها. اما مريم فأعربت عن نوع آخر من الضيافة. فقد «جلست عند قدمي الرب تسمع كلامه». وعندما اشتكت مرثا لأن اختها لا تساعدها، مدح يسوع مريم وقال: «مريم اختارت النصيب الصالح، ولن يُنزع منها». — لو ١٠:٣٨-٤٢.
تشهد اقامة لعازر: بعد اشهر قليلة من الزيارة المذكورة آنفا لهذه العائلة، مرض لعازر وأشرف على الموت. فأرسلت مريم ومرثا في طلب يسوع الذي كان على الارجح في پيريا شرق الاردن. ولكن لما وصل يسوع، كان لعازر ميتا منذ اربعة ايام. وعندما عُلم بمجيئه، سارعت مرثا الى استقباله فيما بقيت مريم «جالسة في البيت». ثم عادت مرثا من اطراف القرية وهمست الى اختها المفجوعة قائلة: «المعلم حاضر وهو يدعوك». فقامت سريعا للقائه، وقالت باكية عند قدميه: «يا رب، لو كنت هنا، لما مات اخي»، مستعملةً نفس الكلمات التي تفوهت بها اختها مرثا حين لاقت يسوع اولا. وحين رأى السيد دموع مريم ودموع اليهود الذين معها، أنَّ وأخذ يبكي. ثم صنع العجيبة المذهلة، اقامة لعازر من الموت. عندئذ «آمن به كثيرون من اليهود الذين جاءوا الى مريم [ليعزوها]». — يو ١١:١-٤٥.
تدهن يسوع بالزيت: قبل خمسة ايام من فصح يسوع الاخير، استُضيف يسوع وتلاميذه مجددا في بيت عنيا، وهذه المرة في بيت سمعان الابرص حيث كانت مريم وعائلتها حاضرين. وراحت مرثا تقدم العشاء، اما مريم فبقيت تركز انتباهها على ابن اللّٰه. وفيما كان يسوع متكئا، «اخذت مريم منًا من زيت عطر، ناردين خالص كثير الثمن» (ما يناهز اجر سنة) وسكبته على رأسه وقدميه. ومع ان هذا التصرف الناجم عن المحبة والاعتبار ليسوع لم يلقَ عموما التقدير في ذلك الوقت، فقد كان في الواقع تهيئة لموت يسوع ودفنه الوشيكين. وكما في السابق، انتقد الآخرون مريم على تصرفها الذي ينم عن المحبة، وهنا ايضا دافع يسوع عنها وعبّر عن جزيل التقدير لمحبتها وإخلاصها. قال: «حيثما يُكرز بالبشارة في العالم كله، يُخبَر ايضا بما فعلته هذه المرأة، تذكارا لها». — مت ٢٦:٦-١٣؛ مر ١٤:٣-٩؛ يو ١٢:١-٨.
لا يجب ان يُخلط بين دَهن مريم ليسوع في الحادثة المذكورة اعلاه، كما اوردها متى ومرقس ويوحنا، وبين الدَّهن المذكور في لوقا ٧:٣٦-٥٠. صحيح انه توجد بعض التشابهات بين الحادثتين، لكنهما مختلفتان في امور اخرى. فالحادثة الاسبق التي ذكرها لوقا، حدثت في مقاطعة الجليل الشمالية، اما الثانية فوقعت في الجنوب في بيت عنيا باليهودية. كما ان الحادثة الاولى جرت في بيت فريسي، في حين جرت الثانية في بيت سمعان الابرص. والمرأة غير المذكورة بالاسم التي دهنت يسوع في الحادثة الاولى كان معروفا عموما انها «خاطئة»، اي على الارجح بغيّ، اما المرأة في الحادثة الثانية فهي مريم اخت مرثا. وقد فصلت بين الحادثتين فترة تزيد على السنة.
يزعم بعض النقاد ان يوحنا ناقض متى ومرقس حين قال ان العطر سُكب على قدمي يسوع لا على رأسه. (مت ٢٦:٧؛ مر ١٤:٣؛ يو ١٢:٣) وتعليقا على متى ٢٦:٧ يقول ألبرت بارنز: «لا يوجد تناقض هنا. فمن المرجح انها سكبته على رأسه وقدميه على السواء. وقد سجّل متى ومرقس الامر الذي قامت به اولا. اما يوحنا، الذي كان احد اسباب كتابة انجيله تسجيل الاحداث التي لم يذكرها متى ومرقس، فيروي ان الزيت سُكب ايضا على قدمي المخلص. وكان سكب الزيت على الرأس امرا شائعا. اما سكبه على القدمين فكان تعبيرا عن التواضع الشديد والتعلق بالمخلص، الامر الذي جعله جديرا بالذكر». — ملاحظات بارنز حول العهد الجديد، ١٩٧٤.
٥- مريم المجدلية. ولقب «المجدلية» (نسبة الى مجدل) الذي يميزها عن غيرها يعود اصله على الارجح الى بلدة مجدل (انظر «مَجَدان») على الساحل الغربي لبحر الجليل، عند منتصف المسافة تقريبا بين كفرناحوم وطبرية. لا يذكر السجل ان يسوع زار يوما هذه البلدة، مع انه قضى وقتا طويلا في المنطقة المحيطة. وليس مؤكدا ان هذه البلدة هي مسقط رأس مريم او مكان اقامتها. وبما ان لوقا يقول انها «مريم التي تدعى المجدلية»، يظن البعض انه كان يشير الى شيء خصوصي. — لو ٨:٢.
طرد يسوع سبعة شياطين من مريم المجدلية، وهذا سبب كاف لتؤمن بأنه المسيا وتبرهن عن ايمانها من خلال الخدمات المميزة التي قدمتها وإخلاصها اللافت. يؤتى على ذكر مريم هذه للمرة الاولى عند الحديث عن سنة يسوع الكرازية الثانية حين كان هو ورسله ‹مسافرين من مدينة الى مدينة ومن قرية الى قرية، يكرزون ويبشرون بملكوت اللّٰه›. فقد كانت هي ويونا، زوجة القيّم على شؤون هيرودس، وسوسنة ونساء اخر يواظبن على خدمة حاجات يسوع ورسله من ممتلكاتهن. — لو ٨:١-٣.
وأبرز ذكر لمريم المجدلية يرد في رواية موت يسوع وقيامته. فعندما سيق يسوع حمَل اللّٰه الى الذبح، كانت هي بين النساء اللواتي «نظرن من بعيد» لرؤية تعليق يسوع على خشبة الآلام واللواتي سبق ان «رافقن يسوع من الجليل ليخدمنه». وكانت معها عند تعليقه مريم امّ يسوع وسالومة وكذلك «مريم الاخرى» (رقم ٦). — مت ٢٧:٥٥، ٥٦، ٦١؛ مر ١٥:٤٠؛ يو ١٩:٢٥.
بعد دفن يسوع، ذهبت مريم المجدلية ونساء اخر ليهيئن اطيابا وزيتا عطرا قبل ابتداء السبت عند مغيب الشمس. وبعد السبت، عند بزوغ فجر اليوم الاول من الاسبوع، جلبت مريم والنساء الاخر الزيت العطر الى القبر. (مت ٢٨:١؛ مر ١٥:٤٧؛ ١٦:١، ٢؛ لو ٢٣:٥٥، ٥٦؛ ٢٤:١) لكن مريم رأت القبر مفتوحا، وقد بدا فارغا. حينئذ هرعت لتبلغ بطرس ويوحنا بالخبر المفاجئ، فركضا الى القبر. (يو ٢٠:١-٤) وعندما عادت مريم الى القبر، كان بطرس ويوحنا قد غادرا. فنظرت الى الداخل وفوجئت برؤية ملاكين بلباس ابيض. ثم التفتت الى الوراء فرأت يسوع واقفا. غير انها ظنته البستاني، فسألته عن مكان الجسد لكي تتولى الاهتمام به. وعندما اجاب قائلا: «مريم!»، عرفته على الفور واندفعت الى معانقته وهي تقول: «رابوني!». ولكن لم يكن لدى يسوع متسع من الوقت لتعابير المودة البشرية هذه. فالوقت الباقي الذي سيقضيه معهم كان قصيرا. وكان على مريم ان تسرع لتخبر التلاميذ الآخرين ان يسوع قام وأنه سيصعد، كما قال، «الى ابي وأبيكم وإلى الهي وإلهكم». — يو ٢٠:١١-١٨.
٦- «مريم الاخرى». وقد كانت زوجة كلوبا (حلفى) (انظر «كِلُوبا») وأمّ يعقوب الصغير ويوسي. (مت ٢٧:٥٦، ٦١؛ يو ١٩:٢٥) يذكر التقليد، دون اي دعم من الاسفار المقدسة، ان كلوبا كان اخا يوسف ابي يسوع بالتبني. وإذا كان ذلك صحيحا، تكون مريم هذه زوجة عم يسوع ويكون ابناها ابني عمه.
لم تكن مريم فقط بين النساء «اللواتي رافقن يسوع من الجليل ليخدمنه» بل شاهدت ايضا تعليقه على خشبة الآلام. (مت ٢٧:٥٥؛ مر ١٥:٤٠، ٤١) وقد بقيت هي ومريم المجدلية قليلا خارج قبره في ذلك الوقت الاليم — بعد ظهر اليوم الواقع فيه ١٤ نيسان القمري. (مت ٢٧:٦١) وفي اليوم الثالث، جاءتا مع اخريات الى القبر حاملات اطيابا وزيتا عطرا لدهن جسد يسوع، وقد فوجئن حين وجدن القبر مفتوحا. ثم اوضح ملاك ان المسيح قام من الموت، وأمرهن قائلا: «اذهبن وقلن لتلاميذه». (مت ٢٨:١-٧؛ مر ١٦:١-٧؛ لو ٢٤:١-١٠) وفي الطريق ظهر يسوع المقام لمريم هذه والاخريات. — مت ٢٨:٨، ٩.
٧- امّ يوحنا مرقس نسيب برنابا. (اع ١٢:١٢؛ كو ٤:١٠) كانت الجماعة المسيحية الباكرة في اورشليم تجتمع في بيتها. وكان ابنها مرقس على علاقة وثيقة بالرسول بطرس الذي ساهم دون شك مساهمة كبيرة في نموه الروحي، وذلك لأن بطرس اشار اليه بعبارة «مرقس ابني». (١ بط ٥:١٣) عندما أُخرج بطرس من سجن هيرودس، جاء مباشرة الى بيت مريم «حيث كان كثيرون مجتمعين ويصلون». ولا بد ان البيت كان كبير الحجم؛ كما يدل وجود جارية ان مريم هذه كانت امرأة ميسورة. (اع ١٢:١٢-١٧) وربما كانت ارملة اذ يقال ان بطرس ذهب الى بيت مريم لا الى بيت زوجها. — اع ١٢:١٢.
٨- مريم التي في روما. وقد سلّم بولس عليها في رسالته الى روما ومدحها لأنها «كدّت كثيرا» في سبيل الجماعة في روما. — رو ١٦:٦.